الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ)
.
وَهِيَ سَبْعَةُ أَقْسَامٍ عِلَّةٌ اسْمًا وَحُكْمًا وَمَعْنًى وَهُوَ الْحَقِيقَةُ فِي الْبَابِ وَعِلَّةٌ اسْمًا لَا حُكْمًا وَلَا مَعْنًى وَهُوَ الْمَجَازُ وَعِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا وَعِلَّةٌ هُوَ فِي حَيِّزِ الْأَسْبَابِ لَهَا شَبَهٌ بِالْأَسْبَابِ وَوَصْفٌ لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ وَعِلَّةٌ مَعْنًى وَحُكْمًا لَا اسْمًا وَعِلَّةٌ اسْمًا وَحُكْمًا لَا مَعْنًى أَمَّا الْأَوَّلُ فَمِثْلُ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ لِلْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ لِلْحِلِّ وَالْقَتْلِ لِلْقِصَاصِ وَمَا يَجْرِي ذَلِكَ مِنْ الْعِلَلِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفْسِيرِهَا وَحَقِيقَةُ مَا وُضِعَتْ لَهُ وَإِنَّمَا نَعْنِي بِالْمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الْأَثَرُ.
ــ
[كشف الأسرار]
التَّعْجِيلُ قَبْلَهُ وَسَيَأْتِيك زِيَادَةُ بَيَانٍ لِهَذَا الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمِثْلُ مَا قُلْنَا يَعْنِي السَّبَبَ الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ سَبَبٌ مَجَازًا هُوَ السَّبَبُ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ عَلَى مَا قَرَعَ سَمْعَك تَقْرِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ]
أَيْ تَقْسِيمُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْعِلَّةِ أَوْ مَا يُوجَدُ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ بِوَجْهٍ لَا تَقْسِيمُ حَقِيقَةِ الْعِلَّةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُنْقَسِمَةٍ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الْحَقِيقَةُ تَتِمُّ بِأَوْصَافٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ عِلَّةً اسْمًا بِأَنْ تَكُونَ فِي الشَّرْعِ مَوْضُوعَةً لِمُوجِبِهَا وَيُضَافَ ذَلِكَ الْمُوجِبُ إلَيْهَا لَا بِوَاسِطَةٍ
وَثَانِيهَا أَنْ تَكُونَ عِلَّةً مَعْنًى بِأَنْ تَكُونَ مُؤَثِّرَةً فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَثَالِثُهَا أَنْ تَكُونَ عِلَّةً حُكْمًا بِأَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِوُجُودِهَا مُتَّصِلًا بِهَا مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ فَإِذَا تَمَّتْ هَذِهِ الْأَوْجُهُ كَانَتْ عِلَّةً حَقِيقَةً وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهَا بَعْضُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ كَانَتْ عِلَّةً مَجَازًا أَوْ حَقِيقَةً قَاصِرَةً عَلَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ ثُمَّ إنَّهَا تَنْقَسِمُ بِحَسَبِ اسْتِكْمَالِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَعَدَمِ اسْتِكْمَالِهَا إلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ قِسْمَةً عَقْلِيَّةً: عِلَّةٍ اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا وَفِي نَظَائِرِهَا كَثْرَةٌ،
وَعِلَّةٍ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا كَالْبَيْعِ لِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَعِلَّةٍ اسْمًا وَحُكْمًا لَا مَعْنَى كَالسَّفَرِ، وَعِلَّةٍ مَعْنًى وَحُكْمًا لَا اسْمًا كَالْوَصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ عِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ، وَعِلَّةٍ مَعْنًى لَا اسْمًا وَلَا حُكْمًا كَالْوَصْفِ الْأَوَّلِ مِنْهَا وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الشَّيْخُ وَصْفًا لَهُ شَبَهُ الْعِلَلِ
وَعِلَّةٍ اسْمًا لَا مَعْنًى وَلَا حُكْمًا كَالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ السِّتَّةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالْقِسْمُ الْمَذْكُورُ رَابِعًا فِيهِ وَهُوَ الْعِلَّةُ الَّتِي لَهَا شُبْهَةٌ بِالْأَسْبَابِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ؛ لِأَنَّهَا إمَّا عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا كَالْإِيجَابِ الْمُضَافِ أَوْ عِلَّةٌ مَعْنًى لَا اسْمًا وَلَا حُكْمًا كَعِلَّةِ الْعِلَّةِ وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ شَبَهِهِ بِالْأَسْبَابِ الَّذِي قَدْ يَخْلُو الْقِسْمَانِ عَنْهُ جَعَلَهُ الشَّيْخُ قِسْمًا آخَرَ فَصَارَتْ الْأَقْسَامُ بِهِ سَبْعَةً.
وَالْقِسْمُ السَّابِعُ بِالْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَهُوَ الْعِلَّةُ حُكْمًا لَا اسْمًا وَلَا مَعْنًى مَذْكُورٌ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ الشَّرْطُ الَّذِي سَلِمَ عَنْ مُعَارَضَةِ الْعِلَّةِ وَالضَّمِيرُ فِي وَهُوَ الْحَقِيقَةُ وَهُوَ الْمَجَازُ رَاجِعٌ إلَى الْقِسْمِ مَعْنًى فِي حَيِّزِ الْأَسْبَابِ أَيْ فِي دَرَجَتِهَا وَمَحَلِّهَا وَالْحَيِّزُ كُلُّ مَكَان فَيْعُلُ مِنْ الْحَوْزِ هُوَ الْجَمْعُ
وَفِي الصِّحَاحِ الْحَيِّزُ مَا انْضَمَّ إلَى الدَّارِ مِنْ مَرَافِقِهَا وَكُلُّ نَاحِيَةٍ حَيِّزٌ فَمِثْلُ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ أَيْ الْبَيْعِ الْبَاتِّ الْخَالِي عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ وَنَحْوِهِ
وَمَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ أَيْ مَجْرَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعِلَلِ مِثْلُ التَّطْلِيقِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ وَإِثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ وَالنَّذْرِ لِإِيجَابِ الْمَنْذُورِ وَنَحْوِهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفْسِيرِهَا، اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِكَوْنِ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَعْنِي هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عِلَلٌ حَقِيقَةً لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفْسِيرِ الْعِلَّةِ لُغَةً أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمُغَيِّرِ وَحَقِيقَةً مَا وُضِعَتْ لَهُ فِي الشَّرْعِ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ ابْتِدَاءً وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَتَكُونُ عِلَلًا حَقِيقَةً
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عِلَّةٌ اسْمًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْضُوعٌ لِأَجْلِ هَذَا الْمُوجِبِ وَأَنَّ هَذَا الْمُوجِبَ مُضَافٌ إلَيْهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَعِلَّةٌ مَعْنًى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَشْرُوعٌ لِأَجْلِ هَذَا الْمُوجِبِ وَعِلَّةٌ حُكْمًا مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَرَاخَى عَنْهُ فَكَانَ عِلَّةً حَقِيقَةً
وَإِنَّمَا فَسَّرَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ
وَلَيْسَ مِنْ صِفَةِ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْحُكْمِ بَلْ الْوَاجِبُ اقْتِرَانُهُمَا مَعًا وَذَلِكَ كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ عِنْدَنَا فَإِذَا تَقَدَّمَ لَمْ يُسَمَّ عِلَّةً مُطْلَقَةً وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ
وَقَالَ لَا بَلْ مِنْ صِفَةِ الْعِلَّةِ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْحُكْمِ وَالْحُكْمُ يَعْقُبُهَا وَلَا يُقَارِنُهَا بِخِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ عَرَضٌ لَا بَقَاءَ لَهَا لِيَكُونَ الْفِعْلُ عَقِيبَهَا فَلِضَرُورَةِ عَدَمِ الْبَقَاءِ تَكُونُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ فَأَمَّا الْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَهَا بَقَاءٌ وَأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ فَيُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهَا وَتَرَاخِي الْحُكْمِ عَنْهَا بِلَا فَصْلٍ
ــ
[كشف الأسرار]
وَإِنَّمَا نَعْنِي بِالْمَعْنَى كَذَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَوْ الِاصْطِلَاحِيَّ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ.
قَوْلُهُ (وَلَيْسَ مِنْ صِفَةِ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْحُكْمِ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ عَقْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ شَرْعِيَّةً تَتَقَدَّمُ فِي الْمَعْلُولِ رُتْبَةً وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ تُقَارِنُ مَعْلُولَهَا زَمَانًا كَحَرَكَةِ الْأُصْبُعِ تُقَارِنُ حَرَكَةَ الْخَاتَمِ وَفِعْلُ التَّحَرُّكِ يُقَارِنُ صَيْرُورَةَ الْفَاعِلِ مُتَحَرِّكًا وَكَالْكَسْرِ يُقَارِنُ الِانْكِسَارَ وَكَالِاسْتِطَاعَةِ تُقَارِنُ الْفِعْلَ إذْ لَوْ لَمْ يَكُونَا مُتَقَارِنَيْنِ لَزِمَ بَقَاءُ الْأَغْرَاضِ أَوْ وُجُودُ الْمَعْلُولِ بِلَا عِلَّةٍ وَكِلَاهُمَا فَاسِدٌ وَلَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَقَدُّمِ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ عَلَى مَعْلُولِهَا وَتَأَخُّرِ الْحُكْمِ عَنْهَا تَقَدُّمًا وَتَأَخُّرًا زَمَانِيًّا فَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهَا مِثْلُ الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ وَقَوْلُهُ عِنْدَنَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْوَاجِبُ كَذَا يَعْنِي الْوَاجِبَ فِي الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ اقْتِرَانُ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ عِنْدَنَا كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ وَالْفِعْلِ اقْتِرَانُهُمَا عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِذَا تَقَدَّمَتْ أَيْ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى الْحُكْمِ لَمْ تُسَمَّ عِلَّةً مُطْلَقَةً أَيْ تَامَّةً حَقِيقِيَّةً بَلْ تُسَمَّى عِلَّةً مَجَازًا أَوْ سَبَبًا فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَغَيْرِهِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَيْ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ أَوْ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالِاسْتِطَاعَةِ فَلَمْ يُجَوِّزْ تَرَاخِي الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ أَوْ تَرَاخِي الْفِعْلِ عَنْ الِاسْتِطَاعَةِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَالَ لَا يَجُوزُ خُلُوُّهَا عَنْ الْحُكْمِ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَتَّصِلَ الْحُكْمُ بِهَا وَيَتَأَخَّرَ عَنْهَا لِمَانِعٍ.
كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى جَوَازِ تَأَخُّرِ الْحُكْمِ عَنْهَا عِنْدَهُمْ دُونَ الْوُجُوبِ وَإِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاتِّصَالِ وَلَفْظُ الْكِتَابِ يُشِيرُ إلَى وُجُوبِ التَّأَخُّرِ وَعَدَمِ جَوَازِ الْمُقَارَنَةِ عِنْدَهُمْ وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ حُكْمُ الْعِلَّةِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْعِلَّةِ بِلَا فَصْلٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ وَجْهُ قَوْلِهِمْ إنَّ الْعِلَّةَ مَا لَمْ تُوجَدْ بِتَمَامِهَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً حُكْمَهَا؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يُؤَثِّرُ فِي شَيْءٍ وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ تُوجِبُ الْحُكْمَ بَعْدَ وُجُودِهَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ عَقِيبَهَا ضَرُورَةً وَإِذَا جَازَ تَقَدُّمُهَا بِزَمَانٍ جَازَ بِزَمَانَيْنِ وَأَزْمِنَةٍ بِخِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا عَرَضٌ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِمُقَارَنَةِ الْفِعْلِ إيَّاهَا لِئَلَّا يَلْزَمَ وُجُودُ الْمَعْلُولِ بِلَا عِلَّةٍ أَوْ خُلُوُّ الْعِلَّةِ عَنْ الْمَعْلُولِ فَأَمَّا الْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ فَمَوْصُوفَةٌ بِالْبَقَاءِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْيَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ الْوَدِيعَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ جَائِزٌ بَعْدَ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَقَاءٌ شَرْعًا لَمَا تُصُوِّرَ فَسْخُهَا بَعْدَ مُدَّةٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَأَخُّرِ الْحُكْمِ عَنْهَا مَا لَزِمَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَيُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهَا وَتَرَاخَى الْحُكْمِ عَنْهَا بِلَا فَصْلٍ أَيْ بِلَا لُزُومِ فَصْلٍ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ بَاقِيَةً وَقْتَ وُجُودِ الْحُكْمِ ثَبَتَ الِاتِّصَالُ بَيْنَهُمَا ضَرُورَةً وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ مُقَارَنَةُ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ مَعْلُولَهَا وَمُقَارَنَةُ الِاسْتِطَاعَةِ الْفِعْلَ وَالْأَصْلُ اتِّفَاقُ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ مُقَارِنَةً لِحُكْمِهَا أَيْضًا عَلَى أَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ أَعْرَاضٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَكَانَتْ كَالِاسْتِطَاعَةِ فِي عَدَمِ قَبُولِ الْبَقَاءِ.
وَمَا قَالُوا إنَّهَا
وَأَمَّا الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ اسْمًا فَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ الْإِيجَابِ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهُ.
وَأَمَّا الْعِلَّةُ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا فَمِثْلُ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ هُوَ عِلَّةٌ اسْمًا لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَشْرُوعٌ وَمَعْنًى لِأَنَّ الْبَيْعَ لُغَةً وَشَرْعًا وُضِعَ لِحِكْمَةٍ وَذَلِكَ مَعْنَاهُ لَا حُكْمًا لِأَنَّ حُكْمَهُ تُرَاخَى لِمَانِعٍ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِهِ مِنْ الْأَصْلِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ عِلَّةً لَا سَبَبًا وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا لِأَنَّ الشَّرْطَ دَخَلَ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ لِأَنَّ دُخُولَ الشَّرْطِ فِيهِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ وَلَوْ جُعِلَ دَاخِلًا لَا عَلَى السَّبَبِ لَدَخَلَ عَلَى الْحُكْمِ أَيْضًا وَإِذَا دَخَلَ عَلَى الْحُكْمِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى السَّبَبِ وَكَانَ أَقَلُّهُمَا أَوْلَى فَبَقِيَ السَّبَبُ مُطْلَقًا فَلِذَلِكَ كَانَ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا وَدَلَالَةُ كَوْنِهِ عِلَّةً لَا سَبَبًا مَا قُلْنَا أَنَّ الْمَانِعَ إذَا زَالَ وَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ مِنْ حِينِ الْإِيجَابِ
ــ
[كشف الأسرار]
مَوْصُوفَةٌ بِالْبَقَاءِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِلْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَلَامٌ مَخْلُوقٌ وَلَا بَقَاءَ لَهُ حَقِيقَةً فَلَوْ بَقِيَ لَبَقِيَ حُكْمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ وَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إلَى بَقَائِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى الْحُكْمِ وَأَنَّهُ يَبْقَى بِلَا سَبَبٍ؛ لِأَنَّ مَا وُجِدَ يَبْقَى حَتَّى يُوجَدَ مَا يَرْفَعُهُ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ الْفَسْخُ يَرِدُ عَلَى الْحُكْمِ فَيُبْطِلُ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْعَقْدِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا مَوْصُوفَةٌ بِالْبَقَاءِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ فَذَلِكَ ضَرُورِيٌّ ثَبَتَ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ إلَى فَسْخِ أَحْكَامِهَا إذْ فَسْخُ الْحُكْمِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِفَسْخِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ بِمُنْعَقِدٍ حَتَّى يُمْكِنَ فَسْخُهُ فَلَمْ يَثْبُتْ الْبَقَاءُ فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ أَشَارَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الَّذِي) أَيْ الْقِسْمُ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ اسْمًا فَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ الْإِيجَابِ الْمُعَلَّقِ وَالْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ اسْمًا لِوُجُودِ صُورَةِ الْعِلَّةِ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا ثَبَتَ يُضَافُ إلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تُضَافُ إلَى الْيَمِينِ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ الْوَاقِعُ يُضَافُ إلَى التَّطْلِيقِ أَوْ لِلْإِعْتَاقِ السَّابِقِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْحِنْثِ وَلَا حُكْمًا.
وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحُرِّ عِلَّةٌ اسْمًا لِوُجُودِ صُورَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَا مَعْنًى وَلَا حُكْمًا لِعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَالْحُكْمِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله الْعِلَّةُ مَعْنًى وَحُكْمًا مَا يَكُونُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ تَقَرُّرِهِ لَا عِنْدَ ارْتِفَاعِهِ وَبَعْدَ الْحِنْثِ لَا يَبْقَى الْيَمِينُ بَلْ تَرْتَفِعُ وَكَذَا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا يَبْقَى الْيَمِينُ فَكَيْفَ يَكُونُ عِلَّةً مَعْنًى وَحُكْمًا.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْعِلَّةُ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا فَمِثْلُ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ) كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ هُوَ عِلَّةٌ اسْمًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَشْرُوعٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْمَشْرُوعَ هُوَ أَنْ يُوجَدَ رُكْنُهُ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ وَقَدْ وُجِدَ وَمَعْنًى؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لُغَةً وَشَرْعًا وُضِعَ لِحِكْمَةٍ وَذَلِكَ مَعْنَاهُ أَيْ أَثَرُ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لُغَةً وَشَرْعًا مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَهَذَا الْبَيْعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي الْحَالِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْبَيْعِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الْمَبِيعَ بِتَوَقُّفِ إعْتَاقِهِ وَلَا يَبْطُلُ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ مَوْقُوفًا لَمَا تَوَقَّفَ وَبَطَلَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ عِلَّةٌ مَعْنًى وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَحْنَثُ كَذَا فِي إجَازَاتِ الْأَسْرَارِ لَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ أَيْ حُكْمَهُ الْأَصْلِيَّ وَهُوَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ الْبَاتِّ تَرَاخَى إلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ لِمَانِعٍ وَهُوَ حَقُّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُحْتَرَمٌ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ الْبَاتُّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ لِخُرُوجِ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِهِ بِدُونِ رِضَاهُ.
فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِجَازَةِ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِهَذَا الْبَيْعِ مِنْ الْأَصْلِ أَيْ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ حَتَّى يَمْلِكَهُ الْمُشْتَرِي بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ جَمِيعًا فَيَظْهَرُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ عِلَّةً لَا سَبَبًا يَعْنِي لَا يُتَوَهَّمُ بِتَأَخُّرِ الْحُكْمِ عَنْهُ أَنَّهُ سَبَبٌ لَا عِلَّةٌ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ قَدْ يَتَأَخَّرُ حُكْمُهَا الْمَانِعُ فَإِنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ صَحِيحٌ مِنْ الْمَالِكِ وَالْحُكْمُ مُتَأَخِّرٌ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا وَهَذَا تَأَخَّرَ لِمَانِعٍ وَهُوَ الْخِيَارُ وَشَهْرُ رَمَضَانَ سَبَبٌ أَيْ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْحُكْمُ مُتَأَخِّرٌ إلَى إدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامِ أُخَرَ كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي الْأَسْرَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ مُسْتَقِيمٌ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَلَكِنْ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ رحمه الله أَنَّ حُكْمَهُ تَرَاخَى لِمَانِعٍ مُشْكِلٌ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ يُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِالتَّخْصِيصِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ
وَكَذَلِكَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِذَلِكَ صَحَّ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ لَكِنَّهُ يُشْبِهُ الْأَسْبَابَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِضَافَةِ حَتَّى لَا يَسْتَنِدَ حُكْمُهُ
ــ
[كشف الأسرار]
عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَ التَّخْصِيصَ عَلَى مَعْنَى أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ قَائِمَةً حَقِيقَةً وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ لِمَانِعٍ وَهَاهُنَا وَإِنْ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ اسْمًا وَمَعْنًى لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ لِتَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا فَلَا يَكُونُ تَخْصِيصًا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا تَصَوُّرَ لِلتَّخْصِيصِ مَعَ قِيَامِ حَقِيقَةِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَخَلَّفَ عَنْهَا لِمَانِعٍ لَمْ يَبْقَ عِلَّةً حَقِيقَةً وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ دُخُولَ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا تَعْلِيقَ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ وَهُوَ قِمَارٌ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَهُ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِإِدْخَالِ الشَّرْطِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ خَطَرًا فَكَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ إدْخَالِهِ فِي السَّبَبِ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ خَطَرًا تَقْلِيلًا لِلْخَطَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
فَيَبْقَى السَّبَبُ وَهُوَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا أَيْ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِالشَّرْطِ كَالْبَيْعِ الْخَالِي عَنْ الْخِيَارِ فَلِذَلِكَ أَيْ لِكَوْنِهِ مُطْلَقًا كَانَ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالشَّرْطِ وَدَلَالَةً لِكَوْنِهِ عِلَّةً لَا سَبَبًا مَا قُلْنَا فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ أَنَّ الْمَانِعَ وَهُوَ الْخِيَارُ إذَا زَالَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ بِإِسْقَاطِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَجَبَ الْحُكْمُ أَيْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بِهَذَا الْبَيْعِ مِنْ وَقْتِ الْإِيجَابِ حَتَّى يَمْلِكَ الْمُشْتَرَى بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ إلَّا أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ لَمَّا صَارَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلَ الشَّرْطِ فَالْعِتْقُ الْمَوْجُودُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَنْفُذَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ إذَا سَقَطَ الْخِيَارُ وَفِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ ثَبَتَ فِي الْمِلْكِ صِفَةُ التَّوَقُّفِ لَا التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَتَوَقُّفُ الشَّيْءِ لَا يَعْدَمُ أَصْلُهُ فَثَبَتَ إعْتَاقُهُ بِصِفَةِ التَّوَقُّفِ أَيْضًا عَلَى أَنْ يَنْفُذَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ وَدَلَالَةُ كَوْنِهِ عِلَّةً لَا سَبَبًا إشَارَةً إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ لَهُ شَبَهًا بِالسَّبَبِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَقَوْلُهُ هَاهُنَا أَيْ الْمَانِعُ إذَا زَالَ يُشِيرُ إلَى تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْجَوَابَ مَا مَرَّ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَالْأُجْرَةِ اسْمًا؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَيْهِ وَمَعْنًى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ دُونَ غَيْرِهِ لَا حُكْمًا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ وَارِدٌ عَلَى الْمَعْدُومِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ الَّتِي تُوجَدُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِي الْمَنَافِعِ فِي الْحَالِ لَمْ يَثْبُتْ فِي بَدَلِهَا وَهُوَ الْأُجْرَةُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الثُّبُوتِ كَالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا الْعَقْدُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْعَقْدِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ إلَّا أَنَّ الْعَيْنَ الْمُنْتَفَعَ بِهَا الْمَوْجُودَةَ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حُكْمِ جَوَازِ الْعَقْدِ وَلُزُومِهِ لِحَاجَةٍ كَمَا تُقَامُ عَيْنُ الْمَرْأَةِ مَقَامَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ فِي الْعَقْدِ وَالتَّسْلِيمِ وَتُقَامُ الذِّمَّةُ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْمُسَلَّمِ فِيهِ مَقَامَ تِلْكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ جَوَازِ السَّلَمِ.
وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِكَوْنِهِ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى صَحَّ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَصَحَّ اشْتِرَاطُ التَّعْجِيلِ كَمَا صَحَّ أَدَاءُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَأَدَاءُ الصَّوْمِ مِنْ الْمُسَافِرِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى لَكِنَّهُ عَقْدٌ أَيْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ يُشْبِهُ الْأَسْبَابَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِضَافَةِ يَعْنِي هَذَا الْعَقْدَ وَإِنْ صَحَّ فِي الْحَالِ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ لَكِنَّهُ فِي حَقِّ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَافِ إلَى زَمَانِ وُجُودِهَا كَأَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَقْتَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ لِيَقْتَرِنَ الِانْعِقَادُ بِالِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا إنَّ الْإِجَازَةَ عُقُودٌ مُتَفَرِّقَةٌ يَتَجَدَّدُ
وَكَذَلِكَ كُلُّ إيجَابٍ مُضَافٍ إلَى وَقْتٍ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا لَكِنَّهُ يُشْبِهُ الْأَسْبَابَ وَذَلِكَ أَنْ يُوجَدَ رُكْنُ الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى وَتَرَاخَى عَنْهُ وَصْفُهُ فَيَتَرَاخَى الْحُكْمُ إلَى وُجُودِهِ.
وَإِذَا وُجِدَ الْوَصْفُ اتَّصَلَ بِالْأَصْلِ لِحُكْمِهِ فَكَانَ بِمَعْنَى الْأَسْبَابِ حَتَّى يَصِحَّ أَدَاءُ الْحُكْمِ قَبْلَهُ
ــ
[كشف الأسرار]
وَانْعِقَادُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَلِذَلِكَ يَقْتَصِرُ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ عَلَى حَالِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْغَيْرِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَافِ إلَى مَعْدُومٍ سَيُوجَدُ كَالْوَصِيَّةِ الْمُضَافَةِ إلَى مَا يُثْمِرُ نَخِيلَهُ الْعَامَ وَالطَّلَاقِ الْمُضَافِ إلَى شَهْرٍ وَإِذَا تَحَقَّقَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ فِيهِ لِعَدَمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ ثَبَتَ فِيهِ شَبَهُ السَّبَبِ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الِانْعِقَادِ إلَى زَمَانٍ سَيُوجَدُ تُوجِبُ عَدَمَ الْعِلِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَلَكِنْ مَا وُجِدَ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مُفْضٍ إلَى الْحُكْمِ بِوَاسِطَةِ انْعِقَادِهِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ فَكَانَ لَهُ شَبَهٌ بِالْأَسْبَابِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوف وَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ انْعِقَادَهُمَا ثَبَتَ فِي الْحَالِ لِقِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهِمَا إلَى إثْبَاتِ مَعْنَى الْإِضَافَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا شَبَهٌ بِالْأَسْبَابِ فَاسْتَنَدَ الْحُكْمُ فِيهَا إلَى زَمَانِ الْإِيجَابِ وَاقْتَصَرَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى زَمَانِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَلَا يُقَالُ لَمَّا ثَبَتَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ فِي هَذَا الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَثْبُتَ الْإِضَافَةُ فِي حَقِّ الْأُجْرَةِ لِقِيَامِ مَحَلِّهَا وَهُوَ الذِّمَّةُ فَيَثْبُتُ مِلْكُ الْأُجْرَةِ بِهِ فِي الْحَالِ كَمَا يَثْبُتُ مِلْكُ الثَّمَنِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَحْنُ لَا نُثْبِتُ الْإِضَافَةَ فِي حَقِّ الْأُجْرَةِ وَلَكِنْ لَا نُثْبِتُ مِلْكَ الْأُجْرَةِ فِي الْحَالِ رِعَايَةً لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ وَنَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ فَإِنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَا يَثْبُتُ مِلْكُ الْأُجْرَةِ لِلْمُؤَاجِرِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِلْمُؤَاجِرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ سَقَطَ بِقَبُولِ شَرْطِ التَّعْجِيلِ فَلَمْ تَبْقَ الْمُعَادَلَةُ وَاجِبَةَ الرِّعَايَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا عَجَّلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَهُوَ الْخِيَارُ قَائِمٌ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ مَعَ الْمَانِعِ كَالْمَدْيُونِ إذَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ لَا يَقَعُ زَكَاةً بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ وَهُوَ الدَّيْنُ قَائِمٌ فَأَمَّا الْمَانِعُ هَاهُنَا فَحَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ وَقَدْ سَقَطَ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَعَقْدِ الْإِجَارَةِ كُلُّ إيجَابٍ مُضَافٍ إلَى وَقْتٍ كَالطَّلَاقِ الْمُضَافِ إلَى وَقْتٍ وَكَالنَّذْرِ الْمُضَافِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عِلَّةٌ اسْمًا لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِلْحُكْمِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَمَعْنًى لِتَأْثِيرِهِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ لَا حُكْمًا لِتَأَخُّرِهِ إلَى الزَّمَانِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ يُشْبِهُ الْأَسْبَابَ لَمَّا قُلْنَا أَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْدِيرًا أَوْجَبَتْ شَبَهِيَّةَ السَّبَبِ فَحَقِيقَةُ الْإِضَافَةِ أَوْلَى بِذَلِكَ وَلَمَّا ثَبَتَ مَعْنَى السَّبِيبَةِ فِي هَذَا الْإِيجَابِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ عِنْدَ مَجِيءِ الْوَقْتِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ لَا مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ الْإِيجَابِ وَلَمَّا كَانَ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ صَحَّ تَعْجِيلُ الْأَدَاءِ فِيمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ غَدًا حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ وَقَعَ عَنْ الْمَنْذُورِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رحمه الله كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ بَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ قَبْلَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ وَكَأَدَاءِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ وَكَذَا لَوْ أَضَافَ النَّذْرَ بِالصَّوْمِ أَوْ بِالصَّلَاةِ إلَى زَمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُ قَبْلَهُ فَكَذَا مَا تُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ إلَّا
وَذَلِكَ مِثْلُ زَكَاةِ النِّصَابِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ هُوَ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى أَمَّا اسْمًا لِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ وَمَعْنًى لِكَوْنِهِ مُؤَثِّرًا فِي حُكْمِهِ لِأَنَّ الْغَنَاءَ يُوجِبُ الْمُوَاسَاةَ لَكِنَّهُ جُعِلَ عِلَّةً بِصِفَةِ النَّمَاءِ فَلَمَّا تَرَاخَى حُكْمُهُ أَشْبَهَ الْأَسْبَابَ أَلَا يُرَى أَنَّهُ إنَّمَا يَتَرَاخَى إلَى مَا لَيْسَ بِحَادِثٍ بِهِ إلَى مَا هُوَ شَبِيهٌ بِالْعِلَلِ
ــ
[كشف الأسرار]
أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقُولَانِ إنَّ النَّاذِرَ يَلْتَزِمُ بِنَذْرِهِ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ دُونَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لَا فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ فَلَا يَكُونُ الْوَقْتُ فِيهِ مُعْتَبَرًا كَمَا فِي الصَّدَقَةِ.
وَلَا يُقَالُ الْعِبَادَةُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ النَّذْرُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْفَضِيلَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ عَاشُورَاءَ فَصَامَ بَعْدَ مُضِيِّ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَوْمًا دُونَهُ فِي الْفَضِيلَةِ عَنْ مُوجِبِ نَذْرِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فِيمَا بَعْدُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ الْفَرْضِ وَالصَّلَاةِ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْوَقْتَ سَبَبًا فِيهِمَا فَأَدَاؤُهُمَا قَبْلَ الْوَقْتِ كَانَ أَدَاءً قَبْلَ السَّبَبِ فَلَا يَجُوزُ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَكَانَ ذَلِكَ أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْإِيجَابِ الْمُضَافِ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الرَّابِعِ فَقَالَ ذَلِكَ أَيْ الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يُوجَدَ رُكْنُ الْعِلَّةِ وَيَتَرَاخَى عَنْهُ وَصْفُهُ فَيَتَرَاخَى الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إلَى وُجُودِ الْوَصْفِ فَمِنْ حَيْثُ وُجُودُ الْأَصْلِ كَانَ الْمَوْجُودُ عِلَّة؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ فَبِعَدَمِهِ لَا يَنْعَدِمُ الْأَصْلُ وَلِهَذَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ دُونَ الْوَصْفِ مَنْ حَيْثُ إنَّ إيجَابَهُ لِلْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ وَهُوَ مُنْتَظَرٌ بَعْدُ كَانَ الْأَصْلُ قَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ طَرِيقًا لِلْوُصُولِ إلَى الْحُكْمِ فَكَانَ سَبَبًا
فَإِذَا وُجِدَ الْوَصْفُ اتَّصَلَ بِالْأَصْلِ بِحُكْمِهِ أَيْ إذَا وُجِدَ الْوَصْفُ وَثَبَتَ الْحُكْمُ اتَّصَلَا بِالْأَصْلِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ إذْ الْوَصْفُ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ الْأَصْلُ بِذَلِكَ الْوَصْفِ عِلَّةً فَكَانَ أَيْ الْأَصْلُ قَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ بِمَعْنَى الْأَسْبَابِ لِتَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَى وَاسِطَةٍ وَهِيَ الْوَصْفُ
وَقَوْلُهُ حَتَّى يَصِحَّ أَدَاءُ الْحُكْمِ أَيْ الْوَاجِبِ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الْوَصْفِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ أَنْ يُوجَدَ رُكْنُ الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى وَيَتَرَاخَى عَنْهُ وَصْفُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ بِمَعْنَى الْأَسْبَابِ أَيْ لَهُ حُكْمُ الْأَسْبَابِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْوَصْفِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ بِدُونِ الْوَصْفِ عِلَّةٌ حَتَّى صَحَّ الْأَدَاءُ قَبْلَهُ.
وَذَلِكَ أَيْ مَا يُشْبِهُ الْأَسْبَابَ مِنْ الْعِلَّةِ مِثْلُ نِصَابِ الزَّكَاةِ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله لَيْسَ النِّصَابُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ حُكْمَ الْعِلَّةِ بَلْ كَوْنُهُ نَامِيًا بِالْحَوْلِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ عِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ فَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَتَعْجِيلُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله النِّصَابُ قَبْلَ الْحَوْلِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لَيْسَ فِيهَا شَبَهُ الْأَسْبَابِ بَلْ الْحَوْلُ أَجَلُ آخِرِ الْمُطَالَبَةِ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ تَيْسِيرًا كَالسَّفَرِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَلِهَذَا صَحَّ التَّعْجِيلُ قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَ وَصْفُ كَوْنِهِ حَوْلِيًّا مِنْ الْعِلَّةِ لَمَا صَحَّ التَّعْجِيلُ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ عَجَّلَ قَبْلَ تَمَامِ النِّصَابِ وَقَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ الْإِبِلَ سَائِمَةً
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَعَ الْمُؤَدَّى زَكَاةً غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَى حُلُولِ الْأَجَلِ كَالْمَدْيُونِ إذَا عَجَّلَ الدَّيْنَ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ صَحَّ فَرْضًا كَالْمُقِيمِ إذَا صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِذَا وَقَعَ الْمُؤَدَّى زَكَاةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْفَقِيرِ وَلَا مِنْ الْإِمَامِ عِنْدَ هَلَاكِ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ عَدَمِ تَمَامِهِ عِنْدَ الْحَوْلِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَبْسُوطِ وَكُتُبِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النِّصَابَ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْحَوْلِ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُعَجَّلَ إلَى الْفَقِيرِ مِنْهُ إذَا بَيَّنَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مُعَجَّلًا وَإِنْ أَطْلَقَ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَسْرَارِ بَعْضَ أَقْوَالِهِ
وَلَمَّا كَانَ مُتَرَاخِيًا إلَى وَصْفٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ أَشْبَهَ الْعِلَلَ وَكَانَ هَذَا الشَّبَهُ غَالِبًا لِأَنَّ النِّصَابَ أَصْلٌ وَالنَّمَاءَ وَصْفٌ وَمِنْ حُكْمِهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ قَطْعًا بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْبُيُوعِ وَلَمَّا أَشْبَهَ الْعِلَلَ وَكَانَ ذَلِكَ أَصْلًا كَانَ الْوُجُوبُ ثَابِتًا مِنْ الْأَصْلِ فِي التَّقْدِيرِ حَتَّى صَحَّ التَّعْجِيلُ لَكِنْ لِيَصِيرَ زَكَاةً بَعْدَ الْحَوْلِ.
ــ
[كشف الأسرار]
وَعِنْدَنَا هُوَ عِلَّةٌ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَلَكِنْ لَهُ شَبَهُ الْأَسْبَابِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ النِّصَابَ وُضِعَ لَهُ أَيْ لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ شَرْعًا وَلِهَذَا تُضَافُ الزَّكَاةُ إلَيْهِ وَمَعْنًى لِكَوْنِ النِّصَابِ مُؤَثِّرًا فِي حُكْمِهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ إذْ الْغَنَاءُ يُوجِبُ الْمُوَاسَاةَ أَيْ الْإِحْسَانَ إلَى الْغَيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحْسِنُوا - وَأَنْفِقُوا} [البقرة: 195] وَالْغَنَاءُ فِي النِّصَابِ دُونَ وَصْفِهِ وَهُوَ النَّمَاءُ وَفِي الْمُغْرِبِ يُقَالُ آسَيْته لِمَالِي مُؤَاسَاةً أَيْ جَعَلْته أُسْوَةً أَقْتَدِي بِهِ وَيَقْتَدِي هُوَ بِي أَوْ وَاسَيْته، لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ لَكِنَّهُ أَيْ النِّصَابَ عِلَّةٌ بِصِفَةِ النَّمَاءِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» فَلَمَّا تَرَاخَى حُكْمُهُ أَيْ حُكْمُ النِّصَابِ وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ إلَى وُجُودِ وَصْفِ النَّمَاءِ أَشْبَهَ النِّصَابَ قَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ الْأَسْبَابِ ثُمَّ أَوْضَحَ مُشَابَهَتَهُ بِالْأَسْبَابِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْوُجُوبُ إنَّمَا تَرَاخَى عَنْ أَصْلِ النِّصَابِ إلَى مَا لَيْسَ بِحَادِثٍ بِالنِّصَابِ وَهُوَ النَّمَاءُ فَإِنَّ النَّمَاءَ الْحَقِيقِيَّ وَهُوَ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ وَالسِّمَنُ فِي الْإِسَامَةِ وَزِيَادَةُ الْمَالِ فِي التِّجَارَةِ وَالنَّمَاءُ الْحُكْمِيُّ وَهُوَ حَوَلَانُ الْحَوْلِ لَا يَثْبُتَانِ بِالنِّصَابِ بَلْ السِّمَنُ وَالدَّرُّ وَالنَّسْلُ فِي الْحَيَوَانِ يَحْصُلُ بِسَوْمِهَا فِي الْمَرْعَى وَسَفَادِهَا، وَزِيَادَةُ الْمَالِ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ يَحْصُلُ بِكَثْرَةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ الْحَادِثِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ وَهُوَ النَّمَاءُ حَادِثًا بِالْمَالِ تَأَكَّدَ الِانْفِصَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَوِيَ شَبَهُهُ بِالسَّبَبِ وَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الرَّمْيِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِلْجَرْحِ وَإِنْ تَوَقَّفَ الْجَرْحُ عَلَى تَحَرُّكِ السَّهْمِ وَمُضِيِّهِ فِي الْهَوَاءِ وَوُصُولِهِ إلَى الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ وَنُفُوذِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْوَسَائِطِ لَمَّا حَدَثَتْ بِهِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ شَبَهٌ بِالْأَسْبَابِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ بَلْ جُعِلَ عِلَّةً لِلْجَرْحِ حَقِيقَةً كَذَلِكَ.
وَالثَّانِي أَنَّ الْحُكْمَ تَرَاخَى إلَى مَا هُوَ شَبِيهٌ بِالْعِلَلِ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ فَضْلٌ عَلَى الْغَنَاءِ يُوجِبُ الْمُوَاسَاةَ كَأَصْلِ الْغَنَاءِ وَيَثْبُتُ أَوْ يَزْدَادُ بِهِ الْيُسْرُ فِي الْوَاجِبِ وَهُوَ مَقْصُودٌ فِيهِ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ أَثَرًا لَهُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْحُكْمُ مُتَرَاخِيًا إلَى مَا هُوَ عِلَّةٌ حَقِيقَةً غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى النِّصَابِ كَانَ النِّصَابُ سَبَبًا حَقِيقِيًّا كَمَا بَيَّنَّا فِي دَلَالَةِ السَّارِقِ فَإِذَا تَرَاخَى إلَى مَا هُوَ شَبَهٌ بِالْعِلَلِ كَانَ لَهُ شَبَهٌ بِالْأَسْبَابِ أَيْضًا ثُمَّ بَيَّنَ جِهَةَ الْعِلِّيَّةِ فِي النِّصَابِ وَجِهَةَ أَصَالَتِهَا فَقَالَ وَلَمَّا كَانَ أَيْ الْحُكْمُ مُتَرَاخِيًا إلَى وَصْفٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ أَشْبَهَ أَيْ النِّصَابُ الْعِلَلَ إذْ السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ أَنْ يَتَرَاخَى الْحُكْمُ عَنْهُ إلَى مَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى السَّبَبِ كَمَا فِي دَلَالَةِ السَّارِقِ وَلَمْ يُوجَدْ وَكَانَ شَبَهُ الْعِلَّةِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ النِّصَابَ أَصْلٌ وَالنَّمَاءَ وَصْفٌ يَعْنِي النِّصَابَ شَبَهُ الْعِلَلِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ وَشَبَهُ السَّبَبِ مِنْ جِهَةِ تَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَى النَّمَاءِ الَّذِي هُوَ وَصْفُهُ وَتَابِعٌ لَهُ فَيُرَجَّحُ الشَّبَهُ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ عَلَى الشَّبَهِ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ مِنْ جِهَةِ وَصْفِهِ.
وَمِنْ حُكْمِهِ أَيْ حُكْمِ النِّصَابِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّهُ عِلَّةٌ تُشْبِهُ الْأَسْبَابَ أَنْ لَا يَظْهَرَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ قَطْعًا فَقَوْلُهُ قَطْعًا دَاخِلٌ تَحْتَ النَّفْيِ يَعْنِي لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ وَإِنْ وُجِدَ أَصْلُ الْعِلَّةِ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ عَنْهَا وَهُوَ النَّمَاءُ إذْ الْعِلَّةُ الْمَوْصُوفَةُ بِوَصْفٍ لَا تَعْمَلُ بِدُونِ الْوَصْفِ كَالْأَرْضِ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ بِصِفَةِ النَّمَاءِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ فَإِذَا فَاتَ هَذَا الْوَصْفُ مِنْ الْأَرْضِ لَمْ تَبْقَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ
وَكَذَلِكَ مَرَضُ الْمَوْتِ عِلَّةٌ لِتَغَيُّرِ الْأَحْكَامِ اسْمًا وَمَعْنًى إلَّا أَنَّ حُكْمَهُ يَثْبُتُ بِهِ بِوَصْفِ الِاتِّصَالِ بِالْمَوْتِ فَأَشْبَهَ الْأَسْبَابَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عِلَّةٌ
ــ
[كشف الأسرار]
بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْبُيُوعِ يَعْنِي الْبَيْعَ الْمَوْقُوفَ وَالْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ بِرُكْنِهَا وَوَصْفِهَا مَوْجُودَةٌ قَبْلَ وُجُودِ الْإِجَارَةِ وَالشَّرْطِ إلَّا أَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فَعِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ مِنْ أَوَّلِ الْإِيجَابِ بِلَا شُبْهَةٍ فَلِذَلِكَ يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَبِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَالْمُقِيمِ إذَا صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّ الْمُؤَدَّى يَقَعُ عَنْ الْوَاجِبِ بِلَا شُبْهَةٍ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ مُطْلَقَةً بِصِفَتِهَا وَلَمَّا أَشْبَهَ النِّصَابُ الْعِلَلَ وَكَانَ النِّصَابُ أَصْلًا كَانَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ ثَابِتًا مِنْ الْأَصْلِ فِي التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ مَتَى ثَبَتَ وَالْوَصْفُ لَا يُقَدَّمُ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالْمَوْصُوفِ اسْتَنَدَ إلَى أَصْلِ النِّصَابِ وَصَارَ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ مُتَّصِفًا بِأَنَّهُ حَوْلِيٌّ كَرَجُلٍ يَعِيشُ مِائَةً يَكُونُ الْوَصْفُ بِهَذَا الْبَقَاءِ ذَلِكَ الْوَلِيدَ بِعَيْنِهِ مِنْ أَوَّلِ مَا وُلِدَ إلَى هَذَا الزَّمَانِ وَإِذَا اسْتَنَدَ الْوَصْفُ اسْتَنَدَ الْحُكْمُ وَهُوَ الْوُجُوبُ إلَى أَوَّلِهِ أَيْضًا فَيَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ رحمه الله لِوُقُوعِ الْأَدَاءِ بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِ الْعِلَّةِ لَكِنْ لِيَصِيرَ الْمُؤَدَّى زَكَاةً بَعْدَ الْحَوْلِ عَلَى خِلَافِ مَا.
قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لِعَدَمِ وَصْفِ الْعِلَّةِ فِي الْحَالِ فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَنِصَابُهُ كَامِلٌ جَازَ الْمُؤَدَّى عَنْ الزَّكَاةِ لِاسْتِنَادِ الْوَصْفِ إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا كَانَ الْمُؤَدَّى تَطَوُّعًا حَتَّى لَوْ كَانَ أَدَاؤُهُ إلَى الْفَقِيرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ مِنْهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ قَدْ تَمَّتْ بِالْوُصُولِ إلَى يَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ زَكَاةً وَإِنْ أَدَّاهُ الْإِمَامَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ الْمَدْفُوعِ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ إلَى الْفَقِيرِ فَصَارَ غَنِيًّا قَبْلَ الْحَوْلِ وَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ جَازَ الْمُؤَدَّى عَنْ الزَّكَاةِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَلَوْ صَارَ الْمُؤَدَّى زَكَاةً بَعْدَ الْحَوْلِ لِشَرْطِ أَهْلِيَّةِ الْمَصْرِفِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ كَمَا شُرِطَ كَمَالُ النِّصَابِ (قُلْنَا) وَصْفُ كَوْنِ النِّصَابِ حَوْلِيًّا وَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَكِنَّهُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ السَّبَبِ بِحُكْمِهِ فَيَصِيرُ الْمُؤَدَّى زَكَاةً بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ حِينِ الْأَدَاءِ لَا مُقْتَصِرًا عَلَى تَمَامِ الْحَوْلِ فَيُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الْمَصْرِفِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَا عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَكَانَ اسْتِغْنَاؤُهُ أَوْ ارْتِدَادُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَبَعْدَهُ سَوَاءً وَالْحَوْلُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْأَجَلِ كَمَا زَعَمَ الْخَصْمُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ وَيَصِيرُ الدَّيْنُ حَالًّا وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَبِمَوْتِ صَاحِبِ الْمَالِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ هَاهُنَا يَسْقُطُ الْوَاجِبُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَكَذَا الْمَدْيُونُ يَمْلِكُ إسْقَاطَ الْأَجَلِ وَلَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الْمَالِ هَاهُنَا إسْقَاطَ الْحَوْلِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْأَجَلِ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ النِّصَابِ مَرَضُ الْمَوْتِ عِلَّةٌ لِتَغَيُّرِ الْأَحْكَامِ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَارِثِ بِالْمَالِ وَحَجْرِ الْمَرِيضِ عَنْ التَّبَرُّعِ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَارِثِ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمُحَابَاةِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا اسْمًا؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ فِي الشَّرْعِ لِلتَّغَيُّرِ مِنْ الْإِطْلَاقِ إلَى الْحَجْرِ وَمَعْنًى؛ لِأَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي الْحَجْرِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ حَقُّ الْوَارِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّك لَأَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» .
فَمَنَعَهُ عَنْ التَّبَرُّعِ فِيمَا وَرَاءَ الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنَّ أَيْ لَكِنَّ حُكْمَ الْمَرَضِ وَهُوَ الْحَجْرُ عَنْ التَّصَرُّفِ يَثْبُتُ بِالْمَرَضِ بِوَصْفِ اتِّصَالِهِ بِالْمَوْتِ فَأَشْبَهَ الْأَسْبَابَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ تَوَقَّفَ عَلَى أَمْرٍ
وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْعِلَلِ مِنْ النِّصَابِ.
وَكَذَلِكَ الْجُرْحُ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَكِنْ تَرَاخَى حُكْمُهُ إلَى وَصْفِ السِّرَايَةِ وَذَلِكَ قَائِمٌ بِالْجُرْحِ فَكَانَ عِلَّةً يُشْبِهُ الْأَسْبَابَ.
وَكَذَلِكَ مَا هُوَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ يُشْبِهُ الْأَسْبَابَ وَذَلِكَ مِثْلُ شِرَاءِ الْقَرِيبِ لَمَّا كَانَ عِلَّةً لِلْمِلْكِ كَانَ عِلَّةً لِلْعِتْقِ أَيْضًا.
ــ
[كشف الأسرار]
آخَرَ كَتَوَقُّفِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى النَّمَاءِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْوَصْفُ مَعْدُومًا فِي الْحَالِ لَمْ يَثْبُتْ الْحَجْرُ بَاتًّا حَتَّى لَوْ وَهَبَ الْمَرِيضُ جَمِيعَ مَالِهِ سَلَّمَهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَمْ تَتِمَّ بِوَصْفِهَا فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ تَمَّتْ الْعِلَّةُ وَاتَّصَفَ الْمَرَضُ بِكَوْنِهِ مَرَضًا مُمِيتًا مِنْ أَوَّلِ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَحْدُثُ بِآلَامٍ تَجْتَمِعُ وَعَوَارِضَ مُزِيلَةٍ لِقُوَى الْحَيَاةِ وَهَذِهِ الْعَوَارِضُ ثَابِتَةٌ مِنْ ابْتِدَاءِ الْمَرَضِ فَيُضَافُ إلَيْهَا كُلِّهَا بِمَنْزِلَةِ جِرَاحٍ مُتَفَرِّقَةٍ سَرَتْ إلَى الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْكُلِّ دُونَ الْأَخِيرِ.
وَإِذَا اسْتَنَدَ الْوَصْفُ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ اسْتَنَدَ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْحَجْرُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ تَصَرُّفٌ بَعْدَ الْحَجْرِ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَإِذَا بَرَأَ مِنْ الْمَرَضِ كَانَ تَبَرُّعُهُ نَافِذًا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَمْ تَتِمَّ بِصِفَتِهَا
وَهَذَا أَيْ الْمَرَضُ أَشْبَهُ بِالْعِلَلِ مِنْ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي تَرَاخَى الْحُكْمُ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَوْتُ حَادِثٌ بِهِ فَإِنَّ تَرَادُفَ الْآلَامِ الَّتِي تَحْدُثُ بِالْمَرَضِ مُفْضٍ إلَى الْمَوْتِ بِخِلَافِ النِّصَابِ فَإِنَّ الْوَصْفَ فِيهِ لَيْسَ بِحَادِثٍ بِهِ كَمَا بَيَّنَّا.
وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ الْمَرَضِ أَوْ النِّصَابِ الْجُرْحُ عِلَّةٌ لِلْهَلَاكِ اسْمًا؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ وَيُضَافُ الْهَلَاكُ إلَيْهِ يُقَالُ مَاتَ فُلَانٌ بِجَرْحِ فُلَانٍ وَمَعْنًى؛ لِأَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِيهِ وَلَكِنْ تَرَاخَى حُكْمُهُ عَنْهُ وَهُوَ الْهَلَاكُ إلَى وَصْفِ السِّرَايَةِ
وَذَلِكَ الْوَصْفُ قَائِمٌ بِالْجَرْحِ أَيْ ثَابِتٌ بِهِ كَثُبُوتِ الْمَوْتِ بِالْمَرَضِ لَا كَوَصْفِ النَّمَاءِ فِي النِّصَابِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ بِهِ فَكَانَ الْجَرْحُ قَبْلَ السِّرَايَةِ عِلَّةً تُشْبِهُ الْأَسْبَابَ لِتَوَقُّفِ حُكْمِهِ عَلَى الْوَصْفِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله وَكَذَلِكَ الْجَرْحُ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الصَّيْدِ وَالْآدَمِيِّ بِصِفَةِ السِّرَايَةِ وَهِيَ صِفَةٌ مُنْتَظَرَةٌ فَكَانَ الْمَوْجُودُ قَبْلَ السِّرَايَةِ عِلَّةً تُشْبِهُ السَّبَبَ حَتَّى يَجُوزَ أَدَاءُ الْكَفَّارَةِ بِالْمَالِ وَالصَّوْمِ جَمِيعًا وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ كَانَ الْمُؤَدَّى جَائِزًا عَنْ الْوَاجِبِ
قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَقُومُ بِالْمَوْصُوفِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمَوْصُوفِ أَحَدَ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ لِيَكُونَ سَبَبًا لَا عِلَّةً وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْوَصْفِ عِلَّةً مَعْنًى وَحُكْمًا بِمَنْزِلَةِ آخِرِ الْوَصْفَيْنِ وُجُودًا مِنْ عِلَّةٍ هِيَ ذَاتُ وَصْفَيْنِ فَلِذَا جَعَلْنَاهَا أَيْ النِّصَابَ وَالْمَرَضَ وَالْجَرْحَ عِلَّةً تُشْبِهُ السَّبَبَ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ النِّصَابِ وَغَيْرِهِ مَا هُوَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ فَإِنَّهُ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَا عِلَّةٌ تُشْبِهُ الْأَسْبَابَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ لَمَّا كَانَتْ مُضَافَةً إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى كَانَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْأُولَى بِوَاسِطَةِ الثَّانِيَةِ كَحُكْمِ الْمُقْتَضِي مُضَافٌ إلَى الْمُقْتَضَى بِوَاسِطَةِ الْمُقْتَضِي وَكَانَتْ الْعِلَّةُ الْأُولَى بِمَنْزِلَةِ عِلَّةٍ تُوجِبُ الْحُكْمَ بِوَصْفٍ هُوَ قَائِمٌ بِالْعِلَّةِ فَكَمَا أَنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ دُونَ الصِّفَةِ فَهَا هُنَا أَيْضًا يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ دُونَ الْوَاسِطَةِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْعِلَّةَ الْأَخِيرَةَ بِحُكْمِهَا تُضَافُ إلَى الْأُولَى كَانَتْ الْأُولَى عِلَّةً وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تُوجِبُ الْحُكْمَ إلَّا بِوَاسِطَةٍ أَخَذَتْ شَبَهًا بِالسَّبَبِ
وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الشَّيْخُ سَبَبًا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ فِي بَابِ تَقْسِيمِ السَّبَبِ أَوْرَدَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِاعْتِبَارِ الشَّبَهَيْنِ وَذَلِكَ أَيْ مَا هُوَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ مِثْلُ شِرَاءِ الْقَرِيبِ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِلتَّعْلِيقِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ إذْ الشِّرَاءُ يُوجِبُ الْمِلْكَ وَالْمِلْكُ فِي الْقَرِيبِ يُوجِبُ الْعِتْقَ بِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ»
فَيَصِيرُ الْعِتْقُ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ لِكَوْنِ الْوَاسِطَةِ وَهِيَ الْمِلْكُ مِنْ مُوجِبَاتِهِ فَكَانَ شِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقًا حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ تَتَأَدَّى بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الْمَحْلُوفَ بِعِتْقِهِ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ
وَكَذَلِكَ الرَّمْيُ إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ لَمَّا تَرَاخَى عَنْهُ أَشْبَهَ الْأَسْبَابَ.
وَكَذَلِكَ التَّزْكِيَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بِمَنْزِلَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ حَتَّى إذَا رَجَعَ الْمُزَكِّي ضَمِنَ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَأَمَّا الْوَصْفُ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ فَكُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِوَصْفَيْنِ مُؤَثِّرَيْنِ لَا يَتِمُّ نِصَابُ الْعِلَّةِ إلَّا بِهِمَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شُبْهَةُ الْعِلَلِ حَتَّى إذَا تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مَوْضُوعٍ وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ لَكِنْ لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسِيئَةَ وَكَذَلِكَ الْقَدْرُ لِأَنَّ رِبَا النَّسِيئَةِ شُبْهَةُ الْفَضْلِ فَيَثْبُتُ بِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ.
ــ
[كشف الأسرار]
الْوَاسِطَةَ وَهِيَ الشَّرْطُ يُضَافُ إلَيْهِ الْعِتْقُ وُجُودًا عِنْدَهُ لَا وُجُوبًا بِهِ وَالْعِتْقُ عِنْدَ وُجُودِهِ مُضَافٌ إلَى مَا هُوَ بَاقٍ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ حَتَّى لَوْ اقْتَرَنَتْ بِهِ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ بِأَنْ عَنَى بِقَوْلِهِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ الْحُرِّيَّةَ عَنْ الْكَفَّارَةِ أَجْزَى عَنْهُ لِاقْتِرَانِ نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِعْتَاقِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَكَذَلِكَ أَيْ مِثْلُ شِرَاءِ الْقَرِيبِ الرَّمْيُ عِلَّةٌ لِلْقَتْلِ شَبِيهَةٌ بِالْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَحَرُّكَ السَّهْمِ وَمُضِيَّهُ فِي الْهَوَاءِ وَنُفُوذَهُ فِي الْمَقْصُودِ بِالرَّمْيِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْوَسَائِطَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ مُوجِبَاتِ الرَّمْيِ كَانَ الرَّمْيُ عِلَّةً لِلْقَتْلِ كَالشِّرَاءِ لِلْعِتْقِ حَتَّى وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الرَّامِي وَلَمْ تَصِرْ هَذِهِ الْوَسَائِطُ شُبْهَةً فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَلَمَّا تَرَاخَى الْحُكْمُ عَنْ الرَّامِي إلَى وُجُودِ هَذِهِ الْوَسَائِطِ حَتَّى لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ بِمُجَرَّدِ الرَّمْيِ أَشْبَهَ الْأَسْبَابَ.
وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَالرَّمْيِ التَّزْكِيَةُ أَيْ تَعْدِيلُ الشُّهُودِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بِمَنْزِلَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ بِالرَّجْمِ فِيمَا إذَا شَهِدُوا بِالزِّنَا عَلَى مُحْصَنٍ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْحُكْمِ بِالرَّجْمِ شَهَادَةُ الشُّهُودِ وَهِيَ لَا تَكُونُ مُوجِبَةً بِدُونِ التَّزْكِيَةِ فَكَانَتْ التَّزْكِيَةُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ حَتَّى إذَا رَجَعَ الْمُزَكُّونَ بِأَنْ قَالُوا تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ ضَمِنُوا الدِّيَةَ عِنْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ أَنَّ عِلَّةَ الْعِلَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَصِيرُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى التَّزْكِيَةِ
وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّزْكِيَةَ صِفَةٌ لِلشَّهَادَةِ بَقِيَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الشَّهَادَةِ فَضَمِنَ الشُّهُودُ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَيْضًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ بِحَالٍ أَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ خَيْرًا بِأَنْ قَالُوا هُوَ مُحْصَنٌ وَالضَّمَانُ يُضَافُ إلَى السَّبَبِ هُوَ تَعَدٍّ لَا إلَى مَا هُوَ حَسَنٌ وَخَيْرٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ رَجَعُوا مَعَ الْمُزَكِّينَ لَمْ يَضْمَنْ الْمُزَكُّونَ شَيْئًا.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُزَكِّينَ لَيْسُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا مَا لَيْسَ بِمُوجِبٍ مُوجِبًا إذْ الشُّهُودُ بِالزِّنَا بِدُونِ الْإِحْصَانِ مُوجِبٌ لِلْعُقُوبَةِ وَلَكِنَّهَا لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ التَّزْكِيَةِ فَالْمُزَكُّونَ بِإِثْنَاءِ الْخَيْرِ كَذِبًا أَعْمَلُوا سَبَبَ التَّلَفِ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي فَضَمِنُوا وَأَمَّا إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ مَعَهُمْ فَقَدْ انْقَلَبَتْ الشَّهَادَةُ تَعَدِّيًا وَأَمْكَنَ الْإِضَافَةُ إلَيْهَا عَلَى الْقُصُورِ؛ لِأَنَّهَا تَعَدٍّ لَمْ يَحْدُثْ بِالتَّزْكِيَةِ لِاخْتِيَارِهِمْ فِي الْأَدَاءِ فَلَمْ يُضَفْ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْوَصْفُ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ فَكُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِكَذَا) أَيْ الْوَصْفُ الَّذِي كَذَا فَأَحَدُ الْوَصْفَيْنِ الْمُؤَثِّرَيْنِ مِنْ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ ذَاتُ وَصْفَيْنِ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شُبْهَةَ الْعِلَّةِ لِتَأْثِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْحُكْمِ حَتَّى إذَا تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ سَبَبًا
وَهَذَا رَدٌّ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ وُجُودَ بَعْضِ مَا يَتِمُّ عِلَّةً بِانْضِمَامِ مَعْنًى آخَرَ إلَيْهِ كَأَحَدِ شَطْرَيْ الْبَيْعِ وَأَحَدِ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَحْضَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ تَتِمَّ الْعِلَّةُ فَكَانَ الْمَبْدَأُ مُعْتَبَرًا لِتَمَامِهِ وَكَانَ كَالطَّرِيقِ إلَى الْمَقْصُودِ عِنْدَ غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْغَيْرُ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَيْهِ فَيَكُونُ سَبَبًا مَحْضًا فَقَالَ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ إذَا تَقَدَّمَ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مَوْضُوعٍ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِعِلَّتِهِ بَلْ مُؤَثِّرٍ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَمِنْ أَرْكَانِ الْعِلَّةِ فَلَمْ يَكُنْ سَبَبًا وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ بِنَفْسِهِ أَيْضًا لِفَوَاتِ الشَّطْرِ الثَّانِي مِنْ الْعِلَّةِ لَكِنْ لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ لِكَوْنِهِ أَحَدَ رُكْنَيْ الْعِلَّةِ أَوْ أَرْكَانِهَا
وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي سَمَّيْنَاهُ عِلَّةً مَعْنًى لَا اسْمًا وَلَا حُكْمًا وَكَانَ هَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ إذَا تَرَكَّبَتْ مِنْ وَصْفَيْنِ أَوْ أَوْصَافٍ كَانَ الْمَجْمُوعُ هُوَ الْعِلَّةُ عِنْدَ
وَأَمَّا الْعِلَّةُ مَعْنًى وَحُكْمًا لَا اسْمًا فَكُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ مُؤَثِّرَيْنِ فَإِنَّ آخِرَهُمَا وُجُودًا عِلَّةٌ حُكْمًا لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْوُجُودِ وَشَارَكَهُ فِي الْوُجُوبِ وَمَعْنًى لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ لَا اسْمًا لِأَنَّ الرُّكْنَ يَتِمُّ بِهِمَا فَلَا يُسَمَّى بِذَلِكَ أَحَدُهُمَا
ــ
[كشف الأسرار]
بَعْضٍ وَصِفَةُ الِاجْتِمَاعِ هِيَ الْعِلَّةُ عِنْدَ قَوْمٍ.
وَالْوَصْفُ الزَّائِدُ عَلَى الْمَجْهُولِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُ الْعِلَّةِ بِدُونِهِ عِنْدَ آخَرِينَ حَتَّى قَالُوا فِي سَفِينَةٍ لَا تَغْرَقُ بِوَضْعِ كُرٍّ وَتَغْرَقُ إذَا زِيدَ عَلَى الْكُرِّ قَفِيزٌ إذَا وُضِعَ فِيهَا كُرٌّ وَقَفِيزٌ حَتَّى غَرِقَتْ كَانَ الْكُرُّ وَالْقَفِيزُ جَمِيعًا عِلَّةً لِلتَّلَفِ عِنْدَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَصِفَةُ الِاجْتِمَاعِ عِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّانِي وَقَفِيزٌ وَاحِدٌ غَيْرُ عَيْنٍ مِنْ الْجُمْلَةِ عِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ عَلَى مَا عُرِفَ تَمَامُهُ فِي الْمِيزَانِ فَكَانَ الشَّيْخَيْنِ اخْتَارَا الْقَوْلَ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثَ فَكَانَ الْوَصْفُ الْأَوَّلُ قَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ الثَّانِي خَالِيًا عَنْ صِفَةِ الِاجْتِمَاعِ وَعَنْ كَوْنِهِ وَاحِدًا مِنْ الْجُمْلَةِ غَيْرَ عَيْنٍ لِكَوْنِهِ عَيْنًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْحُكْمِ فَكَانَ سَبَبًا مَحْضًا وَاخْتَارَ الشَّيْخُ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ فَكَانَ لِلْوَصْفِ الْأَوَّلِ نَوْعُ تَأْثِيرٍ فِي الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الْآخَرِ فَلَمْ نُجْعَلْ عَنْ مَعْنَى الْعِلَّةِ
وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَنَّ لِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ شُبْهَةَ الْعِلَّةِ قُلْنَا إنَّ الْجِنْسَ الَّذِي هُوَ أَحَدُ وَصْفَيْنِ لَهُ عِلَّةُ الرِّبَا يَحْرُمُ رِبَا النَّسِيئَةِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ قُوهِيًّا فِي قُوهِيٍّ لَا يَجُوزُ وَكَذَا الْقَدْرُ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ شَعِيرًا فِي حِنْطَةٍ أَوْ حَدِيدًا فِي رَصَاصٍ لَا يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ رِبَا النَّسِيئَةِ شُبْهَةُ الْفَضْلِ فَإِنَّ لِلنَّقْدِ مَزِيَّةً عَلَى النَّسِيئَةِ عُرْفًا وَعَادَةً حَتَّى كَانَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ بِالنَّقْدِ فَيَثْبُتُ بِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّسِيئَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَهِيَ أَسْرَعُ ثُبُوتًا مِنْ حُرْمَةِ الْفَضْلِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى الْحُرْمَتَيْنِ وَلَهَا عِلَّةٌ مَعْلُومَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا يَثْبُتُ بِمَا هُوَ دُونَهَا فِي الدَّرَجَةِ.
وَلَا يُقَالُ لَوْ ثَبَتَ حُرْمَةُ شُبْهَةِ الْفَضْلِ لِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ لَزِمَ تَوْزِيعُ الْحُكْمِ عَلَى أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ثُبُوتُ حُرْمَةِ النَّسِيئَةِ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِثُبُوتِهَا إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّوْزِيعِ إذْ التَّوْزِيعُ أَنْ يَثْبُتَ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ بَعْضُ حُرْمَةِ الْفَضْلِ وَلَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْعِلَّةُ مَعْنًى وَحُكْمًا لَا اسْمًا) فَهِيَ الْوَصْفُ الْآخِرُ وُجُودًا مِنْ عِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ مُؤَثِّرَيْنِ وَاحْتَرَزَ بِهَذَا الْقَيْدِ عَمَّا إذَا تَوَقَّفَ الْحُكْمُ عَلَى وَصْفَيْنِ أَحَدُهُمَا مُؤَثِّرٌ فِيهِ دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّ الْوَصْفَ الْمُؤَثِّرَ هُوَ الْعِلَّةُ وَالْوَصْفَ الْآخَرَ شَرْطٌ أَمَّا كَوْنُهُ عِلَّةً حُكْمًا فَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُوجَدُ عِنْدَهُ وَيُضَافُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْوَصْفَ الْمَوْجُودَ آخِرًا شَارَكَ الْأَوَّلَ فِي الْوُجُوبِ أَيْ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ وَلَكِنَّهُ تَرَجَّحَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْوُجُودِ أَيْ بِوُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَهُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا شَارَكَ الْأَوَّلَ فِي الْوُجُوبِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَيْهِمَا جَمِيعًا قُلْنَا لَمَّا تَرَجَّحَ الْوَصْفُ الْأَخِيرُ بِوُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَهُ عَدِمَ حُكْمُ الْأَوَّلِ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَارَةً تَنْعَدِمُ بِمُعَارَضَةِ الرَّاجِحِ وَتَارَةً تَنْعَدِمُ لِمَعْنًى فِي ذَاتِهِ فَانْعَدَمَ الْأَوَّلُ بِالرَّاجِحِ وَصَارَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ كَمَا فِي الْمَنِّ الْأَخِيرِ فِي السَّفِينَةِ وَالْقَدَحِ الْأَخِيرِ فِي السُّكْرِ وَرِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا مُضَافٌ إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ وَفِي إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّا مَا أَضَفْنَا الْفُرْقَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَاصِمٌ عَلَى مَا عُرِفَ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ وَذَكَرَ فِي التَّقْوِيمِ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يُضَافُ إلَى آخِرِ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى إنَّمَا يَصِيرُ مُوجِبًا بِالْأَخِيرِ ثُمَّ الْحُكْمُ يَجِبُ بِالْكُلِّ فَيَصِيرُ الْوَصْفُ الْأَخِيرُ كَعِلَّةِ الْعِلَّةِ فَكَانَ لَهُ حُكْمُ الْعِلَّةِ.
وَذَلِكَ أَيْ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِوَصْفَيْنِ مُؤَثِّرَيْنِ ثُمَّ إضَافَتُهُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا مِثْلُ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ لِلْعِتْقِ فِي الْقَرِيبِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ
وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ لِلْعِتْقِ فَإِنَّ الْمِلْكَ الَّذِي تَأَخَّرَ أُضِيفَ إلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا وَمَتَى تَأَخَّرَتْ الْقَرَابَةُ أُضِيفَ إلَيْهَا حَتَّى لَوْ وَرِثَ اثْنَانِ عَبْدًا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ غَرِمَ لِشَرِيكِهِ وَأُضِيفَ الْعِتْقُ إلَى الْقَرَابَةِ بِخِلَافِ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنَّ آخِرَهُمَا شَهَادَةً لَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ يَقَعُ بِالْجُمْلَةِ فَلَا يَتَرَجَّحُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ فِي الْحُكْمِ.
فَأَمَّا الْعِلَّةُ اسْمًا وَحُكْمًا لَا مَعْنًى فَمِثْلُ السَّفَرِ لِلرُّخْصَةِ
ــ
[كشف الأسرار]
مِنْ الْوَصْفَيْنِ مُؤَثِّرٌ فِيهِ أَمَّا الْقَرَابَةُ فَلِأَنَّ الْعِتْقَ صِلَةٌ وَالْقَرَابَةُ تُؤَثِّرُ فِي إيجَابِ الصِّلَةِ وَالرِّقُّ مُوجِبٌ لِلْقَطْعِ لِاسْتِلْزَامِهِ الِاسْتِدْلَالَ فَوَجَبَ صِيَانَةُ الْقَرَابَةِ عَمَّا يُوجِبُ الْقَطْعَ.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا صِينَتْ عَنْ أَدْنَى الرِّقَّيْنِ وَهُوَ النِّكَاحُ احْتِرَازًا عَنْ الْقَطْعِ فَلَأَنْ تُصَانَ عَنْ أَعْلَاهُمَا كَانَ أَوْلَى وَكَذَا الْمِلْكُ مُؤَثِّرٌ فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ حَتَّى اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ النَّفَقَةَ عَلَى مَوْلَاهُ بِالْمِلْكِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَبْدَانِ اثْنَيْنِ يَلْزَمُهُمَا النَّفَقَةُ بِعَدَدِ الْمِلْكِ وَالنَّفَقَةُ صِلَةٌ وَالزَّكَاةُ تَجِبُ صِلَةً لِلْفُقَرَاءِ بِالْمِلْكِ وَكَذَا الْعُشْرُ تُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمِلْكَ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الْإِعْتَاقِ كَالنِّكَاحِ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الطَّلَاقِ فَكَانَ فِي الْمِلْكِ مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْمَلٌ لِلْعِلَّةِ وَإِذَا أَظْهَرَ التَّأْثِيرَ لِلْوَصْفَيْنِ وَعَدَمَ الْحُكْمِ بِفَوَاتِ أَحَدِهِمَا كَانَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً وَاحِدَةً لَا أَنْ تَكُونُ الْقَرَابَةُ عِلَّةً وَالْمِلْكُ شَرْطًا كَمَا زَعَمَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله ثُمَّ الْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ مِنْهُمَا وُجُودًا لِمَا بَيَّنَّا فَإِذَا كَانَتْ الْقَرَابَةُ سَابِقَةً ثُمَّ وُجِدَ الْمِلْكُ كَانَ الْعِتْقُ مُضَافًا إلَيْهِ حَتَّى صَارَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الْمِلْكَ وَالْمِلْكَ يُوجِبُ الْعِتْقَ فَكَانَ الْعِتْقُ الثَّابِتُ بِهِ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَا كِنَايَةً عَنْ الْإِعْتَاقِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَغَيَّرُ بِالْوَاسِطَةِ مَتَى كَانَتْ الْوَاسِطَةُ ثَابِتَةً بِالْأَوْلَى كَالرَّمْيِ يَكُونُ قَتْلًا بِوَاسِطَةِ النُّفُوذِ وَالْوُصُولِ إلَى الْمَرْمَى بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْأَسْرَارِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الشِّرَاءَ إعْتَاقٌ تَقَعُ عَنْ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ النِّيَّةِ وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ عَلَى قَدْرِ مَا لَزِمَهُ بِالنَّصِّ.
فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْحُكْمَ مُضَافٌ إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ إذْ لَوْ كَانَ مُضَافًا إلَيْهِمَا بَعْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ الثَّانِي لَمَا كَانَ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا تَامًّا وَلَمَا وَقَعَ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَإِعْتَاقِ أُمِّ الْوَلَدِ وَمَتَى تَأَخَّرَتْ الْقَرَابَةُ أُضِيفَ الْعِتْقُ إلَيْهَا حَتَّى لَوْ وَرِثَ اثْنَانِ عَبْدًا مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ اشْتَرَيَاهُ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ غَرِمَ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي هِيَ آخِرُ الْوَصْفَيْنِ وُجُودًا حَصَلَتْ بِصُنْعِهِ فَيُضَافُ الْعِتْقُ إلَيْهِ وَيُجْعَلُ الْمُدَّعِي مُعْتِقًا بِوَاسِطَةِ الْقَرَابَةِ كَمَا جُعِلَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ وَهَذَا كَمَا لَوْ شَهِدَ الرَّجُلَانِ بِنَسَبِ رَجُلٍ فَوَرِثَ بِهِ وَحُجِبَ الْأَبْعَدَ ثُمَّ رَجَعَا فَإِنْ كَانَا شَهِدَا بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ضَمِنَا بِالْأَبْعَدِ مَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِرْثِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَضْمَنَا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَثْبُتُ بِالْمَوْتِ وَالنَّسَبِ جَمِيعًا فَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ سَابِقًا أُضِيفَ إلَى النَّسَبِ فَصَارَا مُتْلِفَيْنِ عَلَى الْأَبْعَدِ نَصِيبَهُ بِإِثْبَاتِ نَسَبِ الْأَقْرَبِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا كَانَ الْإِرْثُ مُضَافًا إلَى الْمَوْتِ الثَّابِتِ بَعْدَ النَّسَبِ فَلَمْ يَصِرْ الشَّاهِدَانِ مُتْلِفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِمَا فَكَذَا هَاهُنَا كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ فَوَائِدِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ عَبْدًا مَجْهُولَ النَّسَبِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يَجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُضَافُ إلَى الْقَرَابَةِ وَهِيَ أَمْرٌ جَبْرِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ لِلتَّكْفِيرِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ اخْتِيَارِيٌّ فَيَصْلُحُ لِلتَّكْفِيرِ.
وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْعِتْقُ فِي الشِّرَاءِ أَمْرٌ جَبْرِيٌّ أَيْضًا كَالْقَرَابَةِ هَاهُنَا وَالدَّعْوَى الَّتِي تُوجِبُ الْقَرَابَةَ هَاهُنَا أَمْرٌ اخْتِيَارِيٌّ كَالشِّرَاءِ هُنَاكَ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بِالدَّعْوَةِ مُعْتِقًا كَمَا جُعِلَ بِالشِّرَاءِ وَلِهَذَا جُعِلَ مُعْتِقًا بِهَا فِي ضَمَانِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ لَكِنْ أَنْ تَثْبُتَ الرِّوَايَةُ فَالْفَرْقُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَرَابَةَ وَإِنْ ثَبَتَتْ بِالدَّعْوَةِ لَمْ تَثْبُتْ مُقْتَصِرَةً عَلَى حَالِ الدَّعْوَةِ بَلْ تَثْبُتُ مِنْ حَالِ الْعُلُوقِ فَيَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى زَمَانِ الْمِلْكِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ خَلَا عَنْ النِّيَّةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمَحْلُوفِ بِعِتْقِهِ فَتَكُونُ الدَّعْوَةُ
وَالْمَرَضِ وَمِثْلُ النَّوْمِ لِلْحَدَثِ وَذَلِكَ أَنَّ السَّفَرَ تَعَلَّقَ بِهِ فِي الشَّرْعِ الرُّخْصُ فَكَانَ عِلَّةً حُكْمًا وَنُسِبَتْ الرُّخْصُ إلَيْهِ فَصَارَ عِلَّةً اسْمًا أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْفِطْرُ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا أَفْطَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا وَلَا مَعْنًى فَلَمَّا صَارَ شُبْهَةً عَلِمْنَا أَنَّهُ عِلَّةٌ اسْمًا وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْمَشَقَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا أَنَّهُ أُضِيفَ إلَى السَّفَرِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمَشَقَّةِ فَأُقِيمَ مَقَامَهَا وَكَذَلِكَ الْمَرَضُ إلَّا أَنَّهُ
ــ
[كشف الأسرار]
إعْتَاقًا فِي الْحَالِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا بَيَّنَّا فَيَصْلُحُ لِلْكَفَّارَةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا إذَا وَرِثَ أَبَاهُ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ أَوْ وَرِثَ رَجُلَانِ عَبْدًا هُوَ قَرِيبُ أَحَدِهِمَا حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَثْبُتُ لِلْمَرْءِ بِدُونِ صُنْعِ الْعَبْدِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ إعْتَاقًا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ وَالتَّكْفِيرُ يَتَأَدَّى بِالْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنَّ آخِرَهُمَا شَهَادَةً لَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ وَلَا يُجْعَلُ عِلَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ مَعْنًى وَحُكْمًا وَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ الْحُكْمِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْمَذْكُورَ وَهُوَ الشَّهَادَةُ لَا يَعْمَلُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَنْ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ وِلَايَةُ إلْزَامٍ وَالْقَضَاءُ يَقَعُ بِشَهَادَتِهِمَا جُمْلَةً وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ كَوْنُ أَحَدِهِمَا سَابِقًا وَالْآخَرُ مُتَمِّمًا لِعِلَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ نَقَلَ عِلْمَهُ إلَى الْقَاضِي وَعِلْمُهُ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الرُّجْحَانُ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ لَهُ وَلِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ وَصْفَ الْكَرَامَةِ لِلشَّاهِدِ فَإِنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ كَرَامَةٌ لَهُ وَوَصْفُ الْحُجَّةِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَالثَّانِي تَبَعٌ لِلْأَوَّلِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا.
وَبِخِلَافِ مَا إذَا جَرَحَ رَجُلَانِ رَجُلًا أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ كَانَ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَى الْجُرْحَيْنِ لَا إلَى الْجُرْحِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِرَاحَةٍ عِلَّةٌ تَامَّةٌ بِنَفْسِهَا وَالْحُكْمُ فِي الْعِلَلِ إذَا اجْتَمَعَتْ تُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهَا غَيْرُهَا وَكَلَامُنَا فِي عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ لَهَا وَصْفَانِ وَكَذَا لَا يُتَيَقَّنُ بِأَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الزُّهُوقُ بِأَيِّهِمَا حَصَلَ فَلَا يُمْكِنُ التَّرْجِيحُ حَتَّى لَوْ جَرَحَ أَحَدُهُمَا وَجَزَّ الْآخَرُ رَقَبَتَهُ كَانَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْجُزْءِ لِاتِّصَالِ الْحُكْمِ بِهِ يَقِينًا
وَبِخِلَافِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ حَيْثُ لَمْ يُضَفْ الْحُكْمُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا بَلْ يُضَافُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ عَلَى حِدَةٍ فَالْإِيجَابُ عِلَّةُ مِلْكِ الْمَبِيعِ وَالْقَبُولُ شَرْطٌ فِي حَقِّهِ وَالْقَبُولُ عِلَّةُ مِلْكِ الثَّمَنِ وَالْإِيجَابُ شَرْطٌ فِي حَقِّهِ فَيُضَافُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ إلَى عِلَّتِهِ كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْغَرِيَّةِ
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ عِلَّةُ الْمِلْكِ هِيَ الْعَقْدُ الَّذِي حَكَمَ الشَّرْعُ بِوُجُودِهِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بِالْبَيْعِ وَيُوصَفُ بِالْبَقَاءِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ فَكَانَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَيْهِ دُونَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ.
قَوْلُهُ (وَالْمَرَضِ) عَطْفٌ عَلَى السَّفَرِ أَيْ السَّفَرُ وَالْمَرَضُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلرُّخْصَةِ الثَّابِتَةِ بِهِ اسْمًا وَحُكْمًا لَا مَعْنًى وَذَلِكَ أَيْ كَوْنُ السَّفَرِ عِلَّةً اسْمًا وَحُكْمًا أَنَّ السَّفَرَ تُعَلَّقُ بِهِ فِي الشَّرْعِ الرُّخْصُ أَيْ ثَبَتَ مُتَّصِلَةً بِهِ حَتَّى إذَا جَاوَزَ ثُبُوتَ الْمِصْرِ قَصَرَ الصَّلَاةَ فَكَانَ عِلَّةً حُكْمًا
وَنُسِبَتْ الرُّخْصُ إلَى السَّفَرِ شَرْعًا يُقَالُ رُخْصَةُ السَّفَرِ الْقَصْرُ وَالْإِفْطَارُ فَكَانَ عِلَّةً اسْمًا أَيْضًا أَلَا تَرَى إيضَاحًا لِكَوْنِهِ عِلَّةً اسْمًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْفِطْرُ يَعْنِي فِي هَذَا الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَصْبَحَ مُقِيمًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الصَّوْمِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا أَنْشَأَ السَّفَرَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ مَا تَقَرَّرَ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ إذْ السَّفَرُ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهَذَا أَيْ هَذَا السَّفَرُ فِي حَقِّ هَذَا الْيَوْمِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الرُّخْصَةِ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْإِفْطَارُ فِيهِ وَلَا مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ هُوَ الْمَشَقَّةُ لَا نَفْسُ السَّفَرِ فَلَمَّا صَارَ هَذَا السَّفَرُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا وَلَا مَعْنًى عَلِمْنَا أَنَّهُ عِلَّةٌ اسْمًا إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً اسْمًا أَيْضًا لَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِوُجُودِ الْإِفْطَارِ بِلَا تَرَخُّصٍ صُورَةً
مُتَنَوِّعٌ فَمَا هُوَ سَبَبٌ لِلْمَشَقَّةِ أُقِيمَ مَقَامَهَا وَمَا لَا فَلَا وَكَذَلِكَ النَّوْمُ مِمَّا كَانَ مِنْهُ سَبَبًا لِاسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ مَقَامَهُ فَصَارَ حَدَثًا وَإِنَّمَا نُقِلَ إلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ لِلتَّيْسِيرِ وَكَذَلِكَ الِاسْتِبْرَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّغْلِ ثُمَّ نُقِلَ إلَى اسْتِحْدَاثِ سَبَبِ الشَّغْلِ تَيْسِيرًا وَأَمْثِلَةُ هَذَا الْأَصْلِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَذَلِكَ بِطَرِيقَيْنِ يَكُونُ إقَامَةُ السَّبَبِ الدَّاعِي مَقَامَ الْمَدْعُوِّ مِثْلُ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَالنَّوْمِ وَالْمَسِّ وَالنِّكَاحِ مَقَامَ الْوَطْءِ.
وَالثَّانِي أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ مَقَامَ الْمَدْلُولِ مِثْلُ الْخَبَرِ عَنْ الْمَحَبَّةِ مَقَامَ الْمَحَبَّةِ وَمِثْل الطُّهْرِ مَقَامَ الْحَاجَةِ فِي إبَاحَةِ الطَّلَاقِ وَمِثْلُ مَسَائِلِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَطَرِيقُ ذَلِكَ وَفِقْهُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا لِدَفْعِ الضَّرُورَةِ وَالْعَجْزِ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ إنْ أَحْبَبْتِينِي أَوْ أَبْغَضْتِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفِي الِاسْتِبْرَاءِ وَفِي قِيَامِ النِّكَاحِ مَقَامَ الْمَاءِ وَلِلِاحْتِيَاطِ كَمَا قِيلَ فِي تَحْرِيمِ الدَّوَاعِي فِي الْحُرُمَاتِ وَالْعِبَادَاتِ
ــ
[كشف الأسرار]
وَمَعْنًى.
وَأَمَّا الْمَعْنَى أَيْ فَوَاتُ مَعْنَى الْعِلَّةِ عَنْ السَّفَرِ فَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْمَشَقَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ دُونَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي إيجَابِ الرُّخْصَةِ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى الْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ كَمَا أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ بِقَوْلِهِ {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] إلَّا أَنَّهُ أَيْ لَكِنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ ثُبُوتُ الرُّخْصَةِ أُضِيفَ إلَى السَّفَرِ دُونَ حَقِيقَةِ الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَمْرٌ بَاطِنٌ يَتَفَاوَتُ أَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَأَقَامَ الشَّرْعُ السَّفَرَ الْمَخْصُوصَ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمَشَقَّةِ فِي الْغَالِبِ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي مُخْتَصَرِ التَّقْوِيمِ السَّفَرُ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْمَشَقَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ وَإِنْ كَانَ فِي رَفَاهِيَةٍ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ مَشَقَّةٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالسَّفَرِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ وَأَبَدًا يُضَافُ لِلْحُكْمِ عِلَّةُ الْعِلَّةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إضَافَتِهِ إلَى الْعِلَّةِ فَلِذَلِكَ دَارَ الْحُكْمُ مَعَ السَّفَرِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ السَّفَرِ الْمَرَضُ عِلَّةٌ لِلرُّخْصَةِ اسْمًا؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ تُنْسَبُ إلَيْهِ كَمَا تُنْسَبُ إلَى السَّفَرِ رُخْصَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ مُقْتَرِنًا بِهِ مِنْ غَيْرِ تَأَخُّرٍ لَا مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَعْنَوِيَّةَ مَالَهَا أَثَرٌ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ وَلَا أَثَرَ لِنَفْسِ الْمَرَضِ فِي إيجَابِ الرُّخْصَةِ بَلْ الْمُوجِبُ الْحَقِيقِيُّ مَعْنًى تَحْتَهُ وَهُوَ خَوْفُ التَّلَفِ وَزِيَادَةُ الْمَرَضِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَعْنَى أَمْرًا بَاطِنًا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ فِي إضَافَةِ الْحُكْمَ إلَيْهِ وَصَارَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِالْمَرَضِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْخَوْفِ وَالْمَشَقَّةِ وَهَذَا دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ يُوجِبُ الْمَشَقَّةَ بِكُلِّ حَالٍ فَأَمَّا الْمَرَضُ فَقَدْ يُوجِبُ خَوْفَ التَّلَفِ وَالْمَشَقَّةِ وَقَدْ لَا يُوجِبُ كَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ أَيْ الْمَرَضَ مَتْبُوعٌ إلَى آخِرِهِ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ الْمَذْكُورِ سَابِقًا الِاسْتِبْرَاءُ وَهُوَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ فِي الْأَمَةِ عِنْدَ حُدُوثِ الْمِلْكِ فِيهَا إلَى انْقِضَاءِ حَيْضَةٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مُتَعَلِّقٌ بِالشُّغْلِ أَيْ وُجُوبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالشُّغْلِ هُوَ مَصْدَرُ شُغِلَ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ لَا شَغَلَ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ يَعْنِي هُوَ مُتَعَلِّقٌ فِي الْحَقِيقَةِ بِوَهْمِ اشْتِغَالِ الرَّحِمِ بِمَاءِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي إيجَابِهِ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْ الْخَلْطِ بِمَاءٍ آخَرَ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ سَقْيِ زَرْعِ الْغَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» وَذَلِكَ يَجِبُ عِنْدَ تَوَهُّمِ الشُّغْلِ لَكِنَّ الشُّغْلَ لَمَّا كَانَ بَاطِنًا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِاسْتِحْدَاثِ مِلْكِ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الشُّغْلَ يَكُونُ بِالْوَطْءِ وَبِالْمِلْكِ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْوَطْءِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْمِلْكِ كَانَ لِلْمِلْكِ اتِّصَالٌ بِهِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ كَذَا فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ وَأُشِيرَ فِي التَّقْوِيمِ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ صِيَانَةُ الْمَاءِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ بِمَاءٍ قَدْ وُجِدَ إلَّا أَنَّهُ لَوْ عَلِقَ بِالْمَاءِ وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَتَعَذَّرَ عَلَيْنَا مُرَاعَاتُهُ فَعَلِقَ بِالسَّبَبِ الْمُؤَدَّى إلَى خَلْطِ الْمِيَاهِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ مِلْكِ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِحْدَاثَ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ لَزِمَ الْبَائِعَ وَمِنْ غَيْرِ ظُهُورِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا عَنْ مَائِهِ فَلَوْ أَبَحْنَا الْوَطْءَ لِلثَّانِي بِنَفْسِ الْمِلْكِ لَأَدَّى إلَى الْخَلْطِ فَكَانَ الْإِطْلَاقُ بِنَفْسِ الْمِلْكِ سَبَبًا مُؤَدِّيًا إلَيْهِ فَوَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ لِهَذَا الْمَعْنَى.
وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ بِاسْتِحْدَاثِ مِلْكِ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ احْتَمَلَ رَحِمُهَا
وَلِدَفْعِ الْحَرَجِ كَمَا قِيلَ فِي السَّفَرِ وَالطُّهْرِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْحَاجَةِ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَالْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ لِإِيجَابِ الْحَدَثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
ــ
[كشف الأسرار]
الشُّغْلَ بِمَاءِ الْمَوْلَى لِعَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمَوْلَى قَبْلَ التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَا شُرِعَ فِي الْأَصْلِ إلَّا عَلَى رَحِمٍ فَارِغَةٍ أَوْ بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاحْتِيَاطِ لِمَعْرِفَةِ الْفَرَاغِ بِتَرَبُّصِ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ الزَّائِدَةِ عَلَى مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْفَرَاغُ أَمْرًا بَاطِنًا دَارَ الْحُكْمُ عَلَى النِّكَاحِ فَقِيلَ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي النِّكَاحِ بِحَالٍ اعْتِبَارًا لِأَصْلِهِ كَمَا أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَاجِبٌ فِي حُدُوثِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بِكْرًا أَوْ مُشْتَرَاةً مِنْ امْرَأَةٍ اعْتِبَارًا لِأَصْلِهِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَظِيفَةُ مِلْكِ الْيَمِينِ كَمَا أَنَّ الْعِدَّةَ وَظِيفَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَمَا لَا يُنْقَلُ وَظِيفَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ إلَى مِلْكِ الْيَمِينِ لَا يُنْقَلُ وَظِيفَةُ مِلْكِ الْيَمِينِ إلَى مِلْكِ النِّكَاحِ وَأَمْثِلَةُ هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ إقَامَةُ الشَّيْءِ مَقَامَ غَيْرِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى كَإِقَامَةِ الْبُلُوغِ مَقَامَ اعْتِدَالِ الْعَقْلِ وَالنِّكَاحِ مَقَامَ الْعُلُوقِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مَقَامَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ فِي إيجَابِ الْغُسْلِ وَالْخَلْوَةِ مَقَامَ الدُّخُولِ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ أَيْ وَضْعُ الشَّيْءِ مَقَامَ غَيْرِهِ بِطَرِيقَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّسَبَ لَا يَخْلُو عَنْ تَأْثِيرٍ لَهُ فِي الْمُسَبَّبِ أَوْ إفْضَاءٍ إلَيْهِ وَالدَّلِيلُ يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ كَذَا قِيلَ وَالْمَسُّ وَالنِّكَاحُ يُقَامُ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ الْوَطْءِ فِي ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ دَاعٍ إلَيْهِ مِثْلُ الْخَبَرِ أَيْ الْإِخْبَارِ عَنْ الْمَحَبَّةِ قَامَ مَقَامَ الْمَحَبَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّك؛ لِأَنَّ إخْبَارَهَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ مَا جَعَلَهُ شَرْطًا فَأُقِيمَ مَقَامَ الْمَدْلُولِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَتْ عَنْ الْمَحَبَّةِ خَارِجَ الْمَجْلِسِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّخْيِيرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ إلَى إخْبَارِهَا وَمَحَبَّتِهَا وَالتَّخْيِيرُ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ.
وَلَوْ كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْإِخْبَارِ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةٍ غَيْرِهَا وَلَا مِنْ جِهَتِهَا؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ مُتَقَلِّبٌ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ فَمَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِدَلِيلِهِ كَالسَّفَرِ مَعَ الْمَشَقَّةِ وَالنَّوْمِ مَعَ الْحَدَثِ فَصَارَ الشَّرْطُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمَحَبَّةِ وَقَدْ وُجِدَ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ لِلْمُصَنِّفِ رحمه الله وَمِثْلُ الطُّهْرِ أَيْ الطُّهْرِ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ قَامَ مَقَامَ الْحَاجَةِ إلَى الطَّلَاقِ فِي إبَاحَةِ الطَّلَاقِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ أَمْرٌ مَحْظُورٌ فِي الْأَصْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الْمَسْنُونِ وَلَكِنَّ الْمَحْظُورَ قَدْ يَحِلُّ مُبَاشَرَتُهُ لِلضَّرُورَةِ كَتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ وَقَدْ يَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الطَّلَاقِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمُضِيِّ عَلَى مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَإِقَامَةِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّكَاحِ فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الطَّلَاقِ لَانْقَلَبَ النِّكَاحُ الْمَشْرُوعُ لِلْمَصَالِحِ مَفْسَدَةً فَشُرِعَ الطَّلَاقُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ ثُمَّ هِيَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ إلَيْهَا وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ تَيْسِيرًا وَمِثْلُ مَسَائِلِ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّ دَلِيلَ الشُّغْلِ فِيهَا وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ أُقِيمَ مَقَامَ الْمَدْلُولِ وَهُوَ الشُّغْلُ حَتَّى دَارَ الْحُكْمُ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَمِنْ الصَّغِيرِ بِأَنْ بَاعَهَا لَهُ أَبُوهُ وَالْجَارِيَةِ الْبِكْرِ لِوُجُودِ الِاسْتِحْدَاثِ وَإِنْ تَيَقَّنَّا بِعَدَمِ الشُّغْلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ لِفَرَاغِ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْبَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا اسْتِبْرَاءٌ؛ لِأَنَّ