المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[القسم الرابع بيان الفاسد من وجوه الترجيح ترجيح القياس بقياس آخر] - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٤

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[أَقْسَامُ الِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[بَابُ أَحْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْكَلَامُ فِي شَرْطِهِ وَحُكْمِهِ]

- ‌[شَرْطُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[حُكْمُ الِاجْتِهَاد]

- ‌(بَابُ فَسَادِ تَخْصِيصِ الْعِلَلِ)

- ‌(بَابُ وُجُوهِ دَفْعِ الْعِلَلِ)

- ‌[أَقْسَام الْعِلَل]

- ‌[الْعِلَل الْمُؤْثَرَة وَطُرُق دُفَعهَا]

- ‌[دَفْعِ الْعِلَل الْمُؤْثَرَة بِطَرِيقِ فاسد وَطَرِيق صَحِيح]

- ‌(بَابُ الْمُمَانَعَةِ)

- ‌بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌[النَّوْعُ الْأَوَّلِ الْمُعَارَضَةُ الَّتِي فِيهَا مُنَاقَضَةٌ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي الْمُعَارَضَة الْخَالِصَة]

- ‌بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ دَفْعِ الْمُنَاقَضَةِ) :

- ‌بَابُ التَّرْجِيحِ) :

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّل تَفْسِيرِ التَّرْجِيحِ وَمَعْنَاهُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ بَيَانُ الْمُخَلِّصِ فِي تَعَارُضِ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعِ بَيَانُ الْفَاسِدِ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ آخَرَ]

- ‌(بَابُ وُجُوهِ دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ)

- ‌ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ

- ‌ الْمُمَانَعَةُ

- ‌ فَسَادُ الْوَضْعِ

- ‌ الْمُنَاقَضَةُ

- ‌ بَابُ وُجُوهِ الِانْتِقَالِ) :

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ الْأَسْبَابِ وَالْعِلَلِ وَالشُّرُوطِ

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ السَّبَبِ)

- ‌بَابُ تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الشَّرْطِ)

- ‌بَابُ تَقْسِيمِ الْعَلَامَةِ) :

- ‌(بَابُ بَيَانِ الْعَقْلِ) :

- ‌(بَابُ بَيَانِ الْأَهْلِيَّةِ) :

- ‌[أضرب الْأَهْلِيَّة]

- ‌(بَابُ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ)

- ‌(بَابُ الْأُمُورِ الْمُعْتَرِضَةِ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ) :

- ‌بَابُ الْعَوَارِضِ) (الْمُكْتَسَبَةِ) :وَهِيَ نَوْعَانِ

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مِنْ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌جَهْلُ صَاحِبِ الْهَوَى فِي صِفَاتِ اللَّهِ عز وجل وَأَحْكَامِ الْآخِرَةِ

- ‌ الْجَهْلُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ الصَّحِيحِ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ

- ‌ الْجَهْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ

- ‌[فَصْلٌ السُّكْر قسمان] [

- ‌الْقَسْم الْأَوَّل السُّكْر بِطَرِيقِ مُبَاح]

- ‌[الْقَسْم الثَّانِي السُّكْر بِطَرِيقِ غَيْر مُبَاح]

- ‌[فَصْلُ الْهَزْلِ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[السَّفَه مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[السَّفَر مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[الْخَطَأُ مِنْ الْعَوَارِض الْمُكْتَسِبَة]

الفصل: ‌[القسم الرابع بيان الفاسد من وجوه الترجيح ترجيح القياس بقياس آخر]

وَأَمَّا الرَّابِعُ فَعَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ. تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ آخَرَ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ عَلَى مَا قُلْنَا، وَالثَّانِي التَّرْجِيحُ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ مِثْلُ قَوْلِهِمْ إنَّ الْأَخَ يُشْبِهُ الْوَلَدَ بِوَجْهٍ، وَهُوَ الْمَحْرَمِيَّةُ وَيُشْبِهُ ابْنَ الْعَمِّ بِسَائِرِ الْوُجُوهِ مِثْلُ وَضْعِ الزَّكَاةِ وَحِلِّ الْحَلِيلَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَوُجُوبِ الْقِصَاصِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَبَهٍ يَصْلُحُ قِيَاسًا فَيَصِيرُ كَتَرْجِيحِ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ آخَرَ

ــ

[كشف الأسرار]

فَإِنَّ وُجُودَهَا يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَعَدَمُهَا يُوجِبُ الْفَسَادَ فَرَجَّحْنَا بِالْكَثْرَةِ أَيْ رَجَّحْنَا الْبَعْضَ الَّذِي وُجِدَتْ الْعَزِيمَةُ فِيهِ أَوْ وُجُودُ الْعَزِيمَةِ بِالْكَثْرَةِ الَّتِي هِيَ مَعْنًى رَاجِعٌ إلَى الذَّاتِ وَحَكَمْنَا بِالصِّحَّةِ وَرَجَّحَ الشَّافِعِيُّ الْبَعْضَ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ فِيهِ الْعَزِيمَةُ فَحَكَمَ بِالْفَسَادِ احْتِيَاطًا فِي الْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ فِيهَا جِهَةُ الصِّحَّةِ وَجِهَةُ الْفَسَادِ تَرَجَّحَ جَانِبُ الْفَسَادِ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا اعْتَبَرَهُ مَعْنًى فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْفَسَادِ يُؤَدِّي إلَى نَسْخِ الذَّاتِ بِالْحَالِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْكَثْرَةِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَبِتَرْجِيحِ الْفَسَادِ يَبْطُلُ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ فِيهِ نَسْخُ الذَّاتِ بِالْحَالِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَا مَرَّ.

وَلَا يُقَالُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ نَسْخُ الْحَالِ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ وَالْقِلَّةَ مِنْ الْأَوْصَافِ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَثْرَةُ تَحْصُلُ بِانْضِمَامِ الْأَجْزَاءِ وَهُوَ مَعْنًى رَاجِعٌ إلَى الذَّاتِ وَالْفَسَادُ حَالٌ طَارِئٌ عَلَى الذَّاتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَعَلَى هَذَا عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ وُهِبَتْ لَهُ أَلْفٌ ضَمَّهَا إلَى الْأَلْفِ أَوْلَى، وَهِيَ الْأَلْفُ الْمَمْلُوكَةُ دُونَ ثَمَنِ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْأَلْفَيْنِ إلَى الْحَوْلِ يَعْنِي قَدْ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ الضَّمُّ بِمَعْنَى الْمُجَانَسَةِ، وَقَدْ تَعَارَضَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَلْفَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بِالْقُرْبِ إلَى الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الِاحْتِيَاطِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ يُقَوَّمُ بِمَا هُوَ الْأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ احْتِيَاطًا فَإِنْ تَصَرَّفَ فِي ثَمَنِ الْإِبِلِ فَرَبِحَ أَلْفًا ضَمَّ الرِّبْحَ إلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ بَعُدَ أَصْلُهُ عَنْ الْحَوْلِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الرُّجْحَانُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الزَّكَاةِ بِأَنْ يُضَمَّ إلَى الْأَلْفِ الْأُخْرَى بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ إلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ مَعْنًى يَرْجِعُ إلَى ذَاتِ الْمُسْتَفَادِ فَإِنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ مُتَفَرِّعًا مِنْ الشَّيْءِ مَعْنًى يَرْجِعُ إلَى ذَاتِهِ؛ لِأَنَّ ذَاتَه جُزْءٌ مِنْهُ وَالْقُرْبُ إلَى الْحَوْلِ حَالٌ زَائِدَةٌ فِيهِ فَكَانَ التَّرْجِيحُ بِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الذَّاتِ أَحَقَّ مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْحَالِ، وَهَذَا كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ إذَا كَانَتْ مُشْتَرَاةً بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ يُقَوَّمُ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ التَّقْوِيمُ بِالنَّقْدِ الْآخَرِ أَنْفَعَ لِحُصُولِ ذَاتِهَا بِهِ.

ثُمَّ اسْتَوْضَحَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الْجَامِعِ هَذَا الْكَلَامَ فَقَالَ لَوْ كَانَ بَاعَ الْغَنَمَ بِجَارِيَةٍ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَزَادَتْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَلَوْ قُلْنَا بِضَمِّ الزِّيَادَةِ إلَى الْمَالِ الْآخَرِ إذَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْحَوْلِ لَأَدَّى إلَى أَمْرٍ قَبِيحٍ، وَهُوَ أَنْ يُزَكَّى أَصْلُ الْجَارِيَةِ بِاعْتِبَارِ حَوْلٍ وَصِفَتِهَا بِاعْتِبَارِ حَوْلٍ آخَرَ فَلِهَذَا يَضُمُّ الْمُتَوَلِّدَ إلَى مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ رحمه الله لِيَكُونَ أَصْلًا لِغَيْرِهَا مِنْ الْفُرُوعِ كَمَا إذَا أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ لِعُمْرَةٍ وَطَافَ لَهَا شَوْطًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يُرْفَضُ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ أَيْسَرُ قَضَاءً، وَأَقَلُّ أَعْمَالًا وَيُرْفَضُ إحْرَامُ الْحَجِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ رَاجِحَةٌ فِي ذَاتِهَا لِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْ أَرْكَانِهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَمَا قَالَاهُ تَرْجِيحٌ بِالْحَالِ.

[الْقِسْمُ الرَّابِعِ بَيَانُ الْفَاسِدِ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ آخَرَ]

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الرَّابِعُ يَعْنِي) مِنْ أَقْسَامِ أَوَّلِ الْبَابِ، وَهُوَ بَيَانُ الْفَاسِدِ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ وَتَرْجِيحُ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ آخَرَ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِثْلُ تَرْجِيحِ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ بِالْخَبَرِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مَتْرُوكٌ بِالْخَبَرِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي مُقَابَلَتِهِ وَالْمَصِيرُ إلَى التَّرْجِيحِ بَعْدَ وُقُوعِ التَّعَارُضِ بِاعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ، وَمِثْلُ تَرْجِيحِ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ بِنَصِّ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ عَلَى مَا قُلْنَا يَعْنِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ إنَّ التَّرْجِيحَ لَا يَقَعُ مِمَّا يَصْلُحُ عِلَّةً بِانْفِرَادِ.

وَالثَّانِي مِنْ التَّرْجِيحَاتِ الْفَاسِدَةِ التَّرْجِيحُ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلْفَرْعِ بِأَحَدِ الْأَصْلَيْنِ شَبَهٌ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَبِالْأَصْلِ الْآخَرِ الَّذِي يُخَالِفُ أَصْلَ الْأَوَّلِ شَبَهٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَوْ مِنْ وُجُوهٍ وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ

ص: 101

وَالثَّالِثُ التَّرْجِيحُ بِالْعُمُومِ مِثْلُ قَوْلِهِمْ إنَّ الطَّعْمَ أَحَقُّ؛ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثْرَةَ، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ وَلِأَنَّ الْوَصْفَ فَرْعُ النَّصِّ وَالنَّصُّ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ سَوَاءٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ الْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ فَكَيْفَ صَارَ الْعَامُّ أَحَقَّ مِنْ الَّذِي هُوَ فَرْعُهُ وَلِأَنَّ التَّعَدِّيَ غَيْرُ مَقْصُودٍ عِنْدَكُمْ فَبَطَلَ التَّرْجِيحُ، وَعِنْدَنَا صَارَ عِلَّةً بِمَعْنَاهُ لَا بِصُورَتِهِ، وَالْعُمُومُ صُورَةٌ.

وَالرَّابِعُ التَّرْجِيحُ بِقِلَّةِ الْأَوْصَافِ فَيُقَالُ ذَاتُ وَصْفٍ أَحَقُّ مِنْ ذَاتِ وَصْفَيْنِ، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فَرْعُ النَّصِّ، وَالنَّصُّ الَّذِي خُصَّ نَظْمُهُ بِضَرْبٍ مِنْ الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ وَالنَّصُّ الَّذِي أُشْبِعَ بَيَانُهُ سَوَاءٌ إنَّمَا التَّرْجِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْمَعَانِي الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا فَأَمَّا بِالصُّوَرِ فَلَا، وَالْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ صُورَةٌ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ فِي الَّذِي جُعِلَ نَظْمُهُ حُجَّةً فَفِي هَذَا أَوْلَى.

ــ

[كشف الأسرار]

الْقَوَاطِعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي: الشَّيْءُ إذَا أَشْبَهَ أَصْلَيْنِ يُنْظَرُ إنْ أَشْبَهَ أَحَدَهُمَا فِي خَصْلَتَيْنِ وَالْآخَرَ فِي خَصْلَةٍ أَلْحَقْته بِاَلَّذِي أَشْبَهَهُ فِي خَصْلَتَيْنِ وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى تَرْجِيحِ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ بِكَثْرَةِ الشَّبَهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَمْ يُجْعَلْ حُجَّةً إلَّا لِإِفَادَتِهِ غَلَبَةَ الظَّنِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الظَّنَّ يَزْدَادُ قُوَّةً عِنْدَ كَثْرَةِ الْأَشْبَاهِ كَمَا يَزْدَادُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْأُصُولِ.

وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْأَشْبَاهَ أَوْصَافٌ وَأَحْكَامٌ تُجْعَلُ عِلَلًا، وَكَثْرَةُ الْعِلَلِ لَا تُوجِبُ تَرْجِيحًا كَكَثْرَةِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَوْصَافٍ تُسْتَنْبَطُ مِنْ أَصْلٍ أَوْ أُصُولٍ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ أُصُولٍ شَتَّى تُوجِبُ تَرْجِيحًا فَكَذَا هَذَا وَهَذَا بِخِلَافِ كَثْرَةِ الْأُصُولِ فَإِنَّ هُنَاكَ الْوَصْفَ وَاحِدٌ، وَكُلُّ أَصْلٍ يَشْهَدُ بِصِحَّتِهِ فَيُوجِبُ قُوَّتَهُ وَثَبَاتَهُ عَلَى الْحُكْمِ فَأَمَّا هَاهُنَا فَأَصْلٌ وَاحِدٌ، وَالْأَوْصَافُ مُتَعَدِّدَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ شُبْهَةٍ وَصْفٌ عَلَى حِدَةٍ يَصْلُحُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ رحمه الله تَرْجِيحُ الْعِلَّةِ بِكَثْرَتِهَا شَبَهًا بِأَصْلِهَا عَلَى الَّتِي هِيَ أَقَلُّ شَبَهًا بِأَصْلِهَا ضَعِيفٌ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى مُجَرَّدَ الشَّبَهِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ، وَمَنْ رَأَى ذَلِكَ مُوجِبًا فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ كَعِلَّةٍ أُخْرَى، وَلَا تَجِبُ تَرْجِيحُ عِلَّتَيْنِ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَرَجَّحُ بِقُوَّتِهِ لَا بِانْضِمَامِ مِثْلِهِ إلَيْهِ كَمَا لَا يُرَجِّحُ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْإِجْمَاعُ عَلَى الثَّابِتِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأُصُولِ.

وَالثَّالِثُ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ الْفَاسِدَةِ التَّرْجِيحُ بِالْعُمُومِ مِثْلُ تَرْجِيحِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ التَّعْلِيلَ بِوَصْفِ الطَّعْمِ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْكَيْلِ وَالْجِنْسِ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الطَّعْمِ يَعُمُّ الْقَلِيلَ، وَهُوَ الْحَفْنَةُ مَثَلًا وَالْكَثِيرَ، وَهُوَ الْمَكِيلُ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْكَيْلِ وَالْجِنْسِ لَا يَتَنَاوَلُ الْكَثِيرَ فَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْلِيلِ تَعْمِيمُ حُكْمِ النَّصِّ فَكَوْنُهُ أَعَمَّ كَانَ أَوْفَقَ لِمَقْصُودِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ فَرْعُ النَّصِّ لِكَوْنِهِ مُسْتَنْبَطًا مِنْهُ وَثَابِتًا بِهِ، وَالنَّصُّ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ سَوَاءٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الْخَصْمِ الْخَاصُّ يَقْضِي أَيْ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْعَامِّ فَكَيْفَ صَارَ الْعَامُّ أَحَقَّ مِنْ الَّذِي هُوَ فَرْعُهُ هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْعَامِّ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ رَاجِعٌ إلَى الَّذِي يَعْنِي كَيْفَ صَارَ الْعَامُّ فِي الْفَرْعِ أَحَقَّ مِنْ الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ أَيْ الْعَامُّ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ وَيُؤَيِّدُهُ عِبَارَةُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَعِنْدَهُ الْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ كَيْفَ يَقُولُ فِي الْعِلَلِ أَنَّ مَا يَكُونُ أَعَمَّ فَهُوَ مُرَجَّحٌ عَلَى مَا يَكُونُ أَخَصَّ. أَوْ يُقَالُ مَعْنَاهُ كَيْفَ صَارَ الْعَامُّ مِنْ الْوَصْفِ أَحَقَّ أَيْ أَقْوَى مِنْ النَّصِّ الَّذِي هُوَ فَرْعُهُ حَيْثُ لَمْ يَتَرَجَّحْ الْعَامُّ مِنْ النَّصِّ عَلَى الْخَاصِّ مِنْهُ وَتَرَجَّحَ الْعَامُّ مِنْ الْوَصْفِ عَلَى الْخَاصِّ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ التَّعَدِّيَ غَيْرُ مَقْصُودٍ مِنْ التَّعْلِيلِ عِنْدَ الْخَصْمِ حَيْثُ جَوَّزَ التَّعْلِيلَ بِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ فَكَانَ وُجُودُ التَّعَدِّي وَعَدَمُهُ فِي التَّعْلِيلِ بِمَنْزِلَةٍ لِصِحَّتِهِ بِدُونِهِ قَبْلَ التَّرْجِيحِ بِالْعُمُومِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ زِيَادَةِ التَّعَدِّي.

أَلَا تَرَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَمْ يُرَجِّحُوا الْمُتَعَدِّيَةَ عَلَى الْقَاصِرَةِ، وَقَالُوا هُمَا سَوَاءٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ وَالْغَزَالِيُّ وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ الْقَاصِرَةَ عَلَى الْمُتَعَدِّيَةِ مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الإِسْفِرايِينِي، وَلَوْ كَانَ الْعُمُومُ مَقْصُودًا لَتَرَجَّحَتْ الْمُتَعَدِّيَةُ بِعُمُومِهَا عَلَى الْقَاصِرَةِ قَالَ الْغَزَالِيُّ رحمه الله تَرْجِيحُ الْمُتَعَدِّيَةِ عَلَى الْقَاصِرَةِ ضَعِيفٌ عِنْدَ مَنْ لَا يُفْسِدُ الْقَاصِرَةَ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْفُرُوعِ بَلْ وُجُودُ أَصْلِ الْفُرُوعِ لَا تُبَيِّنُ قُوَّةً فِي ذَاتِ الْعِلَّةِ بَلْ يَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ الْقَاصِرَةُ أَوْفَقُ لِلنَّصِّ وَآمَنُ

ص: 102