المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(الْفَصْلُ الثَّانِي) وَهُوَ‌ ‌ الْمُمَانَعَةُ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مُمَانَعَةٌ فِي نَفْسِ - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٤

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[أَقْسَامُ الِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[بَابُ أَحْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْكَلَامُ فِي شَرْطِهِ وَحُكْمِهِ]

- ‌[شَرْطُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[حُكْمُ الِاجْتِهَاد]

- ‌(بَابُ فَسَادِ تَخْصِيصِ الْعِلَلِ)

- ‌(بَابُ وُجُوهِ دَفْعِ الْعِلَلِ)

- ‌[أَقْسَام الْعِلَل]

- ‌[الْعِلَل الْمُؤْثَرَة وَطُرُق دُفَعهَا]

- ‌[دَفْعِ الْعِلَل الْمُؤْثَرَة بِطَرِيقِ فاسد وَطَرِيق صَحِيح]

- ‌(بَابُ الْمُمَانَعَةِ)

- ‌بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌[النَّوْعُ الْأَوَّلِ الْمُعَارَضَةُ الَّتِي فِيهَا مُنَاقَضَةٌ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي الْمُعَارَضَة الْخَالِصَة]

- ‌بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ دَفْعِ الْمُنَاقَضَةِ) :

- ‌بَابُ التَّرْجِيحِ) :

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّل تَفْسِيرِ التَّرْجِيحِ وَمَعْنَاهُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ بَيَانُ الْمُخَلِّصِ فِي تَعَارُضِ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعِ بَيَانُ الْفَاسِدِ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ آخَرَ]

- ‌(بَابُ وُجُوهِ دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ)

- ‌ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ

- ‌ الْمُمَانَعَةُ

- ‌ فَسَادُ الْوَضْعِ

- ‌ الْمُنَاقَضَةُ

- ‌ بَابُ وُجُوهِ الِانْتِقَالِ) :

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ الْأَسْبَابِ وَالْعِلَلِ وَالشُّرُوطِ

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ السَّبَبِ)

- ‌بَابُ تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الشَّرْطِ)

- ‌بَابُ تَقْسِيمِ الْعَلَامَةِ) :

- ‌(بَابُ بَيَانِ الْعَقْلِ) :

- ‌(بَابُ بَيَانِ الْأَهْلِيَّةِ) :

- ‌[أضرب الْأَهْلِيَّة]

- ‌(بَابُ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ)

- ‌(بَابُ الْأُمُورِ الْمُعْتَرِضَةِ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ) :

- ‌بَابُ الْعَوَارِضِ) (الْمُكْتَسَبَةِ) :وَهِيَ نَوْعَانِ

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مِنْ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌جَهْلُ صَاحِبِ الْهَوَى فِي صِفَاتِ اللَّهِ عز وجل وَأَحْكَامِ الْآخِرَةِ

- ‌ الْجَهْلُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ الصَّحِيحِ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ

- ‌ الْجَهْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ

- ‌[فَصْلٌ السُّكْر قسمان] [

- ‌الْقَسْم الْأَوَّل السُّكْر بِطَرِيقِ مُبَاح]

- ‌[الْقَسْم الثَّانِي السُّكْر بِطَرِيقِ غَيْر مُبَاح]

- ‌[فَصْلُ الْهَزْلِ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[السَّفَه مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[السَّفَر مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[الْخَطَأُ مِنْ الْعَوَارِض الْمُكْتَسِبَة]

الفصل: (الْفَصْلُ الثَّانِي) وَهُوَ‌ ‌ الْمُمَانَعَةُ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مُمَانَعَةٌ فِي نَفْسِ

(الْفَصْلُ الثَّانِي) وَهُوَ‌

‌ الْمُمَانَعَةُ

وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مُمَانَعَةٌ فِي نَفْسِ الْوَصْفِ وَالثَّانِي فِي نَفْسِ الْحُكْمِ وَالثَّالِثُ فِي صَلَاحِهِ لِلْحُكْمِ وَالرَّابِعُ فِي نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَمِثْلُ قَوْلِهِمْ عُقُوبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِمَاعِ فَلَا يَجِبُ بِالْأَكْلِ كَحَدِّ الزِّنَا وَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفِطْرِ دُونَ الْجِمَاعِ

ــ

[كشف الأسرار]

الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ.

وَكَذَلِكَ وَكَقَوْلِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْكَفَّارَةِ قَوْلُهُمْ فِي السَّرِقَةِ يُغْنِي فِي أَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ ضَمَانِ الْمَسْرُوقِ عَنْ السَّارِقِ أَنَّهُمَا أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ بِلَا تَدَيُّنٍ أَيْ بِلَا اعْتِقَادِ إبَاحَةٍ وَتَأْوِيلٍ فِي الْأَخْذِ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ كَالْغَصْبِ بِخِلَافِ أَخْذِ الْحَرْبِيِّ مَالَ الْمُسْلِمِ وَأَخَذَ الْبَاغِي مَالَ الْعَادِلِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ؛ لِأَنَّهُ أَخْذٌ بِطَرِيقِ التَّدَيُّنِ إذْ الْحَرْبِيُّ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ وَالْبَاغِي يَأْخُذُ بِتَأْوِيلٍ فَيُعْتَبَرُ فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُتْعَةِ وَإِنَّا نَقُولُ بِهِ أَيْ نُسَلِّمُ أَنَّ مَا ذَكَرُوا مِنْ الْوَصْفِ وَهُوَ أَنَّهُ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَمْنَعُ اعْتِرَاضَ مَا يُسْقِطُهُ.

كَالْإِبْرَاءِ أَيْ كَإِبْرَاءِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ السَّارِقُ عَنْ الضَّمَانِ فَكَذَلِكَ أَيْ فَكَالْإِبْرَاءِ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ عِنْدَنَا فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ فَيَئُولُ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ إلَى أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ هَلْ يُوجِبُ الضَّمَانَ أَمْ لَا فَيَظْهَرُ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَصَدَ الْمُعَلِّلُ بِالتَّعْلِيلِ إبْطَالَ مَذْهَبِ خَصْمِهِ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ فَالسَّائِلُ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ بَيْنَ أَنَّ مَا ذَكَرْت لَيْسَ بِمَأْخَذِ الْحُكْمِ عِنْدِي وَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَقْدَحُ فِيمَا ذَهَبْت إلَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى السَّائِلِ بَعْدَمَا رَدَّ الْمَأْخَذَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُعَلِّلُ بَيَانَ مَأْخَذِهِ فَقِيلَ: يَجِبُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمَأْخَذَ عِنْدَهُ وَلِعِلْمِهِ بِعَدَمِ التَّكْلِيفِ يَقُولُ بِهِ عِنَادًا قَصْدًا لِاتِّفَاقِ كَلَامِ خَصْمِهِ وَلَا كَذَلِكَ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَكَأَنَّ الْوُجُوبَ أَفْضَى إلَى صِيَانَةِ الْكَلَامِ عَنْ الْخَبْطِ وَالْعِنَادِ فَكَانَ أَوْلَى.

وَقِيلَ: لَا يَجِبُ إذْ لَا وَجْهَ لِتَكْلِيفِهِ بِذَلِكَ بَعْدَ الْوَفَاءِ بِشَرْطِ الْمُوجِبِ وَهُوَ اسْتِبْقَاءُ مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّهُ عَاقِلٌ مُتَدَيِّنٌ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَأْخَذِ نَفْسِهِ أَوْ بِمَأْخَذِ إمَامِهِ فَكَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ الصِّدْقَ فِيمَا ادَّعَاهُ فَوَجَبَ تَصْدِيقُهُ كَيْفَ وَلَوْ لَمْ يُصَدَّقْ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ بَيَانَ الْمَأْخَذِ فَإِنْ أَمْكَنَ لِلْمُسْتَدِلِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ انْقَلَبَ الْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْخَبْطِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا فَائِدَةَ فِي إبْدَاءِ الْمَأْخَذِ لِإِمْكَانِ ادِّعَائِهِ مَا لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ تَرْوِيجًا لِكَلَامِهِ ثِقَةً مِنْهُ بِامْتِنَاعِ وُرُودِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيلُ لِإِبْطَالِ مَأْخَذِ الْخَصْمِ يُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ السَّائِلَ لَمَّا سَلَّمَ أَنَّ عِلَّةَ الْمُعَلِّلِ تُوجِبُ مَا رَتَّبَ عَلَيْهَا مِنْ الْحُكْمِ كَانَ يَخْلُفُ الْحُكْمُ عَنْهَا لِمَانِعٍ ثَبَتَ عِنْدَهُ فَيَكُونُ تَخْصِيصًا فَيَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ بِهِ مِمَّنْ جَوَّزَ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ وَلَا يَسْتَقِيمُ مِمَّنْ أَنْكَرَهُ وَالشَّيْخُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله مِنْ هَذِهِ الْفِرْقَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ مِنْهُ تَصْحِيحُ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ فِي هَذَا الْقِسْمِ.

قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ يَتَرَاءَى أَنَّهُ تَخْصِيصٌ صُورَةً؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّخْصِيصِ دَفْعُ النَّقْضِ عَنْ الْعِلَّةِ الَّتِي رَامَ الْمُعَلِّلُ تَصْحِيحَهَا بِبَيَانِ مَانِعِ الْمُخَصِّصِ وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَقْصُودُ السَّائِلِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ تَصْحِيحُ عِلَّةِ الْمُعَلِّلِ بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إفْحَامُهُ وَإِيقَافُ كَلَامِهِ لَا غَيْرُ فَلَمْ يَكُنْ تَخْصِيصًا بَلْ كَانَ إبْطَالًا لِكَلَامِهِ مَعْنًى فَلِذَلِكَ صَحَّ مِنْ الْكُلِّ.

[الْمُمَانَعَةُ]

(الْفَصْلُ الثَّانِي) وَهُوَ الْمُمَانَعَةُ قَوْلُهُ (وَالرَّابِعُ فِي نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ) ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الطَّرْدِ يَشْتَرِطُونَ صَلَاحَ الْوَصْفِ وَتَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا فَإِذَا انْقَطَعَتْ نِسْبَةُ الْحُكْمِ عَنْهُ كَانَ فَاسِدًا وَقِيلَ.

ص: 108

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي بَيْعِ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ أَنَّهُ بَيْعُ مَطْعُومٍ بِمَطْعُومٍ مُجَازَفَةً فَيَبْطُلُ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مُجَازَفَةُ ذَاتٍ أَوْ وَصْفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِالذَّاتِ، ثُمَّ نَقُولُ مُجَازَفَةٌ فِي الذَّاتِ بِصُورَتِهِ أَوْ بِمِعْيَارِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمِعْيَارِ؛ لِأَنَّ الْمَطْعُومَ بِالْمَطْعُومِ كَيْلًا بِكَيْلٍ جَائِزٌ وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الذَّاتِ فَإِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا لَمْ نُسَلِّمْ لَهُ الْمُجَازَفَةَ مُطْلَقَةً فَيُضْطَرُّ إلَى إثْبَاتِ أَنَّ الطُّعْمَ عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْجِنْسِ مَعَ أَنَّ الْكَيْلَ الَّذِي يَظْهَرُ بِهِ الْجَوَازُ لَا يَعْدَمُ إلَّا الْفَضْلَ عَلَى الْمِعْيَارِ.

ــ

[كشف الأسرار]

فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا الْقِسْمِ وَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ: إنَّ الْمُمَانَعَةَ فِي الْوَصْفِ هِيَ عَدَمُ تَسْلِيمِ وُجُودِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَالْمُمَانَعَةُ فِي نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ هِيَ عَدَمُ تَسْلِيمِ كَوْنِ الْحُكْمِ مَنْسُوبًا إلَى الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مَعَ تَسْلِيمِ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَقِيلَ الْمُمَانَعَةُ فِي نَفْسِ الْوَصْفِ هِيَ مَنْعُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي الْفَرْعِ مَعَ تَسْلِيمِ تَعَلُّقِهِ بِهِ فِي الْأَصْلِ وَالْمُمَانَعَةُ فِي نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ هِيَ مَنْعُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُمَانَعَةُ فِي نَفْسِ الْوَصْفِ فَمِثْلُ قَوْلِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ إنَّهَا عُقُوبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِمَاعِ فَلَا تَجِبُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَحَدِّ الزِّنَا وَهَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ كَوْنُهَا مُتَعَلِّقَةً بِالْجِمَاعِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ عِنْدَنَا بَلْ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِفْطَارِ إذَا كَمَّلَ جِنَايَةً لَا بِالْجِمَاعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِعَدَمِ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَوْ جَامَعَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ يَفْسُدُ لِوُجُودِ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ حَلَالًا فِي نَفْسِهِ.

وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ آلَةُ الْفِطْرِ وَالْحُكْمُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْآلَةِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَاصِلِ بِالْآلَةِ كَمَا فِي الْجُرْحِ فَإِنَّ مَنْ جَرَحَ إنْسَانًا وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ بِهِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهُ بِالْآلَةِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجُرْحِ الْحَاصِلِ بِالْآلَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِفْطَارِ عَلَى وَجْهِ الْجِنَايَةِ وَهَذَا الْوَصْفُ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْجِمَاعَ وَالْأَكْلَ وَالشُّرْبَ عَلَى السَّوَاءِ فَيَثْبُت الْحُكْمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ وَعِنْدَ إلْحَاقِ هَذَا الْمَنْعِ يُضْطَرُّ إلَى بَيَانِ حَرْفِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْفِطْرَ بِالْجِمَاعِ فَوْقَ الْفِطْرِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الْجِنَايَةِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِهِ قِيَاسًا وَلَا دَلَالَةَ، ثُمَّ قِيلَ: إيرَادُ هَذَا الْمِثَالِ هَاهُنَا غَيْرُ مُلَائِمٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الرَّابِعِ فَإِنَّ السَّائِلَ مَنَعَ فِيهِ نِسْبَةَ الْحُكْمِ إلَى الْجِمَاعِ وَأَضَافَهُ إلَى وَصْفٍ آخَرَ وَهُوَ الْفِطْرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُمَانَعَةٌ فِي الْوَصْفِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُعَلِّلَ جَعَلَ كَوْنَ الْكَفَّارَةِ مُتَعَلِّقَةً بِالْجِمَاعِ عِلَّةً لِلْمَنْعِ مِنْ الْوُجُوبِ فِي الْأَكْلِ وَالسَّائِلُ مَنَعَ كَوْنَهُ مُتَعَلِّقًا بِالْجِمَاعِ فَيَكُونُ مَانِعًا لِنَفْسِ الْوَصْفِ عَنْ كَوْنِهِ عِلَّةً فَيَصِحُّ إيرَادُهُ هَاهُنَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِمَّا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مُمَانَعَةً نَفْسَ الْوَصْفِ قَوْلُهُمْ فِي بَيْعِ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ أَنَّهُ بَيْعُ مَطْعُومٍ بِمَطْعُومٍ مِنْ جِنْسِهِ مُجَازَفَةً فَيَبْطُلُ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ الْحِنْطَةِ بِصُبْرَةٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ تُرِيدُونَ بِالْمُجَازَفَةِ مُجَازَفَةَ ذَاتٍ أَوْ وَصْفٍ أَيْ تُرِيدُونَ مُجَازَفَةً تَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْبَدَلَيْنِ أَوْ إلَى وَصْفِهِمَا مِنْ الرَّدَاءَةِ وَالْجَوْدَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِالذَّاتِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ وَالتَّسَاوِيَ فِي الْوَصْفِ سَاقِطَا الِاعْتِبَارِ فِي الْأَحْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ نَقُولُ مُجَازَفَةٌ فِي الذَّاتِ أَيْ تُرِيدُونَ مُجَازَفَةً فِي الذَّاتِ أَوْ تَقُولُونَ: هِيَ مُجَازَفَةٌ فِي الذَّاتِ بِاعْتِبَارِ صُورَتِهَا الَّتِي بِهَا عُرِفَتْ تُفَّاحَةٌ أَمْ هِيَ مُجَازَفَةٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْمِعْيَارِ الَّذِي وُضِعَ لِمَعْرِفَةِ الْقَدْرِ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَالضَّمِيرُ فِي صُورَتِهِ رَاجِعٌ إلَى الْمَبِيعِ أَوْ إلَى الذَّاتِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ.

فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمِعْيَارِ أَيْ بِالْمُجَازَفَةِ مِنْ حَيْثُ الْمِعْيَارُ؛ لِأَنَّ الْمُجَازَفَةَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ بَيْعَ قَفِيزٍ مِنْ حِنْطَةٍ بِقَفِيزٍ مِنْهَا جَائِزٌ مَعَ وُجُودِ الْمُجَازَفَةِ فِي الذَّاتِ صُورَةً فَرُبَّمَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ مِنْ الْآخَرِ فِي عَدَدِ الْحَبَّاتِ وَالْأَجْزَاءِ فَإِنْ قِيلَ: أَيْ إنْ ذَكَرَ الْمُعَلِّلُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِي إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ بَلْ أُرِيدُ بِهَا مُطْلَقَ الْمُجَازَفَةِ لَمْ نُسَلِّمْ لَهُ الْمُجَازَفَةَ مُطْلَقَةً أَيْ لَا نُسَلِّمُ لَهُ أَنَّ مُطْلَقَ الْمُجَازَفَةِ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مِنْ الْمُجَازَفَةِ مَا لَا يَمْنَعُ بَيْعَ.

ص: 109

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ أَنَّهَا ثَيِّبٌ تُرْجَى مَشُورَتُهَا فَلَا تُنْكَحُ إلَّا بِرَأْيِهَا كَالثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِرَأْيٍ حَاضِرٍ أَمْ بِرَأْيٍ مُسْتَحْدَثٍ فَأَمَّا الْحَاضِرُ فَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ وَأَمَّا الْمُسْتَحْدَثُ فَلَا يُوجَدُ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا قُلْنَا لَهُ: عِنْدَنَا لَا تُنْكَحُ إلَّا بِرَأْيِهَا؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْوَلِيِّ رَأْيُهَا فَإِنْ قَالَ: بِأَيِّهِمَا كَانَ انْتَقَضَ بِالْمَجْنُونَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا رَأْيًا مُسْتَحْدَثًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ لَا مَحَالَةَ.

ــ

[كشف الأسرار]

الْمَطْعُومِ بِالْمَطْعُومِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِذًا لَا يَجِدُ الْمُعَلِّلُ بُدًّا مِنْ أَنْ يُفَسِّرَ الْمُجَازَفَةَ بِالْمُجَازَفَةِ فِي الْمِعْيَارِ وَهُوَ الْكَيْلُ وَإِذَا فَسَّرَهَا بِهَا لَمْ نُسَلِّمْ فِي وُجُودِهَا بَيْعَ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ؛ لِأَنَّ التُّفَّاحَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ كَيْلِ الْمِعْيَارِ وَالْمُجَازَفَةُ فِيمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ لَا تُتَصَوَّرُ فَقَدْ أَدَّى الِاسْتِفْسَارُ إلَى الْمُمَانَعَةِ فِي الْوَصْفِ فَيُضْطَرُّ الْمُعَلِّلُ بَعْدَ الِاسْتِفْسَارِ وَالْمُمَانَعَةِ إلَى الرُّجُوعِ إلَى حَرْفِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْحُرْمَةُ فِي بَيْعِ الْمَطْعُومِ بِالْمَطْعُومِ؛ لِأَنَّ الطُّعْمَ عِنْدَهُ عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالْجِنْسِيَّةُ شَرْطٌ وَالْمُسَاوَاةُ كَيْلًا مُخَلِّصٌ عَنْ الْحُرْمَةِ فَفِي بَيْعِ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ قَدْ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وَالشَّرْطُ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُخَلِّصُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِمَا كَيْلًا فَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ كَمَا لَوْ فَاتَتْ الْمُسَاوَاةُ بِالْفَصْلِ عَلَى أَحَدِ الْكَيْلَيْنِ وَعِنْدَنَا الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ جَوَازُ الْعَقْدِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالْفَسَادُ بِاعْتِبَارِ فَضْلٍ هُوَ حَرَامٌ وَهُوَ الْفَضْلُ عَلَى الْمِعْيَارِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمِعْيَارِ إذْ الْفَضْلُ يَكُونُ بَعْدَ تِلْكَ الْمُسَاوَاةِ وَلَا تَتَحَقَّقُ هَذِهِ الْمُسَاوَاةُ فِيمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمِعْيَارِ أَصْلًا فَيَجُوزُ بَيْعُ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَقَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الْكَيْلَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لَا نُسَلِّمُ لَهُ الْمُجَازَفَةَ مُطْلَقَةً يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُطْلَقَ الْمُجَازَفَةِ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُسَاوَاةِ كَيْلًا بِالْإِجْمَاعِ وَبِهَا يَقَعُ الْمُخَلِّصُ عَنْ فَضْلٍ هُوَ رِبًا وَلَا يَزُولُ بِالْمُسَاوَاةِ كَيْلًا إلَّا فَضْلٌ عَلَى الْكَيْلِ فَثَبَتَ أَنَّ الْحُرْمَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُجَازَفَةِ كَيْلًا لَا بِمُطْلَقِ الْمُجَازَفَةِ.

أَوْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ الطَّعْمُ عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ يَعْنِي أَنَّهُ يَجْعَلُ الطَّعْمَ عِلَّةً لِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ وَهُوَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْبَيْعِ فِي الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرِ عِنْدَ فَوَاتِ التَّسَاوِي كَيْلًا مَعَ أَنَّ الْكَيْلَ أَيْ التَّسَاوِيَ فِي الْكَيْلِ الَّذِي يَظْهَرُ بِهِ الْجَوَازُ لَا يُعْدَمُ إلَّا الْفَضْلَ عَلَى الْمِعْيَارِ أَيْ لَا يَقْتَضِي إلَّا الِاحْتِرَازَ عَنْ الْفَضْلِ عَلَى الْمِعْيَارِ فَكَانَ إثْبَاتُ الْعِلَّةِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ مُطْلَقَةً فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى النَّصِّ قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِمَّا يُمْكِنُ فِيهِ مُمَانَعَةُ الْوَصْفِ قَوْلُهُمْ كَذَا الْوَلِيُّ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ عِنْدَنَا كَمَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ تَزْوِيجَهَا أَصْلًا حَتَّى تَبْلُغَ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهَا زَالَتْ بِالثِّيَابَةِ فَإِذَا بَلَغَتْ فَحِينَئِذٍ يُزَوِّجُهَا بِمَشُورَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ الثَّيِّبُ مَجْنُونَةً يَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ تَزْوِيجُهَا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ تَزْوِيجُهَا إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً.

فَإِنْ بَلَغَتْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ بِمَشُورَةِ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ يَأْذَنُ لَهُمْ فِي تَزْوِيجِهَا كَذَا فِي التَّهْذِيبِ قَالُوا هَذِهِ ثَيِّبٌ يُرْجَى مَشُورَتُهَا وَاحْتَرَزُوا بِهِ عَنْ الْمَجْنُونَةِ فَإِنَّ مَشُورَتَهَا لَا تُرْجَى فِي الْغَالِبِ فَلَا تُنْكَحُ إلَّا بِرَأْيِهَا كَالثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ النَّائِمَةِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهَا وَالْغَائِبَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ مِنْ ذَلِكَ بِرَأْيٍ حَاضِرٍ أَمْ بِرَأْيٍ مُسْتَحْدَثٍ أَيْ تُرِيدُونَ بِقَوْلِكُمْ لَا تُنْكَحُ إلَّا بِرَأْيِهَا رَأَيَا قَائِمًا فِي الْحَالِ أَوْ رَأْيًا سَيَحْدُثُ فَإِنْ أَرَدْتُمْ الْأَوَّلَ فَلَا نُسَلِّمُ وُجُودَهُ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ الصَّغِيرَةُ إذْ لَيْسَ لَهَا رَأْيٌ قَائِمٌ فِي الْحِلِّ لَا فِي الْمَنْعِ وَلَا فِي الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ تَزْوِيجَهَا لَمْ يَفْصِلْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ بِرَأْيِهَا وَبِدُونِ رَأْيِهَا وَمَنْ جَوَّزَ الْعَقْدَ فَكَذَلِكَ لَمْ يَفْصِلْ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا رَأْيٌ قَائِمٌ.

وَإِنْ عَنَيْتُمْ الثَّانِيَ فَلَا نُسَلِّمُ وُجُودَهُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ؛ لِأَنَّ لَهَا رَأْيًا قَائِمًا لَا مُسْتَحْدَثًا وَلِهَذَا كَانَ لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُهَا بِمَشُورَتِهَا فِي الْحَالِ بِالِاتِّفَاقِ وَكَانَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِنَفْسِهَا أَيْضًا عِنْدَنَا فَكَانَ هَذَا مُمَانَعَةً لِنَفْسِ.

ص: 110

فَيَظْهَرُ بِهِ فَقْدُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْوِلَايَةَ ثَابِتَةٌ فَلَا يَمْنَعُهَا إلَّا الرَّأْيُ الْقَائِمُ فَأَمَّا الْمَعْدُومُ قَبْلَ الْوُجُودِ فَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مَانِعًا أَوْ دَلِيلًا قَاطِعًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا أَمْثِلَةُ مَا يَدْخُلُ فِي الْفَرْعِ وَفِيهِ قِسْمٌ آخَرُ وَهُوَ مَا يَدْخُلُ فِي الْأَصْلِ مِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ: إنَّهُ طَهَارَةُ مَسْحٍ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَالِاسْتِنْجَاءِ فَنَقُولُ: إنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَيْسَ بِطَهَارَةِ الْمَسْحِ بَلْ طَهَارَةٌ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَيُضْطَرُّ إلَى الرُّجُوعِ إلَى فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ بَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْرَارُ وَهُوَ الْغُسْلُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّخْفِيفُ وَهُوَ الْمَسْحُ وَهُمَا فِي طَرَفَيْ نَقِيضِ التَّكْرَارِ فِي أَحَدِهِمَا يُحَقَّقُ غَرَضُهُ وَفِي الثَّانِي يُفْسِدُهُ وَيَلْحَقُهُ بِالْمَحْظُورِ وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى.

وَأَمَّا الْمُمَانَعَةُ فِي الْحُكْمِ فَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ إنَّهُ رُكْنٌ فِي وُضُوءٍ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَغَسْلِ الْوَجْهِ فَنَقُولُ: إنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ لَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ بَلْ يُسَنُّ تَكْمِيلُهُ بَعْدَ تَمَامِ فَرْضِهِ وَقَدْ حَصَلَ التَّكْمِيلُ هَا هُنَا وَلَكِنَّ التَّكْرَارَ صَيَّرَ إلَيْهِ فِي الْغُسْلِ لِضَرُورَةِ أَنَّ الْفَرْضَ اسْتَغْرَقَ مَحَلَّهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي هَذَا أَوْ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي الْأَصْلِ وَجَبَ بِالضَّرُورَةِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْأَرْكَانِ لَكِنَّ التَّكْرَارَ إطَالَتُهُ لَا تَكْرَارُهُ كَمَا فِي غَيْرِهِ.

ــ

[كشف الأسرار]

الْوَصْفَ فِي الْفَرْعِ أَوْ الْأَصْلِ فَإِنْ قَالَ الْمُعَلِّلُ: لَا حَاجَة لِي إلَى التَّفْصِيلِ بَلْ اُشْتُرِطَ رَأْيُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ قُلْنَا لَهُ نَحْنُ نَقُولُ: بِمُوجِبِ مَا ذَكَرْت فَإِنَّ عِنْدَنَا لَا تُنْكَحُ إلَّا بِرَأْيِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْوَلِيِّ قَائِمٌ مَقَامَ رَأْيِهَا كَمَا فِي عَامَّةِ التَّصَرُّفَاتِ فَإِنْ قَالَ: بِأَيِّهِمَا كَانَ يَعْنِي لَا أُرِيدُ بِإِطْلَاقِ الرَّأْيِ رَأْيَ الْغَيْرِ بَلْ أُرِيدُ رَأْيَ نَفْسِهَا قَائِمًا كَانَ أَوْ مُسْتَحْدَثًا انْتَقَضَ بِالثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةُ الْبَالِغَةُ فَإِنَّهَا تُزَوَّجُ وَإِنْ كَانَ رَأْيُهَا مَرْجُوًّا بِالْإِفَاقَةِ إذْ الْجُنُونُ مُحْتَمِلٌ لِلزَّوَالِ لَا مَحَالَةَ كَالصَّبِيِّ، لَكِنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ بِأَنَّ الصَّغِيرَةَ بِالْبُلُوغِ تَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْإِذْنِ وَلِبُلُوغِهَا أَوَانٌ مُنْتَظَرٌ وَلَيْسَ لِإِفَاقَةِ الْمَجْنُونَةِ أَوَانٌ مُنْتَظَرٌ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي التَّهْذِيبِ.

فَيَظْهَرُ بِهِ أَيْ بِمَا قُلْنَا مِنْ الْمُمَانَعَةِ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ وِلَايَةَ الْوَلِيِّ ثَابِتَةٌ فَلَا يَقْطَعُهَا إلَّا رَأْيٌ قَائِمٌ وَهُوَ رَأْيُ الْبَالِغَةِ فَأَمَّا الْمَعْدُومُ قَبْلَ الْوُجُودِ وَهُوَ الرَّأْيُ الَّذِي سَيَحْدُثُ لِلصَّغِيرَةِ فَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مَانِعًا لِوِلَايَةِ الْوَلِيِّ مِنْ الثُّبُوتِ أَوْ دَلِيلًا قَاطِعًا لِوِلَايَتِهِ عَنْهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ مَانِعٍ أَوْ عِلَّةٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي الْحُكْمِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ فِي الْمَنْعِ وَلَا فِي الْإِثْبَاتِ إذْ الْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ عِلَّتَهُ فَكَيْفَ يَصْلُحُ الرَّأْيُ الْمَعْدُومُ مَانِعًا أَوْ قَاطِعًا.

وَلَوْ كَانَ الرَّأْيُ الْمَعْدُومُ الَّذِي سَيَحْدُثُ قَاطِعًا لِلْوِلَايَةِ لَمَا ثَبَتَ الْوِلَايَةُ عَلَى صَبِيٍّ وَصَبِيَّةٍ وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِي رحمه الله أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله جَعَلَ الرَّأْيَ الْمُسْتَحْدَثَ غَالِبًا دَلِيلًا عَلَى قَطْعِ اسْتِبْدَادِ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ وَفِي نُكْتَةٍ جَعَلَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ النَّفَاذِ فَصَارَ مَحْجُوزًا بِسَبَبِ رَأْيِهَا فَالشَّيْخُ بِقَوْلِهِ شَرْطًا مَانِعًا أَوْ دَلِيلًا قَاطِعًا أَشَارَ إلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَالْمَذْكُورُ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَعْدُومَ وَهُوَ الرَّأْيُ الْمُسْتَحْدَثُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْجَدِّ فِيمَا إذَا مَاتَ أَبُو الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ وَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْجَدِّ أَوْ دَلِيلًا قَاطِعًا لِوِلَايَةِ الْوَلِيِّ فِيمَا إذَا ثَابَتَ وَالْوَلِيُّ بَاقٍ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مُمَانَعَةِ الْوَصْفِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَمْثِلَةُ مُمَانَعَةِ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَوْنَ الْحُكْمِ مُتَعَلِّقًا بِالْجِمَاعِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْجَدُّ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّهُ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ كَفَّارَةُ الصَّوْمِ مَمْنُوعٌ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الْمُجَازَفَةُ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ مُسَلَّمٌ وَلَكِنَّهَا فِي التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ مَمْنُوعَةٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مَنْعُ رَجَاءِ الْمَشُورَةِ عَنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ مُسَلَّمٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْبَالِغَةُ دُونَ الْفَرْعِ وَهُوَ الصَّغِيرَةُ وَفِيهِ أَيْ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مُمَانَعَةُ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّثْلِيثِ الْوَصْفَ وَهُوَ قَوْلُهُ طَهَارَةُ مَسْحٍ مُسَلَّمٌ فِي الْفَرْعِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الِاسْتِنْجَاءُ بَلْ هُوَ طَهَارَةٌ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَلِهَذَا كَانَ الْغُسْلُ فِيهِ أَفْضَلَ وَلَوْ أَحْدَثَ وَلَمْ يَحْصُلْ التَّلْوِيثُ بِأَنْ خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ لَا يَلْزَمُهُ الْمَسْحُ وَلَا يُسَنُّ أَيْضًا فَعُلِمَ أَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ حَقِيقِيَّةٍ.

فَيُضْطَرُّ الْمُعَلِّلُ إلَى الرُّجُوعِ إلَى فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ بَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْرَارُ إلَى آخِرِهِ يَعْنِي فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ يَدُورُ عَلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَى الْغُسْلِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ التَّكْرَارُ وَعَلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَى الْمَسْحِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ التَّخْفِيفُ وَهُمَا أَيْ الْمَسْحُ وَالْغَسْلُ فِي اقْتِضَاءِ التَّكْرَارِ فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ يَعْنِي لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مُتَنَاقِضَانِ فِي اقْتِضَاءِ التَّكْرَارِ فَإِنَّ التَّكْرَارَ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْغَسْلُ يُحَقِّقُ غَرَضَهُ وَهُوَ التَّنْظِيفُ وَالتَّطْهِيرُ الَّذِي وُضِعَ الْغَسْلُ لَهُ فَيَصْلُحُ التَّكْرَارُ مُكَمِّلًا لَهُ وَفِي الثَّانِي وَهُوَ الْمَسْحُ يُفْسِدُهُ أَيْ يُفْسِدُ التَّكْرَارَ حَقِيقَتَهُ وَيُلْحِقُهُ بِالْمَحْظُورِ وَهُوَ الْغُسْلُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْغَسْلَ فِي مَوْضِعِ الْمَسْحِ مَكْرُوهٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ

ص: 111

وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ أَنَّهُ صَوْمُ فَرْضٍ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ يُقَالُ لَهُ بَعْدَ التَّعْيِينِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ قَالَ بَعْدَهُ لَمْ نَجِدْهُ فِي الْأَصْلِ فَصَحَّتْ الْمُمَانَعَةُ فَإِنْ قَالَ قَبْلَهُ لَمْ نَجِدْهُ فِي الْفَرْعِ فَصَحَّتْ الْمُمَانَعَةُ أَيْضًا فَإِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي إلَى هَذَا قُلْنَا: عِنْدَنَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّعْيِينِ غَيْرَ أَنَّ إطْلَاقَهُ تَعْيِينٌ وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي بَيْعِ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ أَنَّهُ بَيْعُ مَطْعُومٍ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً فَيَحْرُمُ كَالصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ يُقَالُ لَهُ: يَحْرُمُ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً أَوْ مُطْلَقَةً فَإِنْ قَالَ: مُؤَقَّتَةً لَمْ نَجِدْهَا فِي الْفَرْعِ لِعَدَمِ الْمُخَلِّصِ وَإِنْ قَالَ: مُطْلَقَةً لَمْ نَجِدْهَا فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ عِنْدَنَا فِي الْأَصْلِ مُتَنَاهِيَةٌ فَصَحَّتْ الْمُمَانَعَةُ.

ــ

[كشف الأسرار]

أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ فِي شَرْعِيَّةِ التَّكْرَارِ عِبَارَةُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فَيُضْطَرُّ الْمُعَلِّلُ عِنْدَ هَذَا الْمَنْعِ إلَى الرُّجُوعِ إلَى حَرْفِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ إثْبَاتُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَمْسُوحِ وَالْمَغْسُولِ بِوَصْفٍ صَالِحٍ لِتَعَلُّقِ حُكْمِ التَّكْرَارِ بِهِ أَوْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا بِوَصْفِ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِيعَابِ وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى التَّخْفِيفِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمُمَانَعَةُ فِي الْحُكْمِ) وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنْ وُجُوهِ الْمُمَانَعَةِ فَنَقُولُ كَذَا يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ التَّثْلِيثُ بَلْ الْمَسْنُونُ فِيهِ التَّكْمِيلُ بَعْدَ تَمَامِ فَرْضِهِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ فِي مَحَلِّهِ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ إكْمَالَ رُكْنِ الْقِرَاءَةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ فِي مَحَلِّهِ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَقَدْ حَصَلَ التَّكْمِيلُ هَاهُنَا أَيْ فِي الْمَسْحِ بِالِاسْتِيعَابِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ فِي مَحَلِّهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَكِنَّ التَّكْرَارَ الِاسْتِدْرَاكُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ بَلْ يُسَنُّ تَكْمِيلُهُ يَعْنِي التَّكْرَارُ فِي الْغُسْلِ لَيْسَ بِأَمْرٍ مَقْصُودٍ بَلْ الْمَقْصُودُ هُوَ التَّكْمِيلُ إلَّا أَنَّ الْفَرْضَ لَمَّا اسْتَغْرَقَ مَحَلَّهُ فِي الْغُسْلِ لَا يُمْكِنُ تَكْمِيلُهُ بِزِيَادَةٍ مِنْ جِنْسِهِ فِي مَحَلِّهِ إلَّا بِالتَّكْرَارِ فَكَانَ شَرْعِيَّةُ التَّكْرَارِ سُنَّةً ضَرُورَةَ فَرْضِيَّةِ الِاسْتِيعَابِ لَا لِغَيْرِ التَّكْرَارِ قَصْدًا وَهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ اسْتِيعَابُ الْفَرْضِ مَحَلُّهُ مَعْدُومٌ فِي الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ فِيهِ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّكْرَارِ لِإِقَامَةِ سُنَّةِ التَّكْمِيلِ فِيهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِاسْتِيعَابِ جَمِيعِ الرَّأْسِ مَرَّةً وَاحِدَةً.

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله: التَّكْرَارُ مَشْرُوعٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْإِكْمَالِ بِهِ لَا لِعَيْنِهِ وَمَا كَانَ مَشْرُوعًا لِغَيْرِهِ قَائِمًا يُشْرَعُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْغَيْرِ فِي مَوْضِعٍ يَتَحَقَّقُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَإِمَّا إذَا كَانَ مَا شُرِعَ لِأَجْلِهِ يَحْصُلُ بِدُونِهِ لَا يُفِيدُ اعْتِبَارُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ الْمَسْحَ فِي رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ لَا يَحْصُلُ بِهِ كَمَالُ السُّنَّةِ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ جَمِيعَ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ فَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ التَّكْمِيلَ هَاهُنَا بِالِاسْتِيعَابِ وَأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْهُ بِأَنْ يَكُونَ الِاسْتِيعَابُ رُكْنًا فِي الْمَغْسُولَاتِ فَحِينَئِذٍ يُصَارُ إلَى الْإِكْمَالِ بِالتَّكْرَارِ.

وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِإِكْمَالِ الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ حَتَّى لَمْ يَتَأَدَّ فَرْضُ الْمَسْحِ بِهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَسْحَ لِإِكْمَالِ السُّنَّةِ فِي الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ وَلِهَذَا لَا يَأْخُذُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا عِنْدَنَا وَلَكِنْ يَمْسَحُ مُقَدِّمَهُمَا وَمُؤَخِّرَهُمَا مَعَ الرَّأْسِ وَالْمَسْحُ فِيهِمَا أَفْضَلُ مِنْ الْغَسْلِ إلَّا أَنَّ كَوْنَ الْأُذُنَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ لَمَّا كَانَ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ دُونَ نَصِّ الْكِتَابِ يَثْبُتُ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إكْمَالِ السُّنَّةِ بِهِ وَلَا يُثْبِتُ الْمَحَلِّيَّةَ فِيمَا يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ الثَّابِتُ بِالنَّصِّ فَقُلْنَا: لَا يَنُوبُ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ عَنْ الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ لِهَذَا وَلِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ إطَالَتُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ النُّكْتَتَيْنِ أَنَّ الْأُولَى لِبَيَانِ مَشْرُوعِيَّةِ نَفْسِ التَّكْمِيلِ فِي الْأَصْلِ أَيْ التَّكْمِيلُ سُنَّةٌ فِيهِ دُونَ التَّثْلِيثِ وَالثَّانِيَةُ لِبَيَانِ مَشْرُوعِيَّةِ سَبَبِ التَّكْمِيلِ فِيهِ فَإِنَّ بِالْإِطَالَةِ يَحْصُلُ التَّكْمِيلُ كَمَا فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لِمَا قُلْنَا مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْفَرْضِ مَحَلَّهُ قَوْلُهُ.

(وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ) أَيْ فِي مَنْعِ جَوَازِهِ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ إنَّهُ صَوْمُ فَرْضٍ فَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهُ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ كَصَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ يُقَالُ لَهُ أَيْ لِلْمُعَلِّلِ بَعْدَ التَّعَيُّنِ أَوْ قَبْلَهُ أَيْ أَتُرِيدُ بِوُجُوبِ التَّعَيُّنِ وُجُوبَهُ بَعْدَ تَعَيُّنِ الصَّوْمِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ قَالَ: بَعْدَهُ لَمْ نَجِدْهُ أَيْ هَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ التَّعْيِينِ بَعْدَ التَّعْيِينِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ صَوْمُ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ بَعْدَ التَّعَيُّنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ فَيَكُونُ هَذَا مُمَانَعَةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ قَالَ قَبْلَهُ أَيْ قَالَ

ص: 112

وَمِثْلُهُ مَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِمْ ثَيِّبٌ تُرْجَى مَشُورَتُهَا فَلَا تُنْكَحُ كُرْهًا يُقَالُ لَهُ مَا مَعْنَى الْكُرْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقَالَ: عَدَمُ رَأْيِهَا فَيُقَالُ فِي الْأَصْلِ عَدَمُ الرَّأْيِ غَيْرُ مَانِعٍ لَكِنَّ الرَّأْيَ الْقَائِمَ الْمُعْتَبَرَ مَانِعٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ رَأْيٌ مُعْتَبَرٌ.

ــ

[كشف الأسرار]

أُرِيدُ بِوُجُوبِ التَّعْيِينِ وُجُوبَهُ قَبْلَ تَعَيُّنِ الصَّوْمِ.

لَمْ يَجِدْهُ أَيْ لَمْ يُمْكِنْهُ إيجَابُهُ قَبْلَ التَّعَيُّنِ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ صَوْمُ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ التَّعَيُّنَ حَاصِلٌ فِيهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ إذْ الْمَشْرُوعُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَيْسَ إلَّا صَوْمُ الْوَقْتِ فَصَحَّتْ الْمُمَانَعَةُ أَيْضًا أَيْ صَحَّتْ مُمَانَعَةُ هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّعْيِينِ فِي الْفَرْعِ كَمَا صَحَّتْ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي إلَى هَذَا أَيْ إلَى بَيَانِ أَنَّ التَّعْيِينَ وَجَبَ قَبْلَ التَّعْيِينِ أَوْ بَعْدَهُ بَلْ التَّعْيِينُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنَّهُ قَبْلَ التَّعَيُّنِ أَوْ بَعْدَهُ قُلْنَا لَهُ كَذَا نَعْنِي بِدَفْعِهِ حِينَئِذٍ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ فَنَقُولُ: لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا إلَّا بِالتَّعْيِينِ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّ إطْلَاقَهُ أَيْ إطْلَاقَ النِّيَّةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْعَزْمِ تَعْيِينٌ لِلصَّوْمِ أَوْ إطْلَاقُ الصَّائِمِ النِّيَّةَ تَعْيِينٌ فَيُضْطَرُّ إلَى الرُّجُوعِ إلَى حَرْفِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ هَلْ يَسْقُطُ اشْتِرَاطُهُ بِكَوْنِ الْمَشْرُوعِ مُتَعَيِّنًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَمْ لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي بَيْعِ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ أَنَّهُ أَيْ هَذَا الْبَيْعَ كَذَا يُقَالُ لَهُ أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ حُرْمَةٌ مُطْلَقَةٌ أَيْ يَثْبُتُ بِهَذَا الْبَيْعِ حُرْمَةٌ مُطْلَقَةٌ أَوْ مُوَقَّتَةٌ أَيْ مُغَيَّاةٌ إلَى غَايَةِ وُجُودِ التَّسَاوِي.

فَإِنْ قَالَ: مُوَقَّتَةٌ أَيْ يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةٌ مُوَقَّتَةٌ لَمْ نَجِدْهَا فِي الْفَرْعِ وَهُوَ بَيْعُ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ لِعَدَمِ الْمُخَلِّصِ إذْ لَيْسَ لِلتُّفَّاحَةِ حَالَةُ مُسَاوَاةٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهَا عِنْدَ الْخَصْمِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْكَيْلِ فَيَكُونُ هَذَا مُمَانَعَةَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ وَإِنْ قَالَ: يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةٌ مُطْلَقَةٌ لَمْ نَجِدْهَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ بَيْعُ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ فَيَكُونُ مُمَانَعَةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُتَنَاهِيَةٌ مُوَقَّتَةٌ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقَدْرِ فَإِنَّ الْبَدَلَيْنِ إذَا كُيِّلَا وَلَمْ يَظْهَرْ فَضْلٌ فِي أَحَدِهِمَا يَعُودُ الْعَقْدُ إلَى الْجَوَازِ عِنْدَنَا لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُفْسِدِ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ فَصَحَّتْ الْمُمَانَعَةُ أَيْ مُمَانَعَةُ الْحُكْمِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.

فَإِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ أَوْ مُوَقَّتَةٌ لَا نُسَلِّمُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْمُوَقَّتَةَ إلَى غَايَةٍ غَيْرُ الْحُرْمَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْحُكْمُ الَّذِي يَقَعُ التَّعْلِيلُ لَهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مُتَّحِدًا فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَيَظْهَرُ حِينَئِذٍ حَرْفُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ حُرْمَةُ نُزُولٍ بِالْمُسَاوَاةِ كَيْلًا لَا حُرْمَةٌ مُطْلَقَةٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلْمُفَاضَلَةِ الْحُرْمَةُ وَالْمُسَاوَاةُ فَلَا تُنْكَحُ كُرْهًا يَعْنِي قِيَاسًا عَلَى الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ يُقَالُ لَهُ: مَا مَعْنَى الْكُرْهِ أَيْ مَا تَعْنِي بِقَوْلِك لَا تُنْكَحُ كُرْهًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولَ: أُرِيدُ أَنَّهَا لَا تُنْكَحُ بِدُونِ رَأْيِهَا إذْ لَيْسَ هُنَاكَ إكْرَاهُ تَخْوِيفٍ.

فَيُقَالُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْبَالِغَةُ عَدَمُ رَأْيِهَا غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ صِحَّةِ التَّزْوِيجِ وَنُفُوذِ وِلَايَةِ الْغَيْرِ عَلَيْهَا فَيَكُونُ هَذَا مُمَانَعَةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، لَكِنَّ الرَّأْيَ الْقَائِمَ الْمُعْتَبَرَ مَانِعٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ رَأْيٌ مُعْتَبَرٌ فَيَكُونُ هَذَا مُمَانَعَةَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ.

وَتَبَيَّنَ بِهِ حَرْفُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ هُوَ الصِّغَرُ عِنْدَنَا دُونَ الْبَكَارَةِ وَعِنْدَهُ عَلَى الْعَكْسِ وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْمَضَارِّ وَضْعًا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَسَلْبُ مُوجِبِ الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ إرْقَاقٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا صِينَتْ الْأُمُّ عَنْ نِكَاحِ الِابْنِ وَالْمُسْلِمَةُ عَنْ نِكَاحِ الْكَافِرِ وَإِنَّمَا تُحْمَلُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ حَاجَتِهَا إلَى اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ كَمَا يُتَحَمَّلُ قَطْعُ الْيَدِ عِنْدَ وُقُوعِ الْأَكْلَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ الْجَوَازُ قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ جُوِّزَ فِي حَقِّ الْبِكْرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِدَلِيلٍ قَامَ لَنَا عَلَى أَنَّ إجْبَارَهَا عَلَى النِّكَاحِ جَائِزٌ فَلَا مَعْنَى لِلتَّوْقِيفِ عَلَى حَالِ الْبُلُوغِ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُهَا بَعْدَهُ وَفِي حَقِّ الثَّيِّبِ التَّوَقُّفُ مُفِيدٌ فَيُؤَخَّرُ إلَى حَالِ الْبُلُوغِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ الْإِذْنِ عَلَيْهَا وَعِنْدَنَا النِّكَاحُ مِنْ الْمَصَالِحِ وَضْعًا فِي جَانِبِهَا؛ لِأَنَّهُ لِتَحْصِيلِ

ص: 113

وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ مَا يَثْبُتُ مَهْرًا دَيْنًا يَثْبُتُ سَلَمًا كَالْمُقَدَّرِ فَيُقَالُ: ثَبَتَ مَعْلُومًا بِوَصْفِهِ أَمْ بِقِيمَتِهِ فَإِنْ قَالَ بِوَصْفِهِ لَمْ يُسَلَّمْ فِي الْفَرْعِ وَإِنْ قَالَ بِقِيمَتِهِ لَمْ يُسَلَّمْ فِي الْفَرْعِ وَإِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي إلَى هَذَا قُلْنَا بَلْ إلَيْهِ حَاجَةٌ لِبَيَانِ اسْتِوَائِهِمَا فِي طَرِيقِ الثُّبُوتِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ أَحَدُهُمَا يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْوَصْفِ.

ــ

[كشف الأسرار]

السَّكَنِ وَالِازْدِوَاجِ وَالْوَلَدِ وَاقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ وَكُلُّهَا مِنْ الْمَصَالِحِ وَمَا أَثْبَتَ مِنْ الْمِلْكِ فَلَمَّا كَانَ الْحَجْرُ عَلَيْهَا لِتَحْقِيقِ الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ أَصْلًا فَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ عِدَادِ الْمَصَالِحِ إلَى مَا هُوَ مِنْ الْمَضَارِّ بَلْ نَجْعَلُ الْمِلْكَ تَابِعًا لِإِقَامَةِ الْمَصْلَحَةِ وَمَتَى كَانَ النِّكَاحُ مَصْلَحَةً كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ التَّحْصِيلَ وَهِيَ عَاجِزَةٌ عَنْ التَّحْصِيلِ لِصِغَرِهَا فَأُقِيمَ الْوَلِيُّ مُقَامَهَا كَمَا فِي الْبِكْرِ قَوْلُهُ (وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ) أَيْ مِثْلُ قَوْلِهِمْ فِيمَا مَضَى مِنْ الْمَسَائِلِ قَوْلُهُمْ فِي تَجْوِيزِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ مَا يُثْبِتُ دَيْنًا مَهْرًا فِي الذِّمَّةِ يُثْبِتُ دَيْنًا سَلَمًا كَالْمُقَدَّرِ الْمَذْرُوعِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

فَيُقَالُ لَهُ أُثْبِتَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مَعْلُومٌ بِوَصْفِهِ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ سَبَبُ وَصْفِهِ أَوْ بِسَبَبِ قِيمَتِهِ أَوْ هِيَ صِلَةُ مَعْلُومًا أَوْ زَائِدَةٌ أَيْ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مَعْلُومَ الْوَصْفِ أَوْ مَعْلُومَ الْقِيمَةِ فَإِنْ قَالَ: يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مَعْلُومًا بِوَصْفِهِ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ السَّلَمُ وَفِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَهْرُ يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَيَوَانَ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالْوَصْفِ فِي السَّلَمِ وَلَا فِي الْمَهْرِ بَلْ يَبْقَى مَجْهُولًا إلَّا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْمَهْرِ دُونَ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى النِّكَاحِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ دُونَ الْمُضَايَقَةِ فَلَا يُؤَدِّي مِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ فِيهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَمَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ فَيُحْتَرَزُ فِيهِ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لِإِفْضَائِهَا فِيهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ الْمَقْصُودَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَفِي تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ أَصْلًا نَوْعُ تَسَامُحٍ فَإِنَّ الشَّيْخَ جَعَلَ ثُبُوتَ الْحَيَوَانِ دَيْنًا مَهْرًا وَصْفَ الْقِيَاسِ وَالْمُقَدَّرَ أَصْلًا لَهُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ النِّكَاحُ أَصْلَ الْقِيَاسِ لِيَسْتَقِيمَ لَهُ هَذَا الْكَلَامُ كَمَا جَعَلَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي الْأَسْرَارِ فَقَالَ: الْبَيْعُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الْحَيَوَانُ دَيْنًا قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ إلَّا أَنَّ حُكْمَ السَّلَمِ لَمَّا كَانَ مُسْتَفَادًا مِنْ الْمَهْرِ عِنْدَ الْخَصْمِ إذْ الْحُكْمُ يَثْبُتُ بِالْوَصْفِ سَمَّاهُ أَصْلًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَإِنْ قَالَ بِقِيمَتِهِ أَيْ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِقِيمَتِهِ لَمْ يُسْلَمْ فِي الْفَرْعِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَوْصَافِ يَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَلَا يَصِيرُ قِيمَتُهُ مَعْلُومَةً بِذِكْرِ الْوَصْفِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْفَرْعَ؛ لِأَنَّ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَهْرُ يَصِيرُ الْحَيَوَانُ مَعْلُومًا بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ أَوْ فَرَسٍ يَجِبُ الْوَسَطُ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَتَاهَا بِالْقِيمَةِ تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا لَوْ أَتَاهَا بِالْمُسَمَّى فَثَبَتَ أَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا فِيهِ بِالْقِيمَةِ فَأَمَّا السَّلَمُ فَلَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالْقِيمَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَصِيرُ مَعْلُومَ الْمَالِيَّةِ بِالْوَصْفِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلْقِيمَةِ فِي بَابِ السَّلَمِ أَصْلًا وَلِهَذَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْحَيَوَانِ عِنْدَهُ فِي السَّلَمِ وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْقِيمَةِ.

وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ أَظُنُّهَا لِلشَّيْخِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مَعْلُومَ الْوَصْفِ وَالْقِيمَةِ أَمْ مَعْلُومَ الْوَصْفِ مَجْهُولَ الْقِيمَةِ أَمْ مَجْهُولَ الْوَصْفِ مَعْلُومَ الْقِيمَةِ فَإِنْ قَالَ: مَعْلُومَ الْوَصْفِ فَلَا يُوجَدُ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مَعْلُومَ الْوَصْفِ وَإِنْ قَالَ: مَعْلُومَ الْقِيمَةِ فَلَا يُوجَدُ فِي الْفَرْعِ فَإِنَّ إعْلَامَ الْقِيمَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ عَقْدِ السَّلَمِ وَإِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي إلَى هَذَا أَيْ إلَى تَعْيِينِ أَنَّهُ يَصِيرُ دَيْنًا بِالْوَصْفِ أَوْ بِالْقِيمَةِ قُلْنَا: بَلْ إلَيْهِ أَيْ إلَى التَّعْيِينِ حَاجَةٌ لِأَجْلِ بَيَانِ اسْتِوَاءِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي طَرِيقِ الثُّبُوتِ يَعْنِي لَا بُدَّ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي طَرِيقِ الثُّبُوتِ لِيَصِحَّ الْقِيَاسُ وَقَدْ اعْتَبَرْت أَحَدَ الدَّيْنَيْنِ بِالْآخَرِ وَلَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُمَا يَظْهَرَانِ وَلَا طَرِيقَ لِثُبُوتِ ذَلِكَ إلَّا الِاتِّحَادُ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّيْنَيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ أَيْ لَمْ يُوجَدْ الِاتِّحَادُ هَاهُنَا بَلْ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ مُخْتَلِفَانِ فِي الثُّبُوتِ.

أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَهْرُ

ص: 114

وَالثَّانِي لَا يَحْتَمِلُهُ عِنْدَنَا وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ لِمَا قُلْنَا كَالْأَثْمَانِ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا الشَّرْطَ فِي الْأَثْمَانِ التَّعْيِينُ لَا الْقَبْضُ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ فِيمَنْ اشْتَرَى أَبَاهُ يَنْوِي عَنْ الْكَفَّارَةِ إنَّ الْعَتِيقَ أَبٌ فَصَارَ كَالْمِيرَاثِ

ــ

[كشف الأسرار]

يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْوَصْفِ فِي الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ اسْمِ الْجِنْسِ كَالْعَبْدِ وَالشَّاةِ وَالْفَرَسِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ وَصْفٍ وَالثَّانِي وَهُوَ السَّلَمُ لَا يَحْتَمِلُهُ أَيْ لَا يَحْتَمِلُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ جَهَالَةُ الْوَصْفِ فَإِنَّ إعْلَامَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عِنْدَ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى فِيهِ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ عَلَى وَجْهٍ يَلْتَحِقُ بِذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فِي صِفَةِ الْمَالِيَّةِ شَرْطٌ لِجَوَازِ عَقْدِ السَّلَمِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ وَقَوْلُهُ عِنْدَنَا مُتَعَلِّقٌ بِالْمَجْمُوعِ أَيْ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالسَّلَمِ فِي أَنَّ الْمَهْرَ يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْوَصْفِ وَالسَّلَمُ لَا يَحْتَمِلُهَا مَذْهَبُنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله هُمَا مُتَمَاثِلَانِ إذْ الْمَهْرُ لَا يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْوَصْفِ أَيْضًا كَالسَّلَمِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ فَرَسٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُ دُونَ الْمُسَمَّى كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ فَيَصِحُّ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ عَلَى أَصْلِهِ لِتَمَاثُلِهِمَا إلَّا أَنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِفَضْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَلَا يَصْلُحُ مُلْزَمًا عَلَى الْخَصْمِ وَبَعْدَ هَذِهِ الْمُمَانَعَةِ لَا يَجِدُ الْمُعَلِّلُ بُدًّا مِنْ الرُّجُوعِ إلَى فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ إثْبَاتُ أَنَّ الْحَيَوَانَ يَصِيرُ مَعْلُومًا بَيَانُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ فَإِنَّهُ مَتَى ذُكِرَ التَّعَيُّنُ امْتَازَ عَنْ سَائِرِ أَجْنَاسِ الْحَيَوَانَاتِ وَمَتَى ذُكِرَ أَنَّهُ بُخْتِيٌّ امْتَازَ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِهِ وَإِذَا قَالَ حِقَّةٌ وَسَمِينٌ مِنْ نَسْلِ إبِلٍ فَلَأَنْ امْتَازَ عَنْ سَائِرِ أَسْنَانِهِ وَأَوْصَافِهِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا جَهَالَةٌ لَا يُمْكِنُ الْعِبَارَةُ عَنْهَا فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا كَمَا فِي الثِّيَابِ فَإِنَّ الثَّوْبَ وَإِنْ اسْتَقْصَى فِي وَصْفِهِ يَبْقَى بَيْنَ الْأَمْثَالِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْوَصْفِ ضَرْبُ جَهَالَةٍ حَتَّى لَوْ اسْتَهْلَكَ أَحَدٌ تِلْكَ الْأَمْثَالَ عَلَى آخَرَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لَا الْمِثْلَ لِلْآخَرِ ثَوْبًا مِثْلَهُ فِي السَّلَمِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْحَيَوَانِ.

وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّمَا يَثْبُتُ جَوَازُ السَّلَمِ عِنْدَ ذِكْرِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ إذَا ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ عَنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَالْتَحَقَ بِبَيَانِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ تَفَاوُتٌ فَمَتَى بَقِيَ بَعْد ذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُهَا مُغْنِيًا لِبَقَاءِ الْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْحَيَوَانُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَإِنَّا نَرَى بَعِيرَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْهَيْئَةِ وَالسِّنِّ وَالسِّمَنِ وَاللَّوْنِ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ عَظِيمٌ فِي الْمَالِيَّةِ وَكَذَا الْعَبِيدُ وَالْأَفْرَاسُ فَتَبْقَى الْجَهَالَةُ فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَتَمْنَعُ جَوَازَ السَّلَمِ كَمَا فِي اللَّآلِي وَالْخَلِفَاتِ بِخِلَافِ الثِّيَابِ إذَا وُصِفَتْ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا لَيْسَ بِفَاحِشٍ؛ لِأَنَّهَا مَصْنُوعَةُ الْعَبْدِ وَهُوَ يَصْنَعُ بِآلَةٍ وَمَتَى اتَّحَدَتْ الْآلَةُ وَالصَّانِعُ يَتَّحِدُ الْمَصْنُوعُ فِي الْوَصْفِ فَأَمَّا مَا يَحْدُثُ بِإِحْدَاثِ اللَّهِ تَعَالَى فَبِقُدْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ آلَةٍ وَمِثَالٍ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْأَسْرَارِ وَمِثْلٌ قَوْلِهِمْ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا قُلْنَا فِي بَابِ التَّرْجِيحِ إنَّهُمَا مَالَانِ لَوْ قُوبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ يُحَرِّمُ رِبَا الْفَضْلِ فَكَانَ الْقَبْضُ شَرْطًا فِيهِ كَمَا لَوْ بَاعَ ثَمَنًا بِثَمَنٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا اللَّامَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْقَبْضِ مَمْنُوعٌ فِي بَيْعِ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا الشَّرْطَ فِي الْأَثْمَانِ التَّعْيِينُ لِإِزَالَةِ صِفَةِ الدِّينِيَّةِ لَا الْقَبْضِ إلَّا أَنَّ التَّعْيِينَ لَا يَحْصُلُ فِي الْأَثْمَانِ مَا لَمْ تُقْبَضْ فَشُرِطَ الْقَبْضُ فِيهَا لِحُصُولِ التَّعْيِينِ لَا لِذَاتِهِ وَهَاهُنَا التَّعْيِينُ حَصَلَ بِالْإِشَارَةِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ.

فَيَرْجِعُ الْمُعَلِّلُ إذًا بِالضَّرُورَةِ إلَى مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ بَيَانُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ لَيْسَ لِإِزَالَةِ صِفَةِ الدِّينِيَّةِ بَلْ لِلصِّيَانَةِ عَنْ مَعْنَى الرِّبَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقَدْرِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ فِيمَنْ اشْتَرَى أَبَاهُ إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ نَاوِيًا عَنْ كَفَّارَةٍ يَجِبُ فِيهَا الْإِعْتَاقُ يَجُوزُ وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ

ص: 115

فَيُقَالُ لَهُمْ مَا حُكْمُ الْعِلَّةِ فَإِنْ قَالَ: وَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ عَنْ الْكَفَّارَةِ قِيلَ لَهُ: مَاذَا لَا يُجْزِئُ وَإِنَّمَا سَبَقَ ذِكْرُ الْعَتِيقِ وَالْأَبِ وَذَلِكَ لَا يُجْزِئُ عِنْدَنَا فَإِنْ قَالَ: وَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ عِتْقُهُ قُلْنَا بِهِ وَإِنْ قَالَ: إعْتَاقُهُ لَمْ نَجِدْهُ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ فِي الْفَرْعِ وَيَظْهَرُ بِهِ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ.

وَأَمَّا صَلَاحُ الْوَصْفِ فَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الْأَثَرُ فَكُلُّ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ مَنَعْنَاهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا

ــ

[كشف الأسرار]

وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَتَقَ الْأَبُ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْفِيرِ وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ الْمَحَارِمِ عِنْدَنَا إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ رحمه الله وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَبِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ قَالُوا: الْعَتِيقُ أَبٌ فَصَارَ كَالْمِيرَاثِ أَيْ الْعَتِيقُ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْأُبُوَّةِ فَكَانَ شِرَاؤُهُ كَمِيرَاثِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَى فَيُقَال لَهُمْ: مَا حُكْمُ الْعِلَّةِ وَهِيَ قَوْلُهُمْ الْعَتِيقُ أَبٌ فَإِنْ قَالَ أَيْ الْمُعَلِّلُ وَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ شِرَاؤُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ بِالْأُبُوَّةِ لَا لِأَجْلِ الْكَفَّارَةِ كَالْمَحْلُوفِ بِعِتْقِهِ قِيلَ لَهُ: مَاذَا لَا يُجْزِئُ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَمْ يَسْبِقْ إلَّا ذِكْرُ الْعَتِيقِ وَالْأَبِ فَإِنْ عَنَيْت أَنَّ الْعَتِيقَ لَا يُجْزِئُ أَوْ الْأَبَ لَا يُجْزِئُ أَوْ كِلَيْهِمَا لَا يُجْزِئُ فَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ أَيْضًا فَإِنْ قَالَ: وَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ قُلْنَا بِهِ أَيْ بِأَنَّ عِتْقَهُ لَا يُجْزِئُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا لَا يَتَأَدَّى الْكَفَّارَةُ بِالْعِتْقِ إذْ هِيَ إنَّمَا تَتَأَدَّى بِفِعْلٍ مَنْسُوبٍ إلَى الْمُكَفِّرِ وَالْعِتْقُ وَصْفٌ ثَابِتُ الْمَحَلِّ شَرْعًا بَلْ تَتَأَدَّى بِالْإِعْتَاقِ وَإِنْ قَالَ وَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ إعْتَاقُهُ لَهُ أَيْ إعْتَاقُ الْمُكَفِّرِ لِلْأَبِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ نَجِدْهُ أَيْ الْإِعْتَاقَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لِلْوَارِثِ فِي الْإِرْثِ حَتَّى يَصِيرَ بِهِ مُعْتَقًا فَكَانَ هَذَا مُمَانَعَةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِيِّ.

وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَيْ لَمْ يَقُلْ الْمُعَلِّلُ بِالْإِعْتَاقِ فِي الْفَرْعِ فَكَانَ هَذَا مُمَانَعَةَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ أَيْضًا فَيَظْهَرُ بِهِ أَيْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ السُّؤَالِ وَالْمُمَانَعَةِ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الشِّرَاءَ عِنْدَ الْخَصْمِ لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقُ لِإِزَالَتِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ مُثْبِتٌ لِلْحُكْمِ مُزِيلًا لَهُ وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ فِي الْعِتْقِ هُوَ الْقَرَابَةُ الْمُوجِبَةُ لِلصِّلَةِ وَالْمِلْكُ شَرْطٌ إذْ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إيجَابِ الْعِتْقِ بِحَالٍ، ثُمَّ الْعِتْقُ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ إلَّا عِنْدَ الْمِلْكِ سُمِّيَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ شَرْطٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ يُسَمَّى قَاتِلًا؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الشَّرْطَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا وَكَانَ الْعِتْقُ مُسْتَحَقَّ الثُّبُوتِ بِالْقَرَابَةِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ لَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْإِعْتَاقِ.

كَمَا لَوْ قَالَ الْغَيْرُ: إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ وَعِنْدَنَا شِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ بِطَرِيقِ أَنَّهُ مُتَمِّمٌ عِلَّةَ الْعِتْقِ إذْ الْعِتْقُ عِنْدَنَا مُضَافٌ إلَى الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ صِلَةٌ وَلِلْقَرَابَةِ تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لِمِلْكٍ مُؤَثَّرٍ فِي إيجَابِ الصِّلَةِ حَتَّى وَجَبَ الزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ صِلَةً لِلْفُقَرَاءِ وَاسْتِحْقَاقُ الْعَبْدِ عَلَى مَالِكِهِ النَّفَقَةَ صِلَةٌ لِلْمِلْكِ وَمَتَى تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ إلَى أَحَدِهِمَا وُجُودًا لِمَا عُرِفَ وَهُوَ الْمِلْكُ هَاهُنَا وَالشِّرَاءُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْمِلْكِ فَكَانَ الْعِتْقُ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ بِوَاسِطَتِهِ فَيَنْقَلِبُ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ نِيَّةُ التَّكْفِيرِ بِالْإِعْتَاقِ فَيَصِحُّ بِخِلَافِ الْمَحْلُوفِ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ شَرْطٌ لَا أَثَرَ لَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ الْعِتْقِ فَيَكُونُ مُعْتَقًا بِيَمِينِهِ وَلَمْ تَقْتَرِنْ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ بِهَا حَتَّى لَوْ اقْتَرَنَتْ جَازَ أَيْضًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

قَوْلُهُ (أَمَّا صَلَاحُ الْوَصْفِ فَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ) يَعْنِي فِي بَابِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْوَصْفَ بِمُجَرَّدِهِ غَيْرُ صَالِحٍ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ حُجَّةً بِوَاسِطَةِ التَّأْثِيرِ فَكُلُّ وَصْفٍ لَمْ يَظْهَرْ تَأْثِيرُهُ مَنَعْنَاهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا وَحُجَّةً وَهَذَا كَالْجُرْحِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِوَصْفِ السِّرَايَةِ فَقَبْلَ ثُبُوتِ هَذَا الْوَصْفِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالْجُرْحِ دُونَ السِّرَايَةِ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ مَا لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْجِرَاحَةَ سَرَتْ - كَذَا هُنَا وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي.

ص: 116

فَإِنْ قَالَ عِنْدِي الْأَثَرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الِاحْتِجَاجُ بِمَا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ كَمِثْلِ كَافِرٍ أَقَامَ بَيِّنَةَ كُفَّارٍ عَلَى مُسْلِمٍ لَمْ تُقْبَلْ لِمَا قُلْنَا.

وَأَمَّا نِسْبَةُ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ فَلِأَنَّ نَفْسَ الْوُجُودِ لَا يَكْفِي بِالْإِجْمَاعِ.

ــ

[كشف الأسرار]

مِنْ أَقْسَامِ الْمُمَانَعَةِ فَإِنْ قَالَ عِنْدِي الْأَثَرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الطَّرْدُ عِنْدِي حُجَّةٌ بِدُونِ التَّأْثِيرِ فَلَا حَاجَةَ لِي إلَى بَيَانِ التَّأْثِيرِ نَقُولُ إنَّكَ تَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ عَلَى الْخَصْمِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْوَصْفُ بِدُونِ التَّأْثِيرِ حُجَّةً عِنْدَ الْخَصْمِ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَيْهِ كَمِثْلِ كَافِرٍ الْكَافُ زَائِدَةٌ مِثْلُهَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] أَيْ عَلَى مِثَالِ كَافِرٍ أَقَامَ بَيِّنَةَ كُفَّارٍ عَلَى مُسْلِمٍ أَنَّ عَلَيْهِ كَذَا لَمْ تُقْبَلْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ إنَّهُ أَثْبَتَ حَقِّي بِمَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدِي لِمَا قُلْنَا إنَّ الِاحْتِجَاجَ عَلَى الْخَصْمِ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ.

قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي شَرْحِ تَقْوِيمِ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ وَكَلَامُهُ لَا يَصْلُحُ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ كَلَامَهُ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى يُعْقَلُ فَإِنَّهُ دَرَجَةُ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام فَتَبَيَّنَ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ صَلَاحِ الْوَصْفِ هَاهُنَا صَلَاحُهُ لِلْإِلْزَامِ عَلَى الْخَصْمِ وَذَلِكَ بِالتَّأْثِيرِ وَالْمُرَادُ مِنْ صَلَاحِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ صَلَاحُهُ لِلْعَمَلِ بِهِ وَذَلِكَ بِمُوَافَقَتِهِ الْعِلَلَ الْمَنْقُولَةَ عَنْ السَّلَفِ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْحُكْمِ وَأَهْلُ الطَّرْدِ يُوَافِقُونَنَا فِي اشْتِرَاطِ الصَّلَاحِ بِهَذَا الْمَعْنَى دُونَ الْأَوَّلِ فَكَانَتْ هَذِهِ الْمُمَانَعَةُ مُمَانَعَةً فِي التَّأْثِيرِ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ.

وَقِيلَ: مِثَالُ هَذِهِ الْمُمَانَعَةِ قَوْلُنَا فِي تَعْلِيلِهِمْ إثْبَاتُ وِلَايَةِ الْأَبِ بِوَصْفِ الْبَكَارَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا جَاهِلَةٌ بِأَمْرِ النِّكَاحِ لِعَدَمِ الْمُمَارَسَةِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وَصْفَ الْبَكَارَةِ صَالِحٌ لِهَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ إثْبَاتُ وِلَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ سِوَى مَحَلِّ النِّزَاعِ وَإِنْ فَسَّرَ الصَّلَاحَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَمِثَالُ الْمُمَانَعَةِ فِيهِ قَوْلُنَا فِي تَعْلِيلِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ بِالطُّعْمِ وَالثَّمَنِيَّةِ لِإِثْبَاتِ شَرْطِ الْمُمَاثَلَةِ وَالتَّقَابُضِ فِيهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَصْفَيْنِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ يُنْبِئُ عَنْ الْخَطَرِ وَالْعِزَّةِ فَيَخْتَصُّ جَوَازُ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِزِيَادَةِ شَرْطٍ إظْهَارًا لِلْخَطَرِ كَالنِّكَاحِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ صَالِحٌ لِمَا رُتِّبَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ السَّبِيلَ فِيمَا تَشُدُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ الْإِطْلَاقُ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ دُونَ التَّضْيِيقِ بِزِيَادَةِ الشَّرْطِ.

وَمِثَالٌ آخَرُ قَوْلُنَا فِي تَعْلِيلِهِمْ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ بِأَنَّ هَذِهِ طَهَارَةُ مَسْحٍ فَيُسَنُّ فِيهَا التَّثْلِيثُ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وَصْفَ الْمَسْحِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى التَّخْفِيفِ صَالِحٌ لِتَعْلِيقِ حُكْمِ التَّثْلِيثِ الَّذِي يُنْبِئُ عَنْ التَّغْلِيظِ بِهِ إلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله وَهَذَا وَإِنْ كَانَ رَدًّا لِلْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ إيرَادُ الْمِثَالِ وَبَيَانُهُ لَا تَصْحِيحُ الْقِيَاسِ وَلَوْ قِيلَ طَهَارَةُ مَسْحٍ فَيُشْرَعُ فِيهِ التَّكْرَارُ كَالِاسْتِنْجَاءِ يَكُونُ رَدًّا لِلْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُتَّفِقِ فَيَصِحُّ، ثُمَّ مُمَانَعَةُ صَلَاحِ الْوَصْفِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ يَئُولُ إلَى فَسَادِ الْوَضْعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَلِهَذَا أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ فَسَادِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ رُبَّمَا يَكُونُ صَالِحًا فِي نَفْسِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِلسَّائِلِ صَلَاحُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُعَلِّلَ بِبَيَانِ الصَّلَاحِ كَمَا فِي الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ كَانَ لِلسَّائِلِ مُطَالَبَةُ بَيَانِ التَّأْثِيرِ فَإِذَا بَيَّنَ صَلَاحَهُ قَبِلَهُ السَّائِلُ وَيُجَاوِزُ إلَى سُؤَالٍ آخَرَ وَلَمَّا صَحَّتْ هَذِهِ الْمُمَانَعَةُ بِدُونِ فَسَادِ الْوَضْعِ كَانَتْ قِسْمًا آخَرَ غَيْرَ فَسَادِ الْوَضْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا نِسْبَةُ الْحُكْمِ) أَيْ صِحَّةُ مُمَانَعَةِ نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُعَلِّلُ فَلِأَنَّ نَفْسَ الْوُجُودِ لَا يَكْفِي بِالْإِجْمَاعِ يَعْنِي أَنَّ أَصْحَابَ الطَّرْدِ يُضِيفُونَ الْحُكْمَ إلَى الْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ يُوجِبُ إضَافَتَهُ إلَيْهِ سِوَى أَنَّهُ يُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَيَنْعَدِمُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَنَفْسُ الْوُجُودِ عِنْدَ الْوُجُودِ غَيْرُ كَافٍ

ص: 117