المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الجهل في موضع الاجتهاد الصحيح أو في غير موضع الاجتهاد - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٤

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[أَقْسَامُ الِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[بَابُ أَحْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْكَلَامُ فِي شَرْطِهِ وَحُكْمِهِ]

- ‌[شَرْطُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[حُكْمُ الِاجْتِهَاد]

- ‌(بَابُ فَسَادِ تَخْصِيصِ الْعِلَلِ)

- ‌(بَابُ وُجُوهِ دَفْعِ الْعِلَلِ)

- ‌[أَقْسَام الْعِلَل]

- ‌[الْعِلَل الْمُؤْثَرَة وَطُرُق دُفَعهَا]

- ‌[دَفْعِ الْعِلَل الْمُؤْثَرَة بِطَرِيقِ فاسد وَطَرِيق صَحِيح]

- ‌(بَابُ الْمُمَانَعَةِ)

- ‌بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌[النَّوْعُ الْأَوَّلِ الْمُعَارَضَةُ الَّتِي فِيهَا مُنَاقَضَةٌ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي الْمُعَارَضَة الْخَالِصَة]

- ‌بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ دَفْعِ الْمُنَاقَضَةِ) :

- ‌بَابُ التَّرْجِيحِ) :

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّل تَفْسِيرِ التَّرْجِيحِ وَمَعْنَاهُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ بَيَانُ الْمُخَلِّصِ فِي تَعَارُضِ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعِ بَيَانُ الْفَاسِدِ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ آخَرَ]

- ‌(بَابُ وُجُوهِ دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ)

- ‌ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ

- ‌ الْمُمَانَعَةُ

- ‌ فَسَادُ الْوَضْعِ

- ‌ الْمُنَاقَضَةُ

- ‌ بَابُ وُجُوهِ الِانْتِقَالِ) :

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ الْأَسْبَابِ وَالْعِلَلِ وَالشُّرُوطِ

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ السَّبَبِ)

- ‌بَابُ تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الشَّرْطِ)

- ‌بَابُ تَقْسِيمِ الْعَلَامَةِ) :

- ‌(بَابُ بَيَانِ الْعَقْلِ) :

- ‌(بَابُ بَيَانِ الْأَهْلِيَّةِ) :

- ‌[أضرب الْأَهْلِيَّة]

- ‌(بَابُ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ)

- ‌(بَابُ الْأُمُورِ الْمُعْتَرِضَةِ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ) :

- ‌بَابُ الْعَوَارِضِ) (الْمُكْتَسَبَةِ) :وَهِيَ نَوْعَانِ

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مِنْ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌جَهْلُ صَاحِبِ الْهَوَى فِي صِفَاتِ اللَّهِ عز وجل وَأَحْكَامِ الْآخِرَةِ

- ‌ الْجَهْلُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ الصَّحِيحِ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ

- ‌ الْجَهْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ

- ‌[فَصْلٌ السُّكْر قسمان] [

- ‌الْقَسْم الْأَوَّل السُّكْر بِطَرِيقِ مُبَاح]

- ‌[الْقَسْم الثَّانِي السُّكْر بِطَرِيقِ غَيْر مُبَاح]

- ‌[فَصْلُ الْهَزْلِ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[السَّفَه مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[السَّفَر مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[الْخَطَأُ مِنْ الْعَوَارِض الْمُكْتَسِبَة]

الفصل: ‌ الجهل في موضع الاجتهاد الصحيح أو في غير موضع الاجتهاد

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فَهُوَ‌

‌ الْجَهْلُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ الصَّحِيحِ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ

لَكِنْ فِي مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ بِوُضُوءٍ وَعِنْدَهُ أَنَّ الظُّهْرَ قَدْ أَجْزَأَهُ فَالْعَصْرُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا جَهْلٌ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَضَى الظُّهْرَ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْعَصْرَ أَجْزَأَ عَنْهُ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَهْلٌ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فِي تَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ

ــ

[كشف الأسرار]

فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَضَى بِالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى الْيَهُودِ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ» . وَرَوَى زِيَادُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنِّي وَجَدْت أَخِي قَتِيلًا فِي بَنِي فُلَانٍ فَقَالَ اخْتَرْ مِنْ شُيُوخِهِمْ خَمْسِينَ رَجُلًا فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا فَقَالَ وَلَيْسَ لِي مِنْ أَخِي إلَّا هَذَا قَالَ نَعَمْ وَلَك مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَفِي الْحَدِيثِ. أَنَّ قَتِيلًا وُجِدَ بَيْنَ وِدَاعَةَ وَأَرْحَبَ وَكَانَ إلَى وِدَاعَةَ أَقْرَبُ فَقَضَى عُمَرُ رضي الله عنه عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ فَقَالُوا لَا أَيْمَانُنَا تَدْفَعُ عَنْ أَمْوَالِنَا وَلَا أَمْوَالُنَا تَدْفَعُ عَنْ أَيْمَانِنَا فَقَالَ حَقَنْتُمْ دِمَاءَكُمْ بِأَيْمَانِكُمْ وَأُغَرِّمُكُمْ الدِّيَةَ بِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِهَا مُخَالِفًا لِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَكَانَ مَرْدُودًا وَمِثْلُ اسْتِبَاحَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا عَمَلًا بِقَوْلِهِ عليه السلام «تَسْمِيَةُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ» وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ بِالنِّسْيَانِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] .

وَمِثْلُ إيجَابِ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي عَمَلًا بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَضَى بِذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] إلَى أَنْ قَالَ {وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] وَلِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ الِانْقِطَاعِ فَيَكُونُ مَرْدُودًا. فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَنَظَائِرِهَا إنْ اعْتَمَدَ الْخَصْمُ عَلَى الْقِيَاسِ فَهُوَ مِنْهُ عَمَلٌ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى خِلَافِ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ، وَإِنْ اعْتَمَدَ عَلَى الْخَبَرِ فَهُوَ عَمَلٌ مِنْهُ بِالْغَرِيبِ مِنْ السُّنَّةِ عَلَى خِلَافِهِمَا أَوْ خِلَافِ أَحَدِهِمَا فَيَكُونُ فَاسِدًا. لِأَنَّا أُمِرْنَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِعُذْرٍ أَصْلًا أَيْ أُمِرْنَا بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَمِنْ الْمَعْرُوفِ الْعَمَلُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَمِنْ الْمُنْكَرِ مُخَالَفَتُهُمَا أَوْ مُخَالَفَةُ أَحَدِهِمَا وَمِنْ النَّصِيحَةِ الْإِرْشَادُ إلَى الصَّوَابِ وَإِظْهَارُ الْحَقِّ بِالْمُنَاظَرَةِ وَإِقَامَةُ الدَّلِيلِ فَيَجِبُ عَلَيْنَا ذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى الْخَصْمِ الطَّلَبُ وَالْقَبُولُ فَلَا يَكُونُ جَهْلُهُ عُذْرًا بِوَجْهٍ. وَعَلَى هَذَا وَهُوَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى خِلَافِ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ بَاطِلٌ يُبْتَنَى مَا يَنْفُذُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يَنْفُذُ فَإِنْ وُجِدَ فِيهِ الْعَمَلُ بِخِلَافِ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ كَمَا فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ عُدِمَ فِيهِ ذَلِكَ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُجْتَهَدَاتِ يَنْفُذُ

[الْجَهْلُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ الصَّحِيحِ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ) وَهُوَ الْجَهْلُ الَّذِي يَصْلُحُ شُبْهَةً فَهُوَ الْجَهْلُ فِي مَوْضِعٍ تَحَقَّقَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالصَّحِيحِ. أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ أَيْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ اجْتِهَادٌ وَلَكِنَّهُ مَوْضِعُ الِاشْتِبَاهِ. صَلَّى الظُّهْرَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ يَعْنِي غَيْرَ عَالِمٍ بِعَدَمِ الْوُضُوءِ. ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ عَلَى وُضُوءٍ ذَاكِرًا لِذَلِكَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الظُّهْرَ أَجْزَأَهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِعَدَمِ الْوُضُوءِ فِيهِ فَالْعَصْرُ فَاسِدَةٌ كَالظُّهْرِ عِنْدَنَا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ ظَنَّهُ بِجَوَازِ الظُّهْرِ جَهْلٌ وَاقِعٌ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ ظُهْرَهُ فَاسِدٌ بِلَا خِلَافٍ فَكَانَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي لَا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ.

وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ رحمه الله يَقُولُ إنَّمَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ فَأَمَّا مَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ

ص: 342

وَقَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله فِيمَنْ قُتِلَ وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ قَتَلَهُ الثَّانِي وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْقِصَاصَ بَاقٍ لَهُ عَلَى الْكَمَالِ وَأَنَّهُ وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِصَاصٌ كَامِلٌ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جَهْلَهُ حَصَلَ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَفِي حُكْمٍ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ

ــ

[كشف الأسرار]

ضَعِيفٌ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ. وَكَانَ زُفَرُ رحمه الله يَقُولُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى النَّاسِي لِلْفَائِتَةِ فَيُجْزِيه فَرْضُ الْوَقْتِ. وَلِأَنَّ الْعَصْرَ لَوْ لَمْ يَجُزْ إنَّمَا لَا يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ وَهُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَكَانَ ظَنُّهُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فَيُعْتَبَرُ.

لَكِنَّا نَقُولُ إنْ كَانَ الرَّجُلُ مُجْتَهِدًا قَدْ ظَهَرَ عِنْدَهُ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَهُوَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ نَاسِيًا فَهُوَ مَعْذُورٌ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِأَدَاءِ الْفَائِتَةِ قَبْلَ أَنْ يَتَذَكَّرَ فَأَمَّا إذَا كَانَ ذَاكِرًا وَهُوَ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ فَمُجَرَّدُ ظَنِّهِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يُعْتَبَرُ. فَإِنْ قَضَى الظُّهْرَ وَحْدَهَا وَهَذَا الْفَرْعُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ إيرَادِ هَذَا الْمِثَالِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْعَصْرَ أَجْزَأَتْهُ جَازَ الْمَغْرِبُ وَيُعِيدُ الْعَصْرَ فَقَطْ؛ لِأَنَّ ظَنَّهُ بِجَوَازِ الْعَصْرِ جَهْلٌ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فِي تَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ فَإِنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ التَّرْتِيبِ خِلَافٌ مُعْتَبَرٌ فَكَانَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ فَسَادَ الظُّهْرِ بِتَرْكِ الْوُضُوءِ فَسَادٌ قَوِيٌّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَكَانَتْ مَتْرُوكَةً بِيَقِينٍ فَيَظْهَرُ أَثَرُ الْفَسَادِ فِيمَا يُؤَدِّي بَعْدَهَا وَلَمْ يُعْذَرْ بِالْجَهْلِ فَأَمَّا فَسَادُ الْعَصْرِ بِسَبَبِ تَرْكِ التَّرْتِيبِ فَضَعِيفٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا تَكُونُ مَتْرُوكَةً بِيَقِينٍ فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى صَلَاةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ فِي مَتْرُوكَةٍ بِيَقِينٍ عِلْمًا وَعَمَلًا وَهُوَ كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

قَوْلُهُ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا) إلَى آخِرِهِ إذَا كَانَ الدَّمُ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَهُ الْآخَرُ عَمْدًا فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَفْوِ الشَّرِيكِ أَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بِعَفْوِ أَحَدِهِمَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً فِي مَالِهِ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ سَقَطَ بِعَفْوِ أَحَدِهِمَا عَلِمَ الْآخَرُ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ أَوْ لَمْ يَشْتَبِهْ فَبَقِيَ مُجَرَّدُ الظَّنِّ فِي حَقِّ الْآخَرِ وَالظَّنُّ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بَعْدَمَا تَقَرَّرَ سَبَبٌ كَمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا عَلَى ظَنٍّ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ ثُمَّ جَاءَ وَلِيُّهُ حَيًّا كَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ.

وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وَمَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَاجِبًا فِي حَقِّهِ ظَاهِرًا وَالظَّاهِرُ يَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ. وَكَذَا إذَا عَلِمَ بِالْعَفْوِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْقَوَدَ سَقَطَ بِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْغَيْرِ فِي حَقِّهِ غَيْرُ نَافِذٍ وَسُقُوطُ الْقَوَدِ عِنْدَ عَفْوِ أَحَدِهِمَا بِاعْتِبَارِ مَعْنًى خَفِيٍّ وَهُوَ أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ فَإِنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ حُكْمٌ قَدْ يَشْتَبِهُ فَيَصِيرُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الظَّاهِرِ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ. بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَوَدَ سَقَطَ بِالْعَفْوِ ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ قَدْ ظَهَرَ الْمُسْقِطُ عِنْدَهُ وَأَقْدَمَ عَلَى الْقَتْلِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ الْقَوَدُ بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ كَمَا لَوْ رَمَى إلَى شَخْصٍ ظَنَّهُ كَافِرًا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ وَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ عَنْهُ بِالشُّبْهَةِ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ عَمْدٌ ثُمَّ يُحْسَبُ لَهُ مِنْهَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ لَأَنْ يَعْفُوَ الشَّرِيكُ وَجَبَ لَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الْمَقْتُولِ فَيَصِيرُ نِصْفُ الدِّيَةِ قِصَاصًا بِالنِّصْفِ وَيُؤَدِّي مَا بَقِيَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

فَعَلَى هَذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله؛ لِأَنَّ جَهْلَهُ حَصَلَ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ أَنَّ الِاجْتِهَادَ يَقْتَضِي أَنْ يَثْبُتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ مَا لَا يَتَجَزَّأُ لِاثْنَيْنِ يُوجِبُ ثُبُوتَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ لَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ بَقَاءَ وِلَايَةِ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ عَفْوِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ أَمْرٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَمَا أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَمْرٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ.

وَذَكَرَ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا ثَبَتَ

ص: 343

وَكَذَلِكَ صَائِمٌ احْتَجَمَ ثُمَّ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْحِجَامَةَ فَطَّرَتْهُ وَعَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ لِمَا قُلْنَا وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ

ــ

[كشف الأسرار]

لِاثْنَيْنِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِقَتْلِهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَتَّى لَوْ عَفَا أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ قَتْلُهُ. فَعَلَى هَذَا كَانَ سُقُوطُ الْقِصَاصِ بِعَفْوِ الْبَعْضِ أَمْرًا مُجْتَهَدًا فِيهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الِاجْتِهَادُ صَحِيحًا فَلَا يَحْتَاجُ كَلَامُ الشَّيْخِ إلَى تَأْوِيلٍ. وَفِي حُكْمٍ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ يَعْنِي بَعْدَمَا حَصَلَ جَهْلُهُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ حَصَلَ فِي حُكْمٍ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَهُوَ الْقِصَاصُ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْجَهْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَالْوَلِيِّ الْقَاتِلُ فِي أَنَّ الْجَهْلَ يَصْلُحُ شُبْهَةً. صَائِمٌ احْتَجَمَ ثُمَّ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْحِجَامَةَ فِطْرَتُهُ. وَظَنَّ أَنَّ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ أَيْ تَقْدِيرِ أَنَّ الْحِجَامَةَ فِطْرَتُهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَهَا.

أَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَكْلِ بَعْدَ حُصُولِ الْإِفْطَارِ بِالْحِجَامَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ. وَقَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا مُتَعَلِّقٌ بِكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ جَوَابَهَا لَيْسَ بِمَذْكُورٍ صَرِيحًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا يَعْنِي وَكَمَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِجَهْلِ الْوَلِيِّ تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بِجَهْلِ صَائِمٍ إلَى آخِرِهِ لِمَا قُلْنَا إنَّ حُصُولَ الْجَهْلِ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَفِي حُكْمٍ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ مُعْتَبَرٌ، وَظَنُّ هَذَا الصَّائِمِ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ، إذْ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ بِفَسَادِ الصَّوْمِ بِالْحِجَامَةِ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْلِهِ عليه السلام حِين «رَأَى رَجُلَيْنِ حَجَمَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» . وَفِي مَوْضِعٍ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الصَّوْمِ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْعُقُوبَةِ فِيهَا عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ. وَظَنِّي أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ زِيَادَةٌ وَقَعَتْ مِنْ الْكَاتِبِ وَأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ وَلِمَا قُلْنَا مُتَعَلِّقٌ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُسْتَقِيمٌ مُتَّضِحٌ بِدُونِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ. ثُمَّ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْ سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِالظَّنِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِمُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ رحمه الله ذَكَرَ فِي شَرْحِ كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّ الصَّائِمَ لَوْ احْتَجَمَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا وَلَمْ يَسْتَفْتِ عَالِمًا وَلَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ نَسَخَهُ أَوْ بَلَغَهُ وَعَرَفَ تَأْوِيلَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ ظَنَّهُ حَصَلَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَإِنَّ انْعِدَامَ رُكْنِ الصَّوْمِ بِوُصُولِ الشَّيْءِ إلَى بَاطِنِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَفَسَادُهُ بِالِاسْتِقَاءِ وَالْحَيْضِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ ظَنُّهُ مُجَرَّدَ جَهْلٍ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.

فَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِقْهُ وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فَأَفْتَاهُ بِالْفَسَادِ فَأَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ أَنْ يَعْمَلَ بِفَتْوَى الْمُفْتِي إذَا كَانَ الْمُفْتِي مِمَّنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِقْهُ وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتَوَاهُ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُخْطِئًا فِيمَا يُفْتِي؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لِلْعَامِّيِّ سِوَى هَذَا فَكَانَ مَعْذُورًا فِيمَا صَنَعَ وَلَا عُقُوبَةَ عَلَى الْمَعْذُورِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَفْتِ وَلَكِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَلَمْ يَعْرِفْ نَسْخَهُ وَلَا تَأْوِيلَهُ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ مَنْسُوخًا لَا يَكُونُ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ الْفَتْوَى إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ فَيَصِيرُ شُبْهَةً. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رضي الله عنه عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَخْبَارِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا وَنَاسِخِهَا وَمَنْسُوخِهَا مُفَوَّضٌ إلَى الْفُقَهَاءِ فَلَيْسَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَأْخُذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا عَنْ ظَاهِرِهِ أَوْ مَنْسُوخًا إنَّمَا لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْفُقَهَاءِ وَالسُّؤَالُ عَنْهُمْ فَإِذَا لَمْ يَسْأَلْ فَقَدْ قَصَّرَ فَلَا يُعْذَرُ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله أَيْضًا فَتَبَيَّنَ أَنَّ الظَّنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِدُونِ اعْتِمَادِهِ عَلَى فَتْوَى أَوْ حَدِيثٍ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ وَأَنَّ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ

ص: 344

وَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَةِ وَالِدِهِ وَظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَدُّ فَيَصِيرُ الْجَهْلُ وَالتَّأْوِيلُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ شُبْهَةً فِي الْحُدُودِ دُونَ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ وَأُخْتِهِ وَكَذَلِكَ حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ وَدَخَلَ دَارَنَا فَشَرِبَ الْخَمْرَ وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ لَمْ يُحَدَّ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى وَبِخِلَافِ الذِّمِّيِّ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ شَرِبَ الْخَمْرَ وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِحُرْمَتِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ هَذَا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا.

ــ

[كشف الأسرار]

لَا يَصِيرُ شُبْهَةً؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ) بَيَانُ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْجَهْلُ فِي مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ أَيْ الِاشْتِبَاهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّبْهَةَ الدَّارِئَةَ لِلْحَدِّ نَوْعَانِ شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْشَأُ مِنْ الِاشْتِبَاهِ.

وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ الدَّلِيلِ وَالشُّبْهَةَ الْحُكْمِيَّةَ فَالْأَوْلَى هِيَ أَنْ يَظُنَّ الْإِنْسَانُ مَا لَيْسَ بِدَلِيلِ الْحِلِّ دَلِيلًا فِيهِ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الظَّنِّ لِيَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُوجَدَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ مَعَ تَخَلُّفِ حُكْمِهِ عَنْهُ لِمَانِعٍ اتَّصَلَ بِهِ وَهَذَا النَّوْعُ لَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُهُ عَلَى ظَنِّ الْجَانِي وَاعْتِقَادِهِ فَمِنْ هَذَا الْقَسَمِ مَا لَوْ وَطِئَ الْأَبُ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَهُوَ قَائِمٌ فَلَا يَفْتَرِقُ فِي الْحَالِ بَيْنَ الظَّنِّ وَعَدَمِهِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ وَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مَا إذَا وَطِئَ الِابْنُ جَارِيَةَ أَبِيهِ وَجَارِيَةَ أُمِّهِ أَوْ وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ فَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الزِّنَا قَدْ تَقَرَّرَ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ قَالَا عَلِمْنَا بِالْحُرْمَةِ يَلْزَمُهُمَا الْحَدُّ فَلَوْ سَقَطَ إنَّمَا يَسْقُطُ بِالظَّنِّ وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا كَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَلَكِنَّا نَقُولُ قَدْ تَمَكَّنَتْ بَيْنَهُمَا شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمَرْأَةِ مِنْ وَجْهٍ مَالٌ لِزَوْجٍ.

وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ وَلِأَنَّهَا حَلَالٌ لَهُ فَرُبَّمَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ أَنَّ حَالَ جَارِيَتِهَا كَحَالِهَا وَكَذَا فِي جَارِيَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ قَدْ يَشْتَبِهُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَّصِلَةٌ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْمَنَافِي دَائِرَةٌ وَالْوَلَدُ جُزْءُ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَرُبَّمَا يَشْتَبِهُ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ حَلَالًا لِلْأَصْلِ تَكُونُ حَلَالًا لِلْجُزْءِ أَيْضًا فَيَصِيرُ الْجَهْلُ أَيْ الْجَهْلُ بِالْحُرْمَةِ وَالتَّأْوِيلُ أَيْ تَأْوِيلُ أَنَّ الْجَارِيَةَ تَحِلُّ لِي كَمَا تَحِلُّ نَفْسُ الْمَرْأَةِ وَكَمَا تَحِلُّ جَارِيَتِي لِأَبِي بِالتَّمَلُّكِ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الِاشْتِبَاهِ مُؤَثِّرَةٌ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ كَقَوْمٍ سُقُوا عَلَى مَائِدَةٍ خَمْرًا فَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَمْرٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا يُحَدُّ دُونَ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ يَعْنِي يَثْبُتُ النَّسَبُ بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ وَإِنْ ادَّعَاهُ وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ تَمَحَّضَ زِنًا فِي نَفْسِهِ فَيَمْنَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ وَوُجُوبَ الْعِدَّةِ وَإِنْ سَقَطَ الْحَدُّ لِلِاشْتِبَاهِ بِخِلَافِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ بِهَا النَّسَبُ وَيَجِبُ بِهَا الْعِدَّةُ كَمَا يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَتَمَحَّضَ زِنًا نَظَرًا إلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ لِهَذَا لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ وَعَدَمِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ زَنَى بِجَارِيَةِ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ الْجَهْلُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَهُمَا مُتَبَايِنَةٌ عَادَةً فَلَا يَكُونُ هَذَا مَحَلَّ الِاشْتِبَاهِ فَلَا يَصِيرُ الْجَهْلُ شُبْهَةً.

وَكَذَلِكَ أَيْ كَمَا لَا يُحَدُّ الْوَلَدُ بِوَطْءِ جَارِيَةِ أَبِيهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ وَيَصِيرُ جَهْلُهُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ لَا يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ وَدَخَلَ دَارَنَا فَشَرِبَ الْخَمْرَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ يَصِيرُ جَهْلُهُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى ظَانًّا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَبِخِلَافِ الذِّمِّيِّ الَّذِي أَسْلَمَ وَشَرِبَ الْخَمْرَ ظَانًّا أَنَّهَا حَلَالٌ حَيْثُ يُحَدَّانِ جَمِيعًا وَهَذَا أَيْ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ شُرْبِ الْخَمْرِ وَبَيْنَ الزِّنَا فِي الْحَرْبِيِّ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ الْجَهْلَ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ

ص: 345