الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ فَهُوَ
الْجَهْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ
أَنَّهُ يَكُونُ عُذْرًا فِي الشَّرَائِعِ حَتَّى إنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ النَّازِلَ خَفِيَ فَيَصِيرُ الْجَهْلُ بِهِ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ وَإِنَّمَا جَاءَ مِنْ قِبَلِ خَفَاءِ الدَّلِيلِ فِي نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْخِطَابُ فِي أَوَّلِ مَا يَنْزِلُ فَإِنْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ كَانَ مَعْذُورًا مِثْلَ مَا رَوَيْنَا فِي قِصَّةِ أَهْلِ قُبَا وَقِصَّةِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] وَقَالَ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَةُ فَأَمَّا إذَا انْتَشَرَ الْخِطَابُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ تَمَّ التَّبْلِيغُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَمَنْ جَهِلَ مِنْ بَعْدُ فَإِنَّمَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ تَقْصِيرِهِ لَا مِنْ قِبَلِ خَفَاءِ الدَّلِيلِ فَلَا يُعْذَرُ كَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَاءَ فِي الْعُمْرَانِ وَلَكِنَّهُ تَيَمَّمَ وَالْمَاءُ مَوْجُودٌ فَصَلَّى لَمْ يُجْزِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
يَصْلُحُ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ فَجَهْلُ الْحَرْبِيِّ بِحُرْمَةِ الْخَمْرِ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِالْخِطَابِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ عَنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَدَارُهُمْ دَارُ الْجَهْلِ وَضَيَاعِ الْأَحْكَامِ فَيَصْلُحُ جَهْلُهُ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ.
فَأَمَّا جَهْلُهُ بِحُرْمَةِ الزِّنَا فَفِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا فَلَمْ يَتَوَقَّفْ الْعِلْمُ بِحُرْمَتِهِ عَلَى بُلُوغِ خِطَابِ الشَّرْعِ لِتَحَقُّقِ حُرْمَتِهِ قَبْلَهُ فَلَا يَصْلُحُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ وَكَذَا جَهْلُ الذِّمِّيِّ بِحُرْمَةِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَتَحْرِيمُ الْخَمْرِ شَائِعٌ فِيهَا فَلَمْ يَصِرْ جَهْلُهُ شُبْهَةً لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ بَلْ الِاشْتِبَاهُ وَقَعَ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي الطَّلَبِ فَلَا يُعْذَرُ
[الْجَهْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ]
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ) وَهُوَ الَّذِي يَصْلُحُ عُذْرًا فَهُوَ كَذَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْقِسْمِ وَبَيْنَ الْقِسْمِ الثَّالِثِ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ بِنَاءٌ عَلَى عَدَمِ الدَّلِيلِ وَالْقِسْمَ الثَّالِثَ بِنَاءٌ عَلَى اشْتِبَاهِ مَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ بِالدَّلِيلِ كَذَا قِيلَ فَالْجَهْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ يَكُونُ عُذْرًا فِي الشَّرَائِعِ حَتَّى لَوْ مَكَثَ مُدَّةً وَلَمْ يُصَلِّ فِيهَا أَوْ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُمَا وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُمَا؛ لِأَنَّ بِقَبُولِ الْإِسْلَامِ صَارَ مُلْتَزِمًا لِأَحْكَامِهِ وَلَكِنْ قَصُرَ عَنْهُ خِطَابُ الْأَدَاءِ لِجَهْلِهِ بِهِ وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ كَالنَّائِمِ إذَا انْتَبَهَ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ الْخِطَابَ النَّازِلَ خَفِيَ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ إلَيْهِ حَقِيقَةً بِالسَّمَاعِ وَلَا تَقْدِيرًا بِاسْتِفَاضَتِهِ وَشُهْرَتِهِ؛ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ اسْتِفَاضَةِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ.
فَيَصِيرُ الْجَهْلُ بِالْخِطَابِ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ فِي طَلَبِ الدَّلِيلِ وَإِنَّمَا جَاءَ الْجَهْلُ مِنْ قِبَلِ خَفَاءِ الدَّلِيلِ فِي نَفْسِهِ حَيْثُ لَمْ يَشْتَهِرْ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ التَّبْلِيغِ عَنْهُمْ وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَالْخِطَابِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي الْخَفَاءِ الْخِطَابُ فِي أَوَّلِ مَا يَنْزِلُ فَإِنَّهُ خَفِيٌّ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِعَدَمِ اسْتِفَاضَتِهِ بَيْنَهُمْ فَيَصِيرُ الْجَهْلُ بِهِ عُذْرًا مِثْلُ مَا رُوِّينَا بِضَمِّ الرَّاءِ فِي قِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ فَإِنَّهُمْ صَلُّوا صَلَاةَ الظُّهْرِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ نُزُولِ فَرْضِ التَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ وَافْتَتَحُوا الْعَصْرَ مُتَوَجِّهِينَ إلَيْهِ أَيْضًا فَأُخْبِرُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَتَوَجَّهُوا إلَيْهَا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ وَجَوَّزَ ذَلِكَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَبْلُغْهُمْ وَعَلَيْهِ حَمَلَ الشَّيْخُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أَيْ صَلَاتَكُمْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْمَذْكُورُ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمَّا تَوَجَّهَ إلَى الْكَعْبَةِ قَالُوا كَيْفَ مَنْ مَاتَ قَبْلَ التَّحْوِيلِ مِنْ إخْوَانِنَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَقِصَّةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَإِنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَانُوا فِي سَفَرٍ فَشَرِبُوا بَعْدَ التَّحْرِيمِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِحُرْمَتِهَا فَنَزَلَ قَوْلُهُ {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 93] الْآيَةُ وَعَنْ ابْنِ كَيْسَانَ «لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَقَدْ شَرِبُوا الْخَمْرَ وَأَكَلُوا الْمَيْسِرَ وَكَيْفَ بِالْغَاصِبِينَ عَنَّا فِي الْبُلْدَانِ لَا يَشْعُرُونَ بِتَحْرِيمِهَا وَهُمْ يَطْعَمُونَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [المائدة: 93] » أَيْ مِنْ الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ فِي الْبُلْدَانِ إثْمٌ فِيمَا طَعِمُوا مِنْ الْخَمْرِ وَالْقِمَارِ إذَا مَا اتَّقَوْا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سِوَاهُمَا.
وَقِيلَ اتَّقَوْا الشِّرْكَ وَآمَنُوا بِاَللَّهِ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي إيمَانِهِمْ ثُمَّ اتَّقَوْا يَعْنِي الْأَحْيَاءُ فِي الْبُلْدَانِ الْخَمْرَ وَالْقِمَارَ
وَكَذَلِكَ جَهْلُ الْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ وَجَهْلُ الْمَأْذُونِ بِالْإِذْنِ يَكُونُ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ ضَرْبُ إيجَابٍ وَإِلْزَامٍ فَلَا بُدَّ مِنْ عَمَلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُبَلِّغُهُ الْعَدَالَةُ وَإِنْ كَانَ فُضُولِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِلْزَامٍ مَحْضٍ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ وَجَهْلُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ وَجَهْلُ الْمَأْذُونِ بِالْحَجْرِ
ــ
[كشف الأسرار]
إذَا جَاءَهُمْ تَحْرِيمُهَا وَآمَنُوا صَدَّقُوا بِتَحْرِيمِهَا ثُمَّ اتَّقَوْا مَا تَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ هَذَا بِنَصٍّ يَرِدُ فِي التَّحْرِيمِ لِبَعْضِ مَا أُحِلَّ لَهُمْ وَأَحْسَنُوا فِيمَا تَعَبَّدَهُمْ اللَّهُ وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فَهَذَا مَعْنَى ذِكْرِ التَّقْوَى ثَلَاثًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَذَا فِي التَّيْسِيرِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ الِائْتِمَارُ قَبْلَ الْعِلْمِ فَلِذَلِكَ يُعْذَرُ، فَأَمَّا إذَا انْتَشَرَ الْخِطَابُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ تَمَّ التَّبْلِيغُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ التَّبْلِيغُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ إنَّمَا الَّذِي فِي وُسْعِهِ الْإِشَاعَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ نَفْسَهُ مُبَلِّغًا إلَى الْكَافَّةِ يَبْعَثُ الْكُتُبَ وَالرُّسُلَ إلَى مُلُوكِ الْأَطْرَافِ حَتَّى كَانَ يَقُولُ أَلَا هَلْ بَلَغْت اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ فَعُلِمَ أَنَّ التَّبْلِيغَ يَتِمُّ بِاشْتِهَارِ الْخِطَابِ وَاسْتِفَاضَتِهِ فَمَنْ جَهِلَ مِنْ بَعْدِ شُهْرَتِهِ فَإِنَّمَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ تَقْصِيرِهِ أَيْ اُبْتُلِيَ بِالْجَهْلِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يُقَالُ مِنْ هَاهُنَا أُتِيت أَيْ مِنْ هَاهُنَا دَخَلَ عَلَيْك الْبَلَاءُ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْرَابِيِّ وَهَلْ أُتِيت إلَّا مِنْ الصَّوْمِ أَيْ وَهَلْ أَتَانِي الْمَحْذُورُ إلَّا مِنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ صَارَ مُتَيَسِّرَ الْإِصَابَةِ بِالِاشْتِهَارِ لَا مِنْ قِبَلِ خَفَاءِ الدَّلِيلِ.
فَلِذَلِكَ قُلْنَا إذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَكَثَ مُدَّةً وَلَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِهَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ فِي دَارِ شُيُوعِ الْأَحْكَامِ وَيَرَى شُهُودَ النَّاسِ الْجَمَاعَاتِ وَيُمْكِنُهُ السُّؤَالُ عَنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَتَرْكُ السُّؤَالِ وَالطَّلَبِ تَقْصِيرٌ مِنْهُ فَلَا يُعْذَرُ كَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَاءَ فِي الْعُمُرِ ظَانًّا أَنَّ الْمَاءَ مَعْدُومٌ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى وَالْمَاءُ مَوْجُودٌ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ فِي تَرْكِ الطَّلَبِ فِي مَوْضِعِ الْمَاءِ غَالِبًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ الطَّلَبَ فِي الْمَفَازَةِ عَلَى ظَنِّ عَدَمِ الْمَاءِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى حَيْثُ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُقَصِّرٍ بِتَرْكِ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى طَمَعٍ مِنْ الْمَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَبُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَالْمَاءُ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي الْوَاقِعِ جَازَتْ صَلَاتُهُ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَجَهْلِ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ جَهْلُ الْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ وَجَهْلُ الْمَأْذُونِ بِالْإِذْنِ يَكُونُ عُذْرًا حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَا قَبْلَ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِمَا لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُمَا عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْمَوْلَى.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَكَالَةِ حَتَّى فَسَدَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ يَصِحُّ وَبَعْدَ الْعِلْمِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ بَاعَ مَتَاعًا لِلْمُوَكِّلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ لِأَنَّ فِيهِ أَيْ فِي التَّوْكِيلِ وَالْإِذْنِ ضَرْبَ إيجَابٍ وَإِلْزَامٍ حَيْثُ يَلْزَمُهُمَا حُقُوقُ الْعَقْدِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَنَحْوِهِمَا وَيَمْتَنِعُ عَلَى الْوَكِيلِ شِرَاءُ شَيْءٍ وُكِّلَ بِشِرَائِهِ بِعَيْنِهِ وَبَيْعُ شَيْءٍ وُكِّلَ بَيْعُهُ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَيُطَالِبُ الْعَبْدُ بِعُهْدَةِ تَصَرُّفَاتِهِ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَكُنْ مُطَالِبًا بِهَا قَبْلَ الْإِذْنِ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَزْلِ وَالْحَجْرِ فِي حَقِّهِمَا قَبْلَ الْعِلْمِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْوَكَالَةِ وَالْإِذْنِ لِذَلِكَ أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ لَا يَلْزَمُ فِي حَقِّهِ مَعَ كَمَالِ وِلَايَتِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَلَأَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمٌ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ قَاصِرُ الْوِلَايَةِ كَانَ أَوْلَى.
إلَّا أَنَّهُ أَيْ لَكِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُبَلِّغُ الْوَكِيلَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ يُبَلِّغُ الْإِذْنَ أَوْ الْوَكَالَةَ إلَيْهِمَا الْعَدَالَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الْمُبَلِّغُ فُضُولِيًّا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ أَوْ الْإِذْنَ لَيْسَ بِإِلْزَامٍ مَحْضٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ
وَجَهْلُ مَوْلَى الْعَبْدِ الْجَانِي فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَجَهْلُ الشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ يَكُونُ عُذْرًا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ خَفِيٌّ وَفِيهِ إلْزَامٌ فَشَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي الَّذِي يُبَلِّغُهُ مِنْ غَيْرِ رِسَالَةٍ الْعَدَالَةَ أَوْ الْعَدَدَ وَكَذَلِكَ جَهْلُ الْمَرْأَةِ الْبِكْرِ بِإِنْكَاحِ الْوَلِيِّ مِثْلُهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي تَبْلِيغِ الشَّرَائِعِ إلَى الْحَرْبِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُبَلِّغُ رَسُولَ الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ جَهْلُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ إذَا أُعْتِقَتْ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ بِالْخِيَارِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْإِعْتَاقِ يُجْعَلُ عُذْرًا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ خَفِيٌّ فِي حَقِّهَا
ــ
[كشف الأسرار]
إلْزَامٌ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا بَلْ هُوَ أَيْ الْوَكِيلُ أَوْ الْعَبْدُ يُخَيَّرُ بَعْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ فِي قَبُولِ الْوَكَالَةِ وَالْإِذْنِ، وَتَحَقُّقُ مَعْنَى الْإِلْزَامِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا لَا يُخِلُّ بِهَذَا الِاخْتِيَارِ بِوَجْهٍ فَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ شَرَائِطِ الْإِلْزَامِ أَيْ الشَّهَادَةِ وَجَهْلُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ وَجَهْلُ الْمَأْذُونِ بِالْحَجْرِ عُذْرٌ لِخَفَاءِ الدَّلِيلِ وَلُزُومِ الضَّرَرِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصِحَّةِ الْعَزْلِ وَالْحَجْرِ إذْ الْوَكِيلُ يَتَصَرَّفُ عَلَى أَنْ يَلْزَمَ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْعَبْدُ يَتَصَرَّفُ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ وَبِالْعَزْلِ وَالْحَجْرِ يَلْزَمُ التَّصَرُّفُ عَلَى الْوَكِيلِ وَيَتَأَخَّرُ دَيْنُ الْعَبْدِ إلَى الْعِتْقِ وَيُؤَدِّي بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ وَفِيهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى.
قَوْلُهُ (وَجَهْلُ مَوْلَى الْعَبْدِ الْجَانِي فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَبْدِ إذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِذَا تَصَرَّفَ الْمَوْلَى فِي هَذَا الْجَانِي بِالْبَيْعِ أَوْ بِالْإِعْتَاقِ وَنَحْوِهِمَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِجِنَايَتِهِ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَهُوَ الْأَرْشُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ حَتَّى تَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ وَيَصِيرُ جَهْلُهُ بِالْجِنَايَةِ عُذْرًا وَجَهْلُ الشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ أَيْ بِسَبَبِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ وَهُوَ الْبَيْعُ يَكُونُ عُذْرًا حَتَّى إذَا عَلِمَ بِالْبَيْعِ بَعْدَ زَمَانٍ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الدَّلِيلَ أَيْ دَلِيلَ الْعِلْمِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ خَفِيٌّ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تَكُونُ مَشْهُورَةً وَيَسْتَبِدُّ الْمُوَكِّلُ بِالْعَزْلِ وَالْمَوْلَى بِالْحَجْرِ وَالْعَبْدُ بِالْجِنَايَةِ وَصَاحِبُ الدَّارِ بِالْبَيْعِ فَأَنَّى يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْوَكِيلِ وَالْعَبْدِ وَالْمَوْلَى وَالشَّفِيعِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَفِيهِ أَيْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ إلْزَامُ ضَرَرٍ حَيْثُ يَلْزَمُ التَّصَرُّفُ بِالْعَزْلِ عَلَى الْوَكِيلِ وَتَصِيرُ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ وَتَبْطُلُ وِلَايَةُ الْمَأْذُونِ فِي التَّصَرُّفَاتِ بِالْحَجْرِ وَيَلْزَمُ عَلَى الْمَوْلَى الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ وَيَلْزَمُ عَلَى الشَّفِيعِ ضَرَرُ الْجَارِ بِالْبَيْعِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهَا عَلَى الْعِلْمِ كَأَحْكَامِ الشَّرْعِ فَشَرْطُ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْنِي وَلَمَّا كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَعْنَى الْإِلْزَامِ شَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي الَّذِي يَبْلُغُهُ مِنْ غَيْرِ رِسَالَةِ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ كِلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ الْإِلْزَامَاتِ الْمَحْضَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ إلَّا أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ بَيَانِ مَحَلِّ الْخَبَرِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي اشْتِرَاطِ أَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ فِي تَبْلِيغِ هَذِهِ الْأُمُورِ قَوْلُهُ فِي تَبْلِيغِ الشَّرَائِعِ إلَى الْحَرْبِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ يَعْنِي تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ أَوْ الْعَدَدُ عِنْدَهُ وَلَا تُشْتَرَطُ عِنْدَهُمَا.
وَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الدِّينِ وَالْعَدَالَةُ فِيهَا شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مَأْمُورٌ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِالتَّبْلِيغِ قَالَ عليه السلام «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا مَقَالَةً فَوَعَاهَا كَمَا سَمِعَهَا ثُمَّ أَدَّاهَا إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا» فَهَذَا الْمُبَلِّغُ نَظِيرُ الرَّسُولِ مِنْ الْمَوْلَى وَالْمُوَكِّلِ وَفِي خَبَرِ الرَّسُولِ لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْمُخْبِرِ فَكَذَا هَذَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ جَهْلِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُ مِنْ جَهْلِ الْمَرْأَةِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ بِإِنْكَاحِ الْوَلِيِّ يَكُونُ عُذْرًا حَتَّى لَا يَكُونَ سُكُوتُهَا قَبْلَ الْعِلْمِ رِضًا بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْعِلْمِ خَفِيٌّ فِي حَقِّهَا لِاسْتِبْدَادِ الْوَلِيِّ بِالْإِنْكَاحِ وَفِيهِ إلْزَامُ حُكْمِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ فِي الْمُبَلِّغِ عِنْدَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ
وَلِأَنَّهَا دَافِعَةٌ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ الْبِكْرِ إذَا بَلَغَتْ وَقَدْ أَنْكَحَهَا أَخُوهَا فَلَمْ يَعْلَمْ بِالْخِيَارِ لَمْ تُعْذَرْ وَجُعِلَ سُكُوتُهَا رِضًا؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْعِلْمِ فِي حَقِّهَا مَشْهُورٌ غَيْرُ مَسْتُورٍ وَلِأَنَّهَا تُرِيدُ بِذَلِكَ إلْزَامَ الْفَسْخِ ابْتِدَاءً لَا الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهَا وَالْمُعْتَقَةُ تَدْفَعُ الزِّيَادَةَ عَنْ نَفْسِهَا وَلِهَذَا افْتَرَقَ الْخِيَارَانِ فِي شَرْطِ الْقَضَاءِ
ــ
[كشف الأسرار]
عِنْدَهُمَا وَكَانَ قَوْلُهُ مِثْلَهُ وَقَعَ زَائِدًا لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَا يَدُلُّ هُوَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَجَهْلِ هَؤُلَاءِ جَهْلُ الْأُمَّةِ إذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَ الزَّوْجِ وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِبُرَيْدَةَ حِينَ عَتَقَتْ مَلَكْت بُضْعَك فَاخْتَارِي» وَهُوَ يَمْتَدُّ إلَى آخَرِ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِتَخْيِيرِ الشَّرْعِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ وَيُسَمَّى هَذَا خِيَارَ الْعَتَاقَةِ.
فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ عَلِمَتْ بِهِ وَلَكِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا شَرْعًا كَانَ الْجَهْلُ مِنْهَا عُذْرًا حَتَّى كَانَ لَهَا مَجْلِسُ الْعِلْمِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الدَّلِيلَ أَيْ دَلِيلَ الْعِلْمِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَفِيٌّ فِي حَقِّهَا أَمَّا فِي الْإِعْتَاقِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُسْتَبِدٌّ بِهِ فَلَا يُمْكِنُهَا الْوُقُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِخْبَارِ وَأَمَّا فِي الْخِيَارِ فَلَمَّا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله أَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا خَفِيٌّ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ مِنْ النَّاسِ وَلِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَلَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَلَا يَقُومُ اشْتِهَارُ الدَّلِيلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَقَامَ الْعِلْمِ وَلِأَنَّهَا دَافِعَةٌ عَنْ نَفْسِهَا لُزُومَ زِيَادَةِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَالْجَهْلُ يَصْلُحُ عُذْرًا لِلدَّفْعِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ غَيْرُ الْأَبِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ صَدَرَ مِمَّنْ هُوَ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبِ وَقَدْ ظَهَرَ تَأْثِيرُ الْقُصُورِ فِي امْتِنَاعِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ فَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ إذَا مَلَكَا أَمْرَ نَفْسِهِمَا بِالْبُلُوغِ كَالْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ وَيُسَمَّى هَذَا خِيَارَ الْبُلُوغِ وَهُوَ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ فِي جَانِبِهَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَهَا لِعَدَمِ تَمَامِ الرِّضَاءِ مِنْهَا وَرِضَاءُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ يَتِمُّ بِسُكُوتِهَا شَرْعًا كَمَا لَوْ زُوِّجَتْ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَسَكَتَتْ وَلِذَا لَوْ بَلَغَتْ ثَيِّبًا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالسُّكُوتِ كَمَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْغُلَامِ بِهِ.
فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ وَقْتَ الْبُلُوغِ كَانَ الْجَهْلُ مِنْهَا عُذْرًا لِخَفَاءِ الدَّلِيلِ إذْ الْوَلِيُّ مُسْتَبِدٌّ بِالْإِنْكَاحِ وَإِنْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْخِيَارِ لَمْ تُعْذَرْ وَجُعِلَ سُكُوتُهَا رِضَاءً؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْعِلْمِ بِالْخِيَارِ فِي حَقِّهَا مَشْهُورٌ غَيْرُ مَسْتُورٍ لِاشْتِهَارِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ التَّعَلُّمِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله خِيَارُ الْبُلُوغِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَلِظُهُورِهِ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي إنْكَاحِ الْأَبِ أَيْضًا وَهِيَ لَمْ تَكُنْ مَشْغُولَةً قَبْلَ الْبُلُوغِ بِشَيْءٍ يَمْنَعُهَا عَنْ التَّعَلُّمِ فَكَانَ سَبِيلُهَا أَنْ تَتَعَلَّمَ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يَتَعَذَّرُ بِالْجَهْلِ وَلِأَنَّهَا أَيْ الصَّغِيرَةُ تُرِيدُ بِذَلِكَ أَيْ بِالْجَهْلِ بِالْخِيَارِ إلْزَامَ فَسْخِ إنْكَاحٍ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ شُرِعَ لِإِلْزَامِ النَّقْضِ لَا لِلدَّفْعِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَدْفَعُ ضَرَرًا ظَاهِرًا فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا وَالْمَهْرُ وَافِرًا وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَجَانَةً وَفِسْقًا فَثَبَتَ أَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِلْزَامِ فِي حَقِّ الْخَصْمِ الْآخَرِ وَالْجَهْلُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِلْزَامِ وَالْمُعْتَقَةُ تَدْفَعُ الزِّيَادَةَ عَنْ نَفْسِهَا وَالْجَهْلُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ لِلْإِلْزَامِ وَخِيَارَ الْمُعْتَقَةِ لِلدَّفْعِ افْتَرَقَ الْخِيَارَانِ فِي شَرْطِ الْقَضَاءِ فَشَرْطُ الْقَضَاءِ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الِاخْتِيَارِ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَرِثُهُ الْآخَرُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي خِيَارِ الْعِتْقِ بَلْ تَثْبُتُ الْفُرْقَةُ
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي صَاحِبِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ إذَا فُسِخَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ وُضِعَ لِاسْتِثْنَاءِ حُكْمِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ فَيَصِيرُ الْعَقْدُ بِهِ غَيْرَ لَازِمٍ ثُمَّ يُفْسَخُ لِفَوْتِ اللُّزُومِ لَا أَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ لَا مَحَالَةَ فَصَيَّرَ هَذَا بِالْفَسْخِ مُتَصَرِّفًا عَلَى الْآخَرِ بِمَا فِيهِ إلْزَامٌ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِعِلْمِهِ فَإِنْ بَلَّغَهُ رَسُولُ صَاحِبِ الْخِيَارِ صَحَّ فِي الثُّلُثِ بِلَا شَرْطِ عَدَالَةٍ وَبَعْدَ الثَّلَاثِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ بَلَّغَهُ فُضُولِيٌّ شُرِطَ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا صَحَّ التَّبْلِيغُ فِي الثَّلَاثِ وَنَفَذَ الْفَسْخُ وَبَعْدَ الثَّلَاثِ لَا يَصِحُّ وَبَطَلَ الْفَسْخُ وَأَبُو يُوسُفَ جَعَلَ صَاحِبَ الْخِيَارِ مُسَلَّطًا عَلَى الْفَسْخِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِهِ فَأُضِيفَ مَا يَلْزَمُهُ صَاحِبُهُ إلَى الْتِزَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[كشف الأسرار]
بِنَفْسِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ زِيَادَةُ مِلْكِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ قَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ يَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا فِي قُرْأَيْنِ وَلَمْ يَمْلِكْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَقَدْ ازْدَادَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ الزِّيَادَةَ وَلَا تَتَوَصَّلَ إلَى دَفْعِ الزِّيَادَةِ إلَّا بِدَفْعِ أَصْلِ الْمِلْكِ فَكَمَا أَنَّ إثْبَاتَ دَفْعِ الْمِلْكِ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهَا يَتِمُّ بِهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَذَلِكَ دَفْعُ زِيَادَةِ الْمِلْكِ فَأَمَّا فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ فَلَا يَزْدَادُ الْمِلْكُ وَإِنَّمَا كَانَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِتَوَهُّمِ تَرْكِ النَّظَرِ مِنْ الْوَلِيِّ وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ فَلَا تَتِمُّ الْفُرْقَةُ إلَّا بِالْقَضَاءِ.
فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الدَّفْعَ فِي خِيَارِ الْعَتَاقَةِ ظَاهِرٌ مَقْصُودٌ وَالْإِلْزَامُ ضِمْنِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ الْإِلْزَامُ قَصْدِيٌّ وَالدَّفْعُ مُتَوَهَّمٌ ضِمْنِيٌّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ مَا فِيهِ إلْزَامٌ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ عِلْمِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي صَاحِبِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ مُشْتَرِيًا كَانَ أَوْ بَائِعًا إذَا فَسَخَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ أَيْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْفَسْخَ لَا يَصِحُّ وَلَهُ أَنْ يَرْضَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْآخَرُ بِفَسْخِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ تَمَّ الْفَسْخُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْضَى بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَ ذَلِكَ الْفَسْخُ وَتَمَّ الْبَيْعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله فَسْخُهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ وَبِغَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ خَالِصُ حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاءُ صَاحِبِهِ فِي تَصَرُّفِهِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ وَمُوجِبُ الْخِيَارُ الْفَسْخُ أَوْ الْإِجَازَةُ ثُمَّ الْإِجَازَةُ تَتِمُّ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْآخَرِ كَمَا تَتِمُّ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَذَا الْفَسْخُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يُشْتَرَطُ لِلْفَسْخِ لَا لِلنَّفَاذِ إذْ النَّفَاذُ ثَابِتٌ بِدُونِ الْخِيَارِ وَهَذَا لِأَنَّهُ بِمُسَاعَدَةِ صَاحِبِهِ عَلَى الشَّرْطِ صَارَ مُسَلَّطًا عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جِهَتِهِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ فِي تَصَرُّفِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ عَلَى عِلْمِهِ كَالْوَكِيلِ إذَا تَصَرَّفَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَكَالْمُخَيَّرَةِ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَضْرَةِ الزَّوْجِ بِأَنْ بَلَغَهَا الْخَبَرُ وَهِيَ غَائِبَةٌ.
وَهَذَا بِخِلَافِ عَزْلِ الْوَكِيلِ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ مَا تَسَلَّطَ عَلَى عَزْلِهِ بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِ الْوَكِيلِ وَبِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَاكَ غَيْرُ مُسَلَّطٍ عَلَى الْفَسْخِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ فَإِذَا تَحَقَّقَ عَجْزُ الْبَائِعِ عَنْهُ تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ فَلَا يَتَحَقَّقُ عَجْزُهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ بِالْفَسْخِ يَلْزَمُ غَيْرُهُ حُكْمًا جَدِيدًا لَمْ يَكُنْ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ تَصَرُّفِهِ فِي حَقِّ ذَلِكَ الْغَيْرِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَالْمُوَكِّلِ إذَا عَزَلَ الْوَكِيلَ حَالَ غَيْبَتِهِ يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَزْلِ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْخِيَارَ وُضِعَ فِي الشَّرْعِ لِاسْتِثْنَاءِ حُكْمِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ أَيْ يَمْنَعُ حُكْمَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمِلْكُ عَنْ الثُّبُوتِ لِعَدَمِ رِضَاءِ صَاحِبِ الْخِيَارِ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ أَوْ الْخِيَارَ دَاخِلٌ فِي الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ بِالْمَنْعِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ يَمْنَعُ دُخُولَ الْمُسْتَثْنَى فِي صَدْرِ الْكَلَامِ فَيَصِيرُ الْعَقْدُ بِهِ أَيْ بِاسْتِثْنَاءِ الْحُكْمِ وَامْتِنَاعِهِ عَنْ الثُّبُوتِ أَوْ بِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ غَيْرَ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ لِفَوَاتِ الِاخْتِيَارِ وَالرِّضَاءِ أَثَرٌ فِي سَلْبِ اللُّزُومِ عَنْ الْعَقْدِ كَمَا فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَالْهَازِلِ ثُمَّ يَفْسَخُ سَائِرَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مِنْ الْوَكَالَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ لَا أَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ لَا مَحَالَةَ يَعْنِي لَا أَنْ يَكُونَ شُرِعَ الْخِيَارُ لِأَجْلِ الْفَسْخِ قَصْدًا بِغَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِهِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله إذْ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْفَسْخِ لَا مَحَالَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهَا ضِدُّ الْفَسْخِ وَكَيْفَ يَكُونُ لِلْفَسْخِ وَفِيهِ سَعْيٌ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ
(فَصْلٌ فِي السُّكْرِ)(وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي)(السُّكْرُ) نَوْعَانِ سُكْرٌ بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ وَسُكْرٌ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ أَمَّا السُّكْرُ بِالْمُبَاحِ مِثْلُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ بِالْقَتْلِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُضْطَرُّ إذَا شَرِبَ مِنْهَا مَا يَرُدُّ بِهِ الْعَطَشَ فَسَكِرَ بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا شَرِبَ دَوَاءً فَسَكِرَ بِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
جِهَتِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ.
، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا نَصَّا عَلَى الْعَقْدِ وَإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لَا عَلَى الْفَسْخِ وَالْفَسْخُ ضِدُّ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبُهُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ كَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِغَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِهِ لَصَحَّ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ لِكَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فِيهَا إذْ هُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهَا بِدُونِ عِلْمِ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ يَتَمَكَّنُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ عَرَفْنَا أَنَّ مُوجِبَهُ رَفْعُ صِفَةِ اللُّزُومِ فَقَطْ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رحمه الله إنَّ الْخِيَارَ كَانَ ثَابِتًا لِلْعَاقِدِ فِي أَصْلِ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ وَإِلْزَامِ الْحُكْمِ جَمِيعًا فَاسْتِثْنَاءُ أَحَدِ الْخِيَارَيْنِ لِيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ لَا يَكُونُ بِإِيجَابِ الْغَيْرِ لَهُ ذَلِكَ وَتَسْلِيطُهُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا بَاعَ الْعَبْدَ إلَّا نِصْفَهُ بَقِيَ النِّصْفُ فِي مِلْكِهِ كَمَا كَانَ لَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَوْجَبَ لَهُ مِلْكَ النِّصْفِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ مُسَاعِدَةَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِعَقْدٍ لَا حُكْمَ لَهُ وَالْعَقْدُ يَقُومُ بِهِمَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ ثُمَّ إذَا رَضِيَ بِهِ فَامْتِنَاعُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْمُثْبِتِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ وِلَايَةَ الْفَسْخِ لَهُ لِانْتِفَاءِ صِفَةِ اللُّزُومِ فِي حَقِّهِ لَا لِلتَّسْلِيطِ فَيَصِيرُ هَذَا أَيْ صَاحِبُ الْخِيَارِ بِالْفَسْخِ مُتَصَرِّفًا عَلَى الْآخَرِ بِمَا فِيهِ إلْزَامٌ أَيْ إلْزَامٌ يُوجِبُ الْفَسْخَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ أَوْ إلْزَامُ الضَّرَرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مُعْتَمِدًا عَلَى صَيْرُورَةِ الْعَقْدِ لَازِمًا فَيَضْمَنُ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِعِلْمِهِ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَحَجْرِ الْمَأْذُونِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رحمه الله يَقُولُ إنَّ الْخِيَارَ وَإِنْ شَابَهُ الِاسْتِثْنَاءَ لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُسَاعَدَةِ صَاحِبِهِ فِي ثُبُوتِ الشَّرْطِ فَأَشْبَهَ التَّسْلِيطَ وَهُمَا نَظَرَا إلَى الْحَقِيقَةِ فَقَالَا لَمَّا كَانَ الْخِيَارُ اسْتِثْنَاءً وَهُوَ مَنْعُ الثُّبُوتِ وَذَلِكَ غَيْرُ ثَابِتٍ يَعْنِي بِمَعْنًى مِنْ الْآخَرِ كَانَ حَقُّ الْفَسْخِ غَيْرَ مُسْنَدٍ إلَى تَسْلِيطِ الْآخَرِ فَشَابَهُ عَزْلَ الْوَكِيلِ فَعَلَى هَذَا الْحَرْفِ تَدُورُ الْمَسْأَلَةُ.
فَإِنْ قِيلَ فَائِدَةُ الْخِيَارِ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْعَقْدِ إلَّا بِرِضَاهُ وَفِي التَّوْقِيفِ عَلَى عِلْمِ صَاحِبِهِ إضْرَارٌ بِهِ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ مُقَدَّرَةٌ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَغِيبَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَتَفُوتَ فَائِدَةُ شَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَلْزَمُهُ بِدُونِ رِضَاهُ قُلْنَا إنَّ التَّصَرُّفَ مَتَى تَوَقَّفَ عَلَى شَرْطِهِ فَامْتِنَاعُ نَفَاذِهِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ لَا يُعَدُّ مِنْ بَابِ الْإِضْرَارِ كَالْمُوَكِّلِ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ الْوَكِيلِ وَتَدَارُكَ حَقِّهِ فِيمَا بَدَا لَهُ مِنْ الْعَزْلِ لِعَدَمِ شَرْطِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِلَا شَرْطِ عَدَالَةٍ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُرْسَلِ وَبَعْدَ الثُّلُثِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِنَفْسِهِ لِلُزُومِ الْعَقْدِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنْ بَلَّغَهُ فُضُولِيٌّ شُرِطَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِوُجُودِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ فِي هَذَا الْخَبَرِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ وَافَقَهُ فِي تَحَقُّقِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ فِيهِ لَكِنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِي مِثْلِ هَذَا الْخَبَرِ عَدَدًا وَلَا عَدَالَةً وَنَفَذَ الْفَسْخُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ عِلْمُ صَاحِبِهِ بِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَبَعْدَ الثَّلَاثِ لَا يَصِحُّ التَّبْلِيغُ وَإِنْ وُجِدَ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ جَمِيعًا لِصَيْرُورَةِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مَا يُمْضِي الْمُدَّةَ وَبَطَلَ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ حُصُولُ الْعِلْمِ فِي الْمُدَّةِ وَاشْتِرَاطُ الثَّلَاثِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَيُعْتَبَرُ نَفْسُ الْمُدَّةِ ثُلُثًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.