الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيَطْلُبُ وُجُوهَ الْمَقَايِيسِ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً عَلَى مَا عُرِفَ شَرْحُهُ فِي مَوْضِعِهِ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الرَّابِعُ وَهُوَ
الْمُنَاقَضَةُ
فَيُلْجِئُ إلَى الْقَوْلِ بِالْأَثَرِ أَيْضًا مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ أَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ فَكَيْفَ افْتَرَقَتَا؛ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا كَانَ بَاطِلًا بِلَا شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ افْتَرَقَا فِي عَدَدِ الْأَعْضَاءِ.
ــ
[كشف الأسرار]
مُوجِبِ الْعَقْدِ يَكُونُ فَاسِدًا وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَمَكُّنُ الْمَوْلَى مِنْ الْفَسْخِ عِنْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ عَجُزٌ عَنْ أَدَاءِ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لُزُومُ الْبَدَلِ عَلَى أَنْ يَصِيرَ مِلْكًا لِلْمَوْلَى بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِالْأَدَاءِ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ لَا يَسْبِقُ الْأَدَاءَ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ فَقَدْ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ مُوجِبُ الْعَقْدِ فِيهِ.
فَأَمَّا مُوجِبُ الْعَقْدِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَمَلَكَ الثَّمَنَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً.
وَذَلِكَ قَدْ تَمَّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَبِسَبَبِ الْإِفْلَاسِ لَا يَتَمَكَّنُ الْخَلَلُ فِيمَا هُوَ مُوجِبُ الْعَقْدِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي بِهِ حَقُّ الْفَسْخِ كَذَا ذَكَر شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فِي الْأَصْلِ وَضَعَ الشَّرْعُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَنَّ قَوْلَهُ وَالْبَيَّاعَاتُ إلَى آخِرِهِ مُتَعَلِّقُ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَوَجْهُ إيرَادِ الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى التَّبَايُعَ مُدَايَنَةً فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعْنَى الدَّيْنِيَّةِ لِيَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ بِهَا وَلَيْسَ مَعْنَى الدَّيْنِيَّةِ فِي جَانِبِ الْمَبِيعِ إذْ الشَّرْطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا فَثَبَتَ أَنَّهُ فِي جَانِبِ الثَّمَنِ فَكَانَ فِي الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّمَنِ الدَّيْنِيَّةُ وَأَنَّ الْمُبَايَعَةَ لِالْتِزَامِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ هُوَ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ فِي أَكْثَرِ الْأَقَاوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَيُطْلَبُ وُجُوهُ الْمَقَايِيسِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَعْيِينِ النُّقُودِ فَإِنَّهُمْ اعْتَبَرُوا النُّقُودَ بِالسِّلَعِ فِي الْبَيْعِ وَبِالتَّبَرُّعَاتِ وَبِالْغَصْبِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْكُلِّ فَاسِدُ الْوَضْعِ أَوْ أُرِيدَ بِوُجُوهِ الْمَقَايِيسِ الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ وَالِاسْتِحْسَانُ وَالْقِيَاسُ الطَّرْدِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ فَاسِدًا فِي وَضْعِهِ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذِهِ الْأَقْيِسَةُ؛ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى صَلَاحِ الْوَصْفِ وَمَعَ فَسَاد الْوَصْفِ لَا يَكُونُ الْوَصْفُ صَالِحًا كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنْوَاعَ الْمَقَايِيسِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَمْثِلَةِ فَسَادِ الْوَضْعِ جُمْلَةً كَمَا صَرَّحَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رحمه الله بِهِ فِي التَّقْوِيمِ فَقَالَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ أَحْسَنُ عِلَلِهِمْ وَأَظْهَرُهَا لِلْقُلُوبِ صِحَّةً وَأَبْيَنُهَا فِقْهًا فَيُعْرَفُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ أَكْثَرَ عِلَلِهِمْ لَا يَخْلُو عَنْ فَسَادِ الْوَضْعِ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّأْثِيرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ بِلَا خِلَافٍ وَهَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَيْضًا.
وَالْمَقَايِيسُ جَمْعُ مِقْيَاسٍ وَهُوَ مِنْ أَوْزَانِ الْآلَةِ فَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي هِيَ آلَاتُ الْأَقْيِسَةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَاطِلَةٌ أَوْ الْمُرَادُ بِالْمَقَايِيسِ نَفْسُ الْأَقْيِسَةِ وَالضَّمِيرُ فِي شَرْحِهِ رَاجِعٌ إلَى الْبُطْلَانِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ فَبَطَلَتْ وَفِي مَوْضِعِهِ إلَى الشَّرْعِ وَمَوْضِعُ الشَّرْحِ الْكُتُبُ الطِّوَالُ مِثْلُ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِمَا.
[الْمُنَاقَضَةُ]
قَوْلُهُ (وَأَمَّا النَّوْعُ الرَّابِعُ) مِنْ أَقْسَامِ أَوَّلِ الْبَابِ وَهُوَ الْمُنَاقَضَةُ وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهَا فَيُلْجِئُ أَصْحَابُ الطَّرْدِ إلَى الْقَوْلِ بِالْأَثَرِ أَيْضًا مِثْلُ الْأَقْسَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ الطَّرْدَ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الْمُجِيبُ لَمَّا انْتَقَضَ بِمَا أَوْرَدَهُ السَّائِلُ مِنْ النَّقْضِ لَا يَجِدُ الْمُجِيبُ بُدًّا مِنْ الْمُخْلِصِ عَنْهُ بِبَيَانِ الْفَرْقِ وَعَدَمِ وُرُودِهِ بِقَضَاءٍ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعُدُولِ عَنْ ظَاهِرِ الطَّرْدِ إلَى بَيَانِ الْمَعْنَى.
وَهَذَا إنْ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ انْقِطَاعًا لَوْ سَامَحَهُ السَّائِلُ وَلَمْ يُنَاقِشْهُ فِي الشُّرُوعِ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ وَالتَّأْثِيرِ فَأَمَّا إذَا جُعِلَ انْقِطَاعًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ وَلَمْ يُسَامِحْهُ السَّائِلُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: احْتَجَجْت عَلَيَّ بِاطِّرَادِ هَذَا الْوَصْفِ وَقَدْ انْتَقَضَ ذَلِكَ بِمَا أَوْرَدْتُهُ فَلَمْ يَبْقَ حُجَّةً فَلَا يَنْفَعُهُ بَيَانُ التَّأْثِيرِ وَالشُّرُوعُ فِي الْفَرْقِ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ انْتِفَالٌ عَنْ حُجَّةٍ وَهِيَ الطَّرْدُ إلَى حُجَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ التَّأْثِيرُ لِإِثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ الْأَوَّلِ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ فَيُضْطَرُّ إلَى التَّمَسُّكِ بِالتَّأْثِيرِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الطَّرْدِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ الْمَجَالِسِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ أَنَّهُمَا طَهَارَتَا صَلَاةٍ فَكَيْفَ افْتَرَقَتَا.
وَفِي قَدْرِ الْوَظِيفَةِ وَفِي نَفْسِ الْفِعْلِ وَإِنْ قَالَ: وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي النِّيَّةِ انْتَقَضَ ذَلِكَ بِغَسْلِ الثَّوْبِ وَغَسْلِ الْبَدَنِ عَنْ النَّجَاسَةِ فَيُضْطَرُّ إلَى بَيَانِ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْوُضُوءَ تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ بِالْعَيْنِ نَجَاسَةٌ فَكَانَ كَالتَّيَمُّمِ فِي شَرْطِ النِّيَّةِ لِتَحْقِيقِ التَّعَبُّدِ بِخِلَافِ غَسْلِ النَّجَسِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ عَامِلٌ بِطَبْعِهِ وَكَانَ الْقِيَاسُ غَسْلَ كُلِّ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ النَّجَاسَةِ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالْحَدَثِ وَإِنَّمَا الْبَدَنُ مَوْصُوفٌ فَوَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ.
ــ
[كشف الأسرار]
هُوَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ أَيْ فَلَا تَفْتَرِقَانِ وَهَذِهِ نُكْتَةٌ مَنْقُولَةٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ: وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا يَعْنِي أَنَّهُ أَنْكَرَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْحُكْمَ فَإِنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ بَاطِلًا بِلَا شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ وَالْوُضُوءَ قَدْ افْتَرَقَا فِي عَدَدِ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يُؤَدَّى فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَالْأُخْرَى يُؤَدَّى فِي عُضْوَيْنِ.
وَفِي قَدْرِ الْوَظِيفَةِ حَتَّى سُنَّ التَّكْرَارُ إلَى الثَّلَاثِ فِي الْوُضُوءِ وَكُرِهَ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ وَظِيفَةَ الْوُضُوءِ الِاسْتِيعَابُ بِالْمَاءِ وَالِاسْتِيعَابُ بِالتُّرَابِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّيَمُّمِ بِالْإِجْمَاعِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِيعَابِ بِمَسْحٍ فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا بَلْ مَسْحُ الْأَكْثَرِ كَافٍ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُشْتَرَطُ أَوْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِلْزَامِ عَلَى مَذْهَبِ الْخَصْمِ فَإِنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله التَّيَمُّمُ إلَى الرُّسْغِ فِي قَوْلِهِ التَّقْوِيمُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ وَفِي نَفْسِ الْفِعْلِ يَعْنِي الْفِعْلُ وَاجِبٌ فِي أَحَدِهِمَا مَسْحٌ وَهُوَ الْإِصَابَةُ وَفِي الْآخَرِ غَسْلٌ وَهُوَ الْإِسَالَةُ وَهُمَا مُفْتَرَقَانِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْفِعْلَ فِي أَحَدِهِمَا تَلْوِيثٌ حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ تَطْهِيرٌ وَتَنْظِيفٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ نَفْسَ الْفِعْلِ فِي التَّيَمُّمِ شَرْطٌ دُونَ الْوُضُوءِ حَتَّى لَوْ قَامَ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ أَوْ مَوْضِعِ هَدْمِ حَائِطٍ فَأَصَابَ الْغُبَارُ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ أَوْ ذَرَّ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ تُرَابًا لَمْ يُجْزِهِ عَنْ التَّيَمُّمِ حَتَّى يَمْسَحَ وَيَنْوِيَ التَّيَمُّمَ وَلَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ وَأَصَابَهُ مَطَرٌ وَسَالَ عَلَى أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ يَصِيرُ مُتَوَضِّئًا مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ.
وَإِنْ قَالَ: وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي النِّيَّةِ أَيْ قَيَّدَ الِاسْتِوَاءَ بِالنِّيَّةِ وَهُوَ الْغَرَضُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ انْتَفَضَ ذَلِكَ بِغَسْلِ الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ فَيُضْطَرُّ الْمُجِيبُ عِنْدَ ذَلِكَ إلَى بَيَانِ التَّأْثِيرِ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِهِ النَّقْضُ وَيَقَعُ بِهِ الْفَرْقُ وَهُوَ أَنَّ الْوُضُوءَ تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ أَيْ تَعَبُّدِيٌّ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ فِي الْعَيْنِ أَيْ مَحَلِّ وُجُوبِ الْغُسْلِ نَجَاسَةٌ تَزُولُ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَهُوَ حَامِلٌ مُحْدِثٌ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَالْمَحَلُّ الَّذِي قَامَ بِهِ النَّجَاسَةُ وَهُوَ الْمَخْرَجُ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ كَانَ مِثْلَ التَّيَمُّمِ إلَّا أَنَّ مَعْنَى التَّعَبُّدِ فِي التَّيَمُّمِ فِي الْآلَةِ وَفِي الْوُضُوءِ فِي الْمَحَلِّ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى التَّعَبُّدِ إذْ الْعِبَادَةُ لَا تَتَأَدَّى بِدُونِ النِّيَّةِ.
بِخِلَافِ غَسْلِ النَّجَسِ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى إذْ الْمَقْصُودُ فِيهِ إزَالَةُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْمَحَلِّ لَا مَعْنَى التَّعَبُّدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ رحمه الله أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ النِّيَّةُ شَرْطًا فِي الْأَصْلِ لَمَا كَانَتْ شَرْطًا فِي الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لِتَحْصِيلِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَمَتَى لَمْ يَكُنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ ثَابِتًا فِي الْأَصْلِ لَا يَثْبُتُ فِي الْبَدَلِ كَمَا فِي إبْدَالِ الْغُصُوبِ وَعَكْسُهُ إبْدَالُ الْكَفَّارَاتِ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْ فِي الْغُسْلِ عَامِلٌ أَيْ فِي التَّطْهِيرِ بِطَبْعِهِ كَمَا أَنَّهُ مُزِيلٌ وَمُرٌّ بِطَبْعِهِ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ طَهُورًا فِي الْأَصْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَالطَّهُورُ هُوَ الطَّاهِرُ بِنَفْسِهِ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ كَذَا فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ أَوْ هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي صِفَةِ الطَّهَارَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَعْمَلُ فِي التَّطْهِيرِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَمَا يَعْمَلُ فِي الرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَكَمَا تَعْمَلُ النَّارُ فِي الْإِحْرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِ هُوَ تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ بَالِغِينَ نَجَاسَةً فَقَالَ وَكَانَ الْقِيَاسُ غَسْلَ كُلِّ الْبَدَنِ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ تَنَجَّسَ بَدَنُهُ حَقِيقَةً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِخُرُوجِ
إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ اقْتَصَرَ عَلَى أَطْرَافِ الْبَدَنِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ مِثْلُ حُدُودِ الْبَدَنِ وَأُمَّهَاتِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى تَيْسِيرًا فِيمَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ وَيُعْتَادُ تَكْرَارُهُ وَأَقَرَّ عَلَى الْقِيَاسِ فِيمَا لَا حَرَجَ فِيهِ وَهُوَ الْمَنِيُّ وَدَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَلَمْ يَكُنْ التَّعَدِّي عَنْ مَوْضِعِ الْحَدَثِ إلَّا قِيَاسًا وَإِنَّمَا نَعْنِي بِالنَّصِّ الَّذِي لَا يُعْقَلُ وَصْفُ مَحَلِّ الْغُسْلِ مِنْ الطَّهَارَةِ إلَى الْخَبَثِ فَأَمَّا الْمَاءُ فَعَامِلٌ بِطَبْعِهِ وَالنِّيَّةُ لِلْفِعْلِ الْقَائِمِ بِالْمَاءِ لَا لِلْوَصْفِ بِالْمَحَلِّ فَكَانَ مِثْلَ غَسْلِ النَّجَسِ بِخِلَافِ التُّرَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْقَلْ مُطَهِّرًا وَإِنَّمَا صَارَ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ صِحَّةِ الْإِرَادَةِ وَصَيْرُورَتِهِ مُطَهِّرًا يَسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ أَيْضًا.
ــ
[كشف الأسرار]
النَّجَاسَةِ يَثْبُتُ صِفَةُ الْحَدَثِ بِلَا شُبْهَةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَخْرَجَ النَّجَاسَةِ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالْحَدَثِ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ دُبُرُ مُحْدِثٍ وَلَا فَرْجُ حَائِضٍ وَإِنَّمَا الْبَدَنُ كُلُّهُ مَوْصُوفٌ بِهِ أَيْ بِالْحَدَثِ شَرْعًا وَعُرْفًا وَحَقِيقَةً.
أَمَّا شَرْعًا فَلِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَإِنْ غَسَلَ الْمَخْرَجَ وَأَمَّا عُرْفًا فَلِأَنَّهُ يُقَالُ: رَجُلٌ مُحْدِثٌ وَامْرَأَةٌ حَائِضٌ كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ عَالِمٌ وَمُؤْمِنٌ وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ وَالْإِيمَانُ قَائِمَيْنِ بِالْقَلْبِ وَأَمَّا حَقِيقَةً فَلِأَنَّ نَفْيَهُ لَا يَصِحُّ لَا يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِمُحْدِثٍ وَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَالِمٍ وَإِنَّمَا الْمُحْدِثُ فَرْجُهُ وَالْعَالِمُ قَلْبُهُ بَلْ يُكَذَّبُ نَافِيهِ كَذَا قِيلَ فَثَبَتَ أَنَّ الْبَدَنَ كُلَّهُ مَوْصُوفٌ بِالْحَدَثِ دُونَ مَوْضِعِ الْخُرُوجِ أَلَا تَرَى أَنَّ غَسْلَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمَوْصُوفَ بِالْحَدَثِ لَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِوُجُوبِ الْغَسْلِ.
وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ غَسْلُ كُلِّ الْبَدَنِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ اقْتَصَرَ إلَى آخِرِهِ يَعْنِي، لَكِنَّ الشَّرْعَ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْأَعْضَاءِ تَيْسِيرًا وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ فِي الْحَدَثِ الَّذِي يَكْثُرُ وُقُوعُهُ وَعَيَّنَ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ؛ لِأَنَّهَا حُدُودُ الْبَدَنِ فَإِنَّ بِالرَّأْسِ وَالرِّجْلِ يَنْتَهِي طَرَفَا الطُّولِ وَبِالْيَدَيْنِ يَنْتَهِي طَرَفَا الْعَرْضِ وَهِيَ أُمَّهَاتُ الْبَدَنِ أَيْ أُصُولٌ فِي مَعْنَى الْغَسْلِ؛ لِأَنَّهَا مَوَاقِعُ النَّظَرِ إلَيْهَا وَمَحَالُّ إصَابَةِ الْغُبَارِ وَغَيْرِهِ لِظُهُورِهَا وَكَذَا إقَامَةُ الْغَسْلِ فِيهَا أَيْسَرُ مِنْ إقَامَتِهِ فِي غَيْرِهَا فَكَانَتْ أَوْلَى بِالتَّنْظِيفِ وَالتَّطْهِيرِ فَلَمْ يَكُنْ التَّعَدِّي أَيْ تَعَدِّي وُجُوبِ الْغَسْلِ عَنْ مَوْضِعِ الْحَدَثِ وَهُوَ الْمَخْرَجُ إلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ إلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ إلَّا مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ لِاتِّصَافِ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِالْحَدَثِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ كَمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ الْمُقْتَضِي لِغَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَذَلِكَ لَا يَجْعَلُ الْغَسْلَ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بَلْ عَدَمُ غَسْلِ غَيْرِهَا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِالنَّصِّ الَّذِي لَا يُعْقَلُ كَذَا يَعْنِي إنَّمَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِنَا النَّصُّ الْمُوجِبُ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] الْآيَةُ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى أَنَّ الثَّابِتَ بِهِ وَهُوَ وَصْفُ مَحَلِّ الْغَسْلِ بِالْخَبَثِ غَيْرُ مَعْقُولٍ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ بِالنَّصِّ الَّذِي لَا يُعْقَلُ يَعْنِي الثَّابِتُ بِهَذَا النَّصِّ تَغَيُّرُ وَصْفِ مَحَلِّ الْغَسْلِ مِنْ الطَّهَارَةِ إلَى الْخَبَثِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَدَثِ وَإِنْ ثَبَتَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عُرْفًا وَشَرْعًا، لَكِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ حِسًّا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ضَرُورَةُ الْأَمْرِ بِالتَّطْهِيرِ إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ثُبُوتِ خَبَثٍ فِي الْمَحَلِّ لِيَكُونَ الْغَسْلُ فِيهِ إزَالَةُ الْخَبَثِ فَكَانَ إثْبَاتُهُ فِي الْمَحَلِّ أَمْرًا حُكْمِيًّا غَيْرَ مَعْقُولٍ لِطَهَارَةِ الْأَعْضَاءِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا فَإِنَّ الْمُحْدِثَ لَوْ غَمَسَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يَتَنَجَّسُ.
وَهَذِهِ النُّسْخَةُ أَصَحُّ فَإِنَّ الشَّيْخَ قَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ أَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ تَغَيُّرُ مَحَلِّ الطَّهَارَةِ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ حَتَّى أَعْطَى لَهُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ نَصًّا غَيْرُ مَعْقُولٍ فَلَمْ يَكُنْ تَغْيِيرًا لِصِفَةِ الْمُطَهِّرِ وَهُوَ الْمَاءُ فَبَقِيَ الْمَاءُ مُطَهِّرًا بِطَبْعِهِ مَعْقُولًا عَلَى مَا كَانَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ قَوْلَهُ وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ بِالنَّصِّ كَذَا دَفْعًا لِسُؤَالٍ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ تَطْهِيرَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَمَّا كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ بِسَائِرِ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ عَلَى أَصْلِكُمْ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَقَالَ: النَّجَاسَةُ فِي الْأَعْضَاءِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى وَالشَّرْعُ أَثْبَتَ النَّجَاسَةَ فِي حَقِّ الْمَاءِ فَبَقِيَتْ النَّجَاسَةُ عَدَمًا فِي حَقِّ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ فَأَمَّا الْمَاءُ فَعَامِلٌ بِطَبْعِهِ أَيْ مُطَهِّرٌ وَمُزِيلٌ لِلْخَبَثِ بِطَبْعِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَمَلُهُ عَلَى قَصْدٍ وَإِرَادَةٍ.
وَالنِّيَّةُ لِلْفِعْلِ الْقَائِمِ بِالْمَاءِ وَهُوَ التَّطْهِيرُ يَعْنِي لَوْ شُرِطَتْ النِّيَّةُ إنَّمَا تُشْتَرَطُ لِيَصِيرَ الْمَاءُ مُطَهِّرًا إلَّا لَأَنْ يَثْبُتَ خَبَثٌ فِي الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ
وَمَسْحُ الرَّأْسِ مُلْحَقٌ بِالْغَسْلِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَانْتِقَالِهِ إلَيْهِ بِضَرْبٍ مِنْ الْحَرَجِ فَثَبَتَ أَنَّ النِّيَّةَ لَا يُشْتَرَطُ.
ــ
[كشف الأسرار]
فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ النِّيَّةِ وَلِهَذَا كَانَ الشَّرْطُ عِنْدَ الْخَصْمِ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ لَا إثْبَاتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْفِعْلَ الْقَائِمَ بِالْمَاءِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى النِّيَّةِ بَلْ هُوَ عَامِلٌ بِطَبْعِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْخَبَثُ فِي الْمَحَلِّ مَعْقُولًا أَوْ غَيْرَ مَعْقُولٍ فَكَانَ أَيْ غَسْلُ هَذَا الْمَحَلِّ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ الْحَدَثُ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى مِثْلَ غَسْلِ النَّجَسِ فِي عَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَى النِّيَّةِ.
بِخِلَافِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ مُلَوَّثٌ بِطَبْعِهِ فَكَانَ إثْبَاتُ التَّطْهِيرِ بِهِ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَيُحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ لِيَظْهَرَ فِعْلُهُ عَلَى خِلَافِ طَبْعِهِ وَيَصِيرَ مُطَهَّرًا أَوْ بَعْدَمَا صَارَ مُطَهَّرًا بِالنِّيَّةِ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ اسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ كَمَا اسْتَغْنَى الْمَاءُ عَنْهَا وَتَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَمَا فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَثَبَتَ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ إنَّمَا الْمُفَارَقَةُ فِي صِفَةِ الطَّهُورِيَّةِ لِلْآلَةِ وَأَنَّهُ لَا مُتَمَسَّكَ لِلْخَصْمِ فِي مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ بَلْ هُوَ دَلِيلٌ لَنَا قَوْلُهُ (وَمَسْحُ الرَّأْسِ مُلْحَقٌ بِالْغَسْلِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْمَسْحَ شُرِعَ فِي الْوُضُوءِ مُطَهِّرًا أَوْ هُوَ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فِي التَّطْهِيرِ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ فِي تَكْثِيرِ النَّجَاسَةِ لَا فِي إزَالَتِهَا فَكَانَ مِثْلَ التُّرَابِ فِي أَنَّهُ مُلَوِّثٌ لَا مُطَهِّرٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْرَطَ فِيهِ النِّيَّةُ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ فَقَالَ: هُوَ مُلْحَقٌ بِالْغَسْلِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْغَسْلِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْغُسْلُ لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَيْهِ كَسِرَايَتِهِ إلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ انْتَقَلَ مِنْ الْغَسْلِ إلَى الْمَسْحِ بِسَبَبِ ضَرْبٍ مِنْ الْحَرَجِ فَإِنَّ فِي غَسْلِ الرَّأْسِ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ خُصُوصًا فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ لِمَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ كَثِيرٌ حَرَجًا عَظِيمًا وَفِيهِ إفْسَادُ الثِّيَابِ وَالْعَمَائِمِ وَالْقَلَانِسِ فَشُرِعَ فِيهِ الْمَسْحُ ابْتِدَاءً تَخْفِيفًا وَتَيْسِيرًا وَلَمَّا قَامَ الْمَسْحُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَقَامَ الْغَسْلِ أَخَذَ حُكْمَهُ فَاسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ كَالْغَسْلِ وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ غُسْلٌ فَيُعْتَبَرُ الْجُزْءُ فِيهِ بِالْكُلِّ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي الْأَسْرَارِ فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ لَا بِفِعْلِنَا إلَّا أَنَّهُ إذَا قَالَ حَتَّى لَمْ يَكُنْ سَيَّالًا ضَعُفَ عَنْ التَّطْهِيرِ لِلنَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ لِأَنَّ تَطْهِيرَهَا بِإِزَالَةِ عَيْنِهَا وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ النَّجَاسَةُ ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّهَا حُكْمِيَّةٌ دُونَ الْعَيْنِ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ الْإِزَالَةِ لِإِفَادَةِ الطُّهْرِ فَصَارَ الْبَلَلُ كَالسَّائِلِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْإِزَالَةِ فِي إفَادَةِ الطُّهْرِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُشْتَرَطَ) أَيْ النِّيَّةُ لِيَصِيرَ الْوُضُوءُ قُرْبَةً جَوَابٌ عَنْ طَرِيقَةٍ أُخْرَى سَلَكَهَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ أَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلٍ يُؤْتَى بِهِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ وَحُكْمُهُ الثَّوَابُ وَكُلُّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْوُضُوءِ وَقَالَ النَّبِيُّ «الطَّهَارَةُ عَلَى الطَّهَارَةِ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ عِبَادَةً لَا يَتَأَدَّى بِدُونِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَهُ بِشَرْطِ الْإِخْلَاصِ وَالْإِخْلَاصُ عَمَلُ الْقَلْبِ بِالنِّيَّةِ بِجِهَةِ الْأَمْر إلَّا أَنَّ هَذِهِ الطَّهَارَةَ تَتَأَدَّى بِالتُّرَابِ فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ الْحَقِيقِيَّةَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ بَلْ الْمَطْلُوبُ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ النِّيَّةِ فَقَالَ: إنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّيَّةَ لِيَصِيرَ الْوُضُوءُ قُرْبَةً شَرْطٌ وَإِنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهِ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ النِّيَّةِ.
، لَكِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَيْ الْوُضُوءَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا قُرْبَةً بَلْ الْوُضُوءُ الْمَشْرُوعُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ شُرِعَ بِطَرِيقِ الْقُرْبَةِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَنَوْعٌ شُرِعَ تَطْهِيرًا مُجَرَّدًا وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ النِّيَّةِ كَغَسْلِ الثَّوْبِ يَعْنِي إذَا نَوَى غَسْلَ الثَّوْبِ لِلصَّلَاةِ وَقَعَ عِبَادَةً مُوجِبَةً لِلثَّوَابِ وَإِذَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ وَقَعَ مُعْتَبَرًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عِبَادَةً حَتَّى جَازَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الطَّهَارَةُ دُونَ الْقُرْبَةِ وَالصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا يَسْتَغْنِي عَنْ وَصْفِ الْقُرْبَةِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ الَّتِي أَوْجَبَتْ اشْتِرَاطَ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ لَا تَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقِ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِوَصْفِ الْقُرْبَةِ
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ لِتَصِيرَ قُرْبَةً؛ لِأَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّيَّةَ لِتَصِيرَ قُرْبَةً شَرْطٌ لَكِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا قُرْبَةٌ بَلْ شُرِعَ بِوَصْفِ الْقُرْبَةِ وَبِوَصْفِ التَّطْهِيرِ أَيْضًا كَغَسْلِ الثَّوْبِ وَالصَّلَاةُ تَسْتَغْنِي فِي ذَلِكَ عَنْ وَصْفِ الْقُرْبَةِ وَإِنَّمَا تَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى وَصْفِ التَّطْهِيرِ حَتَّى إنَّ مَنْ تَوَضَّأَ لِلنَّفْلِ صَلَّى بِهِ الْفَرَائِضَ وَمَنْ تَوَضَّأَ لِلْفَرْضِ صَلَّى بِهِ غَيْرَهُ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي النِّكَاحِ إنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْبَكَارَةِ وَكُلُّ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَيَضْطَرُّهُ إلَى الْفِقْهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَكَانَ حُجَّةً فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَمَا يُبْتَذَلُ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَيَظْهَرُ بِهِ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ ضَرُورِيَّةٌ بَلْ هِيَ أَصْلِيَّةٌ إلَّا أَنَّ فِيهَا ضَرْبَ شُبْهَةٍ.
ــ
[كشف الأسرار]
وَلِأَنَّهَا لَا نِهَايَةَ فِي الْعِبَادَاتِ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى قُرْبَةٍ أُخْرَى لِيَصِيرَ عِبَادَةً كَذَا فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ فِيهِ أَيْ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ مِنْ شَرْطِهَا إلَى وَصْفِ التَّطْهِيرِ لِيَصِيرَ الْعَبْدُ بِهِ أَهْلًا لِلْقِيَامِ فِي مَقَامِ الْمُنَاجَاةِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] .
وَقَوْلُهُ عليه السلام «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ» وَكَذَا فِي تَسْمِيَتِهِ وُضُوءًا وَطَهَارَةً دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَهَذَا الْوَصْفُ يَحْصُلُ بِدُونِ النِّيَّةِ حَتَّى إنَّ مَنْ تَوَضَّأَ لِكَذَا صَلَّى بِهِ غَيْرَهُ لِبَقَاءِ صِفَةِ الطَّهَارَةِ إذْ لَوْ احْتَاجَتْ الصَّلَاةُ إلَى وَصْفِ الْقُرْبَةِ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقُرْبَةِ قَدْ انْتَهَى بِفَرَاغِهِ عَنْ الصَّلَاةِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي حَالَةِ الْوُضُوءِ وَإِنَّمَا النَّافِي وَصْفُ الطَّهَارَةِ لَا غَيْرُ وَلَمَّا جَازَتْ بِالْإِجْمَاعِ عَرَفْنَا أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِوَصْفِ التَّطْهِيرِ لَا بِوَصْفِ الْقُرْبَةِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَشَايِخِنَا يَظُنُّونَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنْ الْوُضُوءِ يَتَأَدَّى بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَذَلِكَ غَلَطٌ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ عِبَادَةٌ وَالْوُضُوءُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، وَلَكِنَّ الْعِبَادَةَ مَتَى لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً سَقَطَتْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِ الْعِبَادَةِ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْجِهَادِ وَنَحْوِهِمَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا التَّمَكُّنُ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ فَإِذَا طَهُرَتْ الْأَعْضَاءُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَأَنْ سَقَطَ الْأَمْرُ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ يَسْقُطُ بِسَعْيٍ لَا لِلْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْجُمُعَةِ بِالْحُصُولِ فِي الْمَسْجِدِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ حَصَلَ سَقَطَ الْأَمْرُ قَوْلُهُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَوْلُهُ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ اعْتِبَارًا بِالْحُدُودِ.
وَهُوَ أَيْ هَذَا التَّعْلِيلُ بَعْدَ كَوْنِهِ تَعْلِيلًا بِالْعَدَمِ الَّذِي هُوَ احْتِجَاجٌ بِلَا دَلِيلٍ بَاطِلٌ أَيْ مُنْتَقِضٌ بِالْبَكَارَةِ وَكُلُّ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ مِنْ الْوِلَادَةِ وَالْعُيُوبِ الَّتِي فِي مَوَاضِعِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُنَّ فِيهَا مَقْبُولَةٌ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ فَيُضْطَرُّ وُرُودُ هَذَا النَّقْضِ الْمُعَلَّلِ الطَّارِدِ إلَى الْفِقْهِ أَيْ إلَى الرُّجُوعِ إلَى الْمَعْنَى الْفِقْهِيِّ الَّذِي بَنَى الشَّافِعِيُّ هَذَا الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَهُوَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَةً أَوْ مُنْضَمَّةً إلَى شَهَادَةِ الرِّجَالِ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ عِنْدَ الْخَصْمِ وَأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَقَلَ الْأَمْرَ إلَى النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ بِشَرْطِ عَدَمِ الرِّجَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] كَمَا نَقَلَ أَمْرَ الطَّهَارَةِ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ أَصْلِيَّةٍ وَإِنَّمَا صِيرَ إلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ وَكَذَا نُقْصَانُ عَقْلِهِنَّ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَقِلَّةُ ضَبْطِهِنَّ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَاخْتِلَالُ وِلَايَتِهِنَّ فِي الْإِمَارَاتِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مُخِلَّةٌ بِمَا هُوَ الرُّكْنُ فِي الشَّهَادَةِ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهَا عَدَمَ الْقَبُولِ فَكَانَتْ حُجَّةً بِانْفِرَادِهَا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ مِثْلَ الْبَكَارَةِ وَمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَمُنْضَمَّةً إلَى شَهَادَةِ الرِّجَالِ فِيمَا يُبْتَذَلُ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ أَمْوَالٌ؛ لِأَنَّهَا لِلْبِذْلَةِ وَالتِّجَارَةُ دَائِمَةٌ بَيْنَ النَّاسِ وَأَكْثَرَ مَا يَقَعُ فِي بَابِهَا وَكَذَا الْمُبَايَعَاتُ تَقَعُ بَغْتَةً وَرُبَّمَا يَتَعَذَّرُ إحْضَارُ الذُّكُورِ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُنَّ فِي ذَلِكَ الْبَابِ لَضَاقَ الْأَمْرُ فَقُبِلَتْ تَوْسِعَةً وَدَفْعًا لِلضَّرُورَةِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ السَّبَبُ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ كَوْنَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ مَالًا أُقِيمَ هَذَا السَّبَبُ مُقَامَ الْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ عِنْدَ الْعَدَمِ فَقُبِلَتْ وَإِنْ فُقِدَتْ الْحَاجَةُ بِوُجُودِ الرِّجَالِ تَوْسِعَةً كَمَا أُقِيمَ السَّفَرُ مُقَامَ الْمَشَقَّةِ.
بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْأَبْضَاعِ وَلَمْ يَجُزْ الِابْتِذَالُ وَالْإِبَاحَةُ فِيهَا فَكَانَتْ أَعْظَمَ خَطَرًا مِنْ الْأَمْوَالِ وَلِهَذَا اخْتَصَّ النِّكَاحُ بِشَرْطِ الشَّهَادَةِ وَالْوَلِيِّ وَلَا يُوجَدُ فِيهِ الضَّرُورَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بَغْتَةً وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ تَدَبُّرٍ وَتَشَاوُرٍ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَاعْتِبَارُ شَهَادَتِهِنَّ فِيمَا فِيهِ