الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(العينة والتورق)
تعريف العينة والتورق لغة وشرعا:
العينة: بكسر العين المهملة ثم ياء تحتية ساكنة ثم نون قال الجوهري: العينة بالكسر السلف، وقال في القاموس: وعين أخذ بالعينة بالكسر أي السلف أو أعطى بها، قال: والتاجر باع سلعته بثمن إلى أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن. اهـ.
قال الرافعي: وبيع العينة هو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر اهـ. قال ابن رسلان في شرح السنن: وسميت هذه المبايعة عينة لحصول النقد لصاحب العينة لأن العين هو المال الحاضر، والمشتري إنما يشتري بها ليبيعها بعين حاضرة، تصل إليه من فوره ليصل بها إلى مقصوده. اهـ. من نيل الأوطار.
وأما التورق فقال صاحب القاموس:
وتورقت الناقة أكلت الورق، وما زلت منك موارقا: قريبا مدانيا، والتجارة مورقة للمال كمجلبة: مكثرة.
ويأتي زيادة بيان لذلك فيما نقل من آراء الفقهاء في الفقرة الثانية إن شاء الله.
آراء الفقهاء في حكم العينة والتورق مع التوجيه والمناقشة:
أ - قال صاحب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1) في الكلام على ما حرم احتياطا لما فيه من شبهة الربا، لحديث «الحلال بين والحرام بين
(1) ج 7 - 3142، 3143.
وبينهما أمور مشتبهات (1)» وحديث «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (2)» .
قال: وعلى هذا يخرج ما إذا باع رجل شيئا نقدا أو نسيئة وقبضه المشتري ولم ينقد ثمنه أنه لا يجوز لبائعه أن يشتريه من مشتريه بأقل من ثمنه الذي باعه منه عندنا، وعند الشافعي رحمه الله يجوز.
وجه قوله أن هذا بيع لمستجمع شرائط جوازه، وخلا عن الشروط المفسدة إياه فلا معنى للحكم بفساده كما إذا اشتراه بعد نقد الثمن.
ولنا ما روي أن امرأة جاءت إلى سيدتنا عائشة رضي الله عنها وقالت: (إني ابتعت خادما من زيد بن أرقم بثمانمائة ثم بعتها منه بستمائة، فقالت سيدتنا عائشة رضي الله عنها: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أبلغي زيدا أن الله تعالى قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب.
ووجه الاستدلال به من وجهين:
أحدهما: أنها ألحقت بزيد وعيدا لا يوقف عليه بالرأي، وهو بطلان الطاعة بما سوى الردة فالظاهر أنها قالته سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يلتحق الوعيد إلا بمباشرة المعصية فدل على فساد البيع لأن البيع الفاسد معصية.
والثاني: أنها رضي الله عنها سمت ذلك بيع سوء وشراء سوء، والفاسد هو الذي يوصف بذلك لا الصحيح، ولأن في هذا البيع شبهة بالربا؛ لأن الثمن الثاني يصير قصاصا بالثمن الأول فبقي من الثمن الأول زيادة لا يقابلها عوض في عقد المعاوضة، وهو: تفسير الربا إلا أن الزيادة ثبتت بمجموع العقدين فكان الثابت بأحدهما شبهة والشبهة في هذا الباب ملحقة بالحقيقة، بخلاف ما إذا نقد الثمن لأن المقاصة لا تتحقق بعد الثمن فلا تتمكن الشبهة بالعقد، ولو نقد الثمن كله إلا شيئا قليلا فهو على الخلاف.
ولو اشترى ما باع بمثل ما باع قبل نقد الثمن جاز بالإجماع لانعدام
(1) صحيح البخاري الإيمان (52)، صحيح مسلم المساقاة (1599)، سنن الترمذي البيوع (1205)، سنن النسائي البيوع (4453)، سنن أبو داود البيوع (3329)، سنن ابن ماجه الفتن (3984)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270)، سنن الدارمي البيوع (2531).
(2)
سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2518)، سنن النسائي الأشربة (5711)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 200)، سنن الدارمي البيوع (2532).
الشبهة وكذا لو اشتراه بأكثر مما باع قبل نقد الثمن، ولأن فساد العقد معدول به عن القياس وإنما عرفناه بالأثر، والأثر جاء في الشراء بأقل من الثمن الأول فبقي ما وراءه على أصل القياس.
هذا إذا اشتراه بجنس الثمن الأول فإن اشتراه بخلاف الجنس جاز؛ لأن الربا لا يتحقق عند اختلاف الجنس إلا في الدراهم والدنانير خاصة استحسانا، والقياس أن لا يجوز (1) لأنهما جنسان مختلفان حقيقة فالتحقا بسائر الأجناس المختلفة.
وجه الاستحسان أنهما في الثمنية كجنس واحد فيتحقق الربا بمجموع العقدين فكان في العقد الثاني شبهة الربا وهي الربا من وجه، ولو تعيب المبيع في يد المشتري فباعه من بائعه بأقل مما باعه جاز؛ لأن نقصان الثمن يكون بمقابلة نقصان العيب فيلتحق النقصان بالعدم، كأنه باعه بمثل ما اشتراه فلا تتحقق شبهة الربا.
- قال صاحب بداية المبتدي علي بن أبي بكر:
ومن اشترى جارية بألف درهم حالة أو نسيئة فقبضها ثم باعها من البائع بخمسمائة قبل أن ينقد الثمن الأول لا يجوز البيع الثاني، وقال الشافعي رحمه الله: يجوز لأن الملك قد تم فيها القبض فصار البيع من البائع ومن غيره سواء، وصار كما لو باعه بمثل الثمن الأول أو بالزيادة أو بالعرض.
ولنا قول عائشة رضي الله عنها لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعد ما اشترت بثمانمائة: (بئسما شريت واشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب). ولأن الثمن لم يدخل في ضمانه فإذا وصل إليه المبيع ووقعت المقاصة بقي له فضل خمسمائة وذلك بلا عوض، بخلاف ما إذا باع بالعرض لأن الفضل إنما
(1) هكذا بالأصل والصواب: والقياس أن يجوز.
يظهر عند المجانسة.
وقال ابن الهمام في شرح فتح القدير:
قوله ومن باع جارية بألف درهم حالة أو نسيئة فقبضها ثم باعها من البائع قبل نقد الثمن بمثل الثمن أو أكثر جاز، وإن باعها من البائع بأقل لا يجوز عندنا، وكذا لو اشترى عبده أو مكاتبه ولو اشترى ولده أو والده أو زوجته فكذلك عنده، وعندهما يجوز لتباين الأملاك وكان كما لو اشتراه آخر وهو يقول كل منهم بمنزلة الآخر، ولذا لا تقبل شهادة أحدهما للآخر، ولو اشترى وكيل البائع بأقل من الثمن الأول جاز عنده خلافا لهما لأن تصرف الوكيل عنده يقع لنفسه، فلذا يجوز للمسلم أن يوكل ذميا بشراء خمر وبيعها عنده، ولكن ينتقل الملك إلى الموكل حكما فكان كما لو اشترى لنفسه فمات فورثه البائع، وعندهما عقد الوكيل كعقده، ولو اشتراه وارثه يجوز في ظاهر الرواية عنهم، وعند أبي يوسف لا يجوز، ولو باعه المشتري من رجل أو وهبه ثم اشتراه البائع من ذلك الرجل يجوز لاختلاف الأسباب بلا شبهة، وبه تختلف المسببات وبقولنا قال مالك وأحمد، وقيد بقوله قبل نقد الثمن لأن ما بعده يجوز بالإجماع بأقل من الثمن وكذا لو باعه بعرض قيمته أقل من الثمن، وقال الشافعي رحمه الله: يجوز كيفما كان كما لو باعه من غير البائع بأقل من الثمن أو منه بمثل الثمن الأول أو أكثر، وبعرض قيمته أقل من الثمن بجامع قيام الملك فيه لأنه هو المطلق في الأصول التي عينها وتقييده بالعرض دون أن يقول كما لو باعه بخلاف جنسه وقيمته أقل، لأن هـ لو باعه بذهب قيمته أقل من دراهم الثمن لا يجوز عندنا استحسانا خلافا لزفر، وقياسه على العرض بجامع أنه خلاف جنسه فإن الذهب جنس آخر بالنسبة إلى الدراهم. وجه الاستحسان أنهما جنس واحد من حيث كونهما ثمنا ومن حيث وجب ضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة، فبطل البيع احتياطا وألزم أن اعتبارهما جنسا واحدا يوجب التفاضل بينهما احتياطا والجواب أنه
مقتضى الوجه ذلك ولكن في التفاضل عند بيع أحدهما بعين الآخر إجماع (ولنا قول عائشة) إلى آخر ما نقله المصنف عن عائشة يفيد أن المرأة هي التي باعت زيدا بعد أن اشترت منه وحصل له الربح لأن شريت معناه بعت قال تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} (1) أي باعوه وهو رواية أبي حنيفة فإنه روى في مسنده عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة أبي السفر أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها: إن زيد بن أرقم باعني جارية بثمانمائة درهم ثم اشتراها مني بستمائة، فقالت:(أبلغيه عني أن الله أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب) ففي هذا أن الذي باع زيد ثم استرد وحصل الربح له، ولكن رواية غير أبي حنيفة من أئمة الحديث عكسه.
روى الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وأم ولد زيد بن أرقم، فقالت أم ولد زيد لعائشة: إني بعت من زيد غلاما بثمانمائة درهم نسيئة واشتريته بستمائة نقدا، فقالت: أبلغي زيدا أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تتوب بئس ما اشتريت، وبئس ما شريت. وهذا فيه أن الذي حصل له الربح هي المرأة، قال ابن عبد الهادي في التنقيح: هذا إسناد جيد وإن كان الشافعي قال: لا يثبت مثله عن عائشة، وقول الدارقطني في العالية هي مجهولة لا يحتج بها فيه نظر، فقد خالفه غير واحد ولولا أن عند أم المؤمنين علما من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد. وقال غيره: هذا مما لا يدرك بالرأي، والمراد بالعالية امرأة أبي إسحاق السبيعي التي ذكر أنها دخلت مع أم الولد على عائشة، قال ابن الجوزي: قالوا: إن العالية امرأة مجهولة لا يحتج بنقل خبرها، قلنا هي امرأة جليلة القدر ذكرها ابن سعد في الطبقات فقال العالية بنت أنفع بن شراحيل امرأة ابن إسحاق السبيعي سمعت من عائشة، وقولها بئس ما
(1) سورة يوسف الآية 20
شريت: أي بعت، قال تعالى:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} (1) أي باعوه. وإنما ذمت العقد الأول لأنه وسيلة، وذمت الثاني لأن المقصود الفساد.
وروى هذا الحديث على هذا النحو عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر والثوري عن أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة في نسوة فسألتها امرأة فقالت: كانت لي جارية فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة إلى العطاء ثم ابتعتها منه بستمائة، فنقدته الستمائة وكتب لي عليه بثمانمائة فقالت عائشة: إلى قولها (إلا أن تتوب)، وزاد: فقالت المرأة لعائشة: أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل؟ فقالت {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (2) لا يقال: إن قول عائشة وردها لجهالة الأجل وهو البيع إلى العطاء، فإن عائشة كانت ترى جواز الأجل إلى العطاء ذكره في الأسرار وغيره، والذي عقل من معنى النهي أنه استربح ما ليس في ضمانه، «ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن (3)» ، وهذا لأن الثمن لا يدخل في ضمانه قبل القبض، فإذا عاد إليه الملك الذي زال عنه بعينه وبقي له بعض الثمن فهو ربح حصل لا على ضمانه من جهة من باعه، وهذا لا يوجد فيما إذا اشتراه بمثل الثمن أو أكثر فبطل إلحاق الشافعي بذلك، بخلاف ما لو باعه المشتري من غير البائع فاشتراه البائع منه؛ لأن اختلاف الأسباب يوجب اختلاف الأعيان حكما، وكذا لو دخل في المبيع عيب فاشتراه البائع بأقل لأن الملك لم يعد إليه بالصفة التي خرج فلا يتحقق ربح ما لم يضمن، بل يجعل النقصان بمقابلة الجزء الذي احتبس عند المشتري سواء كان ذلك النقصان بقدر ذلك العيب أو دونه. حتى لو كان النقصان نقصان سعر فهو غير معتبر في العقود؛ لأنه فتور في رغبات الناس فيه ليس من فوات جزء من العين؛ ولذلك إذا اشتراه بجنس آخر غير الثمن جاز؛ لأن الربح لا يتحقق عينه مع اختلاف الجنس لأن الفضل إنما يظهر بالتقويم، والبيع لا يعقب ذلك بخلافه بجنس الثمن الأول لظهوره بلا تقويم، وقد أورد عليه تجويز كون إنكار عائشة لوقوع
(1) سورة يوسف الآية 20
(2)
سورة البقرة الآية 275
(3)
سنن الترمذي البيوع (1234)، سنن أبو داود البيوع (3504)، سنن ابن ماجه التجارات (2188)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 175)، سنن الدارمي البيوع (2560).
البيع الثاني قبل قبض المبيع؛ إذ القبض لم يذكر في الحديث، قلنا: لا يصح هذا لأنها ذمته لأجل الربا بقرينة تلاوة آية الربا وليس في بيع المبيع قبل القبض ربا، ولا يخفى ضعف هذا الجواب؛ لأن تلاوة الآية ظاهر في كونها لاشتمالها على قبول التوبة جوابا لقول المرأة: أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل، كان هذا مع التوبة فتلت آية ظاهرة في قبول التوبة وإن كان سوقها في القرآن في الربا. وأورد عليه طلب الفرق بين النهي عن بيع الولد الكائن مع أمه مفردا لم يوجب الفساد فلما أوجبه هذا النهي أجيب بأن النهي إذا كان لأمر يرجع إلى نفس البيع أوجبه وإن كان لأمر خارج لا، والنهي فيما ذكر للتفريق لا لنفس البيع، حتى لو فرق بينهما بغير البيع أثم، فيكره البيع في نفسه كالبيع وقت النداء وهنا هو لشبهة الربا وهو مخصوص بالبيع، ولشبهة الربا حكم حقيقة.
قال صاحب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل الحطاب:
(فصل) جاز لمطلوب منه سلعة أن يشريها ليبيعها بمال (ش) لما فرغ رحمه الله من الكلام على بيوع الآجال التي لا تخص أحدا أعقبها ببيع أهل العينة لاتهام بعض الناس فيها، وهذا الفصل يعرف عند أصحابنا ببيع أهل العينة، والعينة بكسر العين وهو فعلة من العون؛ لأن البائع يستعين بالمشتري على تحصيل مقاصده، وقيل من العناء وهو تجشم المشقة، وقال عياض في كتاب الصرف: سميت بذلك لحصول العين وهو النقد لبائعها وقد باعها لتأخير. وقال قبله: هو أن يبيع الرجل الرجل السلعة بثمن معلوم إلى أجل ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن أو يشريها بحضرته من أجنبي ليبيعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراها به إلى أجل، ثم يبيعها هذا المشتري الأخير من البائع الأول نقدا بأقل مما اشتراها به، وخفف هذا الوجه بعضهم ورآه أخف من الأول، وقال ابن عرفة: بيع أهل العينة هو البيع المتحيل به على دفع عين في أكثر منها. اهـ.
وقسم ابن رشد (في رسم حلف أن لا يبيع من سماع ابن القاسم من كتاب السلم
والآجال، أو في سماع سحنون من كتاب البضائع والوكالات، وفي كتاب بيوع الآجال من المقدمات) العينة إلى ثلاثة أقسام جائز ومكروه وممنوع، وجعلها صاحب التنبيهات في كتاب الصرف أربعة أقسام وزاد وجها رابعا مختلفا فيه، وتبعهم المصنف فأشار إلى الجائز بقوله: جاز لمطلوب منه سلعة أن يشتريها ليبيعها بمال. وفي بعض النسخ بنماء أي بزيادة، وهو أحسن، فإن هذا هو المقصود من العينة، قال في المقدمات: الجائز أن يمر الرجل بالرجل من أهل العينة، وقال في كتاب السلم والآجال: من البيان أن يأتي الرجل إلى الرجل منهم يعني من أهل العينة، فيقول: هل عندك سلعة كذا وكذا وكذا أبتاعها منك. وفي البيان تبيعها مني بدين. فيقول: لا. فينقلب عنه على غير مراوضة ولا مواعدة فيشري المسئول تلك السلعة التي سأله عنها ثم يلقاه فيخبره أنه اشترى السلعة التي سأله عنها فيبيعها منه، قال في المقدمات: بما شاء من نقد أو نسيئة، وقال في كتاب البضائع والوكالات: فبيع ذلك منه بدين، وقال في التنبيهات: الجائز لمن لم يتواعدا على شيء ولا يتراوض مع المشتري كالرجل يقول للرجل أعندك سلعة كذا؟ فيقول: لا. فينقلب على غير مواعدة ويشتريها، ثم يلقاه صاحبه فيقول: تلك السلعة عندي. فهذا جائز أن يبيعها منه بما شاء من نقد وكالئ ونحوه لمطرف. قال ابن حبيب: ما لم يكن تعريض أو مواعدة أو عادة، قال: وكذلك ما اشتراه الرجل لنفسه يعده لمن يشريه منه بنقد أو كالئ ولا يواعد في ذلك أحدا يشتريه منه ولا يبيعه له، وكذلك الرجل يشتري السلعة لحاجة ثم يبدو له فيبيعها أو يبيع دار سكناه ثم تشق عليه النقلة منها فيشتريها أو الجارية ثم تتبعها نفسه، فهؤلاء إما استقالوا أو زادوا في الثمن فلا بأس به، وذكر ابن مزين لو: كان مشتري السلعة يريد بيعها ساعتئذ فلا خير فيه ولا ينظر إلى البائع كان من أهل العينة أم لا، قال: فيلحق هذا الوجه بهذه الصورة على قوله بالمكروه. اهـ. فيكون على ما ذكره عياض هذا الوجه مختلفا فيه والمشهور أنه جائز وقول ابن مزين أنه
مكروه، ولم يحك ابن رشد في جوازه خلافا، وأشار المصنف إلى الوجه الرابع المختلف فيه الذي زاده عياض بقوله ولو بمؤجل بعضه، قال في التنبيهات: والرابع المختلف فيه ما اشتري ليباع بثمن بعضه مؤجل وبعضه معجل فظاهر مسائل الكتاب والأمهات جوازه وفي العتبية كراهته لأهل العينة، لكن قال ابن غازي: ظاهر كلام المصنف أن هذا مفرع على مسألة المطلوب منه سلعة كما يوهمه لفظ عياض ثم ذكره، ثم قال فقد يسبق للوهم أن قوله بثمن يتعلق بقوله ليباع وليس ذلك بمراد، بل هو متعلق باشتري وفي الكلام تقديم وتأخير وتقديره ما اشتري بثمن مؤجل وبعضه معجل ليباع، فهي إذا مسألة أخرى غير مفرعة على مسألة المطلوب منه سلعة، وذكر من كلام صاحب التنبيهات ما يدل على ذلك ثم ذكر عن البيان نحو ذلك ثم قال: فإن قلت لعل المصنف إنما فرعها على مسألة المطلوب منه سلعة تنبيها على أن المختار عنده من الخلاف الجواز، وإن تركبت المسألة من الوصفين فتكون غير المركبة أحرى بالجواز، قلت: هذا أبعد ما يكون من التأويل ولكن يقربه الظن الجميل ويتقي العهدة في التزام جواز المركبة. اهـ. (قلت) وقد يتلمح الجواز من قول ابن رشد فيبيعها بما شاء من نقد أو نسيئة ونحوه لعياض كما تقدم (1).
جـ - قال النووي في روضة الطالبين:
ليس من المناهي بيع العينة بكسر العين المهملة وبعد الياء نون وهو أن يبيع غيره شيئا بثمن مؤجل، ويسلمه إليه، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بأقل من ذلك الثمن نقدا، وكذا يجوز أن يبيع بثمن نقدا ويشتري بأكثر منه إلى أجل، سواء قبض الثمن الأول أم لا، وسواء صارت العينة عادة له غالبة في البلد أم لا، هذا هو الصحيح المعروف في كتب الأصحاب، وأفتى الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني، والشيخ أبو
(1) ص 404، 405، ج 4.
محمد: بأنه إذا صار عادة له، صار البيع الثاني كالمشروط في الأول، فيبطلا جميعا. اهـ (1) قال إسماعيل بن يحيى المزني الشافعي في المختصر المطبوع مع الأم:(2).
(باب الرجل يبيع الشيء إلى أجل ثم يشتريه بأقل من الثمن) قال الشافعي: ولا بأس بأن يبيع الرجل السلعة إلى أجل ويشتريها من المشتري بأقل بنقد وعرض وإلى أجل، قال بعض الناس إن امرأة أتت عائشة فسألتها عن بيع باعته من زيد بن أرقم بكذا وكذا إلى العطاء، ثم اشترته منه بأقل فقالت عائشة: بئسما اشتريت وبئسما ابتعت، أخبري زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب (قال الشافعي) وهو مجمل ولو كان هذا ثابتا فقد تكون عائشة عابت البيع إلى العطاء لأنه أجل غير معلوم وزيد، ونحن لا نثبت مثل هذا على عائشة، وإذا كانت هذه السلعة كسائر مالي لم لا أبيع ملكي بما شئت وشاء المشتري.
د - قال ابن قدامة في المغني (3).
(1) ج 3 ص 416.
(2)
ج 2 ص 201.
(3)
ص 174 - 178، ج 4.
(مسألة قال: ومن باع سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها به) وجملة ذلك: أن من باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها بأقل منه نقدا لم يجز في قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن ابن عباس وعائشة والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي، وبه قال أبو الزناد وربيعة وعبد العزيز بن أبي سلمة والثوري والأوزاعي ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي وأجازه الشافعي، لأنه ثمن يجوز بيعها به من غير بائعها فجاز من بائعها. كما لو باعها بمثل ثمنها.
ولنا: ما روى غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل أنها قالت: (دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم وامرأته على عائشة رضي الله عنها فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء، ثم اشتريته منه
بستمائة درهم فقالت لها: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب) رواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور، والظاهر: أنها لا تقول مثل هذا التغليظ وتقدم عليه إلا بتوقيف سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجرى مجرى روايتها ذلك عنه، ولأن ذلك ذريعة إلى الربا فإنه يدخل السلعة ليستبيح بيع ألف بخمسمائة إلى أجل معلوم، وكذلك روي عن ابن عباس في مثل هذه المسألة أنه قال:(أرى مائة بخمسين بينهما حريرة) يعني خرقة حرير جعلاها في بيعها، والذرائع معتبرة لما قدمناه، فأما بيعها بمثل الثمن أو أكثر فيجوز، لأنه لا يكون ذريعة، وهذا إذا كانت السلعة لم تنقص عن حالة البيع، فإن نقصت مثل إن هزل العبد أو نسي صناعة أو تخرق الثوب أو بلي جاز له شراؤها بما شاء، لأن نقص الثمن لنقص المبيع لا للتوسل إلى الربا، وإن نقص سعرها أو زاد لذلك أو لمعنى حدث فيها لم يجز بيعها بأقل من ثمنها كما لو كانت بحالها نص أحمد على هذا كله.
(فصل) وإن اشتراها بعرض أو كان بيعها الأول بعرض فاشتراها بنقد جاز، وبه قال أبو حنيفة ولا نعلم فيه خلافا، لأن التحريم إنما كان لشبهة الربا، ولا ربا بين الأثمان والعروض، فأما إن باعها بنقد ثم اشتراها بنقد آخر مثل أن يبيعها بمائتي درهم ثم اشتراها بعشر دنانير فقال أصحابنا يجوز لأنهما جنسان لا يحرم التفاضل بينها، فجاز كما لو اشتراها بعرض أو بمثل الثمن، وقال أبو حنيفة:(لا يجوز استحسانا). لأنهما كالشيء الواحد في معنى الثمنية، ولأن ذلك يتخذ وسيلة إلى الربا فأشبه ما لو باعها بجنس الثمن الأول وهذا أصح إن شاء الله تعالى.
(فصل) وهذه المسألة تسمى مسألة العينة. قال الشاعر:
أندان أم نعتان أم ينبري لنا
…
فتى مثل نصل السيف ميزت مضاربه
فقوله " نعتان " أي نشتري عينة مثل ما وصفنا، وقد روى أبو داود بإسناده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة
وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم (1)» وهذا وعيد يدل على التحريم. وقد روى عن أحمد أنه قال: العينة أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة، فإن باعه بنقد ونسيئة فلا بأس وقال:(أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة لا يبيع بنقد)، وقال ابن عقيل إنما كره النسيئة لمضارعتها الربا، فإن الغالب أن البائع بنسيئة يقصد الزيادة بالأجل ويجوز أن تكون العينة اسما لهذه المسألة وللبيع بنسيئة جميعا. لكن البيع بنسيئة ليس بمحرم اتفاقا. ولا يكره إلا أن لا يكون له تجارة وغيره.
(فصل) وإن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة، فقال أحمد في رواية حرب: لا يجوز ذلك إلا أن يغير السلعة، لأن ذلك يتخذه وسيلة إلى الربا، فأشبه مسألة العينة، فإن اشتراها بنقد آخر أو بسلعة أخرى أو بأقل من ثمنها نسيئة جاز. لما ذكرناه في مسألة العينة. ويحتمل أن يجوز له شراؤها بجنس الثمن بأكثر منه، إلا أن يكون ذلك عن مواطأة أو حيلة فلا يجوز، وإن وقع ذلك اتفاقا من غير قصد جاز، لأن الأصل حل البيع، وإنما حرم في مسألة العينة بالأثر الوارد فيه وليس هذا في معناه ولأن التوسل بذلك أكثر، فلا يلتحق به ما في دونه، والله أعلم.
(فصل) وفي كل موضع قلنا: لا يجوز له أن يشتري لا يجوز ذلك لوكيله لأنه قائم مقامه ويجوز لغيره من الناس، سواء كان أباه أو ابنه أو غيرهما لأنه غير البائع ويشتري لنفسه فأشبه الأجنبي.
قال: محمد بن مفلح في الفروع: (2).
ولو باع شيئا نسيئة أو بثمن لم يقبضه في ظاهر كلامه وذكره القاضي وأصحابه والأكثر ثم اشتراه بأقل مما باعه قال أبو الخطاب والشيخ: نقدا ولم يقله أحمد والأكثر، ولو بعد حل أجله، نقله ابن القاسم وسندي بطل
(1) سنن أبو داود البيوع (3462)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 84).
(2)
ص 169 - 171 ج 4.
الثاني (نص عليه وذكره الأكثر، لم يجز استحسانا، وكذا في كلام القاضي وأصحابه القياس صحة البيع ومرادهم أن القياس خولف لدليل) إلا أن يتغير في نفسه أو يقبض ثمنه أو بغير جنس ثمنه، وفي الانتصار وجه بعرض اختاره الشيخ أو يشتريه بمثل ثمنه أو من غير مشتريه لا من وكيله وسأله المروزي إن وجده مع آخر يبيعه بالسوق أيشتريه بأقل؟ قال: لا لعله دفعه ذلك إليه يبيعه، وتوقف في رواية مهنا فيما إذا نقص في نفسه وحمله وفي الخلاف على أن نقصه أقل من النقص الذي اشتراه به فتكون علة المنع باقية وهذه مسألة العينة، وعند أبي الخطاب يجوز قياسا وكذا في الترغيب لم يجز استحسانا وكذا في كلام القاضي وأصحابه: القياس صحة البيع، ومرادهم أن القياس خولف لدليل راجح فلا خلاف إذا في المسألة، وذكر شيخنا أنه يصح الأول إذا كان بتاتا ولا مواطأة وإلا بطلا، وأنه قول أحمد (و. م) ويتوجه أن مراد من أطلق هذا إلا أنه قال (في الانتصار) إذا قصدا بالأول الثاني يحرم، وربما قلنا ببطلانه وقال أيضا يحرم، إذا قصدا أن لا يصحا، وإن سلم فالبيع الأول خلا عن ذريعة الربا، وأجاب عن قول عائشة رضي الله عنها:(بئس ما شريت وبئس ما اشتريت). أنه للتأكيد قال أحمد رضي الله عنه فيمن فعلها: لا يعجبني أن يكتب عنه الحديث وحمله القاضي وغيره على الورع لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد مع أنه ذكر عن قول عائشة رضي الله عنها أن زيد بن أرقم أبطل جهاده أنها أوعدت عليه، ومسائل الخلاف لا يلحق فيها الوعيد وعكس العينة مثلها نقله حرب ونقل أبو داود: يجوز بلا حيلة ونقل المروزي فيمن يبيع الشيء ثم يجده يباع أيشتريه بأقل مما باعه بالنقد؟ قال: لا ولكن بأكثر لا بأس ولو احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي مائة بمائتين فلا بأس، نص عليه، وهي التورق، وعنه: يكره وحرمه شيخنا نقل أبو داود: إن كان لا يريد بيع المتاع الذي يشتريه منك هو أهون فإن كان يريد بيعه فهو العينة وإن باعه منه لم يجز وهي
العينة نص عليه.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: (1).
وسئل عن الرجل يبيع سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها من ذلك الرجل بأقل من ذلك الثمن حالا، هل يجوز أم لا؟
فأجاب: أما إذا باع السلعة إلى أجل واشتراها من المشتري بأقل من ذلك حالا فهذه تسمى (مسألة العينة) وهي غير جائزة عند أكثر العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم وهو المأثور عن الصحابة كعائشة وابن عباس وأنس بن مالك. فإن ابن عباس سئل عن حريرة بيعت إلى أجل ثم اشتريت بأقل قال: دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة.
وأبلغ من ذلك أن ابن عباس قال: إذا استقمت بنقد ثم بعت فتلك دراهم بدراهم، فبين أنه إذا قوم السلعة بدراهم ثم باعها إلى أجل فيكون مقصوده دراهم والأعمال بالنيات وهذه تسمى " التورق ".
فإن المشتري تارة يشتري السلعة لينتفع بها، وتارة يشتريها ليتجر بها. فهذان جائزان باتفاق المسلمين، وتارة لا يكون مقصوده إلا أخذ دراهم فينظر كم تساوي نقدا، فيشتريها إلى أجل ثم يبيعها في السوق بنقد، فمقصوده الورق فهذا مكروه في أظهر قولي العلماء، كما نقل ذلك عمر بن عبد العزيز وهي إحدى الروايتين عن أحمد.
وأما عائشة فإنها قالت لأم ولد زيد بن أرقم لما قالت لها: إني ابتعت من زيد بن أرقم غلاما إلى العطاء بثمانمائة وبعته منه بستمائة. فقالت عائشة: (بئس ما بعت، وبئس ما اشتريت. أخبري زيدا أن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطل، إلا أن يتوب). قال: يا أم المؤمنين أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي؟ فقالت لها عائشة: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (2).
وفي السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه قال: لمن باع بيعتين في بيعة: " فله
(1) ص 446 - 448 ج 29.
(2)
سورة البقرة الآية 275
أوكسهما أو الربا (1)» وهذا إن تواطآ على أن يبيع ثم يبتاع، فما له إلا الأوكس، وهو الثمن الأقل أو الربا.
وأصل هذا الباب: (أن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فإن كان قد نوى ما أحله الله فلا بأس وإن نوى ما حرم الله وتوصل إليه بحيله فإن له ما نوى، والشرط بين الناس ما عدوه شرطا كما أن البيع ما عدوه بيعا. والإجارة بينهم ما عدوه إجارة. وكذلك النكاح بينهم ما عدوه نكاحا فإن الله ذكر البيع والنكاح وغيرهما في كتابه ولم يرد لذلك حد في الشرع ولا له حد في الفقه.
والأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع كالصلاة والزكاة والصيام والحج وتارة باللغة كالشمس والقمر والبر والبحر وتارة بالعرف كالقبض والتفرق. وكذلك العقود كالبيع والإجارة والنكاح والهبة وغير ذلك، فما تواطأ الناس على شرطه وتعاقدوا فهذا شرط عند أهل العرف.
وقال رحمه الله في الاختيارات: وتحرم مسألة التورق.
(1) سنن الترمذي البيوع (1231)، سنن النسائي البيوع (4632)، سنن أبو داود البيوع (3461)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 432).
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: (1).
(فصل) ومن الحيل المحرمة الباطلة التحيل على جواز مسألة العينة مع أنها حيلة في نفسها على الربا، وجمهور الأئمة على تحريمها.
وقد ذكر أرباب الحيل لاستباحتها عدة حيل منها: أن يحدث المشتري في السلعة حدثا ما تنقص به أو تتعيب فحينئذ يجوز لبائعها أن يشتريها بأقل مما باعها ومنها: أن تكون السلعة قابلة للتجزئة فيمسك منها جزءا ما ويبيعه بقيتها ومنها: أن يضم البائع إلى السلعة سكينا أو منديلا أو حلقة حديد أو نحو ذلك فيملكه المشتري ويبيعه السلعة بما يتفقان عليه من الثمن، ومنها: أن يهبها المشتري لولده أو زوجته أو من يثق به فيبيعها الموهوب له من بائعها فإذا قبض الثمن أعطاه للواهب ومنها: أن يبيعه إياها نفسه من غير إحداث ولا هبة لغيره لكن يضم إلى ثمنها خاتما
(1) ص 335 - 336 ج 3.
من حديد أو منديلا أو سكينا ونحو ذلك.
ولا ريب أن العينة على وجهها أسهل من هذا التكلف وأقل مفسدة، وإن كان الشارع قد حرم مسألة العينة لمفسدة فيها فإن المفسدة لا تزول بهذه الحيلة بل هي بحالها وانضم إليها مفسدة أخرى أعظم منها وهي مفسدة المكر والخداع واتخاذ أحكام الله هزوا وهي أعظم المفسدتين، وكذلك سائر الحيل لا تزيل المفسدة التي حرم لأجلها وإنما يضم إليها مفسدة الخداع والمكر، وإن كانت العينة لا مفسدة فيها فلا حاجة إلى الاحتيال عليها، ثم إن العينة في نفسها من أدنى الحيل إلى الربا فإذا تحيل عليها المحتال صارت حيلا متضاعفة ومفاسد متنوعة، والحقيقة والقصد معلومان لله وللملائكة وللمتعاقدين ولمن حضرهما من الناس، فليصنع أرباب الحيل ما شاءوا، وليسلكوا أية طريق سلكوا فإنهم لا يخرجون بذلك عن بيع مائة بمائة وخمسين إلى سنة فليدخلوا محلل الربا أو يخرجوه فليس هو المقصود، والمقصود معلوم والله لا يخادع ولا تروج عليه الحيل ولا تلتبس عليه الأمور.
قال ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن على حديث «إذا تبايعتم بالعينة (1)»
وفي الباب حديث أبي إسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم، فقالت: يا أم المؤمنين، إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة، وإني ابتعته منه بستمائة نقدا، فقالت لها عائشة:(بئسما اشتريت، وبئسما شريت، أخبري زيدا أن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بطل إلا أن يتوب).
هذا الحديث رواه البيهقي والدارقطني، وذكره الشافعي، وأعله بالجهالة بحال امرأة أبي إسحاق، وقال: لو ثبت فإنما عابت عليها بيعا إلى العطاء، لأنه أجل غير معلوم.
(1) سنن أبو داود البيوع (3462)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 84).
ثم قال: ولا يثبت مثل هذا عن عائشة، وزيد بن أرقم لا يبيع إلا ما يراه حلالا.
قال البيهقي: ورواه يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أنفع " أنها دخلت على عائشة مع أم محمد ".
وقال غيره: هذا الحديث حسن، ويحتج بمثله، لأنه قد رواه عن العالية ثقتان ثبتان: أبو إسحاق زوجها ويونس ابنها، ولم يعلم فيهما جرح والجهالة ترتفع عن الراوي بمثل ذلك.
ثم إن هذا مما ضبطت فيه القصة، ومن دخل معها على عائشة، وقد صدقها زوجها وابنها وهما من هما، فالحديث محفوظ.
وقوله في الحديث المتقدم «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا (1)» هو منزل على العينة بعينها، قاله شيخنا، لأنه بيعان في بيع واحد فأوكسهما: الثمن الحال، وإن أخذ بالأكثر وهو المؤجل - أخذ بالربا. فالمعينان لا ينفكان من أحد الأمرين: أما الأخذ بأوكس الثمنين أو الربا وهذا لا يتنزل إلا على العينة.
(فصل) قال المحرمون للعينة: الدليل على تحريمها من وجوه.
أحدها: أن الله تعالى حرم الربا والعينة وسيلة إلى الربا، بل هي من أقرب وسائله، والوسيلة إلى الحرام حرام، فهنا مقامان:
أحدهما: بيان كونها وسيلة.
والثاني: بيان أن الوسيلة إلى الحرام حرام.
فأما الأول: فيشهد له به النقل والعرف والنية والقصد وحال المتعاقدين.
فأما النقل: فيما ثبت عن ابن عباس أنه سئل عن رجل باع من رجل حريرة بمائة ثم اشتراها بخمسين فقال: (دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينها حريرة).
وفي كتاب محمد بن عبد الله الحافظ المعروف بمطين عن ابن عباس:
(1) سنن الترمذي البيوع (1231)، سنن النسائي البيوع (4632)، سنن أبو داود البيوع (3461)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 432).
أنه قال: (اتقوا هذه العينة لا تبيعوا دراهم بدراهم بينهما حريرة).
وفي كتاب أبي محمد النجشي الحافظ عن ابن عباس " أنه سئل عن العينة، يعني بيع الحريرة فقال: إن الله لا يخدع، هذا مما حرم الله ورسوله ".
وفي كتاب الحافظ مطين عن أنس " أنه سئل عن العينة - يعني بيع الحريرة - فقال: إن الله لا يخدع، هذا مما حرم الله ورسوله ".
وقول الصحابي " حرم رسول الله كذا أو أمر بكذا وقضى بكذا وأوجب كذا " في حكم المرفوع اتفاقا عند أهل العلم، إلا خلافا شاذا لا يعتد به، ولا يؤبه له.
وشبهة المخالف: أنه لعله رواه بالمعنى فظن ما ليس بأمر، ولا تحريم كذلك، وهذا فاسد جدا فإن الصحابة أعلم بمعاني النصوص وقد تلقوها من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يظن بأحد منهم أن يقدم على قوله " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حرم أو فرض " إلا بعد سماع ذلك، ودلالة اللفظ عليه، واحتمال خلاف هذا كاحتمال الغلط والسهو في الرواية، بل دونه فإن رد قوله " أمر " ونحوه بهذا الاحتمال، وجب رد روايته لاحتمال السهو والغلط وإن قبلت روايته: وجب قبول الآخر.
وأما شهادة العرف بذلك: فأظهر من أن تحتاج إلى تقرير، بل قد علم الله وعباده من المتبايعين ذلك: قصدهما أنهما لم يعقدا على السلعة عقدا يقصدان به تملكها، ولا غرض لهما فيها بحال، وإنما الغرض والمقصود بالقصد الأول: مائة بمائة وعشرين، وإدخال تلك السلعة في الوسط تلبيس وعبث وهي بمنزلة الحرف الذي لا معنى له في نفسه، بل جيء به لمعنى في غيره، حتى لو كانت تلك السلعة تساوي أضعاف ذلك الثمن، أو تساوي أقل جزء من أجزائه لم يبالوا بجعلها موردا للعقد لأنهم لا غرض لهم فيها، وأهل العرف لا يكابرون أنفسهم في هذا.
وأما النية والقصد: فالأجنبي المشاهد لهما، يقطع بأنه لا غرض لهما في
السلعة وإنما القصد الأول مائة بمائة وعشرين فضلا عن علم المتعاقدين ونيتهما، ولهذا يتواطأ كثير منهم على ذلك، قبل العقد ثم يحضران تلك السلعة محللا لما حرم الله ورسوله.
وأما المقام الثاني وهو أن الوسيلة إلى الحرام حرام - فبانت بالكتاب والسنة والفطرة والمعقول فإن الله سبحانه مسخ اليهود قردة وخنازير لما توسلوا إلى الصيد الحرام بالوسيلة التي ظنوها مباحة، وسمى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون مثل ذلك مخادعة، كما تقدم.
وقال أيوب السختياني: " يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه كان أسهل والرجوع إلى الصحابة في معاني الألفاظ متعين، سواء كانت لغوية أو شرعية، والخداع حرام وأيضا فإن هذا العقد يتضمن إظهار صورة مباحة وإضمار ما هو من أكبر الكبائر، فلا تنقلب الكبيرة مباحة بإخراجها في صورة البيع الذي لم يقصد نقل الملك فيه أصلا، وإنما قصده حقيقة الربا.
وأيضا فإن الطريقة متى أفضت إلى الحرام فإن الشريعة لا تأتي بإباحتها أصلا، لأن إباحتها وتحريم الغاية جمع بين النقيضين، فلا يتصور أن يباح شيء ويحرم ما يفضي إليه، بل لا بد من تحريمهما أو إباحتهما والثاني باطل قطعا فيتعين الأول.
وأيضا: فإن الشارع إنما حرم الربا، وجعله من الكبائر، وتوعد آكله بمحاربة الله ورسوله لما فيه من أعظم الفساد والضرر فكيف يتصور - مع هذا - أن يبيح هذا الفساد العظيم بأيسر شيء يكون من الحيل.
فيالله العجب، أترى هذه الحيلة أزالت تلك المفسدة العظيمة وقلبتها مصلحة بعد أن كانت مفسدة.
وأيضا: فإن الله سبحانه عاقب أهل الجنة الذين أقسموا ليصرمنها مصبحين، وكان مقصودهم منع حق الفقراء من الثمر المتساقط وقت الحصاد فلما قصدوا منع حقهم منعهم الله الثمرة جملة.
ولا يقال: فالعقوبة إنما كانت على رد (1) الاستثناء وحده لوجهين:
أحدهما: أن العقوبة من جنس العمل، وترك الاستثناء عقوبته أن يعوق وينسى لا إهلاك ماله، بخلاف عقوبة ذنب الحرمان فإنها حرمان كالذنب.
الثاني: أن الله تعالى أخبر عنهم أنهم قالوا {أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} (2)(69 - 34) ورتب العقوبة على ذلك، فلو لم يكن لهذا الوصف مدخل في العقوبة لم يكن لذكره فائدة فإن لم يكن هو العلة التامة كان جزءا من العلة.
وعلى التقديرين: يحصل المقصود.
وأيضا: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات (3)» والمتوسل بالوسيلة التي صورتها مباحة إلى المحرم إنما نيته المحرم، ونيته أولى به من ظاهر عمله.
وأيضا: فقد روى ابن بطة وغيره بإسناد حسن عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل» وإسناده مما يصححه الترمذي.
وأيضا: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا أثمانها (4)» و " جملوها " يعني أذابوها وخلطوها، وإنما فعلوا ذلك ليزول عنها اسم الشحم ويحدث لها اسم آخر، وهو الودك وذلك لا يفيد الحل، فإن التحريم تابع للحقيقة وهي لم تتبدل بتبدل الاسم.
وهذا الربا تحريمه - تابع لمعناه وحقيقته فلا يزول بتبدل الاسم بصورة البيع كما لم يزل تحريم الشحم بتبديل الاسم بصورة الجمل والإذابة، وهذا واضح بحمد الله.
(1) هكذا بالأصل ولعله ترك.
(2)
سورة القلم الآية 24
(3)
صحيح البخاري بدء الوحي (1)، صحيح مسلم الإمارة (1907)، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647)، سنن النسائي الطهارة (75)، سنن أبو داود الطلاق (2201)، سنن ابن ماجه الزهد (4227)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 43).
(4)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3460)، صحيح مسلم المساقاة (1582)، سنن النسائي الفرع والعتيرة (4257)، سنن ابن ماجه الأشربة (3383)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 25)، سنن الدارمي الأشربة (2104).
وأيضا: فإن اليهود لم ينتفعوا بعين الشحم وإنما انتفعوا بثمنه فيلزم من وقف مع صور العقود والألفاظ، دون مقاصدها وحقائقها أن لا يحرم ذلك؛ لأن الله تعالى لم ينص على تحريم الثمن وإنما حرم عليهم نفس الشحم ولما لعنهم على استحلالهم الثمن، وإن لم ينص على تحريمه، دل على أن الواجب النظر إلى المقصود، وإن اختلفت الوسائل إليه، وأن ذلك يوجب أن لا يقصد الانتفاع بالعين ولا ببدلها.
ونظير هذا: أن يقال: لا تقرب مال اليتيم فتبيعه وتأكل عوضه، وأن يقال: لا تشرب الخمر فتغير اسمه وتشربه وأن يقال: لا تزن بهذه المرأة فتعقد عليها عقد إجارة وتقول إنما أستوفي منافعها وأمثال ذلك.
قالوا: ولهذا الأصل - وهو تحريم الحيل المتضمنة إباحة ما حرم الله أو إسقاط ما أوجبه الله عليه - أكثر من مائة دليل، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم «لعن المحلل والمحلل له (1)» ، مع أنه أتى بصورة عقد النكاح الصحيح لما كان مقصوده التحليل لا حقيقة النكاح.
وقد ثبت عن الصحابة أنهم سموه زانيا ولم ينظروا إلى صورة العقد.
(1) مسند أحمد بن حنبل (1/ 448).
الدليل الثاني: على تحريم العينة ما رواه أحمد في مسنده حدثنا أسود بن عامر حدثنا أبو بكر عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم (1)» ورواه أبو داود بإسناد صحيح إلى حيوة بن شريح المصري عن إسحاق أبي عبد الرحمن الخراساني أن عطاء الخراساني حدثه: أن نافعا حدثه عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - فذكره وهذان إسنادان حسنان يشد أحدهما الآخر، فأما رجال الأول فأئمة مشاهير وإنما يخاف أن لا يكون الأعمش سمعه من عطاء أو أن عطاء لم يسمعه من ابن عمر، والإسناد الثاني:
(1) سنن أبو داود البيوع (3462)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 28).
يبين أن للحديث أصلا محفوظا عن ابن عمر فإن عطاء الخراساني ثقة مشهور وحيوة كذلك، وأما إسحاق أبو عبد الرحمن فشيخ روى عنه أئمة المصريين مثل حيوة والليث ويحيى بن أيوب وغيرهم.
وله طريق ثالث: رواه السري بن سهل حدثنا عبد الله بن رشيد حدثنا عبد الرحمن بن محمد عن ليث عن عطاء عن ابن عمر قال: لقد أتى علينا زمان، وما منا رجل يرى أنه أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد واتبعوا أذناب البقر أدخل الله عليهم ذلا لا ينزعه حتى يتوبوا ويرجعوا إلى دينهم (1)» وهذا يبين أن للحديث أصلا وأنه محفوظ.
الدليل الثالث: ما تقدم من حديث أنس أنه سئل عن العينة؟ فقال: " إن الله لا يخدع هذا مما حرم الله ورسوله " وتقدم أن هذا اللفظ في حكم المرفوع.
الدليل الرابع: ما تقدم من حديث ابن عباس وقوله " هذا مما حرم الله ورسوله ".
الدليل الخامس: ما رواه الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن أبي إسحاق عن العالية، ورواه حرب من حديث إسرائيل حدثني أبو إسحاق عن جدته العالية، يعني جدة إسرائيل - فإنها امرأة أبي إسحاق قالت:(دخلت على عائشة في نسوة فقالت: ما حاجتكن؟ فكان أول من سألها أم محبة: فقالت: يا أم المؤمنين هل تعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم، قالت: فإني بعته جارية لي بثمانمائة درهم إلى العطاء، وإنه أراد أن يبيعها فابتعتها بستمائة درهم نقدا، فأقبلت عليها وهي غضبى فقالت: بئسما شريت، وبئسما اشتريت أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب) وأفحمت صاحبتنا فلم تتكلم طويلا ثم إنه سهل عنها فقالت: يا أم المؤمنين أرأيت إن لم آخذ إلا رأس
(1) سنن أبو داود البيوع (3462)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 28).
مالي فتلت عليها {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (1).
فلولا أن عند أم المؤمنين علما لا تستريب فيه أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا بالاجتهاد ولا سيما إن كانت قد قصدت أن العمل يحبط بالردة وإن استحلال الربا كفر، وهذا منه، ولكن زيدا معذور لأنه لم يعلم أن هذا محرم ولهذا قالت " أبلغيه ".
ويحتمل أن تكون قد قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمها ثواب الجهاد، فيصير بمنزلة من عمل حسنة وسيئة بقدرها فكأنه لم يعمل شيئا، وعلى التقديرين لجزم أم المؤمنين بهذا دليل على أنه لا يسوغ فيه الاجتهاد، ولو كانت هذه من مسائل الاجتهاد والنزاع بين الصحابة لم تطلق عائشة ذلك على زيد، فإن الحسنات لا تبطل بمسائل الاجتهاد.
ولا يقال: فزيد من الصحابة وقد خالفها، لأن زيدا لم يقل: هذا حلال، بل فعله، وفعل المجتهد لا يدل على قوله على الصحيح لاحتمال سهو أو غفلة أو تأويل أو رجوع ونحوه، وكثيرا ما يفعل الرجل الشيء ولا يعلم مفسدته، فإذا نبه له انتبه، ولا سيما أم ولده، فإنها دخلت على عائشة تستفتيها وطلبت الرجوع إلى رأس مالها وهذا يدل على الرجوع عن ذلك العقد، ولم ينقل عن زيد أنه أصر على ذلك.
فإن قيل: لا نسلم ثبوت الحديث فإن أم ولد زيد مجهولة.
قلنا: أم ولده لم ترو الحديث، وإنما كانت هي صاحبة القصة، وأما العالية فهي امرأة أبي إسحاق السبيعي، وهي من التابعيات، وقد دخلت على عائشة وروى عنها أبو إسحاق، وهو أعلم بها، وفي الحديث قصة وسياق يدل على أنه محفوظ، وأن العالية لم تختلق هذه القصة ولم تضعها بل يغلب على الظن غلبة قوية صدقها فيها وحفظها لها، ولهذا رواها عنها زوجها ميمون ولم ينهها ولا سيما عند من يقول: رواية العدل عن غيره تعديل له، والكذب لم يكن فاشيا في التابعين فشوه فيمن بعدهم،
(1) سورة البقرة الآية 275
وكثير منهم كان يروي عن أمه وامرأته ما يخبرهن به أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتج به.
فهذه أربعة أحاديث تبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم العينة:
حديث ابن عمر الذي فيه تغليظ العينة، وحديث أنس وابن عباس: أنها مما حرم الله ورسوله.
وحديث عائشة هذا والمرسل منها له ما يوافقه، وقد عمل به بعض الصحابة والسلف وهذه حجة باتفاق الفقهاء.
الدليل السادس: ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا (1)» .
وللعلماء في تفسيره قولان:
أحدهما: أن يقول: بعتك بعشرة نقدا أو عشرين نسيئة وهذا هو الذي رواه أحمد عن سماك ففسره في حديث ابن مسعود قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة (2)» ، قال سماك: الرجل يبيع البيع فيقول هو علي نساء بكذا وبنقد بكذا.
وهذا التفسير ضعيف، فإنه لا يدخل الربا في هذه الصورة، ولا صفقتين هنا وإنما هي صفقة واحدة بأحد الثمنين.
والتفسير الثاني: أن يقول: أبيعكها بمائة إلى سنة على أن أشتريها منك بثمانين حالة وهذا معنى الحديث الذي لا معنى له غيره، وهو مطابق لقوله «فله أوكسهما أو الربا (3)» فإنه إما أن يأخذ الثمن الزائد فيربي أو الثمن الأول فيكون هو أوكسهما وهو مطابق لصفقتين في صفقة، فإنه قد جمع صفقتي النقد والنسيئة في صفقة واحدة ومبيع واحد، وهو قد قصد بيع دراهم عاجلة بدراهم مؤجلة أكثر منها ولا يستحق إلا رأس ماله وهو أوكس الصفقتين، فإن أبى إلا الأكثر كان قد أخذ الربا.
فتدبر مطابقة هذا التفسير لألفاظه صلى الله عليه وسلم، وانطباقه عليها.
ومما يشهد لهذا التفسير: ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر عن النبي
(1) سنن الترمذي البيوع (1231)، سنن النسائي البيوع (4632)، سنن أبو داود البيوع (3461)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 432).
(2)
مسند أحمد بن حنبل (1/ 398).
(3)
سنن الترمذي البيوع (1231)، سنن النسائي البيوع (4632)، سنن أبو داود البيوع (3461)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 432).
صلى الله عليه وسلم: «أنه نهى عن بيعتين في بيعة (1)» و «عن سلف وبيع (2)» فجمعه بين هذين العقدين في النهي لأن كلا منهما يؤول إلى الربا؛ لأنهما في الظاهر بيع وفي الحقيقة ربا.
ومما يدل على تحريم العينة: حديث ابن مسعود يرفعه «لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه والمحلل والمحلل له (3)» .
ومعلوم أن الشاهدين والكاتب إنما يكتب ويشهد على عقد صورته جائزة الكتابة والشهادة، لا يشهد بمجرد الربا ولا يكتبه، ولهذا قرنه بالمحلل والمحلل له حيث أظهر صورة النكاح ولا نكاح، كما أظهر الكاتب والشاهدان صورة البيع ولا بيع.
وتأمل كيف لعن في الحديث الشاهدين والكاتب والآكل والموكل فلعن المعقود له، والمعين له على ذلك العقد ولعن المحلل والمحلل له فالمحلل له هو الذي يعقد التحليل لأجله والمحلل هو المعين له بإظهار صورة العقد، كما أن المرابي هو المعان على أكل الربا بإظهار صورة العقد المكتوب المشهود به فصلوات الله وسلامه على من أوتي جوامع الكلم.
الدليل السابع: ما صح عن ابن عباس أنه قال (إذا استقمت بنقد، فبعت بنقد فلا بأس، وإذا استقمت بنقد فبعت بنسيئة فلا خير فيه تلك ورق بورق) رواه سعيد وغيره.
ومعنى كلامه: أنك إذا قومت السلعة بنقد ثم بعتها بنسيئة كان مقصود المشتري شراء دراهم معجلة بدراهم مؤجلة وإذا قومتها بنقد ثم بعتها به فلا بأس، فإن ذلك بيع، المقصود منه السلعة لا الربا.
الدليل الثامن: ما رواه ابن بطة عن الأوزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع (4)» يعني العينة.
وهذا - وإن كان مرسلا - فهو صالح للاعتضاد به ولا سيما وقد تقدم من المرفوع ما يؤكده ويشهد له أيضا: قوله صلى الله عليه وسلم: «ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها (5)» .
(1) صحيح البخاري الصلاة (368)، سنن النسائي البيوع (4517)، سنن ابن ماجه التجارات (2169)، موطأ مالك الجامع (1704).
(2)
سنن الترمذي البيوع (1234)، سنن أبو داود البيوع (3504)، سنن الدارمي البيوع (2560).
(3)
صحيح مسلم المساقاة (1597، 1598)، سنن الترمذي البيوع (1206)، سنن أبو داود البيوع (3333)، سنن ابن ماجه التجارات (2277)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 304)، سنن الدارمي البيوع (2535).
(4)
صحيح البخاري البيوع (2059)، سنن النسائي البيوع (4454)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 435)، سنن الدارمي البيوع (2536).
(5)
سنن أبو داود الأشربة (3688)، سنن ابن ماجه الفتن (4020).
وقوله أيضا فيما رواه إبراهيم الحربي من حديث أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول دينكم نبوة ورحمة ثم خلافة ورحمة ثم ملك ورحمة ثم ملك وجبرية ثم ملك عضوض يستحل فيه الحر والحرير (1)» والحر - بكسر الحاء وتخفيف الراء - هو الفرج، فهذا إخبار عن استحلال المحارم ولكنه بتغيير أسمائها وإظهارها في صور تجعل وسيلة إلى استباحتها وهي الربا والخمر والزنا فيسمى كل منها بغير اسمها، ويستباح بالاسم الذي سمي به وقد وقعت الثلاثة.
وفي قول عائشة (بئسما شريت، وبئسما اشتريت) دليل على بطلان العقدين معا، وهذا هو الصحيح من المذهب، لأن الثاني عقد ربا والأول وسيلة إليه.
وفيه قول آخر في المذهب: أن العقد الأول صحيح لأنه تم بأركانه وشروطه، فطريان الثاني عليه لا يبطله، وهذا ضعيف فإنه لم يكن مقصودا لذاته وإنما جعله وسيلة إلى الربا، فهو طريق إلى المحرم فكيف يحكم بصحته؟ وهذا القول لا يليق بقواعد المذهب.
فإن قيل: فما تقولون فيمن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة؟
قلنا: قد نص أحمد في رواية حرب على أنه لا يجوز إلا أن تتغير السلعة لأن هذا يتخذ وسيلة إلى الربا فهو كمسألة العينة سواء وهي عكسها صورة، وفي الصورتين قد ترتب في ذمته دراهم مؤجلة بأقل منها نقدا لكن في إحدى الصورتين: البائع هو الذي اشتغلت ذمته، وفي الصورة الأخرى: المشتري هو الذي اشتغلت ذمته فلا فرق بينهما.
وقال بعض أصحابنا: يحتمل أن تجوز الصورة الثانية إذا لم يكن ذلك حيلة ولا مواطأة بل وقع اتفاقا.
وفرق بينها وبين الصورة الأولى بفرقين:
أحدهما: أن النص ورد فيها فيبقى ما عداها على أصل الجواز.
(1) سنن الدارمي الأشربة (2101).
والثاني: أن التوسل إلى الربا بتلك الصورة أكثر من التوسل بهذه.
والفرقان ضعيفان، أما الأول: فليس في النص ما يدل على اختصاص العينة بالصورة الأولى حتى تتقيد به نصوص مطلقة على تحريم العينة، والعينة فعلة من العين النقد قال الشاعر:
أندان ، أم نعتان ، أم ينبري لنا
…
فتى مثل نصل السيف ميزت مضاربه؟
قال الجوزجاني: أنا أظن أن العينة إنما اشتقت من حاجة الرجل إلى العين من الذهب والورق فيشتري السلعة ويبيعها بالعين الذي احتاج إليها وليست به إلى السلعة حاجة.
وأما الفرق الثاني: فكذلك لأن المعتبر في هذا الباب هو الذريعة، ولو اعتبر فيه الفرق من الاتفاق والقصد لزم طرد ذلك في الصورة الأولى وأنتم لا تعتبرونه.
فإن قيل: فما تقولون إذا لم تعد السلعة إليه بل رجعت إلى ثالث هل تسمون ذلك عينة؟
قيل: هذه مسألة التورق لأن المقصود منها الورق وقد نص أحمد في رواية أبي داود على أنها من العينة وأطلق عليها اسمها.
وقد اختلف السلف في كراهيتها فكان عمر بن عبد العزيز يكرهها وكان يقول " التورق آخية الربا " ورخص فيها إياس بن معاوية.
وعن أحمد فيها روايتان منصوصتان، وعلل الكراهة في إحداهما بأنه بيع مضطر، وقد روى أبو داود عن علي «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المضطر (1)» وفي المسند عن علي قال:«سيأتي على الناس زمان يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤمر بذلك قال تعالى: ويبايع المضطرون وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر (3)» وذكر الحديث.
فأحمد - رحمه الله تعالى - أشار إلى أن العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نقد لأن الموسر يضن عليه بالقرض فيضطر إلى أن يشتري منه سلعة ثم
(1) سنن أبو داود البيوع (3382)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 116).
(2)
سنن أبو داود البيوع (3382)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 116).
(3)
سورة البقرة الآية 237 (2){وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}
يبيعها فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة، وإن باعها من غيره فهي التورق. ومقصوده في الموضعين الثمن، فقد حصل في ذمته ثمن مؤجل مقابل لثمن حال أنقص منه ولا معنى للربا إلا هذا لكنه ربا بسلم لم يحصل له مقصوده إلا بمشقة ولو لم يقصده كان ربا بسهولة.
وللعينة صورة رابعة - وهي أخت صورها - وهي: أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا نسيئة ونص أحمد على كراهة ذلك فقال: العينة أن يكون عنده المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة، فإن باع بنسيئة ونقد فلا بأس. وقال أيضا: أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة فلا يبيع بنقد.
قال ابن عقيل: إنما كره ذلك لمضارعته الربا، فإن البائع بنسيئة يقصد الزيادة غالبا.
وعلله شيخنا ابن تيمية رحمه الله بأنه يدخل في بيع المضطر، فإن غالب من يشتري بنسيئة إنما يكون لتعذر النقد عليه، فإذا كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كان ربحه على أهل الضرورة والحاجة وإذا باع بنقد ونسيئة كان تاجرا من التجار.
وللعينة صورة خامسة - وهي أقبح صورها وأشدها تحريما - وهي: أن المترابيين يتواطآن على الربا، ثم يعمدان إلى رجل عنده متاع فيشتريه منه المحتاج ثم يبيعه للمربي بثمن حال ويقبضه منه ثم يبيعه إياه للمربي بثمن مؤجل، وهو ما اتفقا عليه ثم يعيد المتاع إلى ربه ويعطيه شيئا وهذه تسمى الثلاثية لأنها بين ثلاثة، وإذا كانت السلعة بينهما خاصة فهي الثنائية وفي الثلاثية قد أدخلا بينهما محللا يزعمان أنه يحلل لهما ما حرم الله من الربا، وهو كمحلل النكاح فهذا محلل الربا، وذلك محلل الفروج، والله تعالى لا تخفى عليه خافية بل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (1).
(1) ص 99 - 109 جـ 3، ص 17 - 18 من الدرر جـ 5.
سئل الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله: رجل عليه
دين لرجل يحتاج إلى بضاعة أو حيوان ينتفع به أو يتاجر فيه فيطلبه من إنسان دينا فلم يكن عنده، هل للمطلوب أن يشتريه ثم يبيعه له بثمن إلى أجل وهل له أن يوكله في شرائه ثم يبيعه له بعد ذلك بربح اتفقا عليه قبل الشراء؟.
فأجاب: من كان له عليه دين فإن كان موسرا وجب عليه أن يوفيه وإن كان معسرا وجب إنظاره ولا يجوز قلبه عليه بمعاملة ولا غيرها، وأما البيع إلى أجل ابتداء، فإن كان مقصود المشتري الانتفاع بالسلعة أو التجارة فيها جاز إذا كان على الوجه المباح، وأما إذا كان مقصوده الدراهم فيشتريها بمائة مؤجلة ويبيعها في السوق بسبعين حالة، فهذا مذموم منهي عنه في أظهر قولي العلماء وهذا يسمى التورق قال أبو عمر ابن عبد البر: التورق آخية الربا.
وسئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن حكم التورق فأجاب فيما يلي:
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم أحمد بن علي الروضان سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: -
وصل كتابك الذي تستفتي فيه عما يتعامل به بعض الناس إذا احتاج إلى نقود وذهب إلى التاجر ليستدين منه، وباع عليه أكياس سكر وغيرها نسيئة بثمن يزيد على ثمنها نقدا فيأخذ المحتاج السكر ويبيعه بالنقص عما اشتراه به من التاجر ليقضي حاجته، وتسأل هل هذا التعامل حرام أم حلال وهل يعتبر من الربا في شيء؟
الجواب: هذه المسألة تسمى مسألة التورق والمشهور من المذهب جوازها، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية إذا لم يكن للمشتري حاجة إلى السلعة بل حاجته في الذهب والورق فيشتري السلعة ليبيعها بالعين
الذي احتاج إليها فإن أعاد السلعة إلى البائع فهو الذي لا يشك في تحريمه، وإن باعها لغيره بيعا تاما ولم تعد إلى الأول بحال فقد اختلف السلف في كراهته ويسمونه التورق، وكان عمر بن عبد العزيز يكرهه ويقول التورق آخية الربا، وإياس بن معاوية يرخص فيه، وعن الإمام أحمد روايتان.
والمشهور الجواز وهو الصواب قال في (مطالب أولي النهى) ولو احتاج إنسان لنقد فاشترى ما يساوي مائة بأكثر كمائة وخمسين مثلا ليتوسع بثمنه فلا بأس بذلك، نص عليه وهي مسألة التورق وقال في الاختيارات، قال أبو طالب: قيل للإمام أحمد إن ربح الرجل في العشرة خمسة يكره ذلك قال إذا كان أجله إلى سنة أو بقدر الربح فلا بأس، وقال جعفر بن محمد: سمعت أبا عبد الله (يعني أحمد بن حنبل) يقول بيع النسيئة إذا كان مقاربا فلا بأس به، وهذا يقتضي كراهة الربح الكثير الذي يزيد على قدر الأجل لأنه يشبه بيع الأجل وهذا يعم بيع المرابحة والمساومة. . . والله أعلم.
مفتي البلاد السعودية
في 12/ 5 / 1386 هـ
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز عن حكم البيع إلى أجل وبيع التورق والعينة والقرض بالفائدة فأجاب وفقه الله:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه.
أما بعد فقد سئلت عن حكم بيع كيس السكر ونحوه بمبلغ مائة وخمسين ريالا إلى أجل وهو يساوي مبلغ مائة ريال نقدا.
والجواب عن ذلك أن هذه المعاملة لا بأس بها، لأن بيع النقد غير بيع التأجيل ولم يزل المسلمون يستعملون مثل هذه المعاملة، وهو كالإجماع
منهم على جوازها، وقد شذ بعض أهل العلم فمنع الزيادة لأجل الأجل وظن ذلك من الربا، وهو قول لا وجه له وليس من الربا في شيء لأن التاجر حين باع السلعة إلى أجل إنما وافق على التأجيل من أجل انتفاعه بالزيادة، والمشتري إنما رضي بالزيادة من أجل المهلة، وعجزه عن تسليم الثمن نقدا، فكلاهما منتفع بهذه المعاملة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جواز ذلك، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم «أمر عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يجهز جيشا فكان يشتري البعير بالبعيرين إلى أجل (1)» ، ثم هذه المعاملة تدخل في عموم قول الله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (2) الآية، وهذه المعاملة من المداينات الجائزة الداخلة في الآية المذكورة، وهي من جنس معاملة بيع السلم فإن البائع في السلم يبيع من ذمته حبوبا أو غيرها مما يصح السلم فيه بثمن حاضر أقل من الثمن الذي يباع به المسلم فيه وقت السلم لكون المسلم فيه مؤجلا والثمن معجلا، فهو عكس المسألة المسئول عنها.
وهو جائز بالإجماع، وهو مثل البيع إلى أجل في المعنى، والحاجة إليه ماسة كالحاجة إلى السلم، والزيادة في السلم مثل الزيادة في البيع إلى أجل سببها فيهما تأخير تسليم المبيع في مسألة السلم، وتأخير تسليم الثمن في مسألة البيع إلى أجل، لكن إذا كان مقصود المشتري لكيس السكر ونحوه بيعه والانتفاع بثمنه وليس مقصوده الانتفاع بالسلعة نفسها فهذه المعاملة تسمى مسألة (التورق)، ويسميها بعض العامة (الوعدة).
وقد اختلف العلماء في جوازها على قولين، أحدهما أنها ممنوعة أو مكروهة لأن المقصود منها شراء دراهم بدراهم، وإنما السلعة المبيعة واسطة غير مقصودة.
والقول الثاني للعلماء جواز هذه المعاملة لمسيس الحاجة إليها، لأنه
(1) سنن أبو داود البيوع (3357)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 171).
(2)
سورة البقرة الآية 282
ليس كل أحد اشتدت حاجته إلى النقد يجد من يقرضه بدون ربا، ولدخولها في عموم قوله سبحانه:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (1) وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (2) ولأن الأصل في الشرع حل جميع المعاملات إلا ما قام الدليل على منعه، ولا نعلم حجة شرعية تمنع هذه المعاملة، وأما تعليل من منعها أو كرهها لكون المقصود منها هو النقد فليس ذلك موجبا لتحريمها ولا لكراهتها، لأن مقصود التجارة غالبا في المعاملات هو تحصيل نقود أكثر بنقود أقل، والسلع المبيعة هي الواسطة في ذلك، وإنما يمنع مثل هذا العقد إذا كان البيع والشراء من شخص واحد كمسألة العينة، فإن ذلك يتخذ حيلة على الربا، وصورة ذلك أن يشتري شخص سلعة من آخر بثمن في الذمة ثم يبيعها عليه بثمن أقل ينقده إياه فهذا ممنوع شرعا لما فيه من الحيلة على الربا، وتسمى هذه المسألة مسألة العينة وقد ورد فيها من حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما ما يدل على منعها، أما مسألة التورق التي يسميها بعض الناس الوعدة فهي معاملة أخرى ليست من جنس مسألة العينة؛ لأن المشتري فيها اشترى السلعة من شخص إلى أجل وباعها من آخر نقدا من أجل حاجته للنقد وليس في ذلك حيلة على الربا لأن المشتري غير البائع، ولكن كثيرا من الناس في هذه المعاملة لا يعملون بما يقتضيه الشرع في هذه المعاملة فبعضهم يبيع ما لا يملك ثم يشتري السلعة بعد ذلك ويسلمها للمشتري، وبعضهم إذا اشتراها يبيعها وهي في محل البائع قبل أن يقبضها القبض الشرعي وكلا الأمرين غير جائز لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لحكيم بن حزام:«لا تبع ما ليس عندك (3)» وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يحل سلف وبيع ولا بيع ما ليس عندك (4)» وقال عليه الصلاة والسلام: «من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه (5)» قال ابن عمر رضي الله عنهما: «كنا نشتري الطعام جزافا فيبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينهانا أن نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا (6)» ، وثبت عنه عليه الصلاة
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة البقرة الآية 282
(3)
سنن الترمذي البيوع (1232)، سنن النسائي البيوع (4613)، سنن أبو داود البيوع (3503)، سنن ابن ماجه التجارات (2188)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 402).
(4)
سنن الترمذي البيوع (1234)، سنن النسائي البيوع (4611)، سنن أبو داود البيوع (3504)، سنن ابن ماجه التجارات (2188)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 403)، سنن الدارمي البيوع (2560).
(5)
صحيح البخاري البيوع (2124)، صحيح مسلم البيوع (1526)، سنن النسائي البيوع (4606)، سنن أبو داود البيوع (3499)، سنن ابن ماجه التجارات (2229)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 22)، موطأ مالك البيوع (1337)، سنن الدارمي البيوع (2559).
(6)
صحيح البخاري البيوع (2124)، صحيح مسلم البيوع (1526)، سنن النسائي البيوع (4606)، سنن أبو داود البيوع (3499)، سنن ابن ماجه التجارات (2229)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 142)، موطأ مالك البيوع (1337)، سنن الدارمي البيوع (2559).
والسلام أيضا أنه «نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم (1)» .
ومن هذه الأحاديث وما جاء في معناها يتضح لطالب الحق أنه لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة ليست في ملكه ثم يذهب فيشتريها بل الواجب تأخير بيعها حتى يشتريها ويحوزها إلى ملكه، ويتضح أيضا أن ما يفعله كثير من الناس من بيع السلع وهي في محل البائع قبل نقلها إلى ملك المشتري أو إلى السوق أمر لا يجوز لما فيه من مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولما فيه من التلاعب بالمعاملات وعدم التقيد فيها بالشرع المطهر، وفي ذلك من الفساد والشرور والعواقب الوخيمة ما لا يحصيه إلا الله عز وجل، نسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق للتمسك بشرعه والحذر مما يخالفه.
أما الزيادة التي تكون بها المعاملة من المعاملات الربوية فهي التي تبذل لدائن بعد حلول الأجل ليمهل المدين وينظره فهذه الزيادة هي التي كان يفعلها أهل الجاهلية.
ويقولون للمدين قولهم المشهور إما أن تقضي وإما أن تربي، فمنع الإسلام ذلك وأنزل الله فيه قوله سبحانه:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (2) وأجمع العلماء على تحريم هذه الزيادة وعلى تحريم كل معاملة يتوصل بها إلى تحليل هذه الزيادة، مثل أن يقول الدائن للمدين اشتر مني سلعة من سكر أو غيره إلى أجل ثم بعها بالنقد وأوفني حقي الأول، فإن هذه المعاملة حيلة ظاهرة على استحلال الزيادة الربوية التي يتعاطاها أهل الجاهلية لكن بطريق آخر غير طريقهم.
فالواجب تركها والحذر منها وإنظار المدين المعسر حتى يسهل الله له القضاء، كما أن الواجب على المدين المعسر أن يتقي الله ويعمل الأسباب الممكنة المباحة لتحصيل ما يقضي به الدين ويبرئ به ذمته من حق الدائنين.
وإذا تساهل في ذلك ولم يجتهد في أسباب قضاء ما عليه من الحقوق
(1) صحيح البخاري البيوع (2124)، صحيح مسلم البيوع (1526)، سنن النسائي البيوع (4606)، سنن أبو داود البيوع (3499)، سنن ابن ماجه التجارات (2229)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 56)، موطأ مالك البيوع (1337)، سنن الدارمي البيوع (2559).
(2)
سورة البقرة الآية 280
فهو ظالم لأهل الحق غير مؤد للأمانة فهو في حكم الغني المماطل، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«مطل الغني ظلم (1)» «وقال عليه الصلاة والسلام للواجد: " يحل عرضه وعقوبته (2)» والله المستعان.
ومن المعاملات الربوية أيضا ما يفعله بعض البنوك وبعض التجار من الزيادة في القرض إما مطلقا وإما في كل سنة شيئا معلوما، فالأول مثل أن يقرضه ألفا على أن يرد إليه ألفا ومائة أو يسكنه داره أو دكانه أو بعيره أو سيارته أو دابته مدة معلومة أو ما أشبه ذلك من الزيادات.
وأما الثاني: فهو أن يجعل له كل سنة أو كل شهر ربحا معلوما في مقابل استعماله المال الذي دفعه إليه المقرض سواء دفعه باسم القرض أم باسم الأمانة.
فإنه متى قبضه باسم الأمانة للتصرف فيه كان قرضا مضمونا، ولا يجوز أن يدفع إلى صاحبه شيئا من الربح إلا أن يتفق هو والبنك أو التاجر على استعمال ذلك المال على وجه المضاربة بجزء مشاع معلوم من الربح لأحدهما والباقي للآخر، وهذا العقد يسمى أيضا القراض وهو جائز بالإجماع لأنهما قد اشتركا في الربح والخسران، والمال الأساسي في هذا العقد في حكم الأمانة في يد العامل إذا تلف من غير تعد ولا تفريط لم يضمنه، وليس له عن عمله إلا الجزء المشاع المعلوم من الربح المتفق عليه في العقد وبهذا تتضح المعاملة الشرعية والمعاملة الربوية.
والله ولي التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(1) صحيح البخاري الحوالات (2287)، صحيح مسلم المساقاة (1564)، سنن الترمذي البيوع (1308)، سنن النسائي البيوع (4691)، سنن أبو داود البيوع (3345)، سنن ابن ماجه الأحكام (2403)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 380)، موطأ مالك البيوع (1379)، سنن الدارمي البيوع (2586).
(2)
سنن النسائي البيوع (4689)، سنن أبو داود الأقضية (3628)، سنن ابن ماجه الأحكام (2427)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 388).
صفحة فارغة
مجمل ما ذكر من النقول في العينة والتورق
1 -
تطلق العينة ويراد بها بيع إنسان من آخر سلعة لأجل بمائة ريال مثلا، ثم شراؤه إياها منه نقدا بأقل من ذلك، وهي بهذا المعنى من أبرز أنواع البيوع في التحيل على الربا وأظهرها في استغلال حاجة المضطرين. وسميت عينة، لأن المقصد منها الحصول على العين، وهو النقد دون قصد حقيقة البيع وتملك السلعة، وقيل: هي فعلة من العون، لأن البائع يستعين بالمشتري على تحصيل مقاصده، وقيل من العناء، وهو تجشم المشقة.
2 -
قال بتحريم العينة بهذا المعنى جمهور العلماء لأدلة:
أ - منها أنها ذريعة قريبة إلى الربا، فكانت حراما، وقد أوضح هذا ابن القيم بوجوه نقلت في الإعداد.
ب - ومنها ما رواه الإمام أحمد في المسند من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعتم بالعينة (1)» . . الحديث ورواه أبو داود في سننه من طريق عطاء الخراساني أن نافعا حدثه عن ابن عمر رضي الله عنهما فذكره.
ج - ومنها ما ذكرته عائشة في قصة زيد بن أرقم وأم ولده ورجوع أم ولده عن أخذ الزيادة من زيد، ولم ينقل أن زيدا رد على عائشة قولها، رضي الله عنهم، ومثل هذا الإنكار من عائشة لا يكون إلا عن توقيف.
د - ومنها قول أنس رضي الله عنه سئل عن العينة: " إن الله لا يخدع، هذا مما حرم الله ورسوله " وقول ابن عباس لما سئل عن حريرة بيعت
(1) سنن أبو داود البيوع (3462)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 28).
بدراهم، ثم اشتراها من باعها بأقل:(دراهم بدراهم بينهما حريرة، هذا مما حرم الله ورسوله) ومثل هذا القول من أنس وابن عباس رضي الله عنهم له حكم المرفوع.
هـ - ومنها ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا (1)» فإنه ينطبق على العينة بالمعنى المتقدم كما صرح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم - رحمة الله عليهما -.
وقال الشافعي يجوز بيع العينة بالمعنى المتقدم ولم يثبت الأحاديث الواردة في النهي عنها، وتأول حديث عائشة رضي الله عنها بحمله على البيع إلى العطاء وهو أجل مجهول، وقال: إن هذه السلعة كسائر مالي، فلم لا أبيع ملكي بما شئت وشاء المشتري وقال: إن قول عائشة عارضه عمل زيد، ورد طعنه في حديث عائشة رضي الله عنها بأن العالية بنت سبيع معروفة برواية ابنها يونس وزوجها.
معارضته قولها بعمل زيد رضي الله عنهما بأنه لم يعرف عنه إنكار قولها أو الإصرار على بقائه على العمل بالعينة، ورد قياسه بأنه قياس مع الفارق ومنقوض بمعارضته لقاعدة سد الذرائع ولأحاديث النهي عن العينة.
3 -
وتطلق العينة أيضا على ما إذا تواطأ المترابيان على الربا ثم عمد إلى رجل عنده متاع فيشتريه منه المحتاج ثم يبيعه للمربي بثمن حال ويقبضه منه ثم يبيعه إياه المربي بثمن أكثر مؤجل وهو ما اتفقا عليه، ثم يعيد المتاع إلى ربه ويعطيه شيئا وهذه تسمى الثلاثية لأنها بيع ثلاثة، وذكر ابن القيم رحمه الله أن هذه الصورة أقبح صور العينة وأشدها تحريما وأنها في البيع شبيهة بصورة المحلل في النكاح.
4 -
قال ابن القيم رحمه الله فيما إذا باع إنسان سلعة بنقد ثم اشتراها ممن باعها له أولا بأكثر منه إلى أجل أن هذه الصورة شبيهة بالعينة في
(1) سنن الترمذي البيوع (1231)، سنن النسائي البيوع (4632)، سنن أبو داود البيوع (3461)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 432).
المقصد لأنه قد ترتب في ذمة كل منهما دراهم مؤجلة بأقل منها نقدا لكن في إحدى الصورتين البائع هو الذي اشتغلت ذمته، وفي الصورة الأخرى المشتري هو الذي اشتغلت ذمته فلا فرق بينهما في الحكم، وذكر أن الإمام أحمد رحمه الله نص في رواية حرب أن هذه الصورة لا تجوز وذكر عن بعض الأصحاب احتمال جواز الصورة الثانية ونقل عنهم الفرق بين الصورتين ثم رده، وقال: ليس في النص ما يدل على اختصاص العينة بالصورة الأولى حتى تتقيد به نصوص مطلقة على تحريم العينة.
5 -
ذكر ابن القيم أن من صور العينة ما إذا اضطر الإنسان إلى مال فاشترى سلعة ليبيعها حتى يحصل على المال الذي يسد به حاجته وقال: قد نص أحمد في رواية أبي داود على أنها من العينة وأطلق عليها اسمها وذكر أيضا أن هذه الصورة تسمى التورق لأن المقصود منها الورق لسد حاجته، وسبقه إلى ذلك ابن تيمية وتبعهما فيه الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ورجحوا تحريمها سواء سميت تورقا أم عينة.
6 -
من صور العينة عند بعضهم أن يكون عند الرجل أمتعة لا يبيعها إلا نسيئة قصدا للزيادة في الربح، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على كراهة ذلك، أما إذا كان يبيع بنقد ونسيئة فلا بأس.
7 -
أطلق التورق على ما ذكر في الفقرة الخامسة ومقتضى تعليل تسميته تورقا بأنه بيع يقصد منه الورق لا تملك السلعة ولا الحاجة إلى استهلاكها أنه يطلق على كل صور العينة.
8 -
الغالب في العينة والتورق أن يكون عقدهما بين موسر ومحتاج أو مضطر وقد ورد النهي عن استغلال المضطر في البيع، وقد يكون عقدهما أحيانا بين موسرين حرصا من المغبون فيهما على زيادة رأس ماله ليتسع نطاق تصرفه في التجارة ونحوها مثلا.