المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الندب إلى المبادرة والمسابقة في الكتاب والسنة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ تمهيد

- ‌(العينة والتورق)

- ‌من مسائل السلم

- ‌الفتاوى

- ‌ إقامة احتفال بمناسبة مولده صلى الله عليه وسلم

- ‌ الوعظ في يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ التاريخ الصحيح لمولد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الكتاب المسمى بالبردة المديح

- ‌ حضور الاحتفالات البدعية

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ /عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

- ‌ الصلاة خلف العاصي

- ‌ من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌ مراعاة المصالح العامة

- ‌ إزالة الشعر الذي ينبت في وجه المرأة

- ‌ ضرب الطالبات لغرض التعليم

- ‌(الوشم)

- ‌ التعاون بالجهر أفضل أم بالسر

- ‌ التعاون على البر والتقوى في البيت

- ‌ العلاج لمن يعصي ويتوب ثم يرجع إلى المعصية

- ‌النص المحقق

- ‌ تعريف الشرك وأقسامه:

- ‌الخاتمة

- ‌المبادرة والمسابقة إلى الأعمال الصالحةفي ضوء الكتاب والسنة

- ‌ المقدمة:

- ‌ الندب إلى المبادرة والمسابقة في الكتاب والسنة

- ‌ الحض على التسابق والتنافس في الباقيات الصالحاتوالتحذير من التنافس في الملذات والشهوات

- ‌ الرسول صلى الله عليه وسلم يتعهد أصحابه بالتربية والقدوة حتى يصبح السبقخلقا من أخلاقهم

- ‌ من نتائج المبادرة والمسابقة وآثارها على الصحابة رضي الله عنهم

- ‌ المبادرة والمسابقة فيها تنشيط للهمم وإذكاء للعزائم وبعث لروح المنافسة بوجود القدوة:

- ‌المراجع

- ‌بطلان علاماته التي ميزوه بها:

- ‌الوضع:

- ‌التبادر إلى الذهن حين الإطلاق:

- ‌صحة النفي:

- ‌اختلاف صيغة الجمع:

- ‌التوقف على المسمى الآخر:

- ‌ما كل ما جاز في اللغة جاز في القرآن:

- ‌المجاز باطل شرعا ولغة وعقلا:

- ‌كيفية وصول اللبن إلى الجوف:

- ‌حكم اللبن إذا خالط غيره أو تبدل طبعه:

- ‌حكم لبن الميتة:

- ‌حكم لبن البكر:

- ‌حكم لبن الرجل:

- ‌حكم لبن الفحل

- ‌ما يثبت به الرضاع:

- ‌المحرمات بسبب الرضاع:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ الندب إلى المبادرة والمسابقة في الكتاب والسنة

2 -

‌ الندب إلى المبادرة والمسابقة في الكتاب والسنة

لئن كانت المبادرة إلى فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات مما أمر الله به عباده على مر العصور وتعاقب الرسالات، فإن ذلك كان في الإسلام أوضح وآكد، وذلك لما لهذا الدين من ميزات على غيره، إذ هو آخر الأديان وخاتمها وأشملها زمانا ومكانا وأكثرها أتباعا، ولهذا فإنه لما أمر صلى الله عليه وسلم أن يجهر بالدعوة - على الرغم من معاداة المجتمع لما جاء به - بادر وانطلق إلى مكان عال مناديا بأعلى صوته:«يا بني عبد مناف إني نذير، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو، فانطلق يربأ أهله، فخشي أن يسبقوه فعجل يهتف يا صباحاه (1)» .

هكذا يصور الرسول صلى الله عليه وسلم مبعثه ويبين بأنه نذير وأن الأمر أعجل من أن يتريث الإنسان فيه أو يسوف، بل ما على الإنسان إلا الدخول في هذا الدين دون تراخ، وقد جاءت نصوص كثيرة من القرآن والسنة تدعو إلى المبادرة والإسراع إلى الاستجابة لله ولرسوله، ومن ذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (2).

وقوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} (3).

ففي هاتين الآيتين أمر الله سبحانه عباده المؤمنين بسرعة الاستجابة

(1) صحيح مسلم " الإيمان "(1/ 193).

(2)

سورة الأنفال الآية 24

(3)

سورة الشورى الآية 47

ص: 251

لله وللرسول مهما كانت ظروفهم ومشاغلهم، وذلك لما في هذه الاستجابة من هدايتهم وصلاحهم وحياتهم حياة طيبة دنيا وآخرة، ونهاهم عن تأخير ذلك أو التباطؤ فيه لئلا يحول بينهم وبين المبادرة إلى الاستجابة حوائل أو يصرفهم عنها صوارف، فيتعرضون إلى عقاب الله أو لومه فيندمون أشد الندم وقد لا ينفعهم - حينئذ - الندم.

وقد جاء عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه أنه قال: «كنت أصلي فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم أتيته فقال: " ما منعك أن تأتي؟ ألم يقل الله:. . . . (2)» الحديث.

وهكذا فقد جاءت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة تدعو إلى المبادرة والسبق إلى فعل الخيرات عموما، وأخرى تدعو إلى المبادرة إلى فعل أعمال مخصوصة بأعيانها.

فمن النصوص التي دعت إلى المبادرة إلى فعل الخيرات عموما:

أولا: من القرآن الكريم:

قوله تعالى:. . . {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3).

وقوله: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (4).

(1) صحيح البخاري " التفسير " 8/ 307.

(2)

سورة الأنفال الآية 24 (1){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}

(3)

سورة البقرة الآية 148

(4)

سورة المائدة الآية 48

ص: 252

والمراد بالاستباق في الآيتين هو المبادرة والمسارعة والاستباق إلى الأعمال الصالحة، كما فسره الطبري (1).

كما جاءت نصوص كثيرة في الكتاب تحض المسلمين على المبادرة والإسراع إلى التوبة من الذنوب عامة، وأن الإنسان لا يعلم الغيب إذ قد يعاجل بالموت وغيره فلا يستطيع التوبة - حينئذ - أو قد لا تقبل منه، ولهذا فقد جاء الندب إلى الإسراع بالتوبة وبالإنابة إلى الله والإقلاع عن المعاصي فور وقوعها لمن تلبس بشيء منها، وعدم التسويف والتمادي، كما جاء الثناء على من غلبت عليه الخشية من الله سبحانه وتعالى وتاب من قريب، ومما دل على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (2).

وقوله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (3).

وقوله تعالى:. . . {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُُونَ} (4).

وقوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (5)

(1) التفسير (3/ 207)، (10/ 390).

(2)

سورة آل عمران الآية 133

(3)

سورة الحديد الآية 21

(4)

سورة النور الآية 31

(5)

سورة النساء الآية 17

ص: 253

{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} (1).

وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (2).

وقد عاتب الله سبحانه وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إذ جاءه الأعمى مسرعا تحدوه الخشية من الله يطلب التذكير والتعليم والاستفتاء فتأخر عنه النبي صلى الله عليه وسلم منشغلا عنه ببعض من كان يطمع في إسلامهم من المشركين فأنزل الله العتاب كما هو في صدر سورة عبس.

ثانيا: من السنة النبوية:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا (3)» .

وبين صلى الله عليه وسلم هذه الفتن فقال: «بادروا بالأعمال ستا الدجال، والدخان، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويصة أحدكم (4)» وفي رواية «وخاصة أحدكم (5)» ، والخاصة أو الخويصة: هي الموت (6) 7).، وأمر العامة: يوم القيامة (7). .

وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: «بادروا بالأعمال سبعا، هل تنتظرون إلا إلى فقر منس، أو غنى مطغ، أو مرض مفسد، أو هرم مفند، أو موت

(1) سورة النساء الآية 18

(2)

سورة الأعراف الآية 201

(3)

صحيح مسلم " الإيمان " باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن (1/ 110).

(4)

صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2947)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 324).

(5)

صحيح مسلم " الفتن "(4/ 2267).

(6)

شرح النووي على مسلم (18

(7)

شرح النووي على مسلم (18/ 7)

ص: 254

مجهز، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر (1)».

ففي هذه الأحاديث الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم الليل المظلم (2).

وقال صلى الله عليه وسلم: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك (3)» .

وقال أيضا: «التؤدة في كل شيء خير إلا في أعمال الخير للآخرة (4)» .

كما جاءت السنة - أيضا - بالحض على المبادرة والمسارعة إلى الخيرات من فعل الطاعات، وترك المحرمات التي تكفر الذنوب وتستر الزلات، وتحصل الثواب والدرجات، وتدعو - أيضا - إلى الإسراع بالإقلاع عن الخطايا والآثام، فمن هذه النصوص مثلا: قوله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة (5)» .

وقوله: «لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان

(1) جامع الترمذي " الزهد " باب ما جاء في المبادرة بالعمل (6/ 592) وقال: غريب حسن لا نعرفه من حديث الأعرج عن أبي هريرة إلا من حديث محرز بن هارون.

(2)

شرح النووي على مسلم (2/ 133).

(3)

اقتضاء العلم العمل (ص 100)، مستدرك الحاكم (4/ 306) وصححه هو والذهبي على شرطهما.

(4)

المستدرك (1/ 64) وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، السنن الكبرى للبيهقي (10/ 194).

(5)

صحيح مسلم " الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار "(4/ 4076).

ص: 255

على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح (1)».

وقوله: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن (2)» .

(1) صحيح مسلم " التوبة "(4/ 2104).

(2)

جامع الترمذي " البر "(6/ 122) وقال: حديث حسن صحيح.

ص: 256

الندب إلى المبادرة بأعمال مخصوصة بأعيانها

وأما الحض والندب إلى الإسراع والمبادرة في أعمال مخصوصة بأعيانها فهذا كثير في الكتاب والسنة، وسأقتصر على ذكر نماذج من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، ومن ذلك:

الجهاد في سبيل الله تعالى:

من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى كتب القتال على عباده المؤمنين مع ما في النفوس من كراهية له، ولهذا فإنه سبحانه وتعالى قد أنزل آيات كثيرة تحض على الجهاد وترغب فيه، وتغري المؤمنين بقتال الكافرين وتستجيش مشاعرهم على قتالهم وأمرهم بسرعة الاستجابة والمبادرة إلى النفير على كل حال، وذلك مسارعة إلى لقاء الله سبحانه وتعالى والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض ورزق أبدي غير منقطع، كما جاء التشنيع على كل من يتثاقل أو يتباطأ في الخروج إلى الجهاد، وبهذا يصبح القتال المكروه إلى النفوس طبعا من أغلى وأحلى ما يتمناه المسلم، يطير إليه شوقا وفرحا باذلا نفسه رخيصة إلى شاريها دونما أدنى مماطلة، وبهذا يتميز المؤمن الصادق من غيره.

فمن الآيات الدالة على الحض على القتال وعدم التأخر في ذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} (1).

وقوله تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} (2). وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (3)

(1) سورة التوبة الآية 111

(2)

سورة النساء الآية 84

(3)

سورة الأنفال الآية 65

ص: 257

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} (1). وقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2).

ومن السنة:

قوله صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق (3)» .

وقوله: «تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي، فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم وريحه ريح مسك، والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل (4)» .

وقوله: «لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها (5)» .

(1) سورة التوبة الآية 38

(2)

سورة التوبة الآية 41

(3)

صحيح مسلم " الإمارة "(3/ 1517).

(4)

صحيح مسلم " الإمارة "(3/ 1495 - 1496).

(5)

صحيح مسلم " الإمارة "(3/ 1499).

ص: 258

كما جاء الأمر بالمبادرة ببذل المال والتصدق في سبيل الله في الكتاب والسنة.

ففي الكتاب: مثلا:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (1).

وقوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} (2).

وفي السنة:

ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغني، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان كذا (3)» وفي رواية لفظ «وأنت صحيح حريص (4)» .

ففي هذه النصوص حث على الإسراع بالتصدق وبذل المال، وتحذير من تأخير ذلك، أو التسويف بالإنفاق استبعادا لحلول الأجل واشتغالا بطول الأمل، والترغيب في المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية وفوات الأمنية، أو قبل نزول الجوائح المالية فيصبح الإنسان فقيرا بعد غناه

(1) سورة البقرة الآية 254

(2)

سورة المنافقون الآية 10

(3)

صحيح البخاري " الزكاة "(3/ 284).

(4)

صحيح البخاري " الوصايا "(5/ 373).

ص: 259

فيعجز عن التصدق إذ لم يغتنم غناه في المبادرة إلى البذل والعطاء.

كما بينت هذه النصوص أن الصدقة حال الصحة مع وجود مظنة الشح والحرص لما يأمله الإنسان من البقاء والحذر من الفقر أصدق في النية وأعظم للأجر، بخلاف من يئس من الحياة ورأى مصير المال لغيره، فسخاوة المريض بالمال في حال مرضه لا تمحو عنه شيمة البخل إذا لم يكن كذلك في حال صحته (1).

وقد جاء الأمر - أيضا - بالمبادرة والإسراع في أداء الصلوات الخمس في أوقاتها والتبكير لصلاة الجمعة والتوجه إليها بالقلوب والنية والخشوع، وأن للمبادر إلى ذلك من الأجر والفضل ما ليس لمن تباطأ وتأخر، بل قد يعاتب أو يعاقب المتأخر بحسب حاله.

فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2).

وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي البدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي الكبش، ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي البيضة (3)» .

وقال صلى الله عليه وسلم: - أيضا - «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير

(1) فتح الباري (3/ 285) بتصرف.

(2)

سورة الجمعة الآية 9

(3)

صحيح مسلم " الجمعة "(2/ 587).

ص: 260

لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا (1)».

ومثل هذا يمكن أن يقال عن باقي العبادات وأعمال الخير والطاعات، فقد جاء الأمر - مثلا - بالإسراع بالحج إذ قال صلى الله عليه وسلم:«من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة (2)» . وهكذا فقد كان الصحابة ومن بعدهم يحضون على المبادرة، وأقوال الصحابة وأفعالهم في هذا لا تحصى كثرة، وسيأتي شيء منها في البحث وإليك بعض أقوال الصالحين ممن جاء بعدهم:

قال المنذر: سمعت مالك بن دينار يقول لنفسه: ويحك بادري قبل أن يأتيك الأمر، ويحك بادري قبل أن يأتيك الأمر حتى كرر ذلك ستين مرة أسمعه ولا يراني (3).

وكان الحسن يقول في موعظة: المبادرة المبادرة، فإنما هي الأنفاس لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز وجل، رحم الله امرءا نظر إلى نفسه وبكى على عدد ذنوبه، ثم قرأ هذه الآية:{إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} (4) يعني الأنفاس، آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك إحياء علوم الدين (4/ 418) وقال الحسن: يتوسد المؤمن ما قدم من عمله في قبره إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا، فاغتنموا المبادرة رحمكم الله في المهلة (5).

(1) صحيح البخاري " الأذان "(2/ 96).

(2)

مسند أحمد (1/ 214).

(3)

إحياء علوم الدين (4/ 418).

(4)

سورة مريم الآية 84

(5)

اقتضاء العلم العمل (ص 97).

ص: 261

وكتب محمد بن سمرة السائح رسالة إلى يوسف بن أسباط يحذره فيها التسويف فكان مما قال: وبادر يا أخي فإنك مبادر بك، وأسرع فإنك مسروع بك، وجد فإن الأمر جد، وتيقظ من رقدتك وانتبه من غفلتك، وتذكر ما أسلفت، وقصرت، وفرطت، وجنيت، وعملت، فإنه مثبت محصى فكأنك بالأمر قد بغتك فاغتبطت بما قدمت، أو ندمت على ما فرطت (1).

(1) اقتضاء العلم العمل (ص 114).

ص: 262