المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما كل ما جاز في اللغة جاز في القرآن: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ تمهيد

- ‌(العينة والتورق)

- ‌من مسائل السلم

- ‌الفتاوى

- ‌ إقامة احتفال بمناسبة مولده صلى الله عليه وسلم

- ‌ الوعظ في يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ التاريخ الصحيح لمولد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الكتاب المسمى بالبردة المديح

- ‌ حضور الاحتفالات البدعية

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ /عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

- ‌ الصلاة خلف العاصي

- ‌ من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌ مراعاة المصالح العامة

- ‌ إزالة الشعر الذي ينبت في وجه المرأة

- ‌ ضرب الطالبات لغرض التعليم

- ‌(الوشم)

- ‌ التعاون بالجهر أفضل أم بالسر

- ‌ التعاون على البر والتقوى في البيت

- ‌ العلاج لمن يعصي ويتوب ثم يرجع إلى المعصية

- ‌النص المحقق

- ‌ تعريف الشرك وأقسامه:

- ‌الخاتمة

- ‌المبادرة والمسابقة إلى الأعمال الصالحةفي ضوء الكتاب والسنة

- ‌ المقدمة:

- ‌ الندب إلى المبادرة والمسابقة في الكتاب والسنة

- ‌ الحض على التسابق والتنافس في الباقيات الصالحاتوالتحذير من التنافس في الملذات والشهوات

- ‌ الرسول صلى الله عليه وسلم يتعهد أصحابه بالتربية والقدوة حتى يصبح السبقخلقا من أخلاقهم

- ‌ من نتائج المبادرة والمسابقة وآثارها على الصحابة رضي الله عنهم

- ‌ المبادرة والمسابقة فيها تنشيط للهمم وإذكاء للعزائم وبعث لروح المنافسة بوجود القدوة:

- ‌المراجع

- ‌بطلان علاماته التي ميزوه بها:

- ‌الوضع:

- ‌التبادر إلى الذهن حين الإطلاق:

- ‌صحة النفي:

- ‌اختلاف صيغة الجمع:

- ‌التوقف على المسمى الآخر:

- ‌ما كل ما جاز في اللغة جاز في القرآن:

- ‌المجاز باطل شرعا ولغة وعقلا:

- ‌كيفية وصول اللبن إلى الجوف:

- ‌حكم اللبن إذا خالط غيره أو تبدل طبعه:

- ‌حكم لبن الميتة:

- ‌حكم لبن البكر:

- ‌حكم لبن الرجل:

- ‌حكم لبن الفحل

- ‌ما يثبت به الرضاع:

- ‌المحرمات بسبب الرضاع:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ما كل ما جاز في اللغة جاز في القرآن:

ألم تر كيف أن الصحابة - رضوان الله عليهم - خادعوا كعب بن الأشرف، حتى كفوا شره وقتلوه، وكان هذا الخداع منهم حسنا ومحمودا، لأنه كان في سبيل نصرة الله ودينه؟

ألم تر أيضا، كيف خدع نعيم بن مسعود رضي الله عنه المشركين في وقعة الأحزاب، وكان خداعه لهم في منتهى الروعة، وقد استحسنه منه النبي صلى الله عليه وسلم وجميع صحبه الكرام؟

وهكذا هذه الألفاظ - إذا أضيفت إلى البارئ سبحانه - فإنها لا تدل إلا على كمال معاني الحق والعدل، غيرها إذا أضيفت إلى المخلوقين، فقد تحتمل إحدى الحالين: الحمد أو الذم، بحسب حالها في كل واقعة وسياق.

ص: 314

‌ما كل ما جاز في اللغة جاز في القرآن:

6 -

ثم إنه ليس كل ما جاز وقوعه في اللغة، كان وقوعه جائزا في القرآن الكريم، فهناك أمور كثيرة أجاز العلماء وقوعها في اللغة، ولم يجيزوا وقوعها في القرآن.

(أ) فـ (الرجوع) الذي هو أحد أنواع البديع المعنوي، ويتمثل في نقض السابق باللاحق، بهدف إظهار ما يشعر به المتكلم من وله وحيرة، بديع المعنى في اللغة، ممنوع في القرآن.

ومثاله قول زهير بن أبي سلمى:

قف بالديار ، التي لم يعفها القدم

بلى ، وغيرها الأرواح والديم

فقد رجع عن قوله: (لم يعفها القدم) بقوله: (بلى وغيرها الأرواح والديم)، لأنه قال العبارة الأولى من غير شعور، ثم ثاب إلى رشده

ص: 314

وعقله، فرجع إلى الحق، ومثل هذا لا يجوز وقوعه في القرآن الكريم ألبتة.

(ب) و (إيراد الجد في قالب الهزل) جميل في اللغة، غير جائز الوقوع في القرآن أيضا.

ومثاله قول الشاعر:

إذا ما تميمي أتاك مفاخرا

فقل: عد عن ذا ، كيف أكلك للضب؟

فقوله: (كيف أكلك للضب؟) جد في قالب الهزل، إذ يقصد تعييرهم بأكلهم للضب، وهذا مما هو ممنوع في القرآن لاستحالة الهزل فيه، والله تعالى يقول:{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} (1){وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} (2).

(جـ) ومثله (حسن التعليل)، كقول المتنبي:

لم تحك نائلك السحاب ، وإنما

حمت به ، فصبيبها الرحضاء

فهو يدعي أن السحاب قد أصابته الحمى، من الغيرة من كرم الممدوح، فانصب منه العرق، وما هذا الماء الذي يتدفق منه إلا ذلك العرق المتصبب من شدة غيرته. والرحضاء: العرق يكون إثر الحمى.

ولا يخفى أن هذا كذب، لا يجوز وقوع مثله في القرآن، وإن كان بديعا معنويا عند أهل اللغة.

(د) ومنه (الغلو والإغراق في المبالغة).

والإغراق: ما أمكن عقلا، واستحال عادة، كقول أبي الطيب:

كفى بجسمي نحولا أنني رجل

لولا مخاطبتي إياك لم ترني

(1) سورة الطارق الآية 13

(2)

سورة الطارق الآية 14

ص: 315

فوصول الشخص إلى هذه الحال من النحول جائز عقلا، ولكنه ممتنع الوقوع عادة.

والغلو: ما استحال عقلا وعادة، ويكون مقبولا - عند أهل البلاغة - في بعض الأحوال، كاشتماله على حسن تخييل، كقول أبي العلاء المعري:

يذيب الرعب منه كل عضب

فلولا الغمد يمسكه لسالا

فذوبان السيف وانصهاره، فرقا من الممدوح، مستحيل عقلا وعادة، إلا أن هذا القول مقبول - عند أهل اللغة - لما فيه من جمال تصوير وبديع خيال.

وكلا المظهرين من مظاهر المبالغة: الإغراق والغلو لا يجوز وقوعهما في القرآن، لأن القرآن حق، ليس فيه شيء من المبالغة والغلو.

(هـ) و (تجاهل العارف) من هذه الأمثلة، التي يستحسن وقوعها في اللغة، مع عدم جواز وقوعها في القرآن الكريم، ومثاله قول فاطمة الخزرجية:

أيا شجر الخابور ، ما لك مورقا؟

كأنك لم تجرع على ابن طريف

وقول الشاعر:

بالله يا ظبيات القاع قلن لنا:

ليلاي منكن أم ليلى من البشر؟

(و) ومنه أخيرا، ما يسمونه (الاستعارة التخييلية) حيث يتخيلون شيئا لا وجود له، بل هو أمر وهمي، ثم يستعيرون له، كقول أبي تمام:

لا تسقني ماء الملام ، فإنني

صب ، قد استعذبت ماء بكائي

فقد توهم للملام ماء، فأطلق اسمه عليه، على سبيل الاستعارة التخييلية، ومعلوم أن كلام الله لا يجوز في حقه شيء من مثل هذا التخييل، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.

ومن هذا كله، يتبين لنا أن ليس كل ما جاز وقوعه في اللغة، جاز

ص: 316