الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يثبت به الرضاع:
-
يثبت الرضاع بالشهادة أو الإقرار:
1 -
ثبوت الرضاع بالشهادة:
اختلف الفقهاء في عدد الشهود المقبولين في الشهادة على الرضاع، وفي قبول شهادة النساء، فقد ذهب فريق من الفقهاء إلى القول بقبول شهادة النساء، وقالوا تكفي في ذلك امرأة واحدة إذا كانت مرضية الشهادة، وبنوا حرمة النكاح على هذا الرضاع الذي ثبت بشهادتها، وهذا قول طاوس والزهري والأوزاعي وابن أبي ذئب وسعيد بن عبد العزيز.
واستدلوا بما روي «عن عقبة بن الحارث قال: تزوجت أم يحيى بأبي إهاب، فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: " وكيف وقد زعمت ذلك؟ (1)» . متفق عليه، وفي لفظ رواه النسائي قال:«فأتيته من قبل وجهه فقلت: إنها كاذبة، قال: " كيف وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ خل سبيلها (2)» . وهذا يدل على الاكتفاء بشهادة المرأة الواحدة.
وقال الزهري: فرق بين أهل أبيات في زمن عثمان بشهادة امرأة في الرضاع.
وقال الشعبي: كانت القضاة تفرق بين الرجل والمرأة بشهادة امرأة واحدة في الرضاع؛ لأن هذا شهادة على عورة فقبل فيها شهادة النساء المنفردات كالولادة.
(1) صحيح البخاري كتاب الشهادات (2659)، سنن الترمذي الرضاع (1151)، سنن النسائي النكاح (3330)، سنن أبو داود الأقضية (3603)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 384)، سنن الدارمي كتاب النكاح (2255).
(2)
صحيح البخاري النكاح (5105)، سنن الترمذي الرضاع (1151)، سنن النسائي النكاح (3330)، سنن أبو داود الأقضية (3603)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 384)، سنن الدارمي كتاب النكاح (2255).
وقال الشافعي: تقبل فيه شهادة النساء المنفردات فقبل فيه شهادة المرأة المنفردة كالخبر.
فإذا شهدت المرأة يجب أن تبين؛ لأن نوع لبن الرضاع المحرم يختلف فيه الفقهاء. فمنهم من جعله مرة، ومنهم من قال ثلاث، ومنهم من قال خمس رضعات، ومنهم من قال سبع رضعات، ومنهم من قال عشر رضعات، فإذا لا بد أن تبين المرأة وأن لا تكون لها مصلحة في قولها، أما إذا كانت لها مصلحة في قولها فإنها تكون متهمة فلا تقبل شهادتها.
وذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى قبول شهادة المرأة الواحدة بشرط أن تحلف يمينا، وهو قول إسحاق، وقد روي عن ابن عباس أنه قال في امرأة زعمت أنها أرضعت رجلا وأهله فقال: إن كانت مرضية استحلفت وفارق امرأته، وإن كانت كاذبة لم يحل الحول حتى تبيض ثدياها (يعني يصيبها برص عقوبة على كذبها) وقد علق على هذا القول ابن قدامة في كتابه المغني بما يلي: وهذا لا يقتضيه قياس ولا يهتدي إليه رأي، فالظاهر أنه لا يقوله إلا توقيفا (1).
وذهب فريق إلى القول بعدم قبول شهادة المرأة الواحدة، واشترطوا لذلك اثنتين فأكثر حتى تقبل شهادتهما، أما الواحدة فلم يقبلوا شهادتها. وهو قول الحكم ورواية عن الإمام أحمد - رحمه
(1) المغني لابن قدامة جـ 8 ص 161.
الله -، وقالوا: إن الرجال أكمل من النساء، ومع ذلك لا تقبل شهادة الرجل الواحد، بل يشترط رجلان في الشهادة، ففي النساء أولى أن يشترط امرأتان، وذهب فريق إلى عدم قبول شهادة النساء في ذلك حتى يبلغن أربعا، وقالوا: كل امرأتين يعتبران عوضا عن رجل.
وذهب الحنفية إلى عدم قبول شهادة النساء منفردات، بل يجب أن تكون الشهادة من رجلين أو رجل وامرأتين، وهو قول عمر بن الخطاب، واحتجوا بقوله تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (1).
فإذا شهد الشهود بين يدي الزوجين بأن بينهما رضاعا ففي هذه الحالة وجبت عليهما الفرقة، سواء حصل بينهما دخول أم لا، غاية ما هنالك أنه إن حصلت الشهادة بعد الدخول يجب أن يقول الزوج: فسخت العقد أو أن الزوجة تقول ذلك، أما إذا كان قبل الدخول فيكفي المفارقة في الأبدان وأن لا يجتمعا (2).
أما إذا أصرا على زواجهما ولم يفسخاه ووطئها بعد ذلك فإنهما يأثمان، ولكن لا حد عليهما لوجود شبهة، والحد يدرأ بالشبهات
(1) سورة البقرة الآية 282
(2)
الفقه على المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيري جـ 1 ص 271.
لقوله صلى الله عليه وسلم: «ادرءوا الحدود بالشبهات (1)» ووجب على القاضي أن يفرق بينهما، وإذا فرق بينهما القاضي فإن حصل جماع بعد فرقة القاضي لزمهما الحد، أما إذا أخبر الشهود المرأة وحدها بأنه بين زوجها وبينها رضاع وكان الزوج غائبا، فالواجب على المرأة أن لا تمكنه من نفسها ووجب عليها فسخ العقد وإذا لم يفسخاه يفسخه القاضي.
أما إذا سمعت قول الشهود ثم أرادت أن تتزوج بغيره قبل أن يفسخ العقد فلا يجوز لها ذلك. وأما إذا أخبر الزوج وحده بأن بينهما رضاعا فيلزمه مفارقتها، وأن لا يطأها بعد علمه بذلك، وإن وطئها أثم.
ولا يشترط لأداء الشهادة أن تكون هناك خصومة ودعوى؛ لأن الشهادة في هذا من باب الحسبة؛ لأنها تتضمن حرمة البضع وحرمة البضع حق لله تبارك وتعالى، وحق الله تجوز فيه الحسبة بخلاف حق العبد.
والراجح أن شهادة المرضعة وحدها لا تكفي؛ لأنها شهادة على فعل نفسها، ولو فتح هذا الباب لم تشأ امرأة أن تفرق بين زوجين إلا فعلت.
2 -
ثبوت الرضاع بالإقرار: -
إذا أقر الرجل بأن زوجته أخته من الرضاعة أو خالته أو عمته وصدقته في ذلك، أو أقرت الزوجة وصدقها الزوج انفسخ العقد،
(1) الفقه على المذاهب الأربعة جـ 1 ص 272.
فإن كان قبل الدخول فلا شيء لها من المهر، أما إذا كان بعد الدخول فلها الأقل من المسمى أو مهر المثل (1).
أما إذا أقر الزوج وكذبته الزوجة، فإذا قال: إنها أختي من الرضاع أو خالتي أو عمتي وكذبته فيما قال - فإن إقراره ملزم له، فيؤاخذ بإقراره ويلزم به. ولا يقال: إنه إنما أقر لكي يتخلص منها؛ لأنه لو أراد أن يتخلص من الزواج فهو المالك لعقدة النكاح وبيده الطلاق ويستطيع أن يفارقها بالطلاق، لذلك جاز إقراره هنا. إلا أنه إن كان قبل الدخول لزمه نصف المهر، وإن كان بعد الدخول لزمه جميع المهر؛ لأنه ربما قصد من الإقرار تفويت المهر.
أما إذا أقرت الزوجة وكذبها الزوج ففي هذه الحالة لا يعتبر إقرارها؛ لأنها متهمة فيه وربما تريد التخلص من الزوج.
فإذا طلقها الزوج بعد إقرارها وقبل الدخول فلا مهر لها ولا تستحق نصف المهر؛ لأنها أقرت بفساد العقد، وكذلك الشأن لو أقرت بالرضاع ثم ماتت فإنها لا تستحق المهر؛ لأنها أقرت بفساد العقد في حياتها.
وإذا أقر أحد الأولياء العاقدين للنكاح على الرضاع وصدقه الآخر صح الإقرار وانفسخ العقد، وذلك مثل أن يزوج أبو الصغير الصغير من ابنة شخص آخر صغيرة، وتولى العقد أبواهما
(1) البحر الزخار لابن المرتضى جـ 3 ص 270