الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمجاز: (هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له أولا)، مأخوذا من (الجواز)، وهو الانتقال من حال إلى حال، ومنه: جاز فلان من جهة كذا إلى جهة كذا، وهو مخصوص - إذا أطلق - بانتقال اللفظ من جهة الحقيقة إلى غيرها.
وتراهم - إذا أرادوا الوصول إلى غاية الدقة في تعريفه - وضعوا له حدا يقول: (إنه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له في اصطلاح التخاطب لعلاقة مع وجود قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعي).
قالوا: فالأسد والحمار لفظان جعلا في أصل وضعهما، للدلالة على البهيمة المعروفة، فهما - بهذا الاعتبار - حقيقة، ثم إنهما نقلا عن أصل وضعهما، اللذين كانا عليه، إلى معنى جديد للدلالة على الشجاع والبليد، فأصبحا - بعد النقل - مجازا.
وكذلك العين والرأس. هما حقيقة إن دلا على العضوين المعروفين في الإنسان، أما إذا استعملا في غيرهما صارا مجازا، كأن نقول: عين الشمس، وعين الحقيقة، وعين الماء، والعين الذي هو الجاسوس، وكذا رأس الدرب، ورأس المال، ورأس الدولة، ورأس الأمر، ورأس الجبل.
بطلان علاماته التي ميزوه بها:
وقد ذكر القائلون بالمجاز علامات يعرف بها المجاز، ويتميز بها - عندهم - عن الحقيقة:
الوضع:
1 -
وأول هذه العلامات التي مازوا بها الحقيقة من المجاز: أصل وضع اللفظ، فإذا كان اللفظ قد وضع أصلا للدلالة على معنى معين
فهو حقيقة في دلالته على ذلك المعنى، أما إذا دل على معنى آخر - لم يكن قد وضع أصلا للدلالة عليه - فهو مجاز في الدلالة على هذا المعنى الجديد. .
قالوا: ونعرف ذلك بطريق النقل عن أهل اللغة، كأن يقول الواضع: هذا حقيقة، وذاك مجاز، أو يقول: هذا اللفظ مستعمل فيما وضع له، وذاك مستعمل في غير ما وضع له.
والقول بأن العرب قد وضعوا هذا اللفظ المعين، للدلالة على هذا المعنى بالذات دون غيره من المعاني، واستعملوه فيه مدة قصيرة أو طويلة على الحقيقة، ثم نقلوه - بعد ذلك - للدلالة على معنى آخر مستحدث، غير معناه الأول، الذي كانوا وضعوه له، ثم استعملوه فيه على المجاز، ليس إلا عبارة عن دعوى بلا علم، وقول لا يقوم عليه دليل، للأسباب التالية:
(أ) إن ادعاء وضع أي لفظ كان - في أصل وضعه الأول - للدلالة على معنى معين بالذات دون غيره من المعاني، لا يمكن الوصول إليه إلا بطريق الوحي أو خبر الصادق المعلوم بالضرورة صدقه، وأنى لبشر أيا كان - حاشا الأنبياء - ادعاء مثل هذا؟؟
إن مثل هذا غيب، لا يمكن لأحد الجزم به، لأن أحدا منا لم يكن مع أهل اللغة الأولين، ليعرف أنهم وضعوا هذا اللفظ - أول ما وضعوه - للدلالة على هذا المعنى المعين بالذات، ولا هم أخبرونا بشيء من هذا عن طريق نص صريح صحيح يمكن الاعتماد عليه أو الركون إليه.
(ب) ثم إن مثل هذا الادعاء مبني على القول بأن ألفاظ اللغة
اصطلاحية، بمعنى أن مجموعة من العقلاء قد اجتمعوا، واصطلحوا على أن يطلقوا هذا اللفظ على هذا المسمى، ثم استعملوا - بعد هذا الاتفاق - هذا المعنى في الدلالة على هذا المعنى دون غيره، وبعد مرور فترة من الوقت - طويل أو قصير - اجتمعوا مرة أخرى - كاجتماعهم الأول - وتواطئوا على أن يستعملوا ذلك اللفظ، في معنى آخر غير المعنى الأول - جد عليهم - لاكتشافهم وجود علاقة بين هذا اللفظ، وبين هذا المعنى الجديد، ثم قالوا: هذا اللفظ حقيقة في الدلالة على المعنى الأول، مجاز في الدلالة على المعنى الثاني.
ونحن لا نعلم أحدا تجرأ على القول بمثل هذا القول، إلا ما نقل عن أبي هاشم الجبائي المعتزلي أنه قاله وبسببه خاض معركة كلامية مع صديقه القديم أبي حسن الأشعري، الذي قال في مبدأ اللغات: إنها توقيفية (1).
(جـ) إن الذي يعرفه الناس جميعا، هو استعمال الألفاظ في معانيها المفهومة منها، وأما أن يكون أهل اللغة قد وضعوا هذا اللفظ لهذا المعنى لا يتعداه إلى غيره، فهذا خلاف المعقول والمنقول.
ففي قوله تعالى - مثلا - {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (2)، قالوا: الجناح - هنا - مجاز، إذ أن الملك ليس له جناح من ريش، وهذا - بلا شك - قول فاسد، بل هو من أفسد الأقوال، فمن ذا الذي جاءنا بنقل ثابت
(1) نقل هذا القول عنه: ابن تيمية في (الفتاوى): 7/ 90).
(2)
سورة فاطر الآية 1