المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المجاز باطل شرعا ولغة وعقلا: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ تمهيد

- ‌(العينة والتورق)

- ‌من مسائل السلم

- ‌الفتاوى

- ‌ إقامة احتفال بمناسبة مولده صلى الله عليه وسلم

- ‌ الوعظ في يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ التاريخ الصحيح لمولد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الكتاب المسمى بالبردة المديح

- ‌ حضور الاحتفالات البدعية

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ /عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

- ‌ الصلاة خلف العاصي

- ‌ من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌ مراعاة المصالح العامة

- ‌ إزالة الشعر الذي ينبت في وجه المرأة

- ‌ ضرب الطالبات لغرض التعليم

- ‌(الوشم)

- ‌ التعاون بالجهر أفضل أم بالسر

- ‌ التعاون على البر والتقوى في البيت

- ‌ العلاج لمن يعصي ويتوب ثم يرجع إلى المعصية

- ‌النص المحقق

- ‌ تعريف الشرك وأقسامه:

- ‌الخاتمة

- ‌المبادرة والمسابقة إلى الأعمال الصالحةفي ضوء الكتاب والسنة

- ‌ المقدمة:

- ‌ الندب إلى المبادرة والمسابقة في الكتاب والسنة

- ‌ الحض على التسابق والتنافس في الباقيات الصالحاتوالتحذير من التنافس في الملذات والشهوات

- ‌ الرسول صلى الله عليه وسلم يتعهد أصحابه بالتربية والقدوة حتى يصبح السبقخلقا من أخلاقهم

- ‌ من نتائج المبادرة والمسابقة وآثارها على الصحابة رضي الله عنهم

- ‌ المبادرة والمسابقة فيها تنشيط للهمم وإذكاء للعزائم وبعث لروح المنافسة بوجود القدوة:

- ‌المراجع

- ‌بطلان علاماته التي ميزوه بها:

- ‌الوضع:

- ‌التبادر إلى الذهن حين الإطلاق:

- ‌صحة النفي:

- ‌اختلاف صيغة الجمع:

- ‌التوقف على المسمى الآخر:

- ‌ما كل ما جاز في اللغة جاز في القرآن:

- ‌المجاز باطل شرعا ولغة وعقلا:

- ‌كيفية وصول اللبن إلى الجوف:

- ‌حكم اللبن إذا خالط غيره أو تبدل طبعه:

- ‌حكم لبن الميتة:

- ‌حكم لبن البكر:

- ‌حكم لبن الرجل:

- ‌حكم لبن الفحل

- ‌ما يثبت به الرضاع:

- ‌المحرمات بسبب الرضاع:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المجاز باطل شرعا ولغة وعقلا:

وقوعه في القرآن، لأنه كلام الله سبحانه، وكلام الخالق لا يقاس بكلام المخلوق ولا يخضع لمعاييره.

ص: 317

‌المجاز باطل شرعا ولغة وعقلا:

7 -

ثم إن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز، باطل شرعا ولغة وعقلا:

(أ) فالشرع لم يرد بهذا التقسيم، ولا دل عليه، ولا أشار - في شيء من نصوصه - إليه.

(ب) وأهل اللغة لم يصرحوا أبدا، بأن العرب قسموا لغتهم إلى حقيقة ومجاز، ونحن لا نجد مثل هذا القول، لا في كلام الصحابة ولا التابعين ولا تابعي التابعين، ولا في كلام أئمة اللغة كالخليل وسيبويه والفراء وأبي عمرو بن العلاء والأصمعي. فدل ذلك على أنه أمر ما كانوا يعرفونه ولا يلتفتون إليه.

(جـ) والعقل لا مدخل له في دلالة الألفاظ على معانيها، ولو كانت دلالة كل لفظ على معناه صنعة عقلية لما اختلفت باختلاف الأمم، ولما جهل أحد في الدنيا معنى لفظ من الألفاظ، أيا كان ذلك اللفظ.

وأخيرا. . فهل بقي - بعد هذا كله - في أكف القائلين بالمجاز والحاملين لواءه والمدافعين عنه - من حجج وتعللات، يتعللون بها لإثبات وجوده، وقد تساقطت دعاواهم، وتهافتت أقوى مستنداتهم، وبدت ترهات وتخاييل، في أغلبها لا تسمن شيئا، ولا تغني - في ميزان الحق والنصفة - من جوع.

ص: 317

صفحة فارغة

ص: 318

الرضاع وأحكامه في الفقه الإسلامي

محمد عودة السلمان

الرضاع: لغة: بفتح الراء وكسرها وإثبات التاء اسم لمص الثدي وشرب لبنه. جاء في لسان العرب: رضع الصبي وغيره يرضع مثال ضرب يضرب لغة نجدية ورضع مثل سمع يرضع رضعا ورضعا ورضاعا ورضاعة فهو راضع والجمع رضع (1).

وشرعا: اسم لحصول لبن امرأة أو ما حصل منه في معدة طفل أو دماغه (2).

وقد ثبت تحريم الرضاع للنكاح بكتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وإجماع علماء المسلمين رحمهم الله:

(أ) تحريم الرضاع بالكتاب: الراجع إلى كتاب الله العزيز يجد أنه قد حرم الزواج بعدد من النساء بسبب الرضاع، وقد نص الكتاب على حرمتهن في قوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (3).

(ب) تحريم الرضاع بالسنة الشريفة: كما جاء الكتاب العزيز ناصا على التحريم بسبب الرضاع، فكذلك جاءت السنة المطهرة مؤكدة لهذا التحريم ومبينة له، ومفصلة للمحارم بسبب الرضاع، وقد ورد أكثر من أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم محرما للرضاع، فقد روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة (4)» متفق

(1) لسان العرب، مادة رضع جـ 8 ص 124.

(2)

مغني المحتاج للشربيني جـ 3 ص 414.

(3)

سورة النساء الآية 23

(4)

المغني لابن قدامة جـ 8 ص 139.

ص: 319

عليه، وكذلك ما رواه النسائي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (1)» .

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة: «لا تحل لي، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وهي ابنة أخي من الرضاع (2)» رواه البخاري ومسلم. وغيرها كثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي جاءت مثبتة لحرمة الرضاع، وهي من الكثرة بمكان.

(جـ) الإجماع: الذي يرجع إلى أقوال العلماء في حكم الرضاع يجد أنهم مجمعون على تحريم الرضاع للنكاح، ولم يشذ أحد منهم عن ذلك، إلا أنهم قد اختلفوا في نوعية هذا الرضاع أو كميته أو زمانه أو كيفية وصول اللبن إلى الجوف، ولم يذكر خلاف إطلاقا عن عدم تحريم الرضاع للنكاح، بل الكل مجمعون على ذلك منذ عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا، حتى شاع وانتشر وأصبح معلوما من الدين بالضرورة.

وقد اختلف الفقهاء في عدد الرضعات التي تكون ناشرة لحرمة الزواج إلى خمسة أقوال: -

القول الأول:

ذهب الحنفية إلى عدم اشتراط مقدار معين من الرضعات، بل قالوا: كل ما وصل إلى الجوف وفتق الأمعاء وأنشز العظم تنتشر بواسطته الحرمة سواء كان اللبن الواصل قليلا أو كثيرا، وهذا هو رأي الإمام مالك؛ حيث جاء في المدونة: قال سعيد بن سحنون: قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أتحرم المصة والمصتان في قول مالك؟ قال: نعم (3).

وهذا مذهب فريق كبير من الصحابة والتابعين وعدد من العلماء،

(1) صحيح البخاري الشهادات (2645)، صحيح مسلم الرضاع (1447)، سنن النسائي النكاح (3306)، سنن ابن ماجه النكاح (1938)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 275).

(2)

صحيح البخاري الشهادات (2645)، صحيح مسلم الرضاع (1447)، سنن النسائي النكاح (3306)، سنن ابن ماجه النكاح (1938)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 339).

(3)

المدونة جـ 2 ص 288.

ص: 320

فهو قول الإمام علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وحماد والأوزاعي والثوري والليث، حتى زعم الليث أن الإجماع قد انعقد على أن الرضاع يحرم، سواء كان قليلا أو كثيرا ويحرم به كل ما يفطر الصائم (1).

والقائلون بهذا الرأي احتجوا بعدة أدلة، نذكر منها ما يلي:

أولا: استدلوا بقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (2) قالوا: إن الآية هنا عامة تتناول جميع أنواع الرضاع سواء كان قليلا أم كثيرا وأنها لم تنص على مقدار معين من الرضعات.

ثانيا: استدلوا بما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال في بنت حمزة: «إنها ابنة أخي من الرضاع (3)» وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لابنة أبي سلمة: «إنها ابنة أخي من الرضاع (4)» (5) ففي هذين الحديثين أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم دون تقييد، ولما كانت مطلقة فإنها تتناول كل رضاع سواء كان قليلا أم كثيرا.

ثالثا: استدلوا بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة لما سألته عن أفلح: «إنه عمك فليلج عليك (6)» (يعني عمها من الرضاع)، وكذلك «قوله صلى الله عليه وسلم لحفصة رضي الله عنها عندما سألته عن عمها من الرضاع فقال لها: أري فلانا (7)» (يعني عمها من الرضاع).

رابعا: وكذلك استدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما الرضاعة من المجاعة ولا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء (8)» فقالوا: لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك عددا للرضاع المحرم ولو كان هناك عدد لبينه صلوات الله وسلامه عليه، فلما لم يبين دل ذلك على عدم اشتراط العدد (9).

خامسا: استدلوا بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لسهلة بنت سهيل زوجة أبي

(1) المغني جـ 8 ص 140.

(2)

سورة النساء الآية 23

(3)

صحيح البخاري الشهادات (2645)، صحيح مسلم الرضاع (1447)، سنن النسائي النكاح (3306)، سنن ابن ماجه النكاح (1938)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 290).

(4)

صحيح البخاري الشهادات (2645)، صحيح مسلم الرضاع (1447)، سنن النسائي النكاح (3306)، سنن ابن ماجه النكاح (1938)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 290).

(5)

المحلى لابن حزم جـ 10 ص 19.

(6)

صحيح البخاري النكاح (5239)، صحيح مسلم الرضاع (1445)، سنن الترمذي الرضاع (1148)، سنن النسائي النكاح (3315)، سنن أبو داود النكاح (2057)، موطأ مالك كتاب الرضاع (1278).

(7)

صحيح مسلم الرضاع (1444)، سنن النسائي النكاح (3313)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 178)، موطأ مالك الرضاع (1277)، سنن الدارمي النكاح (2247).

(8)

صحيح البخاري النكاح (5102)، صحيح مسلم الرضاع (1455)، سنن النسائي النكاح (3312)، سنن أبو داود النكاح (2058)، سنن ابن ماجه النكاح (1945)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 214)، سنن الدارمي النكاح (2256).

(9)

المحلى جـ 10 ص 20.

ص: 321

حذيفة لما سألته عن سالم: «أرضعيه تحرمي عليه (1)» . ولم يفصل الرسول صلى الله عليه وسلم المقدار الذي يحرم من الرضاع، ولما لم يبين ينصرف اللفظ إلى الجميع قليلا أو كثيرا.

القول الثاني:

وذهب فريق آخر من العلماء إلى أن المصة والمصتين والرضعة والرضعتين لا تنشئ الحرمة، واشترطوا لانتشار الحرمة ثلاث رضعات فأكثر، أما ما كان دون ذلك فلا ينشر الحرمة أبدا، ومن قال بهذا القول أبو عبيدة وأبو ثور، وهو قول داود وابن المنذر، وبه قال سليمان بن يسار وسعيد بن جبير وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه (2).

وقد استدلوا على رأيهم بما جاء في صحيح الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تحرم المصة ولا المصتان (3)» . وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان (4)» . فقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن المرة والمرتين لا تنشر الحرمة، فيبقى ما زاد على ذلك وهو الثلاث، فما زاد وهو أقل الجمع حتى يعتبر في الرضاع.

القول الثالث:

وذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه إلى أن الرضاع لا يحرم إلا ما كان خمس رضعات فأكثر، أما ما كان دون ذلك فلا يمكن أن تنتشر فيه الحرمة (5)، وهو مذهب ابن حزم الظاهري وبه قال الحنابلة (6) وقد استدلوا بما يلي:

(1) صحيح مسلم الرضاع (1453)، سنن النسائي النكاح (3323)، سنن أبو داود كتاب النكاح (2061)، سنن ابن ماجه كتاب النكاح (1943)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 201)، موطأ مالك كتاب الرضاع (1288)، سنن الدارمي كتاب النكاح (2257).

(2)

انظر بداية المجتهد لابن رشد جـ 2 ص 28، المغني لابن قدامة جـ 8 ص 140، المحلى لابن حزم جـ 10 ص 13.

(3)

صحيح مسلم الرضاع (1450)، سنن الترمذي الرضاع (1150)، سنن النسائي النكاح (3310)، سنن أبو داود النكاح (2063)، سنن ابن ماجه النكاح (1941)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 247)، سنن الدارمي النكاح (2251).

(4)

صحيح مسلم الرضاع (1451)، سنن النسائي النكاح (3308)، سنن ابن ماجه النكاح (1940)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 339)، سنن الدارمي النكاح (2252).

(5)

مغني المحتاج جـ 3 ص 414 وبداية المجتهد جـ 2 ص 38.

(6)

المحلى لابن حزم جـ 10 ص 12 والمغني لابن قدامة جـ 8 ص 141.

ص: 322

أولا: ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخ من ذلك خمس وصار خمس رضعات معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل على ذلك (1)» . رواه مسلم.

ثانيا: وكذلك استدلوا بما «روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره سهلة بنت سهيل عندما جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تسأله في شأن سالم، فأمرها أن ترضعه خمس رضعات (2)» (3).

وقالوا بأن آية: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} (4) جملة فسرتها السنة وبينت أن الرضاعة المحرمة هي ما كان خمس رضعات، وقالوا: إن صريح ما رويناه يخصص مفهوم ما رووه، فنجمع بين الأخبار ونحملها على صريح ما رويناه، (5) وكذلك احتجوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«لا تحرم المصة ولا المصتان (6)» .

القول الرابع:

وذهب قوم إلى أن الرضاع المحرم ما كان سبع رضعات فأكثر، أما إذا كان أقل من سبع رضعات فإنه لا تثبت به حرمة النكاح، ويجوز الزواج حتى ولو كان الرضاع حصل ست مرات.

وقد ذكر ابن حزم في كتابه المحلى: وقد روي أيضا سبع رضعات لما روي عن عبد الله بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: «إنما يحرم من الرضاع سبع رضعات (7)» .

(1) صحيح مسلم الرضاع (1452)، سنن النسائي النكاح (3307)، سنن أبو داود النكاح (2062)، موطأ مالك الرضاع (1293)، سنن الدارمي النكاح (2253).

(2)

صحيح البخاري النكاح (5088)، صحيح مسلم الرضاع (1453)، سنن النسائي النكاح (3320)، سنن أبو داود كتاب النكاح (2061)، سنن ابن ماجه كتاب النكاح (1943)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 269)، موطأ مالك كتاب الرضاع (1288)، سنن الدارمي كتاب النكاح (2257).

(3)

المغني لابن قدامة جـ 8 ص 141.

(4)

سورة النساء الآية 23

(5)

المغني لابن قدامة جـ 8 ص 141.

(6)

صحيح مسلم الرضاع (1450)، سنن الترمذي الرضاع (1150)، سنن النسائي النكاح (3310)، سنن أبو داود النكاح (2063)، سنن ابن ماجه النكاح (1941)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 247)، سنن الدارمي النكاح (2251).

(7)

المحلى لابن حزم جـ 10 ص 12 - 13 (مرجع القول الرابع).

ص: 323

القول الخامس:

وذهب فريق خامس إلى أن الرضاع المحرم يجب أن يكون عشر رضعات معلومات لأجل أن تنتشر بسببهن الحرمة، أما إذا كان دون ذلك فلا يمكن أن يكون ناشرا للحرمة.

وقد احتج هذا الفريق بما روي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها «أن سهلة بنت سهيل أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: إن سالما كان منا حيث علمت، كنا نعده ولدا، وكان يدخل علي، فلما أنزل الله عز وجل فيه وفي أشباهه أنكرت وجه أبي حذيفة إذ رآه يدخل علي، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " فأرضعيه عشر رضعات ثم ليدخل عليك كيف شاء فإنما هو ابنك (2)» .

والراجح من هذه الأقوال: هو ما ذهب إليه الحنفية من أن كثير اللبن وقليله محرم للنكاح، دون التقييد بعدد أو مقدار، بل إن الرضعة الواحدة المشبعة تحقق التحريم؛ لأن شبهة البعضية التي هي علة التحريم ناشئة عن نشوء العظم وإنبات اللحم، وهو أمر خفي غير منضبط.

ومن المقرر عند الأصوليين أن علة الحكم إذا لم تكن ظاهرة ولا منضبطة ربط الحكم بما هو مظنة لتلك العلة مما هو ظاهر ومنضبط، وهو في موضوعنا مطلق الرضاع الصادق بمصة واحدة، فقد يكون لها دخل في تكوين جسم الرضيع، هذا في حالة ثبوت واقعة الرضاع قبل الزواج، فإن اكتشف الرضاع بعد الزواج وبعد أن أثقلت الزوجية بالأولاد، فلا بأس بالركوب إلى آراء المذاهب الأخرى حلا للإشكال ودفعا لأشد الضررين وتحقيقا للرحمة الناشئة عن اختلاف الآراء والمذاهب في الشريعة الإسلامية.

(1) صحيح البخاري النكاح (5088)، صحيح مسلم الرضاع (1453)، سنن النسائي النكاح (3224)، سنن أبو داود كتاب النكاح (2061)، سنن ابن ماجه كتاب النكاح (1943)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 269)، موطأ مالك كتاب الرضاع (1288)، سنن الدارمي كتاب النكاح (2257).

(2)

سورة الأحزاب الآية 4 (1){وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ}

ص: 324

السن التي يحرم بها الرضاع:

ذهب فريق كبير من علماء السلف الصالح إلى أن الرضاع المحرم هو ما كان خلال مدة الرضاع فقط، وقدروها بسنتين فإذا رضع الرضيع خلال السنتين ثبتت الحرمة، أما إذا رضع بعد انصرام السنتين فلا رضاع ولا حرمة، ولكثرة من قال بهذا الرأي نستطيع أن نقول بشيء من التسامح إنه رأي الجمهور، ومن الذين قالوا به عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وكافة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم باستثناء أم المؤمنين عائشة، وكذلك قال به الشعبي وابن شبرمة، والأوزاعي والشافعي وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة وأبو ثور ورواية عن الإمام مالك وبه قال الجعفرية والزيدية.

وقد استدل هؤلاء بالأدلة التالية:

أولا: بما روي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها ووجد عندها رجلا فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت يا رسول الله: إنه أخي من الرضاعة، فقال عليه الصلاة والسلام: " انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة (1)» . رواه البخاري ومسلم.

ثانيا: وكذلك استدلوا بما روي عن أم سلمة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام (2)» . أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

لقد تمسك أصحاب هذا الرأي بالحولين ولم يلتفتوا إلى غيرها من الأمور أبدا، فلو فطم الطفل خلال الحولين أو استغنى عن اللبن خلال الحولين ثم أرضع اعتبر رضاعا ناشرا للحرمة، أما إذا لم يفطم الطفل حتى انصرام الحولين وبقي رضيعا ثم أرضع بعد انصرامها ولو بدقائق لا يعتبر محرما.

(1) صحيح البخاري النكاح (5102)، صحيح مسلم الرضاع (1455)، سنن النسائي النكاح (3312)، سنن أبو داود النكاح (2058)، سنن ابن ماجه النكاح (1945)، سنن الدارمي النكاح (2256).

(2)

سنن الترمذي الرضاع (1152).

ص: 325

وقال ابن القاسم صاحب مالك: إذا فطم خلال الحولين ثم أرضع بعد ذلك وقبل انصرام الحولين لا تنتشر الحرمة بهذا الرضاع (1).

وذهب الإمام مالك في المشهور عنه إلى أن المدة التي تثبت بها الحرمة حولان وشهر، وفي رواية حولان وشهران، وقال: إن الطفل متى ما فطم لا بد له من مدة ليعتاد بها على الأكل بدل اللبن، وإن مدة انقلابه من رضيع إلى طفل يأكل الطعام ويتغذى به تحدد بحوالي شهر أو شهرين، ففي هذه الفترة التي ينتقل بها إذا رضع اعتبر هذا الرضاع ناشرا للحرمة، أما إذا انتهت فعنده يصبح الطفل معتادا على الطعام، لذلك لو رضع بعد انتهائها لا يعتبر هذا الرضاع ناشرا للحرمة سواء طالت المدة بعدها أو قصرت (2).

إذا يمكننا أن نقول إن الراجح من مذهب الإمام مالك هو حولان وشهران، وذلك هو الأحوط طالما صحت عنه الأقوال الثلاثة، فنقول بالأحوط وهو أكثر المدة التي ذكرها.

وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن المدة التي تثبت بها الحرمة هي مدة سنتين ونصف، وهي ثلاثون شهرا، فقال: إن الرضاع إذا كان في هذه المدة اعتبر محرما، أما إذا كان بعدها فلا يعتبر محرما، واستدل بقوله تعالى:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (3) فقال: إن المقصود بالحمل هنا هو حمله مدة الرضاع وليس المقصود به حمل الأحشاء، إذ قد يتأخر الطفل في داخل البطن لمدة سنتين، لهذا نعلم أن الله سبحانه وتعالى أراد بالحمل حمل الفطام وليس حمل الأحشاء.

وقال زفر من فقهاء الحنفية: إن مدة الرضاع التي إذا رضع الطفل

(1) الفتاوى الكبرى لابن تيمية جـ 4 ص 589 (مرجع القول الخامس).

(2)

المدونة جـ 2 ص 289.

(3)

سورة الأحقاف الآية 15

ص: 326

خلالها اعتبرت ناشرة للحرمة هي ثلاث سنين فما دون، فمتى ما حصل الرضاع خلال هذه المدة اعتبر محرما أما إذا تجاوزها فإنه لا يعتبر محرما. وحجته في ذلك أن المدة هي حولان ثم يتم له حول ليتحول به من حال إلى حال، أي من حال الرضاع والاعتماد على اللبن إلى حالة الاعتماد على الطعام (1).

وذهب فريق آخر إلى عدم تحديد وقت للرضاع، بل متى حصل الرضاع تثبت به الحرمة، سواء كان في سن الصغر أم الكبر، وهذا مذهب السيدة عائشة، وهو مذهب بعض السلف الصالح، وكذلك من القائلين به ابن حزم الظاهري؛ حيث قال في المحلى: فنحن نوقن ونبت بأن رضاع الكبير يقع به التحريم، وليس في امتناع سائرهن من أن يدخل عليهن (يعني زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم) بهذه الرضاعة شيء ينكر؛ لأن مباحا لهن أن لا يدخل عليهن من لا يحل له الدخول عليهن (2).

ولم يكتف بالقول بثبوت الحرمة بواسطة الرضاع في أي وقت، بل شدد التنكير على من خالفه لا سيما الإمام أبو حنيفة ومالك - رحمهما الله -.

ومن القائلين بالتحريم عطاء والليث وداود، وهو قول ابن تيمية، وقد استدلوا ببعض الأدلة، التي نذكر منها ما يلي:

أولا: احتجوا بقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (3).

فقالوا لم يقل الباري عز وجل في حولين ولا في وقت دون وقت، بل

(1) الهداية جـ 1 ص 162 والأحوال الشخصية لمحمد حسين الذهبي ص 356 (مرجع قول الحنفية).

(2)

المحلى لابن حزم جـ 10 ص 162.

(3)

سورة النساء الآية 23

ص: 327

الآية عامة تتناول جميع الأوقات وكافة الأعمار، وهو عموم لا يجوز تخصيصه إلا بنص يبين أنه مخصص لا بظن ولا بمحتمل بيان فيه.

ثانيا: وكذلك احتجوا بحديث سالم الذي روي من أكثر من طريق، ونكتفي بذكر إحدى الطرق التي ذكروها، وذلك عن طريق مسلم عن عائشة أم المؤمنين «أن سالما مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم، فأتت - يعني سهلة بنت سهيل - إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوا، وإنه يدخل علينا وإني أظن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة (1)» .

وسالم هذا كان كبيرا قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوا من النساء، ومع ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" أرضعيه "، فلو لم يكن رضاع الكبير محرما لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أرضعيه، وطالما حرم الرضاع بعد البلوغ فكما يحرم من في سن الخامسة عشر أو أكثر يحرم من هو في سن الأربعين أو الخمسين.

ثالثا: وكذلك احتجوا بما كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث إنها كانت تدخل الكبير إذا أرضعته إحدى أخواتها حالة كبره، وكانت إذا أرادت إدخال شخص عليها أرسلته إلى إحدى أخواتها أو بنات أختها فترضعه فيدخل عليها.

إلا أن سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم غير عائشة أبين أن يدخل عليهن إلا من رضع وهو في المهد، وقلن لعائشة: والله ما ندري لعلها رخصة لسالم من النبي صلى الله عليه وسلم من دون الناس (2). رواه النسائي وأبو داود وغيرهما.

إلا أن ابن حزم رد على هذا الاعتراض وقال: وهكذا جاء في الحديث

(1) صحيح البخاري النكاح (5088)، صحيح مسلم الرضاع (1453)، سنن النسائي النكاح (3323)، سنن أبو داود كتاب النكاح (2061)، سنن ابن ماجه كتاب النكاح (1943)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 201)، موطأ مالك كتاب الرضاع (1288)، سنن الدارمي كتاب النكاح (2257).

(2)

المغني لابن قدامة جـ 8 ص 28.

ص: 328

أنهن قلن: ما نرى هذا إلا خاصا لسالم وما ندري لعله رخصة لسالم، فإذن هو ظن بلا شك، فإن الظن لا يعارض السنن، قال تعالى:{إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (1) وشتان بين احتجاج أم سلمة رضي الله عنها باختيارها وبين احتجاج عائشة بالسنة الثابتة وقولها: أما لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؟ وسكوت أم سلمة يعني برجوعها إلى الحق عن احتياطها (2).

وهذا رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث ذكر في فتواه ما نصه: ورضاع الكبير تنتشر به الحرمة، بحيث لا يحتشمون للحاجة؛ لقصة سالم مولى أبي حذيفة وهو مذهب عائشة وعطاء والليث وداود ممن يرون أنه ينشر الحرمة مطلقا (3).

والراجح ما ذهب إليه الجمهور؛ لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (4) ولا شيء بعد التمام، أما دليل زفر فلا اعتبار له؛ لأنه لا معقول في مقابلة النص، وأما دليل أبي حنيفة على الوجه الذي ذكره فلا اعتبار له؛ لأن إجماع المفسرين على أن الأجل المضروب في الآية موزعا على الحمل والفصال لا ثابتا لكل منهما، وقد ثبت طبيا أن الرضاعة في الحولين الأولين هي وحدها السبب في تكوين الطفل وأن الرضاعة بعد الحولين لا تكون وحدها غذاء للطفل.

(1) سورة يونس الآية 36

(2)

المحلى لابن حزم جـ 10 ص 128.

(3)

الفتاوى الكبرى لابن تيمية جـ 4 ص 589.

(4)

سورة البقرة الآية 233

ص: 329