الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وهذا فعل صاحب القرآن فهو الذي يغتبط، وإذا كان يغتبط بفعل نفسه كان معناه أنه يسر ويرتاح بعمل نفسه، وقيل: معناه: أن غير صاحب القرآن يغتبط صاحب القرآن بما أعطيه من العمل بالقرآن، فاغتباط صاحب القرآن بعمل نفسه أولى إذا سمع هذه البشارة الواردة في حديث الصادق (1).
فالصحابة رضي الله عنهم وإن كان الخوف والخشية من الله سبحانه وتعالى خلقا غالبا عليهم ودافعا ملازما لهم يدفعهم - دائما - إلى المبادرة والسبق في الطاعة، إلا أنهم كانوا في الوقت نفسه كلهم أملا ورجاء بالله وتوكلا عليه، واستغناء به عن أحد من خلقه، وطمأنينة بحكمه وقضائه وكان هذا الأمل والاطمئنان كذلك دافعا وحافزا لهم على السبق والمبادرة، الأمر الذي جعلهم يضاعفون جهودهم ويتسابقون إلى فعل الخيرات مما كان له كبير الأثر عليهم وعلى الأمة من بعدهم.
(1) فتح الباري (9/ 73).
سابعا -
المبادرة والمسابقة فيها تنشيط للهمم وإذكاء للعزائم وبعث لروح المنافسة بوجود القدوة:
وهكذا فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا روحا نابضة، وقوة متجددة، وصفحة مشرقة لم تزدها الأيام إلا قوة ومضاء ولا الأحداث إلا نصوعا وإشراقا، فكانوا يبادرون إلى كل خير ويتنافسون في الاستباق إليه، ويكفيهم فخرا وعزا أنهم - على رغم ما مروا به من ظروف قاسية - سطروا أروع الأمثلة وأنصعها في بلوغ الكمال الإنساني، إذ من السابقين المضحين
منهم تكون نواة لمجتمع رباني نما واتسع فيما بعد بسرعة فائقة حتى عم خيره بقاع الدنيا بأسرها، ولا تزال آثاره باقية بفضل الله تعالى.
فهذا الذي فعلوه وحققوه ليس ضربا من ضروب الأحلام، أو الخيال، أو المحال، لا بل هو مثال واقع محسوس في دنيا الناس وعلى أرضهم، وسنة سنوها وحازوا سبقها فنالوا أجرها وأجر من تبعهم فيها.
وأخيرا فلئن كانت حياة الصحابة رضي الله عنهم كلها مليئة بالصور المضيئة المشرقة فإنني لأرجو أن أكون قد وفقت في عرضي لجانب من هذه الجوانب المشرقة من حياتهم، وذلك تذكيرا بجهادهم وسبقهم وتنويها بمنزلتهم وفضلهم.
سائلا الله أن يجزيهم عنا خير الجزاء، وأن يمتن علينا بحسن الاتباع والاقتداء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.