الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحتويات
الافتتاحية
الشريعة الإسلامية ومحاسنها وضرورة البشر إليها لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 7
بحث اللجنة
نقل لحوم الهدايا والجزاءات خارج الحرم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 41
الفتاوى
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 67
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 105
البحوث
الأمية في المنظور الإسلامي لمصطفى بن عيد الصياصنة 121
رحمة الله أسبابها وآثارها للدكتور / مسفر بن سعيد بن دماس الغامدي 179
الفتنة والابتلاء لعبيد بن عبد العزيز السلمي 261
بيان هيئة كبار العلماء بالمملكة حول المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة هيئة كبار العلماء 331
تحذير وبيان عن مؤتمر بكين للمرأة لسماحة الشيخ / عبد العزيز 335
حكم الإسلام في شعر الرأس الصناعي لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 337
الكشاف عبد الله بن محمد بن قعود 341
صفحة فارغة
الافتتاحية
الشريعة الإسلامية ومحاسنها وضرورة البشر إليها
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلما كانت المحاضرات العلمية من خير الوسائل لإيضاح الحقائق وإبراز محاسن الشيء المحاضر عنه، وبسط الكلام فيه بعض البسط، رأيت أن يكون موضوع كلمتي:(الشريعة الإسلامية ومحاسنها وضرورة البشر إليها). وإنما اخترت هذا الموضوع لأهميته العظيمة، كما لا يخفى، فإن البحث في الشريعة الإسلامية وما يتعلق بمحاسنها ومصالحها وعنايتها بالعباد، وما يتعلق بالضرورة إليها أمر عظيم، والحاجة إليه شديدة، والتفقه فيه والعناية به من أهم الأشياء. فلأهمية هذا الموضوع وعظم شأنه، ومسيس الحاجة إلى المزيد من الفقه فيه والبصيرة رأيت أن يكون موضوع الكلمة. وبهذا يتضح لإخواني أن هذه الكلمة ذات شقين: أحدهما: الشريعة الإسلامية ومحاسنها. والثاني: ضرورة البشر إليها. وسأتكلم إن شاء الله على الشقين جميعا.
أما الشق الأول: وهو ما يتعلق بالشريعة الإسلامية ومحاسنها: فمن المعلوم لدى المسلمين ولدى كل من له أدنى علم بالواقع في الأزمان الماضية أن الله - جل وعلا - بعث الرسل جميعا - عليهم الصلاة والسلام - بدين الإسلام من أولهم نوح إلى آخرهم محمد - عليهم الصلاة والسلام -
بل أبونا آدم عليه السلام كان على الإسلام، والقرون التي كانت بعده إلى أن حدث الشرك في قوم نوح، كلهم كانوا على الإسلام، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، ثم حدث الشرك في قوم نوح بعبادة الصالحين، ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، فأرسل الله نوحا عليه الصلاة والسلام إلى قومه لما وقع فيهم الشرك، وكان أول رسول إلى أهل الأرض كما جاءت به الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
فالرسل - عليهم الصلاة والسلام - جميعا بعثهم الله من أولهم إلى آخرهم بدين الإسلام، كما قال الله عز وجل:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (1)، فأوضح سبحانه أن الدين عنده هو الإسلام لا دين سواه عنده سبحانه وتعالى. ثم أكد ذلك سبحانه بآية أخرى، فقال - جل وعلا -:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2)، فبين عز وجل أن جميع الطرق مسدودة إلا هذا الطريق وهو الإسلام، وأوضح سبحانه وتعالى أن الإسلام هو الدين الذي يقبل من جاء من طريقه، ومن جاء من غير طريقه لا يقبل، وقال عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (3)، فخاطب هذه الأمة على يد رسوله محمد عليه الصلاة والسلام بأنه أكمل لها الدين، وأتم عليها النعمة، ورضي لها الإسلام دينا، فدل ذلك على أن دين الإسلام: هو دين محمد عليه الصلاة والسلام، وهو دين هذه الأمة، كما أنه هو دين الأنبياء الماضين والرسل أجمعين - عليهم الصلاة والسلام -. ثم أيد ذلك
(1) سورة آل عمران الآية 19
(2)
سورة آل عمران الآية 85
(3)
سورة المائدة الآية 3
بقوله سبحانه: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (1) فخاطب هذه الأمة بأنه شرع لهم من الدين ما وصى به نوحا، {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} (2) يعني: يا محمد عليه الصلاة والسلام.
فالله - جل وعلا - شرع لهذه الأمة ما وصى به نوحا من إقامة أمر الإسلام والاستقامة عليه والاجتماع عليه، وما أوحى به إلى محمد عليه الصلاة والسلام من الاستقامة في الدين والاجتماع عليه، كما في قوله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (3)، وبقوله جل وعلا:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (4)، فعلم بهذا أنه شرع لنا سبحانه ما شرع للأنبياء الماضين والرسل الأقدمين {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (5) وقال عز وجل:{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (6){إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (7){وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (8)، فبين سبحانه أن إبراهيم وصى ذريته بالإسلام، وهكذا يعقوب أوصى بنيه بذلك، وذكر عن نوح عليه الصلاة والسلام أيضا ما يدل على ذلك، فقال جل وعلا في سورة يونس في قصة نوح أنه قال
(1) سورة الشورى الآية 13
(2)
سورة الشورى الآية 13
(3)
سورة آل عمران الآية 103
(4)
سورة آل عمران الآية 105
(5)
سورة الشورى الآية 13
(6)
سورة البقرة الآية 130
(7)
سورة البقرة الآية 131
(8)
سورة البقرة الآية 132
لقومه: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (1)، وقال عن موسى أنه قال:{يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} (2)، وقال عن بلقيس:{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3)، فعلهم بهذه الآيات وما في معناها أن الإسلام هو دين الأنبياء جميعا، وهو دين الرسل جميعا - عليهم الصلاة والسلام -، وأنه دين الله حقا لا دين له سواه، ولا يقبل من أحد دينا سواه، وهو الدين الذي أمر الرسل بإقامته، وحقيقته توحيد الله عز وجل في ملكه وتدبيره وأفعاله، وفي عبادته سبحانه، وفي أسمائه وصفاته، والانقياد لأمره وقبول شريعته، والدعوة إلى سبيله والاستقامة على ذلك، والاجتماع عليه وعدم التفرق فيه، وهذا هو الدين الذي أمرنا بإقامته وأمر الله الرسل ومن بعدهم بإقامته، كما قال تعالى:{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (4)، فإقامة الدين معناها: قبوله والتزامه، وإظهاره، والدعوة إليه، والسير عليه، والثبات عليه، واجتماع على ذلك قولا وعملا وعقيدة، وعدم التفرقة في ذلك، وبهذا تجتمع كلمة المسلمين ويتحد صفهم ويقوى جانبهم ويهابهم عدوهم.
هكذا كان الرسل - عليهم الصلاة والسلام - كلهم أمروا بأن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه، ولا يخفى على ذي اللب ما في إقامة الدين والاجتماع عليه وعدم التفرق من قوة المسلمين وتمكنهم من أخذ حقوقهم من أعدائهم، وانتصافهم منهم وهيبة الأعداء لهم في نفس
(1) سورة يونس الآية 72
(2)
سورة يونس الآية 84
(3)
سورة النمل الآية 44
(4)
سورة الشورى الآية 13
الوقت، لما يشاهدونه من اتحادهم واجتماعهم وإقامتهم دينهم وتعاونهم في ذلك وتواصيهم به. فالاجتماع والاتحاد والتعاون الصادق على الحق في كل أمة لا شك أنه سر النجاح وطريق الفوز والكرامة في الدنيا والآخرة، فعلمنا بهذا أن جميع الرسل - عليهم الصلاة والسلام - كلهم أرسلوا بالإسلام، وكلهم دعوا إلى الإسلام، وكلهم دينهم الإسلام، وكلهم أمروا بإقامة الإسلام، وإقامته كما تقدم إظهاره للناس، ودعوتهم إليه، والاستقامة عليه، علما وعملا وعقيدة، والاجتماع على ذلك، وذلك بالإيمان بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وتلقي ما جاء به الرسول الأمين بالقبول والعمل، والاجتماع على ذلك، والحذر من الخلاف والتفرق، وبهذا يزداد الداخلون في الدين، ويعظمون أمر الدين، ويعظمون الدعاة إليه، ويعرفون صلاحه لكل عصر، وأنه دين حق، من تمسك به أفلح ونجح، وفاز بالعزة والكرامة والاتحاد والقوة والاجتماع مع إخوانه. فدين نوح وهود وصالح ومن بعدهم من الأنبياء: هو الإسلام عقيدة وشريعة. فالعقيدة التي هي الإيمان بالله ورسوله المبعوث في كل وقت بالنسبة إلى القوم المبعوث إليهم هي الإسلام بالنسبة إليهم، وهو إيمانهم بما جاء به رسولهم، وتوحيدهم لربهم وانقيادهم للشرع، واجتماعهم عليه بالأقوال والأعمال والعقيدة، لكن لكل نبي شريعة ولكل رسول شريعة، كما قال الله - جل وعلا -:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (1)، وما ذاك إلا لأن ظروف الناس وأحوالهم وتحملهم للتكاليف وإدراكهم للمقصود يتفاوت كثيرا فليست عقول الناس في
(1) سورة المائدة الآية 48
جميع الأزمنة على حد سواء، وليست ظروفهم وأحوالهم وقدرهم على حد سواء، فالله - جل وعلا - هو العليم بأحوال العباد، وهو الخبير بمدى استطاعتهم، وهو العليم بمدى تقبلهم الحق وبحقيقة العقول التي يحملونها، وهو سبحانه يرسل الرسل في كل وقت، وفي كل أمة بما يليق بذلك الوقت وبتلك الأمة؛ لأن ذلك هو اللائق بحكمته وعلمه ورحمته وإحسانه سبحانه وتعالى. فليس قوم نوح في العقول والتحمل والتقبل لما يجيء به الرسول كأمة موسى مثلا، فبين الناس فروق كبيرة في أوقاتهم وعقولهم ولغاتهم وعوائدهم وغير ذلك. فكان من حكمة الله عز وجل أن كانت الشرائع: وهي الأحكام متنوعة ومتفاوتة، أما الأصل فمتحد الذي هو عبادة الله، وتوحيده، والإيمان به، والإيمان برسله، والإيمان بملائكته، واليوم الآخر، والكتب، والإيمان بالقدر، والإيمان بإقامة الدين والاجتماع عليه، وإقامة الشريعة، وطاعة الرسول فيما جاء به، هذا أمر متفق عليه بين الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، وهذه أصول اجتمعوا عليها ودعوا إليها، كما قال الله - جل وعلا -:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (1)، هذه دعوتهم جميعا يدعون الناس إلى عبادة الله والتوجه إليه وتوحيده في العبادة دون كل ما سواه في كل شيء من صلاة وصوم وغير ذلك، وقال عز وجل:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2)، وقال عز وجل
(1) سورة النحل الآية 36
(2)
سورة الأنبياء الآية 25