المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث:هل للمسلم أن يستدعي البلاء على نفسه - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٤٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ الشرائع مختلفة متنوعة على حسب حكمة الله وعلمه بأحوال العباد

- ‌الفقه الحنفي

- ‌الفقه المالكي

- ‌الفقه الشافعي

- ‌الفقه الحنبلي

- ‌الفتاوى

- ‌ أخذ جوائز في مسابقة لحفظ القرآن

- ‌ حافظ القرآن يصلي بالناس أو يقرأ للميت بأجرة

- ‌ أجرة المدرسين الذين يعلمون الناس كتاب الله

- ‌تعلم الرجل القرآن على يد شيخ نظير أجر معين

- ‌ أخذ أجرة على قراءة القرآن الكريم

- ‌ المصاحف المغلوطة أيهما أفضل: حرقها أم دفنها في التراب

- ‌ قراءة القرآن الكريم لمن كان مضطجعا أو قائما أو ماشيا

- ‌ قراءة القرآن في المسجد جماعة

- ‌ قراءة القرآن جماعة

- ‌ قول: (صدق الله العظيم) بعد الفراغ من قراءة القرآن

- ‌ تقبيل القرآن

- ‌ حكم سماع قراءة المرأة المسجل

- ‌ إقامة مباريات ترتيل القرآن الكريم بالنسبة للنساء بحضور الرجال

- ‌ ترجمة القرآن أو بعض آياته إلى لغة أجنبية أو عجمية

- ‌ تعدد القراءات في القرآن

- ‌ الغيبة المحرمة

- ‌ الكتب المفيدة النافعة في الدنيا والدين

- ‌مس الكافر ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية

- ‌التوبة النصوح

- ‌الأمية في المنظور الإسلامي

- ‌النبي الأمي:

- ‌أمته عليه الصلاة والسلام أمة أمية:

- ‌الإسلام وتعلم الكتابة:

- ‌الأمية: مصدر صناعي، والأمي: الذي لا يحسن الكتابة، ولا يقرأ من الكتاب

- ‌ الأميون: هم المسلمون، والأمة الأمية: هي الأمة المسلمة

- ‌الأميون: ما سوى اليهود من الأمم والشعوب

- ‌ الأمي: هو المنسوب إلى ما عليه جبلته الأولى، يوم ولدته أمه

- ‌الأمي: هو المتصف بقلة المعرفة

- ‌خطأ (المعجم الوسيط) في تحديد مفهوم الأمية:

- ‌ نحن أمة أمية

- ‌رحمة اللهأسبابها وآثارها

- ‌بين يدي البحث

- ‌مفهوم الرحمة:

- ‌أسرار اقتران اسم " الرحيم " بغيره من الأسماء الحسنى:

- ‌أولا: الرحمن الرحيم:

- ‌ ورود الاسمين مقترنين:

- ‌ ورود اسم " الرحمن " منفردا:

- ‌ ورود اسم " الرحيم " منفردا:

- ‌ثانيا: ورود الاسمين الحسنيين " التواب، الرحيم " مقترنين:

- ‌ثالثا: ورود الاسمين الحسنيين " الرؤوف الرحيم " مقترنين:

- ‌رابعا: ورود الاسمين الحسنيين " الغفور الرحيم " مقترنين:

- ‌خامسا: ورود الاسمين الحسنيين " العزيز الرحيم " مقترنين:

- ‌سادسا: ورود الاسمين الحسنيين " البر، الرحيم " مقترنين:

- ‌سابعا: مناسبة الاقتران:

- ‌سعة رحمة الله:

- ‌سبق رحمة الله غضبه:

- ‌علاقة الرحم بالرحمن:

- ‌محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة:

- ‌حاجة الأنبياء إلى الرحمة:

- ‌مظاهر رحمة الله وآثارها:

- ‌من أنواع الرحمة ومظاهرها وآثارها

- ‌أسباب الرحمة:

- ‌الخاتمة

- ‌المبحث الأول: كونها سنة

- ‌المبحث الثانيالحكمة من الفتنة والابتلاء

- ‌المسألة الأولى: هل التكفير خاص بالصغائر أم للصغائر والكبائر

- ‌المسألة الثانية: هل المصائب مكفرات أو مثيبات

- ‌المبحث الثالث:هل للمسلم أن يستدعي البلاء على نفسه

- ‌المبحث الرابع: أنواع الفتن:

- ‌فتنة اتباع المتشابه:

- ‌فتن الشهوات:

- ‌تحذير وبيان عن مؤتمر بكين للمرأة

- ‌حكم الإسلام في شعر الرأس الصناعيالمسمى اليوم (الباروكة)

- ‌ كشاف المجلة:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المبحث الثالث:هل للمسلم أن يستدعي البلاء على نفسه

الرجال أعقابهم، إن ذل المعصية لفي قلوبهم، ولقد أبى الله أن يعصيه عبد إلا أذله) (1). وقد يشكل على بعض الناس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو:«الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر (2)» . ولكن يزول هذا الإشكال إذا علم أن المؤمن على ما هو فيه بالدنيا من العزة والنصر بالنسبة إلى ما يلاقيه عند الله في الجنة من النعيم المقيم كأنه كان في سجن، أما الكافر لما هو فيه في هذه الدنيا على أي حال بالنسبة لما أعده الله له من الجحيم والنكال العظيم فكأنه في جنة (3).

(1) حلية الأولياء: 2/ 149.

(2)

صحيح مسلم: 4/ 2272 كتاب الزهد (1) سنن الترمذي: 4/ 562 كتاب الزهد باب ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر سنن ابن ماجه: 2/ 1378 كتاب الزهد باب الهم بالدنيا (3) مسند أحمد: 2/ 323 - 389.

(3)

انظر النووي على مسلم: 18/ 93.

ص: 303

‌المبحث الثالث:

هل للمسلم أن يستدعي البلاء على نفسه

؟

تقدم في حكمة الابتلاء والفتن أن فيها أجرا عظيما وتكفيرا للسيئات، فهل للمسلم أن يستدعي البلاء على نفسه؛ طلبا لهذا الفضل العظيم، أو يترك ما أوجبه الله عليه خوفا من الفتنة؟ وهذا يرجع إلى الحكمة في الأمور والعمل لكل وقت بما يناسبه، فالمتتبع لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو أكمل المؤمنين إيمانا وأقوى توكلا وأعظم داعية يرى أنه لا يستدعي البلاء على نفسه، ولا يترك ما أوجبه الله عليه، وإنما جمع بين التوكل والعمل بالأسباب، فقام بالدعوة إلى الله خير قيام، حسب

ص: 303

مقتضى الظروف والأحوال المقرونة بحكمة الله وأمره وشرعه، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه دخل بعد رجوعه من الطائف بجوار المطعم بن عدي ليجيره من أذى قريش، حتى يبلغ رسالة ربه (1)، وكان صلى الله عليه وسلم يخرج إلى القبائل أيام الموسم ويدعوهم إلى الإسلام ويقول:«ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي (2)» . كذلك هجرته صلى الله عليه وسلم وهجرة أصحابه الأولى إلى الحبشة، والثانية إلى المدينة، تدل دلالة واضحة على أنه لا يجوز للمسلم أن يستدعي البلاء على نفسه، حيث لم يستمر الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة القوم كما أنه كان يحمي نفسه من الأعداء في المعارك، وينهى الصحابة من تعرضهم للبلاء، وإيجابهم على أنفسهم ما لم يوجبه الله عليهم، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا ينبغي للمسلم أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق (3)» . وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة: «يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها

(1) انظر السيرة النبوية لابن هشام 2/ 20.

(2)

سنن الترمذي: 5/ 184 كتاب فضائل القرآن باب 24، سنن أبي داود: 5/ 103، كتاب السنة في القرآن: 22، سنن ابن ماجه: 1/ 73، المقدمة باب في ما أنكرت الجهمية (13)، حديث (201) مسند أحمد: 3/ 390، سنن الدارمي: 2/ 317، كتاب فضائل القرآن باب القرآن كلام الله.

(3)

مسند أحمد: 5/ 405 سنن الترمذي: 4/ 523 كتاب الفتن باب 67 وقال: هذا حديث حسن غريب سنن ابن ماجه: 2/ 1332 كتاب الفتن باب قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم " المعجم الكبير للطبراني عن حذيفة وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6/ 253 رقم 7674 وسلسلة الأحاديث الصحيحة: 2/ 172 رقم 613.

ص: 304

من غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير (1)». ويقول صلى الله عليه وسلم عن الطاعون:«إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها (2)» وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، ولكن إذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف (3)» . وتعوذ صلى الله عليه وسلم من فتنة الغنى والفقر والدنيا والنار، وغير ذلك، قال العلماء: أراد صلى الله عليه وسلم مشروعية ذلك لأمته (4). يقول ابن تيمية بعدما ساق هذه الأحاديث: (وأمثال ذلك مما يقتضي أن الإنسان لا ينبغي له أن يسعى فيما يوجب عليه أشياء، ويحرم عليه أشياء، فيبخل بالوفاء، كما يفعل كثير ممن يعاهد الله عهودا على أمور، وغالب هؤلاء يبتلون بنقض العهود، ويقتضي أن الإنسان إذا ابتلي فعليه أن يصبر ويثبت، ولا ينكل حتى يكون من الرجال الموقنين القائمين

(1) صحيح البخاري: 8/ 106 كتاب الأحكام باب من لم يسأل الإمارة أعانه الله وفي الكفارات والأيمان والنذور. صحيح مسلم: 3/ 1273 كتاب الأيمان باب ندب من حلف يمينا (3) والإمارة باب النهي عن طلب الإمارة (3) كما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد: 5/ 62 - 63.

(2)

صحيح البخاري: 4/ 1737 كتاب الطب باب ما يذكر في الطاعون واللفظ له، صحيح مسلم: 4/ 1737 كتاب السلام باب الطاعون والطير.

(3)

صحيح البخاري: 4/ 24 كتاب الجهاد باب لا تتمنوا لقاء العدو، صحيح مسلم: 3/ 1363 كتاب الجهاد باب كراهة تمني لقاء العدو (6) سنن أبي داود كتاب الجهاد: 3/ 95 باب في كراهية لقاء العدو.

(4)

فتح الباري: 13/ 44 مسند أحمد: 1/ 182 - 194، 5/ 201، 208.

ص: 305

بالواجبات، ولا بد في جميع ذلك من الصبر) (1). ا. هـ.

وهذا لا يسقط الواجب على المسلم، بل عليه أن يؤدي ما أوجبه الله عليه حسب استطاعته، فإن ابتلي صبر واحتسب، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان (2)» . فإذا تعين على المسلم واجب فعليه أن يسلك السبل التي تعينه على الواجب، ولا يلقي بنفسه في التهلكة، ولا يترك الواجب لشيء دونه فيكون كمن قال الله تعالى فيه:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} (3)، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (4). فالفتنة قسمت الناس إلى صادق وكاذب، ومؤمن ومنافق، وطيب وخبيث، فمن صبر عليها كانت رحمة في حقه، ونجا بصبره من فتنة أعظم منها، ومن لم يصبر عليها وقع في فتنة أشد منها؛ لأنه وقع بالمعصية وفر من الواجب إلى ما يميل له طبعه وهواه، كما قال

(1) التحفة العراقية في أعمال القلوب لابن تيمية ص 46، وانظر الزهد والورع والعبادة له ص 18.

(2)

صحيح مسلم: 1/ 69 كتاب الإيمان باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان سنن النسائي: 8/ 111، كتاب الإيمان باب تفاضل أهل الإيمان - سنن أبي داود: 1/ 677 كتاب الصلاة باب خطبة يوم العيد: 248 - مسند أحمد: 3/ 20، - سنن ابن ماجه: 1/ 406 كتاب إقامة الصلاة باب ما جاء في صلاة العيدين.

(3)

سورة التوبة الآية 49

(4)

سورة العنكبوت الآية 3

ص: 306

تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} (1). يقول الجد بن قيس لما ندبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك يقول: ائذن لي في القعود ولا تفتني بتعريضي لبنات بني الأصفر، فإني لا أصبر عنهن، فالذين استأذنوا لهذا السبب وقعوا في فتنة النفاق، وفروا إليها من فتنة بنات الأصفر، فالفتنة التي فر منها - بزعمه - هي فتنة محبة النساء وعدم صبره عنهن، والفتنة التي وقع فيها هي فتنة الشرك والكفر في الدنيا، والعذاب في الآخرة (2). يقول ابن تيمية ولما كان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله من الابتلاء والمحن ما يتعرض به المرء للفتنة صار في الناس من يتعلل لترك ما وجب عليه من ذلك، بأنه يطلب السلامة من الفتنة (3). ويقول نفس إعراضه عن الجهاد الواجب ونكوله عنه، وضعف إيمانه ومرض قلبه الذي زين له ترك الجهاد، فتنة عظيمة قد سقط فيها فكيف يطلب التخلص من فتنة صغيرة لم تصبه بوقوعه في فتنة عظيمة قد أصابته، والله تعالى يقول:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (4)، فمن ترك القتال الذي أمر الله به لئلا تكون فتنة، فهو

(1) سورة التوبة الآية 49

(2)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن: 10/ 148: أسباب النزول للواحدي: 284، زاد المعاد 3/ 169.

(3)

الاستقامة: 2/ 287.

(4)

سورة الأنفال الآية 39

ص: 307