الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين. فالمسلمون يدعون الإسلام ويأتون بما يبرأ منه الإسلام، ويعتقدون أن ذلك من صميمه، وكما يوجد في كثير من بلاد المسلمين من الجهل والفقر والذل، فظن الكفار أن هذا هو الإسلام فنفروا منه وسخروا به، فكان ذلك فتنة عظيمة لهم، وحجابا كثيفا إلا من نظر منهم نظر علم وإنصاف، فإنه يعرف أن هذا ليس هو الإسلام. والكفار يراهم المسلمون الجهال في عز وسيادة وتقدم علمي وعمراني، فينظرون إلى تلك الناحية، فيندفعون في تقليدهم في كل شيء، حتى معائبهم ومفاسدهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ (1)» . فصار المسلمون يزدرون أعز عزيز لديهم إلا من رحم الله ونظر بعين العلم، وعرف أن كل ما عندهم من علم هو عندنا، وفي ديننا وتاريخنا، وما عندهم من شر فهو شر على حقيقته. فكانوا فتنة للمسلمين الذين تهمهم المظاهر، فتسلبهم إداركهم فلا يفرقوا بين اللب والقشور (2).
(1) صحيح البخاري: 4/ 144، كتاب الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل وكتاب الاعتصام: 8/ 151، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن من كان قبلكم واللفظ له في الأول. صحيح مسلم: 4/ 3054، كتاب العلم باب اتباع سنن اليهود والنصارى.
(2)
انظر مجالس الذكر والتأنيس لابن باديس: 67، دار الفكر - الطبعة الثانية.
فتنة اتباع المتشابه:
يجب على كل مسلم الإيمان بالله جل وعلا، وبأسماه وصفاته وأنه
يجب الإيمان بها من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولكن هناك من انحرف عن هذا الطريق واتبع ما تشابه، كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (1)، وسبب نزول هذه الآية: أن وفدا من نصارى نجران تخاصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه؟ (2)، قال: بلى، قالوا: فحسبنا ما أنزل الله عز وجل {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ} (3)، ثم إن الله جل ثناؤه أنزل:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} (4)(5)، وقيل غير ذلك. وقال آخرون: بل عنى الله عز وجل بذلك كل مبتدع في دينه بدعة مخالفة لما ابتعث به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم يتأوله من بعض آي القرآن المختلفة التأويلات، وإن كان الله قد أحكم بيان ذلك، إما في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم (6).
وهذا ما يدل عليه عموم الآية وإن كانت نزلت بسبب خاص فأهل
(1) سورة آل عمران الآية 7
(2)
يقصدون عيسى بن مريم انظر أسباب النزول ص: 128.
(3)
سورة آل عمران الآية 7
(4)
سورة آل عمران الآية 59
(5)
جامع البيان عن تأويل القرآن 3/ 177، وانظر أسباب النزول للواحدي 128.
(6)
جامع البيان عن تأويل القرآن 3/ 177.
الضلال الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا هم كما قال مجاهد: أهل البدع والشبهات يتمسكون بما هو بدعة في الشرع ومشتبه في العقل، كما قال فيهم الإمام أحمد: هم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب يحتجون بالمتشابه من الكلام ويضللون الناس بما يشبهون عليهم (1).
قال ابن تيمية: (المتشابه الموجود في القرآن تشابه نسبي فقد يتشابه عند هذا ما لا يتشابه عند غيره)(2). يؤيد هذا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب (3)» . ومن قال من السلف أن المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله فقد أصاب أيضا ومراده بالتأويل ما استأثر الله بعلمه مثل وقت الساعة ومجيء
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 13/ 142.
(2)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 13/ 144.
(3)
صحيح البخاري: 1/ 19 كتاب الإيمان باب فضل من استبرأ لدينه واللفظ له، صحيح مسلم: 3/ 1219 كتاب المساقاة باب أخذ الحلال وترك الشبهات، كما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وأحمد: 4/ 269.