الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) سورة التوبة الآية 71
الخاتمة
قال ابن القيم رحمه الله: (ولما كان نصيب كل عبد من الرحمة على قدر نصيبه من الهدى، كان أكمل المؤمنين إيمانا، أعظمهم رحمة، كما قال تعالى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (1).
وكان الصديق رضي الله عنه من أرحم الأمة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أرحم أمتي بأمتي أبو بكر (2)» .
وهكذا الرجل كلما اتسع علمه، اتسعت رحمته، وقد وسع ربنا كل شيء رحمة وعلما، فوسعت رحمته كل شيء وأحاط بكل شيء علما، فهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها بل هو أرحم بالعبد من نفسه. .) (3).
هذا ونسأل الله أن يرحمنا برحمته التي وسعت كل شيء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(1) سورة الفتح الآية 29
(2)
أخرجه الترمذي في الجامع 2/ 309، وابن ماجه / 154، وابن حبان 2218، 2219، والحاكم 3/ 422 من حديث أنس، وقال الترمذي عنه: حسن صحيح وذكره الألباني في الصحيحة رقم 1224.
(3)
إغاثة اللهفان 2/ 169 - 175.
صفحة فارغة
الفتنة والابتلاء
عبيد بن عبد العزيز السلمي (1)
الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلو الناس أيهم أحسن عملا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله إلى الناس كافة، خير من ابتلي وخير من صبر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فإن من أراد تحقيق أمور الدين جميعها، من التوحيد والإيمان والإسلام والإحسان، لا بد له من الابتلاء والفتنة، كما قال تعالى:{الم} (2){أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (3).
وجماع معنى الفتنة: الابتلاء والامتحان والاختبار، وأصلها مأخوذة من قولك: فتنت الفضة والذهب، إذا أذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيد (4).
والفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وهما في الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا، وقد قال الله تعالى فيهما:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (5).
(1) الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
(2)
سورة العنكبوت الآية 1
(3)
سورة العنكبوت الآية 2
(4)
لسان العرب لابن منظور 13/ 317، وانظر القاموس المحيط 4/ 254.
(5)
سورة الأنبياء الآية 35
وللفتنة وجوه منها: الشرك والضلالة والنفاق والبلاء وعذاب الناس والحرق بالنار والصد والاستنزال والمعذرة والافتتان والإعجاب والقتل، وقد ورد في القرآن دليل لكل وجه (1).
قال ابن القيم: ولفظ الفتنة في كتاب الله تعالى يراد بها: الامتحان الذي لم يفتتن صاحبه، بل خلص من الافتتان. ويراد بها: الامتحان الذي حصل معه افتتان. فمن الأول قوله تعالى لموسى: {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} (2). ومن الثاني: قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (3)، وقوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} (4). ويطلق على ما يتناول الأمرين كقوله تعالى: {الم} (5){أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (6){وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (7).
(1) المفردات للراغب الأصبهاني: 371.
(2)
سورة طه الآية 40
(3)
سورة البقرة الآية 193
(4)
سورة التوبة الآية 49
(5)
سورة العنكبوت الآية 1
(6)
سورة العنكبوت الآية 2
(7)
سورة العنكبوت الآية 3
ويطلق على أعم من ذلك كقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (1)، قال مقاتل: أي بلاء وشغل عن الآخرة (2).
والفتنة بحسب إضافتها، فيقال: فتنة المال، وفتنة الأولاد. وقد تطلق على أشياء خاصة كالنفاق والكفر والصد، حيث إن أصل الفتنة الاعتبار، ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه، ثم أطلقت على كل مكروه أو آيل إليه كالكفر والإثم والتحريق والفضيحة والفجور وغير ذلك (3).
لذا فهي بحسب ما يضاف إليها؛ لأن كل شيء فتنة فيقال: فتنة الحياة، وفتنة الموت، وفتنة الشرك، وفتنة الغفلة والابتلاء. والفتنة من أقدار الله عز وجل التي لا بد من الإيمان بها (4). وأعظم فتنة هي الكفر كما قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (5)، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس قد ضيعوا وأنت ابن عمر
(1) سورة التغابن الآية 15
(2)
إغاثة اللهفان 2/ 159.
(3)
فتح الباري: 13/ 3.
(4)
انظر المفردات للراغب: 371 وانظر فتح الباري: 13/ 3.
(5)
سورة البقرة الآية 193