الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد الحادي عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
معالي الدكتور عز الدين العراقي
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله أشرف المرسلين وخاتم النبيين.
تنفيذًا لقرار أصدرته القمة الإسلامية الثالثة، عقد المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي في السابع من شهر يونيو 1982م، في مكة المكرمة. وكان ذلك المؤتمر مشمولاً برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز الذي افتتحه بخطاب ضافٍ أكد فيه أهمية حشد جهود الصفوة من المفكرين المسلمين ومن علماء الدين، لإنجاح فكرة إقامة المجمع التي كانت حلمًا يراود مخيلات العديد من قادة الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.
وها نحن بعد سبع عشرة سنة من التاريخ، نرى أن المجمع العتيد أضحى محط أمل الأمة وملء سمعها وبصرها. ذلك أننا نجني اليوم – ولله الحمد – ثمرات دانية من ذلك الغرس الطيب، لأن المجمع برهن على أنه مؤسسة إسلامية أكاديمية نشيطة، يلتقي في رحابها فقهاء الأمة وعلماؤها وحكماؤها، ويتعاونون على التعريف بالنظريات الفقهية، والاجتهاد في تطبيق ما غمض من أحكام الشريعة تطبيقًا ينم على تطور وتفتح يقتضيهما العصر، من ناحية، كما ينم على تمسك بالأصالة وارتباط بالعقيدة من ناحية أخرى.
وأهمية الدور الذي يضطلع، أو يجب أن يضطلع به الفقه الإسلامي في مجتمعاتنا الإسلامية الحالية، تتجلى في أنه يمس بصورة مباشرة أو غير مباشرة، حياة الأسرة المسلمة والفرد المسلم، كما يمس العلاقات بين تلك المجتمعات الإسلامية وغيرها من المجتمعات.
وقد لبت الشريعة الإسلامية الغراء حاجات المسلمين على صعيد الفقه، عبر القرون، فأمدتهم بقواعد وأصول تتسم بالمرونة الهادفة إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد. وعمل فقهاء المسلمين على ضبط القواعد الفقهية وجمعها، كما عملوا على تلقينها لأبنائهم. بل إنهم استنبطوا أحكامًا لما كان يصادفهم من مسائل وقضايا، ووضعوا لكل مسألة الحلول التي تلائمها. ولذا فقد وصل إلينا بفضلهم تراث زاخر من المؤلفات الفقهية والبحوث والفتاوى التي تثري حياة الناس.
وإذا كان مجمع الفقه الإسلامي، والحال تلك، لم ينطلق حين شرع في أداء مهمته، من فراغ، فقد كان عليه أن يعمل على إغناء ذلك التراث الزاخر، من ناحية، وأن يسد كل ثغرة أو نقص طارئ ينجم عن ظروف الحياة المتطورة المعاصرة، من ناحية أخرى.
وقد حرصت هذه المؤسسة الفقهية منذ قامت على أن تعمل بأناة وانسجام مع تطور الحياة دون خروج على مبادئ الدين الحنيف. كما أصدرت مؤلفات وصاغت بحوثا ودراسات كي تكون في متناول الدول الأعضاء، للرجوع إليها ولاستيحاء ما يناسب المؤسسات والمجتمعات الإسلامية من القواعد الفقهية، مما يوفر التنسيق والانسجام بينها، ويسهم في تمهيد السبيل أمام تعزيز التضامن الإسلامي ودعم العمل المشترك.
نعم؛ لقد شهد مجمع الفقه الإسلامي، منذ قيامه، حركة علمية ناشطة، كان نتاجها مشروعات علمية نافعة هادفة إلى تقريب الفقه من أبناء هذه الأمة: باحثين ودارسين وفقهاء. ومن تلك المشروعات: الموسوعة الفقهية الاقتصادية – ومعلمة القواعد الفقهية – وتيسير الفقه الإسلامي – إلى جانب ما أصدره المجمع حتى الآن من نفيس الكتب الفقهية التراثية.
وبعد: فلعل في طليعة الإنجازات التي حققها المجمع، هذه المجلة العلمية الفقهية، التي تتسم بالرصانة والتي حرص المجمع على إصدارها بعيد إنشائه. والمجلة التي أعني هي التي أقدم بكلمتي هذه لعددها الجديد (الحادي عشر) الذي يصدر في أجزاء ثلاثة. وبصدوره تكون مجلدات المجلة قد بلغت حتى الآن ثلاثة وثلاثين. وشأنه شأن ما سبقه من أعداد، فهو ينطوي على جملة من البحوث الإسلامية العلمية التي تتناول مجالات متعددة: شرعية واجتماعية واقتصادية. وعلى أية حال، فهو يتحدث عن نفسه.
ويأتي صدور العدد الجديد والمجمع يعد لعقد دورته المقبلة وهي الثانية عشرة، في الرباط بالمملكة المغربية، بعد بضعة أشهر، وهي الدورة التي كان المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه قد تفضل فأصدر موافقته السامية على عقدها. ومن المعروف أن هذه الدورات تمثل العمود الفقري لعمل المجمع. ويشارك عادة في أعمالها نخبة من خيرة علماء هذه الأمة المتخصصين في الموضوعات التي يتقرر بحثها ومناقشتها.
ولا يفوتني، في هذا المقام، أن أذكر، كي أكون منصفًا، بالتقدير والثناء، الجهود الدائبة التي ما انفك فضيلة الشيخ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، يبذلها بمثابرة وحيوية وجد وتواضع، منذ إنشاء المجمع. وأسأل الله تعالى أن يوفقه ويعينه على مواصلة أداء مهمته على خير وجه.
ولا يفوتني كذلك أن أنوه أصدق تنويه بما يبذله فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجلس المجمع، من اهتمام فائق بشؤون المجمع، حرصًا منه على تقدم هذه المؤسسة وازدهارها فليجازه الله عن ذلك خير الجزاء.
والمجمع، بطبيعة الحال، لن يحقق أهدافه السامية، إلا بدعم الدول الأعضاء، وفي مقدمتها دولة المقر، المملكة العربية السعودية التي لا تدخر جهدًا في مد يد العون لمنظمة المؤتمر الإسلامي: أمانة عامة ومؤسسات ومراكز. فلحكومة خادم الحرمين الشريفين أطيب عبارات الشكر وأجمل العرفان.
والله الموفق. وهو نعم المولى ونعم النصير.
الدكتور عز الدين العراقي
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة مجمع الفقه الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، محمد وعلى آل وصحبه أجمعين.
وبعد: يسر مجمع الفقه الإسلامي الدولي أن يقدم إلى القراء الكرام هذا الجني الداني للجهود الكبيرة المتواصلة التي يبذلها أعضاؤه وخبراؤه، إمعانًا للنظر في دقائق المسائل والموضوعات المطروحة للبحث والنقاش.
والحق أن هذا المجمع منذ إنشائه اعتمد البحث العلمي والنقاش البناء وسيلة إلى دراسة النوازل والقضايا وحل المعضلات بالاجتهاد فيها اجتهادًا جماعيًّا. وساهم مفكروه وباحثوه في ذلك إسهاما يذكر فيشكر، وشاركوا بأبحاثهم القيمة في الدورات والمؤتمرات والندوات التي يقيمها.
وقد قام المجمع بطبع تلك الأبحاث والدراسات ونشرها على نطاق واسع في أنحاء العالم الإسلامي.
ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى اجتهاد علمائنا اجتهادًا جماعيًّا، بضوابطه في ضوء الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح، فإن ما يواجه المسلمين من مشكلات وما يعتري حياتهم من متغيرات يتطلب هذا النوع من الفتاوى من رجال الفقه والاقتصاد والطب والفلك وغيرهم من المفكرين والمتخصصين، الذين يجمعون إلى جانب التخصص الدقيق، إدراكًا لطبيعة مجتمعاتهم، ورغبة صادقة أكيدة في خدمة أمتهم على الوجه الإسلامي المنشود.
ودعمًا لهذا التوجه قامت، مشكورة، حكومة دولة البحرين، ممثلة في وزارة العدل والشؤون الإسلامية، باستضافة المجلس العلمي لمجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الحادي عشر في الفترة من 25 إلى 30 رجب 1419هـ (14- 19 نوفمبر 1998م) بمدينة المنامة العاصمة.
وقد افتتح صاحب السعادة الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة، وزير العدل والشؤون الإسلامية هذه الدورة بكلمة ضافية رحب فيها بالمشاركين، منوهًا بدور المجمع ورسالته، وتلقى المؤتمر الكلمة بالثناء والتقدير والشكر الجزيل. وعدها من وثائقه الرسمية.
ثم واصلت الدورة أعمالها على مدار ستة أيام، عرض فيها أصحاب الفضيلة العلماء والسادة الخبراء عددًا وافرًا من الأبحاث القيمة والدراسات الهادفة، تناولوا فيها أهم عناصر المسائل والقضايا والنوازل والمستجدات المدرجة للبحث والدراسة والنقاش وهي:
1-
بيع الدين بالدين وسندات القرض وبدائلها الشرعية.
2-
سبل الاستفادة من النوازل (الفتاوى) ، والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة.
3-
المضاربات في العملة والوسائل المشروعة لتجنب أضرارها الاقتصادية.
4-
عقود الصيانة وتكييفها الشرعي.
5-
الوحدة الإسلامية.
6-
الإسلامية في مواجهة العلمنة.
7-
الإسلام في مواجهة الحداثة الشاملة.
- بالإضافة إلى التوصيات الصادرة عن:
أ - ندوة طهران حول دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي.
ب - ندوة الكويت حول الهندسة الوراثية والعلاج بالجين والبصمة الوارثية.
وأنتم أيها القراء الكرام. تروننا قد جمعنا لكم نتائج هذه الدورة في المجلدات الثلاثة التي نضعها بين أيديكم ممثلة في العدد الحادي عشر من مجلة مجمع الفقه الإسلامي في ثوبها القشيب، لتبلغ مع أعداد الدورات السابقة ثلاثة وثلاثين مجلدا، نشرناها لإفادة العلماء والطلاب والقضاة والمفتين، وخاصة المسلمين وعامتهم، بما يقوم به هذا المجمع من أنشطة وما يقدمه من دراسات ويصدر عنه من قرارات وتوصيات مجمعية، آملين أن تنمو هذه المجلة، وأن يكون كل عدد منها خيرًا من سابقه، وأن يظل مجالا للفكر النير والبحث الجاد والرأي السديد الذي يبتغي الحق ويعمل لإعلائه.
وسيواصل المجمع، بحول الله وقوته، انتقاء القضايا والموضوعات المعاصرة لاستيعاب أكثر ما يمكن من المسائل المختلفة والمتنوعة والمستجدة التي يحتاج إلى تناولها المسلم، لما لها من صلة بحياته الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
والله ولي التوفيق في جميع الأمور، وهو المستعان وعليه الاتكال في إنجاح وقبول صالح الأعمال. وصلى الله وبارك على نبينا محمد عبد الله ورسوله، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الأمين العام للمجمع الدكتور رئيس مجلس المجمع الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة بكر بن عبد الله أبو زيد
كلمة
حضرة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة
أمير دولة البحرين
ألقاها نيابة عنه معالي وزير العدل والشؤون
الإسلامية
سعادة الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الهدى وخاتم النبيين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أصحاب الفضيلة والسعادة.. الحضور الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة نزجيها إليكم جميعًا، وترحيبًا حارًا بأصحاب الفضيلة العلماء والضيوف المشاركين في المؤتمر الحادي عشر لمجمع الفقه الإسلامي الذي يعقد اجتماعه المبارك على أرض البحرين العربية المسلمة التي أيدت الإسلام وناصرته منذ فجر الدعوة، وعملت بشرائعه السمحاء ومبادئه السامية.
وإنها لمناسبة سعيدة أن نلتقي اليوم مع أعلام الفقه ورجالات الفكر الإسلامي وأصحاب النظر والفتوى ومن يمثل المؤسسات العاملة في مجال البحوث الفقهية والدراسات الشرعية، وكل المهتمين بقضايا الدين التي تخص أمور العباد وتنير لهم سبل الخير والرشاد.
وإنه لمن فضل الله على الأمة الإسلامية أن جعل علوم الفقه من أفضل العلوم وأعلاها قدرًا، وأجلها وأكثرها بركة. فمن خلال هذه العلوم تعرف الأحكام، وقواعد المعاملة الحسنة بين الناس فتكون العبادة لله سبحانه وتعالى على علم، والتقرب إليه على بصيرة، وبذلك يطمئن قلب المسلم ويعيش في سلام مع نفسه ومع غيره، فتسود الألفة والمحبة بين الناس.
أصحاب الفضيلة:
ينعقد مؤتمركم اليوم وعالمنا الإسلامي يمر بظروف دقيقة تستدعي وحدة دوله وشعوبه، وتضافر جهود علمائه الأجلاء لمواجهة ما يحيكه له أعداء الإسلام من مؤامرات ودسائس بقصد الإساءة إلى تعاليمه السامية وإشاعة الفرقة والانقسام بين المؤمنين برسالة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام.
إن ديننا الإسلام الحنيف ليدعونا إلى توحيد الأمة الإسلامية ووحدة كلمتها والتركيز على جوهر العقيدة ومواطن الاتفاق والأخذ بأولويات الدعوة، وإن أكثر ما ينهانا عنه هو أن تشتد ضراوة بعضنا على بعض، وأن يقسو بأسنا فيما بيننا إذا ما اختلفنا في رأي أو إفتاء فتعلو بذلك صيحات التكفير، والتجهيل، والقذف بالبدع والضلال؛ فتعم بذلك بذور الفتنة والعداوة بين المسلمين لا سمح الله.
أصحاب الفضيلة:
إن حرصكم الشديد على حضور هذا المؤتمر والمشاركة في أعماله على الرغم من الأبعاد الجغرافية التي تفصل بين دول عالمنا الإسلامي ليدل على أن عملنا الإسلامي المشترك يسير - وبحمد الله - إلى الأمام، ونحو التضامن الإسلامي المنشود إن شاء الله. وإن أي عمل تنجزونه وفي أي من الميادين التي كرستم جهودكم لخدمتها ما هو إلا خطوة نحو المزيد من التقارب والتآخي بين الأشقاء.
إننا وبعون الله متفقون على أن السبيل لبناء وحدة عالمنا الإسلامي هو نبذ الخلافات بين المسلمين وتصفيتها بروح الأخوة الإسلامية عملا بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] .
كما وأن من مقومات قوتنا تعاوننا على حل ما نواجهه جميعا من مشكلات أو اختلاف في الرأي بروح إسلامية تقوم على الشريعة السمحاء المتجاوبة مع احتياجات العصر الذي نعيشه.
إنني أحمد الله الذي أسعدني بمشاركتكم هذا اللقاء، وأدعوه سبحانه وتعالى أن يجمعنا على الخير والمحبة دائما، وأن يسدد على طريق الخير خطاكم ويوفقكم لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105] .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة معالي
الدكتور عز الدين العراقي
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
في افتتاح
الدورة الحادية عشرة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي
بالمنامة – دولة البحرين –
ألقاها نيابة عنه سعادة السفير
محمد صالح الزعيمي
مدير ديوان معالي الأمين العام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سعادة الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة،
وزير العدل والشؤون الإسلامية؛
أصحاب المعالي والسعادة؛
أصحاب السماحة والفضيلة؛
أيها الجمع الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إنه لمن دواعي الشرف والغبطة أن تنعقد الدورة الحادية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي بهذا البلد المضياف تحت الرعاية السامية والكريمة لصاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، أمير دولة البحرين، حفظه الله، وكم كنت أتمنى أن أتشرف بمشاركتكم افتتاح هذا المؤتمر غير أن مهمات أخرى حالت دون ذلك، وأغتنم هذه الفرصة لأعرب لصاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة عن خالص التهاني بمناسبة بشرى نتائج الفحوصات الطبية المطمئنة متمنيًا لسموه من الله تعالى موفور الصحة وتمام العافية.
أيها الإخوة الأفاضل:
ينعقد اليوم هذا المؤتمر بعد انقضاء خمس عشرة سنة على قيام هذا الصرح الفقهي العتيد في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، تنفيذًا لإدارة قادة الدول الإسلامية في قمتهم الثالثة بمكة المكرمة، ليتخطى خدمة الشريعة الإسلامية وحدود الجهود الفردية والإقليمية، وينتقل إلى العمل الجماعي المنظم مع ما يضطلع به من بحوث ودراسات جادة في سبيل تعريف المسلمين بدينهم وأحكام شريعتهم وإيجاد الحلول الفقهية للعديد من مشاكلهم.
وإنني لسعيد حقًّا، بأن هذه المؤسسة أصبحت اليوم ملتقى صفوة فقهاء الأمة وعلمائها ومفكريها.
وأنتهز مناسبة انعقاد المؤتمر، لأتوجه بكلمتي هذه إلى السادة العلماء قائلا: إنه يقع على أكتافكم إعداد مجتمعاتنا الإسلامية على أسس سليمة، من الاعتزاز بالقيم، وترجمة الفضائل إلى سلوك، وتوجيه هذه المجتمعات إلى كيفية التعايش مع الحاضر، وطريقة التعامل مع تحديات المستقبل، وفي سبيل ذلك كله، تقع على عاتقكم واجبات كثيرة؛ لعل أهمها، الدراسة والبحث عن كافة جوانب الحياة في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية الشاملة.
فمهمتكم إذًا تكمن في الأخذ بأيدي مجتمعاتنا، ترشدونها، وتصونون مسيرتها، وتوجهونها الوجهة السليمة، لتمكينها من القدرة على التعامل والتفاعل مع التحديات الكبيرة التي يفرضها التطور في ظل نظام العولمة، الذي نقل إلينا، مفاهيم وسلوكيات بعيدة كل البعد عن تراثنا الثقافي والحضاري.
أيها الأخوة:
إن جدول أعمال هذه الدورة يزخر بالقضايا التي تمس نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها المسلمون، بدءًا بالوحدة الإسلامية، والعلمنة، والحداثة، ودور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي، مرورًا ببيع الدين، والنوازل، والمضاربات وعقود الصيانة، وهي مواضيع تمثل جوهر اهتمامات المسلمين في مشارف القرن الواحد والعشرين. إننا نضع ثقتنا وتفاؤلنا في هذا المؤتمر ونتوقع منه أن يخلص إلى عدد من القرارات والفتاوى السديدة.
إن مجمع الفقه الإسلامي، رغم ما يعترضه من صعوبات مالية، استطاع أن يواصل مسيرته والقيام ببعض المهام المنوطة به ممثلة في أنشطة عدة تشمل مؤتمرات مجلسه السنوية، ومشروعاته العلمية، وندواته المتخصصة، ومشاركته في اجتماعات وندوات مختلفة، وإصداراته؛ كما أن قاعدته في اتساع مستمر إذ انضمت أربع دول جديدة إلى عضوية مجلسه.
ولا يسعني في هذا المقام إلا الإشادة بالدعم الثابت الذي تلقاه منظمة المؤتمر الإسلامي ومؤسساتها وخاصة مجمع الفقه الإسلامي من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية الذي ما فتئ يولي المجمع رعاية خاصة منذ تأسيسه. وبهذه المناسبة أناشد الدول الأعضاء بمعاونة هذه المؤسسة الهامة لتتمكن من أداء دورها كاملا، وذلك بتسديد مساهماتها المالية نحوها وتقديم مزيد من الدعم إليها.
صاحب السعادة؛
أصحاب المعالي؛
أصحاب السماحة والفضيلة؛
أيها الجمع الكريم:
اسمحوا لي في ختام هذه الكلمة أن أرفع إلى مقام حضرة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أجمل عبارات التقدير والامتنان على استضافة دولة البحرين لمجمع الفقه الإسلامي في دورته العلمية الحادية عشرة، وهو أكبر دليل على ما يوليه – حفظه الله – من عناية بالفقه والفقهاء والعلم الإسلامي. فجزاه الله خير الجزاء وأحسنه، ووفقه في نضاله من أجل نهضة دولة البحرين وشعبها الكريم.
واسمحوا لي أيضا أن أثني على الجهود الموفقة التي يبذلها فضيلة الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجلس المجمع، وأن أنوه بالدور البارز الذي يضطلع به فضيلة الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة الأمين العام للمجمع في إدارة هذه المؤسسة وتنظيم أعمالها وترتيب ندواتها والإعداد لمؤتمراتها، مشيدًا بجهود الأعضاء والخبراء والمفكرين والعاملين، سائلا الله أن يوفق الجميع لما فيه خير هذه الأمة لتعود كما كانت قوية عزيزة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة الدكتور
عبد الله بن صالح العبيد
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي
في افتتاح
الدورة الحادية عشرة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي
بالمنامة – دولة البحرين -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا
محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
صاحب السعادة الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة
وزير العدل والشؤون الإسلامية.
أصحاب الفضيلة رئيس وأمين المجمع الفقهي الإسلامي الدولي.
أصحاب السمو والفضيلة والمعالي والسعادة. . أيها الحفل الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
باسم رابطة العالم الإسلامي أشارككم هذا اللقاء، وأسأل الله عز وجل أن يكلل أعمال هذه الدورة لمجمع الفقه الإسلامي بالتوفيق والنجاح، وأن تضيف إلى سجله الحافل بالمنجزات الكثيرة من النتائج والإنجازات.
لقد أنجز هذا المجمع بحمد الله ثم بجهود العاملين فيه من أعضاء وخبراء وخلال الثمانية عشر عاما من عمره المديد بإذن الله، أنجز الكثير على مستوى الدراسات والأبحاث واتخاذ القرارات والتوصيات التي من شأنها المساعدة على تطبيق الشريعة، وتحقيق وحدة الأمة، وبعث على الكثير من الآمال لدى الشعوب الإسلامية بالعمل على التطبيق على مستوى الدول والمؤسسات والهيئات. وإن رابطة العالم الإسلامي لتشيد في هذا المكان، وفي كل مكان بجهود الدول التي تسعى لتطبيق شرع الله، وتحكيم كتابه، والعمل على نهج نبيه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
ولا شك أن من دلائل الرشاد لهذه الأمة أن يجتمع علماؤها في مثل هذا الاجتماع لبيان الحق والإرشاد إليه، ونسأله سبحانه أن يمن بالتوفيق على قياداتها وأمرائها للأخذ بذلك والسعي إليه. ذلك أن اجتماع العلماء والقادة على كلمة الحق بيانًا وتحقيقًا، غاية تسعى الشريعة المطهرة لتحقيقها ووسيلة لتحقيق أهدافها وغاياتها.
وهو أنموذج عملي يتمثل فيه بناء الإنسان والمجتمع الصالح حيث يتكامل الإيمان والعمل والالتزام وحسن التعامل في حق كل من الفرد والمجتمع على السواء، كما بين ذلك ربنا عز وجل في سورة العصر بقوله:{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) } وما أحوجنا في هذا العصر الذي أصبح التفكك من أوضح سماته، وهذا المكان حيث الخليج الذي أصبح لا يذكر إلا ويذكر الصراع بين دوله وجيرانه، وهذا الإنسان الذي تتجاذبه الصراعات وتزرع الفرقة بين قادته وعلمائه وسائر أبنائه.
ما أحوجنا في هذا الخضم من الفتن والمشكلات إلى الألفة والوحدة وجمع الشمل.
ولقد أدرك هذا المجمع المبارك هذه الحاجة، كما أدركتها مشكورة دولة البحرين بقيادة الأمير الجليل صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة – حفظه الله – وصاحب السمو الشيخ حمد بن عيسى نائب سموه. فكان تركيز هذه الدورة على الكثير من الموضوعات التي تتعلق بحفظ كيان الأمة الإسلامية من حيث الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية، ومنهجية المقارنة بين المذاهب الفقهية ودراسة ما استجد في مجتمعاتها من تيارات العلمنة والحداثة في قضاياه من النوازل والمعاملات.
ونأمل مرة أخرى أن يلقى ما يلتقي عليه العلماء والخبراء في هذه المسائل والقضايا مواقع التنفيذ والتطبيق لدى المسؤولين من القادة والأمراء، ولاستجابة القادة من أفراد الأمة جمعاء.
وختاما؛ أشكر لدولة البحرين أميرًا وحكومة وشعبًا حسن الاستضافة لهذا الجمع الكبير من علماء الأمة، كما أشكر للمجمع حسن متابعته لما يتعرض له الأمر من مشكلات، وما يستجد لديها من مسائل وقضايا نتيجة للمعطيات الجديدة والمتغيرات الكثيرة، فلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس المجمع، ولفضيلة الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة الأمين العام للمجمع، ولأصحاب الفضيلة الأعضاء والخبراء كل الشكر والتقدير على جهودكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة معالي الدكتور
بكر بن عبد الله أبو زيد
رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله لا يستحق الحمد أحد سواه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ونسأل الله الصلاة والسلام على عبده، ومصطفاه محمد بن عبد الله، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وعلى أصحابه، وعلى من اهتدى بهداه.
أما بعد:
فعلى أرض الجزيرة العربية منبت العراري والخزامي، ومهب الصباء ومسرى النعام. وعلى ذروة سنامها بلد الله الحرام إذ جعل الله الكعبة البيت الحرام والمشاعر المشهودة والمآثر المأثورة؛ على هذه الأرض المباركة، هبت ريح الرسالة الخالدة ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد ولد آدم أجمعين، عليه من الله تعالى أفضل الصلاة وأتم التسليم، فبان دين الله واكتمل وظهر في المشارق والمغارب وانتشر وأظهره الله على سائر الملل والنحل، وصدق الله إذ يقول:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ويقول عز شأنه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] فالحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله أن جعلنا من أهل الإسلام، فاللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك وأنت راض عنا.
واليوم ونحن على ثغر من ثغور جزيرة العرب على أرض دولة البحرين، ينعقد المؤتمر الحادي عشر لمجمع الفقه الإسلامي الدولي بضيافة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، أمير دولة البحرين نصر الله به الحق وأهله، آمين.
تنعقد هذه الدورة مفتتحة بحضرة سموه الكريم نيابة صاحب المعالي وزير العدل والشؤون الإسلامية عبد الله بن خالد آل خليفة، وفقه الله وسدد خطاه.
صاحب المعالي الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة وزير العدل والشؤون الإسلامية بدولة البحرين.
صاحب المعالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ عبد الله بن صالح العبيد.
صاحب المعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة.
أيها العلماء الأجلاء.
أيها الجمع الكريم:
من عجائب المقدور أن يجتمع في هذه الدورة الحادية عشرة ثلاثة موضوعات مرتبطة ارتباط الروح بالهيكل كأنما بنيت على موضوعي النفي والإثبات في كلمة التوحيد، إثبات الوحدة الإسلامية ونفي العصرنة والعلمنة وأساليب الحداثة التي غزت الأمة الإسلامية.
وإنه على التحقيق، فإن الوحدة الإسلامية تنبني على تحقيق العبودية الخالصة لله – سبحانه وتعالى – اعتقادا وقولا وعملا مؤسسة على الإخلاص وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، منتجة عامل الولاء والبراء، الولاء لمن والى الله ورسوله، والبراء ممن تبرأ الله منه ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومنتجه الحب والبغض في الله، فإنه أساس الملة وقوام هذا الدين.
وإن من أعظم أنواع العبودية التي تعبَّد الله بها المسلمين هو تحكيم الشرع المطهر في جميع مساريب الحياة ومجالاتها من الأفراد والجماعات والولاة والعلماء، وسائر من انتسب إلى هذا الدين. إنِ الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه. ويقول الله – سبحانه وتعالى – في أول أمر في التنزيل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]، ويقول سبحانه في فاتحة سور القرآن:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، ويقول عز شأنه:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3]، ويقول سبحانه:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [الجاثية: 18- 20] وقول ربنا جل علا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1] .
لهذا فيجب على من بسط الله يده على أي من بلاد المسلمين أن يعلن تحكيم شريعة الإسلام في جميع مجالات الحياة، وأن يطرد هذه القوانين الوافدة التي تخالف شريعة الله، وأن يُحَكِّمَ في الناس كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
صاحب المعالي الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة؛
أصحاب المعالي؛
أيها العلماء الإجلاء:
وأصالة عني ونيابة عن هذا المجمع ورجاله ومنسوبيه نبدي خالص شكرنا وتقديرنا لصاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، الذي تفضل باستضافة هذا المجمع؛ وما هذا على خلقه الكريم بكثير. نسأل الله سبحانه أن يرده معافى، شفاه الله وعافاه ونصر به الحق وأهله. آمين.
وإنني أبدي خالص الشكر والتقدير لرجال هذه الحكومة المباركة وعلى رأسهم ولي العهد نصر الله به الحق وأيده وسمو رئيس الوزراء وفقه الله وسدد خطاه، وصاحب المعالي الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة، وسائر العاملين على حسن استضافتهم لهذا المجمع، كما أبدي خالص الشكر والتقدير لمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي في إدارته الدقيقة على مدار العام لهذا المجمع مما أدى إلى حسن العطاء. وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة معالي الدكتور
محمد الحبيب ابن الخوجة
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة
في افتتاح
الدورة الحادية عشرة
لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه.
حضرة صاحب السعادة الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة،
وزير العدل والشؤون الإسلامية؛
سعادة السفير صالح الزعيمي،
مندوب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي؛
سعادة الدكتور عبد الله بن صالح العبيد،
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي،
حضرة صاحب الفضيلة الدكتور الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد،
رئيس المجلس العلمي للمجمع؛
حضرات أصحاب السعادة والفضيلة؛
أيها الملأ الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ههنا في البحرين (لؤلؤ الخليج) وبهذه المدينة الساحرة الجميلة (المنامة) عاصمة الدولة التي تزخر حيوية ونشاطا وجدا وعملا، وتتجلى فيها النهضة الجديدة العصرية في مختلف المجالات، وعلى مقربة من المركز الأحمدي الإسلامي، ومن بيت القرآن، نقيم اليوم بفضل الله وحسن عونه المؤتمر الحادي عشر لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، شاكرين لحضرة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، أمير البلاد حفظه الله وسلمه، وأسبل عليه رداء الصحة والعافية وأطال عمره – رعايته السامية لمؤتمرنا، واستضافته الكريمة له، بهذه الأرض الطيبة المعطاء بلاد البحرين.
ولا أنسى في هذا المقام أن أنوه بالجهود الكبيرة المتنوعة التي قدمتها حكومته الرشيدة، وبخاصة رئيس الوزراء حضرة صاحب السمو الشيخ خليفة ابن سلمان آل خليفة الموقر، وولي العهد الأمين صاحب السمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ووزير العدل والشؤون الإسلامية سعادة الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة الموقر. فقد وجدنا من المسؤولين ومساعديهم التعاون الكامل والدعم الفائق لمسيرتنا العلمية، وإنا إذ نحييهم جميعا، وندعو الله تعالى أن يجزيهم عنا خير الجزاء، لا ننسى للأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي معالي الدكتور عز الدين العراقي ومساعديه حسن رعايتهم للمجمع وعنايتهم الكاملة بنشاطاته وتقدير الأمين العام للمنظمة لأعمال المجمع، ودعمه له بما يقدمه إليه من اقتراحات وتوجيهات صائبة.
وقد تناول المجمع في دوراته العشرة الماضية جملة قضايا: منها اثنتان عقيديتان، وأربع أصولية، وإحدى عشرة شرعية، وثماني عشرة شرعية طبية، وسبع وثلاثون اقتصادية فقهية، وأربع اجتماعية، وأجوبة عن ستة وعشرين استفسارا وردت إلينا من المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن. وجملة ما قدم فيها تسعون وأربعمائة بحث. وكان بحث كل موضوع من هذه الموضوعات يخضع لتحليل المشكل، أو الجانب الخصوصي منه، تمهيدا لكمال تصوره، ثم تكييفه الشرعي، والنظر فيه من الناحية الشرعية الفقهية للبت فيه باتخاذ القرار المجمعي المناسب. وقرارات المجمع: إما كاشفة عن الحكم الشرعي وتتمثل في خمسة وستين موضوعات متلوه بقراراتها، وإما مؤجلة لمزيد من النظر في الموضوع باستكتابات جديدة، أو بعقد ندوات تخصصية فيها وهي اثنا عشر موضوعا.
وعقد المجمع أيضا من سنتين خلتا جلسات دورية شهرية لبحث جملة من القضايا الاقتصادية في فقه المعاملات، اقترحتها لجنة الموسوعة الفقهية الاقتصادية. وهي خمسون موضوعا. ضبطت محاور أكثرها، واستكتب فيها باحثون، ووصلتنا حتى الآن خمس دارسات نعد بإذن الله لنشرها.
وبجانب ذلك تولى المجمع بالتعاون مع مؤسسة سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الخيرية – الإشراف على القيام بمشروع (مَعْلَمَة القواعد الفقهية) الذي أنجز النظر فيه من قبل أحد عشر أستاذا تناولوا بالدرس – لاستخراج القواعد والمقاصد – أربعة وعشرين مصدرا هي: إيضاح المسالك للونشريسي، والمقدمات الممهدات، والفتاوى، والبيان والتحصيل لابن رشد الجد، والأم للإمام الشافعي، والمبسوط للسرخسي، والبحر الرائق، والأشباه والنظائر، والرسائل لابن نجيم، وشرح الحموي للأشباه، والمغني لابن قدامة، والفروق للقرافي، والقواعد للمقري، وقواعد الأحكام الشرعية لـ محمد بن أحمد المالكي، والموافقات، والاعتصام للشاطبي، وبدائع الصنائع للكاساني، وأحكام القرآن لابن العربي، وإعلام الموقعين لابن القيم، وإحياء علوم الدين للغزالي، وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام، وعلل الشرائع للشيخ الصدوق ابن بابويه القمي.
ونحن في انتظار بقية البحوث المتصلة باستخراج القواعد العامة الفقهية والأصولية والمقاصد الشرعية من جملة أمهات الكتب الفقهية، حيث لم يصلنا بعد عدد كبير من الدراسات التي تشمل ستة وعشرين كتابا وزعت على سبعة باحثين.
ووقع، بالإضافة إلى ذلك، استكتاب ثلة أخرى تتكون من سبعة فقهاء أيضا، تقوم بالنظر في تسعة عشر مصنفا من أمهات الكتب الفقهية.
وهكذا تكون جملة الكتب التي اعتمدناها لاستخراج القواعد العامة الفقهية والأصولية والمقاصد الشرعية تسعة وستين كتابا موزعة على أربعة وعشرين عالما من رجال الاختصاص.
وكذلك تولى مجمع آل البيت بمدينة قم (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) ، مشكورا، الإعداد لتخريج القواعد الكلية والمقاصد الشرعية من كتب الفقه والأصول المعتمدة لدى الشيعة الإمامية.
ولعلنا بهذا العمل المجيد، إذا وفقنا فيه، يمكننا أن نضع أقدامنا على الطريق التي أشار إليها الدكتور السنهوري باشا عند مقارنته بين التشريع الإسلامي والتشاريع الغربية حين قال: (الفقه الإسلامي فقه محض لا تقل عراقته في ذلك عن عراقة القانون الروماني، وهو لا يقل عنه في دقة المنطق، وفي متانة الصياغة، وفي القابلية للتطور وهو مثل صالح لأن يكون قانونا عالميا، بل كان بالفعل قانونا عالميا
…
وإذا أحييت دراسته، وانفتح فيه باب الاجتهاد قمين بأن ينبت قانونا حديثا لا يقل في الجدة ومسايرة العصر عن القوانين اللاتينية والجرمانية) .
كما أصدر المجمع خلال هذه الفترة عددا من المنشورات منها كتب تراثية مثل: (عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة) لابن شاس في الفقه المالكي في ثلاثة مجلدات من الحجم الكبير على نفقة خادم الحرمين الشريفين، أجزل الله مثوبته، و (بلغة الساغب وبغية الراغب) للعلامة فخر الدين ابن تيمية في الفقه الحنبلي. ومن التآليف الفقهية والأصولية:(المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل) ، (وتخريجات الأصحاب) تأليف العلامة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، و (قواعد الفقه الإسلامي) من خلال كتاب (الإشراف على مسائل الخلاف) للقاضي عبد الوهاب تأليف الأستاذ الدكتور محمد الروكي، وبطاقات الإقراض والسحب المباشر من الرصيد تأليف الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان. وستصدر، بإذن الله، قريبا جملة من المنشورات العلمية الأخرى مثل كتاب (صلة الناسك في صفة المناسك) لابن الصلاح تحقيق مدير الدراسات والبحوث بالمجمع، وكتاب (مقاصد الشريعة الإسلامية) للمرحوم العلامة شيخ الإسلام محمد الطاهر ابن عاشور، وتقديم وتحقيق وتعليق الأمين العام للمجمع.
هذا وقد صدرت عن المجمع مجلته العلمية السنوية في تسعة أعداد وهي تتألف من سبعة وعشرين مجلدا. وقيد الطبع الآن العدد العاشر منها في ثلاثة مجلدات. كما صدرت عنه (قرارات المجمع وتوصياته) في طبعتين؛ الأولى حتى الدورة الخامسة، والثانية من الدورة الأولى حتى الدورة العاشرة. وهي بعدد من اللغات: العربية والفارسية والتركية والأردية والإنكليزية والفرنسية.
أما الندوات التي عقدها المجمع حتى اليوم فهي:
1-
ندوة سندات المقارضة: عقدت بين المجمع والبنك الإسلامي للتنمية بجدة.
2-
الندوة الطبية الفقهية: عقدت بين المجمع والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت.
3-
الندوة الأولى للأسواق المالية: عقدت بين المجمع والبنك الإسلامي للتنمية باستضافة وزارة الأوقاف المغربية.
4-
ندوة الإجابة عن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية: عقدت بين المجمع والبنك الإسلامي للتنمية بجدة.
5-
ندوة استخدام الحاسوب في العلوم الشرعية: عقدت بين المجمع والبنك الإسلامي للتنمية بجدة.
6-
الندوة الثانية للأسواق المالية: عقدت بين المجمع والبنك الإسلامي للتنمية باستضافة بنك البحرين الإسلامي بالمنامة.
7-
الحلقة الدراسية للنظر في توصيات ندوة البحرين: عقدت بمقر الأمانة العامة للمجمع بجدة وشارك فيها ثلة من الفقهاء والاقتصاديين.
8-
9 – 10 – ثلاث ندوات فقهية اقتصادية بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية بجدة.
11-
ندوة عن (الجوانب الفقهية لمرضى الإيدز) بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت.
12-
ندوة عن (حقوق الطفل في الإسلام) بالتعاون مع الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة.
13-
الندوة الفقهية الاقتصادية حول قضايا العملة: وهي ذات ثلاث حلقات. تم عقد الحلقتين الأوليين بجدة، وكوالالمبور، وستعقد في الأيام القريبة، بإذن الله، الحلقة الثالثة بالمنامة.
14-
ندوة حقوق الإنسان بجدة.
15-
الندوة الفقهية الطبية حول (رؤية إسلامية لبعض المشاكل الصحية) : انعقدت في مدينة الدار البيضاء بالمملكة المغربية، وتحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك الحسن الثاني، نصره الله، وبمشاركة مؤسسة الحسن الثاني للأبحاث العلمية والطبية عن رمضان، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ، ومجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية.
16-
الندوة الفقهية الطبية حول (الهندسة الوراثية والعلاج الجيني والبصمة الوراثية من منظور إسلامي) .
وتتسم أعمال المجمع، في كل هذا، برصانة البحث، والتأني في اتخاذ القرار والسير على المنهج العلمي الأصولي في بحوثه ودراساته، معتمدا في الأكثر الأحوط من الاتجاهات والآراء، وآخذا بما هو الأيسر والأوفق بمصالح الناس في أخرى ولكل من المسلكين مجاله وموضوعاته.
والمعتمد في ذلك كله ما قدمه ويقدمه، في كل دورة، السادة أعضاء المجمع، من منتدبين ومعينين ومراسلين، من جواهر العلم ونفائسه مما نزداد به عمقا في بحوثنا ودراساتنا. وإني لأراهم في أمرهم واجتهاداتهم على نحو ما وصف به محمد بن الحسن الشيباني العالم في قوله: هو من كان عالما بالكتاب والسنة، وبقول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما استحسن فقهاء المسلمين فهذا من يسعه أن يجتهد رأيه فيما ابتلي به، ويقضي به، ويمضي في صلاته وصيامه وحجه بجميع ما أمر به ونهي عنه. فإذا اجتهد ونظر وقاس على ما أشبه ولم يأل، وسعه العمل بذلك، وإن أخطأ الذي ينبغي أن يقول فيه.
ويوضح هذا ما قاله أبو عمر بن عبد البر: إن الاجتهاد لا يكون إلا على أصول يضاف إليها التحليل والتحريم، وإنه لا يجتهد إلا عالم بها. ومن أشكل عليه شيء لزمه الوقوف، ولم يجز له أن يحيل على الله قولًا في دينه لا نظير له من أصل، ولا هو في معنى أصل. وهذا لا خلاف فيه بين أئمة الأمصار قديما وحديثا، فتدبره.
ولا يفوتني في ختام هذه الكلمة أن أجدد الشكر والامتنان لحضرة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد – حفظه الله – ولأعضائه الميامين، وأنوه مع فائق التقدير بما يبذله رئيس مجلسنا العلمي العلامة الفقيه الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، كما ألتفت إلى السادة أعضاء المجلس العلمي بالمجمع فأحييهم أكمل تحية، وأرحب بهم أصدق ترحيب، وأشكرهم على ما تجشموه من مشاق السفر حتى التحقوا بنا، وسعدنا بلقائهم بهذا البلد الميمون.
حضرات أصحاب الفضيلة الفقهاء؛
حضرات السادة العلماء؛
زادكم الله علما وتثبيتا، وسدد خطانا وخطاكم على طريق الحق، حتى يستعيد المسلمون منهج الإسلام في سلوكهم، وهدي الرسول في معاملاتهم، والالتزام بشريعة الله في أحكامهم.
فأنتم- إن شاء الله- التالون لكتابه، المتدبرون لآياته الملتزمون بأحكامه، وأنتم المتمسكون بسنة نبيكم، وهي الحكمة، تنير لكم المسالك وتهديكم سبل الرشاد، وأنتم المطلعون على الآثار وعلى ما قاله العلماء والأئمة المجتهدون، تستعينون بكل ذلك حين تسألون أو تستفتون، لا تصدرون إلا عما فيه لكم مستمسك وبه اقتناع.
والله المنعم الكريم يلهمنا السداد ويقينا الزلل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.