المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عقود الصيانة وتكييفها الشرعيإعدادالدكتور محمد أنس الزرقاء - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الحادي عشر

- ‌بيع الدين والأوراق الماليةوبدائلها الشرعيةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌أحكام التصرف في الديوندراسة فقهية مقارنةإعداد الدكتورعلي محيي الدين القره داغي

- ‌بيع الدينأحكامه – تطبيقاته المعاصرةإعدادأ. د نزيه كمال حماد

- ‌بيع الدينإعداد الدكتورعبد اللطيف محمود آل محمود

- ‌بيع الدين وسندات القرضوبدائلها الشرعيةفي مجال القطاع العام والخاصإعداد الدكتورمحمد علي القري بن عيد

- ‌بيع الدين وسندات القرضوبدائلها الشرعية في مجال القطاع العام والخاصإعدادالدكتور سامي حسن حمود

- ‌المضاربات في العملةوالوسائل المشروعة لتجنب أضرارها الاقتصاديةإعداد الدكتورأحمد محيي الدين أحمد

- ‌المضاربات على العملةماهيتها وآثارها وسبل مواجهتهامع تعقيب من منظور إسلاميإعداد الدكتورشوقي أحمد دنيا

- ‌عقود الصيانةوتكييفها الشرعيإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌عقود الصيانةوتكييفها الشرعيإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌عقود الصيانة وتكييفها الشرعيعقد الصيانةإعدادآية الله محمد على التسخيري – مرتضى الترابي

- ‌عقود الصيانةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌عقود الصيانة وتكييفها الشرعيإعدادالدكتور محمد أنس الزرقاء

- ‌ضوابط الفتوىفي ضوء الكتاب والسنةومنهج السلف الصالحإعداد الدكتورعبد الوهاب بن لطف الديليمي

- ‌سبل الاستفادة من النوازل "الفتاوى "والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرةإعداد الدكتوروهبة مصطفى الزحيلي

- ‌سبل الاستفادة من النوازل "الفتاوى "والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرةإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌سبل الاستفادة من النوازل "الفتاوى "والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرةإعداد الدكتورعبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌العمل الفقهيعند الإباضيةإعدادناصر بن سليمان بن سعيد السابعي

- ‌الإسلامفي مواجهة الحداثة الشاملةإعدادالدكتور ناصر الدين الأسد

- ‌مجمع الفقه الإسلامي الدوليووحدة الأمة الإسلاميةإعدادمحمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌الوحدة الإسلاميةمنهجية المقارنة بين المذاهب الفقهيةإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌الوحدة الإسلاميةمعالمها وأعلامهاإعدادالأستاذ محمد واعظ زادة الخراساني

- ‌الوحدة الإسلامية{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}إعدادالشيخ عدنان عبد الله القطان

- ‌الوحدة الإسلاميةأدب الحوار وأخلاقيات البحثإعدادالدكتور سعيد بن عبد الله بن محمد العبري

- ‌‌‌الإسلام في مواجهة العلمنةإعدادالدكتور عمر عبد الله كامل

- ‌الإسلام في مواجهة العلمنةإعدادالدكتور عمر عبد الله كامل

- ‌الإسلام في مواجهة العلمنةموقف الإسلام من مسألة الحكم والسيادةإعدادآية الله الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الديمقراطية والعلمانيةوحقوق الإنسانالمرجعية الغربية والمرجعية الإسلاميةإعدادالأستاذ إبراهيم بشير الغويل

الفصل: ‌عقود الصيانة وتكييفها الشرعيإعدادالدكتور محمد أنس الزرقاء

‌عقود الصيانة وتكييفها الشرعي

إعداد

الدكتور محمد أنس الزرقاء

أستاذ باحث بمركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي

والدكتور سامي إبراهيم السويلم

مستشار اقتصادي بمركز دراسات شركة الراجحي

المصرفية

بسم الله الرحمن الرحيم

عقود الصيانة وتكييفها الشرعي

1-

وصف الموضوع كما ورد في خطاب

الأمانة العامة للمجمع

شعرنا بأن أفضل وصف لموضوع هذا البحث؛ هو ما ورد في خطاب الاستكتاب من الأمانة العامة للمجمع الموقر، لدقته وشموله. فنثبته فيما يلي:

1.

عقود الصيانة وتكييفها الشرعي في خطاب الأمانة العامة للمجمع:

لا يخفى التعقيد الذي بلغته صناعة الآلات والمعدات والأجهزة في مختلف المجالات، مما جعل الاهتمام بصيانتها يوازي أهمية الحصول عليها، وكذلك الحال بالنسبة للمشاريع العمرانية؛ حيث يحرص المتعاقد لامتلاك مصنوع أو مشروع على ضمان بقاء الانتفاع به، دون تعرضه للتلف أو الخلل لأسباب ترجع إلى سوء الصنع أو الإنجاز.

وهناك عقود الصيانة تنشأ مستقلة عن عقد التملك للأصل المراد صيانته سواء كانت لاستبقاء المالك الانتفاع بملكه، أو لاستمرار الأعيان المؤجرة صالحة دون انقطاع المنفعة.. ويكتنف هذه العقود بعض الالتباس في تكييفها بسبب جهالة مقدار العمل وهو ما يغتفر في عقد الجعالة، أو بسبب الالتزام مع العمل بتقديم المواد والقطع التي تتطلبها الصيانة.

وقد استقر التعامل على الحصول على تعهد من الصانع أو المقاول بالصيانة طيلة مدة متعارف عليها لدرء الخلل غير المتوقع للعمر الاستهلاكي، ويقع هذا الالتزام جزءا لا يتجزأ من الصفقة الأصلية للتملك، ويتطلب هذا النوع من عقود الصيانة المتلازمة مع عقود التملك البحث فيما يلي:

-اندراج هذا في صور صفقتين في صفق، أو اشتراط عقد في عقد.

-أو اعتبار ذلك شرطا مقترنا بالعقد المقصود أصلا.

-أو اقتضاء سلامة المعقود عليه التزام البائع بالصيانة بديلا عن حق الرد للمعيب بعيب خفي.

وهناك جوانب أخرى بحسب شروط وقيود الصيانة المختلفة وعقودها المتعددة، وهى المعروضة للبحث والدراسة لتحديد أحكامها، وتكييفها الشرعي.

ص: 393

2.

أمثلة واقعية من عقود الصيانة وشروطها:

2 /1 – المثال الأول: عقد صيانة حاسبات وما يتبعها من طابعات في شركة:

المادة الأولى:

مقدمة: يرغب الطرف الأول بعمل صيانة لجميع أجهزة الحاسبات الآلية الشخصية الموزعة في كافة أقسام الشركة بمواقعها المختلفة بالرياض، بما في ذلك كافة الوحدات الملحقة بها من طابعات، وإجراء الإصلاح اللازم عند حصول أعطال لهذه الأجهزة، وحيث أن الطرف الثاني – وهي شركة متخصصة في أعمال الصيانة – قد أبدى استعداده وموافقته على تنفيذ متطلبات الطرف الأول، وعليه فقد جرى الاتفاق على ما يلي:

المادة الثانية:

أ. يلتزم الطرف الثاني بإصلاح كافة الأعطال التي تحدث لأي من الأجهزة المشار إليها في القائمة المرفقة خلال أيام الأسبوع (عدا يوم الجمعة) .

ب. يلتزم الطرف الثاني بالاستجابة لطلب الطرف الأول بإصلاح جهاز الحاسب الآلي الرئيسي في شبكات قسم الاستثمار والصناعية ومركز الخدمة، وذلك في موقع الطرف الأول في مدة أقصاها ساعتان تسري من تاريخ ووقت تسجيل طلب الإصلاح هاتفيًّا لدى الطرف الثاني، في الفترة ما بين الساعة الثامنة صباحا إلى الثانية عشر ليلا (منتصف الليل) من كل يوم باستثناء يوم الجمعة.

ج. صيانة الأجهزة مرتين أسبوعيًّا بمقر الطرف الأول، وفي حالة عدم تمكن الطرف الثاني من إصلاح العطل المبلغ عنه، في مدة أقصاها (24) ساعة من بدء عملية الإصلاح، يلتزم الطرف الثاني بتزويد الطرف الأول بجهاز بديل على نفقته (الطرف الثاني) ، كحل مؤقت إلى أن يتم إصلاح العطل بمقر الطرف الأول.

المادة الثالثة:

قيمة العقد تشمل تكلفة استبدال قطع الغيار التالفة وغير الصالحة بقطع غيار جديدة وأصلية، على أن تكون الأجزاء التالفة من حق الطرق الثاني.

المادة الرابعة:

يلتزم الطرق الثاني بعمل صيانة وقائية لأجهزة الحاسب الآلي الشخصي التابعة للطرف الأول بمقر الطرف الأول بمعدل (3) مرات سنويا، بموجب جدول زمني يتفق عليه بين الطرفين.

المادة الخامسة:

حددت مدة هذا العقد بسنة ميلادية كاملة، تبدأ من 1/8/1995م.

المادة السادسة:

تبلغ التكلفة الإجمالية لهذا العقد.. .. وتشمل توريد وتركيب قطع الغيار.

ص: 394

المادة السابعة:

تكون الدفعات على أقساط شهرية.

المادة الثامنة:

من المتفق عليه بأن الأتعاب المحددة في المادة السابعة تشمل أتعاب الطرف الثاني عن جميع المهام الملقاة على عاتقه بما في ذلك قطع الغيار اللازمة ولا يحق للطرف الثاني المطالبة بأية زيادة مهما كانت مقابل أية أعباء إضافية، أو زيادة فيما يتعلق بزمن الإصلاح وتكاليفه.

المادة التاسعة:

يتعهد الطرف الثاني ويضمن بأن الخدمات المهنية سوف تؤدى بواسطة أشخاص على كفاءة عالية وخبرات طويلة في مجال تخصص العمل وأن جميع الخدمات سوف تؤدى طبقا لأفضل الممارسات المهنية، على أن يقوم الطرف الثاني بتقديم صور من الشهادات العلمية وشهادات الخبرة للمذكورين.

المادة العاشرة:

يتحمل الطرف الأول قيمة مستهلكات استخدام الحساب الآلي، مثل الأوراق والأشرطة الكربونية والأقراص الصلبة.. . إلخ كما يتحمل الطرف الأول قيمة تكلفة الأعطال الناتجة عن سوء الاستخدام.

2 /2 – المثال الثاني: بيع معدات طبية لمستشفى مع تعهد بصيانة مديدة:

أ. في هذا العقد يلتزم المشتري بدفع ثمن المعدات على دفعتين: النصف عند الاستلام والنصف الآخر بعد تركيب المعدات واختبارها عمليا، ومقابل ذلك يلتزم البائع بما يلي:

ب. تكاليف الشحن إلى الموقع وتركيب المعدات فيه

ج. تدريب موظفي المشتري على استخدام المعدات.

د. ضمان قيام المعدات بعملها على الوجه السليم لمدة سنة ويشمل الضمان: الصيانة الوقائية الدورية والإصلاح وقطع الغيار أو الاستبدال الكلي عند اللزوم، دون أي تكلفة إضافية على المشتري.

هـ. يلتزم البائع بأن لا تتجاوز فترة التعطل للمعدات (3 %) من ساعات التشغيل المعتادة شهريا، ويتعرض لجزاء نقدي إن تجاوز هذا الحد كما يلتزم أن لا يتجاوز زمن الاستجابة لطلب التصليح (24) ساعة.

و. لا يسري الضمان على الأعطال الناجمة عن سوء الاستعمال من قبل المشتري.

ز. يلتزم البائع بتوفير خدمات الصيانة وقطع الغيار، لمدة لا تقل عن عشر سنوات يحتفظ خلالها بمخزون كافٍ من هذه القطع.

والمفهوم أن تكاليف هذا الالتزام المديد غير مشمولة بالثمن الأصلي؛ بل يأخذ البائع مقابلها ثمن من القطع وأجرة المثل عن العمل.

2/3 المثال الثالث: صيانة لوحة إعلان كهربائية بمبلغ مقطوعة سنويا.:

مع التزام الصائن / المقاول:

أ. بالكشف عدة مرات في الأسبوع على اللوحة للتأكد من أنها تعمل.

ب. بإصلاح أي عطل لخلال 24 ساعة، وتبديل أي قطع تالفة بأخرى جديدة.

ج. لو رضي مالك اللوحة بتحمل تكاليف قطع الغيار، فإن المقاول يرضى بثمن مقطوع أقل.

ص: 395

2 /4 المثال الرابع: تشغيل وصيانة مرافق ومساكن لمدينة سكنية صغيرة مملوكة لمؤسسة صناعية.

أ. مدة العقد 3 سنوات ويشمل جميع المساكن وما فيها من تجهيزات منزلية، والمرافق المشتركة كالمدارس والمساجد وصالات الرياضة والبوابات وتمديدات المياه.

ب. يلتزم المقاول الصائن بتحقيق استمرار جميع المرافق والتجهيزات والأبنية في تقديم خدماتها المعتادة بصورة جيدة. ويلتزم لذلك بتوفير جميع العاملين المهرة، وما يلزمهم من آلات ومواد ووسائل نقل.

ج. يشمل العمل المطلوب الصيانة الوقائية الدورية لجميع ما ذكر، (مثل: دهان الأدوات المعرضة لعوامل الطقس، وتنظيف وضبط ومعايرة سائر التجهيزات، وتبديل الزيت والقطع التالفة.... إلخ) .

د. كما يشمل الصيانة العلاجية لإصلاح أي عطل طارئ.

هـ. الثمن الذي يتقاضاه المقاول عن قيامه بما سلف يدفع منجما على أشهر العقد، ويتكون الثمن من عدة عناصر هي:

1.

مبلغ مقطوع.

2.

تعويض عن ثمن قطع الغيار التي يقوم المقاول بتركيبها فعلا. لكن مجموع ما يدفع له عن قطع الغيار للعقد بأكمله لا يمكن أن يزيد عن حد أعلى محدد في العقد.

3.

يعطى تعويضا عن كل ساعة عمل فعلية يقضيها العاملون عنده في تنفيذ أعمال الصيانة والإصلاح.

و. يلتزم المقاول الصائن ببيان عدد من سيوفرهم من المهندسين والعمال المهرة وسواهم ومؤهلاتهم التفصيلية وخبراتهم، ويشرط أن يكونوا موجودين عنده فعلا قبل بدء سريان العقد.

ملاحظة: قيل لنا: إن هذا النوع من عقود صيانة المرافق الكبيرة شائع الاستخدام في الولايات المتحدة.

2/5 المثال الخامس (1) . عقد صيانة مديدة مترافق مع بيع آلة:

أ. يضمن البائع للمشتري الأصلي لمدة لا تتجاوز ثماني سنوات من تاريخ الشراء، صيانة الآلة لتعمل بفاعلية، وإصلاحها الشامل (Overhaul) عند اللزوم، وفق سعر الصيانة السائد عند كل سنة.

ب. تشمل الصيانة: العمل وتبديل ما يلزم من القطع، باستثناء ما تعرض منها لإساءة الاستعمال فيتحمل المشتري تكلفته، وكذلك يتحمل تكلفة القطع التالية.. وتحدد التكلفة بحسب السعر المعلن لتلك القطع في وقت استبدالها.

ج. كما تشمل الصيانة الفحص الدوري في فترات محددة، وكذلك زيارات الإصلاح الطارئة عند حدوث أعطال.

د. هذا الاتفاق مدته سنة، ويتجدد تلقائيا سنة بعد أخرى إلى نهاية السنة الثامنة، ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر برغبته في عدم التجديد قبل شهر من موعد التجديد.

هـ. يحدد البائع قبل بداية كل سنة ثمن الصيانة الذي سيطبق في السنة التالية، وعلى المشتري تسديد الثمن سلفا.

(1) نقلا مع بعض التصرف بالإيضاح عن: J.D. patton Jr. Maintainbility and Maintenance،3rd ed، Instruments Society of America، 1994،P.402

ص: 396

2/6 بعض ملاحظات على العقود السابقة:

أ. من المهم التفريق بين الإصلاح والصيانة؛ فالإصلاح هنا يقصد به إعادة الآلة إلى حالتها الصحيحة بعد خلل طرأ عليها.

أما الصيانة فهي: (العمل الذي يحفظ الشيء في حالة صحيحة) قاموس هيرتج (Heritage) . وهي أعم من الإصلاح، إذ تنطوي على أعمال الوقاية من وقوع الخلل، فضلا عن إصلاح الخلل إذا وقع.

والصيانة في العرف الهندسي المعاصر، ثلاثة أنواع: وقائية دورية أو علاجية طارئة، أو صيانة شاملة للنوعين السابقين.

فالوقاية – وتسمى أيضا الدورية periodic or preventive maintenance تنطوي على الكشف على الشيء دوريًّا للتأكد من أنه يعمل بصورة صحيحة، واكتشاف ما سيؤدي إلى الخلل وضبطه.. . إلخ بما يقلل وقوع الخلل، ويخفف تكاليف الإصلاح (1) . والعلاجية، وتسمى أيضا الطارئة (correctivem) – تشمل إصلاح الأعطال بعد وقوعها. وكلا النوعين ينطويان على تقديم المواد وقطع الغيار اللازمة. وهدف الصيانة هو استبقاء الشيء في حالة يؤدي فيها وظيفته بنجاعة خلال فترة زمنية مقبلة.

ب. لاحظنا من أمثلة العقود التي أوردناها تضمنها جميعا التزام الصائن بتقديم المواد وقطع الغيار اللازمة، مع استثناء أحيانا لقطع غيار معينة يتحمل تكلفتها مالك الآلة، على أساس ثمن المثل السائد عند تبديل القطع فعلا.

ج. نلاحظ تعدد الأعمال والأشياء التي يلتزم الصائن بأدائها وتقديمها.

وجميع أمثلة العقود التي أوردناها تشمل الصيانة الدورية الوقائية، والصيانة الطارئة العلاجية.

3.

الحاجة إلى عقود الصيانة وأسباب تزايدها:

الحالة العادية أن مالك آلة أو أصل إنتاجي يطلب إصلاحه بعد وقوع خلل فيه، بعقد مستقل كلما وقع خلل ما، كما يفعله أكثر الناس المالكين لأدوات منزلية أو سيارات شخصية.

وإذا كان عدد الآلات عند المالك كبيرا فقد يجد أن من مصلحته استئجار أجراء خاصين يتفرغون عنده لشأن الصيانة. لكن واقع الحال يشهد بأنه حتى الشركات والمؤسسات – ناهيك عن الأفراد – قد ترى أن صيانة بعض تجهيزاتها تكلف أكثر إذا قامت بها بنفسها، وتكلف أقل لو عهدت بها إلى أجير عام متخصص في الصيانة، يقدم خدماته لها ولغيرها. فمؤسسات الصيانة المتخصصة صارت مثالا من أمثلة المزايا الاقتصادية لتقسيم العمل والتخصص.

إن تزايد أهمية الصيانة يرجع لعاملين على الأقل:

أولهما: زيادة الكثافة الرأسمالية في النشاطات المعيشية المعاصرة، بمعنى الاتجاه المطرد إلى زيادة استخدام الآلات والأجهزة لإنجاز عمل معين.

وثانيهما: هو اعتماد كثير من الأجهزة والمعدات على معرفة تقانية (تكنولوجية) متقدمة، تجعل صيانتها وإصلاحها يتطلب مهارات بشرية وإعدادت فنية خاصة (كأجهزة للاختبار والإصلاح ومواد للصيانة.. . الخ) .

(1) بتصرف من: Garl Heyel. Editor. The Encyclopedia of management. 3rd ed. Van nostrand N.Y، 1982. p595

ص: 397

وفى مجالات الصناعات التحويلية التي يوجد فيها خطوط إنتاج، حيث نتاج مرحلة معينة هو مادة وسيطة أو نصف مصنعة تستخدم في المرحلة التالية؛ يكون ضبط عملية الصيانة مهما جدا؛ لأن تعطل آلة معينة قد ينجم عنه خسارة كبيرة، لما يترتب عليه من تعطيل مراحل إنتاجية لاحقة وتعطيل أعداد من العاملين.

ومحصلة هذه الفقرة: أن الحاجة إلى الصيانة هي واسعة الانتشار كما أنها إلى ازدياد.

4.

عقد الصيانة المنفرد:

4 /1 – مقدمات:

سبق أن بينا في (ف2/6) أن هدف الصيانة هو استبقاء الشيء في حالة يؤدي فيها وظيفته بنجاعة، وتختلف بذلك عن الإصلاح الذي يعالج الخلل بعد وقوعه.

ويبدو أن العرف التجاري المعاصر يقصد بعقود الصيانة عند إطلاقها الصيانة الشاملة التي تضم النوعين الوقائية والعلاجية معا (ف2/6) ن ومثال الوقائية: الكشف بين حين وآخر على الآلة وضبطها واستبدال القطع التي أشرفت على التلف دون انتظار وقوع خلل.

ويلاحظ هندسيا أن أعمال الصيانة الدورية وما يحتاج فيها إلى تبديل بعض القطع أو الزيوت

إلخ، كل ذلك يسهل تقديره سلفا على ذوي الخبرة بآلة معينة، وليس فيه إلا جهالة يسيرة. أما الصيانة العلاجية فهي بطبيعتها طارئة ليس من السهل تقديرها سلفا بالجهالة فيها كبيرة.

وأكثر عقود الصيانة فيما ظهر لنا هي من النوع الشامل لنوعيها الوقائي والعلاجي لأسباب واضحة؛ أهمها أن حسن الصيانة الوقائية يخفف الحاجة إلى الصيانة العلاجية ويقلل تكاليفها. لذلك فإن العهدة بهما معا إلى جهة واحدة له مزايا ظاهرة في حفز الصائن على إتقان الصيانة بنوعيها، ويسهل حصر المسؤولية.

وقد رأينا في جميع أمثلة العقود التي أوردناها، أنها تنطوي على التزام الصائن بتقديم بعض أو كل قطع الغيار التي تظهر حاجة لتبديلها خلال فترة العقد.

وقد تبين لنا أن عقد الصيانة تكتنفه أربعة عقود معروفة، يشبه كلا منها في نواحٍ ويخالفه في أخرى، هي عقود: الإجارة على عمل، والاستصناع، والجعالة، والتأمين، والتأمين على الأشياء. ونبين ذلك في الفقرات التالية تمهيدا لتكييف عقد الصيانة واقتراح حكم فقهي مناسب فيه.

4 /2 – عقد الصيانة مقارنا بالإجارة على عمل:

إن عقد الصيانة هو عقد على عمل، والصائن لا يضع نفسه تحت تصرف مالك الآلة مدة معينة ليقوم بالصيانة خلالها، لأنه عادة ليس أجيرا خاصا، لكنه أجير عام (مشترك) يبيع عمله في الصيانة لجهات كثيرة، لكن الصيانة تختلف عن الأعمال المألوف تأديتها من الأجراء العاملين، كالنجار والخياط في أمرين:

أ. جهالة مقدار العمل فيما يتصل بالصيانة الطارئة العلاجية، وهي جزء من عقود الصيانة في العادة.

ب. الالتزام بتقديم قطع التبديل من الصائن بالإضافة للعمل ولهذه القطع قيمة ذات شأن في العادة.

وجهالة مقدار العمل تدعونا إلى النظر إلى وجوه الشبه بين الصيانة والجعالة.

4 /3 – عقد الصيانة مقارنا بالجعالة:

إن أقوى وجه للشبه بين الجعالة والصيانة هو جهالة مقدار العمل، مع وجود غاية يطلب من العامل تحقيقها ليستحق الجعل، وهي هنا سلامة الآلة بحيث تؤدي وظائفها المعتادة.

ولو كان العقد ليس صيانة، بل إصلاحا لخلل قد وقع فعلا لتأكد شبهه بالجعالة. أما الصيانة فإن بينها وبين الجعالة فروقا ثانوية، وأخرى جوهرية.

ص: 398

ونعد في هذا المقام ثانويا تلك الفروق التي لا تخل بمقصد شرعي، لذلك يمنعها مذهب ويبيحها آخر في الجعالة، مع وجودها في الصيانة، مثل:

أ. منع تأقيت مدة العمل في الجعالة عند المالكية والشافعية، بينما الحنابلة يجيزون التأقيت (وهو موجود في عقود الصيانة دوما) ، وهو الأوجه في نظرنا، لأن فيه تقليلا لجهالة العمل، وهذا حسن وليس مباحا فقط (1) .

ب. عدم لزوم الجعالة عند المجيزين لها (إلا قولا ضعيفا عند المالكية باللزوم على الطرفين حتى قبل شروع العامل في العمل)(2) . وعقود الصيانة لا مندوحة فيها عن اللزوم حتى قبل الشروع في العمل، لأن عدم اللزوم فيها ضار بالطرفين.

فروق جوهرية:

ج. من الفروق الجوهرية في نظرنا في الجعالة شرط أن يكون مقصود الجاعل لا يتحقق إلا بتمام العمل (مثل رد البعير الشارد، أو الحفر للوصول إلى الماء) . أما إن كان بعض العمل يفي ببعض غرض الجاعل (مثل إشادة بعض البناء) فإن العقد المناسب هنا هو الإجارة على عمل، وليس الجعالة، لأن مؤدى هذه أن لا يستحق العمل الجعل ولم أتم بعض العمل إذا لم ينجزه كله، مع أن الجاعل ينفع بهذا البعض، وفي هذا إجحاف دعا فقهاء المالكية إلى منع الجعالة في مثل هذه الحالات (3) . ونحن نتبنى هذا الاجتهاد لأنه يحفظ مقصد العدالة والتوازن بين المتعاقدين.

ومن الواضح في عقود الصيانة التي نبحثها أن رب الآلة ينتفع بقيام الصائن عليها بعض مدة العقد، ولا يصح القول بأن مقصوده لا يتحقق منه شيء إلا بتمام المدة كلها. وهذا يتنافى مع تكييف الصيانة على أنها جعالة.

د. وهناك فرق جوهري آخر يتصل بالفرق السابق، وهو أن الزمن مقصود أصلي في عقد الصيانة، الذي يستهدف كما أسلفنا حفظ الآلة في حالة صالحة للعمل خلال فترة العقد فالصيانة عقد زمني بلا ريب تتحقق المنفعة فيه آنًا بعد آنٍ، شأن إجارة الأعيان وإجارة الأبدان، أما الجعالة على وجهها المعتاد فهدفنا تحقيق نتيجة معينة، ولو أمكن للعامل تحقيق النتيجة في ساعة لكان هذا أنفع للجاعل مما لو حققها بعد شهر.

هـ. وفرق جوهري ثالث نذكره هو أن صيانة الأعطال الطارئة يستحق الصائن فيها الأجرة ولو لم تطرأ أعطال خلال فترة العقد، فعقد الصيانة في هذا الجانب منه يشبه قول جاعل:"من التزم برد بعيري إذا شرد خلال العام القادم فله كذا، وله الجعل على التزامه هذا ولو لم يشرد البعير". وهذا أشبه بعقد التأمين على الأشياء منه بالجعالة.

(1) ر: الموسوعة، مادة جعالة، 15/210، 215، 216

(2)

الموسوعة: 15/211؛ وحاشية الصاوي على الشرح الصغير: 2/275

(3)

د. خالد رشيد الجميلي: الجعالة وأحكامها.. .، بيروت؛ عالم الكتب: 1406هـ 1986م. ص79-83؛حيث بين اشتراط المالكية في العمل محل الجعالة أن لا ينتفع به الجاعل إلا بتمامه، وهو يحيل في ذلك إلى مقدمات ابن رشد: 2/635 – 636

ص: 399

نتيجة: هناك شبه واضح بين عقد الصيانة المعاصر وعقد الجعالة المعروف في الفقه، لكن بينهما فروقا جوهرية تمنع في نظرنا اعتبار الصيانة جعالة مطلقة.

4 /4- عقد الصيانة مقارنا بالتأمين على الأشياء:

عقد التأمين: هو عقد يلتزم فيه المستأمن (طالب التأمين) بدفع مبلغ معين، لقاء التزام المؤمن بدفع تعويض عن الضرر الذي قد يلحق بالمستأمن إذا وقع الخطر المؤمن ضده خلال فترة زمنية محددة (سنة مثلًا) .

والصيانة العلاجية الطارئة (غير الدورية) تشبه عقد التأمين المذكور (1) . سوى أن الصائن لا يلتزم عادة تقديم مبلغ مالي يعوض رب الآلة عن الضرر الناجم عن العطل الطارئ، بل يلتزم إصلاح العطل، وتبديل القطع التالفة حيثما لزم ذلك.

ولو تمحضت الصيانة بحيث تكون علاجية طارئة فقط لا تشمل الصيانة الدورية، وكانت مستقلة تماما عن عقد بيع الأصل المراد صيانته، لزاد شبهها بالتأمين.

نتيجة: إذا انفراد عقد الصيانة وحده، وكان محصورا بالصيانة الطارئة فقط دون الدورية الوقائية، فإنه يشبه عقد التأمين على الأشياء، ويجري فيه الخلاف الفقهي المعاصر في التأمين.

- فأكثر الفقهاء المعاصرين، والمجامع الفقهية ومنها هذا المجمع الموقر، رأت عدم جواز التأمين التجاري، وجواز التبادلي والتعاوني بديلا عنه (2) .

- وترى قلة من الفقهاء المعاصرين جواز التأمين التجاري من حيث المبدأ، إذا خلا عقده من أسباب مفسدة أخرى.

على أن الغالب على عقود الصيانة أن تشمل الصيانة الدورية الوقائية أيضًا، وهذه لا تشبه التأمين في شيء، كما أن وجودها في العقد يخل بشرط فني جوهري في التأمين وهو أن لا يتعلق وقوع الحادث الضار بإردة المؤمن ولا المستأمن. بينما الصيانة الدورية التي يؤديها الصائن تستهدف صراحة تقليل احتمال الحاجة إلى الصيانة الطارئة، وتقليل تكاليفها.

أما الصيانة الطارئة المحض، فالغالب أن تترافق مع عقد بيع الأصل، كما هو شائع عند بيع السيارة الجديدة، حيث تتعهد الشركة البائعة أنه إن طرأ خلل في محرك السيارة خلال فترة محددة، فإنها تقوم بإصلاحه أو تبديله مجانا. ولا يشمل هذا التعهد قيام الشركة البائعة بأعمال صيانة دورية.

(1) يؤكد باتون مثلا أن عقد صيانة السيارة هو تأمين للتوقي من خطر أن تظهر في السيارة عيوب خفية يكلف إصلاحها تكلفة باهظة؛ انظر patton Jr.p.403

(2)

قرار رقم (9) بشأن التأمين، الدورة الثانية، جدة، 1406 هـ - 1985م

ص: 400

4 /5- عقد الصيانة مقارنا بالاستصناع:

قد يستغرب لأول وهلة مجرد التفكير بشبه بين الصيانة والاستصناع. لكن إمعان النظر بينهما بعض جوانب الشبه، فالاستصناع عند من يميزونه من السلم (وهم الحنفية) يتنازعه تكييفان: أحدهما أن محله هو العمل (1) . واتفقوا على أن مادة المصنوع (أو مواده) يقدمها الصانع في عقد الاستصناع، والمستأجر في الإجارة على عمل. وعليه فإن عقد الصيانة يشبه الاستصناع في هاتين النقطتين، لأن الصائن يقدم العمل والمواد وقطع الغيار، كما يشبه في أن الثمن فيهما قد يكون معجلا أو مؤجلا أو منجما على أقساط (بينما اتفقوا في الجعالة على أن الجعل لا يستحق إلا بتمام العمل) .

ومن جوانب الاختلاف أن الصيانة عقد زمني كما أسلفنا (ف4/3/د)

وليس كذلك الاستصناع، كما أنه في الصيانة الطارئة تستحق الأجرة ولو لم تطرأ أعطال تقتضي عملا (انظر ف4/3/هـ) ، بينما الاستصناع - على تكييفه بأنه عقد على عمل - لا بد فيه من العمل.

4 /6- ترجيح اعتبار الصيانة عقدا مستقلا:

ويبدو لنا في ضوء مقارنة الصيانة بالعقود الأربعة القريبة منها، أنها لا تشبه أيًّا منها تمام الشبه، فيصعب من ثم تطبيق جميع أحكام أحد هذه العقود على الصيانة.

ولعل الأيسر والأبعد عن التكلف اعتبار الصيانة عقدا مستقلا، من صنف عقود الإجارة على العمل، مع تميزه بالخصائص التالية:

أ. محل العقد عمل بعضه وهو الصيانة الدورية، معلوم؛ وبعضه وهو الصيانة الطارئة، مجهول، لكنه مقدر بغاية محددة، هي استبقاء الشيء في حالة يؤدي فيها وظيفته المعتادة.

ب. يقدم الصائن عادة المواد وقطع التبديل. (وهذا خلال الأصل في الجعالة وإجارة الأبدان، ووفق الأصل في الاستصناع) .

وقد يتفق على أن يوفر رب الآلة المواد وقطع التبديل، أو يوكل الصائن بشرائها.

ج. يستحق الصائن الأجرة، طالما حقق غاية العقد والتزم شروطه، بصرف النظر عن ظهور حاجة إلى صيانة طارئة وعن مقدارها. (وهذا يشبه جهالة العمل في الجعالة وتحديد غاية يستحق الجعل ببلوغها، بصرف النظر عن مقدار العمل) .

د. يجوز أن تعجل الأجرة أو تؤجل أو تنجم بحسب الاتفاق (وهذا خلاف الجعالة، ووفاق إجارة الأبدان والاستصناع عند الحنفية) .

هـ. العقد لازم للطرفين ما لم يشترط الخيار (وهذا موافق لإجارة الأبدان والأعيان، وخلاف الأصل في الجعالة والاستصناع) .

و. الصيانة عقد زمني كالإجارة لابد فيه من تحديد المدة (بخلاف الجعالة عند المالكية والشافعية) .

(1) والتكليف الثاني، وهو الأشهر، أنه محله هو المصنوع (الموصوف في الذمة)

ص: 401

5.

عقد الصيانة المتلازم مع شراء الأصل المطلوب صيانته:

إن المحذور الفقهي الأول المحتمل في عقد الصيانة المترافق مع شراء الأصل هو إن يقع في نطاق النهي عن صفقتين في صفقة، وكذا النهي عن شرطين في بيع.

وكما هو معلوم، فقد تعددت الاجتهادات في تأويل النهي عن صفقتين في صفقة، وهو أعم بالطبع من النهي عن بيعتين في بيعة (1) . كذا في تأويل النهي عن شرطين في بيع.

فلابد من اعتماد اجتهاد فقهي معين في تأويل ذلك النهي، ليمكن في ضوئه الحكم على عقد الصيانة المترافق مع الشراء.

ولن نستعرض تلك الاجتهادات المتعددة في الموضع، فهي مبسوطة في المراجع الفقهية (2) .ولكننا نبين ما اعتمدناه منها مع بعض التفصيلات التي لابد منها.

وخلاصة ما اعتمدناه في هذا البحث من الاجتهادات الفقهية في هذا الموضوع هو ما يلي:

5 /1- في تأويل النهي عن صفقتين في صفقة (وعن بيعتين في بيعة) :

يقول فضيلة د. الضرير بعد استعراضه الآراء الفقهية المتعددة في تأويل النهي عن تعدد الصفقات في عقد واحد:

"إن النص الذي ينهى عن تعدد الصفقة نص عام، وقد رأينا اتفاق الفقهاء على عدم الأخذ بعمومه، واختلافهم فيما يصدق عليه، وهذا يفتح المجال للاجتهاد في تطبيق النص.... (3) .

ويلاحظ أن د. الضرير في استعراضه ذاك لم يتطرق إلى رأي ابن القيم رحمه الله في النهي عن بيعتين في بيعة، وقد نقلت الموسوعة الفقهية الكويتية قول ابن القيم أن المقصود هو: بعتك هذه بمائه إلى سنة، على أن أشتريها منك بثمانين حالة"هذا معني الحديث الوارد في البيعتين في بيعة وهو الذي لا معنى له غيره (4) . فابن القيم يرى أنه تأكيد لتحريم بيع العينة.

كيف نميز عقدا مع شرط عن عقدين في عقد لم نطلع على معيار واضح للتمييز. وكثير من الأمثلة التي يضربها الفقهاء لأحدهما تصلح مثالا للآخر (شراء حطب بشرط تكسيره وحملانه، شراء ثوب على أن يقطعه البائع ويخيطه قميصا) .وقد استحسنا أحد الضابطين التاليين:

1.

ما كان مقصودا أصليا اعتبر هو العقد، وما كان تبعا له اعتبر شرطا. فإن كان كلاهما مقصودا أصليا (مثلا أبيعك سيارتي هذه على أن تؤجرني دارك لمدة سنة

) فهذا صفقتان في صفقة (5) .

2.

على أن تطبيق الضابط السابق قد يكتنفه صعوبة تمييز الأصل من التبع، ونرى أن أيسر معيار لذلك هو قيمة المثل. فما كانت قيمته أكبر بوضوح عددناه أصلا والآخر شرط. فإن تقاربا في القيمة اعتبرنا ذلك من صور صفقتين في صفقة.

ومع ذلك لابد من الاعتراف بأن النهي عن صفقتين في صفقة، وعن شرطين في بيع، وعن بيع وشرط (عند من يأخذ به الشافعية والحنفية) جميع هذه المناهي أمثلتها متقاربة، بل متداخلة عند الفقهاء في التطبيق العملي. لذا صرح بعض الفقهاء بأن: "

البيعتين في بيعة، والشرطين في بيع واحد، بمعنى واحد (6) .

ونحن نصرف هذا النهي إلى تعدد الصفقة الذي يؤدي إلى ممنوع شرعي كالربا أو الحيلة عليه (كالعينة) ، أو إلى الغرر الفاحش الذي لا تدعو إليه حاجة معتبرة، أو إلى غير ذلك من الممنوعات.

(1) الضرير، الغر، ص111

(2)

انظر الموسوعة الفقهية الكويتية، مادة بيع – فقرات بيع وشرط؛ والضرير، الغرر، ص100-118

(3)

ص119،ط2،1416هـ - 1995م-نشر دلة البركة – جدة

(4)

الموسوعة الفقهية: 9/265

(5)

نشكر د. عبد الرحمن الأطرم على اقتراح هذا الضابط

(6)

هذه عبارة فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي/ الفقه الإسلامي وأدلته: 4/472

ص: 402

إن علة النهي عن بيعتين في بيعة فيما نرى لا تنحصر في الربا والغرر، بل قد تتعداهما إلى محظورات أخرى، كاحتكار الصنف أو الغبن (1) . مثال ذلك: من ينفرد بتقديم سلعة أو خدمة، فيأبى أن ييبعها إلا مقرونة بسلعة أو خدمة أخرى لا ينفرد عادة بتقديمها (2) .

ونستبعد من النهي: العقد على عدة أشياء أو أعمال في صفقة واحدة لا تؤدي إلى ممنوع شرعي مثل:

- شراء مكيف هواء بشرط نقله وتركيبه في المنزل.

- تدريس طالب في الجامعة، لقاء قسط، لقاء قسط محدد مع تقديم الجامعة السكن والطعام وأنواعا من العناية الصحية والخدمات غير التعليمية للطالب.

- خدمة الطوافة التي تشمل عادة: تلقي الحجاج والمعتمرين من المطار، ونقلهم إلى المشاعر المختلفة وإسكانهم وإطعامهم وإنجاز بعض المعاملات الإدارية لهم ومثل ذلك بعض خدمات المكاتب السياحية التي تلتزم ترتيب رحلة لمجموعة من الأشخاص إلى بلد معين، وتتكفل لقاء مبلغ مقطوع بتوفير النقل بالطائرة وبغيرها من الوسائط، والإرشاد السياحي والإقامة والطعام والرسوم

إلخ

5 /2 – في تأويل النهي عن الشرطين في بيع:

أنواع الشروط:

إن تعقد موضوع شروط العقدية، وكثرة الآراء المختلفة فيه تدعو إلى وقفة قبل الخوض في الموضوع.

إن الشروط في عقد ما يمكن أن تنصب على: (أ) اشتراط أوصاف في محل العقد، أو على:(ب) توثيق الوفاء بالالتزامات العقدية أو على: (ج) تعديل هذه الالتزامات أو تعدد محل العقد:

أ. أوصاف المحل: وهي أوصاف يتطلبها العاقد في محل العقد (المعقود عليه)، سواء أكان المحل: شيئا أو عملا. وهذه الأوصاف تقل أو تكثر، بحسب حاجات الناس ومتطلبات الصناعة والتجارة. ومحل العقد ولو كان بسيطا في الظاهر (مثلا: كأس زجاجية سعة250 ملل) يمكن أن ينطوي العقد على شرائها عند ذوي الخبرة على عشرات الأوصاف الدقيقة (نسبة مواد كيميائية معينة في مادة الزجاج، درجة تحمله للحرارة، درجة مقاومته للكسر، درجة لمعانه حسب مقياس معين

الخ) التي تتحدد بشروط عقدية.

وإذا كان محل العقد عملًا (إجارة أشخاص) ، فأن أوصاف الشخص الذي يقوم به، أو أوصاف العمل نفسه، يمكن إن تكون كثيرة (مثلا أن يكون حائزا على عدد من المؤهلات التعليمية المعينة، وعدد معين من سنوات الخبرة، وأن يتقن لغة أو لغات، وأن لا يزيد أو يقل عمره عن عدد من السنوات

الخ) .

(1) قارن: الضرير، ص110، حاشية 1

(2)

ومن الأمثلة العملية لذلك ما فعلته شركة مايكروسوفت الأمريكية، حيث ألزمت شركة الحاسب الآلي المتعاملة معها، والتي تشتري برنامجها لتشغيل الحاسب، بأن تبيع منتجات ميكروسوفت الأخرى ولذلك رفعت وزارة العدل الأمريكية ضدها دعوى قضائية تتهمها بممارسة (ربط الصفقات) (tyin grrandements) . وقد عرفوا ذلك بأنه:"إلزام المشتري بشراء منتج معين، حتى يتسنى له الحصول على منتج آخر". وقد طالبت الوزارة بتغريم الشركة مليون دولار يوميًّا إلى حين تصحيح وضعها. انظر (dusiness week.Nov.3.1997) وظاهر أن ربط الصفقات هو من صور صفقتين في صفق

ص: 403

هذه الشروط وأمثالها هي من نوع ما سماه ابن قدامة: "اشتراط صفة مقصودة في المبيع". وقال أنه لا يعلم في صحة هذا القسم من الشروط خلافا (1) .

ونؤكد على أنه طالما كان محل العقد جائزًا شرعا؛ فإن مجرد تعدد الشروط المحددة لأوصافه، ولو بلغت العشرات لا يمكن أن يكون ممنوعا. إذ لا يتصور أن تمنع الشريعة التعاقد على شراء مباح ذي أوصاف متعددة يريدها العاقد جميعا.

ب. توثيق الوفاء بالتزامات العقد: الشروط التي تنصب على هذا الخلاف فيها يسير بين الفقهاء فيما يبدو ولو تعددت: كاشتراط الإشهاد والكتابة والتسجيل لدى جهة معينة (مثلا الكاتب بالعدل) وتقديم رهن معين وكفيل معين. هذا ما ظهر من نظرة إلى موقف المذاهب الأربعة (2) .

ج. تعديل الالتزامات العقدية أو تعدد محل العقد: والشروط التي تستهدف ذلك هي محل الخلاف الفقهي الواسع.

ويبدو لنا في هذا المقام أن بناء النهي أو الإباحة على العدد الحسابي للشروط، أو الصفقات دون نظر إلى دواعي الجمع بينها ونتائجه، إن ذلك يؤدي إلى تطبيقات مضطربة لا يربطها رابط ولا ينتظمها ضابط، أو يؤدي إلى تضييق وحرج في التطبيق.

(مثلا: يجوز شراء الحطب، لكن شراءه مع اشتراط حملانه إلى البيت باطل عند البعض (3) . وآخرون يجيزون الحملان لأنه شرط واحد، ويمنعون اشتراط تكسير الحطب وحملانه لاجتماع شرطين، وعلى هذا الرأي يمتنع اليوم شراء مكيف هواء مع اشتراط حملانه إلى البيت وتركيبه، ومن باب أولى تمتنع عقود المقاولات التي تضم عادة عشرات الشروط تملأ أحيانا كتيبا يسمى (دفتر الشروط) ، بل تبلغ أحيانا مجلدا كبيرا في بعض العقود.

ونرى أن تعدد الشروط (والصفقات) لا ينبغي أن يمنع فقها إلا إذا أدى إلى ممنوع شرعي معروف كالربا والغرر أو احتكار الصنف

الخ، أو كلما شاع اتخاذه ذريعة إلى مثل هذه الممنوعات، وهذا قد يقع في بيع مع شرط واحد، وقد لا يقع في بيع تضمن شروطا كثيرة.

وهذا المنحى من تأويل المنع هو بحسب فهمنا ما انتهى إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، بعد أن أسهب وأجاد أيما إجادة في الاحتجاج له (4) . وأقرب مذهب إليه هو مذهب مالك رحمهما الله، من حيث عدم التركيز على عدد الشروط، بل على مضمونها ومآلها. يقول ابن رشد (5) .

"وأما مالك فالشروط عنده تنقسم ثلاثة أقسام،

وإعطاء فروق بينة في مذهبه بين هذه الأصناف.. عسير،.. . وإنما هي راجعة إلى كثرة ما تتضمن الشروط من صنفي الفساد الذي يخل بصحة البيوع، وهما الربا والغرر، وإلى قلته وإلى التوسط بين ذلك، فما كان دخول هذه الأشياء فيه كثيرا من قبل الشرط أبطله وأبطل الشرط، وما كان قليلا أجازه وأجاز الشرط فيها، وما كان متوسطا أبطل الشرط وأجاز البيع ".

(1) المغني: 4/224 – 226، 235

(2)

الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته: 4/476 – 485

(3)

الموسوعة الكويتية: 9/252، مادة البيع – بيع وشرط

(4)

القواعد النورانية، القاعدة الثالثة:(العقود والشروط فيها) ، ص206-242

(5)

بداية المجتهد: 2/120

ص: 404

في ضوء ما سبق نقول: بأن عقد الصيانة المتلازم مع شراء الأصل المطلوب صيانته ينطبق عليه وصف أنه شرط بل شروط في عقد – كما رأينا في الأمثلة التي سقناها من العقود. وإن مجرد تعدد الشروط (أو الصفقات) بحسب ما رجحنا الأخذ به من الاجتهادات، ليس كافيا للحكم بمنع مثل هذه العقود، إذا كان مضمون كل شرط (أو صفقة إضافية) هو في نفسه مباحا، وكان مآل العقد المركب نتيجة اجتماع الشروط لا يؤدي إلى ممنوع شرعي، بل إن عقد الصيانة المذكور يخدم مقصدا شرعيا معتبرا في البيع وهو (مسؤولية البائع عن العيوب الخفية) .

نتيجة: إن عقد الصيانة إن كان مقبولا فقها لو أفرد وحده، يجوز جمعه مع بيع ما تتم صيانته.

6.

الحكم الفقهي الذي نقترحه في عقد الصيانة:

6 /1 – أولا: عقد الصيانة العلاجية الطارئة، المنفرد:

نقصد بالعقد المنفرد كونه غير مقترن ببيع الأصل المطلوب صيانته، وهذا في حقيقته ضرب من التأمين على الأشياء، ويأخذ حكمه على ما وضحناه آنفا.

6 /2 – ثانيا: عقد الصيانة العلاجية الطارئة، المقترن ببيع الأصل المطلوب صيانته:

هذا العقد نرى حكمه الجواز دون تردد، حتى عند من لا يرون جواز عقد التأمين التجاري المنفرد على الأشياء. لأن عقد الصيانة يكافئ ضمان البائع للعيوب الخفية، على أن هذا الجواز مشروط بالتعاقد على الصيانة الطارئة حين بيع الأصل للمشتري، وثبوتها مع ثبوت ملكية المشتري للمبيع، ولا ينبغي أن يتراخى عقد الصيانة عن ذلك؛ إما أن يكون في عقد منفصل، أو ورقة مستقلة عن عقد بيع، فلا يضر فيما نرى.

6/3 - ثالثا: عقد الصيانة الشاملة (الوقائية والعلاجية) المنفرد:

هذا نرجح اعتباره عقدا مستقلا، كما نرجح جوازه لاعتبارين:

الاعتبار الأول: إمكان اغتفار مخالفاته للعقود المسماة الثلاثة القريبة منه (إجارة الأبدان والاستصناع والجعالة) لداعي الحاجة إليه، ولوجود نظائر لتلك (المخالفات)(التي هي خروج عن بعض الأصول التعاقدية) في عقود مسماة مشهورة، وقبولها لدى بعض المذاهب أو عند بعض الفقهاء.

مثال هذه المخالفات: اشتراط تقديم الصائن المواد وقطع الغيار على خلاف الأصل في الإجارة على عمل وفي الجعالة، فقد أجاز المالكية وبعض الحنابلة (كما بين ابن قدامة في المغني عند بحثه الجعالة) اشتراط بعض المواد من العامل، وعللوا ذلك بتعليلات تنطبق أيضًا على قطع الغيار في موضوعنا:

-إن العادة جارية به.

إن الحاجة داعية إليه لأن تحصيل بعض المواد يشق على المستأجر كما قد يؤدي إلى إهدار بعض هذه المواد إذا كان ما يشترى عادة منها يزيد عما يحتاجه المستأجر (1) .

(1) نص عبارة صاحب المغني هو:"فأما الجعالة

فإن الكحل إن كان من العليل جاز؛ لأن آلات العمل تكون من المستأجر؛ كاللبن في البناء والطين والآجر ونحوها، وإن شارطه على الكحل جاز. وقال القاضي: يحتمل أن لا يجوز، لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة، فلا يصح اشتراطه على العامل كلبن الحائط. ولنا: إن العادة جارية به ويشق على العليل تحصيله، وقد يعجز عنه بالكلية فجاز كالصبغ من الصباغ واللبن من الرضاع والحبر والأقلام من الوراق

وفارق لبن الحائط لأن العادة تحصيل المستأجر له، ولا يشق ذلك بخلاف مسألتنا. وقال أصحاب مالك: يجوز أن يستأجره ليبني له حائطا والآجر من عنده، لأنه اشترط ما تتم به الصنعة التي عقد عليها فإذا كان مباحا معروفا جاز، كما لو استأجره ليصبغ ثوبا والصبغ من عنده. ولنا: إن عقد الإجارة عقد على المنفعة، فإذا شرط فيه بيع العين صار كبيعتين في بيعة، ويفارق الصبغ، وما ذكرنا من الصورة التي جاز فيها ذلك من حيث إن الحاجة داعية إليه، لأن تحصيل الصبغ يشق على صاحب الثوب، وقد يكون الصبغ لا يحصل إلا

حيث يحتاج إلى مؤنة كثيرة لا يحتاج إليها في صبغ هذا الثوب. فجاز لمسيس الحاجة إليه بخلاف مسألتنا

ص: 405

والاعتبار الثاني: هو تميزه عن عقد التأمين التجاري (الذي يرى أكثر الفقهاء المعاصرين عدم جوازه) كما أسلفنا في الفقرة (4/4) : بل إننا نرى شبها قويا بين عقد الصيانة الشاملة، والإجارة على عمل الحارس والسجان مع تضمينهما ما يقومان على حراسته.

"ويصح ضمان حارس ونحوه.. وهو جائز عند أكثر أهل العلم: مالك وأبي حنيفة ، أحمد..والسجان ونحوه – ممن هو وكيل على بدن الغريم- كالكفيل للوجه، عليه إحضار الخصم. فإن تعذر إحضاره..يضمن ما عليه عندنا وعند مالك (1) .

فهذا استئجار على عمل مع ضمان العامل تبعا لعمله خطر هروب من هو تحت الحراسة، ومع كون العمل نفسه مؤثرا في تقليل احتمال وقوع هذا الخطر. فهذا كله يقوي الشبه بعقد الصيانة المترافق مع ضمان الصائن لتلف القطع ولعمليات الصيانة الطارئة. ذلك أن الصائن يعمل من خلال الصيانة الدورية على درء احتمالات تلف القطع وتقليل الحاجة إلى الصيانة الطارئة. وبذلك ينتفع الطرفان: الصائن بقيمة عمله، وطالب الصيانة بتخفيض تكاليف الإصلاح الإجمالية.

6/4- رابعا: عقد الصيانة الشاملة (الوقائية والعلاجية) المقترن ببيع الأصل المراد صيانته:

إن اقتران الصيانة مع البيع يقوي الدواعي التي ذكرناها في (ثالثا) للقول بجواز هذا العقد. لأن بعض هذه الصيانة (وهو العلاجية) هو أسلوب لتحقيق ضمان البائع للعيوب الخفية في المبيع.

وبعضها الآخر (وهو الصيانة الوقائية الدورية) هو إجارة على عمل انضمت إلى عقد بيع الأصل، وهي صورة لصفقتين في صفقة، كلاهما مباح شرعا، ولا يؤدي إلى ممنوع شرعي وفق المعيار الذي رجحناه في (ف5/1) . والصفقتان ليستا متنافرتين، لأن كلا منهما عقد معاوضة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الدكتور محمد أنس الزرقاء

(1) ابن اللحام، الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية، تحقيق محمد حامد الفقي، مكتبة السنة المحمدية، ص132- 133

ص: 406

عقود الصيانة

العرض – التعقيب والمناقشة

العرض

الرئيس:

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

عقود الصيانة وتكييفها الشرعي هو موضوع هذه الجلسة المسائية، لديكم بحوث خمسة، والعارض فيها هو الشيخ محمد المختار السلامي، والمقرر هو الأستاذ منذر قحف.

الشيخ محمد المختار السلامي:

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

شكرًا سيدي الرئيس لإتاحة الكلمة، وشكرا للأمانة العامة عندما شرفتني لأن أكون عارضا لهذه البحوث، وقد بذلت جهدي في تتبعها وتلخيصها، وهو جهد المقل فأرجو من الإخوان الذين أعدوا هذه البحوث أن يعذروني إذا لم أبلغ ما بلغوه هم عند تقديم بحوثهم وشأن التلخيص لابد أن يضغط على البحث.

هذه البحوث هي بحوث خمسة قسمتها إلى قسمين، لأن ثلاثة منها ذهبت إلى جواز عقود الصيانة في النهاية إجازة مطلقة، وبحثان فصلا القول حسب العقود؛ فأجاز البعض، ومنع البعض، وأبدأ بالمجيزين بشأن السهولة، ثم أرتب هذه البحوث ترتيبا أبجديا، حسب أسماء الباحثين، وأبدأ بما قدمه الأستاذ أنس الزرقاء ومن شاركه.

الأستاذ أنس الزرقاء تحدث أولا في بحثه هذا عن الحاجة لعقد الصيانة وأنه جرى به العمل من إبرام هذه العقود مع الصانع أو المقاول، وضرب أمثلة مأخوذة من عقود تتبعها عقد لصيانة أجهزة الحاسوب لمؤسسة يتضمن التزام الصائن بالإصلاح في ظرف ساعتين من إعلامه، وصيانة أسبوعية. وعند عدم تمكن الصائن من إصلاح العطل خلال أربعة وعشرين ساعة فهو ملزم بتزويد المالك بجهاز بديل حتى يتم الإصلاح، ويتحمل الصائن تكلفة استبدال قطع الغيار التالفة على نفقته، كما يقوم بالصيانة الوقائية (3) مرات في السنة وحددت مدة العقد والقيمة وطريقة الدفع، كما ضبط العقد وما يتحمله المالك، من الأوراق والأشرطة والأقراص.

العقد الثاني هو عقد بيع معدات طبية، يلتزم البائع بالشحن وتركيب المعدات، وتدريب العاملين على استخدام المعدات كما يلتزم بضمان قيام المعدات بوظائفها وإصلاحها عند العطب أو استبدال القطع التالفة بقطع جديدة لمدة سنة، كما يتضمن العقد شرطا جزائيًّا إذا تجاوز التعطل (3 %) من ساعات التشغيل يترتب عليه جزاء نقدي، كما يلتزم البائع بتوفير خدمات الصيانة وقطع الغيار لمدة لا تقل عن عشر سنوات.

ص: 407

المثال الثالث كان لصيانة لوحة إعلان كهربائية بمبلغ مقطوع، يلتزم فيه الصائن بالكشف عدة مرات في الأسبوع على اللوحة، والإصلاح في حالة أي عطل خلال أربعة وعشرين ساعة، وإنه إذا رضي مالك اللوحة بتقديم قطع الغيار، فإن المقاول يرضى بثمن أقل.

المثال الرابع تشغيل وصيانة مرافق ومساكن لمدينة سكنية مملوكة لشركة صناعية.

المثال الخامس عقد الصيانة مديدة مترافق مع بيع آلة، ويلتزم البائع هنا الصيانة لمدة ثماني سنوات، بثمن يدفعه المشتري مقدما.

ثم أتبع ذلك بملاحظات على هذه العقود، فبين الفرق بين الإصلاح والصيانة:

إذ الإصلاح هو إعادة الجهاز إلى وضعه السوي، أما الصيانة فإنها تشمل الوقاية الدورية، والعلاج والصيانة الشاملة لهما.

الوقائية هي تفقد الأجهزة دوريا قبل أن يقع العطب، والعلاجية هو إصلاح العطب بعد وقوعه، وفي كلا النوعين يلتزم الصائن بتقديم المواد وقطع الغيار اللازمة، وفي بعضها يتحملها المالك.

ثم بين الحاجة لعقد الصيانة، ثم تحدث عن عقد الصيانة المنفرد ولاحظ أن الصيانة الدورية يسهل تقديرها سلفا، أما الصيانة العلاجية فيصعب تقديرها مقدما، ثم ذكر أن عقد الصيانة تكتنفه أربعة عقود معروفة يشبه كلا منها في نواح ويختلف عنها في نواح أخرى وهي: الإجارة على عمل، والاستصناع، والجعالة، والتأمين.

ثم قام بمقارنة عقد الصيانة بعقد الإجارة على عمل، وذكر أن عقد الصيانة يشبه عقد الإجارة على عمل إذ كلاهما فيه تقديم عمل إلا أن عقد الصيانة يتصل العمل فيه بقطع الغيار، كما إن العمل بالصيانة العلاجية مجهول.

ثم قارن عقد الصيانة بالجعالة وبين وجه الشبه بين الجعالة والصيانة وهو جهالة مقدار العمل مع ضبط الغاية، لكن فيما بينهما فروق ثانوية لا تخل بمقصد شرعي مثل مدة العمل في الجعالة، وهذا جائز عند الحنابلة، وعدم لزوم عقد الجعالة إلا على قول ضعيف، في المذهب المالكي، ثم عدد بعض الفروق الجوهرية الأخرى.

ثم قارن بين عقد الصيانة وعقد التأمين، فذكر أن عقد الصيانة بأن فيه نوعا من الاطمئنان إلا أن عقد التأمين يستحق فيه المؤمن تعويضا ماليا وعقد الصيانة يتحقق مع إصلاح العطب ثم تابع التمييز.

عقد الصيانة قارنه أيضا بالاستصناع وبين الشبه بينهما بأن الصائن يقدم العمل والمواد وقطع الغيار كالمستصنع، وكذلك الثمن قد يكون معجلا وقد يكون مؤجلا. ويختلفان أن الصيانة عقد زمني بخلاف الاستصناع، كما أن الصيانة توجب استحقاق الأجرة، وإن لم يقم الصائن بعمل ما بخلاف الاستصناع.

ترجيح اعتبار الصيانة عقدا مستقلا يقول: "ما قدمناه من أوجه اختلاف فالأولى أن يعتبر عقد الصيانة عقدا مستقلا لتميزه بأربع مميزات هي تجميع لما ذكره في أوجه الاختلاف الذي قدمناه"

ص: 408

ثم بين عقد الصيانة المتلازم مع شراء الأصل المطلوب صيانته، والمحظور هو اجتماع صفقتين في صفقة، وقد تتبع ما قاله الدكتور الضرير متمما له لما نقله عن ابن القيم، وأنه خاص ببيع، ثم استشعر إشكالا قال فيه ما هو الأصل وما هو الشرط؟ نظرًا لأن أمثلة الفقهاء متشابهة ومتداخلة، ثم ضرب أمثلة لاجتماع العقد والشرط، ويرى أنها جائزة كلها.

ثم تعرض لشرطين في بيع وقسم هذه الشروط إلى ثلاثة محاور: اشتراط الأوصاف في محل العقد، وتوثيق الوفاء بالالتزامات العقدية، وتعديل هذه الالتزامات أو تعدد محل العقد، ثم أخذ يفصل وقرر في الأول بأنه إذا كان العقد جائزا شرعا، فكل الشروط المحددة الأوصاف جائزة، وكذلك القسم الثاني، وانتهى إلى أن الشروط مقبولة إلا إذا أدت إلى ممنوع شرعي معروف كالربا والغرر والاحتكار أو اتخذ ذريعة لذلك.

ثم أبان عن هدفه وقال: بناء على ذلك؛ فإن عقد الصيانة المتلازم مع شراء الأصل المطلوب صيانته ينطبق عليه أنه شرط مشروط في العقد ولذلك يجري عليه حكم القبول للبيع مع الشرط.

ثم قال:

الحكم الفقهي الذي نقترحه لعقد الصيانة:

أولا: العقد المنفرد هو عقد تأمين تجري عليه أحكام عقد التأمين.

ثانيا: عقد الصيانة العلاجية الطارئة المقترن ببيع الأصل المطلوب صيانته: هذا العقد جائز أيضا لأنه يكافئ ضمان البائع للعيوب الخفية.

ثالثا: عقد الصيانة الشاملة (الوقائية والعلاجية) هو عقد جائز أيضا لأن غاية ما فيه مخالفته للعقود الثلاثة المسماة، وذلك مغتفر كتقديم الصائن لقطع الغيار قياسا على تقديم العامل لبعض المواد عند الحنابلة والمالكية، هكذا قال، ولأن الحاجة داعية إليه.

رابعا: عقد الصيانة (الوقائية والعلاجية) في عقد البيع وذكر أنه عقد جائز لانتفاء الموانع لأنه أسلوب لتحقيق ضمان البائع للعيوب الخفية في المبيع، وفى الصيانة الوقائية إجارة على عمل ويجوز اجتماعهما مع عقد البيع.

البحث الثاني هو بحث صاحب الفضيلة الشيح محمد علي التسخيري والشيخ مرتضى الترابي، تحدثا أولا عن الصيانة كحالة متولدة عن الاعتماد على الآلة في جميع شؤون الحياة، فعرفا الصيانة بأنها الاتفاق في عقد مستقل أو في ضمن عقد معين بين الشركة أو المتخصص، وبين صاحب المال، للقيام بخدمات الإصلاح والمراقبة لمدة معينة لكي يبقى صالحًا للاستفادة المطلوبة في مقابل لأجرة معينة.

ص: 409

ثم تعرضا إلى بيان أن الصيانة لها أشكال متنوعة. الشكل الأول: أن يرتبط المالك والصائن بعقد يلتزم فيه الصائن بتقديم الخدمات وتبديل قطع الغيار، ولم يبينا هنا فقط من يدفع ذلك، ويلتزم المالك بدفع أجر. وحكم هذا العقد يبحث فيه بطرق ثلاث: عرضه على العقود الشرعية المعروفة، استنباط حكمه من قاعدة من القواعد العامة المعتبرة، ثم بالاعتماد على الأصول العملية.

قالا: فإن عرضنا عقد الصيانة على الإجارة فإننا نجد عقد الصيانة يختلف عنها، باعتبار أن من محتوياته قطع الغيار فاجتمعت المنفعة، ولما للعرف مكانة ومرجعية، فإنه لا يرى دخول عقد الصيانة في الإجارة، لأنها سلطنة فعلية منجزة عن منفعة ولا توجد هذه السلطنة في عقد الصيانة.

وبما أن التشابه بين عقدين لا يجعلهما شيئا واحدا، فإرجاع هذا العقد إلى الجعالة أو هبة الثواب أو الصلح، لا يخلو عن تعسف، ولذا فإن عقد الصيانة عقد جديد لا يصهر في بوتقة أي عقد آخر، وبهذا الاعتبار فلا بد من توفر أركان وشروط العقد فيه.

ثم عرضنا عقد الصيانة على القواعد العامة فقالا: هو عقد لابد بالوفاء به عملا بالآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ] المائدة:1 [، والحديث النبوي الشريف:((المسلمون عند شروطهم)) .

والعبرة في العقود بالنصوص الشرعية، والإشكال في هذا العقد هو اشتماله على الغرر والتعليق. فالغرر هو في الجهل المسبق للخلل وقطع الغيار، أما التعليق فلكون الإصلاح معلق على طرو العيب، ولذا فإن المعاملة باطلة لاشتمالها على محظورين.

قالا بعد ذلك: وهذه النظرة الأولى يصور بها التأمل، ويصح العقد لأن المعقود عليه هو الاستعداد طول الفترة المتفق عليها على الإصلاح، والنسبة المئوية لاحتمال طرو العيب في الأجهزة معلومة، أو قابلة للتخمين من خلال التجربة.

ولهذا فقد انتفت الجهالة على أن حديث النهي عن بيع الغرر هو خاص بالبيع، زيادة عما في سنده من مقال.

ص: 410

وكذلك التعليق لأن الصيانة ليست إلا استعداد الصائن لتحقيق ما يرغب فيه الملك. كما أنه لا يوجد في عقد الصيانة صفقتان في صفقة، على أن حديث النهي متكلم في سنده وأن فقهاء الشيعة يقولون بجواز الجمع بين العقدين في عقد واحد. والنتيجة المستخلصة هو جواز هذا العقد ومن ذهب إلى حصر المعاملات الصحيحة على المعاملات الموجودة في وقت وجود النص الحكم.

الشرط الثالث في ربط عقد البيع أو الإجارة بالصيانة، قالا:"هذا العقد مرتبط بشرط وهو صحيح، لكن ترد عليه الإشكالات المبنية في الشكل السابق، وبما أن الإجابة عنها تختلف عن طريقة الفرع السابق فلابد من العناية بتنزيل الإجابة عن تساؤل خاص".

قالا: "فأما الغرر فإنه خاص بالمعاملة الأصلية لا يتناول الشروط الضمنية التي لا تؤثر في الأصل، وبينا ذلك بالمثال باعتبار القيمة الضئيلة المترتبة على الشرط، وعدم معلومية طرو العيب ليس في ذلك خطر عرفا ولأنه يعرف بالتجربة المقربة من اليقين".

وأما التعليق فالتعليق غير موجود لأن شرطه (الالتزام) ، والالتزام هنا منجز ولأن الشرط هو عنوان الصيانة مثل الحراسة، ولأن المستند في اعتبار التنجيز في المعاملات هو الإجماع، ولكن محل الإجماع، أصل العقد لا الشرط، وما يصحح التعليق بالشرط ما ذكره أهل البيت. أما صفقتان في صفقة اعتمادا على الحديثين، النهي عن بيع وشرط وعن صفقتين، فإن الحديثين غير ثابتين عندنا من حيث السند وغير معمول بها عند علمائنا، ولو كان الأمر ممنوعا لاشتهر هذا كشهرة الربا، وينبغي فهم النهي عن بيع وشرط بأنه هو شرط خاص كان متداولا في عصر النبوة لا يقبل شرعا.

أما الشرط الثاني وهو ارتباط شرط الصيانة مع البيع أو الإجارة بما يشمله من قطع غير إلى مدة معلومة، وقالا: هذا الشرط هو صحيح بشموله على الأدلة العامة للوفاء بالعقود. إلا أن هذا النوع قد يكون الصائن هو الصانع وهذا لا إشكال فيه عندنا، كما يمكن أن يكون بائع تحصل على معدات من الصانع فكيف يلزم بالصيانة وهو غير قادر عليها؟ والشرط غير المقدور عليه باطل. قالا: "ولكن هذا الغرض لا إشكال فيه أيضا، لأن المشتري من الصانع يكون قد اشتراط شرطا موثقا أو ضمنيا إن الصانع يلتزم بالصيانة فهذا الشرط الارتكازي يكون البائع الثاني متمكنا فيه بالوفاء به.

البحث الثالث الذي يجري في نفس الاتجاه هو بحث الأستاذ منذر قحف، وبحثه دسم وأطال في المقدمة فتحدث عن تطور مفهوم الصيانة حتى شملت مرحلة الخدمات، وقد أعطى مثالا عن ذلك: اتفاق شخص مع المستشفى ليقوم له صيانة عامة لبدنه لفترة محددة، أو العناية بالحامل إلى الوضع، وقد يستعين المتعاقد معه لتحقيق ما عقد عليه بإبرامه هو عقدا من الباطن، كما أن الصيانة تكون بعقد مستقل أو مرتبط بصفقة البيع. ثم ذكر معنى الصيانة وأنها إصلاح الشيء المعمر كلما أصابه خلل في أداء الوظائف المعد لها، ومضمون عقد الصيانة كما قال:"إن المضمون هو إصلاح الآلة حتى تودي وظائفها بنفس الكفاءة والجودة، وقد يشمل عقد الصيانة تقديم قطع الغيار إضافة للإصلاح".

ص: 411

مشمولات عقد الصيانة:

إن بعض عقود الصيانة تشمل بالإضافة إلى الإصلاح وقطع الغيار أمورا أخرى هي مثلا: التعويض عن الإيراد المفقود أيام التعطل أو تقديم منفعة بديلة، ثانيا: القيام على الصيانة لكل الآلات التي يضمها صاحب المعمل بعد عقد الصيانة، ويستثنى عادة في عقد الصيانة تآكل إطارات السيارات، وفساد البطاريات وما يفعل بفعل الغير، وقد يكون عقد الصيانة تابعا لعقد التشغيل.

ثم تحدث عن خصائص عقد الصيانة فقال: "الخاصية الأولى هي الجهالة في مقدار العمل المطلوب، والجهالة في مواعيد تقديمه، والجهالة في عقود الصيانة ليست على مرتبة سواء". وتنتفي الجهالة إذا كان عقد الصيانة مقدرا بقيمة العمل حسب الساعات المقضية قطعا، كما أن عقد الصيانة الذي يشمل فيه قطع الغيار، فيه جهالة غير يسيرة. ثم عدد صورا من الجهالة.

الطبيعة التأمينية لعقد الصيانة:

إن عقد الصيانة شبيه بعقد التأمين، لأنه يقوم على أساس تحويل المجهول المطلوب من الصائن إلى مقدار معلوم هو الثمن، والصائن هو المؤمن يحصل على مبلغ محدد لتحمله مخاطر الإصلاح المجهولة عند التعاقد، والصيانة كعقد لا تتم إلا على أساس الاتفاقات في الأعداد الكبيرة أو إذا كانت قيمة الصيانة كبيرة، إلا أن الفارق بين عقد الصيانة وعقد التأمين أنه في عقد التأمين يتحصل المؤمن على مقابل مالي، وفي عقد الصيانة يتم له إصلاح ما تعطل. ثم ذكر أنه تعقد عقود تشبه عقد الصيانة: كعقد النظافة، وعقد التشغيل، وعقد التحديث، وعقد الصيانة الصحية في أمريكا.

الإشكالات التعاقدية للصيانة:

1.

شرط الصيانة في عقد البيع.

2.

عقد الصيانة بين الصائن والمالك: ويمكن للصائن بأن يقوم بعقد من الباطن للصيانة.

3.

عقد تأمين بين المالك وشركة تأمين تعاوني.

1.

شرط الصيانة في عقد البيع:

هو مصلحة لطرفي العقد: استقرارا للعقود، ثم عرض أنواعا من الأغراض الحقيقة التي ينتفع بها الصائن والمشتري. وشرط الصيانة من البائع ليس بديلا عن خيار العيب وإنما يقلل من احتمال الرد بالعيب. ثم ذكر أنواعا من التعطل تحدث في الأجهزة ولا تدخل في عقد الصيانة، وفي الصيانة يحدد الزمن الذي يسري عليه العقد، وقد يتضمن عقد الصيانة تقديم بديل مدة التعطل كأن تقدم سيارة بدل السيارة التي تخضع للصيانة، أو بندقية بدل تلك التي تتم صيانتها وذلك لمدة الصيانة بكاملها. كما يتضمن عقد الصيانة تعويضا عما يفسد بسبب العطل كالمأكولات إذا فسدت.

ص: 412

2.

عقد الصيانة بين الصائن والمالك:

ويتنوع إلى أن يتعاقد على صيانة المعدات بثمن محدد بساعة عمل إنتاج أو ثمن محدد غير مرتبط بما قضاه الصائن في الصيانة، وفي كليهما يشتري المالك قطع الغيار أو أن يتحمل الصائن قطع الغيار وقد تضم الآلات المشتراة بعد العقد إلى التزام الصائن بصيانتها عند التعاقد.

عقد التعهد: عقد التعهد أن تتنوع الآلات مما يفرض على العاقد الأصلي أن يقوم بعقد من الباطن للوفاء بما التزام به.

3.

عقد تأمين بين المالك وشركة تأمين تعاوني:

يوجب تعويض المالك عن الأضرار.

4.

علاقة الصيانة بالتمويل:

بين الحاجة لعقد الصيانة في العمليات التمويلية في البيع والإجارة، أما في البيع المرابحة أو الاستصناع، لا غنى للبنك الإسلامي عن عقد الصيانة الذي يوفر له الطمأنينة على عدم نقص البيع بفساد يظهر في المبيع.

أما في الإجارة فتحتاج العين المؤجرة إلى صيانة تشغيلية كالتنظيف والزيوت، وهذه يمكن أن يتحملها المستأجر وإلى صيانة دورية للضبط والتعديل، وهى مثل سابقتها، وهناك القسم الثالث وهي الصيانة الطارئة لما يحدق من أخلال تعوق الذات المستأجرة عن الانتفاع بها، وهذه يتحملها المؤجر وهنا لا غنى للمؤجر عن عقد الصيانة الذي يعطيه ضمانا لاستمرار عملية التأجير.

سندات الأعيان المؤجرة: لا يتحقق ذلك إلا إذا كان المشتري لها مطمئنًا على استمرار عقد الإجارة والصيانة هي الموفرة لذلك.

ص: 413

خامسا – القضايا الشرعية:

عقد الصيانة كعلاقة يطرح أسئلة كثيرة:

-أن يكون البائع ملتزما به في العقد دون تراوض ولا تعيين له في عقد البيع.

-أن يكون البائع ملتزما به بعد تراوض إلا أنه يدمج في عقد البيع ولا يتخصص بثمن.

- عقد صيانة منفصل عن عقد البيع وبثمن محدد ويساويه العقد بين الصائن والمالك.

- مدى جواز اشتراط المنفعة البديلة.

- جواز تحمل الصانع للأضرار الناشئة عن تعطل الآلة.

- المسؤولية عن إجراء الإصلاحات.

- حكم التعهد بصيانة الآلات المضافة.

- انتقال الصيانة لمالك جديد.

- ثم أرجع الإشكاليات إلى ثلاثة محاور:

أولا: الشروط في العقود.

ثانيا: بعض الخيارات.

ثالثا: عقد الجعالة.

ثم تعرض لرأي الحنفية والحنابلة في الشروط، ثم قارن بين الشرط من الشروط الممثل بها في المذهبين، وشرط الصيانة على أنه أولى بالجواز لأنه لا ينتهي إلا إلى إرجاع الشيء المصون إلى وضعه الطبيعي وشرط الصيانة شرط ضروري، جرى به العرف ولأنه شرط من مصلحة العقد فلذلك هو مقبول، كما قبل الصيانة بناء على قول المالكية باشتراط الحملان.

ثم ذكر أن شرط الصيانة ليس بديلا عن خيار العيب وإنما هو تقليل من فرص القيام به، لا من مسقطات خيار العيب، ثم بين قضية أخرى، اجتهد فيها، أنه بناء على أن الزمن اليسير متسامح فيه يقتضي ذلك جواز اشتراط المنفعة البديلة. ومن وجهة نظره، أنه يجوز إسقاط خيار الرد فالتراضي على الصيانة أولى. ومن ناحية أخرى بين أن شرط الصيانة أشبه بالأرش باعتبار أن رد العين المعيبة، موجب خلفيا أقوى من الأرش.

ثم برر توقيت شرط الصيانة كما أن انتقال خيار الرد إلى الوارث يعتبر أساسا لانتقال شرط الصيانة إلى المالك الجديد.

بعدها انتقل إلى الجعالة ، وذكر أن الجعالة تتميز عن الإجارة بجهالة العمل، والجهالة في الصيانة أخف من الجهالة في الجعالة، ومحل عقد الجعالة إتمام العمل، وكذلك عقد الصيانة، ولا فرق بين بناء حائط الذي أجازه الفقهاء وبين عقد الصيانة.

أما قضية اشتراط قطع الغيار على الصائن فهي قضية يحسمها، وكذلك يجوز إدخال صيانة الآلات المضافة بعد عقد الصيانة اعتمادا على رأي الشافعية أن للجاعل أن يزيد في العمل المجاعل عليه برضا العامل. ثم انتهى إلى أن العقود المتشابهة لعقد الصيانة جائزة، كعقد التأمين على الصيانة إذا كان تعاونيا بما أن التبرعات تحتمل من الجهالة ما لا تحتمله المعاوضات.

هذا هو القسم الأول الذي يجري كله في منهج واحد وهو جواز عقود الصيانة بجميع أنواعها.

ص: 414

أما القسم الثاني من البحوث:

البحث الأول هو لفضيلة الشيخ الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير، ولقد اكتشفت في البحث هذا ناحية ما كنت اطلعت عليها من قبل في بحوثه، إذ أنه جمع في بحثه هذا بين القانون والفقه فكان قانونيا فقيها أو فقيها قانونيا، وبعد أن بين مفهوم الصيانة لغة، ذكر أن المعنى القانوني والفقهي قريب من المعنى اللغوي ذلك أن الغرض من عقد الصيانة هو المحافظة على الشيء وبقاؤه منتفعا به، وهو عقد مستحدث يحتاج إلى تكييف قانوني والآخر شرعي.

أما التكييف القانوني فهو عقد مقاولة، وعقد المقاولة تضمن القانون السوداني والأردني، والمصري أحكاما خاصة به، ثم عرف عقد المقاولة في القانون السودان وقارنه بالأصل المستمد من القانون الأردني الذي هو بدوره مستمد من القانون المصري. ويلاحظ أن القانون السوداني والأردني مرجعهما الفقه الإسلامي، أما القانون المصري فإنه يستمد أحكامه من القانون الفرنسي. وعقد الصيانة هو نوع من أنواع عقد المقاولة فهو أخص منه، ولذا فإن تعريف عقد الصيانة هو عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين بصيانة شيء لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر، وتتبع عقد المقاولة وبعض الإشكالات القانونية أخذا من كلام السنهوري، رحمه الله، ثم نظر بين عقد المقاولة وعقد الصيانة ثم قال إن عقد الصيانة قد يتعهد فيه الصائن بتقديم العمل فقط، وقد يتعهد بتقديم العمل والمادة، وفي الحالة الأولى هو عقد مقاولة وفي الثانية هل هو عقد مقاولة أو بيع أو هو مقاولة إذا كان المادة غير غالية؟

بعد أن أنهى البحث القانوني انتقل إلى بحث التكييف الشرعي، فاعتمد ثانية على ما جاء في القوانين المستمدة من الفقه، وذكر أن القانون السوداني لم يتعرض إلى التكييف على عكس القانون الأردني الذي تعرض إلى التكييف، على أنه عقد استصناع، أو عقد إجارة أجير مشترك، مع التنبيه للإشكال السابق في تفرد العقد بالعمل أو اشتماله على المادة.

ثم ذكر أن عقد الصيانة يتحقق على صور مختلفة وأنه لابد فيه من توفر جميع أركان العقد. ثم ذكر أنواعا من عقود الصيانة فقال:

أولا: عقد الصيانة المنفرد الذي لا يقوم فيه الصائن بتقديم مادة إلا الشيء التافه، فإن الصائن إن اختص بالعاقد فهو أجير خاص، وإن لم يختص به، بل يعمل لغيره فهو أجير مشترك، ولما كان المعقود عليه هو العمل فلا بد من تعيينه تعيينا ينفي الغرر ولابد أن يكون الأجر معلوما. وإذا كان أجيرا خاصا فلا بد من ضبط للمدة.

ثانيا: عقد الصيانة الذي يصحب العمل تقديم المادة من صاحب الشيء، وهذا كسابقه إلا أن المادة إن بقيت تحت يده، فإن كان الأجير خاصا فلا ضمان إلا بتعدٍّ أو تقصير، أما إذا كان مشتركا ففي تضمينه الخلاف المعروف.

ثالثا: عقد الصيانة المنفرد والمحتاج إلى مادة يتعهد الصائن بإحضارها. قال: هذا عقد اجتمع فيه عقد الإجارة وعقد البيع. وتساءل هل يشمله النهي عن صفقتين في صفقة؟ وانتهى إلى أن هذا لا يدخل تحت الحديث، وهو مقبول عند المالكية، وهو الصواب عنده، ثم احتاط بأنه إذا أخذنا بهذا التكييف، لابد من تحقق شروط البيع، ولهذا فإن الأولى إن يكون إعداد المواد إما من صاحب العمل أو أن يوكل صاحب العمل الصائن.

ص: 415

رابعًا: عقد الصيانة المشروط في عقد البيع. قال: ظاهر هذا العقد أنه بيع وشرط، وبعد أن ذكر اختلاف الفقهاء في البيع المقترن بالشرط، اعتمد أن هذا البيع المشروط جائز عند الحنابلة والمالكية.

خامسا: عقد الصيانة المشروط في عقد الإجارة، صيانة العين المؤجرة على المالك حتى ينتفع بالأجرة، وأتى بنصي المدونة والمغني في المعنى.

سادسا: الصيانة في عقد المقاولة، إذا تعهد المقاول بصنع شيء وصيانته لمدة من الزمن، قال:"هذا عقد إجارة وصيانته إذا كانت المادة من صاحب العمل، وعقد إجارة وبيع إذا كانت المادة من المقاول، وكلاهما جائز، ومدة الصيانة يمكن أن تكون أقل أو أكثر من عشر سنوات باتفاق الطرفين ".

تكييف عقد الصيانة على أنه عقد جعالة. قال: إن تكييف عقد الصيانة على أنه عقد جعالة كما ذهب إليه بعض من العلماء، وقد سماهم واحدا واحدا، إن هذا التكييف غير مقبول عنده، وهو الحق لأن عقد الصيانة عقد لازم، والجعل غير لازم لا للعامل ولا للجاعل قبل بداية العمل، ولأن عقد الجعالة يجوز أن يكون العمل مجهولا بخلاف الصيانة، ولأن عقد الجعالة يستحق فيه العامل العوض في تمام العمل، وعقد الصيانة يجوز أن يقدم أو يؤخر.

البحث الأخير هو لمن كلف بالعرض: عقد الصيانة هو عقد حادث لا عهد للفقهاء به. ومن الجهد الضائع التنقيب عن رأي الفقهاء السابقين فيه، لأن هذا العقد تابع لدخول الآلة في الإنتاج ولاعتماد الآلة على الطاقة المحركة لدواليبها. وللتسلسل الرابط بين أجزاء الآلة، ثم لدخول عامل جديد هو الإلكترونيك في الضبط والدقة والتسيير. وهذه كلها آليات الإنتاج المعاصر، أثرت في حياة الإنسانية بظهور الثورة الصناعية وما تبعها إلى عصر الكمبيوتر وكوامنه العجيبة.

ثم إن هذه الثورة الاقتصادية دخلت بالعالم في منافسة قوية جدا فرضت فيما فرضت على المنتجين أن يحسبوا كل تكاليف الإنتاج، وأن يعملوا جاهدين على الضغط عليها إلى أدنى مستوى ممكن، ليتمكنوا من المنافسة وتثبيت أقدامهم في السوق بأحد عوامل الفوز والذي هو انخفاض ثمن السلع المنتجة والجودة وخاصة في المظهر.

وارتبط بذلك أن الآلة التي تقوم بالإنتاج يوزع ثمنها على المنتوج. فإذا تعطلت أو لم يتحقق في الواقع العملي طاقتها الإنتاجية انعكس ذلك على ثمن المنتج وأفلس المشروع.

كما أن الآلة قد يلحق الخلل بعض أجزائها وحسب طبيعتها فإن الخلل مؤذن بالتوقف الكامل، أو ضعف الإنتاج، أو عدم جودته وكل ذلك مفضٍ حتما إلى إفلاس المشروع.

ص: 416

ولذا كان من المتحتم على الباعث للمشروع الاقتصادي أن يعمل على قيام الآلة بوظائفها في جميع أجزائها. وأن يسرع إلى تلافي ما أصاب التجهيزات. ولكن أصحاب المصانع – في معظم الأحوال – والمستخدمين للآلات لا يمكنهم أن ينتدبوا من يقوم بهذه المهمة كإطارات يعملون عندهم بصفة مستمرة الذي تحدث عنه الشيخ الضرير بأنه أجير دائم أي أجير خاص. وذلك لأمور منها أن التعرف على الخلل بعد تطور الآلة وتعقدها أصبح لا يدرك إلا بأجهزة دقيقة ومتطورة ومرتفعة الثمن.

وقد لا يحتاج صاحب المصنع لبعضها إلا مرات قليلة أو لا يحتاج إليها أصلا، ومنها أن المتمكنين من استخدامها العارفين بأسرارها هم من ذوي الكفاءات العالية الذين ترتفع أجورهم وفرص الاحتياج إليهم في المصنع الواحد قليلة. وكل ذلك يدخل في تكلفة الإنتاج، ويؤدي بالباعث إلى الإفلاس إن لم يأخذ حيطته لذلك بما يضمن استمرار الآلة في الإنتاج بكفاءة، وبأقل ما يمكن من النفقات.

وبناء على ما قدمناه فرضت المسيرة الاقتصادية أن يتخصص قسم من المسهمين في دولاب الاقتصاد بتوفير الخدمات المطلوبة حسب القواعد الفنية لسير المعامل والآلات بكفاءة في سرعة الإنجاز ودقته عند تعويض الأجزاء التالفة أو المتآكلة بغيرها، وكذلك الاحتياطات الدورية لدوام عمل الآلة والأجهزة فيكون عقد الصيانة هو عقد يلتزم الخبير الفني بالقيام على الآلات والتجهيزات في مدة محددة، قياما يحقق أداءها لوظائفها بكفاءة ويلتزم فيه صاحبها بدفع ما اتفقا عليه إن لم تكن ملتزمة من البائع.

ولا تقتصر الحاجة للصيانة على المعامل الآلية فشركة الطيران في أي قطر من أقطار العالم تنقل المسافرين فإذا بلغت طائرتها بالمسافرين البلد المقصود، فإنها لا تستطيع أن تواصل رحلتها أو أن تعود إلى منطلقها إلا بعد قيام فريق مختص بتفقد تجهيزاتها ضمانا لحياة المسافرين. ولا يمكن للشركة أن تبعث مع كل طائرة فريقا من الفنيين ولا بأجهزة الرقابة.

والمؤسسات المالية لا تستغني في سير عملها عن تدفق التيار الكهربائي لمكاتب العمل مثلا وللدماغ الحاسوبي الجامع الحافظ وللأجهزة المتصلة به، وهو ما يوجب القيام على التجهيزات الكهربائية قياما يضمن عملها بانتظام. كما لا تستغني عن مراقبة أجهزة الحاسوب الأصلي وفروعه ضمانا لحقوق المتعاملين مع المؤسسة وضبطا لحساباتها.

ص: 417

وقد تضاعف سكان الأرض في هذا القرن عما كان عليه في القرون السابقة، وفي انتشار المساكن الأفقية عدوان على الأراضي الفلاحية وقتل للمساحات المحيطة بالمدن. زيادة عن غلاء ثمن المساكن الأفقية وارتفاع التكلفة للقيام بالخدمات المدنية من توزيع المياه والنور الكهربائي وأجهزة الصرف. فاحتاج الناس إلى البناء العمودي الذي يحفظ الأرض ويقلل من تكاليف الخدمات ويختصر المسافات داخل المدن، وهذه البناءات الذاهبة صعدا لا يستغني ساكنو طوابقها العليا عن المصاعد، وتوقف المصعد بعد توفيره فيه إهدار للوقت وفيه حجب الساكن الضعيف عن القيام بواجباته في الحياة من المسنين والمرضى والحبالى والصغار والمعاقين.

والمستشفيات والمصحات قد تطورت طرق الكشف والعلاج تطورا ارتبط بنمط الحياة. فالكشف بالأشعة وبالأجهزة المعرفة بمكان المرض ونوعه وإنعاش من بلغ مرحلة الخطر لمساعدته على تجاوز فترة الأزمة، وإجراء العمليات الجراحية. كل ذلك لابد من القيام على المزود بالتيار الكهربائي وعلى تلافي حصول الخلل في التجهيزات الطبية الإلكترونية المعقدة.

هذه بعض الصور التي تكشف عن الحاجة إلى صيانة المعدات والأجهزة والآلات، وهي حاجة ترتبط بالكليات الضرورية من حفظ النفس والمال. وتعتبر بذلك داخلة تحت المقاصد الضرورية، كما يدل عليه كلام الشاطبي، من أن الحفظ للمقاصد الضرورية يكون بأمرين: أحدهما ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود والثاني ما يدرأ عنهما الاختلال الواقع أو المتوقع وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم.

ثم قال عند التمثيل: والمعاملات ما كان راجعا إلى مصلحة الإنسان مع غيره كانتقال الأملاك بعوض أو بغير عوض، بالعقد على الرقاب أو المنافع وذلك تدخل عقود الصيانة من حيث الأصل تحت مظلة الضروري عملا بالقاعدة اليقينية المروية عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: تحدث للناس أقضيه بقدر ما أحدثوا.

أنواع عقد الصيانة:

أولا – الالتزام المرتبط بعقد البيع كأحد بنوده: وذلك أن البائع ملتزم عند العرض أن كل القطع صغيرها وكبيرها قد تم صنعها بالجودة التامة، وأنها قادرة على الأداء دون أن يلحقها عطب من التشغيل طيلة مدة محددة أو دائما. وأنه ملتزم بالمنهج الحضاري الذي يحكم المسيرة البشرية وهي أن التجربة هي المعرف الحقيقي للصلاح، أو الاختلال. ولذا فإن ما يبيعه من الأجهزة هو ضامن لأدائه مدة معلومة. وهذا ما يفرض عليه أن يبعث بخبرائه يوجهون إلى الطريق الأمثل في التشغيل في الفترة التي يحددها الطرفان عند عقد البيع. والتي تكون كافية للتحقق من سلامة المبيع وحسن أدائه.

وقد وقع التساؤل في الورقة المقدمة للموضوع عن تكييف هذا الالتزام فجاء فيها ما هو مذكور.

ص: 418

أما الاحتمال الأول وهو أن هذا من صور صفقتين في صفقة، بينت أنه ليس من صور صفقتين في صفقة أصلا وهو مذكور في العقد.

أما الاحتمال الثاني فإن البيع مع التزام المزود بالصيانة مدة معلومة، لا يعتبر التزامه بالصيانة عقدا. ولكنه في حقيقة أمره إعلان من البائع أن ما يبيعه يؤدي للمشتري الغرض الذي اشتراه من أجله، فالسيارة مثلا تحقق له التنقل مع الأمن، وكذلك الطائرة إلى آخره. وعلى هذا فإذا ظهر خلل في أداء المبيع للغرض منه كان البائع لم يسلم للمشتري المبيع على حسب ما اتفقا عليه في العقد. فوفاؤه بما التزم به هو من تمام العقد الأول وليس عقدا آخر.

وأما الاحتمال الثالث أنه شرط مقترن بالعقد. فهو وإن كان في صورته الظاهرية شرطًا إلا أنه في حقيق الأمر بعد التأمل في العقد يتبين للناظر أنه ليس من نوع الشروط التي اختلف فيها الفقهاء. وذلك أن الشرط الذي تحدث عنه الفقهاء هو الشرط الذي يستفيد منه المشترط سواء أكان البائع أم المشتري، فكأن الشرط إن كان من المشتري فقد انقسم الثمن المدفوع فيه بين ثمن السلعة وما يحقق الشرط. مما يؤول معه الأمر إلى نوع من الجهالة في الثمن المبيع راعاه من حرم الشرط. وإذا كان المشترط هو البائع فكذلك الأمر فهو يكون قد نقص من الثمن الحقيقي للسلعة في مقابلة تحقق شرطه الذي شرطه. ومن فصل فهو ناظر في باطن الأمر إلى ما ذكرناه. وفي صورة التزام البائع عند العرض بالقيام بالصيانة مدة معلومة لا نجد في العقد أن المشتري قد اشترط أي شيء. كما أن البائع لم يشترط على المشتري ما ينتفع به.

أما الاحتمال الرابع وهو رد المعيب بالعيب. فإن المبيع إذا اطلع المشتري على عيب فيه فقد فصل فيه الفقهاء وبينت كل ما يتعلق بذلك.

ووصلت إلى أن لابن عرفة فتوى: إن الجبن يوجد فاسدا يرد، وكذلك الحديد يوجد أحرش منقطعا إذا دخل النار. معللا بأنه مما عملته الأيدي.

فهذه الفتوى تجعل الاختلاف محله ما كان من العيوب لا دخل للإنسان فيه بتقصير، أو قصور، تطبيقا للقاعدة: أن المكلف يتحمل الضرر الحاصل منه خطأ كان أو عمدًا.

وإذا خلص لنا أن مشتري الآلة أو الجهاز يقوم بالعيب على البائع فهل يعتبر التزام البائع بالصيانة بديلا عن الرد بالعيب.

إن الصيانة ليست التزاما بتبديل المعيب ولكن تتعدى ذلك إلى كثير من الأعمال تتبع الخطوات الأولى في التسيير؛ كشد بعض الأجهزة وتشحيم بعضها، وتبديل الزيت، ورفع بعض الأجزاء التي توضع في الآلة عند استخدامها الأول

إلى مختلف أوجه العناية التي تتبع ما في الأجهزة من تعقيد، وبذلك فإن التزام المزود بالصيانة مدة معلومة هو أعم من القيام بالعيب. ولا ينفي الرد بالعيب على ما حققه ابن عرفة في فتواه.

ثانيا – العقد مع شركات الصيانة:

العقد مع شركات الصيانة، ليس عقدًا نمطيًّا يطبق بصفة آلية. وذلك أن المعقود عليه يختلف باختلاف التجهيزات وما يتطلبه كل نوع من العناية، ولذا فقد قمت بمراجعة عقود كثيرة متحدة الموضوع ومختلفة الموضوع.

1.

عقود صيانة المصاعد من شركات مختلفة. 2. عقود صيانة أجهزة التكييف. 3.عقود صيانة أجهزة التبريد.

4.

عقود صيانة أجهزة الإنذار المبكر. 5. عقود صيانة أجهزة الحاسوب. 6. عقود صيانة الأجهزة المنذرة والمكافحة للحريق. 7. عقود صيانة الطائرات. 8. عقود صيانة العلامات المضيئة للإشهار.

وتجدون مع بحثي ولكن للأسف باللغة الفرنسية صورة من كل هذه العقود.

ص: 419

تعددت عقود الصيانة بناء على أنه لكل نوع من أنواع النشاط الصناعي ولكل الأجهزة الآلية والإلكترونية في ميادين الإنتاج أو الخدمات اختصاصيون مهروا في القيام عليها ضمانا لحسن أدائها واستمرارها.

وقد أردت أن أتتبع الهيكل الذي تتقوم به هذه العقود مهما اختلفت لبيان حكم هذه العقود تبعا للأركان والشروط المشتركة، أما ما تختص به بعض العقود تبعا لما تتميز به من خاصيات، فإنه ينبغي أن تكون التوصية من المجمع منبهة إلى وجوب مطابقة كل ما يشترط في عقود الصيانة للأحكام الشرعية بمراقبتها من عالم بأحكام العقود في الإسلام.

طبيعة عقد الصيانة:

ذهب بعض الناظرين من الفقهاء المعاصرين إلى أن عقد الصيانة عقد جعل، وأنه ينطبق عليه هذا التصور العقدي الخاص، ذهابا منهم إلى أن المعقود عليه مجهول، وإذا كان العقد في ميدان العمل على مجهول فهو لا يجوز إلا على أنه عقد جعل، وهذا خطأ في تصور عقد الصيانة، إذ لا تنطبق أحكام الجعالة على الصيانة وذلك:

1.

أن عقد الصيانة عقد لازم للطرفين بعد توقيعه منصوص فيه متى يمكن أحد الطرفين من نقضه.

2.

أن الجعل لا يتسلم منه العامل شيئا إلا بعد إتمام العمل، فإذا لم يرد العبد أو الدابة فلا شيء له بخلاف الصيانة.

3.

أن الصيانة عقد محدد بأجل، في إطار عام ثم مخصص، أعني بذلك أن عقد الصيانة يتم بين صاحب المؤسسة على أنه سيستمر خمس سنوات أو ثلاث سنوات مثلا، وبانتهائها ينتهي العقد ليعاد النظر فيه من جديد، هذا هو الإطار العام، ثم إن لكل طرف في نهاية السنة الحق في فسخ العقد مع إعلام الطرف الثاني قبل مدة محددة بثلاثة أشهر أو أكثر أو أقل برغبته في نهاية العقد، وهذا هو الإطار الخاص، وعقد الجعالة لا يجوز ضرب الأجل فيه. ثم أتيت بنصوص الفقهاء في عقد الجعالة لتأكيد ما قلته.

الأجير المشترك:

جاء في الفتاوى الهندية: اختلفت عبارة المشائخ في الحد الفاصل بين الأجير الخاص والأجير المشترك. قال بعضهم الأجير المشترك من يستحق الأجر بالعمل لا بتسليم نفسه. والأجير الخاص من يستحق الأجر لتسليم نفسه وبمضي المدة. ولا يشترط العمل في حقه لاستحقاق الأجر. وقال بعضهم الأجير المشترك من يتقبل العمل من غير واحد. والأجير الخاص من يتقبل العمل من واحد.

وإذا تبين أن عقد الصيانة هو عقد إجارة مع أجير مشترك فإن الخطوة التالية هي تبين هل إن هذه العقود استوفت الأركان والشروط أو لا؟ ثم هل إنها تتضمن شروطًا تؤثر في صحة العقد؟.

أولا – أركان العقد، وتشمل:

1.

العاقدان: وللضبط فإني أطلق اسم المؤسسة على المستأجر بكسر الجيم اسم فاعل وأطلق لفظ الصائن على الأجير، العامل، وقد توفرت فيهما جميع الشروط.

2.

الصيغة: الصيغة في العقود الصيانة موثقة كتابة واضحة، يقوم توقيع ممثل الشركة على العقد بالدلالة على الرضا الكامل والالتزام بما جاء في العقد.

3.

واجبات الصائن في عقد الصيانة وهي العمل المعقود عليه.

ص: 420

إن عقود الصيانة يتحمل فيها الصائن القيام بأعمال.

أولا- المراقبة الدورية: وهي مضبوطة في العقود، في مشمولاتها وفي مواعيدها، إذ هي تنظيف الأجهزة، ومراقبة حسن سيرها، ووضع الشحم أو الزيت في الأماكن الخاصة من الأجهزة ضمانا لسير الحركة الاندماجية، ووضع قائمة لقطع الغيار التي يحتاج إليها غالبا يشتريها صاحب المؤسسة، وإعلام المؤسسة عقب كل تفقد دوري بما لا حظه من خلل، والقيام بتسجيل كل الأعمال والملاحظات التابعة لكل زيارة.

ثانيا- الحضور في المكان المعين في العقد إذا ما حدث خلل أو توقف في السير بعد إعلامه بوقت مضبوط أقصاه في العقد.

إن واجبات الصائن محددة في العقود والتزاماته مضبوطة وأن ثمن القطعة التالفة يتحمله صاحب المؤسسة ويقتصر دور الصائن – بناء على مهارته – على التعرف على مواطن الخلل ثم يباشر إصلاحه إذا كان ممكنا بدون تغيير أي قطعة أو يقوم بتغيير القطعة التالفة ووضع قطعة صالحة مكانها.

يبقى السؤال هل يجوز أن يتحمل الصائن الشحوم وغير ذلك وكذلك أجهزة الاختبار؟ جاء في الفتاوى الهندية: وإذا استأجر خياط ليخيط له ثوبا كان السلك والإبرة على الخياط.

وفي المذهب المالكي: وعمل بالعرف في الخيط كونه على الخياط أو على رب الثوب، وفي نقش الرحى المستأجرة للطحن في كونه على المالك أو المستأجر.

ثم أتيت بنصوص من الشافعية كلها لا تمنع من أن يكون الشيء القليل يتحمله الصائن.

إن هذه النصوص التي قدمناها تدل على أن المذاهب الأربعة متفقة على جواز اشتراط الشيء اليسير من المواد على العامل. وأنه إذا لم يشترط فالرجوع إلى العرف المعمول به في مكان العقد، وبما أن عقود الصيانة قد تبين لي من تتبعها أنها تكاد تتفق في التصور العام في البنود الأساسية فإني لم أجد أي عقد خلا من بيان ما يلتزم به العامل حتى في الأشياء التافهة. وهذه الطريقة محققة لما تقرر في الفقه الإسلامي. يقول في بدائع الصنائع: "ومن شروط الإجارة بيان العمل في استئجار الصناع والعمال؛ لأن جهالة العمل في الاستئجار على الأعمال جهالة مفضية إلى المنازعة، فيفسد العقد حتى لو استأجر عاملا ولم يسم له العمل من القصارة والخياطة والرعي ونحو ذلك لم يجز العقد، وكذا بيان المعمول فيه في الأجير المشترك إما بالإشارة أو التعيين أو ببيان الجنس والنوع والقدر والصفة.

كما يقول في شروط المعقود عليه: "أن تكون المنفعة معلومة منعا للمنازعة، فإن كانت مجهولة – وهذا ما أريد أن أؤكد عليه – ينظر إن كانت تلك الجهالة مفضية إلى المنازعة تمنع صحة العقد وإلا فلا، لأن الجهالة المفضية للمنازعة تمنع التسليم والتسلم فلا يحصل المقصود من العقد، فكان العقد عبثا ".

ص: 421

فالمعيار الذي ربط به عقود الإجارة صحة أو فسادا هو إفضاء العقد إلى تحققه بدون نزاع أو إمكانية حصول النزاع والتأويل القريب لكلا الطرفين.

ولما كانت عقود الصيانة لم يقع فيها هذا أبدا دل ذلك على أنها إذا كانت بدون تقديم قطع الغيار جائزة.

الربط بين الزمن والعمل:

كل عقود الصيانة فيها ضبط موعد بداية العمل بالعقد وموعد انتهائه زيادة على تفصيل ما يلتزم الصائن بالقيام به من أعمال.

وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجوز ذلك.

ومذهب مالك قد حرره ابن عبد السلام، فقال:"الذي قاله من يرتضي من الشيوخ أن الزمن الذي قيدت به الإجارة إن كان أوسع من العمل بكثير فلا يختلف في الجواز".

ومما قدمناه يتبين أن تحديد العمل وتحديد المدة في عقد الصيانة لا مانع من ذلك، وإن كان غير مجمع عليه.

التزام الصائن بشراء قطع الغيار:

جاء في العقود أن الصائن يلتزم بشراء قطع الغيار، وإذا تعذر إصلاح المعطب أو كان يستدعي نفقات تتجاوز حد السقف المتفق عليه في العقد وأنه يتقاضى على هذا العمل الإضافي زائدا مقدرا بنسبة مئوية من ثمن القطعة التي اشتراها.

وتكييف هذا البند أنه وكالة بأجر، حدد فيها الأجر وتحقق رضا الموكل والوكيل. وكلاهما ممن تصح منه الوكالة.

واجبات المؤسسة:

القدر المشترك في واجبات المؤسسات، الذي لاحظته في عقود الصيانة يتمثل فيما يلي:

1.

الالتزام بدفع أجر الصائن، وأجر الصيانة محدد في العقد.

2.

تسليم أجر الصائن: جرت العقود على طريقتين: الأولى أن يقسم الأجر السنوي على فترات تدفع كل فترة مقدمة في بدايتها، والثانية أن يقسم الأجر السنوي على فترات يدفع كل قسط عند نهاية الفترة المحددة.

وبالرجوع إلى الأحكام المقررة في فقه المذاهب فإننا نجد اختلافا في اجتهاداتهم،

ففي المذهب المالكي: وعجل الأجر وجوبا ولو حكما كتأخير ثلاثة أيام لا أكثر فيفسد العقد إن عين كثوب معين، أو بشرط أي اشترط تعجيله عند عقد الإجارة.

وكذلك الحكم عند الشافعية والحنابلة.

ص: 422

الطريقة الثانية أن يكون العقد على استحقاق الصائن أجره عند نهاية كل فترة تحدد بشهر أو ثلاثة أو ستة.

ففي المذهب المالكي فإن عقد الصيانة هو من الإجارة المضمونة لتعلقه بالذمة لا بالشخص سواء أكان الصائن شركة أم شخصا. إذ إن المؤسسة لا تشترط أن يقوم بالعمل فرد معين. وإذا كانت الإجارة في الذمة فالمالكية لا يجيزون تأخير الأجر إذا لم يشرع الأجير في العمل، وذلك بناء على قاعدة أنه لا يجوز تعمير الذمتين. والشافعية هم متفقون مع المالكية في ذلك.

وفي مذهب أحمد يجوز اشتراط تأخير الأجرة: أنه إذا شرط تأخير الأجر فهو إلى أجله.

ضمان الصائن:

جاء في عقود الصيانة أن الصائن إذا لم ينبه المؤسسة إلى الخلل المتوقع، فإنه ضامن لما يترتب عن تقصيره في أداء ما التزم به، وهو شرط مقبول: ذلك أنه ما استحق الأجر إلا ليساعد المؤسسة على دوام قيام الأجهزة والآلات بوظائفها. وأن تفقده ليس أمرا مظهريًّا. فإذا أخل بواجبة فلم يحسن التأمل في جميع التجهيزات أو لم يكن جادا في مراقبته أو اطلع ولم ينبه فقد أخل بالتزاماته ويتحمل المسؤولية. وأتيت بالنصوص الدالة على تحمله.

فاشتراط المؤسسة أن الصائن ضامن إذا لم ينبه للخلل الذي تسبب عنه التعطل شرط مقبول، وعدم إعلام الصائن للمؤسسة بالخلل المدرك للخبراء تعد منه تقصير وهما سواء في ترتيب الضمان.

في المذهب الحنبلي: العامل المشترك وهو الصانع هو ضامن لما جنت يده، فالحائك إذا أفسد حياكته ضامن لما أفسده: نص عليه أحمد، وأتيت بالنص كاملا.

بناء على ما اطلعت عليه من عقود الصيانة التي أمكن أن تصل إليها يدي، والتي أقول إنها ليست كل أنواع الصيانة، لكن وجدت أنه هنا في بعض العقود التي رأيتها في بقية البحوث أن من عقود الصيانة ما يشترط فيه قطع الغيار على الصائن، وبناء على ذلك انتهيت إلى تقسيم ذلك إلى تسعة أنواع:

1.

عقد الصيانة بين المؤسسة والصائن الذي يلتزم فيه الصائن بإصلاح العطب للآلات مدة معلومة وأجره معلوم مع ضمن الصائن مادة تافهة كالزيت والشحم أو بدون ذلك والموصل الكهربائي، جائزة لأنها إجارة مع أجير مشترك.

2.

عقد الصيانة بين المؤسسة والصائن الذي يلتزم فيه الصائن بإصلاح العطب للآلة مع تقديم قطع الغيار، هو عقد غير جائز عندي، وعند الشيخ الضرير، وجائز عند الإخوان الثلاثة.

ص: 423

3.

الصيانة التي يلتزم بها البائع عند عقد البيع لمدة محددة جائزة سواء كان ذلك مع تقديم قطع الغيار أو لا.

4.

عقد الصيانة الذي يشترط فيه أن يقوم الصائن بالإصلاح وشراء قطع الغيار على حساب صاحب المؤسسة مع ربح نسبي معلوم هو عقد جائز عند الجميع.

5.

عقد الصيانة الذي يلتزم فيه الصائن بصيانة المعدات الموجودة عند العقد، وما يمكن أن يضيفه صاحب المؤسسة من أجهزة جديدة، غير جائز عندي لشدة الغرر فيه، ولا أعلم وجهة نظر الشيخ الضرير، بينما يجيزونه الآخرون.

6.

عقد الصيانة الذي يلتزم فيه الصائن بالعمل على تحديث الأجهزة عندما يظهر طيلة مدة العقد غير جائز عندي. ويظهر أنه كذلك عند الشيخ الضرير، وجائز عند الثلاثة.

7.

عقد الصيانة الذي يلتزم فيه الصائن على تدريب عمالة الصائن، مع الإصلاح عند العطب، هو عقد جائز وكذلك عند الشيخ الضرير، وذلك لأنه عقد إجارة مع الجعالة معا، يجوز الجمع بينهما، وإن كان بعضهم لا يرى جواز ذلك.

8.

عقد الصيانة الذي يشترط فيه أن يضمن استمرار عمل المصون، وأنه يتحمل أيضا تقديم ما يحقق تشغيل الأجهزة وقتيا حتى يتم الإصلاح، أو تعويض التالف من قبل صاحب المؤسسة، هذا الشرط فيه جهالة كبيرة مفسدة للعقد عندي، ويظهر أنه جائز عند الشيخ التسخيري، وجائز صراحة عند الدكتور منذر والدكتور أنس، ولم أعرف وجهة نظر الشيخ الضرير.

9.

عقد الصيانة الذي يلتزم فيه الصائن بالتعويض عن الضرر الحاصل، عندي هو عقد فيه غرر كبير وهو غير جائز، وهو مثل سابقيه في الحكم عند الإخوان الذين قدموا هذه البحوث.

ما ذكره الدكتور منذر من العقود المشابهة كعقد التأمين، أراه تفضل منه وزائد عن موضوع البحث، والله أعلم وأحكم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

ص: 424

التعقيب ومناقشة

التعقيب والمناقشة:

الشيخ عمر عبد العزيز:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد؛

فإن هذه البحوث المقدمة بحوث تنبئ عن ذهنية فقهية دقيقة ورصيد علمي عال وصياغة متميزة بالأصالة والجدة، وفي معظم هذه البحوث وجدت أن الباحثين الفضلاء قد جعلوا عقد الصيانة من الضروريات، وبذلك عندما يكون عقد الصيانة ضروريا يكون قد تسنم ذروة طلب الشارع لفعله، وهي الطلب على وزن الحتم والإلزام المتمثل في الإيجاب، وهذا مما يتأبى ذهني على أن ينقدح ذلك فيه. ذلك أن الضروري هو ما باختلاله تختل به الحياة وتكون على فساد وتهارج وفوضى، ثم إن الضروري قطعي يقطع الخلاف، وإذا كان الأمر كذلك أي إذا اعتبر من الضروريات فإنه عندئذ تكون الحاجة مندفعة والفائدة منتفية في البحث عن حكم عقد الصيانة وجوازه، لأن جوازه إن ثبت لا يصلح أن يكون تأكيدا لوجوبه لأن الأقوى طلبا لا يتأكد بما هو أضعف منه فيه. ولا يكون كذلك تأسيسا لحكم جديد، لأن الوجوب يستلزم الجواز، لكون الوجوب أخص من الجواز والأخص يستلزم الأعم، فيكون الجواز قد ثبت مع الوجوب.

وباستقراء الأخبار الحكمية ثبت كون أحد الأمرين الغاية المتغياة منها. والباحثون الأفاضل والأساتذة الكرام قد نفوا أن يكون عقد الصيانة أو جوازه قطعيًّا وبذلك نفوا أن يكون ضروريًّا أيضا لأنهم هم أنفسهم قد ذكروا اختلافات كثيرة في مشروعيته، وهم أيضا اختلفوا في ذلك فيما بينهم.

هذا فيما يتعلق بمعظم البحوث، وقد طالعني في بعض البحوث تكييف لعقد الصيانة، فبعض الباحثين الأفاضل قد جعلوا عقد الصيانة نوعا من المقاولة وبرروا اندارج عقد الصيانة، نوعا في المقاولة لأن أكثر ما ينطبق على المقاولة ينطبق على عقد الصيانة وهذا المبرر، في اعتقادي، لا يبرر الأعمية للمقاولة بالنسبة لعقد الصيانة، لأن الأعم ينبغي أن يكون كل ما ينطبق عليه منطبقا على أخص منه، لأن الإنسان لما كان أعم من الرجل، وكان الإنسان هو الجسم النامي الحساس المتحرك بالإرادة؛ كان الرجل كذلك أيضا مع خاصية الذكورة، ولذلك فإن الذي يصحح هذه النسبة هو استبدال كلمة الكل بكلمة الأكثر.

وذكر بعض الأساتذة تعريفا لعقد الصيانة وعرفوه بأنه عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين بصيانة شيء مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر، والغرض من التعريف هو استكناه الشيء وبيان ماهيته والكشف عن حقيقته ليتميز المعرف عن غيره، ولذلك تقرر القواعد المنظمة للتعاريف أن يكون التعريف أجلى من المعرف، وكذلك أيضًا ينبغي أن لا يكون المعرف جزءا من التعريف وإلا لأدى ذلك إلى تعريف الشيء بنفسه، وهذا دور يؤدي بالتعريف إلى البطلان، وكذلك أيضا فإن التعريف ينبغي أن يكون أجلى من المعرف ليقوم بهذه المهمة ولذلك فإن الذي يظهر لي أنه ينبغي إخلاء جميع تعاريف عقد الصيانة من كلمة الصيانة، ويؤتى بما يوضح المعرف دون أن تتوقف معرفة المعرف على معرفة التعريف، مع توقف معرفة التعريف على معرفة المعرف. هذا ما أردت أن أبينه وأرجو الله، سبحانه وتعالى، للجميع التوفيق والسداد والسلام عليكم.

ص: 425

فضيلة الشيخ محمد تقي العثماني:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

في الواقع إني أشكر جميع الباحثين الذين قدموا هذه البحوث القيمة في هذا الموضوع المهم، وخاصة فضيلة العلامة الشيخ محمد المختار السلامي، فقد ذهب فضيلته وفضيلة الشيخ الضرير إلى أن تكييف عقد الصيانة مؤسس على أساس الإجارة ويكون من يتعهد بالصيانة كالأجير المشترك، وعلى هذا الأساس إنهم جعلوا الجهالة الموجودة في هذا العقد جهالة مغتفرة لأنها لا تؤدي إلى نزاع، والشبهة التي قد تراودني في هذا الموضوع هي أن الأمر في هذا العقد هو فوق الجهالة وربما يصل إلى درجة الغرر، وفيه غرر للجانبين، فإن الجهالة التي ذكرها الفقهاء أنها لا تفسد العقد إذا لم تكن مؤدية إلى نزاع هي الجهالة التي يتيقن فيها وجود المعقود عليه،ولكن لا نعرف قدر المعقود عليه، فإذن تأتي هنا الجهالة، وإذا كانت لا تؤدي إلى نزاع فالفقهاء قالوا لا تفسد العقد، أما هنا في هذا العقد فوجود المعقود عليه غير متيقن، مثلا إذا عقد أحد عقد الصيانة مع أجير مشترك لمدة خمسة أعوام مثلا، فيمكن أن لا تحدث أي حاجة للصيانة خلال تلك المدة، فالأجر الذي دفعه المستأجر هو ليس مقابله شيء، لأنه لم يحدث له حاجة للصيانة خلال مدة العقد.

ومن ناحية ثانية يمكن أن يكون للمالك أن يحتاج إلى صيانة تتطلب أموالا كثيرة، لم يتوقعها الصائن حينما دخل في عقد الصيانة فيتكبد جهودا ويتحمل أموالا طائلة، فهذه شبهة ينبغي أن ننظر إليها من هذه الناحية، ولم أجد جوابا على هذه الشبهة. فأرجو من فضيلة الشيخ السلامي والباحثين في هذا الموضوع أن يأتوا بشيء يطمئن له القلب في هذا الموضوع، والله أعلم.

ص: 426

فضيلة الشيخ الصديق الضرير:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

أولا: شكرًا للشيخ المختار؛ فلقد لخص بحثي هذا تلخيصا جيدا ولو طلب مني تلخيصه ما استطعت أن أجيء بأفضل منه، إلا أنه ترك الإشارة إلى قرار الندوة الفقهية الرابعة ببيت التمويل الكويتي، فهذا الموضوع كان بحث فيها واتخذ فيه قرار وقد بينته في آخر البحث، ولم أوافق عليه لأنها بنته على آراء الفقهاء الذين كانوا في الندوة وهم بنوه على الجعالة، وقد اعترضت على هذا بمثل ما اعترض به الشيخ المختار، عندما عرض بحثه عرضا كاملا.

الواقع كل ما ذكر من الأخوين السابقين يحتاج إلى رد، لكن قبل أن أجيب أود أن أشير إلى عبارة ذكرها الشيخ السلامي في بحثه، وإلى عبارة أخرى وردت في بحث الشيخ التسخيري.

أما العبارة التي ذكرها الشيخ السلامي يقول فيها: وينفرد الدكتور الضرير بأن بيعتين في بيعة أخص من صفقتين في صفقة، لأن الصفقة تشمل البيع وغيره من الصفقات فيؤول معنى الحديث عنده إلى الجمع بين عقدين في عقد واحد ويجزم في مقدمة كلامه – هذا كلام الشيخ المختار – بأن عدم التفرقة بينهما خطأ، فيقول وهذا ليس بصحيح فإن بيعتين في بيعة أخص من صفقتين في صفقة. وكل هذا النقل صحيح، ولكنه ليس مما تفرد به الدكتور الضرير، وهذا كلام الكمال ابن الهمام وقد أشرت إليه في بحثي (فتح القدير: 5/218) ، وهو الصواب عندي وقد ارتضيته لأفرق بين الحديث الذي ينهى عن صفقتين في صفقة، والحديث الآخر الذي ينهى عن بيعتين في بيعة، هذه مسألة بسيطة.

أما المسألة الثانية، وهي مسألة كبيرة هي ما جاء في بحث الشيخ التسخيري:"هذا مع أن الدليل القائم على ممنوعية الغرر في المعاملة هو الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه نهى عن بيع الغرر، وهو – أي الحديث – مع ما في سنده من مناقشة، مختص بباب البيع ولا مجال للتعدي عن البيع إلى المعاملات الأخرى، كما نبه عليه الفقهاء في كتبهم". في هذه العبارة ثلاث دعاوى:

الدعوى الأولى: وهي أكبرها بأن حديث النهي عن بيع الغرر في سنده مناقشة، ليس في سند هذا الحديث مناقشة، هذا الحديث رواه الثقاة عن جمع من الصحابة، وروي عن أبي هريرة وقد أخرجه ابن تيمية في (المنتقى) وقال رواه الجماعة إلا البخاري. فالحديث لا خلاف في صحته وإن كان البخاري لم يروهِ صراحة ولكنه وضع بابا سماه باب بيع الغرر وحبل الحبلة، وقد تحدث شراح الحديث لما لم يذكر البخاري الحديث نصا وقالوا: إنه اكتفى بالإشارة إلى حبل الحبلة وبيع المنابذة والملابسة

ولكن العنوان بيع الغرر. فلا أدري من أين جاءت هذه المناقشة في هذا الحديث ولو حصل مناقشة في هذا الحديث لسقط أصل عظيم من أصول المعاملات فالنهي عن بيع الغرر، هذا الحديث أصل عظيم كما نوه على ذلك النووي.

ص: 427

الدعوى الثانية: هي قوله: مختص بباب البيع. صحيح أن الحديث ورد في البيع ولكن جميع الفقهاء قاسوا على البيع عقود المعاوضات، لم يشذ منه أحد إلا نفاة القياس، بل إن بعضهم ذهب إلى أبعد من ذلك فأدخل عقود التبرعات، التي أخرجها المالكية، وهم على حق.

الدعوى الثالثة: كما نبه عليه الفقهاء في كتبهم، ولم يشر لنا إلى مصدر واحد من مراجع هؤلاء الفقهاء ولا أدري من هم؟!

أجيب الآن على تساؤلات الإخوة الكرام، بالنسبة لموضوع أن عقد الصيانة من الضروريات، لا أرى في هذا غضاضة، أليس المسكن الذي يحفظ النفوس من الضروريات؟ أليست صيانة المسكن من الضروريات لبقاء حياة الإنسان؟ هل نستطيع أن نترك صيانة المسكن؟ أليست صيانة الطائرة، كما يقول الشيخ التي لم تصن لترتب عليها هلاك مئات من النفوس، أليس هذا من الضروريات؟ لا أرى بأسا من وصف الصيانة بأنها من الضروريات.

وتحدث أخي الفاضل عن التعريف وهو التعريف الذي ذكرته، وهذا التعريف مأخوذ من تعريف قانوني لعقد المقاولة، وأنا أرجعت هذا إلى القانونيين وهو تعريف الدكتور السنهوري، وأنا جعلت الصيانة نوعا من المقاولة وهذا ما يقوله فقهاء القانون، وهذا التعريف لا أرى به بأسا. قلنا: إن الصيانة عقد يتعهد به، ما قلنا: الصيانة هي الصيانة، وكلمة الصيانة عرفت بالمعنى اللغوي، وقلنا: إن المعنى اللغوي لا يختلف عن المعنى الشرعي، فلا أرى ما يستلزم الاعتراض وإن كان التعريفات كل تعريف لا يخلو من معترض، فليأتنا الشيخ، فهو اعترض ولم يأتِ بتعريف يخلو من الاعتراض، أتوقع منه مدنا بهذا التعريف. وأنا ذكرت أن عقد الصيانة أخص من عقد المقاولة، وهذا واضح لأن عقد المقاولة قد يكون فيه القيام بعمل شيء مقابل كبناء مصنع أو بيت، والصائن لا يفعل هذا بل يقوم بالصيانة.

لهذا قلت إن كل عقد الصيانة هو عقد مقاولة، وليس كل عقد مقاولة عقد صيانة، لا أدري إن كان الشيخ العثماني قرأ ما في بحثي عندما قلت إن الإجارة إما أن يكون أجيرا مشتركا أو أجيرا خاصا وكلاهما متصور، وإن كان الشيخ المختار قصر الأمر على الأجير المشترك، واستبعد الأجير الخاص، وأنا لا أرى مانعا من هذا، فقد تتفق شركة أو مجموعة من الشركات مع شخص تعينه ليكون مختصا بها لا يعمل لغيرها.

في موضع آخر ذكرت: " والمعقود عليه في عقد الصيانة عندما يكون الصائن أجيرا مشتركا هو العمل، ولذا يجب أن يعين تعيينا ينتفي معه الغرر

"، يعني العمل الذي يقوم به الصائن يجب أن يعين تعيينا ينتفي معه الغرر المؤدي إلى فساد العقد، كما يجب أن يكون الأجر معلوما، أما المعقود عليه بالنسبة للصائن عندما يكون أجيرا خاصا فهو منفعته أو وقته في المدة التي يعمل فيها، لهذا يجب أن تكون المدة معيّنة في العقد، فانتفى الغرر في الحالتين انتفاء كاملا وهذا ما يشترط في الأجير الخاص والأجير المشترك، والقانون نفسه، القانون المصري والقانون الأردني والقانون السوداني، اشترط انتفاء الغرر.

المادة (380) من قانون المعاملات لسنة 84 (السوداني) تنص على الآتي: "يجب في عقد المقاولة - وأنا قلت: إن عقد الصيانة وعقد المقاولة أحكامهما واحدة – وصف محله وبيان نوعه وقدره وطريقة أدائه ومدة إنجازه وتحديد ما يقابله من مقابل".

وهذه المادة مطابقة للمادة (782) من القانون المدني الأردني. فليس هناك مجال للقول بأن فيما قلناه غررا. وهو مشروط، وذكرت أنا أيضا بأنه قبل الدخول في تكييف هذا أود أن أشير إلى أن عقد الصيانة كأي عقد آخر له أركان هي أركان العقد بصفة عامة وهي: الصيغة والعاقدان والمحل. ولكل ركن من هذه الأركان شروط صحة لابد من تحققها ليكون العرض صحيحا، وسأفترض أن شروط الصحة المطلوبة في الصيغة والعاقدين متحققة في عقد الصيانة، وسأهتم بالشروط المطلوبة في المحل (العمل والبدن) لأن تحققها أو عدمه هو الذي يؤثر في التكييف. ولهذا أوردتها مفصلة. وشكرًا لكم.

ص: 428

الدكتور منذر قحف:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

أولًا: أشكر الشيخ السلامي للعرض الطيب والجيد الذي قدمه للبحوث عامة ولبحثي خاصة، كنت أود أن يكون الدكتور الضرير قرأ بحثي قبل أن يكتب بحثه، لعله وصل متأخرا، أهم ما في ورقته أننا نتكلم عن شيئين مختلفين، فضيلة الشيخ الضرير في بحثه وصف ستة أنواع من الصيانة، وهذا لا يمثل إلا حالات خاصة ونادرة جدا من عقود الصيانة، عقود الصيانة السمة العامة لها هي تكرار عمل الإصلاح غير المعلوم، بأوقات غير معلومة، ومدة من الزمن يستغرقها كل إصلاح غير معلوم. بعد ذلك في بحثه ذكر أن يكون العمل معلوما، فالعمل غير معلوم، نتحدث عن شيء يتعامل به الناس وليس عن شيء نحن نصوره ونحكم عليه، ونفتي عليه ما نسميه تحرير المناط.

النقطة الثانية: أشار الشيخ الضرير في بحثه إلى وجود جهالة كبيرة تؤدي إلى النزاع. أنا أرى أن الجهالة في عقد الصيانة بالرغم من كونها تكون كبيرة في بعض الأحيان فإنها لا تؤدي إلى النزاع؛ لأنها مضبوطة في حدود، فهي ليست من الجهالة التي تؤدي إلى النزاع.

النقطة الثالثة: ذكر الشيخ أن الصيانة مقاولة والمقاولة استصناع، وقد تعلمنا أن الاستصناع هي بيع موصوف بالذمة، أما الصيانة فمقدار العمل فيها مجهول والزمن مجهول وإن علمت المدة.

النقطة التالية ما قاله فضيلة الشيخ السلامي من أن في عقود الصيانة القطع يتحملها صاحب المؤسسة، هذا صحيح في بعض العقود الكبيرة والكبيرة جدا، لكن في كثير من العقود والعقود الصغيرة، أو ما يسمونه بعقود الصيانة في أعمال التجزئة مثل بيع السيارات والآلات الفردية، هذه تكون فيها الصيانة بقطعها وعملها على الصائن، وليست على صاحب المؤسسة أو مالك العين المصونة.

الأمر الثاني ذكر فضيلته، في مسألة الضمان في بحثه، وهذا الضمان يرد في بعض العقود، أما الضمان الذي يكثر في عقود الصيانة فهو ضمان الخدمة التي تؤديها الآلة. المقصود من الآلة التي اشتريت أو من البناء، أو أي شيء يصان هو خدمته فضمان استمرار هذه الخدمة هي أهم ما في عقود الصيانة من شروط ضمان. ثم ذكر فضيلته، إضافات في العرض لم تكن في ورقته، ومنها ذكر أن الصيانة كشرط في العقد ولو كانت بعمل غير معلوم، وبقطع غير معلومة جائز، وينبغي أن نلاحظ هنا أن هذا النوع من الصيانة أو الشرط الذي هو شائع جدا في كثير من العقود مبيع الآلات، يلحظ في الثمن فيه وجود شرط الصيانة، أي أن الصيانة لها حظ من الثمن، وأنا أتساءل إذا كان لها حظ من الثمن هل تختلف كثيرا عما لو كانت بعقد مستقل؟

ص: 429

ولعل كلنا نذكر الحادث الأليم الذي أودى بحياة نائب رئيس الوزراء في السودان، وقد أجمع الجميع على أن الحادث حصل بسبب عطل فني، ومن هنا تظهر لنا ضرورة الصيانة في واقعنا المعاصر.

النقطة الأخيرة، ذكر الشيخ السلامي مرات أنني أدليت برأيٍّ شرعي، أنا لم أفتِ بشيء في ورقتي، وأشهدكم على أنني لم أفت، وهل أفتي وأنتم حاضرون؟ أنا ألقيت تساؤلات فقهية أرجو أن يجاب عليها وشكرًا.

الشيخ وهبة مصطفى الزحيلي:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

مما لاشك فيه فإن عقود الصيانة من العقود المستحدثة في عصرنا الحاضر التي لازمت ظهور الآلة، وكانت الآلات من مخترعات الصناعة الحديثة التي حققت خدمات كبرى في العالم المعاصر. وجرى العرف في كل الأوساط وخصوصا فيما يتعلق بشؤون الآلات الكهربائية برمتها، كل ذلك يستدعي صيانة مستمرة سواء قيل بأنه قد يحدث الخلل أو قد لا يحدث، فما من آلة إلا وتتعرض للخلل إن عاجلا أو آجلا.

فإذن هذا الوقع لا مفر منه، وحينئذ الذي يشغل الفقهاء هو ضرورة تكييف عقد الصيانة، وهل هو جائز مطلقًا أو يجوز بشروط وضوابط؟ وهذا ما يجب فعله في مثل هذا المجمع. لكل هذا فيما يتعلق بقضية التكييف فأنا لست مع أولئك الذين أجازوا العقد على الإطلاق وإنما مع الذين أجازوه بضوابط وقيود شرعية، وإلا ألغينا كثيرا من قواعد هذا الشرع إذا انسقنا مع التيارات التي تقول: إن كل ما يتعارفه الناس ينبغي أن يكون جائزا، وتعلمون أن الأعراف منها ما هو فاسد ومنها ما هو صحيح. فليس كل ما يتعارفه الناس ينبغي أن يكون مقرا به شرعا، وإلا لوجدت مفاسد كثيرة ودخلت على الوسط الإسلامي ونجد التبريرات لهذه الأشياء بحجة الضرورات وغير ذلك.

ص: 430

فإذن قضية عقد الصيانة تحتاج إلى تكييف بحسب العرف الذي يحتاج إليه الناس وليس بحسب معايير الضرورات المعروفة شرعا، فلا ينطبق على هذا العقد معيار الضرورة وهي أنه يترتب على عدم الاستجابة لها خطر أو الوقوع في الموت أو ما شابه ذلك.

فإذن العقد هذا ككل العقود المشروعة في الإسلام هي عقود أقرتها ودفعت إليها الحاجة، ومن هنا أقر الإسلام الحنيف كثيرا من هذه العقود التي كانت منسجمة مع الحياة السابقة ما قبل القرن العشرين.

وإن كان التكييف أمرا لابد منه فأنا مع الشيخ الضرير في كون عقد الصيانة يبدأ الانطلاق من كونه عقد مقاولة وإن لم يكن هناك تقديم لآلات وإنما ينحصر العمل بتقديم الخدمات، وأما إذا كان هناك تقديم الآلات وقطع غيار، فهذا مما ينطبق عليه عقد الاستصناع. حينئذ لا مجال للقول إطلاقا إن عقد الصيانة للتأمين، واستغربت أن يكون السادة الذين بحثوا في هذا الموضوع أخضعوه لعقد التامين، وهو بعيد كل البعد عن طبيعة عقد التأمين ومقوماته. كذلك لا يصلح أن يكون عقد الجعالة عقدا تستظل به أو برايته عقود الصيانة في الوقت الحاضر.

وأيضا أؤيد ما تفضل به فضيلة الشيخ السلامي أن عقد الصيانة الذي لا يخلو عن تقديم الآلات وهو أكثر عقود الصيانة هذا لا إشكال فيه وهو جائز، ويدخل تحت ستار عقد الإجارة على أجير مشترك وهذا مقبول شرعا، أما إذا ألزمنا الصائن بتقديم قطع الغيار فيما إذا اختلت الآلة ولم تعد تحقق الخدمة المنشودة منها، فهنا الإشكال والواقع أن الجهالة هنا كثيرة، وأستغرب أن بعض الإخوة أجازوا هذا.

وأستغرب ما ذكره الشيخ التسخيري في ما يخص النهي عن بيع وشرط يقول: إنها مخصصة لعهد النبوة.

أولًا: أريد أن أطمئنه أن صيغة هذا النهي، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط لم يثبت بهذه الصيغة وهي عبارة فقهية، أما الحديث الثابت عن حكيم ابن حزام ورواه الترمذي وغيره:((لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن)) ، هذا هو الحديث الثابت. فالقول بتخصيص النهي عن بيع وشرط في عهد النبوة، لا دليل على هذا التخصيص، وإلا لجعلنا أغلب الأحكام الشرعية مخصصة بعهد النبوة، ونحن في هذه الحالة في حل من أن نتجاوز هذه الأحكام والأصل في الشريعة العموم والخلود، وينبغي أن يقوم الدليل على التخصيص ونحن نطلب من فضيلة الشيخ أن يبين الدليل على تخصيص هذا الحكم وليس الحديث.

أيضا لا أرى بحال من الأحوال أن نجمع في تكييف عقد الصيانة بين كونه عقد معاوضة وعقد تبرع، هذا لا يحل بحال من الأحوال وبينهما تناف واختلاف، ولكن أقر وأجيز بأنه يمكن أن يجتمع عقد بيع وعقد إجارة وقد أجاز المالكية ذلك، ولم تشر البحوث إلى أن الشافعية أيضا صرحوا بأنه لا مانع في اجتماع عقد إجارة وعقد بيع، وهذا لا يدخل تحت النهي عن بيعتين في بيعة أو صفقتين في صفقة، ولاشك أن بينهما عموما وخصوصا، لأن هذه العقود مما تعارفها الناس حتى في العهد الماضي، عهد النبوة.

بناء على كل هذا فإنه ينبغي أن نكون في غاية الدقة في تكييف هذا العقد للاطمئنان بحل التعاقد مع هؤلاء ولابد من التعاقد معهم، أما الأمور الأخرى من المقدمات والضروريات لفهم عقد الصيانة، فإن القوانين المستمدة من الفقه الإسلامي، القانون الأردني، والقانون المصري والقانون السوداني، كيّف هذا العقد تحت عقد المقاولة وهذا تكييف صحيح وسليم ويمكن الاطمئنان إليه والعمل بموجبه.

أما الأمور الأخرى ومنها قضية ضمان الصائن، لا شك أن هذا الضمان إذا كان هناك إخلال بموجب العقد، وتطبيق القواعد العامة، فإن الذي يعقد عقدا ويقع في خطأ تقصيري إما عمدا، وإما بسبب التقصير والإهمال؛ فينبغي أن يكون مسؤولا.

فقضية ضمان الصائن من السهولة أن تطبق عليها القواعد العامة في الضمان في المسؤولية وليس المسؤولية التقصيرية، لأنه لو أخل بشرط من الشروط المتعاقد عليها فحينئذ يكون هذا الضمان مقبولا إذا كان هناك خلل بشرط من شروط التعاقد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 431

الشيخ عبد الستار أبو غدة:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

الصيانة يمكن تخريجها على عقد الجعالة بالرغم مما أثير من الشبهات، وهذه التفرقة بين الإجارة والجعالة تخدم هذا الموضوع، لأن الإجارة عمل معلوم وأجر معلوم، أما الجعالة فالأجر معلوم والعمل مجهول، ولكن تحدد نتيجته وأثره، والأمثلة على الجعالة تبين قربها من موضوع الصيانة، فمثلا حينما يستأجر الإنسان شخصًا لحفر بئر، هذا ليس من الإجارة لأن العمل غير معلوم فقد يحفر عشرة أمتار فيصل إلى الماء وقد يحفر مائة متر، ولكنه ملتزم بالأثر الذي يترتب على هذا العقد، وهنا في عقد الصيانة محل العقد هو العمل، ولكن العمل ليس بالضرورة أن يكون معالجة فقد يكون فحصًا، فالصيانة تتطلب دائما فحص الأجهزة أو المعدات أو البناء، وهذا الفحص عمل وهو أساسي ويحتاج إلى خبرة فنية لتقرير صلاحية المعدة أو المنشأة أو عدم صلاحيتها، هذا يتلو، ثم الفحص المعالجة والإصلاح للعيب الذي يظهر ويتأكد فنيا، فالجعالة تصلح أن تكون تكييفا شرعيا لعقد الصيانة لأن العمل غير معلوم لكنه محدد بالنتيجة والأثر وهو بقاء الشيء صالحا، والاستفادة من خبرة الصائن في فحصه ومعالجته لكي يستمر على صلاحيته.

هذا من حيث محل العقد الذي هو العمل. فضيلة الشيخ السلامي قال بأن عقد الجعالة غير لازم، وهذا فيه تفصيل لأن عقد الجعالة إما أن يوجه إلى معين، وإما أن يوجه إلى قوم غير محصورين، فالذي يطلق إيجابا موجها للجمهور ويقول: من يفعل الأمر الفلاني له جعل كذا أو جائزة كذا، هذا غير لازم أن الذين خوطبوا ليسوا ملتزمين، إلا إذا شرعوا، فإذا شرعوا يثبت لهم حق بهذا الشروع، ولكن إذا كان عقد الجعالة أو الإيجاب موجها إلى شخص معين فهذا عقد لازم لأنه لا يفترق عن الإجارة إلا في هذه الخصيصة، وهي عدم معلومية العمل، فالإجارة العمل فيها معلوم، أما الجعالة فالعمل فيها غير معلوم لكنه محدد بالأثر والنتيجة، ويشبه هذا ما نص عليه الفقهاء في المعالجة لبدن الإنسان، وهي صيانة للنفس، فقد أجاز عدد من الفقهاء اشتراط البرء على الطبيب، فالعمل غير معلوم، لأنه قد يضع سماعته ويعطيه دواء بسيطا فيشفى، بإذن الله، أو يستمر معه وقتا طويلا ولكنه ملتزم بالأثر وهو البرء، فهذا يشبه كثيرا إصلاح الأشياء، وهذا الأمر قد استفيد منه هذا التكييف وهذه المسألة في موضوع التأمين الصحي أو التأمين الطبي، فخير ما يؤسس عليه التأمين الطبي هو عقد الجعالة.

وقد عرض هذا الأمر في إحدى ندوات البركة وشارك في هذه الندوة فضيلة الشيخ السلامي، الشيخ الصديق وأبدوا بعض الملاحظات بالنسبة للأدوية والعمليات الكبيرة أنها لا تدخل في مفهوم الصيانة العام وهذا الأمر يمكن الاتفاق عليه، وعقود الصيانة فيها تفصيلات فيبين فيها عمل الصائن ومن الذي يتحمل هذه القطع، وتصنف هذه القطع إلى قطع تشغيلية وزيوت وحاجات مغتفرة وإلى أمور كبيرة تحدد أثمانها في عقد الصيانة ويطالب المستفيد من الصيانة بأن يسدد ذلك الثمن.

فإذن عقد الجعالة يصلح تكييفا لعقد الصيانة المنفصل. أما إذا كانت الصيانة مقترنة ببيع معدة أو إنشاء منشأة، فهناك احتمال تكييف آخر، وهي أن تظل هذه الصيانة امتدادا للالتزام الذي يترتب على البائع بضمان العيوب الخفية، لأن المنشأة أو الآلة لها عمر زمني فهو يقول: هذه للسيارة أو هذه الساعة تصلح لمدة سنة أنا أضمنها، هذا ضمان للعيوب الخفية، فإذا حصل خلل في هذا الضمان فإنه يلتزم به بأثر العقد الذي دخل فيه وهو البيع. وكما تعلمون في العيوب الخفية يمكن للبائع أن يتبرأ منها ويبيعها بحالتها الراهنة بدون التزام بالتعويض عن العيب أو بإزالته، وقد لا يكون هناك اشتراط البراءة، فهنا لا يكون اشتراط البراءة بل يحدد هذا الالتزام بمدة كأنه يقول: أنا أضمن ألا تكون هناك عيوب خفية، وهذا الضمان ونفي البراءة باقٍ لمدة سنة مثلا أو سنتين، وبهذا لا يكون هناك بيع وشرط ولا يكون هناك جمع بين عقدين أو صفقتين. والله أعلم.

ص: 432

الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

لا يخفى على الجميع أن الفقه الإسلامي صناعة رفيعة لا يجيدها إلا الماهرون، من خصائص هذه الصناعة عدم الاستكثار من الأمثلة، ومن خصائص هذه الصناعة الإشراق والوضوح. هذا الموضوع – وكما يقولون – التعقيد في اللفظ يتبعه التعقيد في المعنى، جالت بخاطري هذه الأفكار وأنا أقرأ وأسمع عن عقود الصيانة، صُعِّد الموضوع تصعيدا كبيرا وكأنه لا عهد للفقه الإسلامي به، ولا بالفقهاء به، وكأنه نازلة جديدة لم يسبق أن نزلت بنا. الموضوع لا يمكن أن ينظر إلى هذا العقد فقط في دائرة الفقه دون النظر إلى القواعد الفقهية التي تسهل وتذلل كثيرا من الأمور، ونستغني بتلك القواعد عن كثرة التمثيل لأنه مهما وضعنا من أمثلة أو صور فالواقع يزودنا بأكثر من ذلك. وكما تعلمون أن التمثيل في الفقه إنما هو للتوضيح والتبيين وليس للحصر والاستقراء، فمهما أتينا من أمثلة وصور فالواقع يمدنا ويزودنا بأكثر من هذا.

ثانيا: موضوع القواعد الفقهية، وليست الصناعة الفقهية مجرد أن نعرف مجرد الأحكام دون أن نعرف الأصول وكما قال الشيخ آية الله التسخيري: الأصول ضروري للفقيه، وقواعد الفقه أيضا ضرورية. فأجد أن الكثير حاول أن يطوف بنا في موضوعات بعيدة من أجل وجود بعض الشروط في عقد الصيانة وهو موضوع بيع القطع، فأشكل هذا وأوجد إشكالا كبيرا، بينما المعروف لدينا في الفقه: ما صح تبعا قد لا يصح استقلالا، إذن هذا العقد إذا وجد فيه شرطا، لأنه بشرط وهذا الشرط فيه شيء من الاعتراض هذا لا يجعلني أن أقلب الموضوع رأسا على عقب وأبحث عن أشياء أخرى، فالقواعد الفقهية في هذا الأمر تساعدنا، فليس هي مجرد صور وأحكام وتحليلات، وإنما الفقه صناعة رفيعة، وجزى الله الشيخ الكاساني، عندما قال عنه: بدائع الصنائع.

الواقع أن الفقه الإسلامي تضمن هذا الموضوع لكن ليس بالصورة التي نعايشها الآن، نجده في عقد البيع وفي عقد الإجارة، فعندما يذكر في باب الإجارة: ولو شرط عليه ترميم البيت وصيانته وترخيمه وكذا وكذا؛ لكان هذا الشرط باطلا باعتبار أن هذا نوع من الصيانة، كذلك لو باع له شيئا وشرط عليه كذا وكذا وكذا باطل عندنا إذا كان عقد بيع وشرط المشتري على بائع المصنع أن يصونه لفترة كذا وكذا، ألا يدخل هذا في شروط البيع الشروط التي أباحها سواء كان البائع فهي لا تتعارض مع العقد.

ص: 433

فإذن عقد الصيانة إما أن يكون ضمن عقد كعقد البيع فحينئذ يخضع لشروط البيع، ونحن عندنا معروف سواء عند المالكية أو الحنابلة أن الشروط التي تتضمن منفعة لأحد المتعاقدين شروط صحيحة ولا تتعارض مع مقتضى العقد. فإذن ما كان من هذا القبيل يدخل في عقد البيع، فلو شرط أيضا أنه يضمن إبدال بعض القطع فإنه يصح تبعا ما لا يصح استقلالا، وعقد الصيانة إما أن يكون ضمن عقد البيع أو أن يكون ضمن عقد الإجارة، فإذا كان ضمن عقد الإجارة إذن يخضع للشروط في الإجارة، وإما أن يكون عقدا مستقلا، وأظن هذا بيت القصيد.

إذا كان عقد الصيانة هذا يشترط صيانة دون اشتراط استبدال قطع غير وكذا فهو إما أن يكون أجيرا خاصا وإما أن يكون أجيرا مشتركا، وعندئذ يخضع لذلك.

وإذا كان في هذا العقد – عقد الصيانة المستقل – فيه اشتراط بعض القطع إذن يخضع للقاعدة الفقهية ولا يجعلنا نبحث عن تكييف جديد لهذا العقد ولا يجعلنا أن نقلبه رأسا على عقب، فما صح تبعا قد لا يصح استقلالا وفي نظري أن الأمر أبسط من كل هذا وشكرا، والسلام عليكم.

الشيخ ناجي شفيق عجم:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله.

إن عقد الصيانة هو محل اتفاق بين الجميع في الحاجة إليه، ويكاد لا يستغنى عنه وعمت به البلوى. وهذا العقد له شبه كثير بعقود كلها مباحة وجائزة (البيع، والإجارة، والأجير المشترك، والجعالة) وإن كان هو أقرب إلى عقد الجعالة. وممكن أن يكون من العقود المستجدة غير المسماة.

وفي هذا العقد أرى أن أسباب التحريم خالية منه وليس فيه ربا ولا قمار، ولكن فيه غررا وهو غرر بسيط وجهالة لطرف واحد من أطراف العقد وهو الصائن، وأما المصون له فيعلم كم سيدفع، وأما الصائن فهو لا يعلم كم يحتاج هذا الجهاز من العمل ومن قطع الغيار، ولكن الواقع أن الصائن يعلم أن هذا الجهاز كم يحتاج من العمل لأنه مختص وخبير ويعلم أن هذا الجهاز له عمر افتراضي، ففي السنة الأولى يحتاج إلى تغيير قطع كذا وكذا، وفي السنة الثانية يحتاج إلى تغيير قطع كذا وكذا، وهذا العقد إن لم يكن ميسرا للناس، فسوف يقع الناس في ضرر شديد، لو لم تكن هناك عقود الصيانة لوسائل النقل (الطائرات والبواخر) ؛ لأدى هذا إلى ذهاب الأرواح البريئة، فإذن هو من العقود الضرورية والضرورات لها استثناؤها الخاص، وما أرى فيه سببا للتوقف فيه. والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد.

ص: 434

الشيخ حسن الشاذلي:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا الموضوع وهو عقد الصيانة، هو كما قال الإخوة عقد جديد ومن الصور المتعددة التي أفاض بها إخواننا له، كان من الواجب أن نتناول هذه الصور، صورة صورة، وبتتبعنا لهذه الأبحاث، فالإخوة الأفاضل فتحوا لنا أشياء كثيرة وأفادونا كثيرا، ولكن بعض الصور لم يتضح الحكم فيها.

والواقع أنه كان بودي لو أننا حينما ندخل على مثل هذا العقد الجديد أن نضع الضوابط أو ننتهي إلى الضوابط التي يمكن من خلالها أن يسير هذا العقد، وكان من اللازم الإشارة إلى أن الأصل في العقود هو الصحة، ولا يبطل منها إلا ما ورد الشرع بإبطاله، ويفيدنا هذا في إنشاء العقود الجديدة كثيرا، والأدلة على هذه القاعدة موجودة.

ثانيا: كنا بحاجة إلى تناول قضية الشرط وهي تترد معنا من خلال هذا العقد في بعض صوره، وقد يرد الاختلاف فيها إلى ذلك إذ لو وضعنا قاعدة لنأخذ بها، وهي: إن الأصل في شروط الصحة ولا يحرم منها إلا ما حرمه الشارع، وما ورد في هذا الإطار من بعض الأحاديث التي تنهى عن بيع وشرط، أو عن شرطين في بيع، قد ينتهي بنا البحث من خلال هذه النصوص إلى أن الشرط صحيح إلا إذا كان الشرط يؤدي إلى محظور أو غرر أو يخالف نصا شرعيا، أو يخالف المقصود الأصلي من العقد.

ثالثا: قضية اجتماع العقود في عقد، كانت أيضا تحتاج إلى بيان بحيث إننا لو انتهينا من جواز اجتماعها لما صادفنا الكثير من التساؤلات حولها، وقد كان في الندوة الأخيرة ببيت التمويل الكويتي هذه القضية كانت معروضة وانتهوا فيها إلى رأي، وكنت أود أن يتبين لنا من خلال هذه القاعدة هذا المبدأ، حتى يمكن أن يحل لنا بعض المشكلات التي تعترض مسيرة هذا العقد.

رابعا: كنا نود تكييف عقد الصيانة بكل صورة من صوره، يعني أننا حقا عرفنا عقد الصيانة وبين الفقهاء الكثير مما يكتنف هذا العقد، إلا أن بعض الصور التي أثارها إخواننا وخاصة الدكتور منذر القحف والدكتور أنس الزرقاء أثارا بعض الصور تحتاج منا إلى تدارسها أولا والنص على حكمها، وبيان قربها أو بعدها من الصور الأخرى.

خامسًا: إن القول بالإطلاق على أنه قريب من عقد الجعالة، إذا نظرنا أولا إلى تقسيمات العقود من حيث الغرض منها، عرفنا أنه داخل في بيع منفعة بمال، أي كالإجارة، فهو عقد معاوضة – معاوضة منفعة بمال وهو عقد لازم، لأننا نحن محتاجون إلى هذا اللزوم وإذا كان الأمر كذلك، حينئذ ما قد يظهر في بعض صوره من أنها تدخل في باب الجعالة لا يمكن أن يستمر هذا الضابط إلى نهاية هذه الصور، ومن ثم لا حاجة إلى إقحام عقد الجعالة هنا الذي نزل في عقد الإجارة وهو كفيل باستمرارية العمل في بيان حكم هذا العقد معنا.

ص: 435

ولذلك إذا نظرنا إلى الصور التي أثارها الفقهاء وجدناها أنها قسموها تقسيما جيدا، فيما إذا كان العقد عقدا مستقلا، والدكتور الضرير، جزاه الله خيرا، بين لنا الصور الثلاثة، الأولى:

إذا كان عقد الصيانة غير مقترن بعقد آخر ولا يحتاج إلى مادة، ثم ما كان منه يحتاج إلى مادة يسيرة، ثم ما كان يحتاج إلى مادة صاحب الشيء المصون يقوم بها، وأن هذه كلها تجوز في هذه الصور الثلاثة، وهي مناسبة معنا في عقد الإجارة لا ضير في ذلك.

وإذا كانت المادة التي تقدم لتصان بها العين وكان يقدمها الصائن، في هذه الحالة كيفها الشيخ الضرير على أنها تكون إجارة وفي الوقت نفسه وكالة بالشراء، هذا إذا كان طبعا لها مقابل، ويمكن أن نقول: هل يمكن أن تعتبر تبرعا من الصائن؟ وبذلك ليس هناك مشكلة فيما إذا كان العقد منفصلا، أما إذا كان العقد متصلا بعقد آخر كبيع، أيضا يجري عليه ما جرى على العقد المنفصل، أما أن يحتاج إلى مادة أو لا يحتاج، وإن احتاج إلى مادة، فهل هذه المادة يقوم بها صاحب العين أو يقوم بها الصائن؟ وحينئذ في هذه الحالة يمكن أن يجري الحكم فيها بناء على الأصل الذي قدمناه.

كذلك إذا كان العقد مقترنا بعقد الإجارة نفس العمل يجري عليه،/ بهذه الكيفية، وبذلك يمكن أن يحل هذا الاتجاه النظر إلى عقد الإجارة وبيان حكمه فيما أردنا أن نبين حكمه فيه سوى الرد على بعض الأمور التي أثارها بعض الإخوان في بعض الصور التي جدت علينا من خلال قراءة هذه البحوث. وشكرًا لكم.

ص: 436

الشيخ عوض:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

ما أود أن أقوله في هذه الكلمة وإن كان عندي الكثير من القضايا سبقني إليها بعض المعقبين، لكن هناك بعض النقاط التي أود أن أطرحها:

أولا: عقود الصيانة من العقود الحادثة التي لم يسبق لسلفنا من الفقهاء بحثها، لأنها لم تقع في أزمانهم وهذا ما توصل إليه فقهاؤنا، الشيخ الضرير، الشيخ المختار، الدكتور منذر، الشيخ أنس، والشيخ سامي سويلم، الشيخ التسخيري، والقول بأن عقد الصيانة موجود سابقا على قول بعض المعقبين، لا أساس له، نعم عقد الصيانة مشابه لبعض العقود التي أوردوها من وجوه ويختلف معها في وجوه أخرى، ولذا يبقى البحث وراء تكييف عقد الصيانة أمر ضروري.

ثانيا: هل يدخل في عقود الصيانة النهي الوارد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((صفقتان في صفقة)) وقد توصل الباحثون إلى عدم دخولها في هذا النهي، وإن كان مسلك كل واحد منهم للوصول إلى هذه النتيجة يختلف عن مسلك الباحث الآخر، فشيخنا الضرير مثلًا يرى أن صفقتين في صفقة أعم من بيعتين في بيعة، لأنه يفصل الصفقة عن العقد، فلا يجوز عقدان في عقد واحد، إلا في عقد الصيانة، والدليل هو إجازة المالكية الجمع بين البيع والإجارة، ونقل في ذلك قول المدونة، أما الشيخ المختار السلامي فلا يرى دخول هذا العقد في النهي لأن البيعتين في بيعة المقصودة بالحديث هو البيع بنقد كذا أو بنسيئة كذا، ولذلك هذا العقد لا يدخل في بيعتين في بيعة أو صفقتين في صفقة، والنتيجة في الآخر بينهما واحدة.

النقطة التي أراها جوهرية هي مسألة الحديث عن الجهالة، ولكن سبقني إليه الشيخ العثماني، ولأن عقد الصيانة يختلف باختلاف أنواع الصيانة، ولأن الصيانات متعددة، فنجد أنفسنا نقف أمام بعض العقود التي تجهل فيه العاقبة أو فيها غرر، فبعض الآلات أو الأجهزة لا يعرف الخلل أو العيب الذي يطرأ عليها بمجرد توقفها، وقد لا يوجد أجهزة فحص دقيقة تبين العيب ويكون الاضطرار إلى فتح الآلة وفك أجزائه، وبعد فكه هل يستطيع الصائن علاجه؟ فتكون الجهالة في تحديد قيمة الصيانة لأنه لا يعرف مقدار العيب ومقدار الزمن الذي يستغرقه لإصلاحه، وعند حله هل يستطيع الصائن القيام بذلك؟ وهل يستطيع الصائن أن يفي بما قدم إليه من قيمة لنفقات الصيانة، أم هي أكثر من ذلك بكثير مما تحتاجه الصيانة؟ فتحصل الجهالة ويحصل النزاع، وإن كان للقاعدة العامة التي ذكرها الأستاذ الضرير، أنه إذا كان هناك غرر فلا يجوز، وأرجو أن تكون هناك أمثلة للتوضيح أكثر.

ص: 437

ثالثًا: في نظري أنه لا يدخل في عقود الصيانة المعنية في هذا البحث ما تم عليه البيع، أو ما يعرف بالضمان عند شرائنا لآلة أو جهاز أو معدات أن يقوم البائع أو الوكيل بإعطاء صك ضمان أو بطاقة ضمان لمدة معينة، ويقوم البائع أو الوكيل بإجراء الصيانة إذا تعطل الجهاز أو حدث فيه خلل، وهذه لا تكون من عقود الصيانة المعنية بالبحث، لأنه هنا داخل في البيع، فالمشتري حينما أقدم على الشراء والبائع حينما باع ضمن قيمة الصيانة داخل العقد فتمت بشرط البيع، فلا ينشئان عقدا جديدا اسمه عقد الصيانة إنما هي داخلة في عقد البيع، ولذلك هذه النقطة تبحث في البيع بشرط وليس هو عقد الصيانة المعني في هذا البحث. ولهذا لا يكون إذا قلنا إن الصيانة من هذا النوع داخلة في البحث لا يصح تكييفها بالمقاولة، لأنها ليست مقاولة وبيع. فتكييفها عقد مقاولة يكون إذا كانت صيانة ابتداء وليست صيانة داخلة في عقد البيع. هذا ما أردت ذكره وشكرًا.

الشيخ سامي حمود:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

موضوع الصيانة قد يبدو بسيطا، ولكنه مع بساطته ينشر أمام الناظر كل هذا التراث الفقهي الغني، وأنا سعيد بأن أُتِيْحَتْ لي هذه الفرصة لأتعلم المزيد من هذا التراث، ولكن الذي يلفت نظري من خلفية دراستي الحقوقية، إن الموضوع هنا يبدو فيه تمايز بين التمسك بالبساطة وبين عدم النظر إلى موضع الجمع بين العقود. فالعقد البسيط كما كان معروفا في حياة السابقين، حياتهم بسيطة وعقودهم بسيطة، فعرفوا المضاربة بشكلها البسيط علاقة بين فردين أو مجموعة من الأفراد مع مجموعة من العاملين بعقد واحد، وواجهنا الحياة الآن بالمضاربة المشتركة التي فيها الآلاف من المتعاقدين مع البنك الواحد ولا يعرفون بعضهم البعض، كذلك العقود في الصيانة قد تكون بسيطة في آلة دون تقديم الخدمات، وقد تكون في آلة مع تقديم قطع الغيار وهي محدودة ومعروفة، قطع غيار استبدالية وقطع غيار بدل تالف، وهذا التمازج بين العقود عرض إليه الشيخ مصطفى الرزقا – رحمة الله عليه – بأنه لا يمتنع، ولا تتغير صفة العقد لإضافة أشياء عليه، فإقامتنا في هذا الفندق أساسها النوم، ولكن يضاف إليها الطعام لمن يتعامل مع المطعم وهو بيع، وتضاف إليها الخدمات لمن يستعمل التليفون وهكذا.

وقد اقتراح فضيلته أن يسمع عقد مضايفة لأنه يجمع بين النوم والأكل والخدمة. كذلك فإن عقد الصيانة لا تتغير صفته من إجارة إلى استصناع؛ لأن فيه تقديم لقطع الغيار فتبقى الصفة الغالبة أن المقصود به الخدمة، فإن رافقها تبديل قطعة بثمن متفق عليه إما أمانة ويضاف ربح معين أو بسعر السوق على أساس المساومة، ولذلك من الممكن الاستمرار في هذا العقد بصفته المتعددة الوجهات، ولكن بمقصوده الأساسي المعروف والمتوجه إليه، وفي هذا أقول بيتين من الشعر:

إذا اشتريت فإن الصون يتبعه

أما الإجارة فهي النفع ينتظر

فإن ضممت إلى بيع مآجرة

فعبرة الحكم بالرجحان يعتبر

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

ص: 438

الشيخ سامي إبراهيم السويلم:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

أود أن أنقل اعتذار أستاذنا الدكتور أنس الزرقاء عن عدم الحضور وهو الكاتب الرئيسي في البحث لظرف ألمَّ به.

يبدو لي أن هناك عدد من النقاط التي أود أن أؤكد عليها.

النقطة الأولى: إن عقد الصيانة الشاملة المستقل يتضمن الصيانة الدورية، وهي في أساسها عمل، ويتضمن الصيانة الطارئة وهي في حقيقتها ضمان، فهو عقد يتضمن عملا وضمانا، بحيث إن هذا العمل من شأنه أن يدرأ أو يقلل احتمالات وقوع الخطر أو التلف ومن ثم يتحقق الضمان، وهذا العقد بهذه الصفة -فيما نرى- عقد متميز عن العقود الأخرى، وأقرب ما يمكن إلحاقه به من العقود التي وقفنا عليها هو عقد الحراسة مع تضمين الحارس على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فالحراسة عمل، ومن شأن هذا العمل أن يقلل من احتمالات السرقة، ولكن الحارس يضمن إذا وقعت السرقة على هذا القول، والأجر منصب أساسا على العمل والضمان تبعا، والضمان هنا من شأنه أن يحفز الحارس على اليقظة والانتباه وعدم التفريط، وهو بهذا الوجه يختلف عن تضمين الأجير فيما لا يتصل بعمله ولا يمكنه أن يؤثر فيه، فهذا الأخير – أي تضمين الأجير – قد يكون أثره على الحوافز عكسيا، وهذا يتفق مع القاعدة: أن يد الأجير في الأصل يد أمانة.

فالذي نراه أن عقد الصيانة الشامل المستقل هو من جنس عقد الحراسة مع تضمين الحارس وكلاهما من نوع متميز عن سائر العقود الأخرى كما فصلناه في البحث.

النقطة الثانية: أرى من المهم تأكيد الفرق، بين التأمين التجاري وبين الصيانة الشاملة، ففي عقد التأمين نجد أن أحد الطرفين يربح إذا خسر الآخر، ولا بد فإن الحدث المؤمن ضده وقع انتفع المستأمن وإن لم يقع ربح المؤمن، ولكن يتعذر انتفاع الطرفين جميعا، أما في عقد الصيانة الشاملة فإن الصائن يعمل على درء احتمالات التلف أو تقليلها، نعم قد يقع التلف، لكن معدل وقوعه أقل منه في حالة عدم الصيانة، فبدلا من تلف الجهاز ثلاث مرات في السنة مثلا يصبح مرة واحدة، ولذلك ينتفع الطرفان، الصائن بقيمة عمله والمالك بتخفيض تكاليف الإصلاح الإجمالية.

ص: 439

النقطة الثالثة: الصيانة الطارئة هي في الحقيقة ضمان فهي من أنواع التأمين كما تنص عليه المراجع المختصة، وبذلك فلا يجوز التعاقد عليها استقلالا. فالمعاوضة على الضمان ممنوعة بالإجماع كما قرره الفقهاء، لكن إن اقترنت الصيانة الطارئة هي وضمان بيع الأصل المراد صيانته، فنرى أن هذا من باب ضمان العيوب الخفية كما ذكر أصحاب الفضيلة، لكن هل يجوز للبائع أن يبيع السلعة بألف ومائتين بضمان ستة أشهر مثلا وبألف وأربعمائة بضمان سنة؟ يترجح -والله أعلم- الجواز بشرط عدم التراخي في مدة الضمان عن ثبوت ملكية المشتري للمبيع وإلا كان عقدا منفردا على الضمان، ونظير ذلك أنه يجوز أن يقول البائع للمشتري: السلعة بألف ومائتين إذا تأجل الثمن سنة وبألف وأربعمائة إذا تأجل سنتين لكن بشرط ثبوت الثمن المحدد المؤجل مع ثبوت ملكية المبيع دون تراخٍ، لكن لا يجوز أن يشتري السلعة ثم بعد إنهاء الصفقة يقول المشتري للبائع: اجعل الثمن مؤجلا ولك كذا، فهذه معاوضة عن الأجل وهي ممنوعة بالإجماع كذلك، فالضمان والأجل كلاهما لا يستقلان بالمعاوضة بإجماع أهل العلم.

النقطة الرابعة: أرى من المناسب التفريق بين عقود الصيانة التي تضمن الصائن جميع التكاليف المترتبة على التلف الطارئ، بما فيها قطع الغيار، وبين تلك التي تضع قيودا عليها مثل استثناء بعض القطع أو بوضع سقف أعلى للقطع أو نحو ذلك، فهذا الاستثناء هو بلا شك لحماية الصائن، فالأجهزة والمعدات ونحوها لها عمر وظيفي تنتهي بنهايته، ولا يستطيع الصائن أن يضمن بقاء هذه القطع مطلقا مهما كان مستوى الصيانة، فتضمين الصائن هذه القطع سيؤدي إلى شيء من الإجحاف لأحد الطرفين، فإما أن يطلب الصائن مبلغا مرتفعا للصيانة فيتضرر المالك فيما إذا لم تتلف هذه القطع خلال المدة المتفق عليه، وإما أن يرضي الصائن بمبلغ أقل فيتضرر إذا وقع التلف، ففي هذه الحالة ربما يكون من الحل أن تكون تكلفة القطع التي تتلف تكون مشتركة بين الطرفين.

وهذا الاشتراك يناسب مبدأ اللا يقين في احتمال التلف الطارئ، فإن التلف الطارئ إما أن يكون من مسؤولية الصائن أو مسؤولية المالك، ولما كان من الصعب تحديد المسؤولية بينهما، وقد تكون مشتركة، ناسب تقسيم التكلفة بين الطرفين. ونظير ذلك ما رواه الإمام مالك أن عمر – رضي الله عنه – قضى بنصف الدية على من أجرى فرسه على أصبع رجل فنزي منها فمات، وأبى أولياء صاحب الفرس الحلف أنه ما مات منها، كما أبى أولياء المقتول الحلف أنه مات منها. فورود هذه القرائن السببية مع عدم اليقين جعل عمر – رضي الله عنه يقضي بنصف الدية. وكذلك الحال عند تلف القطع حين لا يعلم إن كان تلفها مرده قصور الصيانة أو سبب خارج عنها فيتحمل الصائن نسبة من التكلفة والباقي على المالك، فالمالك ينتفع من خلال ذلك بالتخفيض (تخفيض ثمن القطع التالفة) والصائن يكون لديه الحافز لصيانة القطع بقدر ما يمكن اجتناب ما قد يتحمله من التكلفة. والله أعلم.

ص: 440

الشيخ آية الله محمد علي التسخيري:

أود أن أشكر الشيخ السلامي على عرضه الأمين لجميع البحوث وللإجابة على بعض تساؤلات المعقبين أود أن أبدأ بالنقطة التالية:

الاعتراض على هذا والقول بأنه من الضروريات (أي عقد الصيانة) ، أعتقد أن هذا الاعتراض غير وارد لأن الشيخ السلامي أرجعه بالتحليل إلى الضروريات أي كشف واقعه بعد أن لم يكن وحينئذ لا مانع من أن نعتبره من الضروريات وفي الواقع اليوم أنه من الضروريات وبدونه يحصل القتل ويحصل غير ذلك، كما أشار إليه الدكتور منذر.

النقطة الثانية: مسألة التعريف في الحقيقة نحن لا نعرف الصيانة، صيانة واضحة، ولكننا نعرف عقد الصيانة. بطبيعة الحال عقد الصيانة يجب أن يذكر في تعريفه شيء ويدخل فيه كلمة الصيانة الواضحة، فلا يرد عليه إشكال الدور، وأنه تعريف الشيء بنفسه.

النقطة الثالثة: ما ذكره الشيخ العثماني في قوله إنه قد تصل الجهالة حتى الغرر. أولًا: الرجل المصون له؛ أي الذي تصنع له الصيانة معروف ماذا سيدفع؟ وبالنسبة للعامل أيضا معروف إجمالا، هو يعرف هذه المادة ويقدم عليها بوعي ودقة، وهذا المقدار من الإجمال أعتقد أنه لا يضر خصوصا ونحن فسرنا الغرر بأنه الجهالة التي تفضي إلى نزاع، ولا أتصور أن عقد صيانة يؤدي إلى هذا النزاع.

ما تفضل به أستاذنا الجليل الشيخ الضرير من مناقشة ثلاث مناقشات لي في ما قلته، الحقيقة أنني بعد أن انتهيت من الاستدلال قلت"مع"، ومعنى ذلك أنني لم أعتمد هذا دليلا، فأنا أؤمن أن حديث النهي عن الغرر ثابت، وليس بخصوص البيع، وإنما في كل المعاملات، ووصلت إلى ذلك باستقرائي لموارد هذا النهي وليس بالقياس، وحينئذ أنا أؤمن بأن الغرر مضر بالمعاملات، وإن كنت قد أختلف مع بعض مصاديق الغرر لهذا أنا أؤيد الأستاذ الشاذلي في قوله: إننا بحاجة إلى بحث بعض القواعد الأساسية والخروج فيها بقرار منسجم، لنستند بعد ذلك إلى هذا القرار وننسي حتى قناعاتنا لأن القرار هو قرار الأغلبية.

ص: 441

أخي الشيخ وهبة قال: كيف تنتهي في حديث النهي عن بيع وشرط على أنه مخصص، أنا وقفت في مفترق طريقين، عندنا حديث:((المؤمنون عند شروطهم)) ، ((والمسلمون عند شروطهم)) ، هذا الحديث قبله كل العلماء وكل ما ذكروه من شروط لا يمكن أن نعتبر هذه الشروط استثناء من حديث نهي النبي عن بيع وشرط وما أكثر هذه الشروط، وأنتم تعلمون أن تخصيص الأكثر غير مقبول، فلكي أبقي القضية احتمالات طرحت هذا المعنى وإلا يجب أن نقول بتخصيص الأكثر.

أخي عبد الستار قال: الجعالة في الواقع ما أعرفه أن الجعالة هي جائزة، ولذلك يستطيع المعلن عن الجعالة أن يرجع خصوصا إذا لم يبدأ بالعمل وحتى لو بدئ يمكن تعويض هؤلاء ويرجع عن أصل الجعالة، فالجعالة جائزة وقضية التاريخ أيضا، رأيت الشيخ السلامي يشترط أن لا يكون فيها تاريخ، أنا شخصيًّا أشترط أن لا يكون فيها تاريخ، والجعالة حتى ولو بتاريخ تصح، على كل حال هي من العقود الجائزة المعروفة.

أعتقد أن هذا المقدار من الجواب يكفي، وأرجو من الله تعالى لكم التوفيق، ولقد سعدت بهذا البحث الطيب والمعمق، وشكرا.

الشيخ الزبير:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أخي الدكتور عبد الوهاب يقول: إن الفقه صناعة رفيعة، ولكن للأسف أنا لست من أصحاب هذه الصناعة الرفيعة، ولكنني أحاول بقدر استطاعتي أن أخوض في مثل هذه الأمور.

كما يقول الأخ عبد الوهاب، إن القضية بسيطة، وفعلا أنا أنحو كذلك هذا المنحى في التبسيط، ومنهجي في التفكير هو العزل والتركيز بحيث تظهر القضية المجردة والواضحة والصريحة. فقضية الصيانة حقيقة هناك أنواع من عقود الصيانة التي يظهر فيها الغرر الكبير وتظهر فيها الجهالة وهذه بالتأكيد غير مقبولة ومحرمة.

ولكن في واقع الحال الآن هناك ما يسمى بالإنكليزية (MANUEL) معنى ذلك أن هناك كشف وقائمة بالأعمال المحددة للصيانة، وكل قطعة من القطع التي بالآلة تحدد ويحدد لها سعر التغيير وسعر الصيانة، فإذا حاولنا أن نخرج التكييف الشرعي يبدو لي أن هناك نوع من العقود في الصيانة يمكن أن يكون على أساس عقد الأجير الخاص وليس الأجير المشترك، لأن الأجير المشترك يقوم بعمل خاص ويضمن الأجير المشترك كما قال سيدنا علي رضي الله عنه لكن هنا في هذا الأمر أي الأجير الخاص يقدم فترة من الزمن يمكن أن يحدد أو يرتبط بعقد معين، وليس الزمن الكلي على أساس مدة العقد، سنة أو سنتين، وإنما لكل فترة يمر فيها الصائن بالمصنع أو بالعمل المحدد ويصرف فيه وقتا محددا.

ص: 442

ويمكن أيضا تخريج القضية على أساس الإجارة بالنسبة للقطع، وكذلك بالنسبة لشراء القطع التي أعتقد أنها من الواجب أن تكون على حساب المالك وليس على حساب الصائن، لأنها لم تعلم هذه القطع من قبل. وبذلك يمكن تصور عقود صيانة إسلامية تحدد فيها كل الأمور.

الأخ عبد الوهاب يقول: إن البيع بشرط هذا جائز، فعلا، ولكن المشكلة الأساسية هي في تحديد الأعمال المشروطة، فهناك في بعض الأعمال جهالة في الصيانة، ولذلك يصبح العقد فيه غرر وجهالة.

ليست كل أمور الصيانة ضرورية، ولا نستطيع أن نعمم لأن هناك أنواعا من الصيانة قد لا تكون واجبة بل قد تكون مكروهة، كصيانة أستوديو يقوم بتصوير أعمال منكرة، مثل هذا العقد يصبح مكروها، بعكس صيانة الطائرات والمباني مثلا، والتي عدم الصيانة فيها تسبب هلاك الإنسان فهي واجبة وضرورية.

أخيرا: التكييف بالنسبة للصائن والحارس بعيد الشبه في اعتقادي وبينهما فرق كبير جدا، وأعتقد أني لا أستطيع أن أتصور وجه شبه بين الصائن والحارس، لأن الحارس أجير خاص لعمل معين لمدة معينة، والصائن يذهب لأنواع من الأعمال غير محددة والزمن فيها غير محدد، والله أعلم.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته.

الشيخ محمد المختار السلامي:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.

شكري العميق لكل من أسهم في توضيح ما عرضته نيابة عن إخواني وأصالة عن نفسي، وأتتبع المعقبين، وأبدأ بفضيلة الشيخ عمر عبد العزيز الذي آسف أنه ليس موجودا معنا في هذه اللحظة، فهو قد استشكل أن عقد الصيانة يدخل تحت مظلة الضروريات، وقد بينت – كما تفضل الشيخ الصديق الضرير – أنه من الضروري أن يعلم أنه من الضروريات، وحددت أن الدخول هذا تحت نوعين من الضروريات، وهما حفظ الحياة وحفظ المال.

ص: 443

ثم قال: إن الضروريات هي التي ما أوجبت أن تكون حياة البشر تؤول إلى فساد وتهاوج وفوضى، ليس هذا تحديدا للضروري عند أحد من الأصوليين الفقهاء الذين تحدثوا جيدا عن الضروريات، بل الضروريات هي ما تؤدي إلى اختلال الحياة وفرق ينساه كثير من الناظرين أنهم ينظرون إلى هذه القضايا النظرة الجزئية ولا ينظرون إليها النظرة الكلية للأمة، وقد بينت هذا في بحثي، إن القضية هي وضع الأمة الإسلامية اقتصاديا في هذا المسار الاقتصادي العام فلا بد من أن تأخذ بالآليات التي تستطيع أن تدخل بها السوق، ولها قوتها في اقتحام السوق ولها قوتها في التغلب على الأسواق.

ثم ذكر أن الغرض من التعريف أن يكون أجزاء وليس جزءا، وأن كلمة الصيانة دخلت، وآخذ بالآخر كلمة الصيانة، فهي لم ترد في كلامي أصلا فكلامي هو:"هو عقد يلتزم الخبير الفني بالقيام على الآلات والتجهيزات في مدة محددة، قياما يحقق أداءها لوظائفها بكفاءة ويلتزم فيه صاحبها بدفع ما اتفقا عليه إن لم تكن ملتزمة من البائع". ثم عن كلامه قد انصب على الحد، ومن أوليات علم المنطق الصوري الذي درسناه جميعا، أن التعريف يقع على ثلاثة أشكال:

الشكل الأول: هو التعريف بما هو أجدى لفظا.

ثانيا: التعريف بالحد.

وثالثا: التعريف بالرسم، وينص المحققون من علماء المنطق أن معظم التعاريف في العلوم إنما هي من قبيل الرسم لا من قبيل الحد، أعني بذلك ليست بالجنس والفصل، وإنما هي بالجنس أو النوع والخاصة، وإذا كانت بالخاصة فهي غير مانعة وله أن يذكر فيها ما يذكر، لأن المقصود هو نوع من التجلية في حدود إمكانات من يريد أن يجلي.

فضيلة الشيخ محمد تقي العثماني سألني عن تكييف عقد الصيانة كإجارة مشتركة بأن وجود المعقود عليه غير متيقن، وأنه يمكن أن يمر زمن ولا يحتاج فيه إلى الصائن أصلا، إجابتي عن هذا هو كقول الله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} ] الزخرف: 81 [، بمعنى فرض المحال. الآلات والأجهزة اليوم يستحيل أن تبقى تعمل بكفاءة عالية لمدة طويلة بل لابد من العناية بها وتبديل بعض القطع، بل لابد أيضا من صيانة دورية من تزييت ومن كبس بعض البراغي، هذا لابد من أن يقع بصفة منتظمة ودائمة وإلا فإن معظم الأجهزة التي نتحدث عنها لا تؤدي مهمامها على الوجه الأكمل. فالذين تخصصوا في الصيانة لهم معرفة بعد تخصصهم واختباراتهم بجملة عامة يقتنعون فيها بالعمل الذي هم مطالبون به، كما يقتنع صاحب المعمل بهذه الخدمات الدورية أو التعجيل بتعويض للقطع التالفة أو بإصلاحها.

فضيلة الشيخ الصديق الضرير تحدث أني تجنيت عليه ونسبت له ما لم يقل، هو في خاتمة حديثه يقول:

"وهو الصواب عندي

"، وأنا لما وجدته يتفق الاتفاق الكامل وينص على أنه الصواب عنده، فقد نقلت ما ذكره في كتابه ثم عقبت عليه، وإذا كنت لا أتفق معه فيما ذهب إليه وبينت ذلك. فكم كنت أود أن يبين لي محل الخطأ في اعتراضي عليه. ثم ذكر الأجير الخاص في عقد الجعالة، أنا لم أذكر الأجير الخاص في عقد الجعالة؛ لأني أعتقد أن صاحب المصنع يأتي بأجراء خاصين، فيخصص هذا للكهرباء والآخر للدهن وغيرهم، هؤلاء أجراء خاصون وليست فيه عقد الصيانة، فهي مجموعة كاملة التي تقوم مع بعضها لإنجاز ما ينبغي أن ينجز. وأنا دخلت معملا من المعامل الكبرى وفيه ستون ألف عامل، يبدأ من مادة سائلة وينتهي بالقميص والحذاء والبدلة في تتابع في هؤلاء. هذه المعامل الكبرى فيها من القدرة والتنوع ما يجعلها تكون من جملة الفريق الذي يعمل عندها هذا الصائن، وليس له حكم خاص وإنما هو عامل من بقية العاملين مختص في الصيانة.

ص: 444

الأستاذ منذر قحف تحدث عن الصيانة وتحمل الصائن في العقود الصغيرة قطع الغيار، وإن كان هذا العقد يقع هكذا، فحسب اعتقادي هذا فيه غرر كبير وهو حرام. بمعنى أنه يجب أن تكون عقود الصيانة على العمل أو على الأشياء البسيطة جدا التي إن أتى بها لا تكلفه، كالشحم أو الوصلات الكهربائية، هذه معلومة ومقبولة، وقد بينت صورا مما قاله الفقهاء في هذه الأشياء البسيطة، ولكن عذري أني لا أستطيع أن أقرأ كل ما كتبته في هذه الجلسة، وهو بين أيديكم وستجدون التحليل الكامل.

ثم تعرض للضمان وما هو الضمان؟ فالضمان الذي ذكرته أنا ليس الضمان الذي تحدث عنه، بمعنى أن الصائن إذا لم يعلم صاحب العمل بالخلل التي يمكن أن توجد في المستقبل فإنه لم يؤد وظيفته في المراقبة الدورية، فهو رجل قد أخل بواجبه، وبناء على ذلك فهو ضامن باعتبار أنه قد أخل بواجبه.

فضيلة العلامة وهبة الزحيلي أكد على الجواز مع ضوابط شرعية، وأود أن أعود إلى ما قدمته في كلمتي: "

فإنه ينبغي أن تكون التوصية من المجمع منبهة إلى وجوب مطابقة كل ما يشترط في عقود الصيانة للأحكام الشرعية بمراقبتها من عالم بأحكام العقود في الإسلام".

أما أنه عقد استصناع، فقد حاولت أن أخرجه على عقد الاستصناع فلم يتبين لي، ذلك أن الاستصناع كما يقوله السادة الحنفية الذين أخذوا به وهو أن يأتي شخص إلى شخص ليصنع له خفا، فالصانع هو يحدث شيئا جديدا ويمكن منه صاحبه بمقابل، أما الصائن هنا فهو لا يعطي شيئا جديدا، ولكن غاية ما يعطي أنه يضمن استمرار عمل الآلة أو مجموع الآلات بكفاءة إلى نهايتها.

الشيخ عبد الستار أبو غدة تحدث عن عقد الجعالة، وعقد الجعالة هو عقد، وكل عقد له طرفان، الشخص الجاعل والعامل، فالجاعل يكون ملزما متى ابتدأ العامل بالعمل فهو ملزم به، أما الصانع ولو بدأ بالعمل فهو غير ملزم وله أن يترك العمل متى شاء، أما الصيانة فإن لم يقم بالعمل لرفع الأمر إلى القاضي وألزمه بكامل الخسائر التي ترتبت عليه وهو فرق عظيم جدا، وبينت الفروق وذكرت كل أقوال الفقهاء في الجعالة ولزومها أو عدم لزومها.

فضيلة الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان، أولا ذكرنا بعدة قواعد، جازاه الله كل خير، أولا: عدم الاستكثار بالأمثلة، ثانيا: عدم التعقيد في اللفظ. قد أكون قد استكثرت في الأمثلة، أو جئت ببعض الأمثلة لأبين هذه الحقيقة من انضواء هذا العقد تحت القواعد الضرورية، وهو ما اقتضى مني زمنا طويلا في التأمل في العقود ثم التأمل في المقاصد الشرعية إلى أن اهتديت إلى هذا، فإذا كان ذلك وقع مني بعد جهد فأردت أن لا أحرم من ثمر هذا المجهود إخواني.

أما أنه كنازلة جديدة فهو نازلة جديدة قطعا، وأنا بينت أنه وليد الآلة ووليد استخدام الآلة، ووليد المنافسة في السوق، وهذه كلها أشياء جديدة. فكيف يكون متولدا عن الجديد وهو قديم؟ لكن هذا مسلط عليه. وما نعمله من أحكام العقود ونوظفها لنفهم من أي نوع هذا العقد.

ص: 445

والأمثلة التي ذكرتها هي للتوضيح وليست للاستقصاء. وأنا بينت بعد أن ابتدأت بالأمثلة وأخذتها من نواحٍ متعددة في الاقتصاد، قلت: وهذه بعض الأنواع من الأمثلة.

ثم ذكر قاعدة وقال: هي التي تفتح لنا المشاكل وهي: " ما لا يصح استقلالا قد يصح تبعا "، وهذه القاعدة لا يمكن أن تطبق إلا بقاعدة أخرى، وهي القاعدة التي ذكرها الإمام الشاطبي في باب الأوامر والنواهي، حيث بين أن العبرة بالقصد عند العقد فإذا كان الشيء مقصودا قصدا أوليا ليس قصدا تابعا، فهذا لابد من أن يأخذ القصد الأولي وينظر فيه، فإن كان لم يكن مقصودا قصدا أوليا، وإنما كان مقصودا قصدا تبعيا بين الاختلاف فيه، وذكر أن الحق هو أنه لا ينظر إليه. فهو بين هذه لأن فيه شروطا، وأذكر هنا أن قضية وقعت تدلنا، على القاضي عبد الوهاب – رحمة الله عليه – دخل الحمام فقدم له أحدهم شيئا من الطفل ليساعده على تنظيف جسده، وقال هذا من عبد اشتريته، فقال له: هل اشترطت هذا على بائعه؟ قال: لم أشترط، قال له: لا حاجة لي به. إذ كان يرى هذا المال لما لم يشترط هو مال حرام. هذا رأي. فقضية ما لا يجوز وحده يجوز تبعا هي قضية من القواعد الفقهية التي في تطبيقها لابد من تمعن كبير ولا تطبق تطبيقا عاما خاصا، وهو أعلم مني بأن القواعد الشرعية هي تابعة للفقه وليست سابقة عليه، بمعنى أنه بتتبع الأقوال الفقهية وقع ضبط تلك القواعد، فهي ناشئة عن الفقه ولم تكن متحكمة فيه من الأول.

فضيلة الشيخ الدكتور حسن الشاذلي، يقول: بعض الصور لم يتضح الحكم فيها. هذا مبلغي من العلم ومن الإبانة، وقد انتهيت في بحثي بذكر عشر صور للصيانة وبينت كل حكم لكل نوع منها، وبينت الاختلاف في وجهات النظر بيني وبين إخواني. ثم طلب أن نضع الضوابط، وهذه الضوابط بينتها بيانا تاما في البحث. ثم تعرض لقضية الشرط وقال: لو اكتملت قضية الشرط لتم الأمر، وبينت أنه ليس هناك شرط في هذا، وأنه عندما يقول البائع: أنا أتحمل الصيانة لمدة معلومة هذا ليس شرطا، كما أن قضية اجتماع عقود في عقد واحد بينتها أيضا، وبينت أن هذا ليس اجتماع عقود في عقد واحد، وإنما هو البائع اشترط على نفسه أن يقوم الصيانة.

الشيخ حسن الشاذلي:

أي إضافة للعقد لا بد أن تكون شرطا عند القضاة.

الشيخ المختار السلامي:

لا، ليست شرطا. لو تسمحون لي أن أقرأ النص الذي بينت وكيفت به أنه بعيد تمامًا عن الشرط، وأن الشرط الذي منعه الفقهاء أو تحدثوا فيه هو الشرط الذي يؤول إلى تأثير في الثمن تأثيرا ضعيفا أو بعيدا، وبينت أن هذا الشرط هو ليس من ذاك، بل فيه مصلحة للبائع يشترطه على نفسه وفيه مصلحة له، لأنه يريد بهذا الشرط على نفسه أن يضمن الاسم التجاري الصالح له حتى يقبل عليه الناس، وحتى لا تكون الآلات المشتراة منه يظهر فسادها فيكسد حاله. ونفس الأمر بالنسبة للجمع بين العقود والذي ذكره الدكتور سامي حمود، لأنه ليس هناك جمع بين العقود أصلا.

أخي سامي سويلم كان يقرأ بسرعة، فلم أستطع أن أتتبعه في سرعته.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

ص: 446

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تناولت هذه المداولات أمورا خمسة:

التعريف لعقد الصيانة ولم يظهر من خلال المداولات أنه تحرر ولعله لأنه لم يحصل التناول التام في توصيف العقد أصلا في صوره المتعددة.

التكييف هل هو جعالة، أو بيع أو إجارة أو عقد مقاولة أو استصناع أو غير ذلك، لم يتحرر لي كذلك اتجاه الأكثرية بتكييف عقد الصيانة كليا وإنما في بعض صوره. ثم مدرك الخلاف في الصور المباحة إرجاعا للأصل في العقود وفي الصور المحرمة إرجاعا إلى الجهالة والغرر.

أما الأمر المهم جدا فهو توصيف عقد الصيانة بصوره المتعددة، فهل عقد الصيانة يمكن أن يصدر عليه حكم كلي بأنه يجوز أو لا يجوز مع تعدد صوره، وقد علمنا كثيرا منها وربما خفي علينا الأكثر، أو أن يكون هناك من الضوابط والقواعد ما يجعل القرار على منوالها؟

على كل لعلكم ترون أن يكون مناسبا تكوين لجنة وفيها العارض والمقرر ويضاف إليهما من أصحاب الفضيلة الأساتذة والمشايخ: الشيخ الضرير، الشيخ حسن الشاذلي، الشيخ سامي سويلم، الشيخ وهبة الزحيلي. وبهذا ترفع الجلسة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 447

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

قرار رقم:94 (6/11)

بشأن

عقد الصيانة

الحمد لله رب العالمين، والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد:

فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25-30 رجب 1419 هـ (14-19 نوفمبر1998) .

بعد اطِّلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع "عقد الصيانة "، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله.

قرر ما يلي:

أولا: عقد الصيانة هو عقد مستحدث مستقل تنطبق عليه الأحكام العامة للعقود. ويختلف تكييفه وحكمه باختلاف صوره، وهو في حقيقته عقد معاوضة يترتب عليه التزام طرف بفحص وإصلاح ما تحتاجه آلة أو أي شيء آخر من إصلاحات دورية أو طارئة لمدة معلومة في مقابل عوض معلوم. وقد يلتزم فيه الصائن بالعمل وحده أو بالعمل والمواد.

ثانيا: عقد الصيانة له صور كثيرة، منها ما تبين حكمه، وهي:

1.

عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر يلتزم فيه الصائن بتقديم العمل فقط، أو مع تقديم مواد يسيرة لا يعتبر العاقدان لها حسابا في العادة.

هذا العقد يكيف على أنه عقد إجارة على عمل، وهو عقد جائز شرعا، بشرط أن يكون العمل معلوما والأجر معلوما.

2.

عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر يلتزم فيه الصائن تقديم العمل، ويلتزم المالك بتقديم المواد.

تكييف هذه الصورة وحكمها كالصورة الأولى.

3.

الصيانة المشروطة في عقد البيع على البائع لمدة معلومة.

هذا عقد اجتمع فيه بيع وشرط، وهو جائز سواء أكانت الصيانة من غير تقديم المواد أم مع تقديمها.

4.

الصيانة المشروطة في عقد الإجارة على المؤجر أو المستأجر.

هذا عقد اجتمع فيه إجارة وشرط، وحكم هذه الصورة أن الصيانة إذا كانت من النوع الذي يتوقف عليه استيفاء المنفعة فإنها تلزم مالك العين المؤجرة من غير شرط، ولا يجوز اشتراطها على المستأجر، أما الصيانة التي لا يتوقف عليها استيفاء المنفعة، فيجوز اشتراطها على أي من المؤجر أو المستأجر إذا عينت تعينا نافيا للجهالة.

وهناك صور أخرى يرى المجمع إرجاءها لمزيد من البحث والدراسة.

ثالثا: يشترط في جميع الصور أن تعين الصيانة تعيينا نافيا للجهالة المؤدية إلى النزاع، وكذلك تبيين المواد إذا كانت على الصائن، كما يشترط تحديد الأجرة في جميع الحالات.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 448