المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عقود الصيانة وتكييفها الشرعيعقد الصيانةإعدادآية الله محمد على التسخيري – مرتضى الترابي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الحادي عشر

- ‌بيع الدين والأوراق الماليةوبدائلها الشرعيةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌أحكام التصرف في الديوندراسة فقهية مقارنةإعداد الدكتورعلي محيي الدين القره داغي

- ‌بيع الدينأحكامه – تطبيقاته المعاصرةإعدادأ. د نزيه كمال حماد

- ‌بيع الدينإعداد الدكتورعبد اللطيف محمود آل محمود

- ‌بيع الدين وسندات القرضوبدائلها الشرعيةفي مجال القطاع العام والخاصإعداد الدكتورمحمد علي القري بن عيد

- ‌بيع الدين وسندات القرضوبدائلها الشرعية في مجال القطاع العام والخاصإعدادالدكتور سامي حسن حمود

- ‌المضاربات في العملةوالوسائل المشروعة لتجنب أضرارها الاقتصاديةإعداد الدكتورأحمد محيي الدين أحمد

- ‌المضاربات على العملةماهيتها وآثارها وسبل مواجهتهامع تعقيب من منظور إسلاميإعداد الدكتورشوقي أحمد دنيا

- ‌عقود الصيانةوتكييفها الشرعيإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌عقود الصيانةوتكييفها الشرعيإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌عقود الصيانة وتكييفها الشرعيعقد الصيانةإعدادآية الله محمد على التسخيري – مرتضى الترابي

- ‌عقود الصيانةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌عقود الصيانة وتكييفها الشرعيإعدادالدكتور محمد أنس الزرقاء

- ‌ضوابط الفتوىفي ضوء الكتاب والسنةومنهج السلف الصالحإعداد الدكتورعبد الوهاب بن لطف الديليمي

- ‌سبل الاستفادة من النوازل "الفتاوى "والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرةإعداد الدكتوروهبة مصطفى الزحيلي

- ‌سبل الاستفادة من النوازل "الفتاوى "والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرةإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌سبل الاستفادة من النوازل "الفتاوى "والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرةإعداد الدكتورعبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌العمل الفقهيعند الإباضيةإعدادناصر بن سليمان بن سعيد السابعي

- ‌الإسلامفي مواجهة الحداثة الشاملةإعدادالدكتور ناصر الدين الأسد

- ‌مجمع الفقه الإسلامي الدوليووحدة الأمة الإسلاميةإعدادمحمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌الوحدة الإسلاميةمنهجية المقارنة بين المذاهب الفقهيةإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌الوحدة الإسلاميةمعالمها وأعلامهاإعدادالأستاذ محمد واعظ زادة الخراساني

- ‌الوحدة الإسلامية{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}إعدادالشيخ عدنان عبد الله القطان

- ‌الوحدة الإسلاميةأدب الحوار وأخلاقيات البحثإعدادالدكتور سعيد بن عبد الله بن محمد العبري

- ‌‌‌الإسلام في مواجهة العلمنةإعدادالدكتور عمر عبد الله كامل

- ‌الإسلام في مواجهة العلمنةإعدادالدكتور عمر عبد الله كامل

- ‌الإسلام في مواجهة العلمنةموقف الإسلام من مسألة الحكم والسيادةإعدادآية الله الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الديمقراطية والعلمانيةوحقوق الإنسانالمرجعية الغربية والمرجعية الإسلاميةإعدادالأستاذ إبراهيم بشير الغويل

الفصل: ‌عقود الصيانة وتكييفها الشرعيعقد الصيانةإعدادآية الله محمد على التسخيري – مرتضى الترابي

‌عقود الصيانة وتكييفها الشرعي

عقد الصيانة

إعداد

آية الله محمد على التسخيري – مرتضى الترابي

الجمهورية الإسلامية الإيرانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الأطهار وصحبه الأخيار.

عقد الصيانة

من المعاملات المستحدثة عقد الصيانة. والبحث عنه يقع من ناحيتين:

1.

حقيقة الصيانة وأنواعها.

2.

حكمها من ناحية الشريعة المقدسة.

أهمية الصيانة:

الأدوات والأجهزة المستحدثة في حياتنا الفردية والاجتماعية؛ كأدوات المنزل ووسائل الإنتاج والنقل، ووسائل الحرب، والآلات المهنية المختلفة، قد تحولت من وسائل بسيطة إلى أجهزة معقدة، فهي تستوجب المراجعة من قبل المتخصصين لصيانتها وإصلاحها، وربما تبديل بعض قطع غيارها، وكذلك الحال بالنسبة إلى حفظ المشاريع الصناعية والعمرانية.

ولذا كانت فكرة عقد الصيانة من لوازم الاستفادة الصحيحة من هذه الأجهزة الحديثة والمتطورة، ومن لوازم حفظ المشاريع الصناعية والعمرانية المهمة ودوامها، وتجنب حصول العطل فيها بسبب عدم توفر المتخصص أو قطعة الغيار التي يلزم تبديلها في وقت الحاجة.

ص: 355

تعريف الصيانة:

الصيانة هي: الاتفاق في عقد مستقل أو في ضمن عقد معين بين الشركة أو المتخصص، وبين صاحب المال، للقيام بخدمات الإدامة وإصلاح المال في مدة معينة، لكي يبقى صالحا للاستفادة المطلوبة في مقابل أجرة معينة.

أنواع الصيانة:

الاتفاق على الصيانة يمكن أن يتحقق بصورة مختلفة لكل منها آثار وأحكام خاصة. فإن الاتفاق على الصيانة كما يمكن أن يتحقق في ضمن شرط في عقد بيع أو إجارة، كذلك يمكن أن يتحقق في عقد مستقل.

وكذلك الملتزم به كما يمكن أن يكون صرف استعداد المتخصص للقيام بخدمات الصيانة، مع كون أجرة العمل خارجا عن الاتفاق، كذلك يمكن أن يكون مشتملا على أجرة عمل الصيانة، فيكون الاتفاق على الصيانة ملحوظا فيه أجرة الإصلاح وتبديل قطع الغيار، أي لا تكون لهما أجرة مستقلة.

فقبل الدخول في البحث نشير إلى الأشكال المختلفة للاتفاق على الصيانة، ثم نتعرض لأحكامها.

الأشكال المختلفة للاتفاق على الصيانة:

الشكل الأول: الاتفاق على الصيانة كعقد مستقل بين صاحب المال وبين الشركة أو المتخصص، على مجرد عرض خدمات الإدامة، ويكون الإصلاح وتعويض قطع الغيار عند اللزوم بأجرة مستقلة عن أجرة الخدمات المتفق عليها في ذلك العقد.

ص: 356

الشكل الثاني: نفس الصورة السابقة مع كون أجرة الإصلاح وتبديل قطع الغيار وسائر الخدمات منضما إلى أجرة الخدمات في عقد واحد.

الشكل الثالث: كون الصيانة شرطا في ضمن عقد البيع أو الإيجار ، وكان المشروط به هو الاستعداد لتوفير خدمات الصيانة عند الحاجة، مع كون أجرة الإصلاح والخدمات وثمن قطع الغيار مستقلة عن هذا العقد.

الشكل الرابع: نفس الصورة السابقة مع كون أجرة الإصلاح والخدمات داخلة في العقد الأول أي عقد البيع والإيجار الذي قد اشترطت فيه الصيانة.

الشكل الخامس: كون عقد البيع أو الإيجار مشروطا بتبديل أو إصلاح المبيع أو المال المستأجر عليه لو طرأ عليه عيب معين إلى مدة معلومة بدون أخذ الأجرة أو الثمن على ذلك، وهو ما يسمى بضمانة الصيانة لمدة معلومة. وتفترق هذه الصورة عن الصورة السابقة في أن الملحوظ فيه هو التحفظ عن العيوب المخفية أو العيوب غير المتوقعة في المبيع. ويكون هذا الشرط بنحو شرط النتيجة، أي كون ذمة البائع مشغولة بالتبديل أو الإصلاح فيما لو طرأ على المبيع عيب، وهذا بخلاف الصورة السابقة فإن الشرط فيها على نحو شرط الفعل؛ أي تعهد المشروط عليه بالقيام بالفعل وهو التعمير والإصلاح بدون أن يكون هناك اشتغال ذمة – أي ضمان بشيء وضعًا – والملحوظ فيه هو المحافظة على المبيع بإجراء خدمات الإدامة.

وبما أن أحكام بعض هذه الأشكال متداخلة لذا نعقد البحث في ثلاث صور:

الصورة الأولى – الاتفاق على الصيانة في عقد مستقل:

كما لو تم بين مالك الجهاز وبين المهندس المتخصص أو الشركة اتفاق على أن يقوم المهندس أو الشركة بخدمات الإدامة في فترات معينة، وتبديل قطع الغيار عند الحاجة في مقابل أخذ أجرة معينة إلى مدة معلومة.

ص: 357

حقيقة هذا الاتفاق وحكمه الشرعي:

لمعرفة الحكم الشرعي لهذا النوع من التعاقد الذي هو من المعاملات المستحدثة لابد من اتباع الطرق الآتية:

أولا: عرض هذه المعاملة على المعاملات الشرعية التي كانت قائمة في ذلك الوقت والمقارنة بينهما لمعرفة حقيقة هذه المعاملة.

ثانيا: تطبيق إحدى القواعد العامة على هذا العقد لو لم نجد ما يماثلها في الإسلام.

ثالثا: وبعد العجز عن الوصول إلى نتيجة عبر هذين الطريقين يتم الانتقال إلى الأصول العملية.

عرض عقد الصيانة على المعاملات الشرعية:

قد يقال إن هذا الاتفاق إذا تحقق في عقد مستقل هو نوع من الإيجار بين صاحب المال كمستأجر، وبين المتخصص أو الشركة كأجير في مدة معينة للقيام بخدمات الإدامة في فترات معينة، وكذلك الإصلاح وتغيير قطع الغيار عند اللزوم كإجارة الخياط نفسه لخياطة الثوب أو الحارس للحراسة عن مال خاص، فأركان الإجارة من حيث وجود المستأجر والأجير والمنفعة، وهي الصيانة التي تكون متعلق التمليك هنا، متوفرة.

لكن التحقيق هو أنه لا يمكن إرجاع بعض أقسام الصيانة كالشكل الثاني إلى الإجارة الصحيحة، من جهة عدم وجود التحديد في ناحية المنفعة، لاشتمالها على القيام بالإصلاح وتغيير قطع الغيار عند اللزوم بدون أخذ ثمن قطعة الغيار أو أجرة الإصلاح مستقلة عن عقد الصيانة، فعقد الصيانة حينئذ يشتمل على تمليك عين ومنفعة غير محددة، والحال أنه لا بد في عقد الإجارة من كون متعلق الإجارة منفعة محددة.

على أن المرجع في تشخيص حقيقة المعاملات هو العرف وكيفية الإنشاء الرائج بين الناس، والعرف لا يرى عقد الصيانة داخلا في باب الإجارة لأن الإجارة، في نظر العرف تتقوم بحصول سلطة فعلية منجزة على المنفعة، والحال أن عقد الصيانة لا ينتج سلطة من هذا القبيل.

ص: 358

ومجرد الإمكان العقلي لإنشاء هذه المعاملة (الصيانة) على نحو الإجارة أو الصلح لا يغير نظر العرف، والواقع في الخارج من عدم وقوع عقد الصيانة بهذه الصياغة، إذ العقود أمور اعتبارية يتبع حقيقتها الاعتبار الموجود في الخارج وكيفية الإنشاء، وليست لها حقائق منفصلة عن الاعتبار والإنشاء حتى يكون هو الملاك والموضوع. بل لكل عقد حقيقته الاعتبارية التي لابد لتشخصيها من مراجعة العرف وكيفية الإنشاء المتعارف عندهم.

فمجرد التشابه بين عقدين في بعض الأركان لا يجعلهما يحملان عنوانا واحدا. فمثلا عقد النكاح وإن كان هو تمليك البضع وهي منفعة، ولكنها لا تسمى إجارة شرعا ولا عرفا بل هو عقد مستقل له أحكامه الخاصة، وكذلك عقد المزارعة والمساقاة.

ومن هنا علم أن إرجاع هذا العقد إلى الجعالة أو الهبة المعوضة أو الصلح أيضا لا يخلو من تعسف، وذلك لعدم مساعدة العرف وكيفية إنشاء الواقع في الخارج على ذلك.

فالصحيح هو أن عقد الصيانة من العقود المستحدثة التي لها خصوصيات تجعلها متميزة عن العقود الأخرى. فهذا العقد بهذه الصورة ليس بيعا ولا إجارة ولا غيرهما، وإنما هو عقد مستقل له كيانه الخاص وشروطه وآثاره الخاصة به، ولا ينبغي صهره في بوتقة عقد آخر. نعم باعتباره عقدا لابد من توافر أركانه وهي: العاقدان، والمعقود عليه، والإيجاب، والقبول، وكذلك شروطه العامة. ولابد من البحث عن حكمها الشرعي كعقد مستقل مستحدث.

ص: 359

عرض عقد الصيانة على القواعد العامة:

الصحيح أن عقد الصيانة وإن كان عقد مستحدثا ولكنه عقد شرعي كسائر العقود التي لا إشكال في شرعيتها، وذلك لأنه عقد مشتمل على الإيجاب والقبول وسائر الأركان والشرائط اللازمة لصحة العقد، فيكون مشمولا للعمومات القاضية بالوفاء بالعقد مثل قوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]

وقول النبي صلى الله عليه وسلم ((المؤمنون عند شروطهم)) (1) . ((والمسلمون عند شروطهم)) (2) .

وكونه عقدًا مستحدثا غير معهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يوجب عدم شمول إطلاق وعموم تلك الأدلة لمثل هذا العقد. فإن الظاهر من قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أن الموضوع للوفاء هو كل إنشاء أمكن اتصافه بكونه عقدا سواء كان متداولا أم غير متداول. فإن قيد التداول أمر زائد يحتاج بيانه إلى دلالة زائدة، ومع فقدها يؤخذ بظاهر العموم في كلمة العقود، ويحكم بصحة كل عقد ما لم يكن فيه خلل ممنوع شرعا من قبيل الربا أو الغرر أو نحوه. واحتمال كون اللام في العقود للإشارة إلى العقود المتعارفة في زمن نزول الوحي خلاف المتبادر منه عند الإطلاق. على أن النظر في الأدلة الواردة في المعاملات يدلنا على أن الأصل في المعاملات هو إمضاء ما تعارف بين الناس من أصناف المعاملات والتجارات والحكم بصحته إلا في موارد خاصة، مثل استلزامه للربا أو الغرر أو ما شاكل ذلك من المحظورات الشرعية.

ولا يفرق في البين بالنسبة إلى الالتزام بألفاظ خاصة سواء في الإيجاب أو القبول ولا داعي للاقتصار على لفظ خاص بعد أن كان للمنشىء أن يبرز ما في نفسه بأي مبرز كان.

ولكن قد يشكل في صحة هذه المعاملة من جهة كونها مشتملة على الغرر والتعليق، أما الغرر فلعدم معلومية مقدار الحاجة إلى الإصلاح وتبديل ما ينبغي تبديله من قطع الغيار. وأما التعليق فلكون التعمير والإصلاح معلقا على طروء العيب، فالمعاملة باطلة من ناحية اشتمالها على ما هو محظور شرعا من الغرر والتعليق في المعاملة.

ولكن التحقيق أن ما ذكر لا يصلح أن يكون موجبا لفساد المعاملة.

أما لزوم الغرر فأولا: أن متعلق العقد ليس هو الصيانة الخارجية، بل هو عبارة عن استعداد الشركة أو الشخص للقيام بالخدمات اللازمة للإدامة وإصلاح الأجهزة وتبديل قطع الغيار عند الحاجة، وهو أمر معلوم معين ليس فيه جهالة وخطر في نظر العرف، نظير استئجار شخص للحراسة فإن الحراسة هي القيام بالحفظ، والاستعداد للمواجهة مع اللصوص، وعدم معلومية وجود لص لا يوجب الجهالة في متعلق العقد وهو الحراسة عرفا.

(1) الوسائل، الباب 40 من أبواب المهور، كتاب النكاح

(2)

الوسائل، الباب 6 من أبواب الخيار؛صحيح البخاري مع الفتح كتاب الإجارة: 2/451؛ سنن أبي داود مع عون المعبود: 9/516؛ الحاكم: 2/49

ص: 360

وثانيا: النسبة المئوية لاحتمال طروء العيب في الأجهزة معلومة أو قابلة للتخمين، وذلك من خلال التجربة والإحصائيات والاختبارات العلمية الحديثة، ومع إمكانية كهذه لا يكون الإقدام على عقد من هذا القبيل إقداما على أمر مجهول فيه خطر.

هذا مع أن الدليل القائم على ممنوعية الغرر في المعاملة هو الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: بأنه ((نهى عن بيع الغرر)) (1) . وهو – مع ما في سنده من مناقشة – مختص بباب البيع ولا مجال للتعدي عن البيع إلى المعاملات الأخرى، كما نبه عليه الفقهاء في كتبهم.

أما لزوم التعليق:

فقد ظهر جوابه مما سبق، وهو أن متعلق المعاملة في ما نحن فيه ليس هو إلا الصيانة، أي استعداد الشركة أو الشخص للقيام بالخدمات اللازمة عند الحاجة، وهو أمر منجز غير معلق على شيء مثل الحراسة. نعم القيام بالإصلاح الذي هو من لوازم الصيانة المنجزة معلق على طروء العيب، ولكنه ليس متعلق العقد عرفا بل هو من لوازم المتعلق.

ملاحظة وجواب:

يمكن أن يشكل في صحة عقد الصيانة بأنه جمع فيه بين تمليك منفعة وعين، فيكون إيجارا وبيعا معا، وهذا لايصح لأنه يكون من باب الصفقتين في صفقة واحدة. وقد روي أنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم ((عن صفقتين في صفقة)) (2) .

توضيح ذلك أن الصائن يقوم بأمرين:

الأول: هو الإصلاح وخدمات الإدامة مما يرجع إلى تمليك المنفعة.

والثاني: تبديل قطع الغيار، وهو يرجع إلى تمليك العين الخارجية فيكون إجارة وبيعا معا.

ولكن هذه الملاحظة غير تامة، وذلك لأن الجمع بين تمليك العين والمنفعة لا يوجب تعدد الصفقة ما لم يوجب تعدد الإيجاب والقبول.

والمثمن والثمن، بل هو صفقة واحدة بإيجاب وقبول واحد والثمن والمثمن فيها أيضا متحد (3) .

أما الجمع بين الصفقتين في صفقة واحدة إنما يصدق فيما لو كان هناك صفقتين لكل منهما إيجاب وقبول، وثمن ومثمن، ولكن ربط أحدهما بالآخر في مقام الإنشاء، كأن يبيع أحد المتعاملين شيئا للآخر على أن يبيع الآخر شيئا منه كأن يقول: أبيع لك داري على أن تبيعني دابتك مثلا. أو أن المراد منه أن يبيع شيئا بثمنين أحدهما نقدا والآخر نسيئة بأيهما شاء المشتري أخذ من دون أن يوجب أحدهما ويجعله قطعيا، وقد ورد النهي عنه في روايات كثيرة، وقد فسر هذا الحديث – نهي النبي صلى الله عليه وسلم ((عن صفقتين في صفقة)) – وكذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم ((عن بيعتين في بيع)) بأحد هذين المعنيين غير واحد من العلماء (4) .

(1) وسائل الشيعة، الباب 40، أبواب التجارة، حديث3

(2)

مسند أحمد، حديث 3595

(3)

قال الشهيد الثاني في المسالك: 3/286: "فإن التعدد في البيع بتعدد البائع وبتعدد المشترى وبتعدد العقد

(4)

ذكر المعنيين معا ابن الأثير في النهاية: 1/173؛ وفي مسند أحمد، (حديث 3595) في ذيل حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة واحدة:"قال: أسود قال: شريك قال: سماك الرجل يبيع البيع فيقول: هو بنسأ بكذا وكذا، وهو نقد بكذا وكذا"؛ وقد نقل في فتح القدير: 5/218 هذا المعنى عن أبي نعيم وأبي عبيد القاسم بن سلام

ص: 361

على أن هذا الحديث أي نهى النبي صلى الله عليه وسلم ((عن صفقتين في صفقة)) ، غير ثابت من حيث السند، وغير معمول به عند علمائنا (1) .

وقد صرح أكثر فقهائنا بصحة الجمع بين البيع والإجارة في صفقة واحدة. وقال المحقق رحمه الله في شرائع الإسلام: "ولو جمع بين شيئين مختلفين في عقد واحد بثمن واحد. كبيع وسلف أو إجارة وبيع أو نكاح صح (2) .

وقال الشهيد الثاني في ذيل هذا الكلام: "لا خلاف عندنا في صحة ذلك كله؛ لأن الجميع بمنزلة عقد واحد والعوض فيه معلوم بالإضافة إلى الجملة، وهو كاف في انتفاء الغرر والجهالة (3) .

فتحصل مما ذكرنا أن الصيانة كعقد مستقل من العقود المستحدثة التي لها مميزاتها الخاصة التي لا توجد في المعاملات المعهودة، ولكن مع ذلك هو عقد صحيح ولازم تشمله أدلة الوفاء بالعقود وليس فيه خلل يوجب الحكم بالفساد شرعا.

نعم من ذهب إلى توقيفية العقود وأن المشروع من العقود هي العقود المتداولة في عصر نزول الوحي فله أن يرجع العقود المستحدثة إلى إحدى العقود المعهودة كالصلح مثلا، وأن يوصي المتعاقدين الملتزمين بالأحكام الشرعية أن يغيروا صياغة الإنشاء لكي يندرج العقد حقيقة في تلك العقود حتى يكون صحيحا.

الصورة الثانية – الاتفاق على الصيانة كشرط في ضمن البيع أو الإجارة (بنحو شرط الفعل) .

كما لو اشترى جهازا بشرط أن يكون البائع أو وكيله ملزما بالقيام بخدمات الإدامة والإصلاح إلى مدة معينة (بدون أخذ أجرة الإصلاح أو ثمن قطع الغيار مستقلا أو مع أخذها بنحو شرط الفعل)(4) .

(1) نعم حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعين في بيع مروي عندنا بالطريق الموثق (وسائل الشيعة: 18/23085؛ ملاذ الأخبار: 11/444) ، ولكنه غير مربوط بالمقام كما هو واضح على أن المراد منه أحد المعنيين الذين ذكرناهما في معني الحديث أي أن يبيع شيئا بثمنين أحدهما نقدا والآخر نسيئة بأيهما شاء المشتري أخذ، أو أن يبيع شيئا للآخر على أن يبيع الآخر شيئا منه

(2)

شرائع الإسلام كتاب التجارة، أحكام العقود

(3)

مسالك الأفهام: 2/280

(4)

أي كون المشروط عليه (البائع) ملتزما بالقيام بفعل من دون أن يكون ذمته مشغولة وضعا بشيء فيما لم يقم بذلك بالاختيار، أو لمانع إذ شرط الفعل في العقود لا يقتضي أكثر من الوجوب التكليفي والعصيان عند المخالفة بخلاف شرط النتيجة والغاية من الفعل كانعتاق العبد أو كون المال الفلاني لأحد المتعاقدين، فهو اشتراط كون ذمة المشروط عليه مشغولة بشيء وضعًا على ما يأتي توضيحه في الصورة الآتية. نعم يكون للمشتري خيار تخلف الشرط على كل حال عند عدم الوفاء به

ص: 362

الصحيح أن هذه معاملة صحيحة مقترنة بالشرط فتشملها أدلة وجوب الوفاء بالعقد والشرط.

ولكن قد يشكل في صحة هذا النوع من التعاقد من جهة توجه الإشكالات نفسها التي ذكرناها في الصورة الأولى، أي الغرر والتعليق وكونه صفقتين في صفقة واحدة، ولكن بما أن بين المقامين فرقا من ناحية مصب الإشكال وبعض الأجوبة نشير إليها مع جوابها:

الإشكال الأول: أن هذا الشرط يستلزم الغرر، والغرر موجب لفساد المعاملة.

والجواب:

أولا: أن ممنوعية الغرر شرعا الثابت بحديث: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، تختص بالقرار الأصلي المعاملي أي المبادلة بين الثمن والمثمن، أما الشروط الضمنية فما دامت لا توجب حصول الغرر في المشروط أي القرار الأصلي في المعاملة، فلا يشمله هذا النهي.

توضيح ذلك أن الغرر في الشرط قد يؤدي إلى حصول الغرر في المشروط وقد لا يؤدي إلى ذلك، مثلا لو باع الدار بثمن معين واشترط على المشتري خياطة ثوب ودار أمر الخياطة بين نوعين من الخياطة (كالخياطة بدرز أو درزين مثلا) على نحو الإجمال، فإن الغرر في الشرط بلحاظ اختلاف قيمته لو ثبت لا يوجب تحقق الغرر في البيع نفسه، لأن الاختلاف في قيمة الخياط يكون ضئيلا بالنسبة إلى قيمة الدار ولا يلزم من زيادتها أو نقصانها الغرر في أصل المعاملة.

فإن شرط الصيانة في المقام وإن كان فيه إجمال من ناحية عدم معلومية طروء العيب، ولكن ليس بحد يوجب الغرر في أصل المعاملة لعدم وجود أي خطر عرفا فيه على المتعاملين.

ثانيا: لا غرر في الشرط أيضا بعد معلومية درجة احتمال طروء العيب بالتجربة أو الإحصائيات. إذ الصانع يعرف بالتجربة والإحصائيات مقدار احتمال طروء العيب والاحتياج إلى الإصلاح، فإقدامه على شرط الصيانة إقدام على أمر معلوم ليس فيه خطر عرفا.

الإشكال الثاني:

وقد يشكل في صحة هذه المعاملة من جهة اشتمال شرط الصيانة فيها على التعليق، إذ القيام بصيانة معلق على بروز العيب وليس بمنجز، والتعليق في العقود يوجب بطلانها.

والجواب:

أولا: لا نسلم وجود التعليق في مثل هذه الشروط التي يلتزم أحد المتبايعين بالقيام بفعل على تقدير حصول شيء في الخارج، وذلك لأن الشرط هنا هو (الالتزام) والالتزام أمر فعلي منجز يعلمان بتحققه، إنما التعليق في متعلق هذا الالتزام وهو الفعل في الخارج. كما هو كذلك في الواجب المعلق في التكاليف، وبيان آخر أنه وقع هناك التزام مطلق من أحد المتبايعيين بحصة خاصة من الفعل لا الفعل المطلق حتى يكون أصل الالتزام معلقا (1) .

(1) قال الشيح الأنصاري رحمه الله في دفع ما قيل لاعتبار التنجيز في الشروط: ويندفع بأن الشرط هو الخياطة على تقدير المجيء (فيما لو باع شيئا بشرط الخياطة على تقدير مجيء زيد مثلا) لا الخياطة المطلقة ليرجع إلى التعليق إلى أصل المعاوضة الخاصة؛ (راجع المكاسب، ص283)

ص: 363

وثانيا: أن الشرط هو عنوان الصيانة، مثل الحراسة وهو عنوان فعلي منجز وإن كان بعض لوازم هذا العنوان كالقيام بالإصلاح أو تغيير قطعة الغيار معلقا على طروء العيب فهو كالإجارة على الحراسة فإن الحراسة عنوان منجز فعل وإن كان بعض لوازمه كدفع اللص معلقا على وجوده.

وثالثا: لا دليل هناك على اعتبار التنجيز في المعاملات غير الإجماع والإجماع المدعى على بطلان التعليق يختص بالقرارات المستقلة في العقود والإيقاعات، ودعوى سريان التعلق من الشرط إلى العقد المتضمن له لأنه جزء من أحد العوضين أو استلزامه المبادلة بثمنين على تقديرين، مما لا دليل عليه عرفا ولا شرعا.

وتدل على صحة التعليق في الشرط بالإضافة إلى ما ذكر بعض الروايات الخاصة المنقولة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (1) . قال: سألته عن رجل كان له أب مملوك وكان لأبيه امرأة مكاتبة قد أدت بعض ما عليها فقال لها ابن العبد: هل لك أن أعينك في مكاتبتك حتى تؤدي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار على أبي إذا أنت ملكت نفسك؟ قالت: نعم. فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون له الخيار عليه بعد ذلك، قال عليه السلام: لا يكون لها الخيار، المسلمون عند شروطهم (2) .

(1) وسائل الشيعة: 16، باب 11، أبواب المكاتبة، حديث 1

(2)

وقد استدل المحقق النائيني رحمه الله بهذا الحديث على نفوذ الشرط مع التعليق (منية الطالب: 2/126) والأمر كما أفاده قدس سره حيث تضمنت الصحيحة صريحا تعليق الشرط – عدم الخيار- على حريتها وملكها لأمرها

ص: 364

الإشكال الثالث:

كون المعاملة مع هذا الشرط من الصفقتين في صفقة واحدة، وهو منهي عنه في الشرع، وموجب لبطلان المعاملة.

بيان الإشكال: ذهبت الحنفية والشافعية إلى أن كل شرط في المعاملة لا يقتضيه العقد، ولا يلائمه، وليس مما ورد في الشرع جوازه، ولا مما جرى به التعامل بين الناس (1) . وفيه منفعة لأحد المتعاقدين موجب لبطلان المعاملة، فإن اشترى ثوبا مثلا وشرط أن يخيطه البائع قميصا يكون هذا الشرط فاسدًا ومفسدًا للمعاملة. وذلك لأنه إن كان بعض البدل بمقابلة العمل المشروط فهو إجارة مشروطة في العقد، وإن لم يكن بمقابلة شيء من البدل فهو إعارة مشروطة في البيع، وهو مفسد للعقد (2) . لأنه من الجمع بين صفقتين في صفقة واحدة المنهي عنه شرعًا. حيث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه نهى عن بيع وشرط)) (3) .وكذلك روي أنه صلى الله عليه وسلم ((نهى عن صفقتين في صفقة)) (4) . وفى رواية أخرى عن ((عن بيعتين في بيعة واحدة)) (5) .

ولكن يمكن الإجابة عن هذا الإشكال بأن الرواية الأولى – أي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط – وكذلك الرواية الثانية – أي نهيه صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة منها غير ثابتة عندنا من حيث السند وغير معمول بها عند علمائنا (6) . فإنه لو تم هذا المعنى وكان المراد هو النهي عن أخذ الشرط في البيع لشاع هذا الحكم بين المسلمين واشتهر عندهم وصار من الضروريات كالنهي عن الربا لكثرة ابتلائهم به، إذ من المعلوم أن السيرة العقلانية قد استقرت مدى الأعصار على التعامل مع الشروط التي تجر نفعا لأحد المتعاملين والنهي عن أمر شائع كذلك يحتاج إلى تأكيد أكثر وتكرار في مختلف الأزمنة، وكذلك هو موجب لكثرة السؤال عن هذا الموضوع خصوصا مع ملاحظة أن مركز ظهور الإسلام أي مكة المكرمة كان مركزًا للتجارة، ومع فقد هذه الشهرة يطمئن بعدم صدور هذا النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عدم دلالته على هذا المعنى.

(1) المراد من هذه القيود والاستثناءات على ما بين في المصادر الفقهية هو كما يلي: معنى كون الشرط مما يقتضيه العقد هو كل شيء يقتضيه العقد بلا شرط كاشتراط تسليم المبيع على البائع وتسليم الثمن على المشتري، فإن العقد يقتضي ذلك بصيغته فإن اشترط ذلك كان صحيحا. ومعنى كون الشرط ملائما للعقد كونه مؤكدا لما يوجبه للعقد كما لو باع شيئا بشرط أن يرهن المشتري عنده رهنا، فإن ذلك الشرط يؤكد معنى البيع. وأما ما ورد في الشرع جوازه كشرط الخيار، وأما ما جرى به التعامل عند الناس كما إذا اشترى جزمة بشرط أن يخيط البائع أزارها فإن الشرط في ذلك متعارف فيصح. (يراجع الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري: 2/226؛ وشرح فتح القدير: 6/77)

(2)

يراجع، المبسوط: 12/199،و13/18

(3)

مجمع الزوائد: 4/85

(4)

مسند أحمد حديث (3595)

(5)

سنن الترمذي حديث (1152) ؛ ومسند أحمد (6339)

(6)

أما الرواية الثالثة وإن كانت تامة من حيث السند، كما صرح بذلك العلامة المجلسي في ملاذ الأخبار: 11/444، ولكنه غير مربوطة بالمقام إذ لا يتصور في ما نحن فيه تحقق بيعين في بيعة واحدة على أي تقدير على أن الحديث لا ربط له بأخذ الشرط في العقد أصلا.. كما يأتي توضيحه

ص: 365

على أن كون المراد من قوله عن بيع وشرط، هو أخذ الشرط في عقد البيع مع كون النهي مطلقا غير مقيد بشيء يلزم منه تخصيص الأكثر المستهجن عرفا في التخاطب، فإن الشروط الجائزة المتفق على صحتها في جميع المذاهب كثيرة جدًّا. فالصحيح أن المراد من النهي عن بيع وشرط على تقدير صحته، هو النهي عن شرط خاص كان متداولا في ذلك الزمان مثل اشتراط زيادة الثمن على تقدير التأخير في أداء الثمن لا مطلق الشرط (1) .

وأما ما يقال من أنه إن كان بعض البدل بإزاء العمل المشروط فهو إجارة مشروطة في العقد، وإن لم يكن بمقابلة شيء من البدل فهو إعارة مشروطة في البيع وهو مفسد للعقد (2) . لأنه من الجمع بين الصفقتين في صفقة واحدة فغير تام. وذلك:

أولا: أن أخذ الشرط في المعاملة لا يوجب تعددها وخروجها عن كونها صفقة واحدة مع عدم تعدد الإيجاب والقبول ووحدة الثمن والمثمن.

وثانيا: فلما حققه فقهاؤنا من أن الثمن لا يقسط على الأوصاف والشروط، ولكن مع ذلك الوصف أو الشرط دخيل في ازدياد ثمن أصل المال بنحو الحيثية التعليلية.

بيان ذلك: إذا باع أحد منين من أرز بدينارين فإن هنا يقسط الثمن أي الدينارين على المثمن وهو الأرز، فيقال: إن كل منّ من الأزر هو بدينار فازدياد الثمن بازدياد الأرز قلة وكثرة. فدخل ازدياد مقدار الأزر في ازدياد الثمن دخل تقييدي،

ويقال: إن هذا الدخل بنحو الحيثية التقييدية.

أما إذا باع المنين من الأرز من النوع الجيد بثلاثة دنانير وباع المنين من الأزر ذي النوع المتوسط بدينارين فإن اتصاف الأزر بكون نوعه جيدا له دخل في ازدياد الثمن ولكن دخله ليس بنحو يقسط عليه الثمن عرفا بل يقال: إن الأزر الجيد بدينار ونصف، فالوصف يكون علة في ازدياد ثمن أصل المال لا أن يقابل نفسه بمال، وهذا ما يصلح عند علمائنا بأن دخل الأوصاف والشروط في ازدياد الثمن بنحو الحيثية التعليلية لا التقييدية.

فعلى هذا لا يصدق كون بعض البدل بمقابلة العمل المشروط حتى يكون إجارة مشروط في العقد، ولا يكون العمل المشترط مجانا ومما ليس له دخل البدل أصلا حتى يكون إعارة. بل له جهل في ازدياد أو نقصان قيمة أصل المال وإن كان ليس بإزائه مال، فعلى هذا لا يكون أخذ الشرط في المعاملة موجبًا لتعدد الصفقة أصلا. أما معنى الصفقتين في صفقة واحدة فليس هو اشتمال المعاملة على شرط يوجب انتفاع أحد المتعاملين بل معناه كما مر الإشارة إليه هو إما أن يبيع شيئا بثمنين أحدهما نقدا والآخر نسيئة بأيها شاء المشتري أخذ من دون أن يوجب أحدهما، أو أن المراد منه هو أن يبيع أحد المتعاملين شيئا للآخر على أن يبيع الآخر شيئا منه، وعلى أي حال لا ربط لهذا الحديث بأخذ الشرط في العقد أصلا.

(1) كما هو المراد من حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرطين وتدل على هذا المعنى بعض الروايات الواردة من طريق الأئمة من أهل البيت عليه السلام. كرواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام: "أن عليًّا عليه السلام قضى في رجل باع بيعا واشترط شرطين بالنقد كذا وبالنسيئة كذا، فأخذ المتاع على ذلك الشرط فقال: هو بأقل الثمنين وأبعد الأجلين.. ."تهذيب الأحكام:7/64

(2)

يراجع المبسوط:13/15- 18

ص: 366

الصورة الثالثة – ضمان الصيانة لمدة معلومة:

في ما إذا كان عقد البيع أو الإجارة مشروطا بتبديل أو إصلاح المبيع أو المال المستأجر عليه لو طرأ عليه عيب معين إلى مدة معلومة بدون أخذ أجرة أو ثمن على ذلك، والشرط هنا كما مرت الإشارة إليه سابقا بنحو شرط النتيجة لا الفعل، ولذلك لو لم يقم البائع بتبديل أو إصلاح السلعة المباعة وفقا للشرائط المعينة يعد مديونا؛ أي تكون ذمته مشغولة بذلك. فليس هو مجرد وجوب تكليفي فحسب، بل إن الشرط هنا هو أولا وبالذات هو الحكم الوضعي، أي كون ذمة البائع مشغولة بالتبديل، والحكم التكليفي يترتب على ذلك ثانيا، من وجوب القيام بتفرغ الذمة عند طلب من له الشرط.

هذا النحو من الشرط أيضا صحيح عندنا، لشمول الأدلة العامة للوفاء بالعقود والالتزام بالشروط له، أما الإشكال من ناحية وجود خلل فيه من حيث الغرر والتعليق فقد ظهر جوابه مما ذكرناه في الصور السابقة.

بقي هنا بحث وهو أنه في هذه الصورة قد يكون البائع هو الصانع أو وكيله الذي يلتزم بضمان الصيانة أي تبديل السلعة على تقدير ظهور العيب في السلعة. وهذا لا إشكال فيه. ولكن قد يكون البائع مالكا للسلعة من دون أن يكون هو الصانع، فقد يلتزم بتبديل السلعة عن طروء العيب من قبل الصانع لا نفسه.

فإنه يشكل في صحة هذا الشرط بأنه شرط غير مقدور للمشروط عليه الذي هو البائع، فيكون باطلا لأن القدرة على الشرط من شرائط صحة الشروط، كما هو واضح.

ولكن الصحيح هو أن هذا الإشكال غير وارد، وذلك أن البائع الذي اشترى من الشركة الأصلية المنتجة لهذه السلعة أو من وكيله قد اشتراط عليه في ضمن أخذ الوكالة عن الشركة لعرض منتجاته بشرط ارتكازي غير مصرح به، أو بشرط مصرح بأن يبدل الصانع السلع أو يقوم بإصلاحها وفق شروط معينة، فمع هذا الشرط يكون البائع قادرا على ما اشترطه من تبديل المال أو إصلاحه عند طروء العيب في مدة معينة، ولا إشكال من هذه الناحية أيضا.

فمحصل الكلام في هذا البحث:

1.

أن الصيانة بنحو عقد مستقل من العقود المستحدثة وإرجاعه إلى العقود المعهودة يخالف الواقع الخارجى وكيفية إنشائه.

2.

عقد الصيانة عقد صحيح شرعا لشمول الأدلة العامة للوفاء بالعقود له مع عدم وجود خلل فيه شرعا.

3.

الصيانة إذا كانت شرطا في ضمن عقد سواء كان بنحو شرط الفعل أو شرط النتيجة شرط سائغ شرعا تشمله أدلة الوفاء بالشروط، وليس فيه أي خلل من ناحية الغرر أو التعليق أو تعدد الصفقة.

آية الله الشيخ محمد علي التسخيري

ص: 367