الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الديمقراطية والعلمانية
وحقوق الإنسان
المرجعية الغربية والمرجعية الإسلامية
إعداد
الأستاذ إبراهيم بشير الغويل
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
أولًا - في الديمقراطية
1-
في كون أن المرجعية الغربية المستندة إلى الأصول التاريخية الاجتماعية الغربية، هي مرجعية لـ (البرلمانية) وليست للديمقراطية: إن المرجعية الغربية المستندة إلى تاريخ أوروبا وتطورها هي مرجعية لـ (البرلمانية) ، وليست مرجعية للديمقراطية.
الديمقراطية من المفردة الأغريقية (Democrat)، وهي كلمة مركبة من:(Demos) أي الناس أو الجماهير، و (Keratin) أي يحكم، فهي أن يحكم الناس أو الجماهير. أما ما تم في أوروبا متوافقًا مع نشأة (المدينة البرجوازية) فهو (البرلمانية) ، و (المدينة - البرجوازية) قد نشأت في (برج)(Burghe) مهجور لإقطاعية دُمرت وانتهت، وهجرها أو هُجِّر (قِنها) بعد أن قُضي على (السيد) الإقطاعي، وإلى هذا الـ (برج)(Burghe) المهجور لجأ عدد من (المغامرين) الفارين من الإقطاعيات، والذين سمعوا عن - أو عاينوا - تجربة الحرية، ولم يعودوا يقبلون حياة (القِن) لأنفسهم!!.
ولقد اتخذ هؤلاء المغامرون من (البرج) ملجأ يحتمون به ليلًا، ويتخذونه نهارًا سوقًا لتبادل المنتجات بين الإقطاعيات المجاورة، وما لبث هؤلاء (المغامرون) أن صاروا تجارًا، يشترون من المنتجين فيستوفون، ثم يبيعون إلى مستهلكين فيُخسِرون، واتسع (البرج) إلى (مدينة) ، واتسعت أطماع هؤلاء المغامرين التجار، وسعوا للاتفاق مع أحد الإقطاعيين ليتوجوه ملكًا، وسعوا أن يلتف حوله عدد من الإقطاعيين - مُكَوِّنين الطبقة الأرستقراطية - على أن يعترف (الإقطاعي - الملك) و (الأرستقراطيين) بموطئ قدم لهؤلاء (المغامرين - التجار) المستقرين بـ (برج) صار إلى (مدينة برجوازية) .
وقد اكتفى هؤلاء (البرجوازيون) بتوسيع نطاق المشاركة إلى هذا المدى، دون أن تمتد هذه المشاركة إلى كل الناس، ولقد أثبت سير الأحداث في تجربتهم - فيما بعد - أن نطاقًا متسعًا من المشاركة للناس هو قانون طبيعي في نهاية المطاف، إلا أن الثورات الأوروبية لم تكن تستهدف - ولم تحقق - صيغة مشاركة كل الناس.
وفي البرلمانية البريطانية - مثلًا - التأم شمل كبار الملاك أو الإقطاعيين السابقين الذين التفوا حول الإقطاعي الأكبر الذي صار ملكًا، وصاروا هم مَن عُرِف بالأرستقراطيين - مع التجار أو مع الطبقة الجديدة (البرجوازية) ، تحت سقف واحد، مفتتحين عصر الرأسمالية (التجارية) بكل مطامعها في الداخل، وبكل أعمال القرصنة والاستعمار فيما عُرف بعصر الاكتشافات الأوروبية وعصر الاستعمار - وما أبادوا من أجناس واسترقوا من الأجناس وسرقوا ثالثة -، وكان على العمال (البروليتاريا) أن يكافحوا طويلًا حتى يأخذوا لهم مكانًا تحت ذلك السقف، ومن هنا كان تعدد الأحزاب تصويرًا لواقع طبقي حقيقي. والأهم أن الرأسمالية الغربية بمنهجية الصراع لم تكن رسالة إنسانية لجميع الناس في نظام محرر، بل كانت رسالة مُحَرَّرَةً من كل مبدأ إنساني، وموجهة لخدمة رأس المال على حساب رأس سواه.
وكما لم تكن هذه الطبقة الجديدة (البرجوازية) في مدينتها البرجوازية تتوجه إلى ديمقراطية حقة تحتوي كل الناس - كل الطبقات في بلادها -، لم تكن في نظامها العالمي الجديد (Nauveau Order Seculum) تفكر في غير السيطرة والقهر.
وقد استطاعت هذه الطبقة (البرجوازية) وقد وجدت أمامها السفينة المحيطة - وهي عطاء معرفي علمي (بشري) واكبت به كفايات الإنسان العربي المسلم، الذي كان يمسك بمقود التطورات في العالم، إلى أن دخلته هذه الطبقة الجديدة (البرجوازية) الطاغية، التي تحول كل شيء إلى سلاح صراع وسيطرة - أن تحولها (أي أن تحول السفينة المحيطة) إلى سلاح للسيطرة على ممرات التجارة الدولية، ولتتمكن من خلال هذه السيطرة أن تحول ممرات التجارة الدولية من ممرات إلى (مضايق) ! أو قل (مغلقات) ! تمنع المرور منها، لتحشر الآخرين بعيدًا عن الانطلاق إلى آفاق العالم الجديد، وإن كانت تبحر بسفينة عربية، وخرائط عربية، بل وتركب الحصان العربي! مما جعل أحد الكتاب يقول: إن الحصان العربي قد وصل إلى أمريكا، ولكن فارسه العربي الشهم لم يصل!
وكم خسر العالم بعدم وصول (الفارس العربي) الشهم الذي دائمًا حمل مشروعًا حضاريًّا، وكم خسر العالم بوصول فرقة الخيالة الأسبانية إلى المكسيك ومعها الحصان العربي، دون فارسه! ولقد كان الحصان العربي الذي أربك الهنود الحمر أكثر مما سواه، ولم يكن عليه الفارس العربي الشهم، بل كان عليه (كورتيز) الذي تقدم لإبادة هنود الأزتيك والأنكا، وليقضي على حضارتهم.
وكم خسر العالم بوصول القرصان البريطاني ذي الرجل الخشبية! والذي صار فيما بعد - بعد أن أباد شعوبًا وسرق ثروات - ضابطًا وسيمًا! في بدلة رسمية، يذرع المحيط على رأس أساطيل مسلحة بالمدافع، ويرفع علم بريطانيا على كل أرض تطؤها قدماه القذرتان.
ولقد أباحت هذه الطبقة (البرجوازية) لنفسها انتهاك جميع الحقوق الإنسانية لغير الأوروبيين، فأبادت الهنود الحمر، وهجرت الملايين من الأفارقة ليموتوا في رحلة العبودية، إلى تاريخ استعماري أسود، إلى قصف اليابان بالقنابل الذرية، إلى آخر قائمة فظائعهم في فلسطين والجماهيرية والعراق.
وفي (المدينة - البرجوازية) حققت هذه الطبقة الجديدة مَركَزَة الدولة باتخاذها أحد الإقطاعيين ملكًا، (وانضم إليه عدد من الإقطاعيين الأصغر الذين التفوا مكونين الطبقة الأرستقراطية) ، ودفعت الطبقة الجديدة (البرجوازية) بمركزية الدولة تحت نظرية السيادة التي تقول بتسلط الإقطاعي - الذي اتخذوه ملكًا - على جميع الإقطاعيات في الداخل، وتقول برفض التسلط البابوي من الخارج؟!
وإذا كانت الطبقة الجديدة قد حققت مركزة الدولة، ودفعت بها، فإنها ظلت حريصة ألا تدفع بالديمقراطية إلى الأمام، أو أن تدفع بالسلطة إلى الشعب، واكتفت بـ (البرلمانية) أو (النيابة الافتراضية) التمثيلية
…
إلخ. وأحيت التقليد الروماني للإمبراطور (أغسطس) ، فجعلت من الجيش مؤسسة محترفة، وليس جيشًا شعبيًّا، وكل هذا - مع البيروقراطية - واقتصاد القلة، بل اقتصاد الطبقة المتطفلة، التي ستكون الطبقة المترفة، والتي بدأت طبقة مترصدة لمن أتى بمنتجاته، لكي تستوفي إذا اكتالت وتُخسِر إذا كالت أو وزنت، طبقة تعتمد على معادلة (نقود - منتجات - نقود زيادة، أي ن - م - ن+) بدلًا من معادلة (منتجات - نقود - منتجات أخرى) ، وهذه المعادلة الأخيرة هي المعادلة التي تلت مرحلة مقايضة منتجات بأخرى (منتجات - منتجات أخرى) ، وهكذا كان التطور الاقتصادي من المقايضة (منتجات بمنتجات أخرى) إلى (منتجات فنقود فمنتجات أخرى) إلى (نقود - منتجات - نقود زيادة) ، إلى مرحلة الرأسمالية المالية (أو نقود - نقود زيادة) ؟!
هذه هي الأصول التاريخية الاجتماعية لهذه التي سموها أسماء (ما أنزل الله بها من سلطان) ؛ من ديمقراطية غير مباشرة إلى ديمقراطية نيابية، إلى برلمانية، وهي بهذا الاسم الأخير أحق.
والبرلمانية، بأصل الكلمة نفسها (Parliaments) ، إنما تعني المناقشة وعقد مؤتمر من أجل الاتفاق على نقطة أو نقاط محددة مع عدو!.
والبرلمانية الغربية بالأصل كانت طبقيًّا دمويًّا، ثم انقلبت إلى صراع حزبي ضار، يبدأ بمعركة انتخابية ضارية، يتصارع فيها عمالقة جدًّا - من الإقطاعيين وأصحاب رأس المال، وأخيرًا الاتحادات العمالية -، وهي معركة شرعية في الغرب؛ لأنها تجري بين خصوم متكافئين داخل مجتمع فاحش الثراء، تزداد ثروته ضخامة كل يوم! أما في مجتمع يزداد فقرًا كل يوم - مثل مجتمعنا العربي - فإن هذه المعركة ليست شرعية أصلًا، بسبب غياب الخصوم المتكافئين من جهة، وتدخل الاختيارات الرأسمالية المالية الدولية (الاستثمارية) من جهة أخرى.
إن الانتخابات البرلمانية والحزبية لا تعني في واقعنا العربي المعاصر سوى مسرحية أوروبية مترجمة، يحضرها جمهور محدود جدًّا من المثقفين المغتربين!
هذا هو تاريخهم، وهو مفارق لتاريخنا، وإن الكثير من حلولهم إنما هي لمشكلات قد نشأت في ظل علاقات وظروف كانت تحيط بهم، وهي غير مشكلاتنا، غير علاقاتنا، غير ظروفنا، بل إنها تنطلق من منطلقات، وتسير في مسارات، وتستهدف أهدافًا، غير منطلقاتنا، وغير مساراتنا، وغير أهدافنا.
وكم يطول الحديث لو أننا أردنا أن نحلل تاريخهم ومدى مفارقته لتاريخنا، ولكن يكفينا أن نذكر أن تاريخهم هو تاريخ منهجية الصراع والاختيارات الأوروبية الحديثة قد جاءت صادرة عن فلسفة الصراع ومُمَنهِجَةً له اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا عبر تاريخ أوروبا - الذي حاولت أن تمده إلى العالم كله -، وأرقى أداء سياسي تقدمه لنا أوروبا لا يتجاوز في الأصل منهجيتها في الصراع، فمن هذا الصراع نشأت (البرلمانية) الإنكليزية، ومنه نبعت فكرة الطبقة البرجوازية في الثورة الفرنسية، ومنه أيضًا نبع فكر صراع الطبقات الماركسي
…
إلخ.
وعلى ما أوضحنا، فإن نظريتهم في (السيادة) هي من روحية الصراع بين الإقطاعي الأكبر الذي توجوه ملكًا، وبين الإقطاعيين الصغار الذين مازالوا يصارعون هذا الإقطاعي الأكبر - ومن التف حوله من إقطاعيين سابقين، صاروا يكونون الطبقة الأرستقراطية -، وكذلك مَن تحالف معهم من الطبقة الجديدة (البرجوازية) ، وليواجه كل هؤلاء (الأعداء) المتحالفين مَن لازال يصارعهم في الداخل، والباب الذي لازال يحاول فرض هيمنته عليهم، وهم يصارعونه.
ومن هنا جاءت نظريتهم في (السيادة) تقول: إن (السيادة) هي إخضاع الجميع في الداخل، وهي رفض أي سيطرة من الخارج.
ومن هنا أيضًا جاءت نظريتهم في العقد الاجتماعي كما صوره هوبز خاصة، وكذلك وثائقهم، من العهد الأعظم، إلى وثيقة الحقوق، إلى إعلانات حقوق الإنسان، وحديثهم عن فصل السلطة والكبح والموازنة بين السلطات
…
إلخ - كل هذا قد جاء من روحية أو منهجية الصراع بين ملوك يدعون أنهم يملكون حقًا إلهيًّا للتحكم في رقاب عباد الله وبين مجموعة من البرجوازيين - الذين عرضنا لكيفية تكوينهم، وما قاموا به من قهر واستغلال وتفريق طبقي وعنصري في الداخل والخارج، والذين كان أكبر همهم أن يشاركوا بقسط مع الملوك والأرستقراطيين، ولم يكن يهمهم احتواء كل الناس في الداخل والخارج.
بل إن (كرومويل) قائد الثورة في (إنكلترا) كان يبدي ازدراء لفكرة المساواة نفسها، وكان يسمي الدعاة إليها (المُسَوِّين) ، ولقد اختار أن يصفيهم قبل أن يصفي الملك! تمامًا كما اختارت الثورة الفرنسية أن تصفي (بأبيف) الذي كانت مرافعته - في المحاكمة التي أُجريت لتصفيته - هي ما عُرف بـ (بيان المتساوين) .
ولقد أثبت سير الأحداث فيما بعد أن نطاقًا متسعًا من المشاركة لكل الناس هو قانون طبيعي في نهاية المطاف.
2 -
في الديمقراطية الحقة، واختلاف مرجعيتها عن (البرلمانية) :
إن الديمقراطية الحقة هي الديمقراطية المباشرة، وهي الهيكل التنظيمي السياسي الوحيد اللائق بالإنسان المكرم، وإن الإنسانية على اختلاف دروبها منتهية إليها في آخر المطاف، كما انطلقت منها في المبتدأ.
إن تشكيل لجنة أو تأليف مجلس أو عقد اجتماع بين أفراد المجتمع الواحد هو في طبيعة الأشياء، إنه الأمر العفوي الذي تُبادئ به الشعوب عندما تأخذ الأمور مجراها على الطبع والسجية وهدي العقل الطبيعي.
كل نظريات العقد الاجتماعي - عدا ما جاء به (هوبز) متوافقًا مع المنهجية الصراعية الغربية - تقوم على هذا الافتراض، على المبادأة الأولى إلى التجمع وتأليف الجمعية الأساسية الذي يحدث إذ ينتقل الأفراد إلى حالة الاجتماع، في بدء الاجتماع البشري، وعند تلاشي الدولة، وفي الثورات الشعبية، وفي فراغ السلطة، عند انهيار النظام، وعندما تنحل الأوضاع إلى عناصرها، وتعود إلى بداياتها، يؤلف الناس، وهم أكفاء، لجنة أو مجلسًا أو جمعية يدعونها (Ecclesia) أو (دار الندوة) أو (Committee) أو (Congress) أو (Soviet) أو مؤتمرًا.
وإذا كانت الديمقراطية في أول تجربة لها في أثينا كانت ديمقراطية مباشرة.
وإذا كانت مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم قد شهدت تجربة الشورى باعتبارها فرضًا عينًا على كل بالغ عاقل راشد مكلف كالصلاة والإنفاق: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 38] ، ومن خلال توزيع المدينة إلى أحياء، يتشاور كل في ما يخصه، ويبعث برباعته - أو المؤتمن من الربعة - ليشارك مع (أولى) أمر (منا) في تنسيق القرار العام وتخطيطه، وتدبير أمر تنفيذه.
إذا كان ذلك كذلك، فإن (جان جاك روسو) قد قال منذ أكثر من مائتي سنة بأقوى منطق وأنصع بيان:
(إن السيادة لا يمكن أن يفترض أن أحدًا ما يمثلها؛ لأنها لا يجوز التخلي عنها، وهي في جوهرها تقوم بالإرادة، والإرادة لا يمكن افتراض تمثيلها أبدًا، فهي هي أو هي غيرها، ولا وسط بينهما. وكل قانون لم يوافق عليه الشعب نفسه هو لاغٍ وليس بقانون، والشعب الإنجليزي يعتقد أنه حر، ولكنه مخطئ في اعتقاده، إنه لا يكون حرًا إلا في أثناء انتخاب أعضاء البرلمان، فإذا تم انتخابهم فهو عبد، بل ليس له من الأمر شيء) .
وفي المنطق المحض، إذا وجد التمثيل السياسي، فإن الهيئة الممثلة، أو المجلس، أو البرلمان، يتمتع بسلطان السيد.
ومبدئيًّا، الذي يمارس السلطة هو في وضع أفضل من الذي يفوضها تفويضًا افتراضيًّا أو يتخلى عنها، ولو إلى حين.
وإن نظامًا قائمًا على المشاركة هو خير وأشد ديمقراطية من نظام قائم على التمثيل.
إن الديمقراطية المباشرة، وإن الشورى للجميع، هي الديمقراطية الحقة، هي الديمقراطية الأصلية، هي الديمقراطية باختصار.
ولكن كيف نفعل، وقد افتقد الناس الهمة والاعتزاز الذي كان يعبر عنه ببيان أمثال بركليس عند الإغريق، أو الإمام علي كرم الله وجهه عند العرب والمسلمين؟
في خطبة شهيرة صور (بركليس) عظمة أثينا ووطنية أبنائها، وبرر حضارتها أمام الناس، فقال:
(إن شكل حكومتنا لا يدخل في مناقشة مع مؤسسات الآخرين) .
(نحن لا نقلد جيراننا وإنما نحن لهم مثال) .
(أنّا نُدعى بحق ديمقراطية، لأن الحكم للكثرة لا للقلة
…
) .
وفي تلك الخطبة، أرسل بركليس ذلك الادعاء العريض المدوي في التاريخ:
(وبكلمة واحدة أقول: إن أثينا مدرسة اليونان) .
أما الإمام علي كرم الله وجهه فقد قال - وهو يَسْتَحِثّ قومه لقتال معاوية، الذي أرادها مُلكًا عضوضًا -:(سيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين، يتخذهم الناس أربابًا، ويتخذون عباد الله خولًا! وما لهم دولًا) .
وقد سبق لربعي بن عامر - وهو يحدد طبيعة ما يريده الإسلام من الناس - أن قال: (إن الله ابتعثنا لنُخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها) .
3 -
في التأسيس لمرجعية مشتركة للديمقراطية الحقة (المباشرة) أو الشورى:
إذن.. إذا كنا نبحث عن ديمقراطية حقة، ونبحث عن مرجعية مشتركة لهذه الديمقراطية الحقة، فلابد أن تكون ديمقراطية لكل الناس، أو ديمقراطية مباشرة، أو شورى بالمعنى الحق للشورى باعتبارها فرضًا عينًا - بتعبيرات أصول الفقه الإسلامي - على كل مكلف - كالصلاة - وباعتبارها - في اللسان العربي المبين، وبالمنهج الصحيح (1)
(1) المنهج الصحيح في فهم مفردات اللسان العربي المبين - وعلى ما سبق لنا أن أثبتناه في بعض بحوثنا وكتبنا - يذهب إلى أنه (لابد من الالتفات هنا إلى أن كل لفظة لها معناها العام الذي تطوف حوله، وقد يكون طوافها قريبًا ملاصقًا، وقد يكون بعيدًا نائيًا، ولكنه على الحالين طواف حول المعنى العام واستشراف له، وقد تدل عليه دلالة عامة حينًا، وتدل على ضرب خاص منه حينًا آخر، وتدل على بعض نتائجه أو آثاره حينًا ثالثًا
…
إلخ. كما أن اللفظة قد تعطى الدلالة الحسية أولًا، ثم تتشعب المسالك وتتكاثر المحدثات - ولاسيما المجاز - فتتوه فيها آثار المعنى العام ولكن تظل العلاقة الوثيقة التي تجعل من كل ذلك أسرة واحدة.. تجمع أفرادها رحم قريبة فتردها إلى جد واحد تفرعت عنه، وتسلسلت منه، حتى توالدت هذه الفضائل الكثيرة، وتباعد ما بينها، فضربت في أنحاء متفرقة، واندس بينها كثير من المحدث من المعاني المجازية!.. حتى كاد يختلط علينا الأمر، فنحسب أن كلاًّ منها قائم بنفسه، مستقل عما سواه. وإذا كنا نحذر من أن نتوه عن المعنى العام المشترك فإننا أيضًا ننبه بتحقيق الألفاظ التي يظن أنها مترادفة على المعنى الواحد، لنكشف ما بينها من فروق غامضة، فبذلك يعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ (التي يظن أنها) مترادفة دون غيره من إخوانه. نحو: ذكره القلب مرة والفؤاد مرة.. فإن من يعد هذا بابا واحدًا قد يفوته إحقاق الحق وإبطال الباطل) .
في فهم مفرداته - تعني في معناها العام، هي الاستخراج والاجتناء والأخذ من مواضع متعددة! وهو اجتناء واستخراج لما هو حسن، والحسن إما ظاهر بيّن، وإما أن يستبينه من لم يظهر لأول وهلة من خلال العرض والإظهار والإشارة إليه وتقليب الأمور.
ومن هنا نجد في العربية: شار العسل، بمعنى استخرجه من الوقبة أو اجتناه وأخذه من خلاياه ومواضعه، ونجد فيها: الشارة والشورة، بمعنى الحسن الهيئة واللباس، ونجد فيها: الشور بمعنى عرض السخاء وإظهاره، ونجد فيها: المشوار وشار الدابة، وذلك من خلال عرض الدابة إذا أجراها لتعرف قوتها، وإذا قلبها ليستبين مواضع الحسن فيها، كما أن وتر المنداف الذي يقلب به القطن أو يشور به القطن، يسمى مشورة، ومثل هذا شار الفحل الناقة، بمعنى كرفها فنظر إليها لاقح هي أم لا، والشوار: متاع البيت ومتاع الرجل، والشورة: الجمال الرائع، ثم نجد أيضًا: أشار إليه وأشار عليه، بمعنى أومأ على شيء ما بالمشيرة (الإصبع) أو بالكف أو بالعين، وبمعنى الإشارة إلى الرأي والإشارة به على المستشير.
وخلاصة القول فيها: أن العربي حين يسمع الشورى، ويسمع أنها من صفات الجماعة التي استجابت لربها وأقامت الصلاة، ويسمع أنها (بينهم) ، أن العربي حين يسمع ذلك يدرك أن المطلوب هو أن الجماعة التي استجابت لربها كما تقيم صلاتها تتشاور في أمورها، وتحاول استخراج وانتقاء أفضل الآراء التي تمكنها من العزم أو الإجماع، ثم تولي الأمور إلى مجموعة (منها) ، وتتوكل على الله وهو نِعمَ الوكيل.
والشورى باعتبارها صفة من صفات الجماعة التي استجابت لربها تلزم في كل الأمور العامة والخاصة، حتى إنها مطلوبة في حالة الطلاق والنظر في إتمام الرضاعة:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، وكل ذلك في حدود ألا تكلف نفس إلا وسعها، ودون مضارة، {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 233] ، والقرآن الكريم الذي اتخذ من (الشورى) - منذ العهد المكي - صفة من صفات الجماعة التي استجابت لربها، وقد جاء فيه أيضًا (في العهد المدني، وعقب معركة أُحُد! أي في الوقت الذي كان يمكن لأي حاكم - حتى الحاكم العصري - أن يتخذ من الهزيمة مبررًا لإعلان حالة الطوارئ - بل شبه ديكتاتورية! أو ديكتاتورية كاملة بمناسبة حالة الحرب والهزيمة) التأكيد بأن: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] .
فالقرآن يتخذ من (الشورى) صفة من صفات الجماعة، ويلزم (أولي الأمر منها) إلزامًا، ومن هنا كان التطبيق الرسولي في قيام جماعة المسلمين على (الشورى) في عامة شؤونهم، ولا قيد إلا الالتزام (بالإطار المرجعي) أو (أول مرجوع إليه) ، والبحث عن الصواب في قول المتشاورين ليقدم كل منهم ما لديه من خبرات. ألا ترى أنه يوم بدر - بعد أن تم التأكد من أنه لا وحي في اختيار موقع نزول الجماعة - تمت الإفادة من أهل الخبرة، بينما يوم أُحُد - حين لم يكن من وحي ولم يتقدم أحد بخبرة محددة - أخذ برأي الأغلبية، والذين كانوا من الشبان، وكان الخروج مع أنه لم يكن من رأي الرسول صلى الله عليه وسلم، وحين كانت الهزيمة جاء النص يؤكد:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] ؛ فالشورى من أهم دعائم الجماعة الإسلامية، ومن أبرز صفاتها، وقد وردت (الشورى) بين الاستجابة لله وإقامة الصلاة من جانب، والإنفاق من جانب آخر.
وقد علق القرآن المثل الأعلى أمام المسلمين، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنموذج التطبيقي، لكي يسير المسلمون في يسير الأمور وخطرها على الشورى، وحتى تصير نهجًا عامًا للمسلمين في كل أمورهم.
ولابد هنا من وقفة عند الأنموذج التطبيقي الرسولي في المدينة، ولعل من المناسب أن أذكر هنا (الصحيفة) أو (الكتاب) الذي أصدره الرسول صلى الله عليه وسلم فور قدومه المدينة ورسم فيها، أو فيه، منهاج معالجة المشكلات بنهج مفتوح - بل (أنهج متنوعة، تنوع الأحياء والقبائل - يحكمه، ويحكمها، أن تكون الشرعة التي يشرع منها ويبدأ بها متفقًا عليها وموافقًا عليها، إنها شريعة الجماعة، أو الشارع الذي يفتح على عدة (أنهج) على رأي إخوتنا في تونس.
فهم: ((أمة واحدة من دون الناس، وإن بينهم النصرة على من داهم يثرب)) وما عدا هذا الالتزام بالدفاع ((وإن بينهم النصرة على من داهمهم)) ، فإن الالتزامات أخذت أسلوب توزيع الأعباء على أهل الأحياء والذاتيات المتميزة، وعلى أن يكون بين أفراد كل حي أو ذاتية متميزة بروابط خاصة، ((فالمهاجرون من قريش على ربعتهم، يتعاقلون بينهم، وهم يفدون ما بينهم بالمعروف والقسط بالمؤمنين)) ، ثم يذكر قبائل المدينة وأحياءها؛ قيجعل كل حي ذاتية متميزة، ويقر أفراده على الروابط الخاصة التي تربطهم، (وفي هذا الصدد يذكر أحياء: بني عوف وبني الحارث، وبني جشم، وبني النجار، وبني عمر بن عوف
…
إلخ) ، وبعد ذلك يذكر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، في صورة حقوق مشتركة، وواجبات واحدة، وميزات متساوية، وعلائق متحدة.
ثم يأتي الحديث عن يهود المدينة الذين يكونون لبنة من لبنات هذه الجماعة الجديدة، فيذكر أحياءهم كما ذكر أحياء الأنصار: (يهود بني عوف ويهود بني الحارث ويهود بني النجار
…
إلخ) ، ويتحدث عما لليهود بعضهم مع بعض من روابط خاصة وعلائق متميزة، ثم يذكر ما يجمعهم مع المؤمنين من روابط ومسؤوليات وحقوق وواجبات تقتضيها وحدتهم أو اتحادهم في هذه الجماعة الجديدة؛ فهم (أمة واحدة من دون الناس) ، ولكن مع تأكيد أنه - وإن يكن اليهود أمة مع المؤمنين - (لليهود دينهم وللمسلمين دينهم) ، وأن لليهود النصرة والمساواة بالمسلمين (غير مظلومين ولا متناصر عليهم) .
وأخيرًا، وبعد أن أعلنت الصحيفة التكافل بين الموسرين والمعسرين، أوجبت الالتزام بوحدة المسؤولية في الأمنين الداخلي والخارجي، ووزعت الأعباء المالية في حالة الدفاع، وحرمت الجريمة فيما بين أهل الصحيفة، وعاقبت عليها دون استثناء، (بعد كل هذا) نصت الصحيفة على الشريعة التي تحسم النزاع فيما بين أهل الصحيفة في كل حدث يحدثون.
وفي هذا الهيكل التنظيمي لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد البذور الأولى لكيفية ممارسة الشورى جماهيريًّا، وِفق مبدأ (الحي الجماهيري) والذاتيات المتميزة والمتمايزة - وليست ذات الامتيازات.
ونجد كل التأييد للتجربة الجماهيرية فيما تم - فيما بعد - بعد بناء الجامع، ثم انتشار الجوامع - وفق قاعدة عدم تعدد الجوامع داخل أي حي أو ذاتية متميزة - لتكون وحدات تجمع شعبي منتشرة على طول القاعدة الشعبية وعرضها، وعليها يتوزع الأفراد، بحيث يكون كل - في النهاية - منتميًّا إلى جامع من الجوامع.
وفي الجامع كما كان معروفًا كانت تتم المشاورة واستجماع الإرادة الجماعية أو العزم أو الإجماع، فالجوامع أداة تنظيم وتضامن، وهي تؤدي وظيفة دستورية ذات أهمية عظمى في ترتيب القاعدة الشعبية وشوراها، وتقديم مَن يُسمَّون أهل العقد والحل، أو المقدمين من الجماعة أو الأمناء
…
إلخ.
ومن هؤلاء، ومن المقدمين أو الأمناء أو أهل الثقة من كل حرفة أو مهنة
…
إلخ، يتكون (أولو الأمر) ، وتكون (أولو الأمر) الذين كانوا إلى جانب رسول الله، وكان يرد إليهم في الأمر شؤون الأمن أو الخوف
…
إلخ.
إذن، في كل جامع كانت تجري الشورى، وكان يتم تقديم جماعة يثق فيهم مجموع أهل الحي ويأتمنوهم على أمورهم، وفي كل جامع كبير على مستوى أكبر من الحي - وقد يجمع عدة أحياء أو قرية - كانت تتم مشاورة في أمر أوسع نطاقًا أو أكثر أهمية، وكانت تقدم طائفة من أهل العقد والحل أو المقدمين المؤتمنين وأهل الثقة، ومن مجموع المقدمين والمؤتمنين وأهل الثقة من أصحاب الحرف والمهن وما إليها يترشح في كل إقليم (أولو الأمر) .
فالإسلام - بحق - هو الشرع الجماعي، ومن هنا حتى في شؤون الإدارة لم يعرف إلا الإدارة الجماعية، ومن خلال الجماعة، فلا ولي فرد أو وصي، ولا ولاية ولا وصاية.
الجماعة بعضها أولياء بعض، والمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، والذين يقدمون (من)
لا (في) ولا (على!) الجماعة إنما هم (أولو) - لا أولياء، فما بالك بـ (ولي) أمر (من) الجماعة.
و (أولو) من مادة (أول) ، فـ (أولو) هم الأوائل المقدمون من الجماعة، والذين عهد لهم أو أولي إليهم أن يقوموا بتنفيذ ما عزمت عليه الجماعة بعد تشاورها، ثم هم (من) الجماعة، وليسوا (على) ، بل ولا (في) الجماعة، فلا ولي ولا ولاية، فنحن لسنا قصرًا. فحين يكون الإسلام شرع الجماعة يكون الشرع الجماعي هو الحاكم.
وفي الجامع لا يجتمع المسلمون عبثًا، لا يجتمعون ليكونوا غائبين عن شؤون الجماعة!.
إن المسلمين يجتمعون في جامعهم لشوراهم، وليقدموا من يعهدون إليه (أو يولونه ثقتهم) ، فقط لينفذ ما عزموا عليه (أو أجمعوا عليه) من أمر.
فالإسلام أقام المجتمع لا على الركيزة المعنوية - الأدبية أو الأخلاقية - وحدها، بل أيضًا على الركيزة الطبيعية، وهي الجماعة للتنفيذ. والشعوب بالأصل مخولة في إدارة مصالحها على قاعدة {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} .
فسلطة الجماعة في حد ذاتها تضمن تطبيق الشرع تلقائيًا، وبهذا يكون الإسلام شرعًا للجماعة متى أدركنا أنه شرع جماعي، وما أعظمه من شرع وثق بـ (الناس) وبـ (الجماعة) وبـ (الجمهور) و (السواد) .
وقد يكون هنا موضع وقفة لمواجهة ما تم من تحريف - واقعًا وفكرًا - لإظهار الإسلام وكأنه أمر يخص الفرد دون الجماعة، بل إن أمر التحريف وصل - وعلى المستوى الفكري أيضًا - للقول بأن الإسلام - بل والقرآن - لا يقيم وزنًا للأكثرية أو الجماعة أو الجماهير، أو بتعبيرهم (العامة) و (الدهماء) ! وما إلى ذلك من العبارات التي تحمل في طياتها معنى التحقير لكل ما هو جماعي!.
4 -
في أن حكم كل الناس أو الجماعة أو الجمهور أو الأغلبية لا يكفي، وحديث عن الشريعة: في الوقت الذي أكدنا فيه على الشورى، وما تعني من سلطة الجماعة، أكدنا أن سلطة الجماعة تضمن تطبيق (الشريعة) - شريعة الجماعة - تلقائيًّا.
وعلينا هنا أن نوضح الحاجة، بل الضرورة للشريعة، وما هي الشريعة؟ وما يثيره هذا البحث من قضايا ومشكلات.
إن الحاجة للشريعة، والتي وصلت إلى درجة الضرورة، نبعت من كيفية التوفيق بين حق كل الناس؛ وكل من الناس. في ممارسة حقوقه التي ولد بها، وولدت معه.
وبتعبير متكافئ فإن الحاجة للشريعة، والتي وصلت إلى درجة الضرورة، نبعت من إشكالية:
(الحرية والنظام، كيف التوفيق؟)
وما الحرية إلا (المجال) الذي يمارس فيه كل الناس حقوقهم كأناسي، ولدوا بهذه الحقوق، وحقوق الإنسان هي مجسدة فيه؛ فالإنسان له رأس، فله الحق أن يتفكر ويعقل، وله أذنان، فله الحق أن يسمع، وأن تصل إليه كل المعلومات المسموعة ليتبع أحسنها، وله عينان، فله أن يطلع ويمتد بصره إلى أقصى الآفاق، وله أنف، فله حق استنشاق الهواء النقي بعيدًا عن كل تلوث، وله شفتان، فله أن يتحدث ويقول، وله قلب، فله أن يحب، وأن ينبض قلبه بكل الحب والمشاعر الخيرة، وله بطن، لا بد أن تتلقى لقيمات تسد أودها، وله يدان يعمل بهما، فله حق العمل، وله رجلان، فله أن يسعى في الأرض وينتقل
…
إلخ.
ولكنه لكي يمارس (أي الإنسان) هذه الحقوق، عليه أن يعرف أن للآخرين نفس الحقوق، وبالتالي فإن خير ممارسة للحقوق هو أن تكون بعدل (والعدل إعطاء بمساواة) . فممارسة الحقوق، وبعدل، وهي أعلى المستويات التي تتيحها الحرية.
- فما السبيل إلى ذلك؟.
- وما السبيل إلى منع مجاوزة حدود العدل (ومجاوزة حدود العدل هي الفساد - على ما قالت العرب) ؟.
والجواب - قولًا واحدًا - هو التنظيم القانوني العقلاني والآمر، ومن المقرر أن القاعدة القانونية لها جانب عقلاني (Rational) في تنظيمها أمر من الأمور، ولها جانب آمر (Imperative) ، وهذا الجانب الأخير هو الذي يعطيها قوة الإلزام والنفاذ.
على أنه في ثقافتنا (العربية - الإسلامية - القرآنية التقدمية) فإننا نتصور أن التنظيم الموضوعي العقلاني (بمعنى الذي يعقله العقل، وقد لا ينشئه!) هو الأهم، ويكون الجانب الآمر هو ما تجد العقول نفسه مضطرة لقبوله، والعقل مضطر لقبول الحق.
فثقافتنا (العربية الإسلامية القرآنية - التقدمية) تستند إلى (شريعة) والشريعة في اللسان العربي - وبالمنهج الذي سبق إيضاحه في فهم اللسان العربي - تعني المنطلقات المبدئية أو الأطر المرجعية، فشريعة الماء أو مشرعة الماء هي المواضع التي ينحدر منها.. أو هي مورد الشاربة التي يشرعها الناس فيشربون منها ويستقون، (ويقول الأزهري: ولا تسميها العرب شرعة حتى يكون الماء عدا لا انقطاع له كماء الأنهار.. أو يكون ظاهرًا يستقي منه) - مثل هذا.. شرعت في هذا الأمر شروعًا: أي بدأت فيه بدءًا، والشارع: الطريق الأعظم الذي يشرع فيه الناس كافة، ودور شارعه -: إذا كانت أبوابها شارعة في الطريق.. أو دنت إلى الطريق وقربت من الناس.. وهذا كله راجع إلى الظهور والإشراف عليه، وقريب منه شراع السفينة لظهوره والشروع في المسير، وكونه مشرعًا نحو وجهة.
فالبدء في السير على أساس من سبق التوجه نحو وجهة شاملة وعظيمة.. هو ما يحدد معنى الشريعة، وهي شريعة محددة ومنهاج مفتوح، أو مناهج مفتوحة.. وكما يقول إخواننا في تونس عن الشارع:(إنه يفتح على عدة أنهج) .
فالشريعة بهذا المعنى هي بحث فيما يعرف في الدراسات المعاصرة بالمشروعية العليا فوق القوانين والدستور (Super Legality - Legalite Superieure) ، لعل أحدث المدارس في هذا الموضوع هي المدرسة التي تتبنى نظرية المؤسسات (Theory De L'institution) ، وقد بدأها العميد (هوربو) وصاغها تلميذه (Renard) وهو يعتبر القانون الطبيعي مجموعة قواعد هذا القانون الطبيعي تنبع من القانون السرمدي، أي من الحكمة الخالقة، أي الله سبحانه وتعالى.
ولا يمكن لشريعة المجتمع أن تكون محل صياغة من لجنة أو مجلس.. إذ كيف تملك إرادة البعض أن تقيد إرادات الآخرين، وأن تسمو عليهم وتفرض عليهم القواعد والنصوص (هذا رأي العميد دوجي) وشريعة بهذا المعنى في أصول الفقه عندنا هي بحث في أول رجوع إليه، وأول مرجوع إليه هو القرآن.. قولًا واحدًا بين جميع الأصوليين.
وهنا، قد يكون من المناسب أن أفرق لبعض رجال الفكر الإسلامي، ولبعض رجال الفكر القانوني أيضًا بين شريعة المجتمع باعتبارها نظرًا في أساس، أو مقياس للقانون، أو نظرًا في قانون القانون.. وبين الحديث عن مصادر القانون، وهنا، وقد يكون من المناسبات أيضًا أن أفرق لبعض رجال الفكر الإسلامي، ولبعض رجال الفكر القانوني، بين قضية أساس النظام القانوني، وبين قضية أساس السلطة وسندها.. فالحديث عن الشريعة هو غير الحديث عن الشورى، كما أنه غير الحديث عن مصادر التشريع!
فالشورى هي أساس السلطة، والقرآن هو أساس التشريع، أما المصادر التشريعية فللمسلمين أن يفيدوا من كل ما تسمح لهم خبراتهم ومعارفهم الإفادة منه، إذا تم بتشاور بينهم، ولم يصادم شريعتهم، أو الأسس والمقاييس والإطار المرجعي.
هي المنطلقات والمسارات العريضة والوجهة، التي نستقيها من الدين، والدين واحد وإن تعددت الرسالات تعدد الأقوام.. والدين القيم هو الدين الذي يقوم بكل جوانب النفس البشرية والمجتمع البشري، وهو (أي الدين) الذي يأخذ بالعرف والمعروف، وبما يتوافق مع الفطرة.
وهكذا تقام القواعد على القواعد، وتجتمع عوامل ثلاثة، كلها تقتضي أن يشعر الإنسان بالمثل العليا شعورًا واحدًا. لا يختلف عليه إملاؤها، فهو في ما تمليه الجبلة أو الفطرة (أو القانون الطبيعي) ، في مثل ما يمليه العرف والمعروف، في مثل ما يمليه الدين القيم.
وهكذا فإن قانونًا هذا أساسه - أو شريعته - سيلتقي فيه الجانب الآمر (Imperative) ، مع الجانب الآمر العقلاني أو الإقناعي (Rational) .
وعلى ما أوضحنا، وما هو معروف، فإن القانون له جانبان: جانب آمر (Imperative) ، وجانب عقلاني أو إقناعي (Rational) ، وهو الذي يتضمن تنظيمًا للواقعة على نحو معين. فإذا جاء هذا التنظيم مؤسسًا على شريعة هي فطرة الله في الناس، وناموسه في هذا الكون، وحقائقها سافرة تزاحم البديهيات - أي المعايير التي يعقلها الإسلام لأول وهلة -
…
وإذا جاء هذا التنظيم مؤسسًا على شريعة تأخذ بالعرف، وتأمر بالمعروف، مما هيئ الإنسان على أن يحيا به، وله ملكات فهمه والتجاوب معه.. وإذا جاء هذا التنظيم مؤسسًا على شريعة هي بصائر كاشفة، جاء بها رسل لم تكن مهمتهم إلا إرشاد الناس إلى ما خفي عنهم من تلك الحقائق وتبصيرهم بها، فيعقلها القلب، وتنقشع الغيوم وتتبدد الجهالة، فيكون ما فيها من الحق هو الضرورة التي يوجبها أسفار الحقائق، على مثال ما يلزمه أحدنا إذا رأى أمامه طريقين: أحدهما واضح الاستقامة، والآخر كثير الحفر والعثرات.
إن هذا التنظيم، المؤسس على شريعة تلتقي فيها الفطرة مع العرف مع الدين القيم، هو تنظيم تحكمه حقائق عليا، هي مثل قوانين الطبيعة في استعلائها، فاستعلان قانون الأجسام الطافية - مثلًا - للمهندس الذي يصمم السفن يلزمه قطعًا - باستعلانه واستعلائه - أن يجعله أساس قواعد تصميمه، ولا يجعل له خيارًا في مخالفته ألبتة، والمهندس حين يمتثل لهذا لا يلتزمه راغمًا أو ضجرًا، وإنما يمثله قرير العين راضيًّا، ولا يسيغ أن يتحول عنه بأي حال، لأنه قانونًا قطعي الثبوت، قطعي الدلالة.
وفي سلطة الشعب - كل الشعب - إنما يأتي أي تنظيم من هذا القبيل - بالإضافة إلى تأسيسه على (شريعة المجتمع) التي ذكرنا - مستندًا إلى الشورى - وديمقراطية مباشرة، يباشرها كل الناس - (والعزم) أو الإجماع، الذي يتم التوصل إليه بناء على الحجة والإقناع، وتأسيس على مرجعية وسوابق ونصوص
…
إلخ.
وهكذا، فإن القوانين في مثل هذا المجتمع القائم على سلطة الجماهير، والتي تجد شرعيتها في شريعة تقوم على الفطرة، وتأخذ بالعرف، والدين القيم، لابد أن تكون (هذه القوانين) قائمة على الحجة والبرهان، وهي آمرة بإقناعيتها!. ومن هنا كانت طاعة أولي الأمر - و (أولي الأمر) جمع لا مفرد له من جنسه، وهو من مادة (أول) ، أي الأوائل الذين (نولي) - أو نسند - لهم تنفيذ ما تشاورنا فيه، وأجمعنا عليه، وهم ليسوا (ولي) أو (أولياء) ، أمر علينا؛ بل هم (أولو) أمر منا، وليسوا علينا - غير متعارضة مع الإقناع الحر والاختيار الإرادي، فالشورى أولًا، ثم العزم أو الإجماع - فإن لم يكن (عزم) أو إجماع، فرأي الجماعة أو السواد أو الجمهور.. - ثم نكلف من ينفذ، ونختاره (منا) ، من بين صفوفنا، فيكون من الأول، المقدمين، أو (منا) ، من بين صفوفنا، فيكون من الأول المقدمين أو (أولي) أمر، من أولي لهم التنفيذ، تنفيذ ما عزمنا أو أجمعنا عليه؛ فهي ليست طاعة لشخصه، ولكنه ينفذ أمرنا، الذي تم التشاور فيه بيننا، وجاء محكومًا بإجماعنا، وغير خارج عن شريعة المجتمع.
ثانيًا - في العلمانية
واستبدال (التوحيد) بها في المرجعية الإسلامية
واستغناء المرجعية الإسلامية عنها
إن المرجعية الإسلامية باستنادها إلى معيار أو إطار مرجعي، هو ما شرع من الدين مما وصى به نوحًا، ومرورًا بأبي الأنبياء إبراهيم، وموسى، وعيسى، وانتهاء بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى أخويه: موسى وعيسى، وعلى سائر الأنبياء والرسل، أفضل الصلاة والسلام
…
إن هذه المرجعية الإسلامية باستنادها إلى أن الدين واحد، وإن تعددت رسالات الرسل إلى أقوامهم.
وإن هذه المرجعية الإسلامية باستنادها إلى أن رسالة كل الرسل كانت الإسلام في جانبه التوحيدي الأساسي، مع تنوع في بعض المعالجات.
وإن هذه المرجعية الإسلامية باستنادها إلى أن الرسالة الخاتمة إنما جاءت مصدقة لما هو أساسي، ومهيمنة - أي مستوعبة وشاملة - للمعالجات المتنوعة.
إن هذه المرجعية الإسلامية تقدم تأسيسًا أكثر تجذرًا وأعمق مما حاولت (العلمانية) أن تقدم، لكي يهتم الناس بهذا العالم الذي يعيشون، ولكي يتحرروا من الأوهام التي كانوا يتوهمون، فيأخذوا في التعامل مع الطبيعة - بحثًا واستعمالًا - بعد أن يبعدوا أوهام الأشباح التي في الطبيعة، وأوهام عدم قداسة الحياة الدنيا، وأوهام مزاعم ملوك يحكمون بحجة أنهم سلالة إله من الآلهة!!.
والعَلمانية - بفتح العين - من الاهتمام بهذا العالم، والآن (Seculum) ، وهي تستهدف تحرير الإنسان من الخضوع للطبيعة، كما تستهدف تحرير الإنسان من الشعور بعدم القداسة وهو يعالج مشكلات حياته، كما تستهدف تحرير الإنسان من سيطرة ادعت لنفسها احتكار المعرفة أو السلطة
…
إلخ.
وعلينا أن نذكر أن الإسلام يرفض عبادة غير الله، ولا يشرك به من شيء أو شخص، فهو يعلن تسخير كل ما في الكون للإنسان، ويحرر الإنسان من الخضوع للطبيعة، كما أن الإسلام يستنكر تحريم زينة الله التي أحلها لعباده، ويستنكر تحريم الطيبات، ويؤكد حلها، وفي الإسلام لا احتكار لمعرفة أو سلطة أو ثروة، ولا رجال دين! ولا حكومة إلهية، بل حكومة كل الناس وشورى بينهم ويقدمون (أولي) أمر (منهم) - فلا وصاية (عليهم) أو (فيهم) !!!.
ودعوة التوحيد تستهدف المساواة بين الناس، في الاعتبار الإنساني، وفي البقاء في المستوى الإنساني، وفي المشاركة في خصائص الإنسانية من الصواب والخطأ، فليس هناك في نظر الإسلام مكان في جماعة المؤمنين، أو في المجتمع الإسلامي، لنزاع حول السلطة، على أساس أن بعض المجموعات في المجتمع تتميز عن المجموعات الأخرى.
ومع أن انتقال العلوم الإسلامية وتعلم اللسان العربي أثرا بدرجة كبيرة على العقائد المسيحية (وحتى مارتن لوثر كان وليد الأثر الإسلامي على أوروبا) ولكن النهضة الفكرية والعلمية ظهرت في أوروبا كحركة علمانية!.
وعلى كلٍّ، فإن الثورة العلمية والثورة الجمهورية اللتين ظهرتا في أوروبا إنما كانتا نابعتين من عين الثورة الإسلامية التوحيدية!، ولكن الغرب أعطى هاتين الثورتين صبغة علمانية! فأفقدهما ذلك الأساس الفكري القائم على التوحيد الذي يحرر الناس من الأوهام، ويقيم في الواقع الاجتماعي قيم الحرية والمساواة والتآلف والتآخي والوحدة.
وقفة لابد منها، (مفهوم التوحيد) :
وهنا نرى، وقبل أن نواصل، ومن أجل أن نواصل ونتابع هذا التاريخ، ضمن حركة التاريخ العام للإنسانية، نرى أن نقف عند مفهوم التوحيد لما يمثله من كونه المعيار الأول أو (Para-Meter) أو المعلمات التي تمكننا من وضع رسم بياني صحيح لحركة التاريخ، ولما يمثله من كونه محور الارتقاء في تاريخ الإنسانية - والذي قاده الأنبياء والرسل، وكان محمد صلى الله عليه وسلم خاتمهم، وبعدهم استدارت حركة التاريخ، لتقودها أمة العرب ومن حولها قوميات العالم الإسلامي، وبادئ ذي بدء، يهمنا أن نقول - والحق نقول:
إن الأنبياء والرسل بما حملوا من دين واحد، وإن تنوعت رسالاتهم تنوع أقوامهم، إنما كانوا يرسون أسس التوحيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((خير ما دعوت إليه أنا والأنبياء من قبلي: شهادة أن لا إله إلا الله)) .
ولقد كان هذا هو القاسم المشترك لدعوة كل نبي رسول، ثم تنوعت المعالجات وفقًا لانحراف أو انحرافات كل قوم، وجاء محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة المؤكدة والمصدقة لهذا القاسم المشترك، وهي أيضًا الرسالة التي تعطي جماعًا لما تفرق في الرسالات الأخرى، فتكون مهيمنة عليها، فالقرآن مصدق لما قبله ومهيمن عليه!.
وحجر الأساس في القرآن هو علاقة الإنسان بربه، وتوحيده بالربوبية! وبالتوحيد يتم استجماع مشاعر الولاء في نفس الإنسان، وترد إلى الإله الواحد الأحد، الذي لا إله غيره، وبهذا يتحرر الإنسان من كل عبودية لأي شيء! ولأي إنسان أو أي مخلوق!، وبهذا التوحيد - الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها - لا تذهب مشاعر التدين - كما يحدث في غيبة التوحيد - إلى الولاء المشتت بين أرباب متفرقين من الخلق، فتكون الدكتاتورية والظلم الرأسمالي أو الاستبداد الطبقي
…
إلخ.
والإيمان بكلمة (لا إله إلا الله) ينعكس (روحيًّا - أخلاقيًّا، ونفسيًّا - اجتماعيًّا) في صورة قيمتين أساسيتين هما: الحرية والمساواة، بما لهما من آثار في المجال الاقتصادي والسياسي.
وقد انعكست كلمة (لا إله إلا الله) عند علي كرم الله وجهه في قوله: (لا تكن عبدًا لغير الله)، وفي الأثر:(لا تكن عبدًا لغير الحق، فإن عبد الحق حر)
، كما انعكست كلمة (لا إله إلا الله) عند عمر رضي الله عنه في قولته المشهورة: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا
…
) ، فهي حرية لي وللآخرين.
والعبودية هي تهيئة الإنسان لما يصلح له من قيام بأمانة الخلافة والتعمير، فهي تحرير الإنسان من الخضوع أو التبعية لأي شيء! ولأي شخص.
وهذه التهيئة تؤكد، كما يؤكد هذا التحرير، أن الإنسان خليفة الله في الأرض، وأن إخوته من عباد الله مستخلفون في الأرض.
وهذه التهيئة، وهذا التشديد على الإنسان باعتباره خليفة الله في أرضه وأكرم خلقه وأفضلهم، هي - وهو - ما أهل الإنسان للقيام بدور أداء الرسالة التي اؤتمن عليها في التعمير
…
ويتلاقى مع كل هذا، مفهوم تسخير الكون للإنسان، والتسخير سوق الشيء إلى الغرض المقصود منه قهرًا (قارن العبادة، باعتبارها تهيئة الإنسان للقيام بالغرض المقصود منه اختيارًا!!) .
وكون هذا الكون مسخرًا للإنسان - سواء بمعنى كون الكون مسخرًا ومنقادًا للمسخر له (أو للإنسان) ، أو بمعنى كون الكون مسخرًا بحيث يكون سببًا لحصول ما ينفع للإنسان متى علم السنن واستخدامها - يؤكد تحرير الإنسان من المخاوف الطبيعية، ويقتضيه إقامة نظره على التفكر والتعقل والعلم بنواميس الكون.
كما أنه يلتقي مع ما تقدم من مفاهيم التوحيد والعبودية لله، بما تعنيه من حرية الإنسان وحرية الآخرين، كما يلتقي مع استخلاف الإنسان واستخلاف الآخرين، والكون أيضًا مسخر له ولأخوته الآخرين، وليس الآخرون مسخرين! بل هو وهم شركاء في المائدة التي سخرها الله، فلابد من كفالة حق الجميع في حد الكفاية - وهو غير حد الكفاف - وعدل وتضامن وتكامل وتراحم
…
وخلاصة القول في هذا التأصيل: إننا نرى في مفاهيم الإسلام والتوحيد، وما يتفرع عن ذلك من مفاهيم العبودية أو تهيئة الإنسان لما يصلح له من استخلاف وائتمان على تعميرها والقيام بدور أداء رسالة، ومع تسخير الكون
…
إلخ.
إننا نرى في كل ذلك خير تأصيل فكري عميق الجذور وأصيل للثورة العلمية والثورة الديمقراطية الحقة! ديمقراطية كل الشعب، بل والديمقراطية الاجتماعية أيضًا.
ولهذا فإننا نرى أنه يوجد لدينا في كل ما ذكرنا خير تأصيل وتأسيس فكري عميق الجذور لهذا المشروع الحضاري العربي الإسلامي التقدمي، الذي لابد من أن يستجيب لمطالب النضال الحديث والمعاصر لأمتنا في: 1 - الديمقراطية، 2 - والاشتراكية، بما تعني من كفاية - هي نتيجة لتنمية حقة في مواجهة التخلف أو النمو المشوه والتابع -! وعدل في مواجهة الاستغلال والظلم، 3 - والوحدة القومية، 4 - والأخوة والتضامن الإسلامي، وتعارف وتعايش وعدم انحياز، 5 - بل، وحياد إيجابي.. هو شهادة الحق برسالة حضارية للإنسانية كلها
…
إلخ.
فالإله الواحد يقدم الأساس:
1 -
للكون الواحد.
2 -
المتسق القوانين.
3 -
الذي تتساوي فيه الوحدات المتنوعة.
وهذه هي المنظومة العلمية التي هي أساس كل علم، فالعلم يقوم على قوانين منسجمة تحكم الكون والحياة، وهي قوانين ينظمها قانون شامل واحد، وهي في نفس الوقت سارية في ألوان الوجود.
والإله الواحد هو الأساس:
1 -
لوحدة النفس الإنسانية، ووحدة المجتمع الإنساني.
2 -
وتحكم النفس، وتحكم المجتمع، سنن الله المتسقة.
3 -
والتي تسري على جميع الأفراد، فهم وحدات متساوية، تمامًا أمام قوانين متسقة واحدة!
وهذه هي الترجمة للمنظومة العلمية، والمقامة على أساس من التوحيد والإسلام، إلى مفهوم ديمقراطي مباشر، حيث الفرد لا يمكن أن يحسب بأقل من واحد، كما أن هذا الفرد الواحد لا يمكن أن يحسب بأكثر من واحد!.
وحيث الجميع عباد الله وإخوة فيما بينهم، وكلٌّ منهم يتولى أمر الآخر {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: 51] ، فالمسؤولية مقررة من الأفراد تجاه المجتمع، ومن المجتمع تجاه الأفراد، والشرائع والنظم هي لمجتمع أخوة متضامنين ليس في واحد من البشر أكثر من واحد، ولا واحد أقل من واحد، وأن الجميع سواء في موقفهم أمام القانون الأعلى عليهم وعلى كل شيء، وكل شيء مسخر لهم.
والله الواحد الأحد هو وحده ليس كمثله شيء، ولم يكن له كفوًا أحد، والناس بعد ذلك أشباه وأنداد - كلهم مخلوقون وكلهم عباد - وكل شيء مسخر لهم، وهم سادة مكرمون بفضل الله ونعمته، متى علموا وأقاموا مجتمعهم على شكر النعمة بالعمل، وكان العمل أساس ترقيتهم درجات (الدرجات تعني أن هناك حدًا أدنى مكفولًا هو مستوى خط الحياة، أو مستوى حد الفكاية، ويتم الارتقاء منه درجة درجة! والدرجات ليست طبقات، بل هي مفتوحة للترقي
…
إلخ) ، وليكون هذا الترقي ابتلاء أو امتحانًا، والله الغني عن العالمين يقسم بين الناس، وهم من نقطة الإخاء شركاء في الموارد والثمرات والأموال التي هي في المجتمع - وفي أيدي المؤمنين - أموال الله، وعلى أساس أن هذه المشاركة تعني بالوازع والالتزام أن يعود (فائض الحاجة) أو العفو في يد كل فرد إلى أيدي إخوته الآخرين في المجتمع الذي يتحرك بالعلم، ويتحرك فيه الكل بالديمقراطية المباشرة، نحو أهداف الكفاية والعدل، مع انفتاح إنساني بقوميات متعارفة من أجل وحدة حقة من خلال التنوع، وتنوع إلى وحدة وتوحيد!. وهذا هو الأساس العلمي والمفهوم الجماهيري والمضمون الاجتماعي لفهمنا للإسلام.
ونقف الآن عند معنى الشهادة بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله وخاتم النبيين والرسل:
فإن إعلان انتهاء نظام النبوة والرسالة هو الإيذان بأن الإنسانية قد بلغت سن الرشد، مرحلة تحمل الأعباء.
فيوم أن اكتمل الدين باختتام الرسالة التي بلغها محمد صلى الله عليه وسلم كانت البشرية قد امتحنت كل طاقاتها وصهرت معدنها، بدءًا بالخطيئة الأولى والتوبة منها، ومرورًا بمعركة هابيل وقابيل، وتجربة كل جيل من بعدهم أو كل قرن أو قوم، وما عرفوا من أمر ما سبقهم إليه جيل أو قرن أو قوم من قبل! تمامًا كما يحدث مع ابنك الصغير؛ يكون جنينًا ويمر في خلقه بأطوار، ويأتي عليه حين من الدهر لا يكون شيئًا مذكورًا، ثم طفلًا، حتى يتعلم الأسماء كلها!، ويبدأ بعد ذلك في دخول مرحلة التفكير والجدل ومسؤولية الاختيار، ويواجه التجربة، ويخوض المعركة، وحتى إذا ما اشتد عوده وبلغ رشده، تكون النصيحة الخاتمة، وعليه أن يشق طريقه، خيره له وشره عليه!.
وكان محمد صلى الله عليه وسلم هو كلمة السماء الأخيرة إلى الإنسانية الراشدة، وكان العقل بعد ذلك، وبفضل ذلك، قد أصبح حرًا مختارًا، يتوجه بهدي القرآن الذي هو شرعة محدودة ومنهاج مفتوح.
وإن العقل هو الذي يدرك الحق والعدل والخير العام.
إن العقل قد يخطئ، ولكنه قادر على أن يدرك الخطأ ويصحح الخطأ، والنصوص لا تلزم الإنسان إلا بمقدار ما يعقلها الإنسان، ومن هنا كانت تلك القاعدة التي تقول:(بناء أصول الدين في العقائد، وحكمة التشريع، على إدراك العقول لها واستبانتها لما فيها من الحق والعدل ومصالح العباد) ، على أن المعتقدات أمر ذاتي نفسي، ولا تتصور إلا هكذا، وكون الإنسان مؤمنًا أو غير مؤمن لا يدركه حقيقة إلا الإنسان، وإلا الخالق جل وعلا، ومن أجل هذا ترك أمر المعتقدات وأمر العبادات إلى الاجتهادات الشخصية التي يقوم بها الإنسان بنفسه لنفسه!.
ويعلِّق الأستاذ الدكتور خلف الله بهذا الصدد قائلًا - بحق -: (إن العبادات أمر شخصي، يحدد العلاقة بين الإنسان وخالقه، ومن حق هذا الإنسان أن يحدد بنفسه موقعه من خالقه، وإلا كان كالأنعام أو أضل سبيلًا
…
) ، وقد قال الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده:(إنه لا يجوز لأحد أن يأخذ بقول أحد ما لم يسنده إلى المعصوم)
، ويعلق الشيخ رشيد رضا على هذا القول بقوله: يعني في مسائل الدين البحتى: العبادات والحلال والحرام.
…
وإذا كان هذا هكذا في شؤون المعتقدات والعبادات فإنه بالمثل، ومن باب أولى، أن تكون أمور الحياة الدنيا، وبخاصة الجماعية منها، كالسياسة والحرب، محل اجتهادات الإنسان، مع فارق أنها لكونها لا ترتبط بالإنسان وحده، وإنما ترتبط به باعتباره عضوًا في جماعة، ومن هنا كان الاجتهاد فيها اجتهادًا جماعيًّا، مادام العائد فيها يعود على الجماعة كلها إن خيرًا وإن شرًّا وإن نفعًا وإن ضرًّا.
وخلاصة القول: أنه باكتمال الدين واختتام الرسالة قد تم تحرير الإنسان لا من الآلهة الخرافية فحسب، بل ومن سيطرة مزعومة لكهنوت الله أو وصاية لمن يسمون رجال الدين! ولقد أنكر القرآن على رجال الكهنوت الدور الذي يلعبونه! حتى ولو كان لمصلحة الدين، ولقد أنكر القرآن على الناس اتباعهم الأحبار والرهبان، واتخاذهم أربابًا لهم يحللون ويحرمون!.
…
وهكذا عاد الأمر شورى، وعادت الشورى صفة من صفات المسلمين يمارسونها في كل أمر من الأمور العامة، وحتى شؤون الأسرة تكون عن تشاور في كل أمر، حتى ولو كان يبدو صغيرًا كأمر فطام رضيع!.
وليكن هذا مدخلنا للفقرة التالية:
وقد يكون هنا هو الموضع المناسب لأن نوضح أنه ربما لا يكون مجرد مصادفة أن تكون رسالة الإسلام، وهي رسالة كل الرسل ليست إلا دعوة الناس إلى التوحيد وإرصاد الجهود لجعل الإنسان موحدًا، مع نشر روح الوحدة والأخوة والألفة والانسجام.
ولقد كان للشرك استيلاء فكري واستعلاء في قديم الزمان، حتى إن السياسة كانت تقوم على دعائم الشرك، فكان الملوك في قديم الزمان يحكمون بحجة أنهم سلالة إله من الآلهة!.
ويعتقدون بحلول ذات الإله في أنفسهم، أو أنهم ظِل الله في الأرض، أو أن دمهم دم أزرق يختلف عن باقي البشر، إلى آخر الخرافات التي أراد الله لها أن تنتهي إلى أبد الآبدين على يد خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم؛ فكان أن استدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض باكتمال الدين وإتمام النعمة وارتضائه لنا الإسلام دينًا.
وإن انقلابًا عظيمًا في التاريخ الإنساني قد حدث، وأخذ طريقه لإحداث رجع وصدع في كل السماوات والأرضين، يوم أن قطعت وشيجة الشرك، وقطعت بالتالي عن السلطة والحكم، فصار بعد ذلك أمرًا سياسيًّا بحتًّا..
ولقد كان ذلك أول انقلاب في التاريخ الإنساني المعلوم، ونخص بالذكر هنا أثرين من آثار هذا الانقلاب الكامل المحيط بجميع نواحي الحياة، أولهما: أن الناس لما علموا أن الله هو إله واحد، وما عداه مخلوق ومحكوم، ماتت عقلية تقديس مظاهر الطبيعة والأشياء التي كانت آلهة تُعبد ويُسجد لها، وأصبحت خادمة للإنسان، فشاء أن يعرف كنهها وحقيقتها ويستعملها لحاجاته، كان هذا الانقلاب الفكري الذي قضى على عهد الأوهام والأساطير، وافتتح عصر العلم الحديث!. والثاني: هو أنه انقرض به عهد الملوكية على مستوى فكري، وبدأ عصر الجمهورية الديمقراطية، ولما علم من أن الناس سواء، وليس من إنسان له صفة الألوهية، فلم يبقَ لأحد حق الحكم الإلهي على الأرض!!.
وانطلق هذان الانقلابان (أو الأثران العظيمان، من آثار الانقلاب العظيم الكامل المحيط بجميع نواحي الحياة) من المدينة، ثم وصلا إلى دمشق فبغداد وإسبانيا وصقلية، حتى انتشرا في معظم أفكار العالم.
على كلٍّ، فإن عمل الثورة الذي بدأ في العالم الإسلامي انتشر في أوروبا. غير أن هذا العمل قد تعرض لتغيير عندما وصل إلى أوروبا، وقد كان هذا العمل ظهر إلى الوجود في العالم الإسلامي تحت أثر الإسلام، ولكن أوروبا لم تكن مسلمة، فقامت بتطوير هذا العمل بإعطائه أساسًا علمانيًّا! مع أن انتقال العلوم الإسلامية وتعليم اللغة العربية أثر بحد كبير على العقائد المسيحية، (وحتى مارتن لوثر كان وليد الأثر الإسلامي على أوروبا مباشرة) ولكن النهضة العلمية والفكرية ظهرت في أوروبا كحركة علمانية) .
وهكذا، فإن الثورة العلمية والثورة الجمهورية اللتين ظهرتا في أوروبا إنما كانتا نابعتين من عين الثورة الإسلامية، ولكن الغرب أعطى هاتين الثورتين صبغة علمانية!! فأفقدهما ذلك الأساس الفكري القائم على التوحيد الذي يحرر الناس من الأوهام، ويقيم في الواقع الاجتماعي قِيَم الحرية والمساواة والتآلف والتآخي والوحدة.
وإذا كان البعض يرى أن المادية وحدها هي التي أزاحت عن كاهل الإنسان المخاوف من القوى الطبيعية التي كان يرجعها لقوى بعد طبيعته! وعلمته أن يؤثر بتقديره في الحياة الدنيا! ويركز طاقاته على تحسينها، كما ألهبته الكبرياء البشري وتوكيد الذات.
وإذا كان البعض يرى هكذا، فمن حقنا أن نقول لهذا البعض وإلى الجميع نقول، والحق نقول:
إن الإسلام هو الذي أزاح عن كاهل الإنسان المخاوف من الآلهة الخرافية والقوى بعد الطبيعة الأخرى، يوم أن علمه أن له إلهًا واحدًا هو رب كل العالمين، وهو رحمن رحيم، وأنه جاعل آدم نبيه خليفة في الأرض، وأن كل ما في الأرضين والسماوات مسخر للإنسان، وما على الإنسان إلا إعمال عقله، ليعقل ويربط ظواهر هذا الكون التي تحكمها قوانين منسجمة ينظمها قانون واحد، هو القانون الساري في كل ألوان الوجود، مما يمكن الإنسان من أن يفيد ويؤثر بتقديره وعلمه، بما يعود عليه ويؤتيه في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
…
إلخ. والآيات القرآنية واضحة الدلالة في أن جزاء الإنسان أو أجره وثوابه متوقفان على ما يحصل عليه من علم، وما يقوم به من عمل، وهو حين يعمل صالحًا يحيا في هذه الدنيا حياة طيبة، ويدخل في الآخرة جنات تجري من تحتها الأنهار.
ثالثًا
في نظرتنا لـ (حقوق الإنسان)
ومدى اختلاف مرجعيتنا الإسلامية عن مرجعياتهم!!
دون انتقاص لجهود أحد لإظهار حقيقة أن الإسلام (سيظهر) على الدين كله، فإننا نرى أن الطريقة التي قام بها - في هذا الصدد - (المسلمون الليبراليون) في مرحلة مبكرة من عصر النهضية، ولا زالت متواصلة، وهي تقديم الدليل من الآيات - أو الأحاديث - على أن ما يتحدث به أهل الغرب - وخاصة الليبراليين منهم - هو موجود عندنا، يؤسفنا أن نقول إننا نرى أن هذا ليس (إظهار) للإسلام، بقدر ما هو سوق للمسلمين للسير (تبعًا) للغرب، رغم ثقتنا بحسن نيات من يقومون بهذا الجهد.
ونحن نقول هنا بأنه يمكننا تقديم الدليل من القرآن، ويمكن تعزيزه بالعديد من الأحاديث، على مناصرتنا لمبادئ حقوق الإنسان.
إلا أننا نعتقد أنه لدينا طريقة أفضل، وهي أكثر تأصيلًا لمناصرتنا الحقيقية لحقوق الإنسان، وأكثر تجذُّرًا في رؤيانا للكون والحياة والإنسان، وأكثر جدية وجدة.
فنحن مَن يرى - وهي رؤية صحيحة وحقة وفقًا للقرآن الذي يرى أيضًا - أن الإنسان له فطرة - أو قواعد طبيعية - تحكمه، وأنه خلال مسيرته عززها بما أنكر من منكر وعرف من معروف، فشكل عرفه الذي جاء الدين آمرًا بالأخذ به، فكان الدين القيم آخذًا بالعرف، آمرًا بالمعروف، متناغمًا مع الفطرة أو القواعد الطبيعية.
وما مسيرة الإنسان إلا مواجهة وإنكار لأي خروج عن القواعد الطبيعية، وإقامة القواعد الظالمة، على يد فرعون أو ملئه، وعلى يد قارون أو مترفين، أو كاهن أو كهنوت، إنها حرب (الله - والناس) ضد الاحتكار في المُلك والمِلْك والمعرفة.
ومن هنا، فنظرتنا في السلطة لا ترى أن الملوك أنصاف آلهة، أو ظل لله في الأرض، أو تجري في عروقهم دماء زرقاء، إلى آخر الخرافات التي سادت عقب تجمع مجموع الإقطاعيين إلى جانب إقطاعي كبير، واختياره ملكًا، واستمرار ادعائهم - وهم وإن لم يعودوا إقطاعيين، فقد صاروا أرستقراطيين! - إنهم يتميزون عن الآخرين
…
ونحن لا نشارك طبقة (البرجوازيين) الذين تكونوا في (برج) مهجور، هربوا إليه من الإقطاع، يجتمعون به ليلًا، و (يتاجرون) به نهارًا، حتى اتسع وصار (مدينة برجوازية) .
نحن لا نشاركهم الاعتراف بسلطة الملوك، و (الأرستقراطيين) من حولهم، ونكتفي بالمطالبة بنصيب معهم، تحت قبة (برلمان) - هو بلفظة (PaRliament) يعني لقاء أعداء لحسم بعض النقاط! -، ونتخذ درعًا يقينًا من استبدادهم من (دستور) أو (فصل سلطات) أو (وثائق حقوق الإنسان) .
فالأصل عندنا: 1 - أن السلطة لمجموع الناس، ولا نيابة عنهم ولا (ولي) يتولى أمورنا وكأننا قُصَّر، فالجماعة هي التي تقرر و (تعزم) ، أو (تجمع) أمرها في (جامعها) وفي (جمعها) . 2 - ثم هي التي تقدم الأول (أولي) - وهو من غير مادة ولي - الأمر (منها) ، وليسوا (عليها) أو (فيها) .. 3 - وتحكمها (شريعة) تحدد المنطقات، والمسارات، والوجهة، وهي شريعة قائمة على الفطرة، آخذة بالعرف - آمرة بالمعروف، وتكتمل بالدين القيم، فالجماعة أو الجمهور أو السواد هم الذين يقررون وفقًا لهذه الشريعة، وفقًا للفطرة، وفقًا للأعراف والمعروف، وفقًا للدين القيم
…
وبهذا لا مجال لطغيان أو ظلم أو استبداد أو احتكار، فرؤيانا غير رؤياهم التي تجعل البرجوازيين يزاحمون (الأرستقراطيين) ، ثم يظلمون (البروليتاريا) ، فتزاحمهم (البروليتاريا) لتفرض ديكتاتوريتها، ويكون الحكم دائمًا يعني قهرًا فرديًّا أو حزبيًّا أو طبقيًّا، واستغلالًا وحكرة
…
إن رؤيانا هي رؤيا (مجتمع كل الناس) بالناس، ومن أجل الناس، والله هو رب الناس، ملك الناس، إله الناس، لا إله إلا هو.
و (لا إله إلا الله) هي خير ما دعا لها نبينا ورسولنا الخاتم - الذي كان القرآن ذكرًا له ولقومه، فكان شهيدًا علينا لنكون شهداء على الناس - وكذلك دعا له مَن سبقه من الأنبياء والرسل، وهي تعني ألا نعبد إلا الله، فلا يستعبدنا أحد، ولا نستعبد أحدًا، وتعني أننا خلفاء في الأرض - كل منا خليفة مؤتمن على ما سخر لنا، وهذا الذي سخر لنا إنما سخر لنا جميعًا؛ فالمال مال الله، ونحن عباد الله، ويقسم بيننا بالسوية، فالعدل (وهو إعطاء بمساواة) هو المطلوب أولًا، ثم يكون الإقساط (وهو إعطاء كل ذي حق حقه) في جزاء كل عمل، ولا عمل بدون جزاء، ولا جزاء بدون عمل:{فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279](بسرقة عمل الآخرين){وَلَا تُظْلَمُونَ} (بمصادرة رأس مالكم الذي جاء جزاء عمل سابق) ، وعلينا ألا ننسى نصيب العجزة الذي حرموا نتيجة عجزهم، وعلينا ألا ننسى الفضل بيننا..
وبهذا يكون التعمير والعطاء، ويكون التقدم ماديًّا ومعنويًّا، وبهذا يقوم مجتمع الأخوة، الذي تسوده الألفة والمودة، ويقوم على التشاور والتعارف والحوار
…
بسم الله الرحمن الرحيم
لا إله إلا الله
فلا تكن عبدًا لأحد غير الله ولا تستعبد إخوتك الآخرين
من عباد الله
وهذا معنى أنك خليفة الله في الأرض وهذا معنى أن عباد الله جميعًا مستخلفون
والكون كله مسخر لك وهم ليسوا مسخرين لك بل إنكم في تراحم وتضامن وتعارف
ومن هنا عليك بالعلم والعمل بفعالية ومن هنا عليك العطاء والعطاء معنوي ومادي
وهذا ما يحقق البناء والتعمير وهذا ما يحقق بناء شبكة العلاقات الإنسانية
وهذا هو الإسلام
كما أوضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم
* * *
ما هو تاريخنا الحضاري
_________
منحنى الحضارة العربية الإسلامية الأولى.
.. منحنى الحضارة المسيحية الغربية.
…
النهضة العربية الحديثة.
(1)
محور الارتقاء والتقدم، والذي يمثل البعد الأهم والمتجاهل في النظر إلى التاريخ الإنساني، وهو المحور الذي مثل المرحلة الأولى والأساسية من مسيرة بني آدم - والتي قادها الأنبياء والرسل.. وخاتمهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
تمثل القمة التي وصل إليها التطبيق الرسولي.. عند إكمال الدين.. وإتمام النعمة.. واختتام النبوة بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
هي لحظة الاختيار و (مفترق الطرق) التي تقف فيها الإنسانية المعاصرة، فهل سترتفع إلى المستودى السامق الذي رسمه القرآن.. كما جاء به رسول الله.. وعلى أن يكون على مستوى العصر؟!
أما الرسم البياني فهو لـ (الحضارة العربية الإسلامية الأولى) و (الحضارة المسيحية الغربية) !!!
* * *
ملاحظات
1 -
هذه المحاولة الأولى في حقبتنا المعاصرة لتقديم تفسير لـ (تاريخنا الحضاري) إذ أنه كان خاضعًا لتفسير يقوم على المركزية الغربية.
وقد استطاع الغرب أن يجعل نفسه مركز التاريخ بأن جعل حركة التاريخ، يحكمها بُعدٌ واحدٌ هو بُعد الامتداد الزمني الذي حدد بدايته وجعل امتداده معيارًا للتقدم، فكل حقبة تلت ما قبلها هي أكثر تقدمًا!!! وبالتالي فإن القرن العشرين هو الأكثر تقدمًا في كل التاريخ البشري، وهم في القمة في هذا القرن؛ فهم في قمة التاريخ الحضاري!.
2 -
وهذه المحاولة - محاولتنا - تقول: إن التاريخ له بُعدان أو محوران، بُعد الامتداد الزمني وبتحديد مختلف عما حدده الغرب، وبُعد أو محور هو معيار الارتقاء والتقدم؛ وحركة التاريخ الحضاري داخل هذين المحورين تحدد في شكل رسم بياني قد لا يعطي صفة الارتقاء والتقدم لكل زمن منها، وقد يكون لها من الفضل - إن لم يزد - عن المتأخرين.
3 -
وهذه المحاولة تقول: إن التاريخ الإنساني وصل إلى قمة الارتقاء والتقدم بكمال التوحيد وتمامه، فيتخذ من إكمال الدين وإتمام النعمة واختتام النبوة بداية لمرحلة استقلال العقل مع حفظ المكانة لتلك المرحلة التي قادها الأنبياء والرسل - بدعوة التوحيد: خير ما قلت أنا والأنبياء من قبلي كلمة ((لا إله إلا الله))
وكان ختامها على يد محمد صلى الله عليه وسلم يوم أن تلا قوله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] ويومها أعلن انتهاء النسيء والتلاعب بالأشهر واستدارة الزمان كيوم أن خلق الله السماوات والأرض.
4 -
وهذه المحاولة توضِّح أن حركة التاريخ الحضاري لأمتنا داخل هذين المحورين قد وصلت إلى القمة بكمال الدين وتمامه، واختتام النبوة، وإن ما اعتراها من نقص فيما بعد إنما هو نقص قياسًا إلى القمة التي قصرت عنها، لا قياسًا إلى الإطار التاريخي العام، وهذا يمكن من نقد تاريخي موضوعي لحركة التاريخ الحضاري لأمتنا، وذلك بالمقارنة النسبية لحقب تاريخنا العربي الإسلامي بلحظة الكمال (ك) وما بعد الكمال (ب ك) ، ومقارنة هذه الحُقَب بتاريخ العالم، التي تحدث وسط الزمان الممتد؛ مع تمكيننا من نقد الذات دون تلذذ بإيذائها! ومواجهة ما حدث من نقص لأمور الحكم والمال والاجتماع؛ تمهيدًا لتصحيحها.
5 -
وهذه المحاولة توضح أن النقص الذي اعترى استمرارية التجربة الكاملة - وهو نقص بدأ بعد كمال - لم يعنِ التدهور منذ أول يوم، بل استمرت مع النقص إلى أن وصلنا إلى نقطة علا فيها معدل النقص على القوة؛ فظهر التدهور.
6 -
وهذه المحاولة توضح الخطأ الذي وقعت فيه محاولات النهضة الحديثة لأمتنا، وما زالت واقعة فيه محاولاتنا المعاصرة؛ إذ لم تنتهِ إلى أن محاولاتنا يجب أن تكون للارتفاع وليس العودة، فالعودة عبر الزمن مستحيلة إلى المستوى السابق الذي رسمته لحظة الكمال وليس أي مستوى آخر دونه، وعلى أن يكون على مستوى عصرنا وعالمنا في هذا العصر.
7 -
وإن أمتنا لقادرة أن تنقذ نفسها وتنقذ الآخرين باختيار الخير لنفسها، وإلى الإنسانية كلها، يوم أن تقدم الاختيار الخير وسط ما تطرحه التكنولوجيا من تساؤلات: فتكنولوجيا الحرب صارت تطرح سؤال: أحرب أم سلام؟ أفناء أم بقاء؟ وتكنولوجيا الزراعة صارت تطرح سؤال: أاستمرار لنظام يقوم على الاستغلال وسوء التوزيع، أم إقامة نظام عالمي جديد يحقق الكفاية للجميع والعدالة في التوزيع؟ وتكنولوجيا المواصلات، وقد صغرت العالم إلى قرية، صارت تطرح سؤال: أاستمرار العنصرية والتفرقة أم تعايش وتعارف وتآخ؟، وتكنولوجيا الاتصالات والإعلام صارت تطرح سؤال: أتدفق إعلامي من جانب واحد، أم تحاور وتشاور وبحث عن الحق والحقيقة؟
ومجموع الاختيارات هي اختيار ثقافة عدوانية تؤدي إلى الحروب إذا ما استمر الاستغلال وسوء التوزيع والتجويع والعنصرية، أو اختيار ثقافة سلام يقوم على الكفاية والعدل والتحاور والتشاور.
وإننا لنملك الاختيار الخير والحل النهائي، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدًا علينا لنكون شهداء على الناس.
الأستاذ إبراهيم بشير الغويل.
الإسلام في مواجهة العلمنة
العرض - التعقيب والمناقشة
العرض
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
موضوع هذه الجلسة الصباحية المباركة بإذن الله تعالى هو: (الإسلام في مواجهة العلمنة) ، وهو ثاني الموضوعات المطروحة للدراسة، وفيه عدة أبحاث هي بين أيديكم: نستمع أولًا إلى الشيخ محمد علي التسخيري. تفضل.
الشيخ محمد على التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه.
أنا لا أستطيع أن أتحدث بشكل مباشر عن الموضوع إذ كان يفترض أن يعرض له سماحة الشيخ القرضاوي. كما لا أستطيع أن أتحدث عن المقالات الأخرى، وسوف أتحدث عن مقالي فقط.
في هذا الموضوع مقالات متعددة تناول كل منها جانبًا من هذه الجوانب، وأعتقد أنه علىَّ ترك الجوانب التي تتعرض لظروف نشوء العلمانية في الغرب وعدم توفر الظروف الموضوعية لحضور العلمانية وتحولها إلى اتجاه فكري وعملي عندنا في العالم الإسلامي، ولا أقول في الشرق. أترك هذا الموضوع لإخواني الأعزاء وسوف يتحدثون عنه - إن شاء الله - بعدي، وسأركز فقط على نموذج علماني متطرف وفلسفي في عالمنا العربي. هذا النموذج يبين لنا كل التوجهات الفكرية العلمانية في عالمنا وحق الموضوع.
هذا النموذج هو كتاب (الأسس الفلسفية للعلمانية) لعادل ظاهر، وسوف نجد أن هذا الكاتب يحاول أن يصف كل الأسس التي تقوم عليها النظرية الاجتماعية الإسلامية ببحث يبدو وكأنه بحث فلسفي معمق إلا أنه فيه كثير من المغالطة. وأود أن أركز في بحثي على هذا الكتاب وعلى هذه الآراء لأنها في الواقع مجمع الآراء الأخرى في مجال العلمنة.
في مطلع الكتاب يؤكد الكاتب على مبدأ (أسبقية العقل على النص) ويردد هذا الموضوع بشدة فيقول: إن الذي يوصلنا إلى الدين هو العقل، والذي يوصلنا إلى الله هو العقل، والذي يبين الحسن والقبح هو العقل. فالعقل هو المرحلة الأولى. لماذا إذن نترك المنبع الأول لنستمد نظامنا الاجتماعي من المنبع الثاني أو من المرحلة الثانية وهي الدين. هذه الفكرة يركزها في طول كتابه بشكل دقيق. ثم يعلن أن العلمانية قد تراجعت أمام الدين في حياتنا، لكنه يعلل ذلك بأنها لم تقم في سياق حركة نقدية شاملة لذلك نشأت هشة وسرعان ما هزمت. ويؤكد أنه يسعى لبيان قدرة الإنسان بمفرده لتحديد موقفه من الحياة بعيدًا عن الدين، وأن العوامل المعفية والميتا أخلاقية والميتاسياسية تؤكد ذلك، وأنه لا يمكن عقلًا أن تكون المعارف الاجتماعية العلمية مشتقة من المعرفة الدينية، وهذا يعني أن علينا أن نؤول كل النصوص القرآنية والدينية التي تدل على علاقة بين المعرفتين الدينية والاجتماعية لتعود العلاقة مجرد علاقة تاريخية محضة لها مبرراتها التاريخية ولها مبرراتها المفهومية والمنطقية.
وفي مطلع بحثه يفترض إمكان المعرفة الدينية وإن كان يشكك فيها في الأصل، كما يفترض إمكان المعرفة الاجتماعية ليدرس العلاقة بينها.
لا أريد أن أقرأ بحثًا وإنما أريد أن أبين النقاط الأساسية.
عادل ظاهر يركز على أمرين مهمين هما:
الأول: أسبقية العقل على الدين، وهذا يعطيه أسبقية المصدر ويقول: لماذا لا نأخذ بالعقل نظامًا للاجتماع؟ هذه نقطة يركز عليها كثيرًا. ويركز أيضًا على مسألة يسميها منطقية ويبحثها ربما في عشرات الصفحات لتركيزها هذه المسألة هي أن القضية الضرورية لا يمكنها أن تنتج قضية جائزة. هناك بحث منطقي صحيح يقول: إذا كانت المقدمات ضرورية فإن النتيجة سوف تكون ضرورية. وهو يطبق هذه القضية المنطقية في مجال يخلط فيه كثيرًا، فيقول: ألستم تعتقدون أن الإيمان بالله والإيمان بالمعتقدات الإسلامية قضية ضرورية؟ إذا كان الأمر كذلك فكيف يُنتج الإيمان بالله إيمانًا بنظام اجتماعي له بدائل يعني نظام اجتماعي جائز، جائز التعاونية والتبديل وليس نظامًا ضروريًّا؟.
إذن هكذا يدعي أن العقل يعرف من اليوم الأول أن الإيمان بالله لا يمكن أن يؤدي إلى الإيمان بنظام اجتماعي يضعه الإسلام للحياة. يركز على هذه القضية كثيرًا وسوف أشير إلى نقطة خطأ في هذه المسألة وهي أساس البناء الفلسفي الذي يسخر بقوة في كتابه المفصل لبناء ما يريده عليه.
القضية الأخرى، هي التي أشرت إليها، قضية أن العقل يسبق الوحي، فلماذا لا نعود إلى العقل في تنظيم حياتنا مادام هو يرينا الدين؟ لماذا نترك العقل ونعود إلى الدين في تنظيم حياتنا؟!
إن أخطر ما في الكتاب أنه لا يتعرض إلى العقيدة الدينية مباشرة. وهو لا يقول أنا أنكر الله ولا يقول أنا أنكر المعرفة الدينية، وإنما يقول إن العلاقة بين المعرفة الدينية والمعرفة الاجتماعية علاقة ضرورية لذلك يجب أن يكون النظام الاجتماعي ضروريًّا والحل أنه غير ضروري، يعني يقبل البدائل في ذلك. وكأنه يريد أن يقول مادام العقل هو السراج الذي يهدي للدين، فلماذا نترك السراج ونتمسك بما كشف عنه السراج؟
ثم بعد هذا يأتي ليناقش أصول المعرفة الدينية مبتدئًا أولًا بالنصوص الإسلامية. يناقش إطلاقات هذه النصوص، ويناقش قضية عدم إمكان الاجتهاد في مقابل النصوص يراها قضية - وأعتذر إذا كنت أعبر يعني الناقل لكلمة الكفر لا يتصف به - هو يقول: إن قضية منع الاجتهاد في مقابل النص قضية سخيفة ويناقش هذه الإطلاقات بشكل كامل، بمعنى أنه يركز على النصوص فيناقش مدلولاتها، وربما يضع شيئًا في غاية من الغرابة عندما يقول: فرق بين إطلاق النصوص وإطلاق مضمون النصوص. وهذا أمر غريب جدًا.
فهو إذن يركز أولًا على النصوص الإسلامية ثم يعبر بهذه النصوص إلى سند النص، يقول: ارتباط هذه النصوص بالوحي في طريقة العقبات والأشواك الكثيرة، فيأتي بكل التشكيكات التي تُطرح في مسائل السند
…
وبقاء الحديث في الصدور، كل هذه الأمور يطرحها لكي يقف في طريق وصول النصوص إلى الوحي.
وبعد أن ينتهي من هذه الحالة ويكثف إشكالاته هنا يركز على الوحي نفسه، يقول: الوحي أيضًا قضية غامضة. ويقول: علينا أن نفرق بين الإحساس بالألم - هذا تعبيره - وما يبدو أنه إحساس بالألم. يعني هناك فرق بين الإحساس النبوي بالوحي وما يبدو أنه إحساس بالوحي. فهو يركز على عنصر الوحي ويحلل ويحاول أن يظهر بشكل منطقي علمي، والحقيقة أن الذي منحه هذه القدرة هو قبول بعض المفكرين الإسلاميين أو المنتسبين إلى الإسلام بنظرية غريبة تجعل الوحي محصورًا لتفاعل وجداني بين العطاء الإلهي والتجربة الداخلية للإنسان. يقولون: إن الوحي لا يأتي طائعًا ويمر عبر روح النبي إلا قليلًا وإنما يدخل في العمق الإنساني ويتفاعل مع المعطيات الإنسانية ثم يخرج وهو مبتلى بالصيغة الإنسانية. ومعنى ذلك - كما أقول - النتيجة تتبع المقدمات، إذا كانت السلسلة فيها حلقة ضعيفة فإذن السلسلة كلها ضعيفة لا ريب. الوحي إذا كان مبتلى بعطاء إنساني فَقَدَ قدسيته، وهذا هو الذي يركز عليه هؤلاء، فمع الأسف قَبِلَه إِقبالٌ في نظريته متأثرًا بالغرب وقَبِلَه حتى بعض المفكرين في إيران، نحن عندنا اليوم رجل يكبرونه كثيرًا في الساحة العالمية ويعلنون أنه مفكر كبير الدكتور (سروش)، هذا الرجل أيضًا يركز على هذه النقطة ويحاول أن يقول: إن هناك عطاء خارج النفس النبوية ولكنه يتفاعل مع النفس فيخرج عطاء مزيجًا بين العطاء الإلهي والعطاء البشري، حينئذ يكون الضعف البشري محتملًا في هذا العطاء.
وهذه نقطة يركز عليها عادل ظاهر كثيرًا ويحاول أن يشكك في الوحي. بعد عملية الوحي يقول: لو افترضنا أن النصوص صدقت إطلاقاتها ولو افترضنا أن النصوص صحت نسبتها للوحي ولو افترضنا أن الوحي بقي سالمًا بكماله دون أن يضيف من عندياته شيئًا يكون السؤال المطروح هو: لماذا تجب طاعة الله؟ لنفرض أن الله تعالى هو الذي أمر، (لاحظوا هذه النقطة) لماذا تجب طاعة الله في هذا المعنى؟ هل الله تعالى محتاج إلى طاعتنا؟ يضع إشكالًا معروفًا قديمًا والذي يتحدث عنه الكلاميون الإسلاميون في سر وجوب الطاعة الإلهية.
إذن تلاحظون أنه يسير مع الحلقات فردًا فردًا ومرحلة مرحلة ليحاول التشكيك في كل محور ومنبع العطاء الديني.
بعد كل هذا يطرح مقولات من قبيل أن الظروف، وأعتذر إذا كنت أتكلم وأنقل هذا المعنى لكن لكي نقف في محفل علمي على ما يقوله، إنه يقول: إن الإسلام صفة عامة للأديان، ومعنى ذلك أن كل الأديان هي إسلام. فلماذا كانت المسيحية ترفض النظام الاجتماعي؟ هو يبني إذن على مقدمات منحرفة. فنفس المسيحية لا تبني على رفض النظام الاجتماعي وليس المراد أن الإسلام هو كل الأديان. وهو يقول إن النظام الإسلامي نظام ثابت فكيف يستوعب الظروف المتغيرة؟ التغير سنة حياتية.
يطرح مسألة الإيمان بالمصالح المرسلة ويقول: الإيمان بالمصالح يعني نفي ونقض إطلاق الأحكام الإلهية.
ثم آخرًا يركز على هذه النقطة ويقول: الإسلام يريد أن يحكم العالم، وما دام أنه يريد أن يحكم العالم فيجب ألا يملك نظامًا اجتماعيًا.. وغير ذلك. وأنا هنا أريد أن أذكر بالنقاط التالية في جوابه والموضوع عندكم موجود.
النقطة الأولى: إن الضروري لا ينتج الجائز هذه مغالطة كبرى. أن الإيمان بالله تعالى ووحدانيته وصفاته لا تستلزم مطلقًا الإيمان بنظام اجتماعي غير مرن. ليس هناك ملازمة عقلية بين الإيمان بأن الله تعالى موجود بكل الصفات الإلهية الجلالية والكمالية وبين أن يكون النظام الاجتماعي الذي يأتينا من الله تعالى طبق علمه ورزقه وفضله على الكون يجب أن يكون هذا نظامًا اجتماعيًا لا تغيير فيه ولا تبديل وليس فيه نوع من أنواع الحياة هناك مواربة لتمرير قضية منطقية وقضية اجتماعية، الله تعالى بكل ما يصلح للإنسان رأى أن هذه الخيارات هي الأفضل للإنسان في حياته الاجتماعية. أين المنافاة للمنطق في هذا المعنى؟ وبهذا يسقط البناء الذي بني عليه هذا الكتاب، وهذا كتاب خطير - كما قلت - يجب أن نعرفه. كما يجب أن نعرف المشكلة وأن نردها بقوة. وهذا هو الأساس الفلسفي الذي بني عليه الكتاب.
النقطة الثانية المهمة: أنتم تعرفون أن العلماء أباحوا مسألة الواجب التخييري. الواجب التخييري هو خيارات في إطار معين لحل مشكلة معينة وهم أشاروا إلى هذا المعنى بشكل واضح.
النقطة الثالثة: مسألة أن العقل يسبق الوحي. الحقيقة أن العقل هو الجسر الذي يعبر عليه الإنسان من سجنه الذاتي إلى الإيمان بالخارج ومنه إلى الإيمان بالله تعالى وبالحقيقة من وجوب المطلق. العقل يوصل الإنسان إلى الله بلا ريب ولكنه سراج يوصل الإنسان إلى الحقيقة الكبرى. وإذا أردنا أن ننزل البحث إلى مستوى التمثيل فإن العقل سراج يوصل الإنسان إلى منظار ينظر منه إلى الكون كله وإلى الوجود كله، فهل نستغني بالسراج الذي يدلنا على المنظار العظيم عن المنظار؟ المنظار الحقيقي الذي يكشف لنا الكون بكل أبعاده وكل العلاقات، وكل هذه الأمور يجب أن تكون لدى المشرع حتى يستطيع أن يبني النظام الاجتماعي. أيضًا هذه مغالطة كبيرة جدًا في قضية أن العقل هو الذي يدلنا على الله، فإذن نرجع إلى العقل. العقل سراج وظيفته أن يوصلنا إلى الله، إلى الدين وإلى الحقيقة، أما الدين فهو النظرة العامة إلى الكون كله. وهذه أيضًا سر المغالطة في هذه الفكرة وأعتقد أننا لا نستطيع أن نكتفي - كما قلنا - بالمصباح عن المنظار العظيم أو عن الرؤية الضخمة التي يفتحها إيماننا بالدين.
النقطة الرابعة: مسألة النصوص. هنا أيضًا أمام العلماء لا يمكن البحث فالنصوص حُلت مشكلتها، هناك إطلاقات وهناك أصول الفقه توضح الإطلاقات والتقييدات والعموميات والتخصيصات والعلاقات بين هذه الإطلاقات. ليست هناك مشكلة. علماؤنا في علم أصول الفقه حلوا كل ما يمكن أن يطرح من سؤال حول الإطلاقات وحول العموميات ولا يمكننا أن نقول يجب أن نفتح مجالًا للاجتهاد في مقابل النص. معنى النص أنه لا يحتمل التغيير. معنى (نص) أنه لا يحتمل الخروج عليه، ومعنى الاجتهاد في مقابله يعني رفض النص ومحق النص.
أعتقد أن علماءنا حلوا مشكلة النصوص بأروع ما في أصول الفقه ولذلك نركز على علم أصول الفقه.
أيها السادة: أنا أعتقد أن الإنسان لن يكون متفقهًا - لا أقول فقيهًا - إلا إذا برع في علم أصول الفقه واستطاع أن يقف على كل أبعاد هذا العلم في مباحث ألفاظه، وفي مباحث المفاهيم، وفي مباحث المشتقات، وفي مباحث الحجية، وفي مباحث التعارض والتعاود والتراجيح. يجب أن نعمق هذا العلم حتى لا تأتي من هذه الشبهة.
النقطة الخامسة: مسألة الوحي. نحن نعتقد أن للوحي قدسية كبرى، وأي خدش فيها هو خدش لكل الإسلام، لو رأيتم ما قاله سلمان رشدي وهجومه على الوحي هنا وهناك لعرفتم أنه يظهر الهجوم الرئيسي للعلمانية لكل الموحدين في الأرض. هم يحاولون أن يشككوا في قدسية الوحي. الوحي وحي طاهر، ونفس نبية طاهرة توصف الحقيقة بشكل كامل من الله {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: 44 - 46] . الوحي يبقى طاهرًا كما هو دون حاجة لمثل هذه النظريات الغربية أو المتأثرين بها. فتشبيهه باطل وليس في محله.
تبقى مسألة الطاعة في الأخير وهي مسألة بحثها كلاميونا وعلماؤنا بحثًا منذ أول انطلاقة هذا العلم. الله تعالى مالك هذا الكون، الله تعالى مولى هذا الكون فهو المولى الحقيقي الوحيد لهذا الكون. الطاعة هي الحالة الطبيعية المنطقية للعبد أمام مولاه. المولوية هنا مولوية رفيعة حتى أنني رأيت بعض العلماء - وأنا أميل إلى هذه النظرية - يقول: ليس فقط علينا إطاعة الأوامر التي نقطع بصدورها من الله حتى ما نحتمل أن المولى يريده منا، فإن مولوليته عظيمة إلى الحد الذي يدفعنا إلى العمل بكل ما نحتمل أن نقوم به للمولى تعالى، ويسمي ذلك حقًّا مولويًّا، المرحوم الشيخ الصدر.
إذن العلماء عندنا حلوا هذه المشكلة. هناك إلزام عقلي منطقي طبيعي للعبد الحقيقي تجاه الولي الحقيقي الذي كل وجوده منه. فلا مجال للتشكيك مطلقًا في هذا المعنى وعلم الكلام بنى نظرياته بشكل واضح على هذا الحقيقة.
أما التشكيكات الأخرى فلا أعتقد أننا بحاجة كثيرة إلى ردها فمسألة الإيمان بالمصالح المرسلة في الواقع هو عمل بالشريعة ومقاصدها. ليس الإيمان بالمصالح المرسلة نفي للشريعة وإنما هو تطبيق لهذه الشريعة ولأهدافها ولمقاصدها في محله.
مسألة الاجتهاد في مقابل النص. قلنا إن أي اجتهاد في مقابل النص يعني محقًا للنص، طبيعة النص تنفي أي اجتهاد في مقابله.
مسألة أن الإسلام نظام ثابت لا يمكنه أن ينظم الحياة المتطورة، أيضًا أساتذتي يعلمون أن هذه شبهة حلها الإسلام بمرونته. الإسلام عالج جوانب ثابتة في الحياة الإنسانية بعلاجات ثابتة، فالخمر حرام لأنه مضر على الإطلاق، والربا حرام مطلقًا لأنه مضر على الإطلاق، والزنا حرام؛ لأنه مضر على الإطلاق، ولكنه في المجالات المتغيرة في علاقة الإنسان بالطبيعة، حتى في علاقة الإنسان أحيانًا مع إنسان آخر، هناك جوانب متغيرة تتبع تحول وتعقد الحياة الاجتماعية، الإسلام وضع لها أطرًا وقواعد وفسح المجال لولي الأمر ليقوم بتنظيم الأمور على ضوء المستجدات ووفقًا لأضواء كاشفة يقدمها لولي الأمر ليعمل بها وليملأ هذه المناطق، منطقة المباحات وما إلى ذلك.
أعتذر من سماحة الرئيس إذا كنت قد أطلت قليلًا ولكني أعتقد أنني قد عرضت أصولًا لشبهاتهم وأكدت أن هذه الأصول كلها مما يقبل التفنيد.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا لتربية جيلنا وتربية جماهيرنا فضلًا عن تربية العلماء لأنهم مربون والحمد لله، تربيتهم على الفكر الإسلامي الحق لئلا يتأثروا بهذه الدعوات العلمانية الإلحادية. وفقكم الله، والسلام عليكم.
التعقيب والمناقشة
الشيخ عكرمة صبري:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأخ الرئيس؛
الأخوة الأفاضل؛
العلماء الأكابر؛
إن موضوع العلمنة هو أصلًا موضوع وافد من الغرب، وإذا أردنا الاختصار نقول: إنه مشروع غربي يقصد منه السيطرة على العالم ليس إلا، واحتواء الدول التي تعتبر من دول العالم الثالث. لقد كانت العلمنة رد فعل تجاه ممارسات رجال الدين المسيحي الذين استأثروا بالسلطة الروحية والسياسية معًا. ولم يكن للدين المسيحي نظام شامل لمناحي الحياة، وبالتالي فشلوا في إداراتهم لشؤون السلطة فظهرت بعد ذلك أسواق متعددة للتحرر من سيطرة رجال الدين المسيحي.
وابتكر الغربيون الديمقراطية، أي حكم الشعب بالشعب من الشعب بديلًا عن النظام (الثيوقراطي) الذي كان متبعًا في الكنيسة، إذ لا وساطة بين الإنسان وخالق الإنسان من الإنسان، فالناس يحلون مشكلاتهم بأسلوب جمعي، اتفقوا على تسميته (بالديمقراطي) ووضعوا له مجالس نيابة منتخبة ومؤسسات ونقابات تدعمه وتردفه بالخبرات والمعارف، لكن هذا النظام الديمقراطي لم يستطع أن يحدد لنفسه إطارًا معرفيًّا، إذ قام الشيوعيون بتبني النظام الديمقراطي، وقام الرأسماليون بتبنيه أيضًا على ما بينهما من تصادم، فكل نظام أخذ يفسر الديمقراطية على ضوء معرفته ونظريته للحياة.
وقد نهض مفكرون غربيون ينقضون هذا النظام ويقولون: إن إبعاد الدين عن الحياة إنما يعني إبعاد الرقيب الداخلي للإنسان في الإنسان عن مجال عمله وتحويله إلى حيوان غريزي لا هَمَّ له سوى الارتواء من الملذات، ويرون أن الخواء الروحي قد ولد عند الغربيين شعورًا بالتفاهة، مما جعلهم ينظرون إلى الحياة، حياة الإنسان باستخفاف، فأقدم شبابهم على الانتحار، وأقبل ساستهم على استعمار الشعوب الأخرى وإذلالها، ونهب خيراتها، وكانت هناك جرائم ما عرفتها البشرية بهذه الكثرة، إذ قام الغرب على سبيل المثال بقتل الملايين من الأفارقة خلال حملات الاستعمار للقارة السوداء، إذ كان كل من يخالف الرجل الغربي الأبيض يلقى في البحر حتى تأكله أسماك القرش، وكل من كان يمرض أو يصاب بوعكة كان يجري التخلص منه بإلقائه في البحر، وجرت باسم الديمقراطية أكبر عملية استعباد في التاريخ حيث تحولت القارة الآسيوية والأوربية وقارة أستراليا إلى قارات مستعمرة، وجرى قتل كل من يقاوم الرجل الأبيض، ففي أستراليا تمت إبادة كل سكانها الأصليين تقريبًا، وهذا ما جرى للسكان الأمريكيين الأصليين الذين سُموا بالهنود الحمر، ناهيك عن فترات الاستعمار الطويلة لآسيا وإفريقيا.
لقد رأت العلمانية أن كل مخطط من مخططات الحياة الإنسانية في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية.. يجب أن يصدر عن عقل الإنسان المجرد عن رواسبه التي هي نتاج تفاعل مادي مع وقائع مادية، وهذا يؤكد على أن العقل لا يستطيع وحده أن يدير السلطة وشؤون العالم.
ويتضح من هذا أن العلمانية تجعل الدين شأنا منقطعًا عن شؤون الحياة، فالدين لله، وللفرد أن يرسم هذه العلاقة ويحددها بمعزل عن هموم الحياة.
إذ لابد من الإحاطة بالدولة لتحل محلها الشركات العابرة للقارات، بما تمتلكه من مليارات الدولارات والجنيهات والتوظيفات والامتيازات التي تدخل من أبواب كثيرة أشهرها السوق الحرة، وحرية انتقال رؤوس الأموال وتوظيف العمالة مما يجعل الدولة وبخاصة فيما يسمى بدول العالم الثالث شريكًا سالبًا في هذه العملية، حيث تشترط الدول القوية شروطًا ظالمة منها إغلاق بعض المصانع أو الشركات أو تخفيض العملة، حتى تحصل على بعض القروض أو الإعانات. وهذا ما حصل فعلًا في أندونيسيا من تخفيض العملة وما صاحبه من أحداث لا تخفى عليكم.
إن فصل الدين عن الدولة يجعل رجال السياسة بدون أخلاق همُّهُم الوحيد الوصول إلى الغايات بغض النظر عن الوسائل، أما في الإسلام فالوسيلة والغاية متلازمتان، بروح من الفضيلة وإعلاء شأن الإنسان؛ فالإنسان في هذا الكون موضع عناية واهتمام، لا يجوز امتهانه أو إذلاله، ولعل قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا الشأن مازال يجلجل في أعماق التاريخ:
(متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا) .
إن المسلمين يرون بأن عهود الإسلام كانت عهود التنوير، عهود البزوغ الحضاري، وأنهم بدون الإسلام ما كانوا يرتقون، وأن نوابغهم قد ظهروا في رعاية الإسلام وتعاليمه، وأن الإنسانية قد كسبت بالإسلام أكثر مما كسبته خلال عهود التاريخ السابقة.
ومن هنا نقول مع (كولن ولسون) المفكر البريطاني المعروف: إن إنسان هذا العصر صار تافهًا أو لا منتميًّا كما سماه في كتابه، وذلك لأنه شبع جسديًّا وخسر روحه. وأتيت بهذا القول لأبين أن هناك من الغربيين من انتقد التوجه الديمقراطي والابتعاد عن الناحية الروحية. ولا يمكن للإنسان أن يسترد روحه إلا بالإسلام، فإن الإسلام هو المكافئ الآخر للجسد، وبدون هذا التوازن الذي يحدثه الإسلام بين الجسد والروح، بين الدين والحياة لا يمكن للإنسان أن يستعيد حريته، بل سيصير عبدًا لما يبتكره من آلات، حيث تنتقل إليه روح الآلة وسلوكها وبهذا يتحول إلى مستجيب لما ابتكر لا قائد له وهذا أكبر الخسران، والله سبحانه وتعالى يقول:{وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] .
أخلص إلى بعض المقترحات، آمل أن تكون موضع دراسة واهتمام من الإخوة المشاركين.
1 -
إبراز مشروع إسلامي نهضوي شامل يشرح قيم الإسلام الثابتة عبر وسائل العصر وبخاصة شبكات المعلومات.
2 -
إبراز كيان إسلامي جغرافي يمتد على أكبر رقعة من العالم الإسلامي بقيادة تأخذ بالحسبان أن عصر الأقاليم الصغيرة قد انتهى، وأن عصر التكتلات الكبرى قد بدأ، وأن التأخر عن الوصول إلى محطات الكبار تعني الموات والاندثار. وهذا ما أشار إليه الأخ عبد اللطيف وربط ما بين الوحدة ومحاربة العلمنة، وفعلًا هناك ارتباط وثيق بين معالجتنا للعلمنة عن طريق الوحدة.
3 -
إبراز كيان اقتصادي إسلامي متكامل يرتكز على منظومة نقدية واحدة تدخل سلة العملات الصعبة وسوق التجارة الدولية كشريك للدولار والجنيه والروبل والين والفرنك ولتكن الدينار أو الدرهم.
4 -
النهوض بمشروع إسلامي عملاق يترجم الكنوز المعرفية الإنسانية للفكر الإسلامي وما يحمله من نجاعة في إشفاء الأمراض الاجتماعية المعاصرة.
5 -
السعي نحو إنشاء منظومة إعلامية إسلامية لها وكالات قطرية تنقل أخبار الأمة إلى سواها من الأمم، وتقوم مع تسويق المعلومة الصحيحة عن الإسلام والمسلمين. وهذا قد بُدئ به من قبل المحطات الفضائية في بعض الدول العربية.
6 -
إبراز فلسفة تربوية إسلامية وفق رؤية واضحة تشرح وتؤسس لمناهج المدارس والجامعات ومراكز البحوث؛ من أجل صياغة واحدة وخطاب تربوي واحد.
7 -
شرح المفاهيم التي تتردد في معرض المباهاة، مثل: التعددية ولابد من بيان الإسلام وموقف الإسلام من هذه التعددية والضوابط لهذه التعددية لا أن نطلقها على علاتها، وكل ذلك من خلال الحرية الواعية والمسؤولة وخلق حوافز الإبداع، دون تشدد أو استمداء.
بهذه المقترحات يمكن صياغة رد إسلامي على المشروع الغربي الذي يُعدُّ منذ قرون، وليس تنفيذ هذه المقترحات بالأمر المستحيل والله مع العلماء العاملين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم.
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد؛
فينبغي أن نعلم علمًا دقيقًا وشاملًا أن في هذا العالم لا يوجد إلا إسلام أو لا إسلام، وأن الغرب والشرق كليهما جماعات وأفرادًا يسيرون في مستنقع الإلحاد وعدم الاعتراف بوجود الدين الإلهي السماوي، ويعلم هؤلاء علمًا يقينًا أن الحصن المتين الذي يمثل الدين الإلهي إنما هو الإسلام، صرحوا بذلك في كتبهم وعلى ألسنة ساستهم وفي مختلف المجالات، ولذلك فهم يركزون على تفريغ الإسلام من محتواه، وتخليص العالم مما يسمى بالوحدة الإسلامية، ومما نعانيه الآن من مخططات التفكير الإلحادي في هذه البلاد العربية الإسلامية.
وحينئذ ينبغي أن نعلم أن الطريق الذي سلكوه لتفريغ الإسلام من محتواه إنما هو مجرد العقل، ليس العقل السديد والراجح والصحيح، وإنما العقل الموالف للأهواء والشهوات والنزعات التي تجعل لهؤلاء الساسة والمفكرين والاقتصاديين مرتعًا لكي يحققوا مصالحهم الذاتية ورغباتهم الجانحة ويعصفون بكل الحواجز التي تقف أمامهم والحاجز الرهيب في تقديرهم إنما هو الإسلام. ولكن مع الأسف حينما أرادوا أن يشعلوا نار الفتنة بين المسلمين عن طريق هذه الكتب وهذه النظريات، مرة تنال من كتاب الله، ومرة تنكر السنة النبوية، ومرة تشكك في وجود عقلية إسلامية سديدة، ونحن أمام كل هذه التحديات ينبغي أن نرد عليها ردًا إجماليًّا يتناول تنفيذ الأسس التي توهم السطحيون بأنها أسس علمية سديدة ويمكن الاعتماد عليها.
بالأمس طُرح للنقاش موضوع الوحدة، وأرى أنه يجب الابتعاد عن تكرار ما كتب وقيل في هذا الموضوع منذ أكثر من خمسين عامًا دون أن يصل المفكرون الإسلاميون إلى صياغة واحدة تتفق مع العصر الحالي، فكيف ندعو إلى الوحدة مثلًا والتطبيع مع العدو الإسرائيلي والذل والخضوع والخنوع لدول الاستكبار العالمي إنما هو المهيمن على الساحة الإسلامية؟
أما في قضية العلمانية فينبغي أن ندرك أنه المخطط الخبيث لأن يكون البديل عن الإسلام سواء في النظام السياسي أو النظام الاقتصادي أو الاجتماعي، وينبغي بعد تفنيد شبهات هؤلاء العلمانيين (وهم الطريق إلى الإلحاد) وإحياء كل ما هو سماوي ووحي إلهي أن يكون لنا موقف حازم كموقفنا السابق في هذا المجمع المشرف ضد فرق البهائية والقاديانية وما اتخذناه من قرارات بخصوصها. ينبغي ألا يقل قرارنا بشأن العلمنة عن تلك الأحكام التي أصدرناها بخصوص البهائية والقاديانية بل يزيد، وأن يكون لنا موقف حازم تجاه العلمنة باعتبارها البديل المراد ليحل محل الإسلام، وإذا لم نعِ هذه الحقيقة فلن يكون لقرارتنا أي مردود أو احترام في الوسط الإسلامي والعربي.
وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ الشيباني:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد؛
فإنني أؤكد ما قاله فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وفضيلة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، نيابة عن الجميع في شكر دولة البحرين أميرًا وحكومة وشعبًا، على ما قاموا به من حُسن الاستقبال وكرم الضيافة، وجزا الله دولة البحرين خيرًا، وأسبغ الله عليها نعمه ظاهرة وباطنة.
ثم إنني أشكر المحاضرين فقد أفادوا وأجادوا، فجزاهم الله خيرًا، إنني أقول: إن موضوعنا مساء أمس - وهو الوحدة الإسلامية - لا يتحقق في نظري إلا بالابتعاد عن موضوع هذا اليوم وهو العلمانية.
فإذا كانت العلمانية من أهدافها عزل الدين عن الحياة الإنسانية حيث لا يكون للدين مجال في الثقافة والتربية، فإن علينا ونحن نسعى لوحدة الأمة الإسلامية أن نربي أولادنا تربية إسلامية.. وقد تمكن ذلك من قلوبهم
…
وذلك بما يعملون به
…
وبذلك تبنى ثقافتنا على أسس إسلامية كريمة.
وكذلك أيضًا التشريع. إن الدعامة الأولى في الوحدة أن تكون الأمة الإسلامية ملتزمة في جميع شؤونها بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع مناحي الحياة؛ كالأحوال الشخصية والبيوع والقصاص والحدود وما إلى ذلك. إذا فعلنا هذا تتحقق الوحدة بيننا - إن شاء الله - ونكون قد امتثلنا لقول الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] .
لذا يجب علينا أن نحاسب أنفسنا - وحاسب نفسك قبل أن تحاسب غيرك - بتطبيق الشريعة الإسلامية وهي شريعة الله عز وجل وتطبيق القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة، فمن فعل هذا أفاد وأجاد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ ثقيل الشمري:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أيها العلماء الفضلاء؛
كما تعلمون أن العلمانية هي دعوى لإبعاد الدين عن الحياة بمعنى ألا يكون للدين توجيه في سلوك الناس ولا في سلوك الأفراد وأمور التربية وأمور التشريع وغيرها من أمور المسلمين. هذه الدعوة العلمانية الخبيثة التي نراها في وسائل الإعلام وفي مناهج التعليم وفي مسائل التشريع ودعوتهم لتحرير المرأة من دينها وبيتها وحشمتها وأنوثتها، كل ذلك وسيلة من وسائل العلمانية التي يدعون إليها.
لذلك نرى أن كثيرًا من بلاد المسلمين قد تأثرت بدعوة العلمانية، هذه الدعوة الخبيثة التي يروج بها كثير من أبناء المسلمين، ونرى ذلك ظاهرًا في مناهج التعليم والدعوة إلى إبعاد كل ما يشير إلى الدين أو كل ما يؤخذ من الإسلام. هذه الدعوة التي نراها ونسمعها ونشاهدها تحييد الدين عن حياة المسلمين، وللأسف تأثر كثير من المسلمين بهذه الدعوة، ولذلك نقترح على مجمعكم الموقر أن يخرج بقرار أو بتوصية للبلاد الإسلامية ببيان خطر العلمانية على عقيدة الأمة، وأن العودة للكتاب والسنة وأخذ مناهجنا الاجتماعية والتعليمية والتشريعية والتنظيمية منهما - أي الكتاب والسنة - هو من أكثر الوسائل وأعظمها ردًّا على هذه العلمانية الخبيثة.
كما أنني أشكر السادة العلماء الفضلاء الذين تحدثوا عن العلمانية في موضوع اليوم وإن كنت أرى - من وجهة نظري - أن كثيرًا من الأبحاث كان بعيدًا عن موضوع العلمانية، فلم تكن سوى مباحث كلامية فلسفية قديمة قد تتوافق مع العلمانية في شيء منها، ولكن دون أن تتفق في كثير من مناهجها أو في طريقة عرضها وفي شبهها التي تثيرها.
العلمانية أصبحت منهجًا ومصطلحًا ظاهرًا في هذا العقد يعتمد على إبعاد الأمة عن ثقافتها وسلخها عن هويتها، وعن دينها وعقيدتها بوسائل عملية، ومن هذه الوسائل العملية - كما ذكرنا - مناهج التعليم ووسائل الإعلام وقضية التشريع والتنظيم والتقنين؛ حتى إن كثيرًا من بلاد المسلمين قد أخذت قوانينها وأنظمتها منها فأصبح المسلمون عندما يجمعون القوانين يجمعون قوانين قد لا تفيد بلدانهم، ولكن ليقولوا أنهم أخذوا من الغرب ما أخذوا. فيؤتى بالقانون المدني أو القانون التجاري أو قانون العقوبات أو القانون الجزائي، ثم نجد كثيرًا من مواد هذه القوانين لا تطبق في بلاد المسلمين لما فيها من مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله ولأنها لا تناسب أوضاع الناس ومع ذلك ترجمها المسلمون وأتوا بها.
هذه أيها الإخوة من وسائل العلمانية العملية التي يريدون بها أن يسيطروا على الأمة، هذا ما أردت قوله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور عمر جاه:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أشكر معالي الرئيس، وأشكر الإخوة الذين قدموا بحوثًا في هذا الموضوع.
وأود أن أنبه أن معالجة هذه القضية تحتاج إلى معرفة القضية وأساسها، ويحضر في ذهني ما سبق أن أصدره الفكر الإسلامي حينما تحدى الفلاسفة قديمًا، الفكر الإسلامي والعقيدة الإسلامية والمعرفة بالله وما يتعلق بذلك، وأذكر منهم أبا حامد الغزالي حينما تحداهم بدراسة منهجية شاملة وكتب مقاصد الفلاسفة، وأعتقد أننا في هذا المجمع العلمي ملزمون بمجابهة هذا التحدي الخطير. وأريد أن أشير إلى مفهوم العلمنة أو العلمانية، وأنا مازلت بحاجة إلى مزيد من التوضيح، هل الكلمة العَلمانية لا العِلمانية؟ وهناك من ينطقها عِلمانية وهم كثير وفعلًا عَلمانية بمعنى الكلمة.
وأريد أن أشير إلى الكلمة الدينية التي توجب منها هذا المعنى وهي (
…
) باللغة اللاتينية بمعنى أن له معنيين أساسيين، معنى وقتي ومعنى محلي. ومعنى الكلمة (الآن، وهنا) . إذًا هذا تعريف للعلمنة وليس العِلمانية. وأستشهد بأحد علماء الفلسفة الأستاذ الذي كلف من المجلس الكنسي العالمي بأن يدرس هذا الموضوع ويأتي بتعريف دقيق، يقول: إن العلمنة أو (العلمانية) يعني تخليص الإنسان (تحرير الإنسان) من العقيدة الدينية أولًا، وثانيًا: تحريره من سيطرة الإيمان بالغيبيات. ونحن نعرف أن أصل ديننا هو أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فهذه أمور غيبية نؤمن بها ولا نراها. وكذلك تحرير الإنسان من الدين. هذا هو التعريف الذي جاء به هذا الأستاذ إذا كُنا نريد أن نواجه هذا الموضوع ينبغي أن نقرر من البداية أن هذا المذهب كفر بالله. إذن لا مجال لهذه الفلسفة.
ثانيًا: وهو الأخطر، هذه فلسفة وهي عقيدة الآن. عقيدة مرتبطة ببعض الأمور وهي التحديث أو الحداثة وهي عبارة عن مجملة واحدة، وكلنا يعرف أن الفلسفة الحالية في الغرب هي التي تفسر وتوجه منهاج البحث العلمي سواء الاقتصادي أو السياسي أو التطبيقي، هي فلسفة مادية تؤمن بأن هذا العالم قديم ومستقل، وهذا العالم يمثل نظامًا كاملًا يتطور ويتجدد من موجب قانون داخلي ذاتي فيه. إذن ينبغي أن لا نضيع وقتنا، فهذه فلسفة، وهي الفلسفة التي تدير الأمور في الغرب، ولا تجد في الغرب الآن من المفكرين من يتجرأ وينطق بأن هذا العالم مخلوق. عندهم شيء يسمونه بـ (
…
) من يعتقدون هذا مخلوق، هذا مرفوض، ولا يؤمنون بأن هناك وحي.
الشيخ التسخيري ذهب إلى تفصيلات كثيرة لتفنيد ما ذهب إليه هذا المجرم الذي يعني باستخراج استنباطات علمية واهية. والحقيقة أن هذا المذهب وهذا المنهج يحتاج إلى من يتحداه بالعلم. ينبغي على هذا المجلس أن يقرر ويعين ويكون فرقة من الباحثين يدرسون هذا الموضوع كما بحثه أبو حامد الغزالي في مذهب الفلاسفة، ويكتبونه ويفندونه ويخلصونه منها.
لا تحتاج إلى مداواة فهو مذهب كفر وينكر وجود الله ووجود القرآن الكريم وينكر وجود نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. إذن ليس له مجال في دولنا الإسلامية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور شوقي دنيا:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وصحبه ومن والاه.
بالنسبة لموضوع هذا الصباح وهو: (الإسلام في مواجهة العلمنة) أو: (العلمنة في مواجهة الإسلام) ولا أدري هل هناك فارق جوهري بين التعبيرين أم لا؟ ولكنني على أية حال ومن خلال ما قرأت من الأبحاث المقدمة الطيبة وما استمعت إليه من الكلمات الطيبة هي الأخرى أرى أن هناك جوانب من الأهمية الانتباه إليها:
القضية الأولى: بالعلمنة من حيث النشأة ومن حيث ما يراد لها حاليًا.
أما من حيث نشأتها فهي قضية غربية محضة، نشأت في الغرب ونمت وترعرت وكانت لها ملابساتها ولها ظروفها، ولها ما لها وعليها ما عليها، وأثمرت ثمرات إيجابية بالنسبة لهم، وأثمرت ثمرات سلبية بالنسبة لهم. كثرة حديثنا عن عيوبها وما فعلته فيهم قد لا يكون الأولى بالرعاية هنا وفي بلادنا الإسلامية هم بأنفسهم أخذوا يدركون ذلك.
القضية الثانية: تتعلق بما يُراد للعولمة اليوم أن تكون نموذجًا عالميًّا تدخل به العولمة العصر الحاضر فيما يتعلق بها. هذه هي قضيتنا. هي نموذج غربي، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لكن أن تطبق عندنا وأن يراد لها أن تهيمن وتسيطر فهذه هي القضية وهذا هو مربط الفرس. والمواجهة الجادة لهذه القضية - في اعتقادي - لا تكون بالخطب ولا بالمواعظ ولا بالكلمات الكبيرة ولا بأن الإسلام يحاربها ولا بأنها تحارب الإسلام، هذا كله شيء بدهي ومفروغ منه؛ لكننا أمام قضية تحتاج إلى مواجهة إيجابية ومواجهة فعالة ومواجهة جادة لا تكون بمجرد الشجب، وإنما بمنهج علمي موضوعي:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] . سبل ووسائل متعددة نصَّت عليها الآية الكريمة نحن للأسف نركز على بعضها ونترك البعض الآخر.
إن هناك أسسًا علمية وموضوعية ينبغي أن نعيها وأن نعمل من خلالها لمواجهة هذا النموذج الذي يُراد له أن يُهيمن علينا، وبعد أن هيمن عليهم وكان له ما له وعليه ما عليه. كيف نواجه هذا النموذج الذي نعرف جميعًا أنه مخالف للإسلام نصًا وروحًا وعقيدة وشريعة. أنا في تصوري أن الأمر جاهز، ويطلب من مجمع الفقه ومن كل المؤسسات العلمية والثقافية الإسلامية أن تقف موقفًا لا ينتهي عند القرارات والشجب والنصائح، وإنما ينبغي أن نتبنى خططًا عملية علمية لهذه المواجهة قد تكون بتفريغ الكثير من علماء المسلمين في تخصصاتهم المختلفة لتبين كيف يواجه الإسلام هذا النموذج. ففي المجال الاقتصادي كيف يواجه الإسلام هذا الخطر، ذلك أن للعلمنة مستنداتها وضلائعها الاقتصادية، فهي نهج للتقدم وهي نهج للتنمية، ومن المؤسف أن واقعهم يؤيد ما يقولونه وأن واقعنا يؤيد ما يقولونه عنا وهو أننا متخلفون. وأسهل سبب يعزون إليه تخلفنا هو الإسلام. لقد تقدموا بتركهم للدين أما نحن فقد تخلفنا لتركنا الدين، ولا ينبغي أن نقف عند المظاهر وظواهر المسائل. لابد من تكوين هيئات علمية وثقافية وبحثية في مختلف المجالات وفي مختلف الدول للتصدي الفعلي لهذا النموذج الغربي الذي يُراد له أن يكون نموذجًا عالميًّا.
فيما يتعلق بالمجال الاقتصادي على سبيل المثال طُرحت قضية الاقتصاد الإسلامي منذ سنوات عديدة، طُرِحَت على البساط النظري والفكري وعلى البساط العملي والتطبيقي، كمواجهة عملية لهذا النموذج العلماني الذي يُراد له إبعاد الدين كلية عن شؤون الدولة وقوقعته في المجال الروحي.
إلى أي مدى نجح هذا العمل في مواجهة هذا البعد؟ هل نجح عمليًّا؟ هل نجح علميًّا ونظريًّا؟ هل هناك رجال يفهمون الهدى الإسلامي الاقتصادي الفهم الجيد الذي يواكب متطلبات العصر ويأتيه ويستطيع أن يأخذ بيديه من كبواته المتعددة؟ سؤال مطروح ينبغي لنا جميعًا معشر العلماء والمهتمين أن ندرسه.
فيما يتعلق بالمجال الاجتماعي نفس الشيء، وفيما يتعلق بالمجال الثقافي نفس الشيء. فيما يتعلق بالمجال الفقهي أنا أذكر في مسجد من مساجد إحدى عواصم العالم الإسلامي جلست لاستماع درس وعظ فإذا بالشيخ يفتح كتابًا ويقول: موضوعنا اليوم (التدبير وأم الولد) ، هل هذه هي قضية الأمة الإسلامية وقضية الفقه الإسلامي أم الولد؟ أين هي أم الولد؟! الإنسان الذي ليس بفقيه ولا يعرف شيئًا ربما ظن أن هذا الكلام كلام في موضوعات اجتماعية خطيرة، في حين أن هذا موضوع فني فقهي يتعلق بالرق ويتعلق بأحكام الرق، أمر غريب، أمر غريب!!.
لابد إذًا من المواجهة العلمية الجادة لهذه القضية فلا نقف عند عيوبها فقط. وكما قال الإمام محمد عبده، لقد تركوا الدين فتقدموا، وليس المقصود بالدين الدين السماوي الخالص، الصحيح، الإلهي، المنزل، وإنما ما وصل إليهم من دين هو مجموعة من الشوائب والأخلاط، وثنية يونانية، بعض الأشياء الإنجيلية المشوهة إلى آخره، تركوها وكان لهم الحق في تركها كما قيل في حقهم: تركوا فتقدموا، لكن هل ما لدينا من دين هو هذا؟ لا، لكن لا يكفي أن نقول لا، إنما لابد أن تكون هناك كتب ومراجع علمية ومناهج ومشورة لدى الناشئة ولدى الكبار والصغار. نتكلم مع الاقتصاديين بلغتهم ومع علماء الاجتماع بلغتهم ومع علماء السياسة بلغتهم، أما أن نقف عند مجرد الشك والتشاكي في رأيي هذا شيء لا يمكن تدبيره.
بعض الملاحظات الخفيفة حول الإسلام والتخلف والتنمية، شيء غريب نقرأه ونسمع عنه من دعاة العلمانية بأن الإسلام وراء التخلف. العالم الإسلامي اليوم متخلف هذه حقيقة، متخلف اقتصاديًّا ولا أقول أشياء أخرى، بالتأكيد هو متخلف اقتصاديًّا. لكن لماذا؟ هل لأنه تمسك بدينه؟ أم لأنه أعرض عن دينه؟ هنا ينبغي على علماء الاقتصاد أن يبيِّنوا أن سبب التخلف ليس هو الإسلام من حيث التمسك به بل من حيث الإعراض عنه، وقد أعرضنا عنه فيما يتعلق بالإنتاج والتوزيع والتبادل والتمويل وفيما يتعلق بكل كبيرة وصغيرة في المجال الاقتصادي فتخلفنا، تركنا الدين فتخلفنا، وتركوا هم دينهم فتقدموا. تلك هي القضية. بعض الأشياء قالها شيخنا الجليل القرضاوي عن العلمانية المحايدة. أنا أرى أنه ليس هناك علمانية محايدة بالنسبة للدين إطلاقًا، وكلمة محايدة والاعتراف بأن هناك علمانية محايدة هذا مكسب للعلمانيين؛ لأن كلمة (محايدة) في المنهج العلمي كلمة إيجابية شيء مطلوب، يقول لك: العلم محايد، أو هذا المنهج محايد. يعني أنها صفة مدح وليست صفة ذم. ليست هناك علمانية محايدة. العلمانية جاءت لتنحية الدين وإقامة أشياء أخرى مقامه.
النقطة الأخرى الإنجيل والتشريع:
يقال كثيرًا - ونحن هنا في محفل فقهي وعلمي على مستوى رائع - يقال كثيرًا: إن الإنجيل ليس فيه تشريع، إن المسيحية ليست فيها تشريع وإنما هي مجرد مواعظ، أنا أرى أن هذه القضية في حاجة إلى بحث وبحاجة إلى طرح جيد وطرح من جديد. هل هناك دين ورسول يرسل إلى أمة دون أن يكون له منهج لإصلاح هذه الأمة في دنياها وأخراها؟! كذلك النصوص الدينية: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، وكيف يحكمونك، وعندهم
…
يحكم الله، وكذا. إذن قضية أنهم تركوا الدين لمجرد أن المسيحية ليست فيها كذا، هذه قضية خطيرة. كل دين صحيح فيه هدي أو هدى فيما يتعلق بجوانب الحياة المختلفة.
يقال: إن العلمانية أخفقت في كل بلاد العالم الإسلامي. كيف أخفقت؟ أخفقت في ماذا؟ أخفقت في زحزحة الحكم عن الدول الإسلامية؟ أخفقت في زحزحة الاقتصاد عن أن يكون اقتصادًا إسلاميًّا؟ أخفقت في زحزحة الثقافة حتى تكون ثقافة إسلامية؟ أنا أرى أن النتيجة مغايرة. العلمانية بهذا، وللأسف الشديد، لها السطوة والهيمنة ولها الجزء الأكبر وتتطلب منا مواجهة غير التي تُجرى حاليًا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأستاذ عبد اللطيف الجناحي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
نحن أمام نظام عالمي جديد مرتكزه هيمنة السياسة الجهوية على العالم، وأدواته استخدام الاقتصاد والإعلام. هذه إفرازات ظهرت بشكل بارز خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.
أول عمل هو متبني هذه الفكرة هي الديانات بصفة عامة المسيحية أو الإسلام، لكن التركيز كان شديدًا على الإسلام؛ لأنهم قالوا لابد من أن نعزل الإنسان لأن تاريخه ولذلك ظهرت لديهم إعادة صياغة التاريخ الإسلامي بشكل مشوه.
قالوا كيف نستطيع أن نحد من الروح الدينية المتأججة في صدر المسلم وهو يتذكر نبيه صلى الله عليه وسلم ويتذكر الصحابة والسلف الصالح؟
…
وقالوا كيف نستطيع أن نقاوم عسكريًّا من يحاربنا وهو يتذكر خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح؟ إذن نحاول التغيير والتأثير فيه وتشويهه. وهو النهج الذي سلكوه بشكل مركز بعد الحرب العالمية الثانية. فلو درسنا البرنامج لوجدنا فيه خطة تستند أولًا على التفتيت وهو ما بدأ في الخمسينيات بشكل واضح، ثم التشكيك، ثم المرحلة الثالثة التشويه وعرض الفكر العلماني. ثلاث خطوات مشوا فيها.
استهدفوا في قضية التفتيت الأمة بأجمعها، فظهر الفكر الغربي في بداية الخمسينيات ليقابل الخلافة الإسلامية الكبرى، وبدؤوا يفتتون العالم الإسلامي إلى دويلات صغيرة مستندًا على الفكر الغربي، ثم ظهرت الإقليمية الضيقة ونحن نعلم أن الحروب الأخيرة كانت مغطية لهذه الفكرة.
برزت بعد ذلك الخطوة الأخرى وهي التشكيك، فشككوا في العقائد وفي التاريخ وفي كثير من الأشياء، واعتمدوا في ذلك على ثلاثة طرق: التربية، التعليم، الإعلام وضموا معه تغيير العادات والتقاليد.
إذن الخطة المعروضة لديهم لو درسناها نجد أنها واضحة ومعروفة لدينا لابد من مواجهتها. نقابل التفتيت بتوحيد الأمة والعودة إلى صحوة الأمة.
نقابل التشكيك بالتركيز على إبراز الدين الإسلامي وقوة تاريخنا الإسلامي.
ونقابل التشويه بالرد وتفنيد آرائهم. (جون ميجر) يقول: إننا نصرف سبعين مليار دولار سنويًّا لمعالجة سلبيات الإباحة الجنسية التي أقرت من قبل أمريكا سنة 1962م. لو تتبعنا الدعوة العلمانية لوجدنا أننا نستطيع أن نشوهها أكثر مما هم شوهوا التاريخ الإسلامي والعقيدة الإسلامية.
إذن نخلص إلى أنه لابد من التركيز على أمور هامة منها:
أولا: لابد من التركيز على وحدة الأمة.
ثانيًا: لابد من إعادة كتابة تاريخها بصياغة عصرية بواسطة أبناء الأمة أنفسهم.
ثالثًا: الاهتمام بالمدرسة والمسجد وإعادة صياغة المناهج التعليمية فتكون علوم القرآن من العلوم المخدومة التي لا غنى عنها.
رابعًا: إعادة إعداد خطباء المساجد والوعاظ ليكونوا قدوة في التصرف وتسلحهم بالسلاح العقائدي مع الإلمام بمقتضيات العصر.
خامسًا: الرد على الشبهات عن طريق المتمكنين من علمائها.
سادسًا: إبراز التناقضات في النظام العالمي الجديد، وسلبيات العلمانية.
سابعًا: التأكيد على الاهتمام بالصحوة الإسلامية المستمرة.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن القضية المطروحة علينا اليوم هي من أعقد القضايا التي نفذت إلى عقول وقلوب العالم الإسلامي وأثرت فيه فعلًا. والعلمنة ابتدأت مع الاستشراق ذلك أنه لما دخلت الجيوش الغازية إلى بلاد العالم الإسلامي أرادت أن تطمئن على بقاء سيطرتها على هذه الأقطار، ولن تستطيع أن تستمر في هذه السيطرة إلا إذا قَبِل العالم المحتل بقيم ومبادئ ومفاهيم العالم الغربي، فلذلك دخل المستشرقين إلى عقول نخبة مثقفة في العالم الإسلامي فغزوها غزوًا بلغ شعاب النفس وحطم الروح، وكونوا منهم دعاة لمذهبهم حتى لا يشعر العالم الإسلامي بالرفض لما يريد أن ينفذ به الغرب إلى العالم الإسلامي.
أولًا: أعتقد أن منظمة المؤتمر الإسلامي وهي باسمها قد تحملت هذه الأمانة عليها أن تكون لجنة من علماء المسلمين ومن مفكريهم لتتبع العلمنة الوافدة، وتشكيكاتها المتنوعة لتبين الحق وترد الباطل، وتكون الدرع الذي يرد على هؤلاء الذين يريدون تشكيك المسلم في القيم التي يؤمن بها والتي تربط بينه وبين بقية أجزاء العالم الإسلامي وتقوم بهذه الوظيفة.
ثانيًا: أن تعتمد هذه اللجنة على الطرق الحديثة التي يقع بها نشر المعرفة، فالكتابة في الصحف أو الكتابة في المجالات مفيدة ولكنها محدودة، وقد تعوّد العالم اليوم على طرق جديدة هي التي تؤثر فيه كالتلفاز والإنترنت وغيرها من هذه التي تدخل الأسماع والعقول والقلوب دون استئذان، وتستطيع منظمة عتيدة كمنظمة المؤتمر الإسلامي أن تكون لها مراكز تنفذ منها إلى المسلمين لرد هذه الشُبَه والأضاليل.
ثالثًا: أن تكون منظمة المؤتمر الإسلامي ميثاق شرف بين جميع دول العالم الإسلامي توقع عليه ملتزمة بأنها لا تمكن من يريد تضليل المسلمين وإخراجهم من دينهم وتفريقهم، استنادًا إلى مبدأ حرية الفكر، مع أن الغرب يريد تمزيق النسيج الفكري والاجتماعي للعالم الإسلامي. لأن حرية الفكر شيء وقتل الآخرين شيء آخر، وقتل الناس في عقائدهم وقتل الناس فيما يربط بينهم وتمزيق العالم الإسلامي هو ليس حرية ولكنه فوضى واعتداء.
رابعًا: أن العلمانية لا أقول إن هناك علمانية متطرفة وهناك علمانية مروضة خرجت من حيثيتها إلى صورة قد تقبل. العلمانية شيء واحد والكفر ملة واحدة، وأن ما حرمه الله لا يمكن أن يهون أي محرم، فما حرمه الله فالكبائر سواسية والصغائر سواسية، وكلها تعدٍّ لحدود الله. وأردت أن أقول: إن العلمانية هي في حقيقتها وباء يحمل جراثيم، هذه الجراثيم انتقلت وأصابت بتدبيرها العقيدة والعلاقة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في كل دولة من دول العالم الإسلامي لا أستثني دولة من هذه الدول. ولا أعلم فرقًا أو لا أستطيع أن أفرق بين كذب وخيانة وغش، وتفريق الكلمة وبين قضايا حجاب وجنس إلى آخره. فقد تعودنا وبكل الأسف أن نضخم قضايا الجنس عندما نقدمها حتى أصبح كثير من المفكرين الإسلاميين العمالقة عندما يقول الأخلاق وهم يتحدثون عن الجنس وعن المرأة، الأخلاق في الإسلام أعمق من هذا، هي علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وبالكون.
خامسًا: أنا لا أعلم دولة من دول العالم العربي اتخذت العلمانية مبدأ في دستورها. فبحمد الله حتى من تجاوز الحدود وهذه الحدود مقدارها كثير لكن لا توجد دولة من دول العالم العربي صرحت في دساتيرها أو في مفاهيمها أو واجهت شعوبها بأنها علمانية وأنها تجرؤ على كتاب الله وسنة رسوله. ولا أعلم دولة - كما قلت - تُحَكِّمُ شرعَ اللهِ في كُلِّ أَمْرٍ.
كما أنه على كل من ينقل الكلمة أن ينظر من مآل الأقوال - ويعجبني الإمام الشاطبي عندما ألحَّ على مآلات الأفعال - لا يُنظر إلى الفعل أو إلى القول كما يقال، ولكن ينظر إلى ما سيؤول إليه، وعلى هذه المآلات تعرف القيم إما من القبول أو الرفض وإما من الحسن أو القبح. وعلى هذا ينبغي عندما نتحدث أن نتحدث بهذا المنطق وبهذه الروح.
وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ العبيد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
الذي أود أن أشير إليه من خلال ما قرأت من الأبحاث ومن التعليقات، التأكيد على أن العلمانية هي غياب الدين من خلال المؤسسات الرسمية ومواقع اتخاذ القرار في الدول التي دخلت هذا المجال. ومن هنا يجب ألا نتخوف من طرفه كما لم يأتِ الآخر من تطبيقه، وقد لا يكون هناك نصوص واضحة في تبني هذا المنهج، ولكنه من خلال التطبيق أمر واضح للجميع، وبما أن الحُكْمَ على الشيء فرع من تصوُّرِهِ، فلابد من إيضاح صورة القوانين التي تتحدث عن مبدأ العلمانية أو اللا دينية.
ومن هنا أتوجه بالكلام إلى المجلس لاتخاذ خطوة عملية في هذا المجال، فإني أرى أن تشتمل القرارات والتوصيات في مجلسكم الموقر على ما يلي:
أولا: بيان مخاطر العلمانية على الإسلام والمسلمين، دولًا وشعوبًا.
ثانيًا: حث الدول الإسلامية جميعًا على إعادة النظر في قوانينها والانطلاق من نظرة تنطلق من الإسلام الحنيف عقيدة وشريعة.
ثالثًا: أن يتخذ المجلس قرارًا بأنه لا يجوز لأية دولة أن تسن وتصدر قانونًا يتعارض مع قواعد وضوابط الشريعة الإسلامية.
وشكرًا.
الرئيس:
في الواقع لدي خمسة عشر طلبًا من أصحاب الفضيلة الذين طلبوا الكلمة، ولهذا فقد ترون مناسبًا أن تختم هذه الجلسة مع الاعتذار لبقية الإخوان، وإن شاء الله تعالى فإن العمل مبروك. مناسب تؤلف لجنة تضم بالإضافة للعارض الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ عكرمة صبري وكل من المشائخ: وهبة الزحيلي، شوقي دنيا، عبد اللطيف الجناحي، محي الدين القره داغي.
وبهذا ترفع الجلسة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم: 90 (2/11)
بشأن
العلمانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25 - 30 رجب 1419هـ (14 - 19 نوفمبر 1998م) .
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع: (العلمانية) ، وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى خطورة هذا الموضوع على الأمة الإسلامية.
قرر ما يلي:
أولًا: إن العلمانية (وهي الفصل بين الدين والحياة) نشأت بصفتها رد فعل للتصرفات التعسفية التي ارتكبتها الكنيسة.
ثانيًا: انتشرت العلمانية في الديار الإسلامية بقوة الاستعمار وأعوانه، وتأثير الاستشراق، فأدت إلى تفكك في الأمة الإسلامية، وتشكيك في العقيدة الصحيحة، وتشويه تاريخ أمتنا الناصع، وإيهام الجيل بأن هناك تناقضًا بين العقل والنصوص الشرعية، وعملت على إحلال النظم الوضعية محل الشريعة الغراء، والترويج للإباحية، والتحلل الخلقي، وانهيار القيم السامية.
ثالثًا: انبثقت عن العلمانية معظم الأفكار الهدامة التي غزت بلادنا تحت مسميات مختلفة كالعنصرية، والشيوعية والصهيونية والماسونية وغيرها، مما أدى إلى ضياع ثروات الأمة، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وساعدت على احتلال بعض ديارنا مثل فلسطين والقدس، مما يدل على فشلها في تحقيق أي خير لهذه الأمة.
رابعًا: إن العلمانية نظام وضعي يقوم على أساس من الإلحاد يناقض الإسلام في جملته وتفصيله، وتلتقي مع الصهيونية العالمية والدعوات الإباحية والهدامة، ولهذا فهي مذهب إلحادي يأباه الله ورسوله والمؤمنون.
خامسًا: إن الإسلام هو دين ودولة ومنهج حياة متكامل، وهو الصالح لكل زمان ومكان، ولا يقر فصل الدين عن الحياة، وإنما يوجب أن تصدر جميع الأحكام منه، وصبغ الحياة العملية الفعلية بصبغة الإسلام، سواء في السياسة أو الاقتصاد، أو الاجتماع، أو التربية، أو الإعلام وغيرها.
التوصيات:
يوصي المجمع بما يلي:
أ - على ولاة أمر المسلمين صد أساليب العلمانية عن المسلمين وعن بلاده، وأخذ التدابير اللازمة لوقايتهم منها.
ب - على العلماء نشر جهودهم الدعوية بكشف العلمانية، والتحذير منها.
جـ - وضع خطة تربوية إسلامية شاملة في المدارس والجامعات، ومراكز البحوث وشبكات المعلومات من أجل صياغة واحدة، وخطاب تربوي واحد، وضرورة الاهتمام بإحياء رسالة المسجد، والعناية بالخطابة والوعظ والإرشاد، وتأهيل القائمين عليها تأهيلًا يستجيب لمقتضيات العصر، والرد على الشبهات، والحفاظ على مقاصد الشريعة الغراء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم: 89 (1/11)
بشأن
الوحدة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25 - 30 رجب 1419هـ (14 - 19 نوفمبر 1998م) .
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع: (الوحدة الإسلامية) . وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى أن هذا الموضوع من أهم المواضيع التي تحتاج الأمة الإسلامية اليوم إلى بحثها من الناحيتين النظرية والعملية؛ وإن العمل على توحيد الأمة الإسلامية فكريًّا وتشريعيًّا وسياسيًّا، وشدها إلى عقيدة التوحيد الخالص، من أهم أهداف هذا المجمع الدولي.
قرر ما يلي:
أولًا: إن الوحدة الإسلامية واجب أمر الله تعالى به وجعله وصفًا لازمًا لهذه الأمة بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقوله عز وجل:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92] ، وأكدت ذلك السنة النبوية قولًا وعملًا، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:((المسلمون تتكافؤ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم)) ، وحقق عليه الصلاة والسلام هذه الوحدة فعلًا بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وقرر ذلك في أول وثيقة لإقامة الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة التي فيها وصف المسلمين بأنهم:
(أمة واحدة من دون الناس) .
إن هذه النصوص من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وما في معناها، تقتضي أن يجتمع المؤمنون تحت لواء الإسلام، مستمسكين بالكتاب والسنة، وأن ينبذوا الأحقاد التاريخية والنزاعات القبلية والأطماع الشخصية والريات العنصرية. وحينما قاموا بذلك تحققت القوة لدولة الإسلام في عهد النبوة ثم في الرعيل الأول، وانتشر دين الأسلام ودولته في الشرق والغرب وقادت الأمة الحضارة الإنسانية بحضارة الإسلام التي كانت أعظم حضارة قامت على العبودية لله وحده، فحققت العدل والحرية والمساواة.
ثانيًا: إن الوحدة الإسلامية تكمن في تحقيق العبودية لله سبحانه اعتقادًا وقولًا وعملًا، على هدي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والحفاظ على هذا الدين الذي يجمع المسلمين على كلمة سواء في شتى مناحي الحياة من فكرية واقتصادية واجتماعية وسياسية، وما أن ابتعدت الأمة الإسلامية عن مقومات وحدتها حتى نجمت أسباب التفرق التي تعمقت فيما بعد بأسباب كثيرة منها جهود الاستعمار الذي شعاره (فرِّق تَسُدْ) ، فقسم الأمة الإسلامية إلى أجزاء ربطها بأسس قومية وعرقية، وفصل بين العرب والمسلمين، وانصبت معظم جهود المستشرقين إلى تأصيل التفرق في دراساتهم التي روجوها بين المسلمين.
ثالثًا: إن الاختلافات الفقهية التي مبناها على الاجتهاد في فهم النصوص الشرعية ودلالاتها، أمر طبعي في حد ذاته، وقد أسهمت في إغناء الثروة التشريعية التي تحقق مقاصد الشريعة وخصائصها من التيسير ورفع الحرج.
رابعًا: وجوب الالتزام بحفظ مكانة جميع الصحابة رضي الله عنهم، ودعوة العلماء إلى التنويه بمنزلتهم وفضلهم في نقل الشريعة إلى الأمة والتعريف بحقهم عليها، ودعوة الحكومات إلى إصدار الأنظمة التي تعاقب مَن ينتقص من شأنهم في أي صورة من الصور، لما لذلك من رعاية حرمة الصحابة رضي الله عنهم واستئصال سبب من أسباب التفرق.
خامسًا: وجوب الالتزام بالكتاب والسنة، وهدي سلف الأمة من الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، ومن تبعهم بإحسان، ونبذ الضلالات، وتجنب ما يثير الفتن في أوساط المسلمين، ويؤدي إلى الفرقة بينهم، والعمل على توظيف الجهود للدعوة إلى الإسلام ونشر مبادئه في أوساط غير المسلمين.
التوصيات:
لا يخفي أن عصرنا هو عصر التكتلات التي لها تطبيقاته الفكرية والاجتماعية والاقتصادية تحت شعارات العولمة والعلمانية والحداثة وبسبب الانفتاح الإعلامي دون أي قيود أو ضوابط، مما يجعل العالم الإسلامي مستهدفًا لإزالة خصوصياته وتذويب مقوماته ومعالم حضارته الروحية والفكرية، ولا تتم حماية أمتنا من هذه الأخطار إلا باتحادها وإزالة أسباب التفرق لاسيما أن أمتنا تملك العديد من مقومات الوحدة التي تشمل الوحدة الاعتقادية والاجتماعية والاقتصادية والتشريعية والثقافية.
وعليه يوصي المجمع بما يلي:
أ - تأكيد قرار المجمع رقم: 48 (10/5) بشأن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وما تبعه من توصيات في الموضوع ذاته، وقرار المجمع رقم 69 (7/7) بشأن الغزو الفكري في التوصية الأولى.
ب - التأكيد على حكومات البلاد الإسلامية بدعم جهود كل من منظمة المؤتمر الإسلامي ومجمع الفقه الإسلامي الدولي باعتبارهما من صور الوحدة بين المسلمين سياسيًّا وفكريًّا.
جـ - تجاوز النزاعات التاريخية، فإن إثارتها لا تعود على الأمة إلا بإذكاء الضغائن وتعميق الفرقة.
د - التزام حسن الظن وتبادل الثقة بين المسلمين دولًا وشعوبًا. بتوجيه وسائل الإعلام إلى تنمية روح التآلف وإشاعة أخلاقيات الحوار واحتمال الآراء الاجتهادية.
هـ - الاستفادة من القضايا المصيرية التي توحد الأمة الإسلامية وفي مقدمتها قضية القدس والمسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لدرء الأخطار التي تهدد إسلاميتها، والتأكيد على أنها قضية المسلمين جميعًا.
ويناشد المشاركون في المؤتمر حكومات البلاد الإسلامية مضاعفة اهتمامها بهذه القضية وأمثالها، والمبادرة إلى الإجراءات المناسبة، ومنها:
- التنديد بما تتعرض له الأراضي الفلسطينية وأهلوها من سياسات التهجير والاستيطان والتهويد، وما يعانيه الإنسان الفلسطيني من احتلال وظلم، وقمع وحرمان، وقتل وتشريد، وامتهان لكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.
- الدعم المطلق لفلسطين المجاهدة وأرضها المباركة ومسجدها الأقصى أولى القبلتين، في معركتها الاستقلالية والوقوف بجانبها وجانب الشعب الفلسطيني في صموده.
- إدانة الحركة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي فيما يقوم به من ألوان التنكيل وصور العدوان البشع على الشعب الفلسطيني المناضل في سبيل حريته وتحرير مقدساته.
و الاهتمام بالآليات المطروحة التي لها أولوية في تحقيق الوحدة الإسلامية مرحليًّا مثل:
1 -
إعداد المناهج التعليمية على أسس إسلامية.
2 -
وضع الاستراتيجية الإعلامية الإسلامية المشتركة.
3 -
إنشاء السوق الإسلامية المشتركة.
4 -
إقامة محكمة العدل الإسلامية.
ز - قيام الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي بتكوين لجنة من أعضاء المجمع وخبرائه لوضع دراسات عملية قابلة للتطبيق تراعي واقع الأمة الإسلامية. وتشمل الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وتضع آليات تحقيق الوحدة في هذه المجالات مع الاستفادة من الجهود القائمة حاليًّا في إطار المنظمات العربية والإسلامية، والاستعانة بالمختصين في المجالات المختلفة.
ولضمان جدية نشاط هذه اللجنة وتنفيذ نتائج دراستها، نوصي باعتماد تشكيلها ومهامها من منظمة المؤتمر الإسلامي.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم: 90 (2/11)
بشأن
العلمانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25 - 30 رجب 1419هـ (14 - 19 نوفمبر 1998م) .
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع: (العلمانية) ، وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى خطورة هذا الموضوع على الأمة الإسلامية.
قرر ما يلي:
أولًا: إن العلمانية (وهي الفصل بين الدين والحياة) نشأت بصفتها رد فعل للتصرفات التعسفية التي ارتكبتها الكنيسة.
ثانيًا: انتشرت العلمانية في الديار الإسلامية بقوة الاستعمار وأعوانه، وتأثير الاستشراق، فأدت إلى تفكك في الأمة الإسلامية، وتشكيك في العقيدة الصحيحة، وتشويه تاريخ أمتنا الناصع، وإيهام الجيل بأن هناك تناقضًا بين العقل والنصوص الشرعية، وعملت على إحلال النظم الوضعية محل الشريعة الغراء، والترويج للإباحية، والتحلل الخلقي، وانهيار القيم السامية.
ثالثًا: انبثقت عن العلمانية معظم الأفكار الهدامة التي غزت بلادنا تحت مسميات مختلفة كالعنصرية، والشيوعية والصهيونية والماسونية وغيرها، مما أدى إلى ضياع ثروات الأمة، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وساعدت على احتلال بعض ديارنا مثل فلسطين والقدس، مما يدل على فشلها في تحقيق أي خير لهذه الأمة.
رابعًا: إن العلمانية نظام وضعي يقوم على أساس من الإلحاد يناقض الإسلام في جملته وتفصيله، وتلتقي مع الصهيونية العالمية والدعوات الإباحية والهدامة، ولهذا فهي مذهب إلحادي يأباه الله ورسوله والمؤمنون.
خامسًا: إن الإسلام هو دين ودولة ومنهج حياة متكامل، وهو الصالح لكل زمان ومكان، ولا يقر فصل الدين عن الحياة، وإنما يوجب أن تصدر جميع الأحكام منه، وصبغ الحياة العملية الفعلية بصبغة الإسلام، سواء في السياسة أو الاقتصاد، أو الاجتماع، أو التربية، أو الإعلام وغيرها.
التوصيات:
يوصي المجمع بما يلي:
أ - على ولاة أمر المسلمين صد أساليب العلمانية عن المسلمين وعن بلاده، وأخذ التدابير اللازمة لوقايتهم منها.
ب - على العلماء نشر جهودهم الدعوية بكشف العلمانية، والتحذير منها.
جـ - وضع خطة تربوية إسلامية شاملة في المدارس والجامعات، ومراكز البحوث وشبكات المعلومات من أجل صياغة واحدة، وخطاب تربوي واحد، وضرورة الاهتمام بإحياء رسالة المسجد، والعناية بالخطابة والوعظ والإرشاد، وتأهيل القائمين عليها تأهيلًا يستجيب لمقتضيات العصر، والرد على الشبهات، والحفاظ على مقاصد الشريعة الغراء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم: 91 (3/11)
بشأن
الإسلام في مواجهة الحداثة الشاملة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25 - 30 رجب 1419هـ (14 - 19 نوفمبر 1998م) .
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع: (الإسلام في مواجهة الحداثة الشاملة) . وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى خطورة هذا الموضوع، وكشفت وأوضحت حقيقة الحداثة بأنها مذهب فكري جديد يقوم على تأليه العقل، ورفض الغيب، وإنكار الوحي، وهدم كل موروث يتعلق بالمعتقدات والقيم والأخلاق.
وأن أهم خصائصها عند أصحابها:
- الاعتماد المطلق على العقل، والاقتصار على معطيات العلم التجريبي بعيدًا عن العقيدة الإسلامية الصحيحة.
- الفصل التام بين الدين وسائر المؤسسات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، الخيرية. وبذلك تلتقي مع العلمانية.
لذا قرر المجمع ما يلي:
أولًا: الحداثة بالمفهوم المنوه به مذهب إلحادي يأباه الله ورسوله والمؤمنون لمناقضته الإسلام في أصوله ومبادئه، مهما تلبست بمظهر الغيرة على الإسلام ودعوى تجديده.
ثانيًا: إن في قواعد الإسلام وخصائص شريعته ما يفي بحاجة البشرية في كل زمان ومكان من حيث ابتناؤه على ثوابت يقينية لا تستقيم الحياة الإنسانية إلا بدوام وجودها، ومتغيرات تكفل التقدم والتطور، وتستوعب كل جديد صالح من خلال الاجتهاد المنضبط المعتمد على مصادر التشريع المتنوعة.
التوصيات:
يوضي المجمع بما يلي:
أ - أن تهتم منظمة المؤتمر الإسلامي بتكوين لجنة من المفكرين المسلمين لرصد ظاهرة الحداثة، ونتائجها، ودراستها دراسة علمية موضوعية شاملة لتنبه إلى ما قد تشتمل عليه من زيف، لحماية الناشئة من أعضاء الأمة الإسلامية من الآثار الخطرة.
ب - على ولاة أمر المسلمين صد أساليب الحداثة عن المسلمين وبلادهم، وأخذ التدابير اللازمة لوقايتهم منها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم: 92 (4 / 11)
بشأن
بيع الدين وسندات القرض وبدائلها الشرعية
في مجال القطاع العام والخاص
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25 – 30 رجب 1419 هـ (14 – 19 نوفمبر 1998) .
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (بيع الدين وسندات القرض وبدائلها الشرعية في مجال القطاع العام والخاص) ، وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى أن هذا الموضوع من المواضيع المهمة المطروحة في ساحة المعاملات المالية المعاصرة.
قرر ما يلي:
أولاً: أنه لا يجوز بيع الدين المؤجل من غير المدين بنقد معجل من جنسه أو من غير جنسه لإفضائه إلى الربا، كما لا يجوز بيعه بنقد مؤجل من جنسه أو من غير جنسه لأنه من بيع الكالئ بالكالئ المنهي عنه شرعًا. ولا فرق في ذلك بين كون الدين ناشئًا عن قرض أو بيع آجل.
ثانيًا: التأكيد على قرار المجمع رقم 60 / 11 / 6 بشأن السندات في دورة مؤتمره السادس بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 17 – 23 شعبان 1410هـ الموافقة 14 – 20 مارس 1990م. وعلى الفقرة (ثالثًا) من قرار المجمع رقم 64 / 2 / 7 بشأن حسم (خصم) الأوراق التجارية، في دورة مؤتمره السابع بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 7 – 12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9 – 14 مايو 1992م.
ثالثًا: استعرض المجمع صورًا أخرى لبيع الدين ورأى تأجيل البت فيها لمزيد من البحث، والطلب من الأمانة العامة تشكيل لجنة لدراسة هذه الصور، واقتراح البدائل المشروعة لبيع الدين ليعرض الموضوع ثانية على المجمع في دورة لاحقة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم: 93 (5 / 11)
بشأن
الاتجار في العملات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن مجلس الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25 – 30 رجب 1419 هـ (14 – 19 نوفمبر 1998م) .
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (الاتجار في العملات)، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله:
قرر ما يلي:
أولاً: التأكيد على قرارات المجمع رقم (21/9/3) بشأن النقود الورقية وتغير قيمة العملة، ورقم 63 (1/7) بشأن الأسواق المالية الفقرة ثالثًا: التعامل بالسلع والعملات والمؤشرات في الأسواق المنظمة رقم (2) التعامل بالعملات، ورقم 53 (4/6) بشأن القبض، الفقرة ثانيًا:(1- ج) .
ثانيًّا: لا يجوز شرعًا البيع الآجل للعملات، ولا تجوز المواعدة على الصرف فيها. وهذا بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
ثالثًا: إن الربا والاتجار في العملات والصرف التي لا تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية، من أهم أسباب الأزمات والتقلبات الاقتصادية التي عصفت باقتصاديات بعض الدول.
التوصيات:
يوصي المجمع بما يلي:
- وجوب الرقابة الشرعية على الأسواق المالية، وإلزامها بما ينظم أعمالها وفق أحكام الشريعة الإسلامية في العملات وغيرها، لأن هذه الأحكام هي صمام الأمان من الكوارث الاقتصادية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم:94 (6/11)
بشأن
عقد الصيانة
الحمد لله رب العالمين، والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25-30 رجب 1419 هـ (14-19 نوفمبر1998) .
بعد اطِّلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع "عقد الصيانة "، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله.
قرر ما يلي:
أولا: عقد الصيانة هو عقد مستحدث مستقل تنطبق عليه الأحكام العامة للعقود. ويختلف تكييفه وحكمه باختلاف صوره، وهو في حقيقته عقد معاوضة يترتب عليه التزام طرف بفحص وإصلاح ما تحتاجه آلة أو أي شيء آخر من إصلاحات دورية أو طارئة لمدة معلومة في مقابل عوض معلوم. وقد يلتزم فيه الصائن بالعمل وحده أو بالعمل والمواد.
ثانيا: عقد الصيانة له صور كثيرة، منها ما تبين حكمه، وهي:
1.
عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر يلتزم فيه الصائن بتقديم العمل فقط، أو مع تقديم مواد يسيرة لا يعتبر العاقدان لها حسابا في العادة.
هذا العقد يكيف على أنه عقد إجارة على عمل، وهو عقد جائز شرعا، بشرط أن يكون العمل معلوما والأجر معلوما.
2.
عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر يلتزم فيه الصائن تقديم العمل، ويلتزم المالك بتقديم المواد.
تكييف هذه الصورة وحكمها كالصورة الأولى.
3.
الصيانة المشروطة في عقد البيع على البائع لمدة معلومة.
هذا عقد اجتمع فيه بيع وشرط، وهو جائز سواء أكانت الصيانة من غير تقديم المواد أم مع تقديمها.
4.
الصيانة المشروطة في عقد الإجارة على المؤجر أو المستأجر.
هذا عقد اجتمع فيه إجارة وشرط، وحكم هذه الصورة أن الصيانة إذا كانت من النوع الذي يتوقف عليه استيفاء المنفعة فإنها تلزم مالك العين المؤجرة من غير شرط، ولا يجوز اشتراطها على المستأجر، أما الصيانة التي لا يتوقف عليها استيفاء المنفعة، فيجوز اشتراطها على أي من المؤجر أو المستأجر إذا عينت تعينا نافيا للجهالة.
وهناك صور أخرى يرى المجمع إرجاءها لمزيد من البحث والدراسة.
ثالثا: يشترط في جميع الصور أن تعين الصيانة تعيينا نافيا للجهالة المؤدية إلى النزاع، وكذلك تبيين المواد إذا كانت على الصائن، كما يشترط تحديد الأجرة في جميع الحالات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم: 95 (7 / 11)
بشأن
سبل الاستفادة من النوازل (الفتاوى)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين من 25 – 30 رجب 1419 هـ (14 – 19 نوفمبر 1998) .
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (سبل الاستفادة من النوازل) ، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله.
قرر ما يلي:
1-
الاستفادة من تراث الفتاوى الفقهية (النوازل) بمختلف أنواعها لإيجاد حلول للمستجدات المعاصرة سواء فيما يتعلق بمنهاج الفتوى في ضوء ضوابط الاجتهاد والاستنباط والتخريج والقواعد الفقهية، أو فيما يتعلق بالفروع الفقهية التي سبق للفقهاء أن عالجوا نظائر لها في التطبيقات العملية في عصورهم.
2-
تحقيق أهم كتب الفتاوى، وإحياء الكتب الفقهية المساعدة مثل كتاب (التنبيهات على المدونة) للقاضي عياض، وبرنامج الشيخ عضوم، وفتاوى الإمام الغزالي، وتقويم النظر لابن الدهان، وكتب العمل في المذهب المالكي وعواصمه العلمية كفاس والقيروان وقرطبة، ومعروضات أبي السعود وغيرها من الكتب التي تكون طريقاً لإبراز حيوية الفقه.
3-
إعداد كتاب مفصل يبين أصول الإفتاء ومناهج المفتين ومصطلحات المذاهب الفقهية المختلفة، وطرق الترجيح والتخريج المقررة في كل مذهب، بما في ذلك جمع ما جرى به العمل في المذهب المالكي وغيره ونشر كتاب (المدخل إلى فقه النوازل) لرئيس المجمع) .
4-
إدراج بقية كتب الفتاوى في خطة معلمة القواعد الفقهية للوصول إلى القواعد التي بنيت عليها الفتاوى ولم تشتمل عليها المدونات الفقهية.
ويوصي بما يلي:
1-
يجب الحذر من الفتاوى التي لا تستند إلى أصل شرعي ولا تعتمد على أدلة معتبرة شرعاً، وإنما تستند على مصلحة موهومة ملغاة شرعاً نابعة من الأهواء والتأثر بالظروف والأحوال والأعراف المخالفة لمبادئ وأحكام الشريعة ومقاصدها.
2-
دعوة القائمين بالإفتاء من علماء وهيئات ولجان إلى أخذ قرارات وتوصيات المجامع الفقهية بعين الاعتبار، سعياً إلى ضبط الفتاوى وتنسيقها وتوحيدها في العالم الإسلامي.
3-
الاقتصار في الاستفتاء على المتصفين بالعلم والورع ومراقبة الله عز وجل.
4-
مراعاة المتصدرين للفتيا لضوابط الإفتاء التي بينها العلماء، وبخاصة ما يلي:
أ- الالتزام بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغيرها من الأدلة الشرعية، والتزام قواعد الاستدلال والاستنباط.
ب- الاهتمام بترتيب الأولوليات في جلب المصالح ودرء المفاسد. . .
ج – مراعاة فقه الواقع والأعراف ومتغيرات البيئات والظروف الزمانية التي لا تصادم أصلاً شرعياً.
د- مواكبة أحوال التطور الحضاري الذي يجمع بين المصلحة المعتبرة والالتزام بالأحكام الشرعية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم: 105 (8/11)
بشأن
الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم
البشري الجيني - رؤية إسلامية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25 - 30 رجب 1419هـ (14 - 19 نوفمبر 1998م) .
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص الموضوع المذكور أعلاه، والاطلاع على قرارات وتوصيات الندوة الطبية الفقهية الحادية عشرة، التي عقدت بين مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت، والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في الإسكندرية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة في الفترة من 23 - 25 جمادى الآخرة 1419هـ (13 - 15 أكتوبر 1998م) بدولة الكويت.
رأى المجمع تأجيل النظر في الموضوع لمزيد من البحث والدراسة.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم: 97 (9/11)
بشأن
ندوة الخبراء حول دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقهي الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25 - 30 رجب 1419هـ (14 - 19 نوفمبر 1998م) .
بعد التداول في الموضوع وأخذ الرأي فيه.
قرر المجمع:
تأجيل النظر فيه لمزيد من الدراسة وشكل لهذا الغرض لجنة من فضيلة الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجلس المجمع، وفضيلة الشيخ علي التسخيري، وفضيلة الشيخ تقي عثماني؛ على أن يرفع تقريرها للعرض على الدورة القادمة للمجمع.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الجلسة الختامية
والبيان الختامي
البيان الختامي
الصادر عن
مجلس مجمع الفقه الإسلامي
في دورة مؤتمره الحادي عشر المنعقد
بالمنامة
(دولة البحرين)
خلال الفترة من
25 -
30 رجب 1419هـ
14 -
19 نوفمبر 1998م
بسم الله الرحمن الرحيم
مشروع البيان الختامي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه ودعا بدعوته إلى يوم الدين. اللهمَّ اجعلنا من دعاة الخير والحق، وثبِّتنا على صراطك المستقيم، صراطِ الذين أنعمت عليهم، غيرِ المغضوب عليهم، ولا الضالين.
وبعد:
فبتوجيه كريم ورعاية سامية من لدن حضرة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، أمير دولة البحرين، حفظه الله، قامت الحكومة ممثلة في وزارة العدل والشؤون الإسلامية، باستضافة المجلس العلمي لمجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورة مؤتمره الحادي عشر في الفترة من 25 - 30 رجب 1419هـ (14 - 19 نوفمبر 1998م) بمدينة المنامة.
وقد بدأت الجلسة الاقتتاحية في الساعة التاسعة صباحًا من يوم السبت 25/7/1419هـ، 14/11/1998م، بقراءة آيات بينات من القرآن الكريم، تلتها كلمة حضرة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، ألقاها صاحب السعادة الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة، وزير العدل والشؤون الإسلامية، رحب فيها بأصحاب الفضيلة العلماء والضيوف المشاركين، وأبدى غبطته بهذا اللقاء الذي يحمل بين طياته كل الخير والبركة للأمة الإسلامية قاطبة، مشيرًا إلى الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم الإسلامي والتي تستدعي المزيد من الوحدة وتضافر جهود علمائه، والتركيز على جوهر العقيدة ومواطن الاتفاق والابتعاد عن الاختلاف والعداوة والالتزام بالروح الإسلامية السمحاء في مواجهة المشكلات التي قد نواجهها.
ثم تحدث كل من سعادة السفير الأستاذ محمد صالح الزعيمي مدير ديوان الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الذي ألقى كلمة معالي الأمين العام للمنظمة، وتلاه معالي الدكتور عبد الله بن صالح العبيد، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، ومعالي الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، رئيس مجلس المجمع، ومعالي الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، الأمين العام للمجمع.
وقد أكدوا جميعًا في كلماتهم على أهمية الموضوعات المطروحة للبحث والنقاش في هذه الدورة، وشكروا حضرة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، وحكومته الرشيدة وشعبه الكريم على استضافة دولة البحرين لهذا المؤتمر الإسلامي الهام، متمنين لسموه الشفاء العاجل.
وبإثر الكلمات الضافية والتمنيات الطيبة، وفي بداية الجلسة العلمية الأولى تم اختيار الأستاذ الدكتور عجيل جاسم النشمي مقررًا عامًا للمؤتمر في هذه الدورة.
واستمرت جلسات العمل، وعددها ثلاث عشرة جلسة صباحية ومسائية، على مدار ستة أيام، وكانت الموضوعات المدرجة للدراسة هي:
1 -
الوحدة الإسلامية.
2 -
الإسلام في مواجهة العلمنة.
3 -
الإسلام في مواجهة الحداثة الشاملة.
4 -
بيع الدين وسندات القرض وبدائلها الشرعية في مجال القطاع العام والخاص.
5 -
المضاربات في العملة والوسائل المشروعة لتجنب أضرارها الاقتصادية.
6 -
عقود الصيانة وتكييفها الشرعي.
التوصيات الصادرة عن ندوتي:
أ - طهران حول دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي.
ب - الهندسة الوراثية والعلاج بالجين والبصمة الوراثية.
عرضت فيها واحد وخمسون (51) بحثًا، تناولت الجوانب الهامة والمستجدة في كل موضوع، شارك في تقديمها والتعقيب عليها ومناقشتها أصحاب الفضيلة العلماء والباحثون والمفكرون من أعضاء المَجْمَع وخبرائه.
وقد خصصت الجلسة الثانية لبحث ومناقشة أبحاث الموضوع الأول: (الوحدة الإسلامية) وعددها سبعة، أكدت أن هذا الموضوع من أهم المواضيع التي تحتاج الأمة الإسلامية اليوم إلى بحثها من الناحيتين النظرية والعلمية، وأن العمل على توحيد المسلمين فكريًّا وتشريعيًّا وسياسيًّا وشدهم إلى عقيدة التوحيد الخالص، من أهم أهداف هذا المجمع الدولي.
أما الموضوع الثاني: (الإسلام في مواجهة العلمنة) ، فقد وجهت الأبحاث - وعددها تسعة - الأنظار إلى خطورة هذا الموضوع على الأمة الإسلامية، وبينت أن العلمانية (وهي الفصل بين الدين والحياة) نشأت بصفتها رد فعل للتصرفات التعسفية التي ارتكبتها الكنيسة في القرون الماضية، وأنها انتشرت في الديار الإسلامية بقوة الاستعمار وأعوانه، وتأثير الاستشراق، فأدت إلى تفكك الأمة الإسلامية وإلى التشكيك في العقيدة الصحيحة، وتشويه تاريخ أمتنا الناصع، وإيهام الجيل بأن هناك تناقضًا بين العقل والنصوص الشرعية، وعملت على إحلال النظم الوضعية محل الشريعة الغراء، والترجيح للإباحة، والتحلل الخلقي، وانهيار القيم السامية.
والموضوع الثالث: (الإسلام في مواجهة الحداثة الشاملة) ، وفيه أربعة أبحاث، كشفت خطورة الموضوع، وأوضحت حقيقة الحداثة بأنها مذهب فكري جديد يقوم على تأليه العقل، ورفض الغيب، وإنكار الوحي، وهدم كل موروث يتعلق بالمعتقدات والقيم والأخلاق. وأشارت إلى أن أهم خصائصها عند أصحابها الاعتماد المطلق على العقل، والاقتصار على معطيات العمل التجريبي بعيدًا عن الرؤى الدينية، والفصل التام بين الدين وسائر المؤسسات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبذلك تلتقي مع الموضوع السابق العلمانية.
والموضوع الرابع: (بيع الدين بالدين وسندات القرض وبدائلها الشرعية في مجال القطاع العام والخاص) ، وفيه سبعة أبحاث، وهو من المواضيع الهامة المطروحة في ساحة المعاملات المالية المعاصرة، وقد بينت الأبحاث المقدمة الأحكام الشرعية التي تبعد هذا اللون من المعاملات عن صور الربا والغرر وغيرهما من المحظورات الشرعية، فضلاً عن صورة بيع الدين المتمثلة في خصم الكمبيالات ونحوها، وكذلك تأكيد حكم التعامل لسندات القرض في قرار المجمع في دورة مؤتمره السادس.
وكان الموضوع الخامس الذي طُرح للبحث في هذه الدورة هو: (المضاربات في العملة والوسائل المشروعة لتجنب أضرارها الاقتصادية) وحظي بدراستين تناولتا الموضوع بالبحث والاستقصاء، في سبيل كشف آليات عمل هذه العملية الاقتصادية من جهة، ولإيجاد البدائل الممكنة في ظل الشريعة الإسلامية الغراء كي تبتعد العملية عن السلبيات الخطيرة التي تهدد اقتصاديات البدائل، والبحث عن مخرج شرعي يضمن الاستقرار في المضاربات على العملة وفق أحكام المضاربة الشرعية.
والموضوع السادس وهو: (عقود الصيانة وتكييفها الشرعي) بلغ عدد بحوثة خمسة، وقد تبين من خلال العرض والمداخلات التي دارت حول الموضوع أن عقد الصيانة هو عقد مستحدث مستقل، تنطبق عليه الأحكام العامة للعقود، ويختلف تكييفه وحكمه باختلاف صوره، وهو في حقيقته عقد معاوضة يترتب عليه التزام طرف بفحص وإصلاح ما تحتاجه الآلة أو أي شيء آخر من إصلاحات جورية أو طارئة لمدة معلومة في مقابل بدل معلوم، وقد يلتزم فيه الصائن بالعمل وحده أو بالعمل والمواد التي يحتاج إليها.
أما الموضوع السابع؛ (سبل الاستفادة من النوازل _ الفتاوى _ والعمل الفقهي في التكبيقات المعاصرة) ، فكشفت عنه الدراسات المقدمة، وهي سبعة، أكدت أن فقه النوازل هو الرافد الأكبر لثروة الفقه الإسلامي، والاستفادة من هذا التراث من مختلف أنواعه في إيجاد حلول شرعية مناسبة للمستجدات المعاصرة، سواء فيما يتعلق بمناهج الفتوى في ضوء ضوابط الاجتهاد والاستنباط والتخريج والقواعد الفقهية، أم فيما يتعلق بالفروع الفقهية التي سبق للفقهاء أن عالجوا نظائر لها في التطبيقات العملية في عصورهم. كما أثرت الأبحاث من الفتاوى التي لا تستند إلى أصل شرعي ولا تعتمد على أدلة معتبرة، وتهدف إلى تسويغ هذه المصلحة حتى ولو كانت ملغاة شرعيًّا، أو نابعة من الأهواء والمؤثرات الخارجية.
إضافة إلى ذلك قام المجلس بدراسة ومناقشة التوصيات الصادرة عن ندوة:
أ - الكويت بشأن: (الهندسة الوراثية، والعلاج بالجين والبصمة الوراثية) وفيها عشرة بحوث.
ب - وندوة طهران حول (دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي) وقد تقرر تأجيلها إلى الدورة القادمة لاستكمال البحث.
وقد تمَّ الاتفاق، إثر عرض ومناقشة كل موضوع من هذه المواضيع المدرجة في جدول أعمال هذه الدورة، على تكوين لجان للصياغة لإعداد القرارات والتوصيات المناسبة التي عرضت على أعضاء مجلس المجمع، ثم إقرارها بالصيغة الموزعة على حضراتكم.
وانتهت فعالية الدورة مساء يوم الخميس 30 رجب 1419هـ، 19 نوفمبر 1998م.
وبهذه المناسبة يسعدني ويشرفني أن أزجي فائق الشكر وبالغ الامتنان لحضرة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، ولدولة البحرين، حكومة وشعبًا، وعلى رأسهم سمو رئيس الوزراء الموقَّر وسمو ولي العهد الأمين، وسعادة وزير العدل والشؤون الإسلامية، على استضافة أعمال هذه الدورة، وعلى كرم الضيافة، وطيب الوفادة، وعلى الجهود الكبيرة التي بذلت في سبيل إنجاحها، مهنئين سمو أمير البلاد على نتائج الفحوصات الطبية المُطَمئِنة، داعين الله تعالى لسموه بدوام الصحة وتمام العافية وطول العمر.
وينبغي أن أذكر هنا بالتقدير والإجلال والاعتراف بالفضل مساعدي سعادة وزير العدل وهما: وكيل الوزارة الشيخ عبد الرحمن آل خليفة، ومساعده الشيخ خليفة آل خليفة، وكذلك الأستاذ عبد اللطيف الجناحي على ما وجدناه منهم من رعاية دائمة فائقة مكنتنا من القيام بعملنا على الوجه الذي نؤمله وهو الوجه المطلوب.
وأتقدم بجزيل الشكر والثناء للعلامة الدكتور الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد على دوره البارز في إنجاح هذه الدورة برئاسته الحكيمة وتدخلاته الناجعة، وأشكر جزيل الشكر وأعمقه أصحاب الفضيلة أعضاء اللجان والمقررين كافة على ما أعدوه لنا من صياغة دقيقة للقرارات والتوصيات، أسأل الله أن يجزل لهم المثوبة. وأشكر أيضًا هذه الصفوة الكريمة من العلماء والخبراء والباحثين والمفكرين على ما بذلوه من جهد وقدموه من عمل نافع طيلة هذا الأسبوع، أسبغ الله عليهم نعمه ونفع المسلمين بآرائهم الصائبة وعلمهم الواسع.
ولا يفوتني أن أتقدم بأسمى عبارات التقدير والإخلاص لكل من أسهم في إنجاح أعمال هذه الدورة من الطاقم الإداري للمجمع، كما أنوِّه، عظيم التنويه، في هذا المقام بما قامت به أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة من مواكبة لهذه الأيام الدراسية، وعرض ملخصات لما قدم فيها من بحوث جادة نافعة.
ويطيب لي أن أتقدم بالشكر الجزيل في آخر هذا البيان إلى المنظِّمين كافة من إداريين ومساعدين ومرافقين وإدارة الفندق والقائمين على خدمات وأجهزة الاتصال بمختلف عناصرها وكل صورها.
وختامًا، أسأل الله أن تكون هذه الدورة إضافة جديدة إلى منجزات مجمعكم الموقر، وأن يحقق لهذه الأمة الوحدة والألفة وحُسن البصر بأمورها والالتزام في كل مجالات الحياة بشرع الله والاستهداء في القضايا المستجدة بالفكر الإسلامي ومناهجه، مع مراعاة مبادئه العالية وقيمه السامية والرجوع دائمًا إلى الأدلة الشرعية والقواعد العامة الفقهية، بما يسهمون به إسهامًا جليلاً في تحقيق المصالح لهذه الأمة ودرء المفاسد عنها، وفي بناء نهضتها المباركة وتجديد أمر دينها.
وإلى لقاء خير جديد حافل بالجهود والدراسات الشرعية الفقهية الجادة والقرارات والتوصيات المجمعية العلمية التي تخدم ديننا الحنيف والمسلمين في جميع أنحاء العالم.
والله حسبنا ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
توصيات الدورة الحادية عشرة
لمجلس مجمع الفقه الإسلامي
1 -
حول ندوة الكويت بشأن: (الهندسة الوراثية والعلاج بالجين والبصمة والوراثية) .
2 -
ندوة طهران حول: (دور المرأة في تنمية المجتمع المسلم) .
(1)
حول ندوة الكويت
بشأن الهندسة الوراثية
والعلاج بالجين والبصمة الوراثية
العرض - المناقشة
العرض
الرئيس:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الهندسة الوراثية أو الأمور الوراثية يتفضل بالعرض عنها فضيلة الشيخ خالد المذكور.
الشيخ خالد المذكور:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أولاً: أعتذر لأنني أقرأ هذه التوصيات باعتباري عضوًا في مجلس أمناء المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، وعضوًا في اللجنة التنفيذية فيها، وكان من المفروض أن يحضر لقراءة هذه التوصيات الأمين العام المساعد للمنظمة الدكتور أحمد رجائي الجندي، لكن ظروفًا ألمت به اعتذر عن الحضور، فأنا باعتباري عضوًا في هذه المنظمة أقرأ هذه التوصيات، وأريد أن أبين أن هناك بعض التغيرات أُدخلت على التوصيات بعد توزيعها، لا أدري إن كانت وُزِّعت بعد إدخال التغيرات أم لا، لأنها وزعت بالأمس قبل أن نغير فيها باعتبار اللجنة الثلاثية التي كلفنا بها الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي، لكن بعد التغيرات لا أدري إن كانت وُزِّعت أم لم توزع، لكن عمومًا سوف أقرأ مما غيرناه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد؛
فاستمرارًا لمسيرة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في تصديها للمشاكل الطبية والصحية من خلال رؤية إسلامية، والتي تمثلت في العديد من ندواتها المتتابعة.
ولما كان علم الوراثة، وما فتحه من جبهات علمية واحتمالات تطبيقية، بالغ الأهمية في صوغ مسار الإنسانية في حاضرها ومستقبلها، فقد رأت المنظمة إفراد ندوة خاصة لسبر أغوار هذا الموضوع، وعرض معطياته وإمكاناته على ميزان الشريعة الإسلامية، فتم بفضل من الله وعونه، وبرعاية كريمة من حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، عقد الندوة الحادية عشرة في دولة الكويت وموضوعها:(الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني - رؤية إسلامية) وذلك بمشاركة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالإسكندرية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وذلك في الفترة من 23 - 25 جمادى الآخرة 1419هـ الذي يوافق 13 - 15 من شهر تشرين الأول - أكتوبر 1998م، وقد أسهم في أعمال الندوة جمع من كبار الفقهاء والأطباء والصيادلة، واختصاصيي العلوم البيولوجية والعلماء من علوم إنسانية أخرى.
باشرت الندوة أعمالها، فتدارست في اليوم الأول موضوع الجوانب العلمية للهندسة الوراثية، حيث عرضت الجوانب الطبية، والجوانب الفقهية لهذا الموضوع، وكذلك موضوع الجوانب العلمية للجينوم البشري، وجرى بحث ونقاش مستفيضان لتلك الجوانب، وخصص اليوم الثاني للجوانب الفقهية للجينوم البشري، وللجوانب الطبية والفقهية للبصمة الوراثية، وكذلك الجوانب الطبية للإرشاد الجيني أهميته وآثاره ومحاذيره، وخصص اليوم الثالث لدراسة الجوانب الفقهية لللإرشاد الجيني، والجوانب الطبية والفقهية للهندسة الوراثية، ثم توصلت الندوة في ختام عملها في اليوم الثالث إلى التوصيات التالية:
أولاً - مبادئ عامة:
أولاً - خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه على سائر المخلوقات وإن العبث بمكونات الإنسان، وإخضاعه لتجارب الهندسة الوراثية بلا هدف أمر يتنافى مع الكرامة التي أسبغها الله على الإنسان، مصداقًا لقوله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء: 70] .
ثانيًا - الإسلام دين العلم والمعرفة كما جاء في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] ، وهو لا يحجر على العقل الإنساني في مجال البحث العلمي النافع، ولكن حصيلة هذا البحث ونتائجه لا يجوز أن تنتقل تلقائيًّا إلى مجال التطبيقات العملية حتى تُعرض على الضوابط الشرعية، فما وافق الشريعة منها أُجيز، وما خالفها لم يجز، وإن علم الوراثة بجوانبه المختلفة هو - ككل إضافة إلى المعرفة - مما يحض عليه الإسلام، وكان أولى بعلماء المسلمين أن يكونوا فيه على رأس الركب.
ثالثًا - إن الحرص على الصحة، والتوقي من المرض، مما يوصي به الإسلام، ويحض عليه {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، (( (ومن يتوق الشر يوقه)) ) .
والتداوي في أصله مطلوب شرعًا، لا فرق في ذلك بين مرض مكتسب ومرض وراثي، ولا يتعارض ذلك مع فضيلة الصبر واحتساب الأجر، والتوكل على الله.
رابعًا - لكل إنسان الحق في أن تُحترم كرامته وحقوقه أيًّا كانت سماته الوراثية.
خامسًا - لا يجوز إجراء أي بحث أو القيام بأي معالجة أو تشخيص يتعلق بجين (جينوم) شخص ما، إلا بعد إجراء تقييم صارم ومسبق للأخطار والفوائد المحتملة المرتبطة بهذه الأنشطة، مع الالتزام بأحكام الشريعة في هذا الشأن، والحصول على القبول المسبق والحر والواعي من الشخص المعني، وفي حالة عدم أهليته للإعراب عن هذا القبول، وجب الحصول على القبول أو الإذن من وليه مع الحرص على المصلحة العليا للشخص المعني، وفي حالة عدم قدرة الشخص المعني على التعبير عن قبوله، لا يجوز إجراء أي بحوث تتعلق بجينه (جينومه) ما لم يكن ذلك مفيدًا لصحته فائدة مباشرة.
سادسًا - ينبغي احترام حق كل شخص في أن يقرر ما إذا كان يريد أو لا يريد أن يُحاط علمًا بنتائج أي فحص وراثي أو بعواقبه.
سابعًا - تحاط بالسرية الكاملة كافة التشخيصات الجينية المحفوظة أو المعدة لأغراض البحث، أو لأي غرض آخر، ولا تفشى إلا في الحالات المبينة في الندوة الثالثة من ندوات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية المنعقدة بتاريخ 18 أبريل 1987م حول سر المهنة.
ثامنًا - لا يجوز أن يُعرَّض أي شخص لأي شكل من أشكال التمييز القائم على صفاته الوراثية، والذي يكون غرضه أو نتيجته النيل من حقوقه وحرياته الأساسية والمساس بكرامته.
تاسعًا - لا يجوز لأي بحوث تتعلق بالجين (الجينوم) البشري أو لأيٍّ من تطبيقات هذه البحوث، ولاسيما في مجالات البيولوجيا وعلم الوراثة والطب، أن يعلو على الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، واحترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية، والكرامة الإنسانية لأي فرد أو مجموعة أفراد.
عاشرًا - ينبغي أن تدخل الدول الإسلامية مضمار الهندسة الوراثية بإنشاء مراكز للأبحاث في هذا المجال، تتطابق منطلقاتها مع الشريعة الإسلامية، وتتكامل فيما بينها بقدر الإمكان، وتأهيل الأطر البشرية للعمل في هذا المجال.
إحدى عشر - ينبغي على المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية الاهتمام بتشكيل لجان تهتم بالجوانب الأخلاقية للممارسات الطبية داخل كل دولة من الدول الإسلامية، تمهيدًا لتشكيل الاتحاد الإسلامي للأخلاقيات الطبية في مجال التكنولوجيا الحيوية.
الثاني عشر - ينبغي على علماء الأمة الإسلامية نشر مؤلفات لتبسيط المعلومات العلمية عن الوراثة والهندسة الوراثية لنشر الوعي وتدعيمه عن هذا الموضوع.
الثالث عشر - ينبغي على الدول الإسلامية إدخال الهندسة الوراثية ضمن برامج التعليم في مراحله المختلفة، مع زيادة الاهتمام بهذه المواضيع بالدراسات الجامعية، والدراسات العليا.
الرابع عشر - ينبغي على الدول الإسلامية الاهتمام بزيادة الوعي بموضوع الوراثة، والهندسة الوراسية، عن طريق وسائل الإعلام المحلية، مع تبيان الرأي الإسلامي في كل موضوع عن هذه المواضيع.
الخامس عشر - تكليف المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية لمتابعة التطورات العلمية لهذا الموضوع، وعقد ندوات مشابهة لاتخاذ التوصيات اللازمة إن جد جديد.
ثانيًا - الجينوم البشري:
إن مشروع قراءة الجينوم البشري - وهو رسم خريطة الجينات الكاملة للإنسان - هو جزء من تعرُّف الإنسان على نفسه، واستكناه سنة الله في خلقه، وإعمال للآية الكريمة:{سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت: 53] ، ومثيلاتها من الآيات الأخرى.
ولما كانت قراءة الجينوم وسيلة للتعرف على بعض الأمراض الوراثية أو القابلية لها، فهي إضافة قيمة إلى العلوم الصحية والطبية في مسعاها لمنع الأمراض أو علاجها مما يدخل في باب الفروض الكفائية في المجتمع.
ثالثًا - الهندسة الوراثية:
تدارست الندوة موضوع الهندسة الوراثية، وما اكتنفها منذ ميلادها في السبعينيات من هذا القرن من مخاوف مرتقبة إن دخلت حيز التنفيذ بلا ضوابط، فإنها سلاح ذو حدين قابل للاستعمال في الخير أو في الشر.
ورأت الندوة جواز استعمالها في منع المرض أو علاجه أو تخفيف أذاه، سواء بالجراحة الجينية التي تبدل جينًا بجين أو تولج جينًا في خلايا مريض، وكذلك إيداع جين في كائن آخر للحصول على كميات كبيرة من إفراز هذا الجين، لاستعماله دواء لبعض الأمراض، مع منع استخدام الهندسة الوراثية على الخلايا الجنسية، لما فيه من محاذير شرعية.
وتؤكد الندوة على ضرورة أن تتولى الدول توفير مثل هذه الخدمات لرعاياها المحتاجين لها من ذوي الدخول المتواضعة، نظرًا لارتفاع تكاليف إنتاجها.
وترى الندوة أنه لا يجوز استعمال الهندسة الوراثية في الأغراض الشريرة والعدوانية، أو في تخطي الحاجز الجيني بين أجناس مختلفة من المخلوقات، قصد تخليق كائنات مختلطة الخلقة، بدافع التسلية أو حب الاستطلاع العلمي، كذلك ترى الندوة أنه لا يجوز استخدام الهندسة الوراثية كسياسة لتبديل البنية الجينية في ما يسمى بتحسين السلالة البشرية، وأي محاولة للعبث الجيني بشخصية الإنسان، أو التدخل في أهليته للمسؤولية الفردية أمر محظور شرعًا.
وتحذر الندوة من أن يكون التقدم العلمي مجالاً للاحتكار والحصول على الربح هو الهدف الأكبر، مما يحول بين الفقراء وبين الاستفادة من هذه الإنجازات، وتؤيد توجه الأمم المتحدة في هذا المجال في إنشاء مراكز للأبحاث للهندسة الوراثية في الدول النامية، وتأهيل الأطر البشرية اللازمة، وتوفير الإمكانيات اللازمة لمثل هذه المراكز.
ولا ترى الندوة حرجًا شرعيًّا باستخدام الهندسة الوراثية في حقل الزراعة، وتربية الحيوان، ولكن الندوة لا تهمل الأصوات التي حذرت مؤخرًا من احتمالات حدوث أضرار على المدى البعيد تضر بالإنسان أو الحيوان أو الزرع أو البيئة، وترى أن على الشركات والمصانع المنتجة للمواد الغذائية ذات المصدر الحيواني أو النباتي؛ أن تبين للجمهور ما يُعرض للبيع مما هو محضر بالهندسة الوراثية ليتم الشراء على بينة، كما توصي الندوة باليقظة العلمية التامة في رصد تلك النتائج، والأخذ بتوصيات وقرارات منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية العالمية في هذا الخصوص.
وتوصي الندوة بضرورة إنشاء مؤسسات لحماية المستهلك وتوعيته في الدول الإسلامية.
رابعًا - البصمة الوراثية:
تدارست الندوة موضوع البصمة الوراثية، وهي البنية الجينية التفصيلية، التي تدل على هوية كل فرد بعينه، والبصمة الوراثية من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية، والتحقق من الشخصية، ولاسيما في مجال الطب الشرعي، وهي ترقى إلى مستوى القرائن القطعية، التي يأخذ بها جمهور الفقهاء، من غير قضايا الحدود الشرعية، وتمثل تطورًا عصريًّا ضخمًا في مجال القيافة، الذي تعتد به جمهرة المذاهب الفقهية، على أن تؤخذ هذه القرينة من عدة مختبرات.
أما بالنسبة لإثبات أو نفي النسب بهذه الوصيلة ونظرًا لما يخالط هذا الموضوع من آراء فقهية تدعو الحاجة لتعميق الدراسة في جوانبها المختلفة فقد رأت المنظمة عقد حلقة نقاشية من المختصين من الفقهاء والخبراء للوصول إلى توصيات مناسبة حول هذا الموضوع.
خامسًا - الاستشارة والإرشاد الوراثي:
الاستشارة الوراثية تتوخى تزويد طالبيها بالمعرفة الصحيحة، والتوقعات المحتملة، ونسبتها الإحصائية تاركًا اتخاذ القرار تمامًا لذوي العلاقة في ما بينهم وبين الطبيب المعالج، دون أي محاولة للتأثير في اتجاه معين، وقد تدارست الندوة هذا الموضوع وأوصت بما يلي:
أ - ينبغي تهيئة خدمات الإرشاد الوراثي للأسر أو المقبلين على الزواج على نطاق واسع، وتزويدها بالأكفاء من المختصين، مع نشر الوعي، وتثقيف الجمهور بشتى الوسائل لتعم الفائدة.
ب - لا تكون الاستشارة والإرشاد الوراثي إجباريين، ولا ينبغي أن تفضي نتائجهما إلى إجراء إجباري.
جـ - ينبغي حياطة نتائج الاستشارة الوراثية بالسرية التامة.
د - ينبغي توسيع مساحة المعرفة بالإرشاد الجيني في المعاهد الطبية والصحية والمدارس وفي وسائل الإعلام المختلفة، بعد التحضير الكافي لمن يقومون بذلك.
هـ - لما كانت الإحصاءات تدل على أن زواج الأقارب (رغم أنه مباح شرعًا) مصحوب بمعدل أعلى من العيوب الخلقية، فيجب تثقيف الجمهور في ذلك، حتى يكون الاختيار على بصيرة، ولاسيما الأسر التي تشكو تاريخًا لمرض وراثي.
سادسًا - توصيات عامة في مجال الاستشارة والإرشاد الوراثي:
1 -
السعي إلى التوعية بالأمراض الوراثية، والعمل على تقليل انتشارها.
2 -
تشجيع إجراء الاختبار الوراثي قبل الزواج، وذلك من خلال نشر الوعي عن طريق وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، والندوات والمساجد.
3 -
مناشدة السلطات الصحية بزيادة أعداد وحدات الوراثية البشرية، لتوفير الطبيب المتخصص في تقديم الإرشاد الجيني، وتعميم نطاق الخدمات الصحية المقدمة للحامل في مجال الوراثة التشخيصية والعلاجية بهدف تحسين الصحة الإنجابية.
4 -
لا يجوز إجبار أي شخص على إجراء الاختبار الوراثي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المناقشة
فضيلة الشيخ الدكتور محمد علي البار:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أصحاب الفضيلة! سماحة الرئيس!
موضوع الندوة التي عقدت في الكويت وتوصياتها كما تليت على أسماعكم واضحة في هذا المجال، وأنا وإخواني هنا مستعدون لأي سؤال، الموضوع طويل جدًا أي سؤال في الناحية العلمية التقنية إن شاء الله نحاول الإجابة عليها، فنحن تحت التوجيه والإرشاد، والأسئلة - أي أسئلة تأتي - سنحاول الإجابة عنها إن شاء الله. وشكرًا.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم
كما رأيتم هذه الندوة عقدت وشارك فيها عدد من الفقهاء والأطباء، وقُدِّمَت فيها بحوث متنوعة، منها ما يستمد من الفقه الإسلامي، المسائل التي تواكب هذا التطور في مجال الهندسة الوراثية ومنها بحوث طبية بينت التصور الدقيق لهذا الموضوع بما أعطى الفقهاء مكنة البحث والنظر واستحضار الصيغ الشرعية التي تغطي هذا الموضوع، وطبعًا كان مما طرح في هذا قضايا عديدة وأسئلة متعددة، ونتجت عن هذه البحوث والأسئلة تلك التوصيات التي استمعتم إليها.
لا يخفى أن موضوع الوراثة موضوع قديم، وقد أشارت إليه السنة النبوية من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله وُلِد لي غلامٌ أسود، فقال:((هل لك من إبل)) ؟ قال: نعم، قال:((وما ألوانها)) ؟، قال: حمرٌ، قال:((هل فيها من أورق)) ؟، قال: نعم، قال: فأنَّى ذلك، قال: لعله نزعه عرق، قال النبي صلى الله عليه وسلم:((فلعل ابنك هذا نزعه)) .
وهذه إشارة إلى الوراثة التي عرفها بعض الأطباء بأنها انتقال الصفات من الأصول إلى الفروع، أو من السلف إلى الخلف، وهي تشمل إلى جانب الخصائص الأمراض القابلة للتوريث.
وطبعًا هذا الموضوع أشير فيه إلى الخطط العالمية لقراءة الجينوم البشري من حيث الوصول بما يساعد على اكتشاف أمراض الجينات، وعاهات الأجنة، والقيام باستخدامات مرشدة بالمعالجة المبكرة للأمراض الوراثية، بالإضافة إلى تحسين الإنتاج في النبات والحيوان بتغيير الجينات لرزاعة أعضائها في الإنسان. (وهذا طبعًا الأطباء الحاضرون يوفون بالغرض في الإجابة عن الاستفسارات في هذا الموضوع) .
وكما هو معلوم الحكم الشرعي ينقسم إلى حكم تكليفي، وحكم وضعي.
الحكم التكليفي هو بيان ما يعتري المسألة أو الأمر من الأحكام الخمسة من الوجوب أو الندب، أو الإباحة أو الكراهة، أو التحريم، أو الكراهة التحريمية، والوجوب هذا عند الجمهور ونحن نأخذ بمذهب الجمهور.
ويضاف إلى هذا الحكم الوضعي الذي هو دراسة الآثار التي تنشأ عن أي تصرف سواء كان حلالاً أو حرامًا، ونحن نحتاج إلى الأحكام الوضعية الشرعية في هذا المجال، لأنه حتى لو حكم بتحريم أي تصرف من هذه التصرفات، ثم وقع ممن لا يلتزمون بأحكام الشريعة، فإننا مطالبون أن نبين ما يترتب على هذا التصرف من أحكام في مجال النسب والنفقات والإثبات وغيرها، ولاسيما أن هذه الآثار لديها بدائل أو قواعد موجودة في الفقه الإسلامي.
ففي مجال النسب - كما هو معروف - هناك أسباب شرعية لثبوت النسب وهناك أسباب ملغاة لا يثبت بها النسب، كذلك في نفي النسب، هناك قضية اللعان المنصوص عليها في الشريعة، وهذا مجال احتكاك بين بعض التصرفات أو المطالبة باستخدام بعض وسائل الإثبات، ولكن وجدت الندوة في موضوع القيافة التي جاء اعتبارها في السنة النبوية ما يشكل أو يعطي قوة لهذه القرائن، سواء كانت عن طريق تحري الشبه بين الأعضاء والأجسام والأقدام، أو عن طريق التعرف إلى وحدة الجينوم الموجودة في الحالات التي يشتبه في أمر النسب، كما في حالة تنازع اثنين في نسب (يعني مولود أو صغير إلى آخره) .
فهذه القضايا ذات بالٍ وأهمية كبرى، لأنها تمشي بخطى متسارعة، والعالم كما ترون إذا لم يكن للبلاد الإسلامية نصيب في هذه الاكتشافات، فإنها معرضة إلى أن تكون ميدانًا لاستخداماتها، باستغلال التسامح، أو عدم الرقابة الشديدة، لأن هناك قيودًا وقوانين في بعض البلاد الراقية على المختبرات، وعلى هذه الكشوفات والقوانين فقد تهرب هذه الجهود إلى البلاد الإسلامية، لتستغل هذه الفرص المتاحة.
وكما لا يجوز الإقدام على أمر محرم لا تجوز المعونة عليه، ولهذا كان لابد من طرح هذا الموضوع بتناول معطيات الهندسة الوراثية والجينوم، وبيان ما يترتب على ذلك من أحكام شرعية ومن إرشادات، ونصائح طبية في مجال مثلاً تخفيف التعرض للآثار الوراثية في موضوع الزواج، زواج الأقارب مثلاً، والفحص قبل الزواج، وقضايا أخرى جاءت.
(يعني إذا كانت هناك بعض الاستفسارات في بعض الأبحاث المقدمة من الجانب الشرعي، فسيكون - إن شاء الله - التعليق عليها من عدد من الأساتذة الذين حضروا تلك الندوة وشاركوا في مناقشاتها، وفي أبحاثها. والله أعلم) .
الشيخ محمد علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل كل شيء أود أن أشكر الأساتذة والعلماء الذين اجتمعوا في هذه الندوة الطبية واتبعوا سبيل الاحتياط في هذه المسألة الشائكة، وكانت لديَّ بعض التعليقات البسيطة.
النقطة الأولى:
أولاً - الاستدلال أو الاستشهاد بالآيات التي ذكرت هنا فيه شيء من الإشكال، ولذلك إما أن تُحذف الآية، أو يؤتى بنص شريف أكثر مناسبة لهذا الموضوع، مثلاً عندما يقال في رقم ثلاثة من المبادئ العامة: إن الحرص على الصحة والتوقي من المرض مما يوصي به الإسلام، ويحض عليه، ويذكر هنا:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، هذه الآية تشير إلى التهلكة، أو على الأقل ليست نصًا في مسألة الصحة والعلاجات الجينية. وهناك أيضًا تفسير لهلاكها في (الفخر الرازي) بأنها تتحدث عن الجهاد، وأن ترك الجهاد يؤدي إلى ضياع المكاسب والتهلكة.
أو مثلاً: الإسلام دين المعرفة ثم يقال: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] ، هناك نصوص أكثر مناسبة لهذا الموضوع وهذا طبعًا يحتاج إلى دقة، ولا أعلم هل نحن بحاجة إلى ذكر النصوص أم لا هنا.
النقطة الثانية:
أرجح أن يقدم ثانيًا وثالثًا على أولاً، لأن ثانيًا وثالثًا فيه تعريفات لأمور مذكورة في أولاً، ونحن لا نعرف الجينوم إلا بعد الدخول في الفقرة الثانية، فالتعاريف التمهيدية أصل، والبحوث التي جاءت فيها تمهيدية، لذلك ينبغي تقديمها على أولاً.
النقطة الثالثة:
الأمر الخطير أننا نؤيد توجه الأمم المتحدة في الهندسة الوراثية في صفحة (6) في الفقرة (الخامسة) ، (وتؤيد توجه الأمم المتحدة في هذا المجال) ، وتوجهات الأمم المتحدة خطيرة جدًا وغير المنضبطة، لا يمكن أن تؤيد في مجال فيه الكثير من الاحتياط، أو يستلزم الكثير من الاحتياط، هذا المعنى أيضًا يتأتى في الصفحة (7) الفقرة (الأولى) توصي الندوة الدول باليقظة العلمية التامة في رصد تلك النتائج.
لا يعلم القارئ هل أن اليقظة تشمل الأخذ، أو الأخذ هو بديل في مقابل تلك النتائج، الأخذ بتوصيات وقرارات منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية العالمية.
هذه المنظمات خطيرة جدًا حتى في بعض تعريفاتها، ومن الجدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية تعرف العائلة بأنها كل تجمع يصرف عليه مال واحد، ومعنى ذلك الاعتداء الخطير على التعريف التاريخي للعائلة والأسرة، على أي حال أنا أرى أن توضح اليقظة التامة لما يأتي مثلاً بتوصيات وقرارات هذه المنظمات الدولية، فالذي يقرأ النص يتصور أننا نقدم بديلاً عن تلك النتائج، وهو الأخذ بتوصيات وقرارات هذه الدول.
هذه بعض الملاحظات التي ألاحظها، وأرى أن السادة اتبعوا طريقة الاحتياط بشكل جيد، حياهم الله والسلام عليكم.
الشيخ عبيد العقروبي:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد. نشكر الندوة الطبية بالكويت التي توصلت إلى هذه النتائج التوصيات.
في (سادسًا) بخصوص التوصيات العامة في مجال الاستشارة والإرشاد الوراثي هناك تجربة في دولة الإمارات العربية المتحدة بالنسبة للفحص الطبي قبل الزواج، عندما تم إنشاء صندوق الزواج بدولة الإمارات العربية المتحدة، الآن لا يتم صرف المساعدات من صندوق الزواج إلا لمن يأتي بفحص طبي بالنسبة للرجال أو الشباب، وأردنا أن تطبق هذا بالنسبة للنساء أو الفتيات، ولكن حتى الآن بالنسبة للعادات والتقاليد لا تسمح بهذا، فهذه التوصيات جزاكم الله خيرًا مثل هذه التوصيات ومثل هذه البحوث ستساعد - إن شاء الله - على الأخذ بها من الناحية الشرعية، ومن ناحية الاستفادة منها في جوانب الزواج والوراثة، وشكرًا.
الشيخ القره داغي:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أولاً - الشكر موصول لفضيلة الأستاذ الدكتور خالد على عرضه الطيب، وللإخوة الكرام الذين حضروا هذه الندوة ندوة العلوم الطبية، أو ندوة الهندسة الوراثية على ما قاموا به من جهود وبحوث قيمة استفدنا منها كثيرًا من هذه البحوث، الذي أريد أن أقوله هنا: حقيقة عدة أشياء بسيطة منها: أنه نوقشت هذه المسألة وخاصة الهندسة الوراثية في المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وصدر في هذا الموضوع عدة قرارات دُرست ونوقشت مناقشة جيدة، وكان بودِّي أن تكون هذه القرارات التي صدرت من المجمع الفقهي الموقَّر أن تكون حاضرة وجاهزة، ليطلع عليها أصحاب الفضيلة، لنستفيد منها، ونسترشد بها، وخاصة ضرورة التنسيق أيضًا بين هذين المجمعين الكريمين، (وحقيقة) منها ما يخص ما يجوز فيه استعمال الهندسة الوراثية وما لا يجوز فيها أيضًا فيها أشياء طيبة، وعلى أقل تقدير نوقشت من قبل مجموعة طيبة من العلماء والخبراء، هذا الذي كنت أريد أن أقوله أولاً.
ثانيًا - ألاحظ أن هناك مبالغة كبيرة جدًا في التشجيع على موضوع الهندسة الوراثية والبصمة الوراثية، وربما أستطيع أن أقول أكثر من التشجيعات الموجودة في الغرب، الذي نشأت فيه أو نشأ فيه هذا العلم، فأصبحنا نوعًا ما متحمسين، أو ملكيين أكثر من ملك في هذه المسألة، وكان بودِّي أن نكون حتى في تشجيع مثل هذا الموضوع على شيء من الحذر، وخاصة في مجالات استعمالاتها.
وكذلك ما أشار إليه فضيلة الشيخ علي أيضًا حقيقة بخصوص بعض العبارات موجود أن العبث بمكونات الإنسان، وإخضاعه لتجارب الهندسة الوراثية بلا هدف، أنا أعتقد أن هذه العبارة تحتاج إلى أن تكون أقوى من ذلك كأن تكون بلا ضرورة، وإلا ليس هناك شيء يعني أي هدف، وخاصة كلمة نكرة يمكن بهذه الصورة يمكن أن تستغل، ولذلك إذا بقيت هذه العبارة، وإن العبث بمكونات الإنسان وإخضاعه لتجارب الهندسة الوراثية بلا ضرورة،
(وليس بلا هدف) خاصة كلمة العبث، لأن من المفروض أن العبث محرم أساسًا، إن العبارة مخالفة لما هو مقرر في الشريعة الإسلامية؛ لأنه لا يجوز أساسًا العبث بمكونات الإنسان مطلقًا، وإنما يجوز بعض الإجراءات على مكونات الإنسان إذا كانت هناك ضرورة، أو كان هناك حاجة حسب التفصيل في هذه المسألة.
أيضًا بالنسبة لبعض التوصيات أو القرارات إن هناك منع مطلق من الخلق المركب في الحيوانات، أو التغيير في الحيوانات، وهذا الأمر العام في اعتقادي الآن أقول لحضراتكم: في الصفحة (6) وترى أنه لا يجوز استخدام الهندسة في الأغراض الشريرة، أو في تخطي الحاجز الجيني بين أجناس مختلفة من المخلوقات قصد تخليق كائنات مختلطة الخِلقة، بدافع التسلية أو حب الاستطلاع العلمي، هذا كلام صحيح إذا كان هناك مجرد دافع التسلية هذا الأخير جيد.
الأمر الآخر: تحسين السلالة البشرية أيضًا في نفس الصفحة، كذلك ترى الندوة أنه لا يجوز استخدام الهندسة الوراثية كسياسة لتبديل البنية الجينية في ما يسمى بتحسين السلالة البشرية
(هذه الكلمة تحتاج إلى تفصيل إذا نحن استطعنا أن نحسن السلالة البشرية من الأمراض، كما فعلت اليهود وقضت على ثلاثة أمراض خطيرة من خلال الهندسة الوراثية، فما المانع؟ أو على أقل تقدير الكلمة مجملة تحتاج إلى شيء من التفصيل، وما يجوز فيه التحسين، وما لا يجوز فيه التحسين) .
كذلك هناك قضايا أساسية يثار حولها السؤال، وهي موضوع صنع قطع غيار الإنسان، صنع قلب للإنسان يستعمل كبديل لقلب الإنسان، صنع الكلى والعينين، وغير ذلك، مما تجري فيه الأبحاث في العالم الغربي الآن حتى تكون بديلاً عن قلب الإنسان وعين الإنسان وغير ذلك، وهذه حقيقة مسألة أنا في اعتقادي أيضًا صحيحة ربما فضيلة الدكتور خالد يدخل في باب الاستنساخ، لكنها مرتبطة تمامًا بالهندسة الوراثية، فذكر حكم هذا الشيء أو إرجائه إلى ندوة، المفروض أن الندوة المباركة تشير إلى ذلك.
في موضوع البصمة الوراثية: هناك ثلاث قضايا أساسية، أو أربعة قضايا أساسية:
- قضية باب إثبات النسب: في باب إثبات النسب، يعني الآن مادام (أجلت ربما لا نناقشها إذا أجلت، وأنا أرى أن يؤجل كل ما يخص النسب إثباتًا ونفيًا إلى ندوة علمية وفقهية تُدرس فيها هذه الموضوعات بعمق فمادام الموضوع يؤجل لا أدخل في تفاصيلها) .
- قضية ثانية في باب الحدود أيضًا التي تُدرأ بالشبهات، ثم بعد ذلك الاستفادة منها في بقية إثبات الجرائم، كيف تثبت هذه القضية؟ وخاصة في هذه التوصيات أنه لا يجوز استخدام الهندسة الوراثية والبصمة الوراثية إلا بعد إذن من الشخص، ففي حالة القضايا الجنائية هل نحتاج إلى أن نأخذ الإذن من الشخص الجاني، أو المتهم بالجناية، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، فأنا أعتقد في ما يتعلق بقضايا الإثباتات كلها سواء كان في مجال النسب أو سواء كانت في مجال القضايا الجنائية، تحتاج المسألة إلى مزيد من الدراسات والتفصيلات، والاستفادة كذلك من الإخوة الكرام في التحقيق الجنائي في بعض المؤسسات مثل مؤسسة وزارة الداخلية، نستفيد من تجاربهم في هذا المجال، التجارب العملية هذه حقيقة (أيضًا ندوة أخرى أو نفس الندوة تضم هذا الجانب) ، ويستفاد من هؤلاء الخبراء في هذا المجال، أعتقد أنها تكون قرارات هذه الندوة قريبة من الكمال بإذن الله تعالى، خاصة وأن هذا الموضوع إلى الآن مجال بحث ونقاش، فالتسرع في إصدار بعض القرارات ربما ليس في مصلحة هذا المجمع الموقر، الذي بقراراته يعتز كل الإخوة، بل كل الأمة الإسلامية والحمد لله.
أكتفي بهذا وشكرًا لأخي الكريم السيد الرئيس، والإخوة الكرام. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تدخل وإيضاح من الرئيس:
إيضاحًا لما ذكره الشيخ علي محيي الدين، فإن المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي درس الموضوعين وهما: موضوع الهندسة الوراثية وموضوع البصمة الوراثية.
أما موضوع البصمة الوراثية فأجل لأنه يتعلق بالنسب ومسائل قضايا النسب لها خطورتها ودقتها، ولأن الأطباء أفادوا بأنه لا يزال في المراكز الطبية الدقيقة المتخصصة، وأنه لم ينزل إلى التطبيق بعد، لا في العالم الإسلامي، ولا في العالم الغربي.
أما موضوع الهندسة الوراثية، فأعد قرار، صدر بالأكثرية، وليس بالإجماع، أو وقف بالأكثرية؛ لأنه قد يكون خالف بعض الإخوان وتوقف بعضهم فيما بعد، لكن هذا القرار لا يدخل في تفاصيل الهندسة الوراثية، وإنما وضع قواعد ومجموعة من الضوابط لمزاولة استخراج الهندسة الوراثية والأمور الوراثية.
الأمر الثالث: ما يتعلق بالفحص الطبي قبل الزواج، فهذا الموضوع سبق أن درس في ندوة موسعة، حضرها نحو ثلاثين من أعضاء هذا المجمع، وخبراء وغيرهم من الأطباء، وعقدت في جدة تحت مظلة هذا المجمع، منذ خمس سنوات أو ستة سنوات، ورأوا تنحيته، وهذا ما أحببت الإشارة إليه للتذكير به.
الشيخ علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
في الواقع لولا أنني رأيت ضرورة الحديث اليوم ما تحدثت، ولذلك أرجو من المجمع الموقر أن يضع الضوابط للحديث عن الدول والمذاهب والفرق سواء كان الحديث مدحًا أو ذمًا، أرجو هذا حتى لا يتحرج أحد من الحديث، والحديث اليوم في نقطة واحدة وهي: زواج الأقارب.. أذكر أنني منذ عشرين سنة اشتركت في ندوة مع أستاذ في علم الوراثة وانتهيت في بحثي الذي كتبته بعد ذلك في كتاب عنوانه: (زواج الأقارب بين العلم والدين) إلى أن ما يذكر أنه حديث: ((اغتربوا لا تضووا)) من أضوى يضوي
) هذا ليس بحديث ولا أصل له، وما نسب إلى عمر:
(قد أضويتم فانكحوا في الغرائب) ، هذا أيضًا فيه انقطاع طويل، وهو غير صحيح، إذ لا يصح الحديث ولا الأثر، ويبقى الأمر على أصله.
أما بالنسبة لما انتهى إليه أستاذ علم الوراثة فقد يكون الأمر تغير، لأن هذا كان منذ عشرين سنة، لكن العبارة التي جاءت في: هـ ص:
(8 من البيان الختامي والتوصيات أرجو أن تعدل العبارة التي تقول: لما كانت الإحصاءات تدل على أن زواج الأقارب رغم أنه مباح شرعًا مصحوب بمعدل أعلى من العيوب الخلقية، فيجب تثقيف الجمهور في ذلك، حتى يكون الاختيار على بصيرة، ولا سيما الأسر التي تشكو تاريخًا مرضًا وراثيًا) هذه العبارة أرجو أن تعدل فتكون - لما كانت الإحصاءات تدل على أن زواج الأقارب رغم أنه مباح شرعًا مصحوب بمعدل أعلى من العيوب الخلقية في الأسر التي تشكو تاريخًا لمرض وراثي، لأن الأسر قد لا تشكو، فيجب تثقيف الجمهور في ذلك حتى يكون الاختيار على بصيرة - أما الأسر التي في توراثها عوامل قوة وصحة فزواج الأقارب يزيد القوة قوة، ويزيد الصحة صحة، لذلك أرجو أن تعدل هذه الفقرة وشكرًا، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد اللطيف:
شكرًا سيدي الرئيس السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ملاحظة على هذا البيان، بعد الشكر لما تعقده الندوة الطبية الفقهية من أبحاث وندوات حول مستجدات العصر، وما يحتاجه المسلمون - ألاحظ بعض الأشياء-:
أولاً: في هذا البيان والتوصيات استخدام مصطلح الجينوم والجين والجينات وقد ورد مرتين أو أكثر من مرة ما الداعي لهذا المصطلح؟ يمكن للإخوة الذين وضعوه، أن يعطوا خلفية عنه.
في الصفحة (6) مع فضيلة القرضاوي من الفقرة (3) ، حيث جاء التخصيص بدافع التسلية أو حب الاستطلاع العلمي، فهل هناك حاجة أن نضيف هذه، أم نجعل الأمر عامًا بأنه لا يجوز تخطي الحاجز الجيني بين الاستثناء داعٍ، أرجو من الإخوة الذين قاموا على هذه الندوة أن يعطوا خلفية عنه يمكن الإشارة إلى ما قاله فضيلة الشيخ التسخيري بالنسبة لرقم (2) صفحة (3) يعني الآية، فقوله تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] أكثر دلالة على المطلوب، وشكرًا والسلام عليكم ورحمة الله.
الأستاذ منذر:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد - أشكر فضيلة السيد الرئيس على إعطاء الفرصة، أنا عندي استفساران:
الأول: نفس ما أشار إليه الإخوان، ولكنه من نوع آخر في الصفحة (6) - الفقرة (3) يبدو لي أن حب الاستطلاع العلمي هو الخطوة الأولى في البحث العلمي، والبحث العلمي هو الخطوة الأولى للأهداف التكنولوجية الإنتاجية، فهل نستبعد الأهداف الكنولوجية في خلط الجينات بين المخلوقات المختلفة غير الإنسان؟ علمًا بأن الناس في بلادنا وغيرها من أزمان قديمة يفعلون ذلك كما هو معلوم بأنه قد تولدت مخلوقات من الفرس والحمار، أو من الحمارة والحصان، فهل من بأس إذا بحث علميًّا بالاستطلاع العلمي، ثم بالبحث العلمي ثم بالتكنولوجيا التطبيقية أن يولد مخلوق للطعام بين الغنمة والثور أو بين البقرة والتيس، أنا أسأل، هذا السؤال الأول.
السؤال الثاني: في الصفحة (8) الفقرة (ب) في أوائل الصفحة، هل إن نتائج الاختبارات الجينية قاطعة، لأنه قبل ذلك ذكر في الحديث عن البصمة الوراثية ما يدل أو يوحي بأنها قاطعة أو ترقى إلى مستوى القرائن القطعية فإذا كانت قاطعة وإذا كان هنالك أذى محقق على أحد الزوجين في علاقة زوجية بمثل هذه الأسباب ألا ينبغي المنع عند ذلك؟ - ملاحظة شكلية أخيرة: يبدو أن إعادة صياغة الفقرة (خامسًا) و (سادسًا) لم تراع الدقة لتشابههما، فلا نحتاج إلى العنوانين خامسًا وسادسًا هنا، والحمد لله رب العالمين.
الشيخ ناجي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أشكر إخواني من الفقهاء والأطباء على هذه الجهود النافعة، ومن قراءتي للتوصيات وكذلك بعض الأبحاث رأيت أن الاستفادة من الجينات لها صور مختلفة، وكما ذكر أخي الدكتور منذر أرى أن يتحفظ أو يحتاط من أن تجعل الجينات المتماثلة وسيلة إثباتية، هي قرينة نعم، ولكن أن تكون وسيلة إثباتية، فهذا يعني أن الشرع يربط الأحكام الشرعية بأمر ظاهر الوجود، فمثلاً في النسب لا يمكن إثبات النسب بإلقاء النطفة في الرحم وإنما بوجود عقد الزواج في صحة العقود. صحة العقود قائمة على الرضا، ولكن الرضا، أمر خفي، فربط الشارع آثار العقد بوجود العقد، حتى في القضاء التكليف حقيقته البلوغ أو الاحتلام أو الحيض عند النساء، والقضاء ما ربطه إلا بأمر ظاهري ببلوغ سن معينة، فأرى الاحتياط وأن لا نبالغ في أن تكون الجينات وسيلة إثباتية، ولكنها قرينة، وصلى الله على سيدنا محمد.
الشيخ علي الجفال:
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر الإخوة الباحثين على هذه القرارات القيمة، والتي اتخذت بعد دراسة عميقة، ولكن كما ورد في مقالات الإخوان، هناك بعض المثالب للفحص الطبي قبل الزواج، من هذه المثالب: إيهام الناس أن إجراء الفحص الطبي سيقيهم من الأمراض الوراثية، وإيهام الناس أن زواج الأقارب هو السبب المباشر لهذه الأمراض الوراثية المنتشرة في المجتمع، وهو أمر غير صحيح على إطلاقه.
أهمية السرية التامة، وعدم كشف هذه الفحوصات إلا لصاحبها، وهذا الأمر قد لا يمكن التحكم فيه تحكمًا تامًّا.
من يتحمل كلفة الفحوصات الطبية قبل الزواج، ربما زادت هذه الفحوصات من إحجام الشباب، وعزوفهم عن الزواج، ويقول الدكتور محمد علي البار - وفقه الله - في كتابه نقلاً عن مجلة أمريكية:
(وتؤدِّي هذه الفحوصات كما تقول المجلة العلمية الأمريكية إلى مشاكل وورطات أخلاقية وقانونية واجتماعية في بعض الأحيان، ولذا يجب التروي في استخدام هذه التقنية، واتخاذ الاحتياطات الكفيلة بعدم التجاوزات) وهكذا فبالموازنة الشرعية بين المصالح والمفاسد الناتجة من إجراء الفحوصات الجينية يظهر عدم جواز إلزام المكلفين ماليًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا بهذه الفحوصات، التي لا زالت في حيز التجربة الظنية، ويترتب عليها من المشاكل الاجتماعية والمالية والنفسية أعظم مما يمكن توقع حصوله من الفائدة، ولو أردنا السعي وراء المكتشفات والتوقعات الطبية من غير تروٍّ وتبصر لأدخلنا في حرج عظيم، فأرى الاكتفاء بجواز الاستفادة من هذه الفحوصات ضمن الحدود المبسطة، ويؤيد هذا الكلام ما قاله أخي سعادة الدكتور البار في نهاية بحثه، وهكذا فهناك فحوصات طبية جينية هامة وأخرى فوائدها مشكوك فيها، وشكرًا.
الشيخ الطيب سلامة:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
شكرًا للجهود الطيبة التي قدمت لنا هذه التوصيات وهذا العمل الفقهي الطبي في نفس الوقت.
أريد أن أنبه إلى أمر خطير في البداية هو أن هذا العلم المستحدث علم الهندسة الجينية أو الجينوم هو علم اليوم واقع تحت سرية كبرى، أو التقدم العلمي فيه واقع تحت سرية كبرى، العادة أن العلوم لا سرية فيها، قد يتساءل الإنسان لِمَ هذه السرية؟ الجواب واضح هو أن الأمر تتولاه شركات كبرى تجارية مثل أمر الاستنساخ، والشركات تتسابق في هذا المجال لأجل أن تتوصل إلى نتائج المقصود منها استدرار المال، والتفرد بنوع من أنواع الأدوية، ليدر عليها المليارات من الدولارات، حينئذ المخابر كلها واقعة تحت ملك شركات، وهي تنفق من الأموال الشيء الكثير بسخاء لا نظير له، لأنها متيقنة أن الاكتشافات ستدر عليها أموالاً كبرى، حينئذٍ نحن الآن أو العالم الإسلامي الآن واقع لا محالة في المستقبل تحت سيطرة هذه الشركات، وستفرض علينا هذه الشركات ما تريده وما تشاؤه إن نحن اقتصرنا على الندوات والتوصيات، وعلى العمل غير المفيد بالنتائج وأقصد أن الدول الإسلامية يجب أن تتفطن لهذا الأمر، ما عندنا في العالم الإسلامي شركات كبرى مرابية أو شركات كبرى تحتكر الأموال أو تحتكر السلطة الاقتصادية، فنرجو أن تتفطن لهذا الأمر، وأن نعمل على تنشيط المخابر في البلاد الإسلامية حتى نصل إلى النتائج التي تريدها.
مثلاً قضية إعداد الأعضاء البديلة للإنسان، من ذلك قضية القلب، الآن تهيئ بعض الحيوانات لتقترب من الإنسان لنستطيع أن نأخذ منها قلبًا يزرع في الإنسان، أي نوع من أنواع الحيوانات وقع عليها الاختيار من الغرب (الخنزير) هم الآن يسيرون في هذا الطريق، في حين أن المعروف أن القرد أقرب من الخنزير إلى الإنسان، ولكنهم يمشون في هذا الطريق الذي يريدونه، ومعلوم أن الخنزير باتفاق المذاهب الأربعة لا يحل منه شيء، حينئذ لابد أن نأخذ مصيرنا بأيدينا.
حتى بلاد الغرب نفسها هي في حيرة اليوم من أمر هذه الجينات وهذا التكيف الجيني للنباتات وللحيوانات بدليل أن البرلمان الأوروبي في بروكسل في فرنسة أوصى أو قرر على أصح التعبير، قرر أنه يجب على تجار البضائع فيما يعرضونه من بضائع في الأسواق أن يميزوا بين البضائع يعني المنتوج الحيواني والمنتوج النباتي الطبيعي بملصقات توضع على هذه المنتجات، وبين ما هو منتج عن طريق التكييف الجيني والعمل معمول بهذا، والإحصائيات بينت أن الناس يقبلون على الإنتاج الطبيعي، وهو أغلى ثمنًا من الإنتاج المكيف جينيًّا من إقبالهم على هذا الإنتاج المكيف جينيًا ثم إن أوروبا وقعت في إشكال مع أمريكا في تبادل البضائع فبما أنه تقرر في أوروبا أن يميز بين الإنتاجين طولب عند استيراد البضائع من أمريكا طلبت أوروبا أن يقع نفس التمييز فرفضت أمريكا ذلك.
في مسألة الحبوب مثلاً المكيفة وغير المكيفة فأبت أمريكا إلا أن تعطي من إنتاجها مخلوطًا دون تمييز، هذه مشكلة عالمية، الأوروبيون يتوقعون شرًّا من هذا الإنتاج المكيف جينيًّا، ويقولون ويستشهدون على ذلك بما هو واقع في أوروبا من قضية البقرة المجنونة وتأثيرها على الإنسان، حينئذٍ نحن واقعون أمام واقع لابد أن نأخذ فيه مسؤوليتنا، من ناحية يجب أن نوجه العلم من طريق المصلحة لا من طريق توفير الدولار للمستفيدين، والعلم لا خوف منه، وأنا أعتقد أن الإسلام يبيح أن نمشي في الطريق العلمي مادام في المخبر إلى أبعد الحدود، ولكن لا نخرج من المخبر إلا ما هو نافع، ولا يطبق إلا ما هو نافع.
وشكرًا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ مختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
اسمحوا لي في بداية كلمتي هذه أن أخرج عن عادتي، كأنما أريد أن أبدأ بعتب على صديقي وأخي الدكتور البار فالدكتور البار، بما أعطاه الله من فصاحة وبما مكنه الله من تتبع للمستجدات العلمية، وبما يسره له من قلم جيد، أسهم به في إعلاء الثقافة الصحية في العالم العربي، موقفه اليوم في بداية الكلمة لم يرضني، فالقضية ما كان ينبغي أن يطرحها بمن له سؤال، عليه أن يسأل، وإنما كان عليه أن يبدأ بشرح الموضوع، وإعطاء أبعاد هذا الموضوع، لأن إخواني الذين يحضرون في هذا المجمع الموقَّر بعضهم حضر الندوة، وبعضهم لم يحضرها، والخليفة العلمية وما قيل في تلك الندوة التي ننظر اليوم في نتائجها هو خفي، وكان بقلمه وفصاحته وعلمه ومعرفته يستطيع أن يساعدنا المساعدة الجلية، ولو أخذ الكلمة لذهب الكثير من التساؤلات، فسواء أكانت هناك مبالغة كبيرة، أو ليست هناك مبالغة كبيرة، أو أن الاهتمام أقل من الواجب، وأن الركب يسير أكثر مما نسير، والله الموضوع لا يستدعي التسرع، هل الانتقال هو خاصة بين الأقارب وغير الأقارب؟ كلها قضايا أجاب عنها التقدم العلمي وما وصل إليه، والبار أعرف الناس بها هذه هي الناحية الأولى التي أردت لو يتفضل سيادة الرئيس بإحالة الكلمة مرة ثانية بعد كلمتي هذه إلى الدكتور البار، ليشرح القضية.
الأمر الثاني هو أن قضية الجينوم البشري، هذه القضية اهتمت بها دول كبرى وأخذت النتائج تتلاحق، وقد وضعوا لها حوالي خمسة مليارات من الدولارات، ثم لم يكفِ هذا المقدار، فأضافوا لها مقادير أخرى. وتعمل أمريكا وإنكلترا وفرنسا وبعض الدول الإسكندنافية معًا لقراءة هذا الجينوم البشري. هذا الإبداع في خلق الله - وهي ستصل إلى هذا في أوائل القرن القادم إلى النهاية، لكن كل ما وصلت إليه مرحلة من المراحل - أبرزتها إلى الوجود، وكان مما أبرزته ما انتفع به العلماء، وأخذوا يعملون فيه، وهذه الحقائق يعلمها الدكتور البار، أرجو أن يزيد هذه الناحية إيضاحًا.
دخل في الكلام أمر خارج عن الموضوع: عندما يقع الفحص الطبي يقع على أساس الجينات: على أساس وجود بعض الأمراض التي وجدت في الطرفين، أو كان هناك عدم تناسب في الفصائل الدموية.
قد تنتهي الأسرة بعدم الإنجاب أو تنتهي بحدوث أمراض الأجنة فقط، وأما الجينوم فلم يصل بعد الفحص الطبي في بلداننا، لم يصل بعد إلى أخذ هذا كناحية من النواحي التي يعتمد عليها، إلا في النصح في استكمال الزواج أو غيره.
الأمر الثالث أنه لو حذف هذا لكان أحسن، أو لأتى بهذا لكان أفضل، هذه كلمة قالها من قبل العلماء المحققون، فتحوا بها كتبهم، ولكن المهم هو أن لا يكون خطأ في الاستشهاد، فإذا كانت الآية واضحة في دلالاتها مفهومة، والعبرة في التعبير القرآني بما يدل عليه من عموم لفظه ومن شمول، لا بالمناسبة للآية السابقة واللاحقة ولا مراعاة للسبب فقط، فإن هذا السبب أو الآية السابقة واللاحقة أو ما يعبر عنه بالسياق هو ما يجعله قطعي الدلالة في النسبة لتلك الآية وغيرها هو تناوله بالعموم لدلالة العموم لكل جزء من أجزائه، وإنما هو ظني فأردت أن أبين هذا.
جرى الحديث عن توجه الأمم المتحدة، وأرجو أن كل ما وقع نظرنا عليه في فقرة من الفقرات فلا يمكن أن تفهم الفقرة أو الجملة إلا بلواحقها، هذه قاعدة في اللغة أو التفكير، لأن الجملة إذا تركبت من فعل وفاعل ومفعول وظرف، فإنه يتسلط الحكم على المفهوم بما اقترن به، فإذا أخذنا الفعل والفاعل نكون قد وقعنا في خطأ، فإن الفعل والفاعل إنما يدل على أصل الفعل كيف خرج إلى الوجود، ولكن لا يدل على الكيفية التي خرج عليها الفاعل أو الكيفية التي أراد أن يعبر بها المفكر عن فكرته، فلابد من النظر في هذه اللواحق، ولو وقع النظر فيها مثلاً في صفحة (6) أي ما تحدث على، إما أن يكون التقدم العلمي مجال احتكار، والحصول على الربح هو الهاجس الأكبر الذي يحول بين الفقراء من الاستفادة من هذه الإنجازات، ويؤيد توجه الأمم المتحدة في هذا المجال أين هو المجال؟ أي المجال الذي سبق، وأنه مجال لا يتخصص به الأغنياء ويُحرم منه الفقراء، فإذا لم ننظر في التركيب يصبح كل التركيب غلط نكون مع أبي نواس الذي قال:
أحل العراقي النبيذ وشربه وقال: حرامان المدامة والسكر
وقال الحجازي: الشرابان واحد
فحلت لنا بين اختلافهما الخمر
بعد هذا عندي توقفات تعبيرية أو لغوية، فقد جاء في صفحة (4) :
أولاً: توقف مبدئي، وهو أنه وقع التوجه هذا لمصلحة الفرد، فجعل هذه التوصيات متوجهة فقط إلى مصلحة الفرد دون المصلحة العامة، نجد هذا الشقي يدخل، فإذا به يعتدي على فتاة، ثم ينكر الإنكار الكامل أنه قد فعل فعلته، ونجد بالجينوم البشري اليقين الأيقن، وهذا معروف (بل كلنتون رأيناه) ، فإن بالجينوم البشري وقف أمام الأمر الواقع، أمام ما لا يستطيع أن ينكره، فالجينوم البشري أصبح قضية ليست قضية ظن بل أصبح قضية يقينية، فهل معنى هذا أننا إذا كان الأمر يهمه هو جاء العلم، وإذا كان الأمر يهم صلاح المجموعة فلا يتوجه البيان الختامي فقط في المصلحة الذاتية الشخصية، لابد أن يضاف إليها في نظري أو يكون في ذلك مصلحة عامة، وإذا كانت فيه مصلحة عامة فهي مقدمة، وهي التي تردع كثيرًا من الناس، أو كثيرًا من المجرمين عن القيام بجرائمهم إذا علموا أن الكشف الطبي التحليلي للجناة يكشف عنهم، كما قال تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] .
في صفحة (5)(ينبغي) على علماء الأمة (ينبغي) على الأمة (ينبغي) على الدول الإسلامية. (ينبغي) تدل على الأفضل (على) تدل على الإلزام، على ذلك حبذا لو كان ينبغي لعلماء الأمة ينبغي للدول الإسلامية.
صفحة (5) ولا ترى الندوة حرجًا شرعيًا باستخدام فيه، وإن كانت الباء من معانيها في لأنها ليست المعنى الأصلي، ابن مالك يقول:(ولا تستعمل بمعنى في إلا بقلة قليلة، كما ذكره ابن هشام في المغني) .
في الصفحة (7) توصي الندوة ضرورة إنشاء حماية المستهلك وتوعيته.
في الصفحة (8) لما كانت الإحصاءات تدل على أن زواج الأقارب رغم أنه مباح شرعًا مصحوب بمعدل أعلى من العيوب الخلقية، عوض هي القضية كلها قضية إمكانيات الإمكانيات التي توجد في زواج الأقارب لانتقال المرض الوراثي لتوافق الأب والأم، فتعطي لتقاربهما لما يكون التقارب يأتي حتى إلى الجد السابع، يكون الإمكانات أكثر مما لو كان أحدهما حاملاً لجين فيه خلل، والآخر ينتسب إلى علة أخرى، لكان أحسن، فليس معنى هذا أنه ينتفي إذا كان الزواج من البعداء، لكن الإمكانات أقل، ولهذا لو يعدل التعبير عن إمكان الانتقال هو أكثر إذا كان بين الأقارب.
وشكرًا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ حمدان:
بسم الله الرحمن الرحيم
الملاحظات التي كنت أريد أن أقولها قيل الكثير منها، أبتدئ أولاً بأنني لا أتفق مع الأستاذ علي التسخيري في قوله إن الآية الكريمة:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، وإسناده على تفسير الفخر الرازي، لأننا نحن لا يمكن أن نتعامل مع الآيات بحصر معانيها في عموم ألفاظها على كلام المفسرين في زمنهم، وإلا لكان في هذا كثير من التقييد للآيات، ولا ينسجم مع قصد الشارع، هناك بعض العبارات التي تتعلق بالنص الذي بين أيدينا، منها في الصفحة (3) نهاية الفقرة الثانية، مما يحض عليه الإسلام وكان أولى بعلماء المسلمين أظن على أنها أحسن أن يجعل أولى بعلماء المسلمين.
أما فيما يرجع للهندسة الوراثية والأمراض الوراثية التي تكلم عنها، فينبغي أن ننظر إليها من خلال الأحاديث والآثار المتوفرة لدينا، والتي تعرض إليها علماؤنا الأقدمون جزاهم الله خيرًا، فقد قال محمد بن أبي شيبة: حدثنا عبد الله بن إدريس عن يحيى بن سعيد بن المسيب عن عمر قال: (من تزوج امرأة بها برص أو جذام أو جنون فدخل بها فلها الصداق بما استحل من فرجها، وذلك غرم على وليها) .
وفيه عن الزهري أن المرأة ترد بالعيوب المعروفة ولها صداق المثل إن تزوج بها غير عالم بالعيب الذي تعاني منه.
وأهم مبدأ عام يخول ضرورة معرفة حال الزوجين قبل الزواج هو الذي قال به ابن أبي شيبة بالسند التالي: (حدثنا فضيل عن جميل عن عبد الله ابن كعب عن عبد الله قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من غفار فقعد منها مقعد الرجل من المرأة، فأبصر بكشحها برصًا، فقام عنها، فقال ((سوي عليك ثيابك وارجعي إلى أبيك)) .
وفيه عن الزهري أن الرجل إذا تزوج المرأة وفيه عيب لم تعلم به، ونص على بعض الأمراض المعروفة، فإنها تخير. وفصل الحاكم في رواية أخرى في الحديث رقم (1013) أنها إذا تزوجت الرجل وفيه برص، فلا يجب منه شيء أما إذا تزوجت به، وبه جذام خيرت. وأطلق القول في أثر آخر حيث عمم بلفظ وبه داء، وذلك عند قوله عن قتادة أن الرجل إذا تزوج المرأة أو به جنون أو داء عضال لا تعلم به، فلها الخيار. وفيه عن قتادة أن الرجل إذا تزوج المرأة وبه جنون أو برص أو جذام كان لها الخيار.
وقد أشار ابن رشد بإيجاز في (بداية المجتهد) إلى الخلاف الحاصل بين الفقهاء في الحكم على الزواج من تأثيرات المرض، وبعد أن عدد موانع الزواج درس موانع المرض في الفقرة العاشرة مبينًا أن فقهاء الأمصار اختلفوا في نكاح المريض، فأجازه أبو حنيفة والشافعي، والمشهور من الأقوال المنسوبة لمالك أنه لا يجوز، وقيل: إنه فرق بينهما، كما نسب إليه قول آخر بعدم التفريق بينهما إن اختارا البقاء، قائلاً إن التفريق مستحب وليس بواجب.
هذه العبارات التي قال بها العلماء وضحها السرخسي، فبعد أن استعرض مواقف الحنفية من فسخ العقد بتوفر أحد العيوب الخمسة قال: والمعنى فيه أن النكاح عقد بمعاوضة يحتمل الفسخ، بأسباب، فيثبت فيه حق الرد بعيب يخل بالمقصود كالبيع، والمقصود بالنكاح قضاء الشهوة وشرعًا النسل، وهذه العيوب تخل بهذا المقصود وعدد هذه العيوب إلى أن قال: والجذام والبرص فيخلان به من حيث إن الطبع ينفر من صحبة المبتلى بهما، وربما تعدى ذلك إلى الولد.
وكان رأي الكفاني أكثر صراحة في تسجيل المبادئ العامة إذ بعد استعراضه للأمراض الخمسة قال محمد: خلوه من كل عيب لا يمكنها القيام معه إلا لضرورة، فيسوق ذلك إلى أن إجراء هذه الفحوصات لمن اختارها ينبغي عليه أن ينص عليه، لأنها إذا لم تقرر شرعًا فسيجر ذلك إلى كثير من الأمراض، ونحن نعلم اليوم أن داء هذا القرن هو (السيدا - الإيدز) من أهم عوامله هو الاتصال بين الجنسين، وأن أصحابه أصبحوا يدركون أنهم في حكم المحكوم عليه بالإعدام، ويتزوجون ولا يبالون، فلابد من ضوابط تجعل العقود الشرعية منسجمة مع المستجدات العلمية، التي أصبحت الساحة مكتظة بها، ولا نستطيع منع شبابنا من التعامل معها وشكرًا.
الدكتور عبد اللطيف الجناحي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله.
وتحية الشكر الجزيل لمن قام على الندوة الطبية الفقهية الحادية عشرة التي عقدت في الكويت. البيان حقيقة متكامل ووافٍ إلا أنني أود أن أشير إلى الصفحة (4) - البند - 9 -: (لا يجوز لأي بحوث تتعلق بالجينوم البشري أو لأي من تطبيقات هذه البحوث، ولاسيما في مجالات البيولوجيا وعلم الوراثة والطب أن يعلو على الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والكرامة الإنسانية) ، أي حقوق إنسان أو أي حريات كرامة هل بالمفهوم الغربي أم بمفهومنا نحن، هذا يحتاج إلى تقوية بالتعبير بحيث لا نخرج بحقوق الإنسان عن ما ينص عليه الشرع الحنيف، فإما أن تؤخر عبارة مثل أو نقول:
(بحيث لا يخرج عن أحكام الشريعة الإسلامية) هذا يكون فيه حيطة أكثر.
نأتي إلى الصفحة (6) الفقرة (3) وترى الندوة أنه لا يجوز استعمال الهندسة الوراثية في الأغراض الشريرة والعدوانية، ألا توجد أغراض أخرى لا تنسجم مع الدين الحنيف استخدمت بعض المكتشفات في أغراض الإثارة. لو وضعنا عبارة لا تخدم البشرية بشكل إيجابي، أو أي تعبير بحيث يكون المفهوم أوضح.
الفقرة - 6 -: (ولا ترى الندوة حرجًا شرعيًّا باستخدام الهندسة الوراثية في حقل الزراعة وتربية الحيوان) ، ولكن الندوة لا تهمل الأصوات التي هنا، أرى التأكد أو تأكد أفضل من أن تهمل.
نأتي إلى الصفحة (8) - في التوصيات جيدة جدًا فيه توصية رقم (2) تشجيع إجراء الاختبار الوراثي قبل الزواج، وذلك من خلال نشر الوعي عن طريق وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والندوات والمساجد، لو أضفنا هنا المدارس والمعاهد العلمية لصار أشمل، لو أضفنا فقرة خامسة للتوصيات هو تعميم هذه التوصيات على المراكز العلمية للاسترشاد بها حتى يعمَّ النفع بها، لأنه لو اقتصرنا على العالم الإسلامي فقط أعتقد لن يصل ما نريد من رسالة لهذا المجمع إلى البشرية عامة، ولكن المقترح أن يعمم حتى تعم الفائدة على كل المراكز العلمية في العالم. وشكرًا سيدي الرئيس.
الشيخ - لم يذكر له اسم فدُعي بالشيخ فقط -:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله أجمعين وبعد:
السيد الرئيس تدخلي سيكون في صفحة (8) - الفقرة (هـ) لما كانت الإحصاءات تدل على أن زواج الأقارب رغم أنه مباح شرعًا مصحوب بمعدل أعلى من العيوب الخُلُقية أو الخَلْقية، فيجب تثقيف الجمهور في ذلك حتى يكون الاختيار على بصيرة، ولاسيما الأسر التي تشكو تاريخيًا من مرض وراثي، أقول: أنا أتعجب من الإخوة الذين أنكروا ما ورد في هذه الفقرة، أنا منذ عشرين سنة لي ابن ولد في الرياض أصيب بمرض اسمه التلاسيميا مرض وراثي، وأنا درت به في جميع عواصم العالم المعروف اليوم طبيًا وبحثت، واطلعت على معظم الأبحاث التي أجريت في مرض التلاسيميا على هذا المجال، ووجدت أن هذا المرض منتشر في الدول الواقعة في الحوض الأبيض المتوسط وحوالي (30 %) من سكانها مصابون بهذا المرض، يعني يحملون هذا المرض بالوراثة، ثم بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بالهندسة الوراثية في العام المنصرم يوم عشرين من مارس الماضي أجريت عملية الهندسة الوراثية لهذا الولد يوم 20 - 3 - 1993، ونقل له نخاع من شقيقة له بعدما انهار الدفاع في دمه في غرفة معقمة، وشفي بفضل الله سبحانه وتعالى الآن، وهو من يومه لم يزود بالدم، وهو الآن عوفي بفضل الله سبحانه وتعالى، هذه من الهندسة الوراثية.
ولكن هؤلاء الإخوة أنكروا على أن زواج الأقارب لا يكون سببًا في هذه الأمراض، هذا الكلام صحيح، لم ترد في الكتب الفقهية القديمة هذه الأمراض المعروفة اليوم، ولكن اليوم بالاستقراء والإحصاء اكتشفوا هذه الأمراض، ووجدوا أن هذا المرض مرض التلاسيميا منتشر في الذين يتزوجون من الأقارب، مثلاً أنا متزوج من قريبة لي لذلك نحن الاثنين نحمل وراثة جينية هندسية، هذه التي تكون سببًا لنقل المرض للأولاد، طبقًا لنظرية التلاسيميا وهذه البحوث كلها تقول: هذا المرض يصاب به الإنسان بسبب زواج الأقارب ليس في الكتب الفقهية، ولكن لا ننكر العلم ولابد أن نأخذ بالعلم ونستقرئه، ثم نخرج بنتيجة هذه النتيجة تخدم الإنسان، وينطبق المثل القائل: الإنسان عدو ما يجهل، هذا لا يعني في مجمع مثل هذا المجمع العلمي يا إخوان تريثوا قبل أن تطلعوا لابد أن تقرروا على مثل هذه الأمور، ثم تحكموا وتقولوا شيئًا. شكرًا يا سيدي الرئيس، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ الدكتور عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا:
لقد شاركت في ندوة الكويت، وأدليت بدلوي، وبينت رأيي في جملة من هذه المسائل، وملخصه أنه لا داعي إلى الهرولة في أمور ما زالت جديدة وما زالت نتائجها تكشف وتتكشف يومًا بعد يوم، فلابد من شيء من الأناة، وشيء من التريث، قبل أن نصدر أحكامًا قاطعة وحاسمة ونهائية، وننسبها إلى الله سبحانه وتعالى كما قلنا بالأمس أن المفتي مترجم عن الله سبحانه وتعالى فيجب أن نستشعر ذلك دائمًا، ونحن نتعامل مع بعض القضايا، ويجب أن لا تحملنا الموجة العلمية الزاحفة والإعلام المتحفز، يجب ألا يحملنا كل ذلك إلى اتخاذ قرارات سريعة، تتعلق بأمور شرعية، تتعلق بالإنسان، وتتعلق بتحليل ما حرمه الله سبحانه وتعالى، بعد أن اطلعت على البيان الذي صيغ بعد خروجي من الكويت وجدت أنه بيان جيد ومتوازن إلى حد كبير، لكن لي عليه بعض الملاحظات، وقد أديتها قبل خروجي من هناك.
في صفحة (6) في الفقرة الأولى - الندوة رأت جواز استعمالها في منع المرض أو علاجه أو تخفيف أذاه. لا إشكال في ذلك سواء بالجراحة الجينية التي تبدل جينًا بجين، أو تولج جينًا في خلايا مريض، وكذلك إيداع جنين من كائن آخر الفقرة ترمي إلى الخنزير، وسكتوا عنه، إيداع جينات من الإنسان من الخنزير والخنزير من المحرمات التي أكدها الله سبحانه وتعالى بقوله:{فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] فإنه رجس ما جاءت مع الميتة وما جاءت مع الدم وما جاءت مع المحرمات الأخرى فقد قال تعالى: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] ، فإنه رجس وهذا من الله سبحانه وتعالى الخالق البارئ كلمة كبيرة إطالة حياة الخنازير وتكثير الثروة الخنازيرية هو أمر منافٍ لمقصود الشارع، لأن مقصود هذه الأمور كما يقول القرافي فيما يتعلق بالمعاصي هو إعدامها - فهذه الفقرة لو أضفتم إليها ولو تفضل المجمع فتحفظ عليها، وأخاف إلا أن يكون خنزيرًا، فإن ذلك لا يجوز إيداع جينات من الإنسان في الخنزير ليفرز جينات أخرى، أو لاستعماله قلب صناعي كقلب الإنسان جعل ذلك سنة ومنهجًا طبيًا هو أمر لا يجوز، ومن رأيي أن هذه الفقرة أنا أقول بالنسبة لي نحن المالكية نبيح أكثر هذه الأشياء إلا الخنزير طبعًا لا نبيحه، هذا يعني هذه المسألة مهمة مع الاعتبار العام وهو أننا يجب أن لا نسرع كثيرًا ولا نهرول وأن نفرمل كما يقولون، إذا كانت هذه الكلمة الدخيلة صحيحة. وشكرًا. والسلام عليكم.
الشيخ خليفة بابكر الحسن:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فأشكر اللجان في مستوياتها المختلفة على هذا البيان الختامي، والتوصيات الخاصة بهذه الموضوعات الطبية، وهي حقيقة موضوعات طبية دقيقة، أقدم عليها العالم، وأقدمت الدنيا عليها، ولابد من أن يكون للمسلمين على الأقل دور في التوجيه، وهذه التوصيات في نظري لا تعدو أن تكون توجيهًا إلى أن يستخدم العلم، ويستغل وفي الطريق الصحيح، الذي ينبغي أن يستخدم فيه، فهي من هذه الناحية باعتبار أنها توجيهات عامة لأنها لا تعطي حكمًا علميًا محددًا ولا تعطي جوازًا أو عدم جواز، وإنما هذه مسائل علمية توصل إليها العلماء، وصاروا الآن يجرون عليها التجارب ويطبقونها على الناس، وهذا يقتضي أن نرشدها، وأن ندعو بحكم أننا أصحاب ثقافة دينية وإنسانية، أن ندعو إلى أن يُستخدم العلم فيما ينبغي أن يُستخدم فيه، وهذا ما درجت عليه التوصيات والفقهاء قديمًا كانوا يهتمون كما نعلم جميعًا بالمسائل الطبية، حيث نجدها في باب الطهارة، ونجدها أيضًا في باب الجنايات فيما يتصل بالجراح، وكان بعضهم يباشر الطب، كل هذا جميل فيما عدا ذلك لي بعض الملاحظات اللغوية مثلاً في الصفحة (1) الفقرة (3) ولما كان علم الوراثة وما فنحه من جبهات علمية يعني هذا التعبير بما فتحه من جبهات أرى أنه تعبير حاد إلى حد ما، وقد لا يكون تعبيرًا علميًّا.
وما أثاره من مناقشات علمية واحتمالات تطبيقية من نفس الفقرة في السطر قبل الأخير فقد رأت المنظمة إفراد ندوة خاصة لسبر أغوار هذا الموضوع، وعرض معطياته وإمكاناته هذا تعبير عام، وعرض نتائجه أرى كذلك تعبير أدبي عام، ينبغي أن لا يكون في بيان مثل هذا.
في صفحة (2) وغير صفحة (3) هناك تعبير بكلمة العلوم البيولوجية، وهذا التعبير أظن أن كلمة البيولوجي غير عربية وتعني علوم الحياة أو شيء من هذا القبيل ما أعرف هذا التعبير يحتاج إلى نظر في أكثر من مكان ورد التعبير بالعلوم البيولوجية هي علوم الحياة، أي الأحياء، أو علم الحياة.
كذلك في صفحة (4) وفي حالة عدم أهليته للإعراب عن هذا القبول يجب الحصول على القبول أو الإذن، هذا لا أدري سوف تأتي ما أعرف إلا أن يكون البيان يريد أن يجعل هذا حكمًا باتًّا، لكن قلنا مسائل هي احتمالية لا يجوز، بعد ذلك قالوا في حالة أهليته للإعراب عن هذا القبول يجب الحصول على القبول أو الإذن.
هذه هي الملاحظات اللغوية العامة التي أراها. وشكرًا.
الشيخ الشيباني:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا ما طلبت الكلام في هذا إنما أنتظر توصيات المرأة هذه هي التي أنتظرها.
الشيخ علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
في بحث الأستاذ الدكتور محمد علي البار في صفحة (21) الرقم الثاني إيهام الناس أن زواج الأقارب هو السبب المباشر لهذه الأمراض الوراثية المنتشرة في مجتمعاتنا، وهو أمر غير صحيح على إطلاقه، وقال في صفحة (22) ولكنه زواج الأقارب له فوائد أخرى، وذكر من هذه الفوائد وقد تكون في الأسرة صفات جيدة فتنتقل بالتالي إلى الذرية، لذلك يجب أن نحدد هنا الأسر التي فيها مرض وراثي لا يكون فيها زواج بين الأقارب والأسر التي فيها مرض وراثي لو تزوج غريب منها فهو أيضًا عرضة للمرض، فلابد أن تكون الأمور واضحة ومحررة حتى لا يتهم أحد بالجهل، وبأنه لا يعلم، وأعتقد أن الدكتور البار من الذين يعلمون. وشكرًا.
الشيخ يوسف القرضاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهي ملاحظات سريعة:
- الملاحظة الأولى - حول الفقرة الأولى من التوصيات، والتي حدث حولها نقاش، وهي قوله:(إن العبث بمكونات الإنسان وإخضاعه لتجارب الهندسة الوراثية بلا هدف أمر يتنافى مع الكرامة الإنسانية) والبعض قال: بلا ضرورة. أنا أقول: العبث بمكونات الإنسان لا يجوز بلا ضرورة ولا هدف، إذا كان عبثًا فهو أمر غير مشروع، يعني العبث بمكونات الإنسان، هذا أمر لا يمكن إجازته، فيجب حذف كلمة العبث أي التصرف أي شيء من هذا، أما العبث فلا يجوز لا لضرورة ولا لغير ضرورة كلمة العبث لابد أن تُحذف.
الشيء الآخر: أنا لا أرى مانعًا من الاستدلال بقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} مخالفًا سماحة الشيخ التسخيري، لأنه وإن جاء الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيرهما في قضية {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، وحديث أبي أيوب الأنصاري عندما كانوا في فتح القسطنطينية إلى آخره هذا سبب النزول لا يُحكم على اللفظ العام، تظل الآية بعمومها هل يجوز الإلقاء إلى التهلكة أي تهلكة، لا يجوز أن يُلقي الإنسان بيده إلى التهلكة، سواء كانت تهلكة مادية، تهلكة معنوية، أو تهلكة فردية، أو تهلكة اجتماعية، أو تهلكة صحية
…
أي نوع من التهلكة لا يجوز لأي إنسان الإلقاء بيده إلى التهلكة، وأيضًا أرى أن الاستدلال بقوله تعالى:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] في موضعه، بل هذه الآية أولى من الآيات الأخرى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] ، فهي تعني جواب والشرط غير موجود أو الأمر غير موجود الذي وقع فيه هذا الجواب، والآية لا يستوي من يعلم ومن لا يعلم، وهي آية من الآيات القوية في الدلالة على هذا المعنى - استفهام استنكاري، لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون أي علم. هم يقولون هنا الفعل المتعدي نزل منزلة اللازم لا يستوي من يعلم ومن لا يعلم لا يستوي العالم والجاهل في أي علم كان.
أيضًا موضوع الأقارب وزواج الأقارب، نحن نعلم أن الإنسان حرم أنواعًا من زواج الأقارب {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} [النساء: 23] ، فهذا جزء من الأقارب حرمهم الإسلام شرعًا، وهناك جزء آخر أحله {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ، وقد جاء في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} [الأحزاب: 50] ، فنكاح بنات العمة والخالة منصوص عليه في نص القرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم تزوج زينب بنت جحش بنت عمته، وزوج علي بن أبي طالب بنته فاطمة وهو ابن عمها رضي الله عنها، ورضي عنهم جميعًا، فزواج الأقارب من ناحية الجواز لا يشك فيه أحد، وهو أمر تعارف عليه المسلمون، ولكن إذا ثبت أن هذا الزواج قد يترتب عليه أضرار، وأنا أعرف في أسرتنا يعني بعضهم يكرر زواج الأقارب فأصبح عندهم الأضرس والمعوق وهكذا الأمر أصبح مشاهدًا كما قال الأخ فلا مانع من أن يكون هذا موضع نظر، والعرب من قديم قالوا صحنا نصح، وعن عمر قوله: إنما العرب قالوا من قديم:
فتى لم تلده قريبة فيضوى
وقد يضوى رديد الغرائب
فالعرب عرفوا هذا بالتجربة أي بنت العم يكون ولدها ضعيفًا، والفقهاء قالوا: إنه مما ستحب في المخطوبة أن تكون غريبة، وجعلوا من هذا أنه يكون أقوى للنسب، وأوسع في المصاهرة، لأن من ضمن أهداف الزواج توسيع روابط المصاهرة قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54]، وكنا نقرأ في الزمن الماضي الناظم نظم ذلك شعرًا فقال:
صفات من استحب الشرع خطبتها
جليتها لأولي الألباب مختصرا
صبية ذات دين زانه أدب
بكر ولود حكت في حسنها القمرا
غريبة لم تكن من أهل خاطبها
تلك الصفات التي أحلوا لمن نظرا
فالفقهاء استحبوا الغرائب.
بقي الموضوع في صفحة (6)
(ولا ترى الندوة حرجًا شرعيًّا باستخدام الهندسة الوراثية في حقل الزراعة وتربية الحيوان ولكن الندوة لا تهمل الأصوات..) أنا أرى أن لا تكون هكذا في حقل الزراعة وتربية الحيوان إذا لم يكن هناك غرر، ولو على المدى البعيد بالإنسان أو الحيوان أو الزرع أو البيئة يعني يجب أن تقيد بهذا الشرط، لكن لا نهمل هذه الأصوات أو حتى نأكدها، ولكن لا يجب أن يكون له هذا قيدًا، فنحن نجيز استخدامها إذا لم يترتب على ذلك ضرر، لا بالإنسان ولا بالحيوان، ولا بالبيئة ولا بالزرع، ولو على المدى البعيد. وشكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس: أسئلة موجهة إلى الدكتور البار:
قبل أن ننهي الموضوع أود أن أسأل الطبيب محمد علي البار بعض الأسئلة.
أما السؤال الأول فيتعلق بالهندسة الوراثية إن كانت الهندسة الوراثية بحكم ما أودعه الله في الإنسان، وما اكتشف من هذه الخصائص العظيمة في الأمور الوراثية والجينات وما إليها فتسميتها بالهندسة الوراثية فيه إشكال شرعي، بحيث يكون هذا من هندسة الله في خلقه، وأنتم تعلمون أن من مبادئ الماسونية الإيمان بمهندس الكون، أما إن كانت الهندسة الوراثية بحكم المعامل وما يصدر من الأطباء والمختبرات فهذا قد يكون له وجه. فما أدري ماذا لديك:
د. البار: في الحقيقة كنا نطلب الكلمة أنا وإخواني الأطباء لتوضيح بعض الإشكالات التي كانت موجودة، والتعليق على كثير من الأسئلة التي دارت، فإذا سمحتم لنا أن نتكلم عن المواضيع كلها، أو نقتصر على سؤال واحد وإجابته، أعطيته الجواب وابدأ بما لديك.
المقصود بالهندسة الوراثية هو أولاً أن تعرف المورثات أو الجينات ثم بعد ذلك يدخل لإصلاح هذه الجينات، أو التغيير في صفاتها، يعني فكل مخلوق سواء كان بكتيريا أو حتى فيروس أو نبات بسيط أو حيوانات بسيطة جدًا أو الإنسان إلى مرحلة الإنسان كل واحد من هذه المخلوقات جعل الله سبحانه وتعالى لها حقيبة وراثية، يعني مجموعة من الجينات موجودة في ما يسمى أحيانًا بالكروموزمات قد تكون في البكتريا والفيروسات غير واضحة، وكالكروموزومات خاصة في الفيروسات هذه الصفات الموجودة قد تتغير بما يسمى الطفرات الوراثية التي يحدثها الله سبحانه وتعالى، أو نتيجة لتغييرات في البيئة أو أمكن بعد دراسة هذا الجين نفسه، أو هذه الصفة الوراثية لأنها مركبة هي من مجموعة من القواعد النتروجينية، اسمحوا لي إذا دخلت في بعض الألفاظ غير المفهومة، ولهذا سأبين لماذا لم أتحدث في البداية عن هذا الموضوع، لأن هذا الموضوع حقيقة يحتاج إلى شرح ساعات طويلة، وفي الندوة التي عقدت بالكويت وقف أستاذ لهذا الموضوع هو الدكتور هاني رزق وتكلم حوالي ساعة وبعد الساعة قال: الفقهاء ترجموا لنا ماذا قال: نحن ما فهمنا شيئًا من الكلام، هذا نرجو أن يقوم الدكتور حسان حتحوت لأنه أديب وشاعر فيعيد الترجمة مرة أخرى، حتى نستطيع أن نفهم ما يقول لأننا ما فهمنا شيئًا على الإطلاق.
الرئيس: أنا مرادي باب الاعتبارين؟.
د. البار: الإجابة هو الاعتبار الثاني إذا سمحتم لنا يعني عتب أستاذ الجميع وشيخ الجميع الشيخ مختار السلامي جزاه الله خيرًا سببه أنني ترددت في الكلام في هذا الموضوع لعدة أسباب حقيقية.
أولاً: الموضوع كما شاهده هو في ندوة الكويت أخذ أيامًا متتالية من الشرح من مجموعة كبيرة مختصة في هذا المجال، ولم يفهم بعد ذلك فهمًا كاملاً من كثير من الحاضرين، يعني رغم أنهم أرجو أن يكونوا بعد تلك الأيام أو التداول أن يكونوا قد فهموا، لا شك أن الكثير منهم فهم أشياء كثيرة جدًا لم تكن مفهومة؛ ولهذا شرح هذا الموضوع يطول ما أحببت أنا وإخواني الأطباء أن آخذ وقتكم الثمين جدًا في هذه القضايا، ولهذا حرصت على أن يكون إذا كانت هناك أسئلة ثم يكون لنا تعقيبات أنا وإخواني سيكون لنا بعض التعقيبات إن شاء الله إذا سمحتم لنا ببضع دقائق نعقب، حتى تصبح الرؤية أكثر إيضاحًا، هذا اختصارًا للوقت.
تعريف كلمة الجينوم أولاً دعونا نأخذ الخلية البشرية، أو خلية أي حيوان أو أي كائن، الله سبحانه وتعالى وضع فيها الصفات الوراثية التي تتحكم في هذا الكائن بالنسبة للبكتيريا أو الكائنات الحية هناك الكروموزمات أو الصفات الوراثية، وتختلف هذه الصفات في عددها من كائن إلى آخر ففي الإنسان هناك (46) صفة على هيئة أزواج (23) زوج، كل واحد من هذه الكروموزمات يحتوي على مجموعة كبيرة من الجينات في الإنسان مثلاً حوالي (100) ألف جين، وهناك أعداد كبيرة من الجينات غير واضحة المعالم.
بمعنى أن الجينوم البشري مكون من مجموعة ما يسمى القواعد النيتروجينية على سلسلة طويلة في الـ (D.N.A) ، وقد يشرحها أخي الكريم الدكتور صالح كريم لأنه أكثر اختصاصًا في هذا الموضوع، وكلمة جينوم هي مجموع الحقيبة الوراثية الموجودة في الكائن سواء كان بكتيريا أو فأرًا أو إنسانًا، هذه الحقيبة الوراثية تسمى.. لم يوجد لها كلمة أخرى، يعني مجموع هذه الجينات مائة ألف جين الموجودة في الإنسان تسمى الحقيبة الوراثية أو الجينوم البشري. معرفة مائة ألف جين جعل الدول الكبرى كالولايات المتحدة تدفع آلاف الملايين من الدولارات، وكذلك أوروبا وكذلك اليابان، ثم وجدوا أنه لابد من أن يكون هناك تعاون بين هذه الدول، وليس الأمر مقتصرًا على الشركات كما قال أحد الإخوة الكرام بأن الشركات هي التي تقوم بذلك وأنها تحتكره، صحيح أن الشركات أدلت بدلوها لأنها أيضًا لها مصالح في هذا الباب، لكن الشركات تحت توجيه الحكومات أيضًا تبذل في البحث الأساسي (البحث الأولي) لمعرفة الجينوم البشري، ودخلت في الخط من حُسن الحظ فرنسا في هذا الباب، وقالت: إنها لن تجعله سريًا، بل تجعله مفتوحًا لجميع الدول، ودخلت كذلك منظمات الأمم المتحدة المختلفة فيها، ومحاولة جعلها ليست مقصورة فقط على الدول الكبرى والغنية، نحن طبعًا متلقون لهذه الأمور، وكانت التوصيات في هذا الباب قوية، بحيث إنها تحث الدول الإسلامية على ألا نبقى دائمًا مستوردين لجيمع التقنيات العلمية الحديثة، ونبقى متخلفين جدًا.
الجينوم البشري معرفته مثل معرفة الذرَّة، وما أدى إليه استخدامها سواء كان في السلم أو في الحرب، والتقدم العلمي كبير جدًا في هذا الباب، ولهذا حرصت الندوة على التأكيد على أهمية المشاركة والمتابعة على الأقل في معرفة الجينوم البشري.
أود كذلك أن أتحدث في نقطة بسيطة جدًا، وسأترك الحديث بعد ذلك لإخواني الكرام وذلك حول الفحص الطبي قبل الزواج.
أنا كنت حذرًا في بحثي حول الفحص الطبي قبل الزواج لما رأيته من بعض الدول الإسلامية والعربية في اتجاهها إلى فرض هذا الفحص أولاً وجعله إجباريًّا، واتجاه بعض الفقهاء الأجلاء إلى أنهم فهموا هذا الفحص طبعًا يقينا من الأمراض، وبالتالي لابد أن يكون إجباريًّا. ثم الخطوة التالية لنتيجة هذا الفحص رغم بعض عيوبه ومثالبه التي ذكرتها. الخطوة التالية هي أن نجعل هذا الشخص الذي يريد أن يتزوج من تلك الفتاة وكلاهما يحمل صفة وراثية ليسا مرضين على الإطلاق، ولكن عندهم احتمال لإصابة ذريتهما، هما كلاهما صحيحان سليمان تمامًا، ولكن هناك احتمال أن يكون ربع الذرية قد يصابون بمرض وراثي، ربع الذرية بمعنى احتمال حسابي ليس بمعنى أنه إذا تزوج رجل امرأة سيكون ثلاثة من أولاده أو أطفاله سليمين وواحد مريض، قد يكون الأربعة كلهم سليمون، وقد يكون ثلاثة من الأربعة مصابين بالمرض، فهذه نقطة هي حسابية فقط.
كان الاتجاه لدى بعض الدول والحكومات قد تحضر بعض الندوات والمؤتمرات وفيها وزراء صحة لنفرض قسرًا الفحص قبل الزواج، ثم لنفرض قسرًا منع الزواج، هذا هو الذي أثارني، وقد بدأت بعض الدول فعلاً منع هذا الزواج، لا أُخفيكم أنتم علماء أجلاء في المملكة العربية السعودية قد بدأ على نطاق ضيق إذا تزوج سعودي من غير سعودية والعكس، فالشخص غير سعودي فقط هو الذي يفحص من ناحية بعض الأمراض الوراثية، وإذا وُجد أن هذا الشخص يحمل صفة وراثية من المرض كالأميبيا البحر الأبيض المتوسط يُمنعان من الزواج، لماذا يُمنعان من الزواج الشخص الذي يتزوج هذه المرأة قد لا تحمل الصفة الوراثية المرضية، ولن يكون أحد من الذرية مصابًا بهذا المرض، فالناحية حتى الفنية في صياغة الأمر الذي صدر من وزارة الصحة أو التنظيم الذي صدر من وزارة الصحة ما كان منضبطًا علميًّا، وهذا الذي جعلني أتردد كثيرًا، وكتبت لمعالي وزير الصحة أنبهه إلى بعض الخطوات التي اتخذت أنها علميًّا ليست سليمة، بل متناقضة تمامًا.
وكما تعلمون سادتي الأمراض الوراثية أنواع الآن فيه حوالي (8000) ألف مرض وراثي، منها حوالي ألفان على الأقل تنتقل بما يسمى الصفات الوراثية المتنحية يمكن أن تكون الصفة الوراثية سائدة أو متنحية أو متنقلة كروموزوم (AY) ينقل عددًا قليلاً جدًا من الأمراض، فالصفات الوراثية السائدة لابد أن تنتقل، ولو كان أحد الأبوين فقط به هذه الصفات أو المرض الوراثي. نحن الآن نتحدث عن الأمراض، فإن مَنْ به هذا المرض الوراثي لابد أن ينتقل إلى ذريته، ولكن قد تكون هناك تعديلات في هذا المرض الوراثي، ثم حتى الصفات الوراثية المنتقلة بهذه الصفة السائدة قد تكون هناك طفرات جينية لا الأب عنده ولا الأم عندها هذا المرض، ثم تحدث طفرات وراثية داخل البويضة الملقحة هذه وتحدث فيه الطفرة الوراثية، أو الحيوان المنوي تحدث فيه، أو في البييضة نفسها إما قبل التلقيح، أو بعد التلقيح وتحدث نتيجة لذلك هذه الصفة الوراثية، وينتج عنها مرض وراثي، وهذا حادث في كثير من الأمراض، وأنا نبهت عليه في البحث، حتى لا يظن أن مجرد الفحص الطبي قبل الزواج سيلغي الأمراض الوراثية، هذا غير صحيح، حتى إن هناك الأمراض الوراثية غير المتنحية، والمتنحية بمعنى أنها غير سائدة، مثل حديث الرجل من بني فزارة الذي أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: أنا أبيض وزوجته بيضاء وهي أنجبت طفلاً أسود، وأراد أن ينفيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((ألك إبل؟)) قال: نعم. قال: ((ما ألوانها؟.)) قال: حمر. قال النبي: ((هل فيها من أورق؟.)) قال: نعم. قال النبي: ((وما به؟.)) قال: لعله نزعه عرق. قال: ((فلعل ابنك نزعه عرق)) .
يعني كلا الأبوين ما عندهم مرض ظاهر، ولكن إذا تزوج، وهذا ظاهر في مرض التلاسيميا أو المنجلية، أو بعضًا من الأمراض الوراثية وهي أعداد كبيرة جدًا، هذه الأمراض الوراثية المنتشرة في مجتمع معين هنا تظهر الفائدة، لأنه مثلاً في حوض البحر الأبيض المتوسط في قبرص يمكن (25 %) من السكان يحملون هذه الصفات الوراثية المتنحية، سواء كانوا أقارب أو غير أقارب، في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية وفي البحرين والإمارات النسبة تتراوح ما بين (15 %) يحملون هذه الصفة الوراثية، في الرياض وما حولها النسبة قليلة جدًا واحد في الألف، عدد بسيط في المنطقة الجنوبية في المملكة تختلف في جيزان وما حولها حوالي (20 %) وخاصة السكلسا المنجلية، فهي تختلف من منطقة إلى أخرى، ولهذا الجهة الرسمية أو الطبية وزارة الصحة عندما تقرر إجراء فحص من هذه الأنواع هي لا يمكن أن تقرر إجراء الفحص لثمانمائة ألف، لأن هذا يستغرق ميزانية الدولة لمدة عشر سنوات أخرى، فحص شخص واحد سيستغرق ميزانية الدولة، هذا لا يصح، ولكن المطلوب هو فحص الأمراض المنتشرة في مجتمع معين.
فحتى لا يُساء استخدام الفحص، الفرض من الدول يؤدي إلى تحايل كبير جدًا، ونتائج غير سليمة، وإفشاء أسرار، ومشاكل أخرى، فكان الاقتراح أن يكون هذا الفحص الطبي ينبغي التشجيع عليه وكانت الندوة تؤكد هذا المعنى بتوعية الجمهور، بتوعية الناس، بتوعية العلماء، أو التدريس في المدارس، أي توعية على نطاق واسع بأجهزة الإعلام دون فرضه، لأن فرضه يستتبع مشاكل أخرى كثيرة إلى آخره، ثم يستتبع بعد ذلك مثل ماذا يفعل هذا الشخص، عنده هذه الصفة الوراثية التلاسيميا، وهذا الشخص الآخر يريد أن يتزوج هذه المرأة وعندها صفة وراثية مرضية هناك حلول موجودة وهما مقبلان على الزواج، هو ما يريد امرأة أخرى، وهي ما تريد إلا هذا الشخص، لماذا نمنعهما من الزواج والمرض مجرد احتمال لا يرقى إلى أكثر من (25 %) .
ثم إن هناك حلولاً مثلاً بعد تلقيح البييضة مشاريع أنابيب الأطفال، ممكن تلقيح البييضة بزوجها ثم يُنظر بعد أن تنمو البييضات هذه فإذا كان البييضة معيبة لا تعاد، نعيد فقط البييضات السليمة، وفي هذه الحالة يكون الطفل بإذن الله سليمًا من هذا المرض، فقط أنا لا أعني الأمراض التي لم تُفحص، وهذا الفحص موجود الآن في أمريكا وسيوجد الآن في السعودية يمكن خلال العام القادم يعني خلال أشهر (هو موجود يعني الآن في مختبر خاص، أخبرني واحد لما كنا في ندوة الأسبوع الماضي أنه سيكون عندهم موجود العام القادم) ، فالفحص هذا سيعمم خلال سنوات سيعمم ممكن!!.
هناك بدائل أخرى لهذه الأسرة إذا أرادت الاستمرار، وأن تتزوج وتكون الأسرة الكاملة هذه النقاط الأساسية:
موضوع تحسين السلالة البشرية هو موضوع خطير حقيقة يعني الدكتور علي القرداوي قال لماذا يعني طبيب، يعني فيه خير كثير، تحسين السلالة البشرية يعني هو استخدم من الناس، من هتلر ومجموعته، وكان في بداية القرن فكرة السلالة تحسين السلالة البشرية في العالم الغربي بالذات في أوروبا وأمريكا وكان لها دعاية قوية ثم استخدمت استخدامًا سيئًا كبيرًا جدًا، وأدى هذا الشخص الأسود المصاب بمرض السكلسا المنجلية لا يعمل ممنوع عليه جملة من الأعمال معينة يميز ثم كان بعد ذلك قتل الأشخاص كثيرين قُتلوا لمجرد ما يحملونه من أمراض وراثية لماذا يُقتلون ويُعدمون، يعني عمليات إجرامية نتجت أو تمييز عنصري أو تمييز ضد هذا الشخص بسبب أنه يحمل بعض الصفات الوراثية.
وقفت الندوة وقفة قوية رائعة، في ظني أنها وقفة رائعة وسليمة وصحيحة وإسلامية، لأنها ضد تعاليم الإسلام أولاً، وبعد ذلك ضد حقوق الإنسان. ثم الإشارات التي جاءت حول الأمم المتحدة وحقوق الإنسان جاءت كما قال سيدي الشيخ شيخ الجميع مختار السلامي إنها جاءت في إطار معين الجملة ليست مطلقة، ينبغي أن تقرأ كل الجملة ما أقول الأسرة
…
إلخ قرارات الأمم المتحدة في نطاق معين محدد ليست مطلقة، وأكتفي بهذا القدر، وأترك الكلمة لأخي الدكتور حسان باشا يمكن عنده بعض النقاط الأخرى، وشكرًا.
الدكتور حسان باشا:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
شكرًا لسيدي الرئيس للسماح لي بالتكلم، وشكرًا لأخي الدكتور محمد علي البار، في الحقيقة لدي بعض الملاحظات القليلة.
الملاحظة الأولى تكلم فيها أستاذنا الشيخ عبد الله بن بيه في ص (6) ، وكذلك إيداع جين في جين آخر، وقال: إن المقصود بذلك هو الخنزير لا شك أنه قد يكون، ولكن أريد أن أبين شيئًا أنه ليس دائمًا هو الخنزير، إن هناك بعض الجراثيم التي استخدمها الإنسان في صناعة الأنسولين، وهذا الجرثوم وفي أكثر من هرمون أكثر من مادة دوائية معينة هذا الجرثوم يدعى الأشبيشية القلونية أكُولَاي (Acolay) وهذا الجرثوم لا بأس باستخدامه من أجل صناعة هرمون الأنسولين بل بالعكس، لأن في ذلك الخلاص من استخدام أنسولين الخنزير، التي كان الكثير من مرضى الأنسولين في العالم يستخدمونه، فلا شك أن هذه خطوة جيدة ومشجعة.
نعود إلى الصفحة السادسة من المقطع الأول، الواقع أن هذه الفقرة الأولى من أهم المقاطع في هذا البيان والتوصيات، رأت الندوة جواز استعمالها في منع المرض، أو علاجه، أو تخفيف أذاه؛ سواء بالجراحة الجينية التي تبدل جينًا بجين أو تولج جينًا في خلايا مريض، الواقع أن هذه الفقرة لابد لها من شرح.
في الصفحة السادسة لابد من التنبيه إلى أننا في الحقيقة لا نعلم في الوقت الحالي ما إذا كانت المعالجة الجينية تؤدي إلى أمراض في المستقبل أم لا، يعني مثلها مثل أي علاج جديد، قد يترافق في المستقبل بحدوث اختلاطات أو أعراض جانبية، في الواقع إن العلاج الجيني يحتاج إلى قطع ووصل للقطع الجينية، وهذه القطع الجينية تدخل إلى الجينات أثناء المعالجة الجينية عن طريق استخدام فيروسات في الوقت الحالي، يرى الباحثون أن من أسلم هذه الفيروسات فيروس يدعى (سيست رفايرز) لكن لا نستطيع أن نجزم في الوقت الحالي أنه لن تحدث مشاكل على المدى البعيد من جراء استخدام هذا الفيروس أو غيره من الفيروسات، وبالتالي الضابط الذي يؤخذ في هذا المجال هو أن تكون الفائدة أعم أو أغلب من الضرر، أي احتمال الفائدة أعم وأغلب من احتمال حدوث الضرر، وهذا ما يفعل الأطباء في كثير من معالجاتهم.
النقطة الثالثة نظرت إلى هذه الفقرة نظرتُ إليها مليًّا، أقترح أن تُقسم إلى ثلاث فقرات. الفقرة الأولى: رأت الندوة جواز استعمالها في منع المرض وعلاجه إلى آخره. السطر الثالث ينبغي أن يكون هناك ثانيًا، لأن هذا منفصل عن السابق. إيداع جين في كائن آخر هذا يعني التشجيع على إفرازات أو على هرمونات معينة من جراء هذا الإجراء لاستعماله دواء في بعض الأمراض.
الفقرة الثانية هي منع استخدام الهندسة الوراثية في علاج الأمراض على الخلايا الجسدية.
أما في الفقرة الأخيرة هنا فنتكلم على الخلايا الجنسية، التي لو استُخدمت الهندسة الوراثية فيها لأدى ذلك إلى احتمال تغيير خلق الإنسان وتغيير جنسه، وهذا مرفوض من الناحية الشرعية.
أمر أخير أريد أن أذكره في الواقع هو الأمراض الوراثية وزواج الأقارب، النسب العالمية تقول: إن نسبة حدوث مرض خلقي هي واحد في المائة في زواج الأقارب ترتفع هذه النسبة إلى (2 %) أو (3 %) أو (4 %) لا ترتفع إلى (40 %) أو إلى (50 %) فحين نقول بمعدل أعلى كما ورد في التوصيات في الحقيقة هذا ينبغي أن يُعلم أن الزيادة وإن كانت من (1 %) إلى (2 %) أو (3 %) أو (4 %) لكن لا ينبغي أن يُفهم أنها زيادة (50 %) أو (70 %) وهذه النقطة مهمة ينبغي تبيانها وشكرًا.
الشيخ صالح الكريم:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
قبل أن ننطلق إلى الملاحظات نريد أن نعرِّف مصطلح الهندسة الوراثية: الهندسة الوراثية تتكون من كلمتين: الهندسة والوراثة؛ الهندسة هنا تعني التحكم في وضع المورثات التي هي الجينات، وترتيب الصيغة الكيميائية فكًا، أي بقطع الجينات بعضها عن بعض، ثم وصلاً بوصل المادة الوراثية المضيفة بالجينات المتبرع بها باستخدام الطرق المعملية.
أما الكلمة الأخرى هي الوراثية وهي مادة استخدام الهندسة الوراثية كلها، وهي عبارة عن الجينات والصيغ الكيميائية التي يتكون منها الإنسان أو الكائن الحي، والجينات أو مصطلح الجين ليس حديثًا استخدم من عام 1909 فهو مصطلح قديم، وهو يستخدم لوصف الوحدات القاعدية للوراثة، عندما نأتي لنرى المادة الوراثية أو الحقيبة نجد أنها تسكن في النواة وهو جزء بسيط موجود داخل الخلية، هذه المادة تسكن على هيئة شريط يسمى (DNA) وهو شريط يحمل هذه الجينات أو هذه المورثات، وتتحكم الجينات في الصفات الوراثية المختلفة في الإنسان من طول الجسم وقصره وشكله ولونه بل ونبرة الصوت ولون العين وشكل الأنف، فكل هذه الصفات والخصائص والمميزات يتحكم فيها من داخل الخلية. طبعًا هناك تفصيل علمي أنا ذكرته في بحثي.
أريد أن نعود إلى النقاط الأساسية حول بعض الملاحظات التي سمعناها من بعض المشايخ حول التوسع في استخدام الهندسة الوراثية في التطبيقات بين الحيوانات المختلفة، وقد ذكر الدكتور منذر ما كان يستخدم سابقًا بين الحصان والحمار فينتج البغل، هذا طبعًا ليس للإنسان فيه تدخل، هذا يحدث والشيء الوحيد الذي يحدث علميًّا بين الحيوانات المختلفة بين الحمار والحصان فينتج البغل، ويكون في هذه الحالة لا سلالة له عقيم، لماذا لأنه يحمل مجموعة فردية من الكروموزمات، ووجد عمليًّا أنه لا يستطيع الفصل بين الفصائل المختلفة إلا في الفصائل المتقاربة في الثديَّات، الثديات فقط يمكن دمج بعض الكروموزمات القريبة العدد، بمعنى أنه لا يستطيع الإنسان أن يستخدم، وهذا طبعًا فيه بعض الكلام الوراثي صحفي، ليس له سند علمي، وليس منشورًا في مجلات علمية، وأنا ذكرت هذا الكلام في كتاب الهندسة الوراثية وتكوين الأجنة يمكن دمج نواة الإنسان وبين نواة الكلب فينتج شيء آخر، وهذا علميًّا غير صحيح، لأن الله سبحانه وتعالى أودع في النواة مستقبلات خاصة وهي الكروموزمات، وهي النواة فإذا كانت غير متماثلة ومن غير جهات واحدة، لا يمكن أن يحدث التلقيح، ولا يتم إلا في حالات تجري الآن، وهي دقيقة جدًا، وهي شاقة ومكلفة جدًا بالنسبة للعلماء، وهو سحب المادة الوراثية، والتلاعب في عدد الكروموزمات، وبالتالي التلقيح، وتتكون الأجنة، غير ذلك.
معظم التجارب في هذا المجال تنتج فيها أجنة مشوهة إذا طلعت بعض الأجنة تكون مشوهة ولا تعيش، وتكون ميتة، وهذه من الأشياء الفطرية التي أودعها الله سبحانه وتعالى في النواة.
الشيء الآخر الذي أود ذكره هو ما ذُكر من سرية هذه الأبحاث، هذه الأبحاث على نوعين نوع متعلق بالخلايا الجرثومية كالبكتيريا والفطريات والفيروسات، ونوع آخر متعلق بالعلاج البشري.
أما النوع الذي يتعلق بالخلايا الجرثومية فإلى الآن الأبحاث فيه سرية جدًا، وفيه دعم مال كبير.
وفيما يخص العلاج البشري فإنه ينشر في ندوات ومؤتمرات علمية مختلفة.
الشيء الآخر الذي ذُكر في هذه الندوة هو العمل اللا أخلاقي الأول النقل الجيني هو في الخلايا الجنسية (سيكسيل) هذه الخلايا ستولد خلايا لدى البالغين حيوانات منوية وبييضات والتلاعب في هذه الخلايا بهذه الحقيبة الوراثية لهذه الخلايا يوجد نسل جديد غامض الهوية، ضائع النسب، وإن كان تطبيق هذه التقنية قد تحقق بنجاح في الحيوانات الثدية، وأظهر فاعلية كاملة، إلا أن تطبيقه على الإنسان يجب أن يُحكم بالفتوى الشرعية الواضحة الصريحة جدًا، لأنه تلاعب، وأنا أرى في التوصية التي بين أيدينا أن نوصي بقضية الخلايا الجنسية أو الخلايا أو الجهة التي تعطي الصفات أو الخصائص أن لا يكون فيه تلاعب على الأخلاق أيضًا، هناك عمل أخلاقي آخر يجري، ألا وهو الدمج الخلوي بين الخلايا الأجنة في الأطوار المبكرة، وهذا أيضًا بحاجة إلى تطور علمي وفتوى شرعية منفصلة عن السابق.
ما يخص المعالجة الجينية بالنسبة للخلايا الجسدية ما ذكر يتوسع في هذه التوصية، وأنا أظن أن السادة الفقهاء والعلماء لو درسوا الموضوع بتوسع قد يصلون إلى نوع من التفريج على البشر في معالجة بعض الأمراض الوراثية في نفس الخلايا.
لكن هناك ضوابط ومعايير يعرفها العاملون في هذا المجال أكثر، إن احتمالية الضرر أو الوفاة بسبب الفيروسات التي تستخدم في النقل الجيني وارد، أيضًا الفشل في تحديد موقع الجين على الشريط الصبغي للمريض قد يسبب ضررًا، أشد من هذا هناك احتمالية أن تسبب الجينات المزروعة نموًا سرطانيًّا عند استخدام المنظار الجينى في معالجة الأجنة قبل ولادتها، قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة على حياة الأم والجنين، والأدهى من ذلك عدم توفر أخصائيين على درجة عالية من التدريب في مجال الهندسة الوراثية، ويجعل الباب مفتوحًا أمام الأطباء، وبالتالي ارتفاع النتائج السلبية الخطيرة، يعني بدلاً من أن نعالج مرضًا نجد أنه يمكن أن تكون أمراض أخرى كثيرة، فما يخص المعالجة الجينية يجب أن يوضح أكثر ولو في جلسة في المستقبل. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
في الواقع أن ما يتعلق بالبصمة الوراثية لم يكن له حظ كثير في المداولة هنا، وكانت المداولة كلها انصبت على الزواج من الأقارب، وعلى هذه الفقرة وهي تشجيع إجراء الاختبار الوراثي قبل الزواج، وذلك بنشر الوعي من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والندوات والمساجد، وهذا في الحقيقة قضية تعميق هذه المسألة في نفوس الناس كأنه نوع من التحذير الشديد، وخلق هذه الأوهام في نفوسهم، على كل حال الأمر أن تكون اللجنة مناسبة من الأطباء الثلاثة الموقرين ومن المشايخ الشيخ عبد الله البسام، الشيخ علي السالوس، الشيخ علي القره داغي، والشيخ عبد الستار، كل من أراد أن ينضم الباب مفتوح.
* * *
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم: 105 (8/11)
بشأن
الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم
البشري الجيني - رؤية إسلامية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25 - 30 رجب 1419هـ (14 - 19 نوفمبر 1998م) .
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص الموضوع المذكور أعلاه، والاطلاع على قرارات وتوصيات الندوة الطبية الفقهية الحادية عشرة، التي عقدت بين مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت، والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في الإسكندرية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة في الفترة من 23 - 25 جمادى الآخرة 1419هـ (13 - 15 أكتوبر 1998م) بدولة الكويت.
رأى المجمع تأجيل النظر في الموضوع لمزيد من البحث والدراسة.
(2)
ندوة الخبراء حول
دور المرأة في تنمية المجتمع المسلم
العرض والمناقشة
الرئيس:
لدينا الآن ما يتعلق بالمرأة في المجتمع المسلم.
الشيخ علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
السيد الرئيس هذا الموضوع قدم من قبل المؤتمر الثاني والعشرين، من قبل وزراء الخارجية للمجمع الفقهي، للنظر فيه، والآن عُقد المؤتمر الثالث والعشرون والرابع والعشرون، والخامس والعشرون، والآن عقد مؤتمر القمة في طهران، والكل كانوا يطلبون منا أن نبدي رأينا، ولكن حسنًا فعل المجمع الفقهي الإسلامي حين تريث في الأمر، واحتاط له، لأنه يركز على مسألة مهمة جدًا، ولذلك فأنا شخصيًّا أؤيد هذا التريث، الذي قام به المجمع الفقهي في هذا الأمر، لجنة الفتوى في الدورة العاشرة وفي هذه الدورة درست هذه القرارات الثلاثة التي أصدرتها ندوة طهران حول المرأة ودورها في تنمية المجتمع الإسلامي:
قرار توصي به الدول الإسلامية للتنسيق فيما بينها في المحافل الدولية وصورة عن حقوق المرأة ومسؤولياتها كما يراها العالم الإسلامي. الذي أمامكم بعد التعديل هو ما وصلت إليه لجنة الفتوى، أعتقد أن التوضيحات الماضية التي طرحت في الندوة تغنيني عن كثير من الشرح، ولكن الذي أود أن أقوله: إنني شخصيًّا ملزم بالذهاب إلى المطار، لأن طائرتي سوف تقلع من المطار الساعة الثانية أنا وإخواني من الوفد الإيراني، وآسف لأنني لا أستطيع المشاركة في مناقشة مطولة حول هذا الموضوع، ولا أدري والوقت كما ترون ماذا نفعل؟ الأمر إليكم وإلى السادة الكرام.
الرئيس: في الواقع يا مشايخ تعلمون أن هذا الموضوع اجتمعت له لجنة الفتوى مشكورة في جدة في العام الماضي، وغيروا فيه وبدلوا، وعملوا جهدًا مشكورًا، ثم إنه أُجِّل إلى هذه الدورة، واجتمعت لجنة رباعية أو خماسية في هذه الأيام، وكذلك حصلت تعديلات في عديد من العبارات، وحذف بعض العبارات وإضافات أخرى، وهذه كما تعلمون وثائق لها صداها الدولي في المحافل الدولية، وفي المجامع، وفي الجهات الأخرى، وتمشي على ضوئها الدول، واتصل بي عدد كبير من الأعضاء منهم الشيخ تقي العثماني كتب لي خطابًا يطلب التريث في هذا الموضوع، وفي الحقيقة بالتشاور قد ترون مناسبًا أن تتألف لجنة مختصرة تنعقد في الشهور القريبة القادمة إن شاء الله تعالىمن الشيخ علي التسخيري والشيخ تقي العثماني، وإذا رغبتم أن أكون معهم بشرط أن يأتي كل واحد وعنده من دراسة وملاحظة هذا المشروع، ثم يعرض إن شاء الله، لعلها تكون نهائية في الدورة القادمة.
تدخل من الشيخ مختار:
كل ما عُرض يعاد إذا كانت ثمة نية للرفض فلنرفضه البات أم كأن قضية المرأة لا تولد إلا بعد هذه السنوات، كل ما جاء المخاض، ما سمعنا بقرار وصل إلى هذه الدرجة، قد تكون هناك مواقف خاصة، لكل إنسان أن يقف ما يشاء، ولكن على الإخوان أن ينظروا في الموضوع ويقرأ عليهم الآن وأن يبحثوا بعد ذلك يتخذ الإرجاء. أما الإرجاء قبل أن يبدؤوا بالقراءة، فهذا غير معقول أصلاً.
الرئيس: الشيخ مختار أنتم تعلمون أن وثيقة حقوق الإنسان استمرت جلستها مدة أطول ولا ضرها شيء والحمد لله، فقد خرجت بصفة مُرضية، وأُقرت وأخذت طريقها للتطبيق، ونسأل الله تعالى أن يكتب الثواب للجميع، ويسدد الخطا، فهل ترون أن هذا الاقتراح مناسب أو تستمر، وبهذا تُرفع الجلسة وصلى الله على سيدنا ونبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.
تدخل مختار: من فضلك السيد الرئيس نقطة نظام ما سمعت شيئًا، وما هكذا تعطى الأمور، القضايا الهامة، إلا أن يقول لا يقول لا بالواضح لا يوجد شخص أجبر على هذا أو على هذا.
الرئيس: على كلٍّ التصويت إما بالإجماع أو بالأكثرية، والأكثرية حصلت يا شيخ.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم: 97 (9/11)
بشأن
ندوة الخبراء حول دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25 - 30 رجب 1419هـ (14 - 19 نوفمبر 1998م) .
بعد التداول في الموضوع وأخذ الرأي فيه.
قرر المجمع: تأجيل النظر فيه لمزيد من الدراسة وشكل لهذا الغرض لجنة من فضيلة الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجلس المجمع، وفضيلة الشيخ علي التسخيري، وفضيلة الشيخ تقي عثماني؛ على أن يرفع تقريرها للعرض على الدورة القادمة للمجمع.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الجلسة الختامية
والبيان الختامي
كلمة معالي وزير العدل والشؤون الإسلامية
بدولة البحرين
الشيخ عبد الله آل خليفة
نحمده سبحانه وتعالى أن جعل الإنسان حاملاً للأمانة فقال عز من قائل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} [الأحزاب: 72] ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا وهادينا محمد بن عبد الله الصادق الوعد، الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد؛
أصحاب السماحة والفضيلة؛
إخواني ولا أقول ضيوف، لأنكم بين أهليكم في البحرين فحياكم الله.
الإخوة الحضور؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد شرُفَت دولة البحرين باستضافة أعمال الدورة الحادية عشرة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي على أرضها الطيبة، أرض الإسلام والسلام.
إننا وقد أزفت أعمال هذا اللقاء المبارك بالختام لتملؤنا السعادة ونحن نستعرض ما دار فيه من نقاش وحوار، وما قُدم فيه من آراء هي بدون أدنى شك إسهام متميز وفريد للعمل الإسلامي الجاد الذي يتعرض له من أهم أركان هذا الدين الخالد. هذه الإسهامات التي انعكست بكل وضوح على عملكم وعرض الفكر الذي انطلقتم منه وعِظَم الفائدة التي ستجنى من ورائه. كما أكدت عِظَم الدور الكبير الذي يقوم به مجمعكم الموقر ضمن المنظومة المباركة لمنظمة المؤتمر الإسلامي التي يتواصل عطاؤها كل يوم في خدمة العمل الإسلامي العظيم.
أصحاب الفضيلة؛
إن أعظم العلوم العلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل هو أجل العلوم قدرًا وأعلاها شأنًا؛ إذ هو العلم الذي يُعرف به ما شرعه الله لعباده وأمرهم باتباعه وذلك توقيرًا منه جل شأنه للعالم بدلالة الآيات البينات وعمل الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم وقوله وتقريره.
ومن هنا فإن التفقه في الدين من أعظم ما يتقرب به العبد إلى خالقه. ويؤيد هذا المعنى الدعوة المباركة التي خص بها الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بقوله: ((اللهمَّ فقهه في الدين وعلمه التأويل)) .
ومن فضل الله عز وجل على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن وفق كثيرًا من علماء الأمة العاملين ومجتهديها المجدين إلى حمل لواء هذا العلم، فأصلوا قواعده، وفصلوا مسائله، وتصدوا لإبلاغ الأحكام ما جد من الحاجيات والواقعات في الأزمان المتعاقبة والأماكن المختلفة، وحرصوا كل الحرص على أن تكون مؤلفاتهم مشاعل تضيء طريق السائلين، ومنارات هداية لمن يكونون في الخير راغبين وطالبين.
أصحاب السماحة والفضيلة؛
الإخوة الكرام؛
لقد حرصتم أشد الحرص على أن تكون مواضيع بحوثكم المطروحة للمناقشة على جدول أعمال هذه الدورة خالية من النقائص رغبة منكم في أن يخضع عملكم في الدنيا من الله بالقبول، ولقد كان اجتماعكم هذا أصدق تعبير عن وحدة الأمة الإسلامية وتماسكها، وكذلك حاجتها الماسة إلى مثل هذه التجمعات المباركة لتقوية وتثبيت هذه الأسس.
أصحاب الفضيلة؛
الإخوة الحضور؛
لقد أصبحت الأمة الإسلامية تنظر إليكم بعين الأمل والدعاء، متطلعة إلى ما تمخضت عنه هذه الدورة من قرارات وتوصيات تلبي طموحها وتحقق رجاءها في علمائها وفقهائها ومفكريها الأجلاء، فهي أحوج ما تكون إلى جهدكم الخيّر، فموضوعات أبحاثكم باتت متنوعة وهامة مثَّلَت وحدة الفكر والغاية والكلمة. وكذلك جمع الصف وهو جُلّ ما تصبوا إليه أمتنا الإسلامية في هذا الوقت الذي نرى فيه الأمة مستهدفة في هويتها ودينها ووحدتها الإسلامية.
وإنني، ومن هذا المنطلق، أهيب أعضاء المجمع الموقر وبكافة العلماء والفقهاء والدعاة والمفكرين ألا يدخروا وسعًا في سبيل العمل على تحقيق هذه الأهداف الخيرة والإنسانية العامة للمجمع. وأوجه بأن دولة البحرين حكومة وشعبًا تؤيد وتناصر وتؤازر دومًا ودعمًا إلى كل ما فيه رفعة الإسلام وعزة المسلمين، والخير للناس أجمعين. فليكن ما خرجتم به من قرارات وتوصيات في هذه الدورة بمثابة الدعوة للعمل متضامنين في هذا السبيل، قال تعالى:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105] .
إن البحرين أميرًا وحكومة وشعبًا يدعوكم في ختام عملكم الميمون بكل الحب والإعزاز والتقدير والشكر الذي استقبلوكم به راجين أن نكون قد قدمنا بإسهامنا المتواضع شيئًا يساعد على أداء المهمة العظمى التي تتصدون لها، وسائلين لكم الله - جل وعلا - التوفيق والسداد فيما نذرتم أنفسكم له، ومؤكدين على الدور المؤثر والفاعل الذي يمكن أن تقوموا به في جمع الكلمة ووحدة الصف ونبذ الخلاف وجمع المسلمين على كلمة سواء وفقكم الله.
وختامًا أتقدم بالشكر الجزيل إلى مقام حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى على تفضله وتكرمه برعاية هذه الجورة، وإن صاحب السمو - حفظه الله - قد أمرني أن أعلن أنه أمر بتمويل مشروع إحياء التراث لمؤلفات ابن القيم - رحمه الله تعالى - ضمن نشاطات المجمع.
كما أشكر الحكومة الرشيدة برئاسة صاحب السمو رئيس مجلس الوزراء الموقر، وصاحب السمو ولي العهد الأمين، على دعمهم ومؤازرتهم لإنجاح هذه الدورة.
والشكر كل الشكر لكم يا أصحاب الفضيلة على ما تفضلتم به في خدمة العلم. وكذلك الشكر لجميع من شارك وساهم معنا في إنجاح هذا التجمع الإسلامي الكبير داعين المولى جلت قدرته أن يجعل عملنا جميعًا خالصًا لوجهه الكريم إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة معالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله تعالى ونشكره ونثني عليه الخير كله على ما أولانا ووفقنا وهدانا إلى إتمام أعمال الدورة الحادية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، والتي أنتجت ثمانية قرارات إيجابية، قرار عن الوحدة الإسلامية، وقرارات لتحذير الأمة الإسلامية من العلمانية والحداثة وتبصيرها فيما يحاك حولها. وقرارات أخرى اقتصادية وطبية. وقد أُجِّل من هذه القرارات قراران، وأرى أن في تأجيلهما الإيجابية الكاملة للتحري والدقة في إصدار الحكم، وهذا من النصح للمسلمين ومن النصح لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم.
والمجمع في هذه الدورة - بحمد الله تعالى - جرى على ما عُهد به من الاعتدال والوسطية في قراراته وتوصياته، فلله الحمد والمنة، ونسأله دوام التوفيق، وأن يغفر لنا ولكم الزلل والخطأ.
- صاحب المعالي الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة،
وزير العدل والشؤون الإسلامية بدولة البحرين،
- صاحب المعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي،
الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة،
- أيها العلماء الأجلاء،
- أيها الجمع الكريم؛
اجتمع في هذه الدورة المباركة على أرض البحرين فضائل ومحاسن لابد من إبراز شيء منها.
أولاً: تكرم صاحب السمو أمير البلاد الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة نصر الله به الحق وأيده، آمين؛ استضافة هذه الدورة.
ثانيًا: الترتيب الدقيق والتنسيق الموفق لتمشي هذه الدورة وتؤدي أعمالها على خطوات ثابتة، وتؤدي أعمالها على وجه وافٍ، وذلك من رجال حكومة هذه البلاد المباركة وأخص بالذكر وزارة العدل والشؤون الإسلامية ممثلة في صاحب المعالي الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة، وزير العدل والشؤون الإسلامية، فإنه حفظه الله ورعاه تابع هذا المجمع من قدوم أول وفدٍ إلى هذه البلاد المباركة، يأتي لحضور جلسات هذا المجمع وفي جميع جلساته وأيامه، وفي جميع مناسباته، فجزاه الله عنا أحسن الجزاء وأوفاه.
وكان من توفيق الله لنا أن اللجنة التحضيرية التي قامت بالأعمال الدقيقة المشكورة برئاسة صاحب السعادة الشيخ عبد الرحمن آل خليفة، وكيل وزارة العدل والشؤون الإسلامية، وفقه الله لكل عمل صالح مبرور.
كما أخص بالشكر والتقدير سعادة وكيل الوزارة المساعد الشيخ خليفة آل خليفة، جزاه الله خيرًا، ووفقنا وإياه جميعًا لصالح الأعمال.
ومن الفضائل والتوثيقات التي حصلت في هذه الدورة اجتماع الرأي وتوحد الكلمة في القرارات، فإنه - ولله الحمد - لم يحصل قرار واحد فيه خلاف.
وإنني نيابة عن نفسي وعن زملائي رجال هذا المجمع وأمانته نُقدِّم خالص شكرنا وتقديرنا لصاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، أمير دولة البحرين - أجزل الله له الأجر والثواب ورده سالمًا معافى - على هذه الاستضافة الكريمة، ولا غرابة فهو الحاكم العربي المسلم العريق في المجد:
وهل يَنْبتُ الْخَطِيَ إلَاّ وشِيجُه
وهل تُغْرَسُ إلَاّ في مَنابتها النَّخْل
ولا نملك إلا الدعاء له بأن يوفقه الله ويسدد خطاه وأن ينصر به الحق وأن يعيده سالمًا معافى إلى بلده، وأن يبسط علينا وعلى هذه البلاد نعمة الأمن والأمان والاستقرار والخير والمعافاة في أمر الدين والدنيا.
كما نبدي شكرنا وتقديرنا لصاحب السمو رئيس الوزراء، وصاحب السمو ولي العهد لدولة البحرين، جزاهم الله عنا أحسن الجزاء وأوفاه.
ونبدي خالص الشكر والتقدير لكل من ساهم في هذا المجمع من الإعلاميين والموظفين في حكومة هذه البلاد، وندعو لنا ولهم بالتوفيق والتسديد والمعافاة.
أيها الجمع الكريم؛ جزى الله رجال هذا المجمع أعضاءه وخبراءه وباحثيه على تكلفهم بالحضور ومعاناة الجلسات والمناقشة والمداولة وتحمل هذه المسؤولية، فلهم منا الدعاء الخالص بالتوفيق والتسديد.
كما نبدي شكرنا وتقديرنا لصاحب المعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، وحاشيته من المديرين وسائر الموظفين، على جهده المتميز في الإعداد المسبق على مدى عام لهذه الدورة والتي مشت أمورها - ولله الحمد - بدقة وانتظام، فجزاه الله أحسن الجزاء وأوفاه.
هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعًا وأن يختم بالصالحات أعمالنا.
وإنني في ختام هذه الكلمة بالأصالة والنيابة عن جميع رجال هذا المجمع، بل وعن كل مسلم حفظًا للعلم وأهله وللخير وأهله نرفع خالص الشكر والتقدير والدعاء لصاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة على هذه المكرمة الأميرية الموفقة بالمشاركة في طبع مجموعة من التراث الذي هو من ضمن نشاطات مجمع الفقه الإسلامي المتمثلة في مؤلفات الإمام ابن قيم الجوزية، والتي تبلغ أربعة وثلاثين كتابًا قد تصل إلى نحو ستين مجلدًا، فجزاه الله خيرًا، وتقبَّلَ الله مِنَّا ومنه، والله يحفظنا وإيَّاكم بالإسلام ويثبتنا عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.