الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوحدة الإسلامية
منهجية المقارنة بين المذاهب الفقهية
إعداد
الدكتور عبد الستار أبو غدة
عضو المجمع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد، فهذا البحث يعالج أحد المحاور في موضوع الوحدة الإسلامية، وهو (منهجية المقارنة بين المذاهب الفقهية) وهو إن كان يتناول جانبًا تخصصيًّا، فإن أهميته عامة نظرًا لعموم التكليف بالأحكام العملية الشرعية التي يحد الفقه بأنه هو معرفتها، ولا يخفى أن التطابق أو التناسق في الاختلاف الفقهي ذو أثر كبير في تحقيق الوحدة الإسلامية.
والهدف المنشود من هذا البحث تلمس أسباب الخلاف الفقهي، وضبط أنواعه، وخصائصه، ورسم السبل التي تحول دون أدائه إلى الفرقة والتباعد، بحيث تضيق مساحة الاختلاف، فضلًا عن بيان أدبيات المقارنة الفقهية، والله الموفق والهادي لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
تمهيد
المنهجية (1) : مصدر مأخوذ من المنهج، وهو: فن التنظيم لسلسلة الأفكار العديدة للكشف عن الحقيقة إن كانت مجهولة، أو البرهنة عليها إن كانت معلومة (2) .
ويمكن تعريف (المقارنة) بأنها: النظر في اثنين أو أكثر مما يشترك في الطبيعة والصفات الأساسية، لإبراز مواطن الاتفاق والافتراق، وقد ينضم إلى ذلك الترجيح بوجه من وجوهه المقررة.
والدراسات المقارنة الفقهية تسمى: (علم الخلاف العالي) . وعن فن الخلاف يقول الشيخ عبد القادر بدران: علم يعرف به كيفية إيراد الحجج الشرعية ودفع الشبهة، وقوادح الأدلة الخلافية بإيراد البراهين القطعية، وهو الجدل الذي هو قسم من أقسام المنطق، إلا أنه خص بالمقاصد الدينية.
وقد يعرف بأنه: علم يقتدر به على حفظ أي وضع وهدم أي وضع كان بقدر الإمكان. ولهذا قيل: الجدلي إما مجيب يحفظ وضعًا، أو سائل يهدم وضعًا (3) .
وعرفها أحد الأساتذة الباحثين (المنهجية) : بأنها عرض المذاهب الفقهية والآراء الاجتهادية المختلفة والاستدلال لكلٍّ، ثم المقارنة بينها للتوصل إلى الرأي الراجح منها، والعرض إما حسب الاتجاهات الفقهية إذا كان بين بعضها اتفاق، أو عرض الآراء المختلفة على انفراد إذا كانت متباينة، وذلك مع تحرير محل النزاع لاحتمال أن الخلاف لفظي، ثم عرض الأدلة ومناقشتها والانتهاء بالترجيح، أو الاجتهاد الجديد لمن له أهليته (4) .
(1) المنهجية: مصدر صناعي لكلمة (منهج) التي هي مصدر أيضًا، فيكون الغرض من وضع مصدر صناعي لها التعبير عن المعاني المتعددة التي يحملها لفظ المنهج بحسب خصائصه وطرائقه، وهذا من قبيل ما يقع من النسبة إلى لفظ الجمع بدلًا من المفرد إرادة معنى أوسع، أو التنويه بقصد خاص من اللفظ.
(2)
منهج البحث الفقهي، للأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، ص15.
(3)
المدخل إلى مذهب أحمد بن حنبل، للشيخ عبد القادر بدران، ص231.
(4)
منهج البحث الفقهي، د. أبو سليمان، ص245، 248 - 249، ومن مراجعه: غياث الأمم، ص417، وغيره.
منشأ الاختلاف وأنواعه والحكمة منه:
منشأ الاختلاف:
الاختلاف سنة الله في الكون، ولم تخلُ منه أمة من الأمم، بما فيها الأمة الإسلامية في جميع عهودها بنوع من أنواعه:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: 118، 119] ، وهو ليس بمذموم إلا إذا أدى إلى التفرق والتنابذ، وهو المعبر عنه باختلاف القلوب كما في حديث مسلم:((استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)) ،
وحيث يصبح ذريعة فساد، مع أنه قد يكون - إذا اقتصر على اختلاف الآراء - أداة لتمحيصها، والحيلولة دون الإطباق على ضلال، لأن الاختلاف إذا زال لم يؤمن أن يؤول إلى اتفاق على الباطل:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251] .
أنواع الاختلاف:
والاختلاف قد يكون في الأمور المتعلقة في العقيدة وبالقيم العليا (الخلاف في الأصول) ، وقد يقتصر على التطبيقات العملية والسلوكيات (الخلاف في الفروع) ، والمألوف أن يتمخض عن الخلاف في الأصول خلاف في الفروع دون العكس إلا نادرًا، ولذلك كان الاجتماع على منهج واحد في الأصول على قدر كبير من الأهمية، ولأن محاذير الاختلاف فيها كبيرة وفيها قابلية للغلو والإفراط بحيث ينتج عنه الولاء أو البراء كما هو معروف.
ولا يخفى أن المذاهب الفكرية المتعددة في التاريخ الإسلامي تولدت عنها اتجاهات فقهية مختلفة لا تُنكر أهميتها وضرورة أخذها بالاعتبار، لأن الخلاف الفقهي هو المظهر البارز للاختلاف في مسائل أصول الدين، فالفقه أحكام عملية منظورة، ومقولات أصول الدين أحكام عملية نظرية.
ومع هذا التفاوت في الأثر بين نوعي الاختلاف القائمين في الأمة الإسلامية، وهما الاختلاف في المذاهب الاعتقادية، والاختلاف في المذاهب الفقهية، فإن الاختلاف الفقهي كثيرًا ما يحول دون التقارب بين أصحاب المذاهب الاعتقادية، والتقارب هدف يجب تحقيقه، أو على الأقل يجب زوال الآثار السلبية للاختلاف التي لا يؤمن معها من التفرق والتنازع.
ويجب أن نلاحظ أن الخلاف الذي نتج عن المذاهب الفقهية ليس خطيرًا، بل إنه كان محمود العاقبة حسن النتيجة، إذا نتج من مجموع الآراء المختلفة ما يمكن أن يُستخلص منه قانون محكم، يعادل أحكم القوانين وضعًا، وأعدلها منهجًا، وأقواها على مسايرة الزمن مع الملاءمة للفطرة الإنسانية السليمة.
أهمية معرفة الاختلاف الفقهي:
إن معرفة الاختلاف الفقهي من شروط الاجتهاد، وكذلك الإفتاء، وفي ذلك يقول هشام بن عبد الله الرازي: من لم يعرف الاختلاف فليس بفقيه.
ويقول عطاء: لا ينبغي لأحد أن يفتي حتى يكون عالمًا باختلاف الناس، فإنه إن لم يكن كذلك رد من العلم ما هو أوثق من الذي في يديه، ويقول قتادة: من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه (1) .
وإذا كان الافتراق حول العقائد في جملته شرًّا، فإنه يجب أن نقرر أن الاختلاف الفقهي في غير ما جاء به نص من الكتاب والسنة لم يكن شرًّا، بل كان دراسة عميقة لمعاني الكتاب والسنة وما يستنبط منها من أقيسة، ولم يكن افتراقًا بل كان خلافًا في النظر، وكان يستعين كل فقيه بأحسن ما وصل إليه الفقيه الآخر، ويوافقه أو يخالفه (2) . وكان عمر بن عبد العزيز يسره اختلاف الصحابة في الفروع، ويقول: ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنه لو كان قولًا واحدًا لكان الناس في ضيق، وإنهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ أحد بقول رجل منهم لكان في سعة. وفي عبارة أخرى له أيضًا: ما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم (3) .
وقال القاسم بن محمد بن أبي بكر: (لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالهم، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى نفسه في سعة، أو رأى أن خيرًا منه قد عمله) .
وفي عبارة أخرى: (أي ذلك أخذت به لم يكن في نفسك منه شيء) . وقال يحيى بن سعيد: اختلاف أهل العلم توسعة، وما برح المفتون يختلفون فيحلل هذا ويحرم هذا، فلا يعيب هذا على هذا، ولا هذا على هذا.
وبالرغم من أن معظم المنقول عن العلماء يؤكد أن في الاختلاف رحمة وخيرًا، فقد روي عن بعض العلماء عكس ذلك، فعن مالك: ليس في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سعة، وإنما الحق في واحد. وعن المزني: ذم الله الاختلاف وأمر بالرجوع عنده إلى الكتاب والسنة.
وقد جمع شيخ الإسلام ابن تيمية بين الاتجاهين، فبين أن الاختلاف قد يكون رحمة إذا لم يُفضِ إلى شر عظيم من خفاء الحكم، إذ قد يكون خفاء الحكم على المكلف رحمة لما في ظهوره من الشدة عليه. وقد يكون عذابًا، فإن خفاء العلم بما يوجب الرخصة قد يكون عقوبة (4) .
(1) الموافقات للشاطبي: 4/61.
(2)
المذاهب الإسلامية لأبي زهرة، ص12، 16.
(3)
الاعتصام للشاطبي: 13/11، والموافقات للشاطبي: 4/125.
(4)
مجموع فتاوى ابن تيمية: 14/159.
الاختلاف الحقيقي أو المعنوي، والخلاف اللفظي:
من الأمور المهمة في المقارنة الفقهية تحرير النزاع، وذلك لاستبعاد ما ظاهره الاختلاف وليس في الحقيقة كذلك، فإذا اعتبرت الرأيين اللذين ظاهرهما الخلاف وجدتهما متفقين في المعنى بالرغم من اختلاف التعبير الموهم بوجود خلاف.
الخلاف الحقيقي أو المعنوي: ما يترتب عليه آثار شرعية مختلفة، وأحكام متباينة، أو هو ما يتعدى الخلاف فيه من الألفاظ إلى المعاني بشكل يؤثر على اختلاف النتائج والأحكام، وذلك كمسألة ما يقع بالطلاق بالثلاث مجتمعة.
والخلاف اللفظي، أو الاختلاف في العبارة: ما يرجع فيه الخلاف إلى التسمية والاصطلاح الفقهي، وذلك كتسمية جمهور الفقهاء الفرض واجبًا، ولذا كان من الخطأ نقل الخلاف في مسألة لا خلاف فيها في الحقيقة، كما أن نقل الوفاق في محل الخلاف لا يصح، والأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بغرض القائل، فلا يصح نقل الخلاف فيها (1) .
الفرق بين الخلاف والاختلاف:
بعض العلماء يسمي الخلاف الحقيقي (خلافًا)، ويسمي الخلاف اللفظي (اختلافًا) . ومن ذلك قول الكفوي:(الاختلاف هو أن يكون الطريق مختلفًا والمقصود واحد، والخلاف هو أن يكون كلاهما مختلفًا) . والغالب استعمال لفظي الخلاف والاختلاف على لسان الأصوليين والفقهاء بمعنى واحد.
غير أن الشاطبي وبعض المؤلفين في الفقه والأصول فرقوا بين الخلاف والاختلاف على نحو آخر هو أن الخلاف ما نشأ عن متابعة الهوى، وهو الاجتهاد غير المعتبر شرعًا، لصدوره عمن ليس بعارف بما يفتقر إليه الاجتهاد، أو هو قول بلا دليل. أما (الاختلاف) فهو عند هؤلاء: ما يقع من آراء للمجتهدين في المسائل الدائرة بين طرفين واضحين يتعارضان في أنظارهم، أو بسبب خفاء بعض الأدلة أو عدم الاطلاع عليها.
فالاختلاف هو نتيجة لتحري المجتهد قصد الشارع، وذلك باتباعه الأدلة على الجملة والتفصيل والبحث عنها، أي هو قول بني على دليل (2) .
(1) منهج البحث الفقهي، د. عبد الوهاب سليمان، ص177، ومن مراجعه (سلم الوصول شرح نهاية السؤل: 1/77) .
(2)
الكليات للكفوي، ص61، والموافقات للشاطبي: 4/214، 222، وفتح القدير لابن الهمام: 6/394، وحاشية ابن عابدين: 4/331.
الخلاف الزمني، والخلاف البلداني:
يتباين الحكم أحيانًا في موضوع واحد بين إمام المذهب وأصحابه، أو بين الفقهاء من طبقات مختلفة في الزمن، ويكون السبب في ذلك تغير العرف باختلاف محل الحكم، ومثاله: اختلاف أبي حنيفة وصاحبيه في سقوط خيار الرؤية بمشاهدة غرفة واحدة من الدار عند أبي حنيفة، حيث كان المعتاد بناء الغرف على نحو موحد في عصره، وخالف في ذلك صاحباه فاشترطا رؤية جميع غرف الدار، وذلك لتغير طريقة البنيان في زمنهما. ويسمي المؤلفون هذا النوع: خلاف عصر وزمان وليس خلاف حجة وبرهان.
وقد يكون منشأ الخلاف اختلاف البلاد، ففي سقوط خيار الرؤية أيضًا يرى زفر وابن أبي ليلى أنه لابد من الدخول داخل البيوت، ولا تكفي رؤية صحن الدار، قال البابرتي: الأصح أن جواب القدوري على وفاق عادتهم في الكوفة أو بغداد في الأبنية
…
أما اليوم فلابد من الدخول في داخل الدار للتفاوت في مالية الدور بقلة مرافقها وكثرتها (1) .
اختلاف التنوع واختلاف التضاد: سيأتي الكلام عنه فيما بعد.
(1) فتح القدير: 5/144، والعناية شرح الهداية: 5/144، والاختيار للموصلي: 2/23.
أسباب الاختلافات الفقهية:
الينبوع الصافي لهذه الشريعة هو كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وإن النصوص تتناهى، ولكن الحوادث لا تتناهى، فكان لابد من استنباط حكم شرعي لكل حادثة من الحوادث، والنصوص إن شملت الأحكام الكلية، لا تجيء فيها الأحكام الجزئية في النص، فكان لابد من التعرف بالنظر والفحص، وقد تشعبت بين أيدي الدارسين طرق تعرف الأحكام، وكل أخذ بما استقام في منطقه ونظره، وبما وصل إليه من حديث أو أثر لصحابي صح عنده (1) .
وهذا هو السبب الرئيسي للاختلاف بين الفقهاء، وقد أشار من كتبوا في أصول الفقه، أو تاريخ التشريع من قدامى ومعاصرين؛ إلى أسباب الاختلاف، ومن أقدمها كتاب ابن السيد البطليوسي الأندلسي، وقد لخص الشاطبي أسباب الاختلاف من كتاب ابن السيد وهي أوسع المراجع لها، وحصرها في ثمانية أسباب:
السبب الأول: الاشتراك الواقع في الألفاظ، واحتمالها للتأويلات، وهو ثلاثة أقسام:
القسم الأول: اشتراك في موضوع اللفظ المفرد؛ كالقرء للمحيض وللطهر.
القسم الثاني: اشتراك في أحواله العارضة في التصريف، نحو:{وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] ، لاحتمال لفظ (يضار) وقوع الضرر منهما إذا اعتبر مبنيًا للمعلوم، أو عليهما إذا اعتبر مبنيًا للمجهول.
القسم الثالث: اشتراك من قبل التركيب نحو {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، لما جاء فيه من الاختلاف في الفاعل: هل هو (الكلم) أم (العمل) ؟
السبب الثاني: دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز، وهو ثلاثة أقسام أيضًا:
القسم الأول: ما يرجع إلى اللفظ المفرد، نحو:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35] .
القسم الثاني: ما يرجع إلى أحواله، نحو:{بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: 33] .
القسم الثالث: ما يرجع إلى جهة التركيب، كإيراد الممتنع بصورة الممكن، وأشباهه مما يورد من أنواع الكلام بصورة غيره، كالأمر بصورة الخبر.
السبب الثالث: دوران الدليل بين الاستقلال بالحكم وعدمه، كمسألة البيع بشرط، فكل قائل بشيء منها استند إلى دليل لم يلاحظ فيه دليل غيره، كما حصل لليث بن سعد مع أبي حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة.
السبب الرابع: دورانه بين العموم والخصوص، نحو:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] ، هل هو خبر بمعنى النهي، أو هو خبر حقيقي؟
السبب الخامس: اختلاف الرواية، وله علل ثمانية: فساد الإسناد، ونقل الحديث على المعنى، أو من الصحف، والجهل بالإعراب، والتصحيف، وإسقاط جزء الحديث، أو سببه، وسماع بعض الحديث وفوت بعضه.
السبب السادس: جهات الاجتهاد والقياس.
السبب السابع: دعوى النسخ وعدمه.
السبب الثامن: ورود الأدلة على وجوه تحتمل الإباحة وغيرها؛ كالاختلاف في الأذان والتكبير على الجنائز، ووجوه القراءات.
(1) المذاهب الإسلامية، الشيخ محمد أبو زهرة، ص12، 16.
ويذكر ابن رشد أسباب الاختلاف - وهي عنده ستة - كما يلي:
1 -
تردد الألفاظ بين أن يكون اللفظ عامًا يراد به الخاص، أو خاصًا يراد به العام، أو عامًا يراد به العام، أو خاصًا يراد به الخاص. أو يكون له دليل خطاب أو لا يكون له.
2 -
الاشتراك الذي في الألفاظ، وذلك إما في اللفظ المفرد كالقرء، أو المركب كمرجع الاستثناء في {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] على الفاسق فقط أو الشاهد معه، فتجوز شهادة القاذف بعد توبته.
3 -
اختلاف الإعراب.
4 -
تردد اللفظ بين حمله على الحقيقة، أو حمله على نوع من أنواع المجاز التي هي: إما الحذف وإما الزيادة، وإما التقديم وإما التأخير، وإما تردده على الحقيقة أو الاستعارة.
5 -
إطلاق اللفظ تارة وتقييده تارة، كإطلاق الرقبة وتقييدها بالأيمان للعتق.
6 -
التعارض في الشيئين في جميع أصناف الألفاظ التي يتلقى منها شرع الأحكام بعضها من بعض، وكذلك التعارض الذي هو معارضة القول للفعل أو للإقرار أو القياس، ومعارضة الإقرار للقياس (1) .
وقد أورد الشيخ علي الخفيف أسباب اختلاف الفقهاء بأسلوب عصري مبسط، فردها إلى ستة أسباب هي:
1 -
الاختلاف في فهم بعض آيات القرآن، أو السنة النبوية.
2 -
التفاوت فيما يحفظه أو يطلع عليه كل إمام، أو في ضبط حال خاصة وفي روايتها.
3 -
الاختلاف في القبول أو الرد لأسانيد ما وصل من الأحاديث إلى كل إمام.
4 -
التفاوت في فهم أسرار الشريعة وعللها وأغراضها.
5 -
اختلاف البيئات والعادات والمعاملات باختلاف الأقطار الإسلامية وتباعدها، حيث تختلف بذلك المصالح المعتبرة التي تقوم عليها كثير من الأحكام.
6 -
اختلاف المسلمين سياسيًّا في آخر عهد عثمان وفي عهد علي بظهور الشيعة والخوارج (2) .
(1) الموافقات للشاطبي: 4/172، 211 - 214؛ وكشف الأسرار للبزدوي: 4/1196؛ بداية المجتهد، لابن رشد: 1/5 - 6.
(2)
أحكام المعاملات المالية، للشيخ علي الخفيف، ص14 - 15.
ويذكر ولي الله الدهلوي أسبابًا رئيسية للاختلاف بين فقهاء الصحابة، وأكثرها يصدق أيضًا على اختلاف غيرهم بما يتناسب مع طبيعة السبب وتصوره في عهد التابعين أو الأئمة المجتهدين. وأهم هذه الأسباب التي لها صفة العموم هي:
1 -
سماع حديث في قضية ولم يسمعه مجتهد آخر فاجتهد برأيه. ثم إما أن يوافق اجتهاده الحديث رغم عدم علمه به، أو يبلغه الحديث بسند مردود فلا يأخذ به، أو لا يبلغه الحديث أصلًا.
2 -
اختلاف الاجتهاد في حمل الحكم على القربة أو الإباحة.
3 -
الاختلاف في الجمع بين الأمرين المتعارضين (1) .
وقد لخص أحد الباحثين هذه الأسباب في تقسيم رباعي:
1 -
الاختلاف في ثبوت الحديث وعدم ثبوته.
2 -
الاختلاف في فهم النص.
3 -
الاختلاف في طرق الجمع والترجيح بين النصوص المتعارضة.
4 -
الاختلاف في القواعد الأصولية وبعض مصادر الاستنباط (2) .
المقارنة بين المذاهب الفقهية:
موضوع (محل) المقارنة ومعيارها:
موضوع المقارنة: هو الفروع الاجتهادية التي تخفى أدلتها، فهذه الخلاف فيها واقع في الأمة ويعذر المخالف فيها، لخفاء الأدلة أو تعارضها أو الاختلاف في ثبوتها.
وهذا النوع هو المراد في كلام الفقهاء إذا قالوا: في المسألة خلاف، وهناك أمور أخرى ليست موضوعًا للمقارنة، لأنها ليست من المحال التي يصح فيها الاختلاف، وهي أصول الدين الأساسية التي تثبت بالأدلة القاطعة والفروع المعلومة من الدين بالضرورة (3) .
(1) الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف، للدهلوي، ص23 - 30.
(2)
دراسات في الاختلافات الفقهية، د. محمد أبو الفتح البيانوني، ص33 - 34.
(3)
الموسوعة الفقهية: 2/295، ومن مراجعها إرشاد الفحول للشوكاني، ص260 - 261، وللشاطبي كلام طويل متعلق بهذا تحت عنوان محل الاجتهاد (الموافقات: 4/154) .
وقد أورد الشاطبي في هذه المسألة بيانًا دقيقًا لفلسفة التشريع في هذه المسألة فقال: موضوع الاختلاف عند الأصوليين هو ما تعددت فيه آراء المجتهدين وأهل الرأي في المسائل التي لم يرد فيها دليل قطعي، إذ محل الاجتهاد المعتبر هو ما يتردد فيه بين طرفين ويظهر في كل منهما قصد الشارع في الإثبات في أحدهما والنفي في الآخر، فأما القطعي فلا مجال للنظر فيه بعد وضوح الحق في النفي أو الإثبات وليس محلًا للاجتهاد، وكل المسائل التي وقع فيها الاختلاف إنما وقع فيها لأنها دائرة بين طرفين واضحين فحصل الإشكال والتردد، وبإحكام النظر في هذا المعنى يترشح للناظر أن يبلغ درجة الاجتهاد، لأنه يصير بصيرًا بمواضع الاختلاف جديرًا بأن يتبين له الحق في كل نازلة تعرض له. ثم أورد الشاطبي حديث ابن مسعود: أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس، وإن كان مقصورًا في العمل (1) .
المعيار النسبي للمسائل الخلافية:
هذا عن موضوع المقارنة، أما تحديد المخالف من غيره بين المذاهب فإن الحكم بكون المسألة الفقهية خلافية لا يستقيم إلا بوضع معيار لذلك، فإنه إذا لم يوجد ذلك المعيار اعتبر كل فريق أن سواهم هو المخالف.
وقد كثر الاختلاف في المسائل الفقهية إلا قليلًا، يعرف هذا من النظر في الكتب التي أفردت لهذا الغرض، مثل مراتب الإجماع لابن حزم وغيرهما من كتب الفقه المقارن.
والسبيل إلى حُسن الاستخدام لهذا المصطلح، في مجال التطابق والتناسق بين المذاهب، مراعاة الاتفاق والاختلاف، وليس المراد به اختلاف مذهب عن مذهب، وإنما المخالفة للجمهور، أي ما عليه بقية الفقهاء، قال الحجوي: وقد اتفقوا في مسائل كثيرة، فمنها ما وقع عليه إجماع الأمة معهم، ومنها ما خالفهم فيها غيرهم، وتلك المسائل التي فيها الاتفاق لا تنسب إلى واحد منهم، فلا يقال في نحو وجوب الزكاة: إنه مذهب مالك مثلًا، فلا يضاف لكل واحد منهم إلا ما اختص به (2) .
(1) الموافقات للشاطبي: 4/162.
(2)
الفكر السامي: 4/415.
وهناك نوع من الخلاف الذي يقع فيه لمذهب معين الانفراد عن جميع المذاهب يسميه بعض المؤلفين (المفردات) أي ما انفرد به صاحب المذهب عن غيره من الفقهاء، ومن الكتب المشهورة فيه: نظم المفردات للعمري وشرحه للبهوتي، وهو ما انفرد به الإمام أحمد بن حنبل عن بقية الاجتهادات، ولا يخفى أن هذا النمط من الخلاف هو الجدير بالاهتمام، للبحث في أسبابه وتحقيق مستنده، أملًا في زواله أو تضييقه إن كان ممكنًا.
ومن هذه المفردات نوع خاص يتصف بالغرابة والنكارة بالنسبة لجمهور الفقهاء، وهو بمثابة نشاز عن الاتجاهات الفقهية، ولذا يسمونه (نوادر الفقهاء) بمعنى المسائل الشاذة أو الخلاف المشذذ، والفرق بين هذا النوع وبين ما ينفرد به فقيه عن الجمهور دون تشذيذه، أنه قد يكون هذا الانفراد قوي المنزع ظاهر النفع لتحقيقه مقاصد التشريع، وهو حينئذ جدير أن يقويه العمل به، وهذا ما يحصل فعلًا باختياره للقضاء به في أحد العهود الماضية أو في العصر الحاضر (عصر التقنين) .
ولعل هذا المشذذ هو المستحق للبحث والتمحيص، لأن هذا الانفراد مع الاستغراب والاستنكار من بقية الفقهاء، ومن وراءهم من الأتباع، يؤدي إلى الإنكار والجدل في أوساط المتمذهبين، وتنشأ عنه الفرقة والتنازع بين المسلمين.
وفي ذلك يقول التميمي في كتابه (نوادر الفقهاء) : الاجتهاد إنما يجب على العلماء، ويلزم حذاق الفقهاء، إذا لم يكن في النازلة اتفاق على حكم، ولا حقيقة من علم، وإذ قد ثبت مذهبنا فيها بعد إقامة الدليل على مرادنا فيها، فلنصف الآن من مسائل الفقه ما وصل إلينا وقدرنا عليه من خلال الأقوال النادرة عن الإجماع على خلافها، ليكون من علم على حقيقة من أمره، وهداية في حكمه (1) .
على أنه إذا وجدت المسألة في مذهبين فقد خرجت من هذا الباب، واندرجت في الخلاف الفقهي المعتاد الذي لا مطمع في إزالته، وهو مظهر صحة في جسم الفقه الإسلامي، ما دام أدب الخلاف محل رعاية وتطبيق.
والمسائل الخلافية أكثرها ذو طابع جزئي تفريعي، ويكون أصل المسألة موضع وفاق، لا شك أن الاشتغال بهذا لا طائل تحته، لأن هذه الفروع والمسائل الجزئية كثيرًا ما يقع الخلاف فيها داخل المذهب نفسه، كما تكون في الغالب من اجتهادات فقهائه المتأخرين بعد عهد أئمتهم المجتهدين.
وهناك أمر شبيه جدًّا بتلك التفريعات الفقهية المتأخرة عن عهد الأئمة والتخريجات المحمولة على مذاهبهم، أو الترجيحات المتنازع فيها، وهو تجدد الاجتهاد، أو ما يطلق عليه أجوبة المجتهد الحي لدى الشيعة، حيث هناك تفضيل للعمل، (وربما يتعين عند البعض) ، أن تصدر أجوبة وإفادات فقهية من مجتهد حي، وكثيرًا ما تخالف في الرأي والترجيح - على الأقل - ما كان عليه العمل قبله أو في الكتب المصنفة، وسيأتي مزيد بيان ذلك.
(1) نوادر الفقهاء للتميمي، ص24.
مجال المقارنة وحياديتها:
ويقصد بالمذاهب الفقهية المستهدفة للمقارنة جميع المذاهب المعمول بها الآن، وهذا يحقق النظرة المتكافئة بين جميع المذاهب التي ينتسب إليها فقهاء العالم الإسلامي الذين يضمهم هذا المجمع من أعضاء وخبراء، وهي المذاهب الأربعة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، ويلحق بها المذهب الظاهري للاهتمام به في الدراسات المقارنة ولو لم يشتهر العمل به، والمذهب الإمامي، والمذهب الزيدي، والمذهب الإباضي.
وقد جرى الالتزام ببيان الأحكام الفقهية وفق هذه المذاهب في الرسائل العلمية الجامعية ونحوه، كما اهتمت بذلك الموسوعات والمدونات والأبحاث التي تقدم للمؤتمرات والندوات، فضلًا عن الاستمداد منها في أعمال التقنين والأنظمة المستمدة من الشريعة الإسلامية.
هذا، ويلحظ أن المقارنة بين المذاهب الفقهية بصورة شاملة لها جميعًا لم تحظَ بالاهتمام على مدى العصور، فأحيانًا تنشط وأحيانًا تهمل أو تقع على غير الوجه السوي، مع أنها ضرورية لمواجهة المستجدات العصرية بكل ما في التراث الفقهي من ثراء، دون تحفظ إلا بقدر ما تقضي به ضوابط سلامة الاجتهاد وتحقيق المقاصد الشرعية.
وفي هذا يقول ابن حزم: ولسنا نُخرج من جملة العلماء من ثبتت عدالته وبحثه عن حدود الفتيا (أي ضوابطها) وإن كان مخالفًا لنحلتنا، بل نعتد بخلافه، كسائر العلماء ولا فرق كعمرو بن عبيد، ومحمد بن إسحاق، وقتادة بن دعامة الدوسي، وشبابة بن سوار، والحسن بن حي، وجابر بن زيد ونظرائهم، وإن كان فيهم القدري والشيعي والإباضي والمرجئ، فهم كانوا أهل علم وفضل وخير واجتهاد رحمهم الله، وغَلَطُ هؤلاء بما خالفونا فيه كغلط سائر العلماء في التحريم والتحليل ولا فرق (1) .
(1) مراتب الإجماع، لابن حزم، ص15.
منهجية المحدثين في قبول أو رد رواية المخالفين:
من المقرر في علم مصطلح الحديث، أن العبرة في قبول أو رد الرواية هو توافر المعايير الدقيقة التي قام عليها هذا العلم، ولا اعتبار فيها لمذهب الراوي أو انتمائه إلى فرقة من الفرق، ما دام قد تحقق فيه عنصر العدالة والضبط فكان ثقة في مروياته.
وقد واجه علماء هذا الفن قضية الاختلاف في المقولات الإسلامية بتجرد وموضوعية، دون التوغل في مضمونها ما دام صاحبها يصدق عليه اسم المسلم، وكان الوصف - وهو أمر نسبي - هو البدعة. فالمبتدع (في نظر المحدث الراوي للسنة لها) لا تمتنع الرواية عنه إذا كان ثقة في الرواية، باستثناء ما لو كان داعية إلى بدعة (والمراد بالداعية هنا من يدعو فعلًا للبدعة مباشرة، فلا يشمل ذلك من يسيء بالموالاة لمبتدع أو بمدحه، كما وقع لعمران بن حطان) أو إذا روى ما يتعلق ببدعته.
ولهذا ضمت كتب السنة المشهورة العديد من روايات من وُصفوا بأنواع من البدع لمقولات إسلامية تشبثوا بها مخالفين غيرهم، كما شملت كتب الرجال الرواة من جميع الفرق الإسلامية والمذاهب، واتصف نقدهم توثيقًا أو تضعيفًا بالموضوعية التامة، من خلال عنصري العدالة والضبط، بالإضافة إلى ما يتعلق بشرط اتصال الرواية لاستبعاد التدليس والانقطاع، وكذلك الشذوذ أو العلة القادحة.
والملحوظ أن التآليف في كتب مصطلح الحديث، وكتب الرجال لم يقع تصنيفها بمنظور مذهبي، وإنما جمعت الاتجاهات المختلفة، ونحا تصنيفها مناحي فنية بحسب العصور، أو خدمة بعض المصنفات الحديثية، ولم تنشأ الكتابات المراعية للمذاهب إلا في عصور متأخرة، بعدما استقر أمر الرواية وتدوينها.
ومع هذا أثيرت بعض الشبهات في هذا، ولابد من مناقشتها لتمحيص ما فيها، ومن ذلك ما أشار إليه الشيخ عبد الحسين شرف الدين في معرض كلامه عن سبب التباعد بين الطائفتين (السنة والشيعة) ، من عدم احتجاج البخاري في صحيحه بأئمة أهل البيت النبوي، إذ لم يروِ شيئًا عن: الصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والزكي العسكري - وكان معاصرًا له - ولا روى عن الحسن بن الحسن (الإمام بعد الحسين السبط، على رأي الزيدية، وبعده زيد
…
) ، ولا عن زيد بن علي بن الحسين، ولا عن يحيى بن زيد، ولا عن النفس الزكية، ولا عن
…
(وأورد جملة من سلالة آل البيت دون من سبق في الشهرة الذين اقتصرت على نقلهم لمجرد التمثيل
…
) ، ثم قال: ولا عن غيرهم من أعلام العترة الطاهرة، وأغصان الشجرة الزاهرة
…
حتى إنه لم يروِ شيئًا من حديث سبطه الأكبر الحسن، مع احتجاجه بداعية الخوارج، وأشدهم عداوة لأهل البيت عمران بن حطان
…
(1) .
(1) الفصول المهمة في تأليف الأمة، عبد الحسين شرف الدين، ص155 - 156، ط. النعمان، النجف: 1387 - 1967.
وهذا الكلام ممن يورد اسمه بين الدعاة إلى وحدة الأمة في غاية الغرابة، وذلك لسعة علمه وإحاطته بمصادر السنة والشيعة، فإن السبب في هذا أمر موضوعي بحت، وهو أن الرواية في كتاب من كتب السنة الصحيحة لا يكفي لها التحري عن راوٍ معين من رواة سند الحديث، بل جميع رجال السند، فعدم رواية البخاري أو غيره عن علم أو أكثر من أعلام آل البيت ليس لشخصهم، بل لعدم توافر سند صحيح إليهم عند صاحب الكتاب، ولذا لم يروِ البخاري في صحيحه الذي التزم فيه شروطًا شديدة في الرواة عن عدد كبير من الصحابة روى عنهم غيره من أصحاب السنن والمسانيد لا لأشخاصهم، بل لما وقع في الأسانيد التي رويت بها الأخبار عنهم.
هذا أولًا، ثم إن منهج أي كتاب من كتب السنة قائم على اختيار بعض الأحاديث، بل اختيار بعض الروايات أيضًا، فلا يترك أحدهم منهجه ليروي ما هو أبعد سندًا أو أقل دلالة
…
ثم بعدئذ لمَ لا ينظر إلى من روى لهم البخاري مثلًا من آل البيت لتوافر ما التزمه من الشروط في الرواة وطرق الرواية ووجوه الدلالة؟
وأما الرواية عن عمران بن حطان
…
رغم ما صدر عنه من استحسان الفعلة القبيحة من ابن ملجم، فهي مراعى فيها مبدأ أن المبتدع الموصوف بالضبط والصدق في الرواية يقبل منه ما رواه من أخبار، شريطة أن لا يتعلق موضوعها ببدعته، وأن لا يكون داعية لتلك البدعة مباشرة ولو أساء بموالاة أصحابها.
علاقة الخلاف الفقهي بأصول الفقه:
إذا كان الفقه قد نشأ موزعًا على المذاهب، فإن علم أصول الفقه قد اشتمل منذ بدايته على جميع الاختلافات في قواعده وحججه وأدلته، دون تمييز بين مذهب وآخر، وذلك للوصول إلى طرق الاستنباط الصحيحة، وهو أمر لا يحصل إلا بالمقارنة بين جميع الاتجاهات ومناقشتها والترجيح بينها.
ومع أن الاختلاف الفقهي هو المظهر العملي لشتى أنواع الخلاف، التي منها الخلاف في أصول الفقه، فإن التطابق أو التقارب والتناسق بين المذاهب الفقهية ممكن ولو لم يتم توحيد أصول الفقه كلها، لأنها قائمة على الشمولية والحصر العقلي وتجاذب الأدلة؛ وذلك لأنه كثيرًا ما تتباين وجوه الاستدلال وتتحد المقولة أو النتيجة، وهذه الحقيقة غنية عن الإثبات لكثرة أمثلتها، وهي شبيهة بمسائل الإجماع التي تختلف مستنداتها مع الاتفاق بين المجتهدين على حكم واحد فيها.
ومما يتصل بهذا الموضوع تحديد مصادر الأحكام وطرق الاستنباط لدى المذاهب، وإذا كانت هذه المصادر موحدة في الجملة لدى المذاهب الأربعة والزيدية والإباضية، فإنها لدى الإمامية قليلة أو محصورة الاختلاف في وجوه معينة.
ولعل من المفيد، لتحقيق منهجية المقارنة، تقديم نبذة عن مصادر الأحكام لدى الإمامية، مقدمة من أحد علمائهم في مجال المساعي للتعريف بالمذهب ضمن جهود التقريب بين المذاهب، وهو الشيخ محمد تقي القمي (1) :
(مصادر الأحكام عند الإمامية أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والعقل أو الأدلة العقلية:
1 -
الكتاب:
من أكبر نعم الله على المسلمين، أنهم لا يختلفون في كتابهم
…
وهذا هو الأصل الأول في التشريع عند الإمامية كما هو عند غيرهم.
2 -
السنة:
لا يختلف الشيعي عن السني في الأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يتفق المسلمون جميعًا على أنها المصدر الثاني للشريعة، ولا خلاف بين مسلم وآخر في أن قول الرسول وفعله وتقريره سنة لا بد من الأخذ بها، إلا أن هناك فرقًا بين من كان في عصر الرسالة يسمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين من يصل إليه الحديث الشريف بواسطة أو وسائط. ومن هنا جاءت مسألة الاستيثاق من صحة الرواية، واختلفت الأنظار؛ أي إن الاختلاف في الطريق وليس في السنة، وهذا ما حدث بين السنة والشيعة في بعض الأحايين. فالنزاع صغروي لا في الكبرى، فإن ما جاء به النبي لا خلاف في الأخذ به، وإنما الكلام في مواضع الخلاف ينصب على أن الفرد المروي: هل صدر عن الرسول أم لا؟
…
فلا خلاف في أن السنة هي الأصل الثاني من أصول التشريع، وإنما الخلاف في ثبوت مروي أو عدم ثبوته، وهذا ليس خاصًا بالسنة والشيعة، وإنما يوجد بين مذاهب السنة بعضها وبعض، فكم من مروي ثبت عند الشافعي ولم يثبت عند غيره.
(1) مقدمة التحقيق المعدة من الشيخ محمد تقي القمي، لكتاب (المختصر النافع) من صفحة (ع) إلى صفحة (ق) .
ومع أن الجمهور يأخذون برواية أي صحابي، والشيعة تشترط أن تكون الرواية عن طريق أئمة أهل البيت لأسباب عدة، منها اعتقادهم أنهم أعرف الناس بالسنة، فإن النتيجة في أكثر الأحيان لا تختلف
…
وإذا سميت طائفة بالسنة وطائفة بالشيعة، فليس هذا إلا اصطلاحًا، فإن الشيعة يعملون بالسنة، وأهل السنة يحبون آل البيت ويجلونهم أعظم الإجلال حسب ما في كتبهم عنهم، مع فارق واحد أن الشيعة يعتقدون فيهم النص بالإمامة، ولذلك سموا (الإمامية) ، وهذا أنسب لهم لاعتقادهم في إمامة أهل البيت) .اهـ.
ويلحظ هنا أن الشيخ القمي لم يتعرض بشكل صريح للعلاقة بين السنة وأقوال الأئمة خارج إطار مروياتهم، حيث إن من المقرر لدى الإمامية أن لأقوال الأئمة نفسها حجية بالإضافة إلى مروياتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولو سمي ذلك أحيانًا بالاجتهاد فهو اجتهاد بمعنى آخر. وفي ذلك يقول أحد المؤلفين الجدد في مجال العرض لنظريات الفقه الجعفري:(نحن لا ننكر أن الفقيه الشيعي ليس له أن يتخطى ما رسمه له الأئمة عليهم السلام، ولكننا نعتبر الإمام مجتهدًا كما هو الحال في أئمة المذاهب عند أهل السنة، بمعنى أن الأحكام التي نص عليها والمبادئ التي رسمها وخططها الإمام للحصول على الأحكام ليست من وحي الاجتهاد، ليكون كغيره من أئمة المذاهب الذين اجتهدوا في أحكام الدين، بل إن نظرتهم إلى الإمام تختلف عن ذلك أشد الاختلاف، وذلك لأنهم يرون الأئمة مصدرًا من مصادر التشريع فيما يأتون به من آراء وأحكام وغير ذلك، من غير فرق بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم إلا من حيث إن الرسول يتلقى عن الوحي بلا واسطة، وهم يأخون عن الرسول ما أوحي إليه يرويه المتقدم للمتأخر، فما رسموه وخططوه لمعرفة الأحكام هو من تخطيط النبي صلى الله عليه وسلم (1) .
(1) نظرية العقد في الفقه الجعفري، هاشم معروف الحسيني، ص27.
ثم يكمل الشيخ القمي مصادر الأحكام عند الشيعة بقوله:
3 -
الإجماع:
أما الإجماع، فهو أصل من أصول التشريع عند الإمامية كما هو عند غيرهم، ويذكر بعد الكتاب والسنة كأصل ثالث.
وإن إجماع العلماء على حكم يكشف في الحقيقة عن حجة قائمة هي النص من المعصوم، ويورث عادة القطع بأن هذا العدد مع ورعهم في الفتوى، لولا الحجة لما أجمعوا على رأي واحد، فإذن هناك حجة، وحجية الإجماع ترجع إليها والإجماع يكشف عنها.
4 -
العقل أو الدلائل العقلية:
المعروف عن دليل العقل أنه البراءة الأصلية والاستصحاب، ويرى البعض أن الاستصحاب ثبت بالسنة، كما أن البعض الآخر يجعلون مع البراءة الأصلية والاستصحاب التلازم بين الحكمين (وهو يشمل مقدمة الواجب، وأن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده الخاص) والدلالة الالتزامية، وفسره البعض بلحن الخطاب، وفحوى الخطاب، ودليل الخطاب، وما ينفرد العقل بالدلالة عليه
…
وهو إما وجوب كرد الوديعة، أو قبح كالظلم والكذب، أو حسن كالإنصاف والصدق. ثم كل واحد من هذه كما يكون ضروريًّا فقد يكون كسبيًّا: كرد الوديعة مع الضرورة، وقبح الكذب مع النفع) (1) .
نتائج المقارنات الفقهية:
مجال الترجيح:
وجوب العمل بالنصوص القطعية الثبوت أو الدلالة، أو الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة أو البداهة، أو أجاميع العلماء هو محل اتفاق، وهذا كله لا مجال للاجتهاد فيه، وليس من موضوع الترجيح، إذ رجحانه لا منازعة فيه.
أما ما يجوز الاجتهاد فيه، وكذلك الترجيح، فهو الأحكام التي ورد فيها نص ظني الثبوت والدلالة، أو ظني أحدهما، والأحكام التي لم يرد فيها نص قاطع ولا إجماع، كالأحكام القياسية والمصلحية، والعرفية، فهو مجال الترجيح.
وعلى العلماء أن يأخذوا بما دل عليه ظاهر النص، أو الحديث الصحيح، أو كان محققًا لمصلحة تتفق مع جنس المصالح التي بنى الشرع الأحكام عليها، أو تعارف الناس عليها دون تصادم نص شرعي (2) .
(1) مقدمة التحقيق للمختصر النافع (مرجع سابق) .
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي: 8/1/76.
ترجيح العمل بالحديث المخالف للمذهب:
قال شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام (1) : ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه، بحيث لا يجد لضعفه مدفعًا، وهو مع ذلك يقلد فيه، ويترك من شهد له الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبهم، جمودًا على تقليد إمامه، بل يتحايل لدفع ظواهر الكتاب والسنة، ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة، نضالًا عن مقلده.
وقال ابن الصلاح: إن كان فيه (مرجح الحديث المخالف لمذهبه) آلات الاجتهاد مطلقًا، أو في ذلك الباب، أو في تلك المسألة، كان له الاستقلال بالعمل بذلك الحديث، وإن لم تكمل آلته، ووجد في قلبه حزازة من الحديث، ولم يجد معارضًا بعد البحث، فإن كان قد عمل بذلك الحديث إمام مستقل فله التمذهب به، ويكون ذلك عذرًا له في ترك قول إمامه (2) .
ونقل ابن عابدين عن ابن الشحنة قوله: إذا صح الحديث وكان على خلاف المذهب عمل بالحديث، ويكون ذلك مذهبه، ولا يخرج مقلده عن كونه حنفيًّا بالعمل به، فقد صح عنه أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقد حكى ذلك ابن عبد البر عن أبي حنيفة وغيره من الأئمة
…
ولا يخفى أن ذلك ممن كان أهلًا للنظر في النصوص ومعرفة محكمها من منسوخها، فإذا نظر أهل المذهب في الدليل وعملوا به صح نسبته إلى المذهب، لكونه صادرًا بإذن صاحب المذهب، إذ لا شك أنه لو علم ضعف دليله رجع عنه واتبع الدليل الأقوى، وقد قال نحو هذا العز بن عبد السلام، وابن الصلاح على ما نقله عنه ولي الله الدهلوي الذي قال بعده: فحينئذ لا سبب لمخالفة حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفاق خفي أو حمق جلي (3) .
(1) قواعد الأحكام: 2/135، ط. الاستقامة.
(2)
البحر المحيط للزركشي: 6/294.
(3)
حاشية ابن عابدين: 1/63؛ والإنصاف للدهلوي، ص99و107.
التلفيق بين المذاهب الفقهية:
القائلون بجوار التلفيق: منهم قالوا به على الإطلاق، ومنهم بشروط منها:
الأول: ما ذكره ابن الهمام في تحريره: أنه إن عمل المقلد بحكم من أحكام مذهبه الذي يقلده لا يرجع عنه ويقلد مذهبًا آخر، وفي غير ما عمل به له أن يقلد غيره من المجتهدين.
الثاني: ما نقله ابن الهمام عن القرافي واعتمد عليه في تحريره: أن لا يترتب على تقليد من قلده أولًا ما يجتمع على بطلانه كلا المذهبين.
الثالث: أن لا يتبع الرخص ويلتقطها، وهذا الشرط اعتبره الإمام النووي وغيره. لكن ابن الهمام لم يعتبره ولم يلتفت إليه (1) .
وقد عبر عن عملية التلفيق هذه في كتب الفقه الإمامي بالتبعيض، وفي ذلك يقول اليزدي في (العروة الوثقى) :(مسألة 33: إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم كان للمقلد تقليد أيهما شاء، ويجوز التبعيض في المسائل) .
هذا وليس القول بجواز التلفيق مطلقًا، وإنما هو مقيد في دائرة معينة، فمنه ما هو باطل لذاته، كما إذا أدى إلى إحلال المحرمات كالخمر والزنى ونحوهما، ومنه ما هو محظور لا لذاته، بل لما يعرض له من العوارض، وهو ثلاثة أنواع (2) :
أولها: تتبع الرخص عمدًا: بأن يأخذ الإنسان من كل مذهب ما هو الأخف أو الأهون عليه، بدون ضرورة أو عذر، وهذا محظور سدًا لذرائع الفساد بالانحلال من التكاليف الشرعية.
الثاني: التلفيق الذي يستلزم نقض حكم الحاكم، لأن حكمه يرفع الخلاف درءًا للفوضى.
الثالث: التلفيق الذي يستلزم الرجوع عما عمل به تقليدًا، أو عن أمر مجمع عليه لازم لأمر قلده.
(1) بحث التلفيق، للشيخ خليل الميس، مجلة المجمع: 8/1/165، ومن مراجعه الكمال ابن الهمام: التقرير والتحبير: 3/350 - 351.
(2)
تمييز الفتاوي عن الأحكام للقرافي، ص50، ورسم المفتى لابن عابدين: 1/69.
دواعي العمل بالمذاهب الأربعة وجواز العمل بغيرها:
أما سبب ترجيح بعض العلماء المذاهب الأربعة على غيرها؛ فهو لتوافر أمور خارجية تستدعي ذلك في نظرهم، وفي ذلك يقول ولي الله الدهلوي: إن في الأخذ بالمذاهب الأربعة مصلحة عظيمة، وفي الإعراض عنها مفسدة كبيرة، وبين وجه ذلك فيما ملخصه:
1 -
إن الأمة اجتمعت على الاعتماد على السلف في معرفة الشريعة، فالتابعون اعتمدوا على الصحابة، وتبع التابعين اعتمدوا على التابعين، وهكذا في كل طبقة، لأن الشريعة لا تعرف إلا بالنقل والاستنباط، وهذا لا يستقيم إلا بأن تأخذ كل طبقة عمن قبلها، ولا بد من توافر ضبط المرويات وبيان ما فيها، وهو المتوافر في المذاهب الأربعة.
2 -
اندراس المذاهب الأخرى.
3 -
طروء اتباع الأهواء في القضاء والإفتاء (1) .
ولهذه الأسباب تقررت المقولة المعروفة عند الأصوليين في منع العمل بمذاهب الصحابة أو التابعين ما لم تقترن بالتوافق مع مذهب فقهي من المذاهب المدونة، وليس ذلك لأمر ذاتي في مذاهب السلف، بل لعدم النقل المنضبط المستكمل للقيود والشروط. ولهذا صرح الزركشي - ومن قبله العز بن عبد السلام - بأنه إذا صح عن بعض الصحابة مذهب في حكم من الأحكام لم تجز مخالفته إلا بدليل أوضح من دليله. ثم قال العز: لا خلاف بين الفريقين في الحقيقة، بل إن تحقق ثبوت مذهب عن واحد منهم جاز تقليده وِفَاقًا، وإلا فلا، لا لكونه لا يقلد، بل لأن مذهبه لم يثبت حق الثبوت.
قال ابن حجر الهيتمي: يجوز العمل بخلاف المذاهب الأربعة مما علمت نسبته لمن يجوز تقليده، وعرفت جميع شروطه عند المفهوم منه، إن العمل بالمقلد شرط في صحة التقليد
…
وحاصل المعتمد أنه يجوز تقليد كل من الأئمة الأربعة، وكذا من عداهم ممن حفظ مذهبه في تلك المسألة، ودون تحت ما عرفت شروطه وسائر معتبراته، فالإجماع الذي نقله غير واحد على منع تقليد الصحابة يحمل على ما فقد فيه شرط من ذلك (2) .
(1) عقد الجيد في الاجتهاد والتقليد، للولي الدهلوي، والبحر المحيط للزركشي: 6/290 نقلًا عن فتاوى العز بن عبد السلام.
(2)
الفواكه العديدة في المسائل المفيدة، للمنقور: 2/118.
ومما سبق تتبين محاذير إضفاء القداسة والاعتبار القطعي على واحد من الاختلافات الفقهية، فإن الاختلاف لا يكون رحمة بالأمة إلا إذا استفيد منه دون تعصب لمذهب واحد أو اقتصار عليه، فالمرونة التي يتصف بها قسم من أحكام الشريعة (وراء الثوابت فيها) ، بما يضمن الصلاحية لها على اختلاف الأزمنة وتباين البيئات لا تتحقق إلا بالاستفادة من مختلف الاتجاهات الفقهية، فضلًا عن أن الإغراق في اعتبار مذهب إمام واحد وتخطئة الأئمة الآخرين يؤدي إلى القطيعة والتفرق، وأحيانًا إلى التخاصم والنتائج غير المرضية.
إن أتباع المذاهب الفقهية مدعوون للتوحيد والتعاون في مواجهة الغزو القانوني الوضعي للبلاد الإسلامية، وهي قضية مصيرية يجب تقديمها على الفتاوى الجزئية المتعجلة في حكم كل فريق على الآخر، ولابد من الأخذ بالشعار الذي رفعه المصلح الكبير الشيخ محمد رشيد رضا مستمدًا إياه من النصوص القرآنية والحديثية في اعتصام الأمة بحبل الله وعدم التفرق، وهو قوله: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه. وليس هناك أمر متفق عليه أوضح من ضرورة الرجوع إلى الشريعة والفقه الإسلامي، ونبذ القوانين الوضعية المجافية لهما.
وفي ذلك يقول الدكتور عبد الرزاق السنهوري: وفي رأينا أنه حيث ينبغي الرجوع إلى الفقه الإسلامي في كتبه المعتمدة، سواء كان هذا الفقه هو المصدر الرسمي الذي تستمد منه الأحكام، أم كان هو المصدر التاريخي الذي تفسر في ضوئه النصوص التشريعية، يجب أن يراعى أمران جوهريان:
الأول: هو عدم التقيد بمذهب معين من مذاهب الفقه الإسلامي، فكل مذاهب الفقه يجوز الرجوع إليها والأخذ منها، ولا محل للوقوف عند أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة، بل ولا التقيد بالمذهب الحنفي في جملته.
ولعلنا نذهب إلى مدى أبعد فنقول: إنه لا موجب للتقيد بالمذاهب الأربعة المعروفة. هناك مذاهب أخرى، كمذهب الإمامية والزيدية، يمكن الانتفاع بها إلى حد بعيد (1) .
(1) الوسيط شرح القانون المدني المصري، د. عبد الرزاق السنهوري: 1/49.
موقف الأئمة من التقليد ومعارضتهم للتعصب لهم:
لم يكن للأئمة توجيه خاص يدعو إلى الأخذ بمذاهبهم، أو إلزام الناس بتقليدهم، بل الذي ثبت عنهم أنهم نهوا الناس عن ذلك، وشددوا النكير على من يعمل بأقوالهم على وجه التقليد، دون أن يتعرف على سند القول ودليله.
فها هو ذا أبو حنيفة يقول: (لا ينبغي لمن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي)، كما أنه كان إذا أصدر فتوى قال:(هذا رأي النعمان بن ثابت، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن منه فهو أولى بالصواب) .
وكذلك نقل عن الإمام مالك قوله: (ما من أحد إلا وهو مأخوذ من كلامه ومردود عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كما قال الإمام الشافعي: (إذا صح الحديث فهو مذهبي)، وفي رواية:(إذا رأيت كلامي يخالف الحديث فاعملوا بالحديث، واضربوا بكلامي الحائط)، كما روى عنه قوله:(مهما قلت من قول أو أصلت من أصل، فبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت، فالقول ما قاله صلى الله عليه وسلم - وقال الشافعي يومًا لتلميذه المزني: (يا إبراهيم لا تقلدني في كل ما أقول، وانظر في ذلك لنفسك فإنه دين) - وأخيرًا يقول الشافعي: (مثل الذي يطلب العلم بلا حجة، كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب، وفيها أفعى وهو لا يدري) .
كما نهى الإمام أحمد بن حنبل بعض الناس عن التقليد عامة، فقال:(لا تقلدني ولا تقلدنَّ مالكًا، ولا الأوزاعي ولا النخعي ولا غيرهم، وخذ الأحكام من حيث أخذوا من الكتاب والسنة) .
لا ينبغي لأحد أن يفتي إلا من يعرف أقاويل العلماء، ويعرف مذهبهم، كما قال:(من قلة فقه الرجل أن يقلد في دينه الرجال) .
وقال الزركشي: هل يجب على العامي تقليد مذهب معين فيه كل واقعة؟.فيه وجهان: قال إلكيا: يلزمه، وقال ابن برهان: لا، ورجحه النووي وهو الصحيح.
فإن الصحابة رضوان الله عليهم لم ينكروا على العامة تقليد بعضهم من غير تعيين.
وأختم هذا البحث بكلام لابن المنير في توجيه المفاضلة بين المذاهب حيث يقول:
وقد ذكر قوم من أتباع المذاهب في تفضيل أئمتهم، وأحق ما يقال في ذلك ما قالت أم الكملة عن بنيها: ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل؛ هم كالحلقة المفرغة لا يُدرى أين طرفاها.
فما من واحد منهم إذا تجرد النظر إلى خصائصه إلا ويغني الزمان حتى لا يبقى فيهم فضلة لتفضيل على غيره.
وهذا سبب هجوم المفضلين على التعيين لأجل غلبة العادة، فلا يكاد يسع ذهن أحد من أصحابه لتفضيل غير مقلده إلى ضيق الأذهان عن استيعاب خصائص المفضلين، جاءت الإشارة بقوله تعالى:{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} [الزخرف: 48]، يريد والله أعلم أن كل آية إذا جرد النظر إليها قال الناظر حينئذ: هذه أكبر الآيات، وإلا فما يتصور في آيتين أن تكون كل واحدة أكبر من الأخرى بكل اعتبار، وإلا لتناقض الأفضلية والمفضولية (1) .
(1) البحر المحيط للزركشي: 6/293.
سبل تضييق مساحة الخلاف:
مراعاة الخلاف قبل العمل:
يستحب الخروج من الخلاف، باجتناب ما اختلف في تحريمه، وفعل ما اختلف في وجوبه، إن قلنا: كل مجتهد مصيب، لجواز أن يكون هو المصيب، وكذا إن قلنا: إن المصيب واحد، لأن المجتهد إذا كان خلاف ما غلب على ظنه، ونظر في متمسك مخالفة فرأى له موقعًا، فينبغي له أن يراعيه على وجه، وكذا الخلاف بين المجتهدين إذا كان أحدهم إمامًا، لما في المخالفة من الخروج على الأئمة.
وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه عاب على عثمان رضي الله عنه صلاته بمِنًى أربعًا وصلى معه، فقيل له في ذلك فقال: الخلاف شر.
وجعل العز بن عبد السلام الخلاف على أقسام:
1 -
أن يكون في التحليل والتحريم، فالخروج من الخلاف بالاجتناب أفضل.
2 -
أن يكون الخلاف في الاستحباب والإيجاب، فالفعل أفضل.
3 -
أن يكون الخلاف في الشرعية، كقراءة البسملة في الفاتحة، فإنها مكروهة عند مالك واجبة عند الشافعي، وكذلك صلاة الكسوف على الهيئة المنقولة في الحديث فإنها سنة عند الشافعي، وأنكرها أبو حنيفة، فالفعل أفضل.
والضابط أن مأخذ الخلاف: إن كان في غاية الضعف فلا نظر إليه، لاسيما إذا كان مما ينقض الحكم بمثله، وإن تقاربت الأدلة بحيث لا يبعد قول المخالف كل البعد، فهذا مما يستحب الخروج منه، حذرًا من كون الصواب مع الخصم (1) .
(1) المنثور في القواعد، للزركشي: 2/127 - 129.
شروط مراعاة الخلاف:
1 -
أن يكون مأخذ المخالف قويًّا، فإن كان واهيًا لم يراع، وقال القفال: يراعى الخلاف وإن ضعف المأخذ إذا كان فيه احتياط.
2 -
أن لا تؤدي مراعاته إلى خرق الإجماع.
3 -
أن يكون الجمع بين المذاهب ممكنًا، فإن لم يكن كذلك فلا يترك الراجح عند معتقده لمراعاة المرجوح، لأن ذلك عدول عما وجب عليه من اتباع ما غلب على ظنه، وهو لا يجوز قطعًا
…
أما إذا لم يكن كذلك فينبغي الخروج من الخلاف، لاسيما إذا كان فيه زيادة تعبد
…
ثم أورد الزركشي بعد هذه الشروط أمثلة لمراعاة الخلاف، ومنها ومما أورده غيره تم تصنيف ما يلي حسب أبواب الفقه:
في الطهارة:
المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة يجب عند الحنفية والاستنشاق في الوضوء لخلاف أحمد، والغسل من ولوغ الكلب ثماني مرات لخلاف أحمد، والغسل من سائر النجاسات ثلاثًا (لخلاف أبي حنيفة) وسبعًا (لخلاف أحمد بن حنبل) .
في الصلاة:
- التسبيح في الركوع والسجود لخلاف أحمد في وجوبه.
- استحباب السجود على الأنف (عند الحنابلة القائلين بعدم وجوبه) .
- الترتيب في قضاء الفوائت عند الشافعية.
- ترك الأداء خلف من يصلي القضاء عند الشافعية.
- ترك القصر فيما دون ثلاث مراحل عند الشافعية.
- ترك الجمع فيما دون ثلاث مراحل عند الشافعية.
- كراهة مفارقة الإمام بلا عذر عند الشافعية.
- كراهة صلاة المفرد خلف الصف عند الشافعية.
- البسملة في الفرض (عند الماليكة) .
في الصوم:
- التبييت في نية صوم النفل، فإن مذهب مالك وجوبه.
في الحج:
- إتيان القارن بطوافين وسعيين، مراعاة لخلاف أبي حنيفة.
- الموالاة بين الطواف والسعي، لأن مالكًا يوجبها.
في البيع:
- التنزه عن بيع العينة ونحوه من العقود المختلف فيها.
- ترك الحيل في باب الربا.
هذا، ولا يشترط عند جمهور الفقهاء في الإتيان بما اختلف في وجوبه أن يعتقد الوجوب، بل يخرج من الخلاف بمجرد الفعل. وخالف في ذلك أبو إسحاق الإسفرايني (1) .
حالات تعذر الخروج من الخلاف:
أ - قد يتعذر الخروج من الخلاف لتباين وجوهه، بحيث لا يمكن الجمع بينها، كما في البسملة، فإن الجهر بها عند الشافعي هو السنة، وعند أبي حنيفة وأحمد: الإسرار بها هو السنة، وعند مالك الترك بالكلية.
وقد يقال: إذا كان المنع مع الأكثر كان هو الأولى، هذا في المقلد، فأما المجتهد فمع اجتهاده.
ب - إذا كان في مجال حقوق العباد، وترتب على مراعاة الخلاف التجاوز على صاحب حق.
كما إذا كان ليتيم على يتيم حق مختلف في وجوبه، فلا يمكن للقاضي الصلح ههنا، إذ لا تجوز المسامحة بمال أحدهما، وعليه التورط في الخلاف.
وكذلك حكم الأب والوصي (2) .
(1) المنثور: 2/137 - 138.
(2)
المنثور: 2/137 - 138.
مراعاة الخلاف بعد وقوع المختلف فيه:
إذا ارتكب المكلف فعلًا مختلفًا في تحريمه وجوازه فقد يجيز من يرى التحريم ما وقع، نظرًا إلى أن ذلك الفعل وافق فيه المكلف دليلًا في الجملة، وهو - وإن كان مرجوحًا - راجح بالنسبة إلى إبقاء الحالة على ما وقعت عليه لأن ذلك أولى من إزالتها بضرر أشد من مقتضى النهي، كالنكاح بلا ولي يثبت به النسب والميراث ولا يعامل كالزنى لثبوت الخلاف فيه، ووجهه أن للعامل بالجهل مخطئًا نظرين: أحدهما مخالفة للأمر والنهي، وهو يقتضي الإبطال، والآخر قصده الموافقة لأحكام الشرع، وخطؤه أو جهله لا يخرج به عن حكم أهل الإسلام، بل يتلافى له حكم يصحح ما أفسده بجهله أو خطئه، إلا أن يترجح جانب الإبطال بأمر واضح.
هذا ملخص ما قرره الشاطبي في الموضوع. وقد نقل الشاطبي لهذا الرأي توجيهًا أورده عن بعضهم، مفاده: أن المسألة يكون لها دليل يقتضي المنع ابتداء ويكون هو الراجح، ثم بعد الوقوع يصير الراجح مرجوحًا لمعارضة دليل آخر يقتضي رجحان دليل المخالف، فيختلف حكم ما بعد الوقوع عما بعده، أي لترتب آثار بالوقوع تقتضي حكمًا جديدًا (1) .
الخلاف في الاستحباب وعدمه، وأمثلته، والعمل بالجواز:
قال ابن تيمية: هذه التنازعات إنما هي في أمور مستحبات ومكروهات، لا في واجبات ومحرمات، فإن الرجل إذا حج متمتعًا أو مفردًا أو قارنًا، كان حجه مجزئًا عند عامة المسلمين، وإن تنازعوا في الأفضل من ذلك، ولكن بعض الخارجين عن الجماعة يوجب أو يمنع ذلك!.
وكذلك الأذان سواء رجع فيه أو لم يرجع، أذان صحيح عند سلف الأمة وجميع خلفها، وسواء ربع التكبير في أوله أو ثناه.
وكذلك الجهر بالبسملة والمخافتة، كلاهما جائز ولا يبطل الصلاة، وإن كان من العلماء من يستحب أحدهما أو يكره الآخر، أو يختار أن لا يقرأ بها، فالمنازعة بينهم في المستحب، وإلا فالصلاة بأحدهما جائزة عند عامة العلماء.
(1) الموافقات: 4/202 - 205و4/151 - 152.
وكذلك القنوت في الفجر، وإنما النزاع بينهم في استحبابه أو كراهيته، وسجود السهو لتركه أو فعله، وإلا فعامتهم متفقون على صحة صلاة من ترك القنوت، وأنه ليس بواجب (فرض) ، وكذلك من فعله.
وكذلك القنوت في الوتر، هل هو في جميع الحول، أو في النصف الآخر من رمضان، وإنما هو في الاستحباب.
وكذلك تكبيرات العيد الزوائد، إنما النزاع في المستحب منها، وإلا فلا نزاع في أنه يجزئ ذلك كله.
وكذلك أنواع التشهدات، كلها جائز، ما أعلم في ذلك خلافًا إلا خلافًا شاذًّا، وإنما النزاع في المستحب.
وكذلك أنواع الاستفتاح في الصلاة وأصل الاستفتاح، إنما النزاع في استحبابه وفي أي الأنواع أفضل، والخلاف في وجوبه خلاف قليل يذكر قولًا في مذهب الإمام أحمد (1) .
اختلاف التنوع والعمل به كله:
بعض المسائل الخلافية في العبادات يأخذ فيها الخلاف صورة التنوع وليس صورة التضاد.
ومثل هذا لا ضير من إقراره ثم التنقل في التطبيق بينه جميعه.
وممن عني ببيان هذه القاعدة ابن تيمية رحمه الله؛ فإنه يقسم الخلاف في معرض الأذكار والأدعية التي في الصلاة (وهو تقسيم مخصوص يمكن استعارته للنظر في التوسع فيه) يقسم الخلاف إلى خلاف تنوع وتعدد، وخلاف تضاد وتغاير ويرى العمل بكل وجوه الخلاف في الأول منه سائغًا (2) .
(1) خلاف الأمة في العبادات، لابن تيمية، مجموع الرسائل المنيرية: 3/115 - 127.
(2)
قاعدة في الاستفتاحات لابن تيمية، كتاب مستقل.
ويسمي ابن سريج هذا النوع من الخلاف (الخلاف المباح) وفيما يلي خلاصة ما ذكره الإمام الزركشي في تفصيل هذا الموضوع: إذا اختلفت الروايات (المنقولة) في إيقاع العبادات على أوجه متعددة فهناك رأيان:
- الترجيح باختيار أحدهما، وهي طريقة الإمام الشافعي غالبًا.
- الجمع، بفعلها في أوقات، باعتبار هذا الاختلاف من الجنس المباح، وهي طريقة ابن سريج.
- وأمثلة ذلك: الأحاديث الواردة في دعاء الاستفتاح، وأحاديث التشهد، وكيفية قبض أصابع اليمنى على الركبة في التشهد. قال ابن الصباغ: كيفما فعل من هذه الهيئات فقد أتي بالسنة، لأن الأخبار قد وردت بها جميعًا، وكأنه صلى الله عليه وسلم كان يصنع هكذا مرة، وهكذا مرة كذا نقله الرافعي، ونقله ابن يونس عن المحققين.
- الجمع في إجابة المؤذن الحيعلة والحوقلة، عملًا بحيث التفضيل والإطلاق.
- الخلاف في تثنية الأذان وإفراد الإقامة: عده ابن سريج وابن خزيمة من الاختلاف المباح، وليس بعضه أولى من بعض، وهذا قول مصرح بإجماع المتقدمين على أن الخلاف في أولاه وأفضله.
- الاختلاف في سجود السهو قبل السلام أو بعده، وقد جمع الشافعي بينهما في موضع، فحمل ما قبله على ما إذا كان بنقص، وبعده على ما إذا كان بزيادة، وحمل اختلاف الروايات عليه.
- صلاة الخوف في الأنواع المشهورة، وقد نزلها الشافعي على كون العدو في جهة القبلة تارة، وعلى إذا لم يكن أخرى.
- عدد التكبيرات في صلاة الجنازة.
- قال ابن سريج: ما ورد عليها من الزيادة من الاختلاف المباح، والجميع سائغ.
- وخالفه الجمهور وقالوا: كان فيه خلاف في الصدر الأول ثم انعقد الإجماع على الأربع، نعم، لو خمس عمدًا لم يبطل في الأصح، ولثبوتها في حديث مسلم، وهو ظاهر إذا فعله عن اجتهاد أو تقليد، وإلا فتبطل، لأنه كالعابث.
- قوله: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا (بالثاء المثلثة) ، ويروى كبيرًا (بالباء الموحدة)، قال النووي: وينبغي الجمع بينهما وهو بعيد، بل الأولى تنزيله على اختلاف الأوقات، فنقول هذا مرة، وهذا مرة (1) .
هذا وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية مشروعية العمل بما ثبت على صورتين، أي بما هو من قبيل (اختلاف التنوع) كلما أمكن ذلك، على أن يجتنب التركيب باستحداث صورة جامعية لم يرد الشرع بها.
وقد قال في ذلك: أصح القواعد: أن جميع صفات العبادات من الأقوال والأفعال، إذا كانت مأثورة أثرًا يصح التمسك به، لم يكره شيء من ذلك، يشرع ذلك كله كما قلنا في أنواع صلاة الخوف، وفي نوعي الأذان: الترجيح وتركه، ونوعي الإقامة: شفعها وإفرادها، وكما قلنا في أنواع التشهدات، وأنواع الاستفتحات، وأنواع الاستعاذات، وأنواع القراءات، وأنواع تكبيرات العيد الزوائد، وأنواع صلاة الجنازة، وسجود السهو، والقنوت قبل الركوع وبعده، والتحميد بإثبات الواو وحذفها، وغير ذلك، ولكن قد يستحب بعض هذه المأثورات، ويفضل على بعض إذا قام دليل يوجب التفضيل، ولا يكره الآخر.
ومعلوم أنه لا يمكن للمكلف أن يجمع في العبادة المتنوعة بين النوعين في الوقت الواحد، لا يمكنه أن يأتي بتشهدين معًا، ولا بصلاتي الخوف معًا، وإن فعل كل ذلك مرة واحدة كان ذلك منهيًّا عنه، فالجمع بين هذه الأنواع محرم تارة ومكروه تارة أخرى.
ولا تنظر إلى من قد يستحب الجمع في بعض ذلك، مثل ما رأيت بعضهم قد لفق ألفاظ الصلوات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، واستحب فعل ذلك الدعاء الملفق (2) .
ارتفاع الخلاف بحكم الحاكم أو بتصرف الإمام:
يرتفع الخلاف في الوقائع المختلف في حكمها، إذا حكم فيها القاضي بما لا يخالف النص أو الإجماع، فيصبح الحكم فيها كالمجمع عليه، فلا يحق لأحد نقضه، وهذا في الحادثة التي فيها دعوة صحيحة، وإلا كان فتوى لا حكمًا (3) .
(1) المنثور: 2/142 - 146.
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية: 24/242.
(3)
الموسوعة الفقهية: 2/301؛ ومن مراجعها: حاشية ابن عابدين: 3/361و373؛ والفتاوى الهندية: 3/311 - 313 والأشباه والنظائر للسيوطي 101؛ ولابن نجيم بحاشية الحموي: 1/141؛ ومعين الحكام، ص30.
وكذلك لو تصرف الإمام أو نائبه باختيار أحد الأقوال المعتبرة فيما تختلف فيه الاجتهادات، فإنه لا ينقض ما فعله، ويصبح كالمتفق عليه، وهذا بالنسبة لما مضى، أما في المستقبل فله أن يتصرف تصرفًا مغايرًا بحسب اقتضاء المصلحة، قال ابن تيمية:(إذا كانت المسألة من مسائل الاجتهاد التي شاع فيها النزاع؛ لم يكن لأحد أن ينكر على الإمام، ولا على نائبه من حاكم أو غيره ولا ينقض ما فعله الإمام ونوابه من ذلك. ولكن يسوغ بيان الحق الذي عليه اتباعه، وإن كان فيه بيان خطأ من أخطأ الفقهاء من العلماء والأمراء) .
وهناك فرصة من خلال أحد أعمال مجلس وزراء العدل العرب وهو وضع قانون موحد للأحوال الشخصية، والسبيل هنا هو أن يراعى في اللجان التي تدرس هذه الزمرة أن تكون من المعنيين بمقارنة المذاهب، وأخذ المسائل الخلافية بالاعتبار في ضوء مقاصد الشريعة، ومنها حفظ النسل.
وفي هذه الحالات لا بد من مراعاة مقتضى الاختيار من ولي الأمر لأحد الاتجاهات للتطبيق الإلزامي حيث يسوغ، وهو ما كان ذا طابع عملي (لا علمي) ، وكان هادفًا للمصلحة الغالبة، ووقع فيه التخصيص لواحد من الاتجاهات المستوفية لصفات الاعتبار، وإن هذا التخصيص للعمل - مع ترك المجال العلمي طليقًا - كفيل بإيجاد الاستقرار ونزع فتيل التنازع.
ويلحظ أن المسائل الخلافية في باب المعاملات قليلة، والسبب في ذلك تشعب الخلاف في هذه الزمرة، واشتمال المذاهب على أقاويل عديدة فيها، بحيث حصل التلاقي بينها وندر الانفراد، وهذا ما يسهل اختيار حكم يقع الإلزام به ولا يسري هذا الأمر على العبادات إلا ما كان فيه شبه بالمعاملات كالزكاة.
على أن الأساس في هذه الزمرة مراعاة مصالح الناس المعتبرة، وهي ما لا يصادمه نص أو قاعدة شرعية، ويكون محققًا لمقاصد الشريعة، هي حفظ المال.
الجمع بين المذاهب في العلم والعمل:
إن باب الاجتهاد قد أقفل منعًا لكثرة الخلاف، وقضاء على الفوضى من الأحكام، ورأى بعض العلماء مع ذلك أن يقتصر الناس على تقليد إمام من الأئمة الأربعة، لما امتازت به مذاهبهم من العناية بالتدوين، والدقة في النقل، والحرص على المحافظة عليها، مما لم يمكن لغيرها من المذاهب التي اضمحلت، ولم يبق منها ما يذكر إلا في كتب الخلاف للبحث والمقارنة والموازنة لا للدرس والمعرفة، فكان من الميسور أن يقلد إمام من الأئمة الأربعة مع الاطمئنان إلى قوله وصحة نسبته إليه
…
على أن ذلك إن ساغ قبوله في بعض الأحوال فلن يصح في بعضها الآخر، كما لا يصح أن يجعل سببًا في قصر الإنسان على تقليد واحد معين منهم، دون أن يكون له الخيرة في أن يقلد من شاء منهم متى شاء إذا ما اطمأن قلبه إلى ذلك، وليس خلاف بعضهم مع بعض بأبعد أثرًا ولا أشد تجافيًا مما كان من خلاف بين أحدهم وبين أصحابه، كأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، فإذا جاز أن يعد ما نقل عن جميع الأئمة من الآراء مذهبًا واحدًا كذلك، يتبين منه حكم الله في المسائل المختلفة، بحسب ما يفهم كل مجتهد؛ ذلك ما أراه حقًا، وذلك ما يجب أن تبنى عليه دراسة الأحكام الفقهية في المعاهد المختلفة، حتى يتبين ما لعلماء الإسلام من بحوث، ويتكشف ما كان لهم من نظر، وحتى لا يغيب عن طالب الفقه ذلك التراث المجيد، وما يحويه من أنظار واتجاهات في شرعه، لم يصل إليها التشريع الوضعي في هذه الأيام على تعدد نظرياته وتنوع بحوثه (1) .
(1) أحكام المعاملات الشرعية، للشيخ علي الخفيف، ص27، طبع بنك البركة الإسلامي - البحرين.
هل كل مجتهد مصيب؟ أو المصيب واحد غير معين؟
المسألة الظنية من الفقهيات؛ إما أن يكون فيها نص أو لا، فإن لم يكن فيها نص فقد اختلفوا ولكل حجته، فقال قوم: كل مجتهد فيها مصيب، وأن حكم الله فيها لا يكون واحدًا، بل هو تابع لظن المجتهد؛ فحكم الله في حق كل مجتهد ما أدى إليه اجتهاده وغلب على ظنه، وهو قول القاضي أبي بكر وأبي الهزيل والجبائي وابنه، ورأي الغزالي والمزني.
وذهب بشر المريسي وابن علية وأبو بكر الأصم، ونفاة القياس كالظاهرية والإمامية، إلى أنه ما من مسألة إلا والحق فيها متعين وعليه دليل قاطع، فمن أخطأه فهو آثم غير كافر ولا فاسق، ولأن الحكم في كل واقعة لا يكون إلا معينًا، لأن الطالب يستدعي مطلوبًا، وذلك المطلوب هو الأشبه عند الله في نفس الأمر، بحيث لو نزل نص لكان نصًا عليه، والمختار أن الحق واحد من أصابه أصاب ومن أخطأه أخطأ. وهو رأي الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأكثر الفقهاء، وقد اتفق أهل الحق على أن الإثم محطوط عن المجتهدين في الأحكام الشرعية، وحجتهم على ذلك ما نقل نقلًا متواترًا لا يدخله ريب ولا شك، وعلم علمًا ضروريًّا من اختلاف الصحابة فيما بينهم من المسائل الفقهية - على ما سبق بيانه - ولم يصدر منهم نكير ولا تأثيم لأحد، فلو كانت المسائل الاجتهادية منزلة منزلة مسائل قطعية ومأثومًا على المخالفة فيها لبالغوا في الإنكار والتأثيم، ولتوفرت الدواعي على نقله، واستحالت العادة كتمانه، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم:((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد))
(1)
.
(1) موسوعة الفقه الإسلامي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر. ومن مراجعها هنا: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: 4/244 - 247؛ والموافقات للشاطبي: 4/124.
كل مجتهد مصيب أو (المصيب واحد غير معين) :قال الحجاوي: اعلم أن الأمة لها قولان:
القول الأول: أن كل مجتهد مصيب في الفروع التي لا قاطع فيها، وهو قول ضعيف المدرك كما هو مبين في الأصول، وعليه فكل المجتهدين على هدى من ربهم.
القول الثاني: أن المصيب واحد. قال الشيخ أحمد بن مبارك اللمطي: قد اتفق أصحاب هذا القول على أنه غير معين، فما قاله السبكي في الطبقات من أن المصيب هو الشافعي مستدلًا بدلائل لا تفيده ليس بصواب، بل مخالف للإجماع المنعقد على أن الصواب إما مع الكل، أو مع واحد لا بعينه. نعم لكل أهل مذهب أن يرجحوا بما ينقدح في فكرهم من الدلائل، لكن لا يجزمون، ولا يخطئون غيرهم.
وأما عياض في (المدارك) فإنه ذهب إلى الترجيح لمذهب مالك بالوجوه التي بينها دون الجزم بصوابية واحد، وتخطئة سواه، فهو خرق للإجماع بل مخالف للمعقول، لأنه في المعنى كالوصف بالصحة لشخص هو نفسه اعترف بالخطأ في مسائل، فإن الشافعي له القول القديم والجديد، فأيهما أحق بالصواب؟ هذا مما لا معنى له (1) .
ثم نقل الحجوي عن ابن القيم قوله في (إعلام الموقعين) : إن هؤلاء الذين يرجحون مقلدون لا خبرة لهم بالأدلة، فكيف يتوصلون لمعرفة الراجح، ولو كانوا مجتهدين، ما ساغ لهم التقليد الذي يوجب عليهم الترجيح.
وقد آل الأمر بأرباب المذاهب ذوي التعصب المذهبي إلى الهمز واللمز، وذلك كله تعصب ذميم.
(1) الفكر السامي للحجوي: 4/445؛ ومن الأمثلة في التحامل على المذاهب ما جاء في نظرية العقد من الفقه الجعفري، ص13؛ والمراجعات، ص32.
التقارب بين المذاهب الفقهية:
ناقش الحجوي زعم بعض الفرنج أنها متباعدة كتباعد فرق النصارى والكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس، وكتباعد الفرق اليهودية النسطورية والسامرية ونحوها، وهذا ضلال مبين يراد به التضليل، فإن فرق النصارى يكفر بعضهم بعضًا، ولا يعده من النصرانية في شيء، ولا يقتدي به، حتى إنه لا يصلي هذا في كنيسة ذاك، وكذلك فرق اليهود، وكم وقعت بينهم من معارك وسالت من دماء.
ثم قال: أما مذاهبنا، فليست كذلك بل يقتدي بعضهم ببعض، ويعتبر كل واحد أخاه مسلمًا، نعم يعتقد أنه مخطئ في بعض من المسائل غير معين على القول بعدم تصويب المجتهدين، أما على القول به، فالكل على صواب في كل المسائل، وليس البون بينهم بعيدًا، إذ لم يكن بينهم خلاف في العقائد وإنما هو خلاف ثانوي في الفروع فقط التي هي محل الاجتهاد يأخذ فيها كل واحد بما قام عليه الدليل عنده للاكتفاء في أدلتها بالظنيات، ولذلك كان كل واحد من الأئمة يجل الآخر، فقد أخذ أبو حنيفة عن مالك، كما أخذ مالك عنه، وأخذ الشافعي عن مالك، وقال فيه: جعلته حجة بيني وبين ربي، وأخذ ابن حنبل عن الشافعي، وأثنى بعضهم على بعض علمًا ودينًا، وهكذا كان جلة أصحابهم بعضهم مع بعض، ولم يقع بينهم الخلاف في كل فرع، بل في بعض الفروع التي قامت لكل حجة على رأيه (1) .
وقال محمد أبو زهرة: (الخلاف فيما يتعلق بالعقائد والفقه، لم يتجاوز الحد النظري والاتجاه الفكري، فإن العلماء الذين تصدوا لهذا لم يجرِ بينهم خلاف أدى إلى امتشاق الحسام، وطبيعة حياتهم العلمية لا تسمح لهم بأن ينقلوا الخلاف من ميدان القول إلى ميدان العمل، ولم يكن الاختلاف النظري ليصل في حدته إلى أن يجعلوه عمليًّا، ولم تظهر الحدة إلا في أن يحكم كل واحد على الآخرين بالخطأ أو الابتداع، بل إن الاختلاف في الفقه لم يتجاوز حد اختلاف وجهة النظر، حتى إن كل فريق من المختلفين يقول: (رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب)(2) .
(1) الفكر السامي: 4/415.
(2)
المذاهب الإسلامية، لأبي زهرة، ص18.
هذا وقد أورد ابن تيمية تفصيلًا حسنًا في إطلاق الصواب على كل مجتهد في الظاهر، فقال: اختلف فيمن لم يصب الحكم الباطن: هل يقال: إنه مصيب في الظاهر، لكونه أدى الواجب المقدور عليه من اجتهاده وقصده، أو لا يطلق عليه اسم الإصابة بحال؟ وإن كان له أجر على اجتهاده وقصده الحق؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، وذلك لأنه لم يصب الحكم الباطن ولكن قصد الحق، واجتهد الاجتهاد المأمور به. والتحقيق أنه إن اجتهد الاجتهاد المقدور عليه فهو مصيب من هذا الوجه من جهة المأمور المقدور، وإن لم يكن مصيبًا من جهة إدراك المطلوب وفعل المأمور المطلق (1) .
إنصاف الأئمة المجتهدين:
امتنع الإمام مالك عن موافقة المنصور والرشيد في رغبتهما حمل الناس كلهم على مذهبه، وفي ذلك يقول مالك:(لما حج المنصور قال لي: إني قد عزمت على أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها فتنسخ، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها بنسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها، ولا يتعدوه إلى غيره. فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم ودانوا به من اختلاف الناس، فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم)(2)، ويقول أيضًا: شاورني هارون الرشيد في أن يعلق (الموطأ) في الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه فقلت: لا تفعل، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الفروع، وتفرقوا في البلدان، وكل عند نفسه مصيب، فقال: وفقك الله يا أبا عبد الله (3) .
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية: 19/128.
(2)
الطبقات لابن سعد: 6/332.
(3)
حلية الأولياء: 6/332.
التثبت من نسبة الاختلاف:
لابد من التوثق في نسبة المسائل الخلافية إلى الأئمة، فهناك كثير من الأخطاء الناشئة عن التوهم أو النقل المتتابع أو بالتعلق الشائع. والطريقة العلمية هي نسبة ذلك الخلاف إلى كتب موثوقة الصلة بالإمام أو المذهب. ويلحظ أنه كثيرًا ما تختلف كتب المذهب نفسه في شأن بعض المسائل، فيرى فيها بعض المؤلفين ما لا يراه غيره، وربما تصبح الكتب المثبتة نادرة، أو تنقرض بعد نقل المسألة منها، فتحدث الفجوة بخلو الكتب المتداولة عن المسألة أو نفيها أحيانًا، وهذا يحدث بين أصحاب المذهب الواحد فلا يستغرب، فإذا انتقل ذلك لما بين المذاهب وقع النقد والنكير، ولاسيما في الأوساط الفقهية التي يغلب فيها تبدل الاجتهادات أو تجددها.
وعلى سبيل المثال فإن ابن حزم (1) قال: (ومن الإمامية من يجيز نكاح تسع نسوة، ومنهم من يحرم الكرنب (كالقنبيط) لأنه نبت على دم الحسين، ولم يكن قبل ذلك) وقد قال الشيخ عبد الحسين شرف الدين (2) في معرض النقد لنسبة ذلك للشيعة:(ما زاد على أربع؛ أجمع الإمامية نصًا وفتوى على حرمته، والكرنب ليس عنه في كتبهم عنوان مخصوص، وحكمه كالخس والفجل واللفت. ثم قال شرف الدين: نسبوا للشيعة أنهم لا يأكلون لحم الإبل؛ مع أن الجزر تنحر في مشاهد أئمتهم! حتى إنهم لا يفتون بكراهة لحمها كما يفتون بكراهة الخيل والبغال والحمير. وكذلك عدم إيجاب العدة على النساء، مع أنهم أحوط فيها بحيث تبدأ لديهم مع العلم بالوفاة لا من نفس الوفاة، وإذا مات وهي حامل تتربص بأبعد الأجلين) .
(1) الفصل في الملل والنحل، 1842.
(2)
الفصول المهمة، ص143.
أدب الاختلاف وأخلاقيات نقله ودراسته:
الواقع أن هناك سببًا تاريخيًّا لأوهام النقل عن المذاهب، حيث ينسب إليها ما يتبرأ منه أصحاب المذهب نفسه، وهو وجود الغلاة في بعض المذاهب وعدم التمييز بين ما ينتحلونه من أقوال، وبين المعتدلين من أصحاب المذهب نفسه، وفي ذلك يقول الشيخ محمد تقي القمي: ثم إن هناك مبدأ علميًّا هامًَّا متفقًا عليه بين الباحثين الراسخين، ذلك هو أن الإنصاف والأمانة العلمية، تحتمان على الباحث أن يستقي ما يريده من المعلومات من مصادره الصحيحة، وأنه ما دامت المراجع المعتمدة لمذهب ما ميسرة، فلا يسوغ الرجوع إلى غيرها، ولاسيما إذا كانت تستند إلى الشائعات، أو تصدر عن عصبيات، وإنه لمن الخير أن يطبق أهل العلم في كل مذهب هذا المبدأ، وعندئذ سيتجلى لمن يدرس مذهب الإمامية، ويعرف آراءهم من الواقع الماثل أمامه، أي خير وأي علم في هذا المذهب، ثم يتجلى له مدى التجني الذي ناله من المتحيزين أو المتعصبين عليه، حتى خلطوا بين الغلاة الذين ينتحلون وصف الشيعة، وبين الشيعة أنفسهم الذين يبرؤون إلى الله منهم، ويحكمون بكفرهم. وكم من كتب خلطت بين الشيعة والفرق البائدة التي لا وجود لها إلا في زوايا التاريخ، أو في تفكير المتحيزين (1) .
هذا، وإن التقسيم الرباعي الغالب هو: العبادات مع الحلال والحرام من الأشياء، والمعاملات المالية، والأنكحة وما يتعلق بها (الأحوال الشخصية) ، والعقوبات مع الأقضية، وهذا التقسيم الرباعي هو المتبع في كتب المذاهب الأربعة والزيدية والإباضية والظاهرية، على اختلاف في تقديم بعض الزمر على بعض، وفي محتوى كل زمرة.
(1) من تقديم التحقيق المعد من الشيخ محمد تقي القمي، لكتاب المختصر النافع، صفحة (ش) .
أما الإمامية فيقول الشيخ محمد تقي القمي ما نصه: جرت العادة عند المؤلفين من فقهاء الإمامية أن يقسموا الموضوعات الفقهية إلى أربعة أقسام: (العبادات، العقود، الإيقاعات، الأحكام) ولعل وجه الحصر أن المبحوث عنه في الفقه إما أن يتعلق بالأمور الأخروية، أي معاملة العبد ربه، أو الدنيوية. فإن كان الأول فهو (عبادات) ، أما الثاني فإما أن يحتاج إلى صيغة أو لا، فغير المحتاج إلى صيغة هو الأحكام؛ كالديات والميراث والقصاص والأطعمة، وما يحتاج إلى صيغة فقد يكون من الطرفين أو من طرف واحد، فمن طرف واحد يسمى (الإيقاعات) كالطلاق والعتق، ومن الطرفين يسمى (العقود) ويدخل فيها المعاملات والنكاح.
ثم قال: فقسم العبادات يبدأ بكتاب الطهارة وينتهي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقسم العقود يبدأ بكتاب التجارة وينتهي بكتاب النكاح، وقسم الإيقاعات يبدأ بكتاب الطلاق وينتهي بكتاب النذر، وقسم الأحكام يبدأ بالصيد والذباحة وينتهي بالديات (1) .
لا إنكار في المختلف فيه:
الإنكار من المنكر إنما يكون فيما اجتمع عليه، فأما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لأن كل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد ولا نعلمه، ولم يزل الخلاف بين السلف في الفروع، ولا ينكر أحد على غيره مجتهدًا فيه، وإنما ينكرون ما خالف نصًّا أو إجماعًا قطعيًّا أو قياسيًّا جليًّا.
وهذا إذا كان الفاعل لا يرى تحريمه، فإن كان يراه فالأصح الإنكار (2) .
وفي ذلك يقول الإمام سفيان الثوري: (إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه، وأنت ترى غيره فلا تنهه) ، وعن الإمام أحمد روايات مجملها - على ما ذكره أبو يعلى - لا ينكر في المسائل الاختلافية إلا إذا ضعف فيها الخلاف.
(1) تقديم التحقيق لكتاب المختصر النافع، صفحة (ل، م) ، وقد أوردته بطوله للاستفادة منه في جهود المقارنة مع المذاهب الأخرى بالرجوع إلى مدونات المذاهب نفسه.
(2)
المنثور: 2/140.
وفي تفصيل لهذا يقول ابن تيمية: إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع، فللاجتهاد فيها مساغ، فلا ينكر على من عمل بها مجتهدًا أو مقلدًا.
قال ابن تيمية: قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره: إن المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه (1) .
وقال النووي: إنما ينكرون ما يجمع عليه الأئمة، وأما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لأن على أحد المذهبين: كل مجتهد مصيب، وهذا هو المختار عند كثير من المحققين أو أكثرهم، وعلى المذهب الآخر المصيب واحد، والمخطئ غير متعين لنا، والإثم مرفوع عنه (2) .
الاقتداء بالمخالف في الفروع:
كتب ابن حزم رسالة في جواز الاقتداء بالمخالف في الفروع، أجاب فيها سائلًا متشددًا، فرد عليه ممثلًا بأنواع المسائل الخلافية، ومبينًا ما نقل فيها من صلاة الصحابة خلف من قال بها مجتهدًا.
وقد وقع الاتفاق علمًا وعملًا من الأئمة على أن المصلي يأتم بمن يخالف اجتهاده، أو ما يقلده من مذهب في أحكام الصلاة، ولو كان يرى أن مثل ذلك مفسد للصلاة أو غيره أولى منه، وذلك دفعًا للتفرق، وهناك كثير من الأمثلة على ذلك من صنيع الأئمة (3) .
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية:30/80.
(2)
الآداب لابن مفلح: 1/186؛ وجامع العلوم والحكم لابن رجب، ص284؛ وشرح صحيح مسلم للنووي: 2/23؛ وينظر دراسات في الاختلافات الفقهية للدكتور محمد البيانوني، ص103 - 118.
(3)
حاشية ابن عابدين: 1/378؛ ونهاية المحتاج: 2/160؛ وكشاف القناع: 1/442؛ ومجموع فتاوى ابن تيمية؛ ورسالة ابن حزم في مجموع رسائل ابن حزم، تحقيق إحسان عباس، بيروت، 1981.
إقامة العذر (رفع الملامة) عن الاجتهادات المخالفة في النصوص: (1) :
قال ابن تيمية: وليعلم أنه ليس من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولًا عامًا يعتمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته، دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقًا يقينيًّا على وجوب اتباع الرسول.
وعلى أن كل واحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلا بد له من عذر في تركه.
وجميع الأعذار ثلاثة أصناف:
أحدها: عدم اعتقادهم النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.
والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.
وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة:
السبب الأول: ألا يكون الحديث قد بلغه، ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون عالمًا بموجبه، وإذا لم يكن بلغه وقد قال في تلك القضية بموجب ظاهر آية أو حديث آخر، أو بموجب قياس، أو بموجب استصحاب، فقد يوافق ذلك الحديث تارة أو يخالفه أخرى، وهذا السبب هو الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف مخالفًا لبعض الأحاديث، فإن الإحاطة بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحد من الأمة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث، أو يفتي، أو يقضي، أو يفعل الشيء فيسمعه أو يراه من يكون حاضرًا، ويبلغ أولئك أو بعضهم من يبلغونه، فينتهي علم ذلك إلى ما يشاء الله من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ثم في مجلس آخر قد يحدث أو يفتي أو يقضي أو يفعل شيئًا، ويشهده بعض من كان غائبًا عن ذلك المجلس ويبلغونه لمن أمكنهم، فيكون عند هؤلاء من العلم ما ليس عند هؤلاء، وعند هؤلاء ما ليس عند هؤلاء، وإنما يتفاضل العلماء من الصحابة ومن بعدهم بكثرة العلم وجودته.
وأما إحاطة واحد بجميع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يمكن ادِّعاؤه قطُّ
…
(ثم ضرب لذلك أمثلة مما وقع للخلفاء الراشدين ومن بعدهم) .
(1) من رسالة (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لابن تيمية، بتلخيص واختصار غير مخل.
السبب الثاني:
أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده، إما لأن محدثه أو محدث محدثه أو غيره من رجال الإسناد مجهول عنده، أو متهم أو سيِّئ الحفظ، وإما لأنه لم يبلغه مسندًا بل منقطعًا، أو لم يضبط لفظ الحديث مع أن ذلك الحديث قد رواه الثقات لغيره بإسناد متصل، بأن يكون غيره يعلم من المجهول عنده الثقة، أو يكون قد رواه غير أولئك المجروحين عنده، أو قد اتصل من غير الجهة المنقطعة، وقد ضبط ألفاظ الحديث بعض المحدثين الحفاظ، أو لتلك الرواية من الشواهد والمتابعات ما يبين صحتها. وهذا أيضًا كثيرًا جدًّا؛ وهو في التابعين وتابعيهم إلى الأئمة المشهورين من بعدهم أكثر من العنصر الأول (1) .
السبب الثالث:
اعتقاد ضعف الحديث باجتهادٍ قدْ خالفه فيه غيره مع قطع النظر عن طريق آخر، سواء كان الصواب معه أو مع غيره أو معهما، عند من يقول: كل مجتهد مصيب، ولذلك أسباب:
منها أن يكون المحدث بالحديث يعتقد أحدهما ضعيفًا، ويعتقد الآخر ثقة - ومعرفة الرجال علم واسع - ثم قد يكون المصيب من يعتقد ضعفه، لاطلاعه على سبب جارح، وقد يكون الصواب مع الآخر لمعرفة أن السبب غير جارح، وإما لأن جنسه غير جارح، أو لأنه كان له فيه عذر يمنع الجرح.
وهذا باب واسع، وللعلماء بالرجال وأحوالهم في ذلك من الإجماع والاختلاف مثل ما لغيرهم من سائر أهل العلم في علومهم، ثم تابع بيان الأسباب المتفرعة، وهذا السبب مما مرجعه إلى قضايا من مصطلح الحديث.
السبب الرابع:
اشتراطه في خبر الواحد العدل الحافظ شروطًا يخالفه فيها غيره، مثل اشتراط بعضهم عرض الحديث على الكتاب والسنة، واشتراط بعضهم أن يكون المحدث فقيهًا إذا خالف قياس الأصول، واشتراط بعضهم انتشار الحديث وظهوره إذا كان فيما تعم به البلوى، إلى غير ذلك مما هو معروف في مواضعه.
(1) أبو داود في النكاح برقم (2114) ؛ والترمذي في النكاح برقم (1145) ؛ والنسائي برقم (3354، 3355) .
السبب الخامس:
أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده لكن نسيه، وهذا يراد في الكتاب والسنة.
السبب السادس:
عدم معرفته بدلائل الحديث، تارة لكون اللفظ الذي في الحديث غريبًا عنده، مثل لفظ المزابنة، والمحاقلة، والمخابرة، والملامسة، والمنابذة، والغرر، إلى غير ذلك من الكلمات الغريبة التي قد يختلف العلماء في تفسيرها، وتارة لكون اللفظ مشتركًا، أو مجملًا، أو مترددًا بين الحقيقة والمجاز، فيحمله على الأقرب عنده، وإن كان المراد هو الأخير، كما حمل جماعة من الصحابة في أول الأمر الخيط الأبيض والخيط الأسود على الحبل، وكما حمل آخرون قوله:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43] ، على اليد إلى الإبط.
وتارة لأن الدلالة من النص خفية، فإن جهات دلالات الأقوال متسعة جدًا، يتفاوت الناس في إدراكها وفهم وجوه الكلام بحسب منح الحق - سبحانه - ومواهبه، ثم قد يعرفها الرجل من حيث العموم ولا يتفطن لكون هذا المعنى داخلًا في ذلك العام، ثم قد يتفطن له تارة ثم ينساه بعد ذلك.
هذا الباب واسع جدًا لا يحيط به إلا الله، وقد يغلط الرجل فيهم من الكلام ما لا تحتمله اللغة العربية التي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بها.
السبب السابع:
اعتقاده ألا دلالة في الحديث، والفرق بين هذا وبين الذي قبله أن الأول لم يعرف جهة الدلالة، والثاني عرف جهة الدلالة سواء كانت في نفس الأمر صوابًا أو خطأ، مثل أن يعتقد أن العام المخصوص ليس بحجة، وأن المفهوم ليس بحجة، وأن العموم الوارد على سبب مقصور على سببه، أو أن الأمر المجرد يقتضي الوجوب أو لا يقتضيه.
والسبب الثامن:
اعتقاده أن تلك الأدلة قد عارضها ما دل على أنها ليست مرادة، مثل معارضة العام بخاص، أو المطلق بمقيد، أو الأمر المطلق بما ينفي الوجوب، أو الحقيقة بما يدل على المجاز، إلى أنواع المعارضات، وهو باب واسع - أيضًا - فإن تعارض دلالات الأقوال وترجيح بعضها على بعض بحر خضم.
السبب التاسع:
اعتقاده أن الحديث معارض بما يدل على ضعفه، أو نسخه، أو تأويله إن كان قابلًا للتأويل بما يصلح أن يكون معارضًا بالاتفاق، مثل آية أو حديث آخر، أو مثل إجماع واحد منها.
وتارة يعين أحدها، بأن يعتقد أنه منسوخ، أو أنه مؤول، ثم قد يغلط في النسخ فيعتقد المتأخر متقدمًا، وقد يغلط في التأويل بأن يحمل الحديث على ما لا يحتمله لفظه، أو هناك ما يدفعه، وإذا عارضه من حيث الجملة فقد لا يكون ذلك المعارض دالًا، وقد لا يكون الحديث المعارض في قوة الأول إسنادًا أو متنًا، وتجيء هنا الأسباب المتقدمة وغيرها في الحديث الأول، والإجماع المدعى في الغالب إنما هو عدم العلم بالمخالف.
وقد وجدنا من أعيان العلماء من صاروا إلى القول بأشياء متمسكهم فيها عدم العلم بالمخالف، مع أن ظاهر الأدلة عندهم يقتضي خلاف ذلك، لكن لا يمكن العالم أن يبتدئ قولًا لم يعلم به قائلًا، مع علمه أن الناس قد قالوا خلافه، حتى إن منهم من يعلق القول فيقول: إن كان في المسألة إجماع فهو أحق ما يتبع، وإلا فالقول عندي كذا وكذا.
والسبب العاشر:
معارضته بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله، مما لا يعتقده غيره أو جنسه معارض، أو لا يكون في الحقيقة معارضًا راجحًا.
(وقد أورد ابن تيمية الأمثلة وما قبله مما في المذاهب المعروفة طويتها قصدًا للاختصار، وتجنبًا لإثارة المسائل الخلافية والردود عليها)، ثم قال:
فهذه الأسباب العشرة ظاهرة، وفي كثير من الأحاديث يجوز أن تكون للعالم حجة في ترك العمل بالحديث لم نطلع نحن على جميع ما في بواطن العلماء، والعالم قد يبدي حجته وقد لا يبديها، إذا أبداها فقد تبلغنا وقد لا تبلغ، وإذا بلغتنا فقد ندرك موضع احتجاجه وقد لا ندركه، سواء كانت الحجة صوابًا في نفس الأمر أم لا، لكن نحن وإن جوزنا هذا فلا يجوز لنا أن نعدل عن قول ظهرت حجته بحديث صحيح وافقه طائفة أهل العلم، إلى قول آخر قال عالم يجوز أن يكون معه ما يدفع به هذه الحجة وإن كان أعلم، إذ تطرق الخطأ إلى آراء العلماء أكثر من تطرقه إلى الأدلة الشرعية، فإن الأدلة الشرعية حجة الله على جميع عباده بخلاف رأي العالم.
والدليل الشرعي يمتنع أن يكون خطأ إذا لم يعارضه دليل آخر، ورأي العالم ليس كذلك، لو كان العمل بهذا التجويز جائزًا لما بقي في أيدينا شيء من الأدلة التي يجوز فيها مثل هذا، لكن العوض أنه في نفسه قد يكون معذورًا في تركه له، ونحن معذورون لتركنا لهذا الترك، وقد قال سبحانه:{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ} [البقرة: 141]، {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] . وليس لأحد أن يعارض الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما لرجل سأله عن مسألة فأجابه فيها بحديث، فقال له: قال أبو بكر وعمر، فقال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟
وإذا كان الترك يكون لبعض هذه الأسباب، فإذا جاء حديث صحيح فيه تحليل أو تحريم أو حكم، فلا يجوز أن يعتقد أن التارك له من العلماء الذين وصفنا أسباب تركهم يعاقب، لكونه حلل الحرام أو حرم الحلال، أو حكم بغير ما أنزل الله.
وكذلك إن كان في الحديث وعيد على ما فعل - من لعنة أو غضب أو عذاب ونحو ذلك - فلا يجوز أن يقال: إن ذلك العالم الذي أباح هذا أو فعله داخل في هذا الوعيد.
وهذا مما لا نعلم بين الأمة فيه خلافًا إلا شيئًا يحكى عن بعض معتزلة بغداد - مثل المريسي وأضرابه - أنهم زعموا أن المخطئ من المجتهدين يعاقب على خطئه، وهذا لأن لحوق الوعيد لمن فعل المحرم مشروط بعلمه بالتحريم، أو بتمكنه من العلم بالتحريم.
الدكتور عبد الستار أبو غدة.