المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيع الدينإعداد الدكتورعبد اللطيف محمود آل محمود - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الحادي عشر

- ‌بيع الدين والأوراق الماليةوبدائلها الشرعيةإعدادالقاضي محمد تقي العثماني

- ‌أحكام التصرف في الديوندراسة فقهية مقارنةإعداد الدكتورعلي محيي الدين القره داغي

- ‌بيع الدينأحكامه – تطبيقاته المعاصرةإعدادأ. د نزيه كمال حماد

- ‌بيع الدينإعداد الدكتورعبد اللطيف محمود آل محمود

- ‌بيع الدين وسندات القرضوبدائلها الشرعيةفي مجال القطاع العام والخاصإعداد الدكتورمحمد علي القري بن عيد

- ‌بيع الدين وسندات القرضوبدائلها الشرعية في مجال القطاع العام والخاصإعدادالدكتور سامي حسن حمود

- ‌المضاربات في العملةوالوسائل المشروعة لتجنب أضرارها الاقتصاديةإعداد الدكتورأحمد محيي الدين أحمد

- ‌المضاربات على العملةماهيتها وآثارها وسبل مواجهتهامع تعقيب من منظور إسلاميإعداد الدكتورشوقي أحمد دنيا

- ‌عقود الصيانةوتكييفها الشرعيإعدادالشيخ محمد المختار السلامي

- ‌عقود الصيانةوتكييفها الشرعيإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌عقود الصيانة وتكييفها الشرعيعقد الصيانةإعدادآية الله محمد على التسخيري – مرتضى الترابي

- ‌عقود الصيانةإعدادالدكتور منذر قحف

- ‌عقود الصيانة وتكييفها الشرعيإعدادالدكتور محمد أنس الزرقاء

- ‌ضوابط الفتوىفي ضوء الكتاب والسنةومنهج السلف الصالحإعداد الدكتورعبد الوهاب بن لطف الديليمي

- ‌سبل الاستفادة من النوازل "الفتاوى "والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرةإعداد الدكتوروهبة مصطفى الزحيلي

- ‌سبل الاستفادة من النوازل "الفتاوى "والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرةإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌سبل الاستفادة من النوازل "الفتاوى "والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرةإعداد الدكتورعبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه

- ‌العمل الفقهيعند الإباضيةإعدادناصر بن سليمان بن سعيد السابعي

- ‌الإسلامفي مواجهة الحداثة الشاملةإعدادالدكتور ناصر الدين الأسد

- ‌مجمع الفقه الإسلامي الدوليووحدة الأمة الإسلاميةإعدادمحمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌الوحدة الإسلاميةمنهجية المقارنة بين المذاهب الفقهيةإعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌الوحدة الإسلاميةمعالمها وأعلامهاإعدادالأستاذ محمد واعظ زادة الخراساني

- ‌الوحدة الإسلامية{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}إعدادالشيخ عدنان عبد الله القطان

- ‌الوحدة الإسلاميةأدب الحوار وأخلاقيات البحثإعدادالدكتور سعيد بن عبد الله بن محمد العبري

- ‌‌‌الإسلام في مواجهة العلمنةإعدادالدكتور عمر عبد الله كامل

- ‌الإسلام في مواجهة العلمنةإعدادالدكتور عمر عبد الله كامل

- ‌الإسلام في مواجهة العلمنةموقف الإسلام من مسألة الحكم والسيادةإعدادآية الله الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الديمقراطية والعلمانيةوحقوق الإنسانالمرجعية الغربية والمرجعية الإسلاميةإعدادالأستاذ إبراهيم بشير الغويل

الفصل: ‌بيع الدينإعداد الدكتورعبد اللطيف محمود آل محمود

‌بيع الدين

إعداد الدكتور

عبد اللطيف محمود آل محمود

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فبناءً على دعوة سماحة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة للمشاركة في الدورة الحادية عشرة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي التي تعقد في دولة البحرين، بتقديم بحث حول موضوع (بيع الدين وسندات القرض وبدائلها الشرعية في مجال القطاع العام والخاص) أقدم جزءًا من الموضوع وهو عن (بيع الدين) .

ولأن هذا الموضوع قد سبقت دراسته والتركيز عليه فإني تركت ذكر الاستشهاد بنصوص الكتب الفقهية المذهبية اعتمادًا على المصادر التي نقلت عنها خاصة كتاب الأخ د. نزيه حماد (دراسات في أصول المداينات في الفقه الإسلامي) .

والإضافة التي أقدمها في هذا البحث هي التفصيل في صور بيع الدين لغير المدين، حيث تناولت المراجع التي اطلعت عليها بيع الدين لغير المدين بشكل إجمالي، فإن أصبت فمن فضل الله علي، وإن جانبت الصواب فمن نفسي وقلة بضاعتي، راجيًّا أن ينفع الله بهذا البحث كاتبه وقارئه ومن أسدى جميلاً لصاحبه بالتوجيه والتنبيه.

وعلى الله قصد السبيل.

ص: 96

بيع الدين

تعريف الدين

الدين في اللغة:

يطلق الدين في اللغة على أكثر من معنى (1) :

1-

القرض، يقال: دنت الرجل أي أخذت منه دينًا (أي قرضًا) وأدنت أي أقرضت.

2-

القرض إلى أجل.

3-

كل شيء غير حاضر.

الدين في اصطلاح الفقهاء:

ورد في الموسوعة الفقهية: أن أوضح الأقوال المتعددة لمعنى الدين عند الفقهاء قول ابن نجيم: (الدين لزوم حق في الذمة) ليشمل الحقوق المالية وغير المالية سواء كانت لله تعالى أو للناس. كما بينت الموسوعة اختلاف الفقهاء في تعريف الدين حيث عرفه الحنفية بأنه: (ما يثبت في الذمة من مال في معاوضة أو إتلاف أو قرض)، وعرفه جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة بأنه:(ما يثبت في الذمة من مال بسبب يقتضي ثبوته) ، وأشارت إلى اختلافهم في المال حيث يرى الحنفية أن المال هو (ما يميل إليه طبع الإنسان ويمكن ادخاره لوقت الحاجة) وعليه لم يعتبروا المنافع من الأموال، لأنها غير قابلة للإحراز والادخار ولا تقبل الثبوت في الذمة دينا، بينما يرى غيرهم أن المنافع تعتبر أموالاً بحد ذاتها وتحاز بحيازة أصولها ومصادرها (2) .

غير أن التحقيق لمصطلح (الدين) يبين أن الفقهاء يستخدمون هذا المصطلح باعتبارين شكلي وموضوعي (3) .

فمن الناحية الشكلية يستعملون (الدين) في مقابل العين، ويريدون بالعين الشيء المعين المشخص سواء أكان نقدا أم غير نقد، وبالدين ما يثبت في الذمة من غير أن يكون معينًا مشخصًا سواء أكان نقدًا أم غيره. وبهذا المعنى جاءت القاعدة الفقهية:(المعين لا يستقر في الذمة، وما تقرر في الذمة لا يكون معينًا) .

ومن الناحية الموضوعية يستعلم الفقهاء الدين بالنظر إلى أسباب وجوبه ومصادر ثبوته بمعنيين أحدهما أعم من الآخر.

أ – الدين بالمعنى الأعم: كل ما ثبت في الذمة من أموال أو حقوق لله تعالى أو للناس بأي سبب من الأسباب سواء أكان الحق مالاً (نقدًا أو غير نقد) أم غير مال (كالصلاة والحج الواجبين) .

ب- الدين بالمعنى الأخص: ويعنون به ما ثبت في الذمة من أموال.

وقد اختلف الفقهاء في تعريف الدين بالمعنى الأخص، فعرفه الحنفية بأنه:(ما يثبت في الذمة من مال في معاوضة أو إتلاف أو قرض)، وعرفه جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة بأنه:(ما يثبت في الذمة من مال بسبب يقتضي ثبوته) .

وحيث إن موضوع البحث هنا هو ما يتعلق بعمل المؤسسات المالية الإسلامية (من مصارف وشركات استثمار) فينبغي التنبه إلى أن المقصود من (بيع الدين) الدين النقدي دون سائر الديون.

(1) ترتيب القاموس، الطاهر أحمد الزاوي، (مادة د ي ن) ؛ لسان العرب المحيط، يوسف خياط، (مادة دين) ؛ معجم مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، (مادة دين) .

(2)

الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت: 21 / 103 – 106.

(3)

حماد، ص 10 – 19.

ص: 97

آراء المذاهب الإسلامية في بيع الدين وسندات القرض

تحدث فقهاء المذاهب الإسلامية عن الدين والتصرف فيه من الدائن والمدين بشيء من التفصيل، وأصبح هذا الموضوع محل اهتمام الباحثين والدارسين بصورة واضحة منذ نشأة المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرة العاملة في مجال المصارف والاستثمار لما لهذا الموضوع من تأثير في التعاملات المالية خاصة، وأن بيع الدين من المعاملات المالية التي تقوم بها المصارف التجارية التي لا تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية، كما أن القوانين الوضعية تقر هذا النوع من التعاملات. ولا بد من اتضاح وجهة النظر الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية حتى تلتزم بها.

ولوفرة الدراسات المعمقة والمقارنة في موضوع بيع الدين على وجه الخصوص سأكتفي باستعراض ملخص لها مع بعض الزيادة التي اقتضاها التفصيل. (1)

التصرف في الدين:

التصرف في الدين إما أن يكون من الدائن أو من المدين ، ولكل منهما أوجه من التصرف.

أولا – تصرف المدين:

تصرف المدين في الدين الثابت في ذمته يكون بأحد وجهين: (2)

أ – الحوالة: أي حوالة الدين الثابت في ذمته على طرف ثالث ليتقاضى الدائن دينه منه (من الطرف الثالث) .

ب – السفتجة (3) : وهى علاقة مالية بين ثلاثة أطراف، يدفع الطرف الأول للطرف الثاني مبلغا من المال، ويرسل الطرف الثاني للطرف الثالث (وكيله أو مدينه) في مكان آخر كتاب ليدفع للطرف الأول نظير ما أخذه منه، وهذه العلاقة قد تكون على وجه القرض أو الحوالة أو الوكالة.

وتصرف المدين في الدين الثابت في ذمته لا يدخل في موضوع بيع الدين وسندات القرض.

ثانيا – تصرف الدائن: (4)

حصر الفقهاء تصرف الدائن في الدين الذي له في صور قائمة على أساس أن يملك الدائن دينه لمدينه أو لغيره بعوض أو بغير عوض، ولهذا التمليك صور:

الصورة الأولى: تمليك الدائن دينه المستقر للمدين بغير عوض.

(1) انظر: الموسوعة الفقهية ج 21، دراسات في أصول المداينات في الفقه الإسلامي، د. نزيه حماد، الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، د. عمر عبد العزيز الترك.

(2)

الموسوعة الفقهية: 21 / 132؛ حماد، ص 163 – 197.

(3)

الموسوعة الفقهية: 25 / 23 – 26؛حماد، ص 187 –197

(4)

حماد ص 138 – 162، الموسوعة الفقهية: 12 / 121 – 131.

ص: 98

الدين المستقر هو ما ثبت في ذمة المدين ولا خيار له في الرجوع عن تصرفه إلا بعقد جديد، ويمثل له بغرامة المتلف وبدل القرض وقيمة المغصوب وعوض الخلع وثمن المبيع والأجرة بعد استيفاء المنفعة والمهر بعد الدخول.

ويكون التمليك في هذه الصورة بالهبة والإبراء ونحوهما.

هذه الصورة لا خلاف بين الفقهاء في جوازها شرعا لأنها إسقاط حق، وإسقاط الحق أمر مشروع في الشريعة الإسلامية.

الصورة الثانية: تمليك الدائن دينه المستقر للمدين بعوض.

ويكون التمليك في هذه الصورة بالصرف والبيع (الاستبدال) ، وتحت البيع مسائل.

أ – إن كان تمليك الدين للمدين صرفا بأن كان العوضان نقدين وكان العوض عن الدين نقدا غير النقد الذي في ذمة المدين، فإنه يشترط لصحته شرعا قبض العوض في مجلس العقد، وأن يكون الصرف بسعر يومه، لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ مكانها الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ مكاناها الدنانير. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له فقال:((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء)) . (1)

ب – إن كان تمليك الدين للمدين استبدالا بين غير الربويات اشترط لصحة هذا التمليك القبض العوض في مجلس العقد (2) عملا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((الورق بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء)) . (3)

ج – وإن كان تمليك الدين للمدين استبدالا بين غير الربويات وكان البدل حالا، فيجوز عند جمهور الفقهاء (4) ، مثل أن يستبدل ألف دينار في ذمة المدين بسيارة يملكها المدين.

(1) قال البغوي: لا يعرف هذا الحديث مرفوعا إلا من حديث سماك ين حرب عن سعيد، وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الحاكم والدارقطني وقال الترمذي والبيهقي: لم يرفعه غير سماك بن حرب. انظر حاشية شرح السنة للبغوي 8 / 111.

(2)

نص على ذلك الشافعية والحنابلة، انظر حماد، ص 141.

(3)

رواه مسلم، كتاب المساقاة، رقم 2968.

(4)

خالف في ذلك الظاهرية، وهو قول ابن عباس وابن مسعود ورواية عن الإمام أحمد، انظر الترك، ص 288 – 289.

ص: 99

د- إن كان تمليك الدين للمدين استبدالا بين غير الربويات وكان البدل مؤجلاً، فلا يجوز ذلك عند جمهور الفقهاء، ومنهم الأئمة الأربعة وابن حزم لما فيه من بيع الكالئ بالكالئ المنهي عنه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) ، وذهب ابن تيمية وابن القيم إلى جواز ذلك (2) .

وتطبيقًا لشرط حلول البدل:

نص الشافعية والحنابلة على عدم جوز صرف ما في الذمة، كم لو كان الرجل في ذمة رجل آخر دينار والآخر علية عشرة دراهم فاصطرفا ما في ذمتيهما. وخالف في ذلك الحنفية والمالكية والسبكي من الشافعية وابن تيمية حيث قالوا بجواز صرف ما في الذمة، لأن الذمة الحضرة كالعين الحاضرة، غير أن المالكية اشترطوا أن يكون الدينان حالين (3) .

- ذهب كثير من الفقهاء ومنهم الحنفية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز جعل الدين في ذمة شخص رأس مال سلم، لأنه يؤدي إلى بيع الدين بالدين، ولأن قبض رأس مال السلم شرط لصحة السلم. وخالفهم في ذلك ابن تيمية وابن القيم بعدم صحة الإجماع في منع ذلك ولا محذور فيه وليس هو من بيع كالئ بكالئ لفظًا ولا معنى (4) . نص الحنفية والحنابلة والشافعية في وجه على أنه لا يجوز بيع الدين ممن هو عليه بشيء موصوف في الذمة إذا لم يقبض الدائن العوض في المجلس قبل التفرق (5) .

الصورة الثالثة: تمليك الدائن دينه غير المستقر للمدين تغير عوض. يمثل للدين عير المستقر بالمسلم فيه والأجرة قبل استيفاء المنفعة أو مضي زمانها، والمهر قبل الدخول، والجعل قبل العمل، والأجرة قبل فراغ المدة.

وهذا النوع من الديون يجوز تمليكه لمن هو عليه بغير عوض بهبة أو إبراء؛ لأن ذلك من إسقاط الدين عن المدين، ولا دليل يمنع من هذا الإسقاط (6) .

الصورة الرابعة: تمليك الدائن دينه غير المستقر للمدين بعوض. يفقر الفقهاء بين دين السلم غير المستقر في الذمة – لاحتمال فسخ العقد – وبين غيره من الديون؛ لذا يندرج تحت هذا الصورة مسألتان:

المسألة الأولى: تمليك الدائن دين السلم (وهو دين غير مستقر) للمدين (المسلم إليه) بعوض (7) . اختلف الفقهاء في صحة تمليك المسلم (الدائن) دين المسلم للمدين (المسلم إليه) بعوض إلى ثلاثة آراء:

الرأي الأول: أنه لا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه للمسلم إليه، استدلالًا بحديث:((من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره)) (8) . ولأنه كالمبيع قبل القبض. وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة والشافعية.

(1) رواه الدارقطني والبيهقي والطحاوي والحاكم والبزار وابن أبي شيبة وابن عدي وعبد الرزاق من حديث موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف. قال الشافعي: أهل الحديث يوهنون هذا الحديث. وقال أحمد: ليس في هذا حديث يصح. غير أن هذا الحديث مع ضعف سنده لعلة تفرد موسى بن عبيدة به فقد تلقته الأمة بالقبول بين عامل به على عمومه وبين متأول له، واتفقت المذاهب الأربعة على الأخذ بمضمونه والاحتجاج به؛ (انظر التلخيص الحبير: 3/26؛ السيل الجرار للشوكاني: 3/14؛الدراية لابن حجر: 157/2 ح المغني لابن قدامة: 4/53؛ نظرية العقد لابن تيمية، ص 235؛ نيل الأوطار: 5/255؛ سبل السلام: 3/18؛ تكملة المجموع للسبكي: 10/107؛ بداية المجتهد: 2/162) .

(2)

انظر الترك، ص 293-294.

(3)

انظر الترك، ص 142-143.

(4)

حماد، 146- 148.

(5)

حماد، ص 148/149.

(6)

الموسوعة الفقهية: 21/129؛ حماد، ص 149.

(7)

الموسوعة الفقهية: 129-130؛ حماد، ص 149-154.

(8)

أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والبيهقي عن أبي سعيد الخدري. (بذل المجهود: 15 / 146؛ سنن ابن ماجه: 2 / 766؛ سنن البيهقي: 6 / 30؛ سنن الدراقطني: 3 / 45؛ الدراية في تخريج أحاديث الهداية: 2 / 160) .

ص: 100

الرأي الثاني: يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه للمسلم إليه بثمن المثل أو أقل منه، ولا يصح بيعه بأكثر من ثمن المثل. والمراد بثمن المثل ثمن مثل العوض لا المعوض عنه (المسلم فيه) لئلا يكون من السلف الذي جر منفعة، أو يكون من ربح ما لم يضمن. وهذا قول ابن عباس ورواية عن أحمد.

الرأي الثالث: يجوز بيع المسلم فيه للمسلم إليه بأربعة شروط:

1-

أن يكون المسلم فيه مما يباع قبل قبضه، فلا يجوز بيع المسلم فيه إذا كان طعامًا.

2-

أن يكون المأخوذ مما يباع بالمسلم فيه يدًا بيد، كما لو أسلم دراهم في ثوب فأخذ عنه طشت نحاس إذ يجوز بيع الطشت بالثوب يدًا بيد.

3-

أن يكون المأخوذ مما يجوز أن يسلم فيه رأس المال، كما لو أسلم دراهم في حيوان فأخذ عن ذلك الحيوان ثوبًا، لأنه يجوز أن يسلم الدراهم في الثوب.

4-

أن يقبض العوض في مجلس العقد:

المسألة الثانية: تمليك الدائن دينه غير المستقر وهو غير السلم للمدين بعوض.

اختلف الفقهاء في جواز تمليك الدين غير المستقر في الذمة للمدين على رأيين (1) .

الرأي الأول: لا يجوز بيع الدين غير المستقر في الذمة (غير السلم) لمن هي عليه؛ لأن ملكه عليها (أي ملك البائع لها) غير تام، وهو رأي الحنابلة.

الرأي الثاني: يجوز بيعها لمن هي عليه، لأنه لا فرق بين الديون المستقرة وغير المستقرة، وهو رأي الحنفية والشافعية.

الصورة الخامسة: تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين بغير عوض (2) .

ويكون ذلك بأن يهب دينه على شخص لطرف ثالث أو يوصي به بعد موته.

نص الحنفية على صحة الوصية بالدين لغير من هو عليه لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، فينتقل الملك فيه للموصى له كما ينتقل بالإرث للوارث. كما نصوا على جواز الهبة إذا أمر الواهب الموهوب له بقبض الدين على وجه الاستحسان وإن لم يأمره لم تجز الهبة (3) .

ونص الشافعية والحنابلة على عدم صحة هبة الدين لغير من هو عليه، لأن الدين غير مقدور على تسليمه (4) .

وحيث إن المالكية يجيزون بيع الدين لغير المدين بشروط تبعده عن الغرر مع شرط قدرة الدائن على تسليم الدين للمشتري فبالأولى القول عندهم بهبة الدين والوصية به بذات الشروط.

الصورة السادسة: تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين بعوض (5) .

وتفصيل القول في هذه الصورة مبني على تفصيل القول في الصورة الثانية (تمليك الدائن دينه المستقر للمدين بغير عوض) من حيث كون التمليك صرفًا أو بيعًا (استبدالاً) .

(1) الموسوعة الفقهية: 21 / 130؛ حماد، ص 154 – 155.

(2)

حماد، ص 156 – 162؛ الموسوعة الفقهية: 21 / 130 – 132.

(3)

حماد، ص 158 – 159.

(4)

حماد، ص 157 – 158.

(5)

الموسوعة الفقهية: 21 / 130 – 132؛ حماد، ص 156 – 162؛ الترك، ص 296 – 301.

ص: 101

أ- فإن كان تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين صرفًا من جنس واحد (ذهب بذهب أو فضة بفضة ومثلهما النقد المتداول بمثله (، فيجوز التمليك إذا تساوى البدلان وبذل المدين الدين في مجلس العقد بأن كان الدين حالاً فأقبضه، أو مؤجلاً فعجله وأقبضه فلا خلاف في القول بصحته، وإذا اختل أحد الشرطين أو كلاهما فلا يجوز، لمخالفته شروط الصرف.

ب- وإن كان تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين صرفًا من جنسين (ذهب بفضة ومثله نقد متداول بنقد آخر) فيجوز التمليك إذا كان الصرف بسعر يومه، وبذل الدين في مجلس العقد بأن كان الدين حالاً فأقبضه أو مؤجلا فعجله وأقبضه، وإلا فلا لمخالفته شروط الصرف.

ج – وإن كان تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين بيعًا بين الربويات المتماثلة في الجنس غير النقدين (تمر بتمر مثلاً) ؛ فإنه يصح إذا تساويا في القدر وأقبض المدين دينه في مجلس العقد للطرف الثالث، وإن لم يسلمه في مجلس العقد فلا يجوز هذا التمليك.

د- وإن كان تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين بيعًا بين الربويات غير المتماثلة في الجنس (شعير بقمح مثلاً) ، وأقبض المدين دينه في مجلس العقد للطرف الثالث فإنه يصح، وإن لم يسلمه في مجلس العقد فلا يجوز هذا التمليك.

هـ – وإن كان تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين بيعًا بين غير الربويات بثمن حال، كأن يكون لإنسان على آخر دين مقداره مائة صاع من القمح، فيبيعها على آخر بمائتي ريال نقدًا، أو يكون له مبلغ من المال على شخص، فيشتري سيارة من ثالث بذلك الدين، فقد اختلف الفقهاء فيه على آراء (1) :

الرأي الأول: لا يجوز بيع الدين بثمن حال، وهو رأي جمهور العلماء من الحنفية والحنابلة والظاهرية وأحد قولي الشافعي.

الرأي الثاني: يجوز ذلك بشروط. وهو رأي المالكية الذين اشترطوا لذلك ثمانية شروط تباعد بينه وبين الغرر والربا وهي:

1-

أن يكون المدين حاضرًا.

2-

أن يكون المدين مقرًّا بالدين.

3-

أن يكون المدين ممن تأخذه الأحكام (يمكن أن تطبق عليه) ليمكن تخليص الدين منه.

4-

أن يباع الدين بغيرِ جنسه أو بجنسه بشرط المساواة إن كانا ربويين.

5-

ألا يكون صرفًا.

6-

ألا يكون بين المدين والمشتري عداوة.

7-

أن يكون الدين مما يجوز بيعه قبل قبضه.

8-

أن يباع الدين بثمن مقبوض.

(1) الترك، ص 296 – 301؛ حماد، ص 159.

ص: 102

الرأي الثالث: يجوز بيع دين غير السلم لغير من عليه الدين، كما يجوز بيعها للمدين بشروط تنفي الغرر الناشئ عن عدم قدرة الدائن على تسليم الدين إلى المشتري بشروط، وهو رأي للشافعية في قول صححه كثير من أئمتهم كالشيرازي في المهذب والنووي في زوائد الروضة وغيرهما.

والشروط هي:

1-

أن يكون المدين حالاً.

2-

أن يكون المدين مقرًّا بالدين.

3-

أن يكون المدين مليًّا أو عليه بينة لا كلفة في إقامتها.

4-

التقابض في المجلس في بيع الدين للمدين إذا كان العوضان من الربويات.

و– وإن كان تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين بيعًا بين غير الربويات بثمن مؤجل، كأن يكون لشخص على آخر مائة صاع من قمح مثلاً، فيبيعها على ثالث بمائتي ريال مؤجلة إلى شهر، فقد اختلف الفقهاء فيها على قولين (1) :

القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى فساد هذا البيع وعدم صحته، لأنه من بيع الدين بالدين (الكالئ بالكالئ) ، وفيه شغل لذمتي البائع والمشتري دون أن يجني أحدهما من وراء هذا التعاقد فائدة.

القول الثاني: يجوز هذا البيع، وهو رأي بعض العلماء المعاصرين قياسًا على الحوالة، وفيه تحقيق مصلحة للطرفين وليس هناك ضرر يلحق بالمدين.

وقد رجح القول الأول.

الصورة السابعة: تمليك الدائن دينه غير المستقر لغير المدين بغير عوض.

قد تبدو هذه الصورة شبيهة بتمليك الدائن دينه غير المستقر للمدين بغير عوض (الصورة الثالثة) فتعطي حكمها وهو الجواز، غير أن ذلك الحكم بني على أساس أن ذلك التمليك إسقاط للدين عن المدين، والصورة التي معنا ليس فيها إسقاط للدين حتى يأخذ حكمه.

ذلك أننا نرى في هذا التمليك عطية من جانب الدائن لطرف ثالث يتبعه انتقال الحق في الدين من الدائن للطرف الثالث ويترتب عليه حق مطالبة الطرف الثالث المدين بالدين. وهذا الفرق يستدعي معرفة رأي الفقهاء في هبة الدين غير المستقر.

إن من شروط الموهوب أن يكون مملوكًا للواهب (2) ، وحيث إن الملك غير مستقر للدائن فلا يصح له أن يهبه لغير المدين.

وقد صرح ابن قدامة في المغني بأن هبة الدين لغير من هو في ذمته لا تصح، لأنه غير قادر على تسليمه، وقياسًا على عدم صحة بيعه عندهم (الحنابلة) . قال: ويحتمل أن تصح، لأنه لا غرر فيها على المتهب ولا الواهب فصح كهبة الأعيان (3) .

الصورة الثامنة: تمليك الدائن دينه غير المستقر لغير المدين بعوض.

سنفرق في الحديث عن الدين غير المستقر بين دين السلم وغيره على نحو ما مضى من قبل.

(1) الترك، ص 302 – 305.

(2)

الزحيلي: 5 / 14.

(3)

ابن قدامة: 6 / 257.

ص: 103

أ- دين السلم:

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى عدم صحة بيع المسلم فيه (دين السلم) لغير من هو في ذمته، لأنه لا يؤمن فسخ العقد بسبب انقطاع المسلم فيه وامتناع الاعتياض عنه، فكان كالمبيع قبل القبض.

وذهب المالكية إلى جواز بيع المسلم فيه لغير من هو عليه إذا لم يكن (المسلم فيه) طعامًا؛ لأنه لا يجوز عندهم بيع الطعام قبل قبضه.

ب- دين غير السلم:

مر في الصورة الرابعة أن الفقهاء قد اختلفوا في بيع غير السلم للمدين على رأيين: الأول يرى عدم جواز بيعها لأن الملك عليها غير تام، وأصحاب هذا الرأي يرون عدم جوازه لغير المدين من باب أولى.

والثاني يرى جواز بيع الدين غير المستقر (غير السلم) على المدين لأنهم لم يفرقوا بين الديون المستقرة وغير المستقرة.

ما الذي يدخل من هذه الصور في موضوع النقاش؟

+الصورة الأولى: تمليك الدائن دينه المستقر للمدين بغير عوض.

الصورة الثانية: تمليك الدائن دينه المستقر للمدين بعوض.

الصورة الثالثة: تمليك الدائن دينه غير المستقر لغير المدين بغير عوض.

الصورة الرابعة: تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين بغير عوض.

الصورة الخامسة: تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين بعوض.

الصورة السادسة: تمليك الدائن دينه غير المستقر لغير المدين بغير عوض.

الصورة السابعة: تمليك الدائن دينه غير المستقر لغير المدين بعوض.

إذا أخرجنا من هذه الصور تمليك الدائن للمدين سواء كان دينه مستقرًّا أو غير مستقر، وتمليك الدين غير المستقر لغير المدين بعوض أو بغير عوض، وتمليك الدائن دينه لغير المدين بغير عوض، فإننا أمام صورة واحدة من الصور التي ينطبق حكمها على التعاملات المالية في بيع الدين الذي يعمل به في الوقت الحاضر، وهي الصورة السادسة (تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين بعوض) .

لقد رأينا حكم هذه الصورة مختلفًا حسب نوع البيع وجنس المبيع وأجل الدين وحلوله على النحو التالي:

أ- إن كان تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين صرفًا من جنس واحد (ذهب بذهب أو فضة بفضة ومثلهما النقد المتداول بمثله) فيجوز التمليك إذا تساوى البدلان وبذل المدين الدين في مجلس العقد.

ب- إن كان تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين صرفًا من جنسين (ذهب بفضة ومثله نقد متداول بنقد آخر) ، فيجوز التمليك إذا كان الصرف بسعر يومه وبذل المدين الدين في مجلس.

ج – إن كان تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين بيعًا بين الربويات المتماثلة في الجنس غير النقدين (تمر بتمر مثلاً) ، فإنه يصح إذا تساويا في القدر وأقبض المدين دينه في مجلس العقد للطرف الثالث، وإن لم يسلمه في مجلس العقد فلا يجوز هذا التمليك.

ص: 104

د – وإن كان تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين بيعًا بين الربويات غير المتماثلة في الجنس غير النقدين (شعير بقمح مثلاً) وأقبض المدين دينه في مجلس العقد للطرف الثالث فإنه يصح، وإن لم يسلمه في مجلس العقد فلا يجوز هذا التمليك.

هـ – إن كان تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين بيعًا بين غير الربويات بثمن حال فقد اختلف الفقهاء فيه على آراء:

الرأي الأول: لا يجوز بيع الدين بثمن حال، وهو رأي جمهور العلماء من الحنفية والحنابلة والظاهرية وأحد قولي الشافعي.

الرأي الثاني: يجوز ذلك بشروط تباعد بينه وبين الغرر والربا وهي (1) :

1-

أن يكون المدين حاضرًا.

2-

أن يكون المدين مقرًّا بالدين.

3-

أن يكون المدين ممن تأخذه الأحكام (يمكن أن تطبق عليه) ليمكن تخليص الدين منه.

4-

ألا يكون بين المدين والمشتري عداوة.

5-

أن يباع الدين بثمن مقبوض.

الرأي الثالث: يجوز بيع دين غير السلم لغير من عليه الدين بشروط هي (2) :

1-

أن يكون الدين حالاً.

2-

أن يكون المدين مقرًّا بالدين.

3-

أن يكون المدين مليًّا أو عليه بينة لا كلفة في إقامتها.

و– إن كان تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين بيعًا بين غير الربويات بثمن مؤجل، فقد اختلف الفقهاء فيها على قولين:

القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى فساد هذا البيع وعدم صحته، لأنه من بيع الدين بالدين (الكالئ بالكالئ) .

القول الثاني: يجوز هذا البيع، وهو رأي بعض العلماء المعاصرين قياسًا على الحوالة، وفيه تحقيق مصلحة للطرفين وليس هناك ضرر يلحق بالمدين.

وقد رجح القول الأول.

وبناءً على ذلك فإن بيع الدين وسند القرض النقدي بالنقد ينطبق عليه حكم بيع الصرف بجنسه، فلا يصح إلا متماثلاً مع تسليم البدل في مجلس العقد، أو بغير جنسه فلا يصح إلا أن يكون بسعر يومه مع قبض البدل في مجلس العقد.

والله أعلم.

عبد اللطيف محمود آل محمود

(1) حذفت الشروط التي تجعل البيع من نوع ذكر سابقًا.

(2)

حذفت الشروط التي تجعل البيع من نوع ذكر سابقًا.

ص: 105