الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوحدة الإسلامية
أدب الحوار وأخلاقيات البحث
إعداد
الدكتور سعيد بن عبد الله بن محمد العبري
الأستاذ بكلية التربية والعلوم الإسلامية
جامعة السلطان قابوس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد؛
فإن الاختلاف سنة الحياة: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118] ، والإسلام هو الدين الوحيد الذي استطاع أن يؤلف بين المسلمين، ويوحد صفوفهم، وينتشلهم من ضعفهم:{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 63] ، ويجعلهم خير أمة أخرجت للناس، يؤمنون بالله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فأصبحوا رعاة أمم بعد أن كانوا رعاة غنم.
وقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن التنازع؛ لأنه يؤدي إلى التشتت والضياع والفشل: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، كما نهانا عن الفرقة والاختلاف اللذين كانا دأب غيرنا من أتباع الشرائع السابقة:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105] .
وأمرنا بالاعتصام بحبله المتين وبعروته الوثقى التي لا تلين، فقال:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]، واعتبر الله سبحانه وتعالى الاختلاف الذي يسبب الافتراق والتمزق ابتعادًا عن هدي النبوة حين قال:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159]، وأخبرنا بأن أمة الإسلام أمة واحدة فقال:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]، وقال:{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52] .
فإذا اختلفنا في أمر من الأمور أمرنا بالاحتكام إلى كتابه، وإلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في حياته، وسنته الصحيحة الثابتة بعد وفاته، فقال:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى: 10]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، وقال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] .
إن الاختلاف لا يفسد الود والألفة والإخاء متى لم يكن هذا الاختلاف في صميم الإيمان، فقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم والرسول صلى الله عليه وسلم على قيد الحياة، ولم يكن ذلك سببًا لافتراقهم، لأنهم سلموا من العلل النفسية التي تورث العوج في الفهم، ومتى كان الاختلاف مشروعًا ففيه رياضة للأذهان، وتلاقح للآراء، وفتح لمجالات التفكير للوصول إلى حلول متعددة في الواقعة الواحدة؛ فإننا لابد لنا من مراعاة آداب الحوار وأخلاقيات البحث للوصول إلى الاتفاق في القضية المختلف فيها، وإنني حاولت أن أبرز في هذا البحث ما يلي:
أولًا: معنى الحوار لغة واصطلاحًا.
ثانيًا: مشروعية الحوار.
ثالثًا: آداب الحوار.
رابعًا: منهجية الحوار وأخلاقيات البحث.
والله أسأل أن يعينني على ذلك، وهو حسبي ونِعمَ الوكيل.
المبحث الأول
معنى الحوار لغة واصطلاحًا
الحوار لغة: من المحاورة، والمحاورة معناها: مراجعة المنطق والكلام والمخاطبة، وذلك مشتق من الحور، وهو الرجوع، ويأتي بمعنى النقصان، وتحاوروا: تراجعوا الكلام بينهم، والتحاور: التجاوب، واستحاره: استنطقه (1) .
وقد ورد لفظ الحوار ومشتقاته في القرآن الكريم في ثلاث آيات:
قوله تعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف: 34] .
وقوله تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} [الكهف: 37] .
وقوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] .
الحوار في الاصطلاح: هو الكلام المتبادل بين طرفين في أسلوب لا يقصد به الخصومة (2) .
المصطلحات ذات الصلة:
1 -
الجدال: وهو المنازعة فيما وقع فيه خلاف بين اثنين (3)، والجدال يأتي بمعنى الحوار كما في قوله تعالى:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة: 1] ، ومنه ما هو مذموم، ومنه ما هو محمود.
2 -
المناظرة: وهي تردد الكلام بين شخصين يقصد كل منهم تصحيح قوله وإبطال قول صاحبه، مع رغبة كل منهما في ظهور الحق (4) .
وهي نوع من أنواع الحوار.
3 -
المناقشة: وهي الاستقصاء في الكشف عن الشيء، وهي نوع من أنواع الحوار.
4 -
المماراة: من المراء، يقال ماريته؛ أي جادلته ولاججته، وهي من الحوار المذموم.
(1) الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مادة (الحور) .
(2)
أحمد عبد الله الضويان، الحوار أصوله وآدابه السلوكية، ص17، ط. أولى، دار الوطن، الرياض.
(3)
أبو علي الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن: 3/106، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
(4)
أحمد الضويان، الحوار، ص17.
المبحث الثاني
مشروعية الحوار
الحوار جائز في الإسلام متى كانت المصلحة المتوقعة منه أعظم من المفسدة المترتبة عليه، ومتى ثبت أن نفعه أكثر من ضرره، وقد عني القرآن الكريم عناية بالغة بالحوار، وذلك أمر لا غرابة فيه أبدًا، فالحوار هو الطريق الأمثل للاقتناع الذي ينبع من أعماق صاحبه، والاقتناع هو أساس الإيمان الذي لا يمكن أن يُفرض فرضًا، وإنما ينبع من داخل الإنسان.
نماذج للحوار من القرآن الكريم:
يقدم لنا القرآن الكريم نماذج كثيرة من الحوار، منها:
1 -
ما دار بين الله عز وجل وملائكته في خلق آدم عليه السلام:
2 -
ما دار بين الله سبحانه وتعالى وبين إبراهيم عليه السلام عندما طلب من ربه أن يريه كيف يحيي ويميت:
3 -
قصة موسى عليه السلام حين طلب من ربه أن يسمح له برؤيته:
4 -
قصة عيسى عليه السلام إذ سأله ربه عما إذا كان يطلب من الناس أن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله:
5 -
الحوار في قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف:
6 -
قصة إبراهيم عليه السلام حين هم أن يذبح ابنه:
قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102] .
7 -
قصة قارون مع قومه:
8 -
حوار نوح عليه السلام لقومه:
9 -
حوار شعيب عليه السلام لقومه:
10 -
قصة ابني آدم عليه السلام:
والقرآن الكريم ذكر هذا الحوار الذي دار بين الأنبياء عليهم السلام وبين قومهم في آيات أخرى بلفظ الجدال، مما يدل دلالة واضحة أن الجدال نوع من أنواع الحوار، ومن تلك الآيات:
قوله تعالى: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [هود: 32] .
وقوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] .
كما أنه ورد الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بمجادلة أهل الكتاب، فهو أسلوب من أساليب الدعوة:
قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125] .
وقوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46] .
فالآيات السابقة تدل دلالة واضحة على جواز الحوار والجدال والمناظرة (1) ، بل على وجوبه إذا تعين أنه السبيل الوحيد لإبلاغ الدعوة، يقول الإمام الغزالي:(فعلم أن المدعو إلى الله تعالى بالحكمة قوم، وبالموعظة قوم، وبالمجادلة قوم، والخطاب يجب أن يتمايز وأن يتقن تصنيفه حسب هذه الأصناف، لأن الحكمة إذا غذي بها أهل الموعظة أضرت كما تضر بالطفل الرضيع التغذية بلحم الطير)(2) .
(1) يرى الإمام الجويني أنه لا فرق بين الجدل والمناظرة، الكافية، ص19، 1399هـ، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة.
(2)
إحياء علوم الدين: 1/29.
والجدال مشروط أن يكون بالتي هي أحسن حتى تجنى ثمرته، وإلا كان جدالًا مذمومًا.
فالجدال يكون محمودًا لإثبات الحق وإبطال الباطل، وقمع الكفر وإطفاء البدع، وتغيير سبيل المجرمين، وإيضاح منهج المؤمنين، والمناظرة المحمودة التي تكون للتفقه واستخراج الدلائل على المسائل، أو ما كان على معنى الاجتهاد في طلب السلامة وإصابة العدل، وتأدب بآداب الحوار في مناظرته (1) .
والجدال يكون مذمومًا إذا قُصد به الملاحاة وتأجيج نار العداوة في النفوس، وإيغار القلوب، والتعنت، أو كانت المجادلة بغير علم أو بالباطل، أو قصد بالمناظرة رئاء الناس، والعجب، والخيلاء، وحب المدح والثناء، وإشاعة الذكر في البلدان، وطلب الرئاسة، فما ورد في القرآن من ذم للجدال فهو محمول على هذه الوجوه، فقد ذم الله تعالى في القرآن الكريم ثلاثة أنواع من المجادلة:
الأول: ذم صاحب المجادلة بالباطل ليدحض به الحق، وذلك كقوله تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} [الكهف: 56]، وقوله تعالى:{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [غافر: 5] .
(1) السعدي، قاموس الشريعة: 2/10.
الثاني: ذم المجادلة بغير علم ولا برهان، وذلك كقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [لقمان: 20]، وقوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [الحج: 8]، وقوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} [الحج: 3]، وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر: 56]، وقوله تعالى:{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35] .
الثالث: ذم الجدال في الحق بعد ظهوره، وذلك في قوله تعالى:{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الأنفال: 6] .
يقول الإمام الجويني: (ثم من الجدال ما يكون محمودًا مرضيًّا، ومنه ما يكون مذمومًا محرمًّا؛ فالمذموم منه ما يكون لدفع الحق، أو تحقيق العناد، أو ليلبس الحق بالباطل، أو لما لا يطلب به تعرف ولا تقرب، أو للمماراة وطلب الجاه والتقدم
…
إلى غير ذلك من الوجوه المنهي عنها، وهي التي نص الله سبحانه وتعالى في كتابه على تحريمها، فقال:{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]، وقال تعالى:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54] .. وغيرهما من الآيات.
وفي مثله قال عليه الصلاة والسلام: ((دع المراء وإن كنت محقًّا))
(1)
، وهذا فيمن خرج عن أدب الجدل، أو لم يقطع اللجاج بعد ظهور الحق؛ كدأب الكفار مع الرسل.
(1) ورد الحديث عند الإمام أحمد،عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاحة، ويترك المراء وإن كان صادقًا) رقم8276.
أما الجدال المحمود المدعو إليه، فهو الذي يحقق الحق ويكشف عن الباطل ويهدف إلى الرشد، مع من يرجى رجوعه عن الباطل إلى الحق، وفيه قال سبحانه وتعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وقال لرسوله:{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] ) (1) .
والجدال جائز بين المسلمين إذا التزمت آداب الحوار، يقول الإمام الجويني:(ومما يدل على حسن الجدال بل على وجوبه من طريق المعنى: ما ثبت من وجوب معرفة الشريعة، على الجملة، فرض على الكافة، وتفصيلها فرض على الكفاية. ولا سبيل إلى ذلك دون معرفة أصولها، من أدلة العقول وأحكامها، فإذا رأى العالم مثله يزل ويخطئ في شيء من الأصول والفروع وجب عليه - من حيث وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر - دعاؤه عن الباطل وطريقه إلى الحق، وطريق الرشد والصواب فيه؛ فإذا ألح في خطابه، وقوى على الحق شبهة، وجب على المصيب دفعه عن باطله، والكشف له عن خطئه بما أمكنه من طريق البرهان وحسن الجدال؛ فحصل - إذ ذاك - بينهما المجادلة، من حيث لم يجد بدًّا منه في تحقيق ما هو الحق، وتمحيص ما هو الشبهة والباطل، وصار - إذ ذاك - بهذا المعنى: الجدال، من آكد الواجبات، والنظر من أولى المهمات، وذلك يعم أحكام التوحيد والشريعة)(2) .
(1) الكافية، ص22 - 23.
(2)
الكافية، ص24.
وأما ما ورد من الأحاديث في ذم الجدل، مثل ما روي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] ))
(1)
، فلا يحمل النهي على عمومه في كل مجادل، بل هو خاص فيمن يجادل بغير الحق ولغير الحق (2) .
أما ما ورد من النهي في الجدال بالقرآن، كالحديث المروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جدال في القرآن كفر))
(3)
، فيصح أن يكون الحديث متوجهًا إلى مثل زمانهم، وذلك أن يتعلم الإنسان الآية والآيتين، فيجادله الآخر أن هذا ليس من القرآن؛ فهو كفر أي شرك، ويحتمل ما يصير به المجادل بالباطل كافرًا كفر نعمة (4) .
ومن التواضع لله ترك الجدل والمناظرة والمحاورة، وذلك ما يدل عليه حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن ترك الكذب وهو باطل بُني له في ربض الجنة، ومَن ترك المراء وهو محق، بُني له في وسطها، ومن حسن خلقه بُني له في أعلاها))
(5)
، وذلك إذا لم يخرج في ذلك نفع أكثر مما يخاف فيه الضرر (6) .
(1) رواه الترمذي، رقم 3176، وقال عنه حديث حسن صحيح.
(2)
السعدي، قاموس الشريعة: 3/15.
(3)
رواه الإمام أحمد، رقم 7150.
(4)
السعدي، قاموس الشريعة: 3/21.
(5)
رواه الترمذي، رقم 1916، وقال عنه: حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث سلمة بن وردان عن أنس بن مالك.
(6)
السعدي، قاموس الشريعة: 3/21.
* * *
المبحث الثالث
آداب الحوار
للحوار آداب لابد من الالتزام بها حتى يكون مثمرًا وبناء، وإلا كان عقيمًا وهادمًا، وهذه الآداب هي:
1 -
التقوى: وذلك أن يجعل كل محاور تقوى الله نصب عينيه، فيراقبه في كل بنت شفة يلفظها، فلا يقول إلا حقًّا، ولا ينطق إلا صدقًا متثبتًا من الدليل، لقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] .
يقول الإمام الجويني: (والمحافظة على تقوى الله في نظره يغنيه عن كثير من النصيحة، ويبلغه إلى أسهل الطرق في الهداية إلى الحق)(1) .
2 -
الإخلاص: وذلك بأن يخلص النية في جداله وحواره، ويكون قصده في ذلك التقرب إلى الله تعالى، وطلب مرضاته في امتثال أمره فيما أمر به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الحق وإزهاق الباطل، فلا يقصد المباهاة وطلب الجاه والرياء، ولا يكون قصده الظفر بالخصم والسرور بالغلبة والقهر؛ فإن ذلك من دأب الأنعام (2) .
3 -
الوقار والحلم: وذلك بأن يكون كل محاور وقورًا حليمًا من غير تعبيس ولا تقطيب، ولا يجازي السفيه على أقاويله بأمثالها (3) .
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ((العلماء ورثة الأنبياء))
(4)
2، وروي عن أبي عبد الله الجدلي أنه قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت:((لم يكن فاحشًا، ولا متفحشًا ولا صخابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح))
(5)
.
(1) الكافية في الجدل، 541.
(2)
الجويني، الكافية في الجدل، ص529.
(3)
السعدي، قاموس الشريعة: 3/7.
(4)
أبو داود، سنن، ونص الحديث رقم 3157: حدثنا مسدد بن مسرهد، حدثنا عبد الله بن داود، سمعت عاصم بن رجاء بن حيوة يحدث عن داود بن جميل عن كثير بن قيس قال: كنت جالسًا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فجاءه رجل فقال: يا أبا الدرداء إني جئتك من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جئت لحاجة، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له مَن في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا؛ ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) .
(5)
رواه الترمذي، رقم 1939، وقال هذا حديث حسن صحيح.
4 -
العلم: ويشترط الإمام الغزالي الاجتهاد المطلق؛ حيث يشترط في المناظر أن يكون مجتهدًا يفتي برأيه لا بمذهب أحد، حتى إذا أظهر له الحق ترك رأيه وأفتى بما ظهر له، وهكذا كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) .
5 -
أن تكون المناظرة في المسائل الواقعة، أو ما يقرب وقوعها غالبًا، حتى لا يضيع وقته في المنازعات والمخاصمات (2) .
6 -
عدم الإعجاب والغرور: وذلك بأن لا يكون معجبًا بكلامه، مفتونًا بجداله، مستخفًا لخصمه، ولا مسامحًا له في نظر، فيتبع منهجًا معتدلًا في الاستيفاء والاستقصاء، وترك التحري والاستظهار يؤدي إلى الضعف والانقطاع (3) .
يقول صاحب الكافية: (وإياك واستصغار من تناظره والاستهزاء به - كائنًا ما كان - لأن خصمك إن كان ممن المفترض عليك في الدين مناظرته: فهو نظيرك ولا يجمل بك إلا مناظرة النظير للنظير، وإن يكُ من تكلمه غير أهل لأن تناظره: كان الواجب ألا تفاتحه بالكلام؛ فإذا فاتحته ثم استصغرته واستخففت به لم يجتمع ذهنك ولا صفاء قريحتك
…
إلخ) (4) .
7 -
الإقبال على مناظره والاستماع لكلامه، والتنبيه على مواطن الخطأ والزلل في كلامه، وفي ذلك معونة له في جوابه (5) .
8 -
توقي المداخلة في كلام مناظره وتقطيعه، أو إظهار العجب منه، أو التشنيع عليه والاستخفاف به والصياح الكثير في وجهه (6) .
(1) الغزالي، إحياء علوم الدين: 1/43، دار المعرفة، بيروت؛ والجيطالي، قناطر الخيرات: 1/142.
(2)
الغزالي، إحياء علوم الدين: 1/43، دار المعرفة، بيروت؛ والجيطالي، قناطر الخيرات: 1/43.
(3)
السعدي، قاموس الشريعة: 3/7.
(4)
الجويني، ص531.
(5)
السعدي، قاموس الشريعة: 3/7.
(6)
إحياء علوم الدين: 1/43، دار المعرفة، بيروت؛ والجيطالي، قناطر الخيرات:: 3/6.
9 -
تمكين خصمه من إبراز حجته، وتفقد كلامه، ولا يتعلق بغرض مناظره وقصده، فإن المعول عليه إبطال ما قصده في كلامه الظاهر وعول عليه واعتمده (1) .
10 -
عدم ابتداء الكلام في المناظرة إلا بعد فهم كلام مناظره ومراده منه (2) .
11 -
أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة، لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يديه أو على يد من يعاونه، ويرى رفيقه معينًا لا خصمًا، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق (3) .
12 -
أن تكون المناظرة في الخلوة أحب إليه، وأهم من المحافل وبين أظهر الأكابر، لأن الخلوة أجمع للفهم وأدرك للحق، وحضور الجمع يحرك دواعي الرياء، ويهيج الحرص على نصرة كل واحد منهما لنفسه محقًّا كان أو مبطلًا (4) .
13 -
أن لا يجالس المناظر للمناظرة في مجالس الخوف والهيبة، ولا في مجلس لا يسوي بين الخصوم في الإقبال والاستماع (5) .
14 -
إبراز الدليل الناصع والبرهان الساطع والمنطق السليم، ولا يدخل في تقاسيم الكلام المعقدة الذي لا يفهمه المناظر، فإن طبقات الناس في العلوم مختلفة (6) .
15 -
إفساح المجال أمام المناقش والمعارض لغيره لكي يعبر عن وجهة نظره، دون مصادرة لقوله أو إساءة إلى شخصه (7) .
16 -
التزام الموضوعية، بحيث يحرر محل النزاع ولا يخرج عن محل الخلاف (8) .
(1) إحياء علوم الدين: 1/43، دار المعرفة، بيروت؛ والجيطالي، قناطر الخيرات: 3/6؛ والجويني، الكافية، ص536.
(2)
السعدي، قاموس الشريعة: 3/6.
(3)
الغزالي، إحياء علوم الدين: 1/43.
(4)
الجيطالي، قناطر الخيرات: 1/42؛ والغزالي، إحياء علوم الدين: 1/44.
(5)
الجويني، ص530 - 531.
(6)
الجويني، ص533؛ الطنطاوي، محمد السيد، أدب الحوار في الإسلام، ص25، نهضة مصر، 1997.
(7)
الغزالي، إحياء علوم الدين: 1/44.
(8)
الجويني، الكافية، ص540.
17 -
أن يكون النقاش قائمًا على الحقائق الثابتة لا على الإشاعات الكاذبة، وعلى المعلومات الصحيحة لا على الأخبار المضطربة، وأن يوثق معلوماته التي يدلي بها (1) .
18 -
أن لا يلجأ إلى الحيل في الحوار لقطع الخصم: وفي ذلك يقول الجويني: (واعلم أن الحيل في المناظرة لقطع الخصم محظور، يجب الاجتناب عنه، وهو من دأب أهل الفسوق في المناظرة)(2) . ومن الحيل التي ذكرها:
أ - أن يحتال الخصم على الخصم بالعمق في العبارة حتى لا يفهم الخصم من كلامه إلا القليل، لكثرة ما يكون فيه من الغموض والاحتمال.
ب - أن يحتال المسؤول على السائل فيخرجه عن سؤاله، أو السائل يحتال على المسؤول فيخرجه عن جوابه إلى غيره.
جـ - أن يستمر السائل على سؤال يلزم المجيب من بعض أصوله عنده أن ذلك مذهب المجيب وأصله.
د - أن يورد نوعًا من الإلزام ويطيل فيه.
هـ - إيهام الحاضرين بضعف كلام الخصم؛ وذلك عندما يعرف قوته.
و الالتفات إلى كلام كل من في المجلس عند الشعور بضعفه.
ز - التوجه إلى من يعرف ضعفه في المناقشة ليبعد عن خصمه القوي.
ح - تقسيم كلام الخصم القوي.
ط - أن يوجه كلام السائل إلى وجوه محتملة (3) .
من الحيل ما يباح؛ مثل أن يوجه إليه السؤال، فلا يحضره الجواب، فيحتال في التغافل عن ذلك السؤال ويجيب عن غيرهِ من الأسئلة، حتى إذا ظهر له جوابه أجاب (4) .
(1) السعدي، قاموس الشريعة: 3/5 - 23؛ والجيطالي، قناطر الخيرات: 1/142 - 143؛ والغزالي، إحياء علوم الدين: 1/44؛ والطنطاوي، آداب الحوار، ص53.
(2)
الكافية في الجدل، ص542.
(3)
الجويني، الكافية، ص542 - 549.
(4)
الجويني الكافية، ص550.
المبحث الرابع
منهجية الحوار وأخلاقيات البحث
لابد للحوار من أصول علمية شرعية يبنى عليها حتى يكون هادفًا، ويمكن إيجاز هذه الأصول في النقاط التالية:
1 -
الاحتكام إلى كتاب الله تعالى، وإلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الثابتة عند الطرفين المتحاورين، وما اختلف في ثبوته من أحاديث؛ فالاحتكام فيه إلى كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لقوله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وقوله تعالى:{فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى: 10]، وقوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] .
2 -
تحديد الهدف؛ وذلك بتحديد نقاط الاختلاف بين المتحاورين بدقة، فينتقل الحوار من الأصول إلى الفروع، ومن الكليات إلى الجزئيات بتناسق علمي مطرد.
3 -
التفريق بين القطعيات والظنيات في مسائل العقيدة، وعدم التنابز بالألقاب، ورمي أي مذهب أو مدرسة إسلامية بالبدعة، فقد نهانا الله عن ذلك، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11] .
هذا، وللأسف الشديد اعتاد أتباع كل مذهب أن يطلقوا على أنفسهم أحب الأسماء، وأن يطلقوا على مخالفيهم أقبح الأسماء، وكان الكثير منهم يفتحون أبواب الجنة على مصاريعها لأتباعهم، ويغلقونها بإحكام أمام أنظار الآخرين، وذلك مخالف لقوله تعالى:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32] .
إن جميع المسلمين الذين يرجعون في ديانتهم إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة؛ هم من أهل السنة من أي فرقة كانوا، ولأي مذهب اتبعوا، فقد آن الأوان أن تطلق كلمة أهل السنة على أهل الصلاح من كل فرقة، وكلمة السني على كل فرد متمسك بالإسلام محافظ عليه حسب الأصول التي يرتكز عليها المذهب الذي ينتمي إليه، وأن تطلق كلمة المبتدعة أو أهل الأهواء على كل مجموعة من الناس غير ملتزمة بالإسلام سلوكًا، وكلمة المبتدع أو صاحب البدعة على كل متهاون بأحكام الإسلام حسب المذهب الذي ينتمي إليه.
إن أهل السنة هم الأتقياء الصالحون من أي مذهب كانوا، والمبتدعة وأهل الأهواء هم الفسقة الفجرة، ولو لبسوا جبة جابر وطيلسان مالك وعمامة أحمد واتخذوا لأنفسهم سمت زيد وجعفر.
لقد آن للمؤسسات العلمية والإسلامية أن تغير مناهجها، وآن لمن يهتم بالإسلام والمسلمين في هذا العصر أن ينظر نظرة أخرى يمليها واقع الحياة للأمة الإسلامية ضمن الإطار العام لمبادئ الإسلام.
والجدل الذي بين المسلمين في اللوازم وليس في أصول العقائد، ذلك لأن المسلمين جميعًا باختلاف مذاهبهم متفقون فيما يلي:
أ - أن الله تبارك وتعالى متصف بجميع صفات الكمال، متنزه عن جميع صفات النقص، لا يشبه شيئًا من خلقه، ولا يشبهه شيء من خلقه.
ب - أن الله تبارك وتعالى عادل في ملكه، لا يجور ولا يظلم الناس شيئًا.
جـ - أن الله تبارك وتعالى أعد الجنة لمن أطاعه، وأعد النار لمن عصاه (1) .
(1) علي يحي معمر، الأباضية بين الفرق الإسلامية: 2/147 - 148.
وبجانب هذا كلّه متفقون على أركان الإيمان وأركان الإسلام، إلا أن أصحاب المذاهب إذا ناقشوا التفاصيل اشتد النزاع فيما بينهم، واحتدم الصراع، وأصبح يلزم بعضهم بعضًا، مع أن تلك الفروع في العقيدة الإسلامية جاءت لرد شبه أُثيرت على الإسلام، وكل مدرسة من المدارس الإسلامية ردت على تلك الشبهات بطريقة معينة، والكل هدفهم التوحيد والتنزيه، ولو أنهم تحاوروا بالتي هي أحسن، لعرف كل واحد منهم ما عند الآخر، ولعذر بعضهم بعضًا متى ما أرادوا الإصلاح والاتفاق والوحدة.
واتحاد هذه الأمة مرهون بإخلاص علمائها لهذا الهدف الأسمى، وذلك يكون بترك الألقاب المذهبية، والتسمي باسم الإسلام، ونذكر سؤالًا وجوابًا (استبيانًا)، صدر إلى الشيخ السالمي (1) من حضرة الباشا سليمان بن عبد الله الباروني (2) لما كان بمجلس الأعيان في الدولة العثمانية وهذا نصه:
(المرجو من حضرتكم أيها الأستاذ الذي سنعتمد على أقواله وأقوال أمثاله؛ ممن تمسك بالمذهب المحترم، إمعان المقالة المحررة تحت عنوان الجامعة الإسلامية في جريدة الأسد الإسلامي الآتية إليكم مع هذا.
ثم بعد إطلاق الفكر بحثًا وراء عين الحقيقة، نطلب إبداء ما اقتضاه نظركم السامي عن جواب عن الأسئلة الآتية بإيجاز غير مخل بالمراد، خدمة للجامعة والدين، ولحضرتكم الثواب والشكر، ويكون الإمضاء هكذا: حرره فلان، البالغ من العمر كذا سنة، في البلدة الفولانية، شهر كذا، سنة كذا.
(1) هو الشيخ العلامة نور الدين عبد الله بن حميد السالمي، ولد في مدينة الرستاق بعمان، سنة 1284هـ، وتوفي رحمه الله، سنة 1332هـ، كان ضريرًا يحتاج إلى قائد يهديه السبيل، فأصبح يهدي الشعب السبيل بعلمه وورعه وتقواه، وهو الذي نصَّب الإمام سالم بن راشد الخروضي إمامًا للمسلمين في عمان. السالمي، محمد بن عبد الله، نهضة الأعيان، ص110 - 113، دار الكتاب العربي، القاهرة.
(2)
هو أحد المجاهدين الليبيين ضد الاستعمار الإيطالي، وأحد العلماء البارزين في القطر الليبي آنذاك.
هل توافقون على أن من أقوى أسباب اختلاف المسلمين تعدد المذاهب وتباينها؟
على فرض عدم الموافقة على ذلك؛ فما هو الأمر الآخر الموجب للتفرق؟
على فرض الموافقة، فهل يمكن توحيدها، والجمع بين أقوالها المتباينة، وإلغاء التعدد في هذا الزمن الذي نحن فيه أحوج إلى الاتحاد من كل شيء؟
على فرض عدم إمكان التوحيد؛ فما الأمر القوي المانع منه في نظركم، وهل لإزالته من وجه؟
على فرض إمكان التوحيد، فأي طريق يسهل الحصول على النتيجة المطلوبة، وأي بلد يليق فيه إبراز هذا الأمر، وفي كم سنة ينتج، وكم يلزم له من المال تقريبًا؟
كيف يكون العمل فيه؟ وعلى كل حال ما الحكم في الساعي في هذا الأمر شرعًا وسياسة.. مسلح أم مفسد؟)
أجابه الشيخ العلامة السالمي بما نصه: (الجواب: قد نظرنا في الجامعة الإسلامية فإذا فيها كشف الغطاء من حقيقة الواقع، فلله ذلك الفكر المبدي لتلك الحقائق.
نعم، نوافق على أن منشأ التشتت هو اختلاف المذاهب وتشعب الآراء، وهو السبب الأعظم في افتراق الأمة اقتضاه نظرك الواسع في بيان الجامعة الإسلامية، وللتفرق أسباب أخرى منها: التحاسد والتباغض، والتكالب على الحظوظ العاجلة، ومنها: طلب الرئاسة والاستبداد بالأمر، وهذا هو السبب الذي نشأ عنه افتراق الصحابة في أول الأمر في أيام علي ومعاوية؛ ثم نشأ عنه الاختلاف في المذاهب، وجمع الأمة بعد تشعب الخلاف ممكن عقلًا مستحيل عادة، وإذا أراد الله أمرًا كان:{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 63] ، والساعي في الجمع مصلح لا محالة، وأقرب الطرق له أن يدعو الناس إلى ترك الألقاب المذهبية، ويحثهم على التسمي بالإسلام، فإن الدين عند الله الإسلام، فإذا أجاب الناس إلى هذه الخصلة العظيمة ذهبت عنهم العصبية المذهبية، فيبقى المرء يلتمس الحق لنفسه، ويكون الحق أو لا عند آحاد الرجال، ثم يظهر شيئًا فشيئًا فيصير الناس إخوانًا، ومن ضل فإنما يضل على نفسه، ولو استجاب الملوك والأمراء إلى ذلك لأسرع في الناس قبوله، وكفيتم مؤونة المغرم، وإن تعذر هذا من الملوك فالأمر عسير والمغرم ثقيل، وأوفق البلاد لهذه الدعوة مهبط الوحي، ومتردد الملائكة، ومقصد الخاص والعام، حرم الله الآمن؛ لأنه مرجع الكل، وليس لنا إلا الإسلام، فمن ثم تجدنا نقبل ممن جاء به وإن كان بغيضًا، ونرد الباطل على من جاء به وإن كان حبيبًا، ونعرف الرجال بالحق؛ فالكبير معنا من وافقه، والصغير من خالفه
…
إلخ) (1) .
(1) السالمي، محمد، نهضة الأعيان، ص103 - 104.
4 -
الموضوعية والأمانة؛ فعلى كل واحد من المتحاورين أن لا يزور كلام الآخر، وإذا ألزم أحد المتحاورين الآخر فليرجع إلى الحق، فالحق أحق أن يتبع، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل (1) .
وفي ختام البحث؛ أرى أن لا سبيل إلى وحدة هذه الأمة إلا بالإسلام، ولنحذر من الفرقة ومما يدعو إليها وممن يدعو لها، والوحدة تكون ببث روح أدب الاختلاف وتطبيقه عندما نختلف، وتجنب القضايا الخلافية ما أمكن، وعدم تصعيد الفروع إلى مستوى الأصول، والخروج من البعد التاريخي على قدر الإمكان، واطلاع كل واحد من المسلمين على ما عند الآخر، فمن جهل شيئًا عاداه، والدعوة إلى ملاحظة الأولويات، وأولى الأوليات وحدة هذه الأمة، فلنسخر كل الطاقات والإمكانات في سبيل ذلك، ونستخدم كل الوسائل لرأب الصدع بين المسلمين، سواء أكان ذلك بالحوار الهادف في المحافل والمؤتمرات حيث يعتبر هذا المجمع أحد هذه الوسائل، أو بالحوار المثمر عن طريق الإذاعة المرئية والمسموعة، أو عن طريق الحاسب الشخصي بما فيه من وسائل متاحة، وبمراعاة آداب الحوار وأخلاقيات البحث يكون الحوار هادفًا.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوحد هذه الأمة على الحق، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الدكتور سعيد بن عبد الله بن محمد العبري.
(1) الجويني، الكافية، ص537.
الوحدة الإسلامية
العرض - التعقيب والمناقشة
العرض
كلمة وزير العدل:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أصحاب الفضيلة؛
يسعدني في هذا اليوم المبارك أن أفتتح أول جلسة من جلساتكم، وقد شرفتموني بهذه الرئاسة. فأشكركم على ذلك وأتمنى لمؤتمركم كل توفيق ونجاح، وأرجو الله أن يعيننا على أن نكون عند حسن ظنكم في رعايتكم والسهر على راحتكم.
فشكرًا لكم وأهلًا وسهلًا بكم، لنبدأ على بركة الله.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
شكر الله لمعالي الشيخ عبد الله آل خليفة تفضله بالحضور وتشريفنا به. بين يدينا الآن جدول أعمال الدورة الذي بلغتم به سابقًا، وأعتقد - إن شاء الله تعالى - أنه مناسب في ترتيبه. ننتقل إلى المقرر العام، أما بالنسبة للمقرر العام فليكن فضيلة الشيخ عجيل النشمي إن رأيتم أن ذلك مناسب.
موضوعنا في هذه الجلسة المسائية هو موضوع: (الوحدة الإسلامية) وفيه أبحاث سبعة. نستمع أولًا إلى كلمة معالي الأمين العام الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة.
الأمين العام الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة:
سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك جل ثناؤك. أقمت جماعتنا على منهج التوحيد، وجعلتنا خير أمة أخرجت للناس، وبنيت ملتنا على أمتن القواعد وأكملها: إيمان بالله وتقواه، ومراقبة له في كل لحظة من لحظات الحياة، وأخوة صادقة يتساند بها أفراد الأمة، وتنشيء من الجماعة المسلمة بنية حية قوية صامدة قادرة على أداء دورها العظيم في الحياة البشرية وإقامة هذه الحياة على التقارب والتآلف والتناصح، ذلول بعضها لبعض، محب بعضها لبعض، متآلف بعضها مع بعض. {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 62 - 63] .
وأصلي وأسلم على إمام الأمة نبي الرحمة عبد الله ورسوله، وأمينه على وحيه، الذي غرس بيديه الكريمتين غريسة الوحدة في نفوس المؤمنين، فنمت وتغلغلت، وامتدت جذورها وبسقت أغصانها، وينعت ثمارها، فجعل منهم قوة بعد أن كانت قلوبهم شتى، وعداواتهم جاهزة، وبأسهم بينهم شديدًا. فجزاه الله عنا من إمام أفضل الجزاء، وأعطاه الله الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة من الجنة.
سيادة الرئيس؛
أصحاب السماحة والفضيلة؛
أيها السادة العلماء؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
في هذه المناسبة الكريمة التي تجددت بها مظاهر اليقظة الإسلامية، والتقت فيها كلمة المؤمنين والمصلحين على الإشادة بما في ديننا وعقيدتنا ومتمسكنا في دنيانا وآخرتنا، من أصول وثوابت، ومبادئ وقيم، وهدى ونور نحرص كل الحرص على تجلية الوحدة، ونعمل جاهدين على تحقيقها، وندعو إلى القيام بنشرها بين الناس، إشاعة للفضل، وتعميمًا للخير، وتمكينًا للدين الحق من النفوس.
وقد قامت بهذه الدعوة الإيمانية التآلفية الخيرة، وبالمناداة إلى الوحدة الإسلامية، هيئات كثيرة ومنظمات ومؤسسات ومجامع هنا وهناك في أطراف العالم الإسلامي، نذكر من بينها وفي طليعتها منظمة المؤتمر الإسلامي الجامعة لكلمة الأمة، والقائمة على توحيد صفوفها فكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا، ومجمع الفقه الإسلامي النابع من هذه المنظمة، والذي يقوم هو أيضًا بالتعاون مع جميع الهيئات العاملة في هذه السبيل.
أصحاب السماحة السادة العلماء:
فى الخطاب الإلهي الخالد، الموجه للمؤمنين كافة دعوة صريحة إلى هذا المهم تنطلق بها الآيات الكريمة من سورة آل عمران:
[آل عمران: 102 - 105] .
ففي هذه الآيات الخمس دستور للمسلمين يضعونه نصب أعينهم، ويعقدون عليه قلوبهم، ودعوة مباركة إلى الالتزام بالإسلام وبتقوى الله، وأمر بالاعتصام بحبل الله واجتناب التفرق، وتنبيه وتنويه بنعمة الأخوة التي مَنَّ الله بها على الجماعة المسلمة وأسبغها عليهم، وحثٌّ لهم على الاضطلاع بالدعوة إلى الخير، والنصيحة لكل مسلم. ولا يتولى عن هذا الدستور أو يصد عنه إلا من ساءت عقيدته وأنكر نعمة الأخوة عليه أو لما في قلبه من دخَل.
فهذه الآيات البينات من القرآن الكريم تقتضي أن يجتمع المؤمنون تحت لواء الله، وأن ينبذوا الأحقاد التاريخية، والنزاعات القبلية، والأطماع الشخصية، والرايات العنصرية، وقد رأينا تحقق النتائج العظيمة لقيام هذه الوحدة في الرعيل الأول من المسلمين أيام قوتهم وعزتهم وإبداعهم وتأسيس حضارتهم، وصف ذلك الدعاة والمصلحون في حديثهم عن الوحدة الإسلامية. ونوه بذلك الأستاذ الإمام محمد عبده في قوله:
وإنها لأمة أنشأها الله عن قلة ورفع شأنها إلى ذروة العلا حتى ثبتت أقدامها على السنن الشامخة، وانشقت لهيبتها مراحل الضاريات، ودب الرعب منها أعشار القلوب، وتحير في ثباته كل عقل، واهتدى إلى السبب أهل الحق فقالوا: أول كانوا مع الله فكان الله معهم. وبما انحرفوا وتخاذلوا وحادوا عن الاستقامة بالرأي وتفرقت جماعتهم وغفلوا عن السنن العادلة والنواميس الثابتة أخذهم الله بذنوبهم وجعلهم عبرة للمعتبرين، ولكن فضل الله عظيم ورحمته واسعة لأن الميل للوحدة والتطلع للزيادة وصدق الرغبة في حفظ حوزة الإسلام، كل هذه الصفات كامنة في نفوسهم جميعًا، وهم وإن دهاهم ما دهاهم فألهاهم عما يوحي به الدين في قلوبهم وأذهلهم أزمانًا عن سماع صوت الحق يناديهم من بين جوانحهم أرادوا الأوبة إلى الله والثوبان إلى الرشد، حتى إذا بدأت تسري في جموعهم روح اليقظة وتطلعوا للقيام بانطلاقة جديدة تعيد لهم عقيدتهم وتصوراتهم ومبادئهم وقيمهم، وتفقدوا ما في مداخل قلوبهم من بقايا الإيمان والهدى الديني، رجعت إليهم الآمال. وأشرقت نفوسهم بالبشر وأدركوا أنهم سهوا وما غووا، وزلوا ما ضلوا، ولكن دهشوا وتاهوا.
وفي مؤتمر القمة الإسلامي الثالث بمكة المكرمة، فيما بين 19 - 22 ربيع الأول سنة 1401هـ دعا جلالة الملك الراحل خالد بن عبد العزيز، رحمه الله، الأمة الإسلامية وفقهاءها وعلماءها أن يجندوا أنفسهم، ويحشدوا طاقاتهم في سبيل مواجهة معطيات تطور الحياة المعاصرة، ومشكلاتها بالاجتهاد والاسترشاد بالعقيدة، وما تضمنته من مبادئ خالدة قادرة على تحقيق مصلحة الإنسان الروحية والمادية في كل زمان ومكان.
وفي مؤتمر القمة التأسيسي عند إنشاء مجمع الفقه الإسلامي الذي حضره ممثلون عن إحدى وأربعين دولة، ألقى رئيس المؤتمر خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، حفظه الله، خطابه المنهجي الخالد الذي توجه به إلى الأمة الإسلامية قاطبة من خلال ممثليها من مسؤولين وعلماء وفقهاء وحكماء في مختلف البلاد الإسلامية. وقد جمع هذا الخطاب فرائد جمة أبرزها:
التأكيد على أن بناء الوحدة الإسلامية لا يمكن إقامته ولا تجديده بين أفراد الملة إلا بالتمسك بالعقيدة الإسلامية، جوهر الوحدة وأعظم مقوماتها.
وأن الدين الإسلامي متمسكنا، لهو أكمل الأديان وأجل النعم، وخير ما اختاره ورضيه الله لنا في هذا الوجود لنيل الحسنيين وبلوغ السعادتين. فالإسلام دين يخاطب العقل، ويناهض التخلف، ويشجع على حرية الفكر، ويستوعب منجزات العصر ويحض على متابعتها، كما أنه يضع قواعد السلوك الإنساني، فينظم العلاقات الاجتماعية الدولية على أساس التراحم.
وفي هذا الخطاب الجامع إشارة أولًا إلى ما أصاب الأمة من تفرق وداهمها من أحداث، وواجهها ويواجهها من تحديات ومشاكل، لابد من الانتصار عليها، كما ورد فيه ثانيًا التنبيه إلى سبيل ذلك في هذا الظرف التاريخي الذي نعيشه ونمر به، والذي ينبغي أن يتخطى فيه شرف خدمة الشريعة حدود الجهود الفردية والإقليمية، ويجتاز الحدود السياسية، في أول تنظيم عالمي يتمثل في مجمع الفقه الإسلامي، الذي يلتقي فيه العلماء والفقهاء من مختلف البلاد الإسلامية ليشهدوا منافع لهم، ويقوموا بعرض وجهات نظر المذاهب الفقهية الاجتهادية المختلفة في كل قضية تُبحث، ويجتهدوا في ذلك اجتهادًا جماعيًّا يوحد صفوفهم، وينتهي بهم إلى اكتشاف المنهج الأقوم لبيان الأحكام، ورعاية المصالح المعتبرة شرعًا، فيما يتخذونه من قرارات أو يصدر عنهم من توصيات.
وإن البداية السليمة لبناء وحدتنا تتمثل في نبذ الخلافات بين المسلمين، وتصفيتها بروح الأخوة الإسلامية، كما أن البداية الحقيقية لقوتنا تعتمد على قدرتنا على مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية العالمية بحلول إسلامية مستلهمة من روح الشريعة السمحة، ومتجاوبة مع احتياجات العصر. وإن هذا الأمر مهما بدا مشكلًا أو صعبًا يُستطاع تذليله والتغلب عليه بالفهم الدقيق، والتدبر العميق للقضايا المطروحة، وبتجنب التعصب المقيت. فإنه لا معنى للتعصب في الإسلام، وإن طريق الوصول إلى الحكم ليعتمد ما بين أيدينا من أدلة تستمد من كتاب الله وسنة رسوله، طبقًا لضوابط الاستنباط وأصوله الشرعية المرعية لدى العلماء والفقهاء. وهو بما يوجه إليه من ذلك ليأمل من رجال الاختصاص يكون السبيل الأقوم لتحقيق الوحدة بين جميع الشعوب الإسلامية.
وأن الأهداف الأساسية من بعث هذه المؤسسة الفقهية الاجتهادية تقوم أولًا على تحقيق الوحدة الإسلامية نظريًَّا وعمليًّا عن طريق السلوك الإنساني ذاتيًّا واجتماعيًّا ودوليًّا وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، وثانيًا على شد الأمة الإسلامية بعقيدتها، ودراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهادًا أصيلًا يمكن من تقديم الحلول المناسبة النابعة من الشريعة الإسلامية.
هذا وإن للمجمع الفقهي الإسلامي الدولي وظيفتين أساسيتين إحداهما عملية نفعية عامة، وثانيتهما علمية أكاديمية خاصة.
ومما يترجم عن وظيفته الأولى ويعرف بها توصية المؤتمر الثالث بعمان، التي تناشد الأمة الإسلامية شعوبًا وحكومات، أن تعمل جهدها لاستنقاذ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وتحرير الأرض المحتلة بحشد طاقاتها وبناء ذاتها وتوحيد صفوفها، والتسامي على كل أسباب الاختلاف بينها، وتحكيم شريعة الله سبحانه في حياتها الخاصة والعامة.
وكذلك توصية الدورة الرابعة بجدة التي من خلال دراستها لمجالات الوحدة الإسلامية وسبل الاستفادة منها، نوهت برابطة الإسلام بين شعوب الأمة الإسلامية، باعتبارها قاعدة ثابتة لكل بناء حضاري يرمي إلى توحيد صفوفها، وإلى التأليف بين الجهود المبذولة في مجابهة التحديات المعاصرة، وتحقيق العزة والتقدم. كما دعت إلى وجوب تنسيق سياسات الدول الإسلامية في مختلف ميادين التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والحرص على توثيق علاقات التناصر والتعاون والتراحم بين شعوب الأمة لرفع ما يعوق سيرها من ألوان التبعية، وما يجابهها من تحديات، حرصًا على بلوغ ما تعمل كادحة من أجله من تحقيق الرقي والمنعة والازدهار للأمة الإسلامية.
أصحاب السماحة السادة العلماء؛
لقد كانت الوحدة والعلم الديني والدعوة إلى الخير والعمل الصالح أساس كل نهضة وسبيل كل رقي وتقدم. ومما ورد في هذا الشأن قول الإمام علي، كرم الله وجهه يخاطب المؤمنين من حوله:
العمل العمل، الاستقامة الاستقامة، الورع الورع، وإن لكم علمًا فاهتدوا بعلمكم، وإن للإسلام غاية فانتهوا إلى غايته، واخرجوا إلى الله بما افترض عليكم من حقه، وبين لكم من وظائفه، واعلموا أن القرآن هو الناصح الذي لا يغش والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان من عَمَى، فعلى المؤمنين أن يتدبروه، وعلى علمائهم أن ينصحوا به فإن أول صيحة تبعث إلى الوحدة، وتوقظ من الرقدة لهي تلك التي تصدر عن أعلى الناس منزلة، وأعظمهم حرمة، وأقواهم حجة. وليس لهذا غير العلماء العاملين. فإن كلمتهم مسموعة، ودعوتهم مقبولة. وهم الذين لهم اليد الطولى في هذا العمل الشريف، يذكرون الجماعات الإسلامية بسنن الله في كونه، ويتلون عليهم من الآيات ما فيه مزدجر، ويثبتون في قلوبهم ما وعد به الرحمن عباده الصالحين من عزة ونصر في قوله جل وعلا:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] .
وقد دعا أحد الأئمة من أجل تحقيق الوحدة بين المسلمين إلى ضرورة الاستعلاء على حالة التمحور حول الذات، شخصية كانت أم مذهبية أم إقليمية، والارتقاء إلى مستوى الاهتمام بالكيان الكلي للأمة.
والوظيفة الثانية، وهي لا تقل شأنًا عن الأولى، فإنها تتمثل في الجانب العلمي الأكاديمي، الذي تقوم به في كل زمن أصحاب الاختصاص من ذوي التكوين العلمي الواسع.
وقد تهيأ للقيام بشرف خدمة الفقه الإسلامي سراة القوم وكبار علمائهم، فدعوا إلى المجمع من الدول الإسلامية كافة. فهم أعضاء يمثلون دولهم، أو شخصيات لامعة في العلوم الفقهية وفي مجال النظر والاجتهاد، أو ممثلون للمؤسسات الفقهية المنتشرة في العالم الإسلامي، أو خبراء ومراسلون يقدمون في كل دورة من دورات المجمع دراساتهم العميقة، وبحوثهم القيمة، مستمدة من فقه المذاهب المعتبرة الباقية التي ينتسبون إليها. فيعرضون نتائج جهودهم وثمرات بحوثهم على مجلس المجمع، ويجري فيها النقاش. ويكون ذلك هو طريقهم إلى إصدار الأحكام الفقهية والقرارات والتوصيات المجمعية، ولا يعتد من ذلك إلا بما يحظى بإجماع الأعضاء أو باتفاق الأغلبية منهم، مما يكون أقوى حجة ودليلًا، وأوفى بمقاصد التشريع، وأقرب إلى مراعاة المصالح المعتبرة.
وبممارسة هذا المنهج في القضايا التي ذكرها الأئمة من قبل، وبحثوها في مدوناتهم، أو في القضايا المستجدة التي تنتظر فتاوى مجمعية، تكون القرارات المتخذة بشأنها صورة للاجتهاد الجماعي، وطريقًا إلى توحيد المنازع والاتجاهات الفقهية فهي تبرز أولًا حقيقة التشريع الإسلامي من حيث عمومه وسعته، وصلاحيته لكل زمان ومكان وخلوده، وتذكر من أدلة الكتاب والسنة ما يعتبر أساسًا للأحكام، وربما لمسنا في هذا المجال مدى اعتبار الإجماع والقياس في الأحكام الاجتهادية، وأهمية الاعتماد على القواعد العامة الشرعية المتوافرة في كل مذهب، وفي كل مدرسة من المدارس الفقهية الاجتهادية.
وقد حدثت في هذا العصر تطورات عجيبة، واختلفت مناهج السلوك في الحياة وتغيرت، وظهر من الاختراعات والمبتكرات التي يحتاج الإنسان إلى استخدامها والانتفاع بها ما يُذهل العقل، وشهدت علوم الاقتصاد والطب ونحوها تقدمًا كبيرًا في المعاملات والشركات، وفي طريقة العلاج والمداواة، بما لا يخضع في الغالب لروح الشريعة وأصولها. ومن ثم نجد دعوة ملحة من المسلمين عامة، ومن الدول الإسلامية تنادي ببحث هذه القضايا المستجدة، وإيجاد الحلول الشرعية المناسبة لها. ولا جدال في كون الإسلام قد طالب كل قادر على النظر والاجتهاد، وهم بحمد الله كثير، ضمتهم مراكز البحوث والمجامع الفقهية، ببذل الوسع واستنباط الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية مع لزوم الاحتياط والتثبت من صحة الأدلة الفقهية والاستدلال بها، والانتهاء بعد الدرس إلى الحد الذي يفيد الظن القوي بإصابة حكم الله تعالى في تلك القضايا.
والذي يمكن الجزم به من الآن هو أن الشريعة الإسلامية المرنة الطيعة مبنية أساسًا على الإباحة الأصلية. ومن ثم رأيناها في العصور الأولى وعند بناء الحضارة الإسلامية العالمية قد تأثرت بكل ألوان الثقافات التي كانت منتشرة في العالم الإسلامي. فلم تحاربها، ولا قطعت الصلة بها، ولكنها تجاوبت معها تجاوبًا أبقى على المفيد منها، وأخضعت ما دونه إلى الأصول والمبادئ الشرعية التي لا يجوز تجاوزها لكونها المثبتة لهويتنا والمميزة لملتنا. وأهل الاجتهاد هم الذين استنارت عقولهم وبصائرهم بهدي الكتاب والسنة، وامتلأت قلوبهم بالخوف من القول في دين الله بغير حجة، وعرفوا بالرسوخ العلمي، وسلامة الاعتقاد، واستقامة التفكير، واعتدال منهج الاستدلال، والتحرر من تحكم الهوى وسيطرة التعصب، ونقلت عنهم مذاهبهم نقلًا يفيد الثقة والطمأنينة لقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] .
ورغم ما تواضع عليه فقهاء المسلمين من ذلك في كل عصر فإنا نجد أصحاب الاتجاه المعادي للفقه الإسلامي يحادون المذاهب الفقهية، ويهاجمونها مدعين أنها لم تكن تعبر إلا عن وجهات نظر أصحابها، وهي تترجم عن آراء شخصية، خاضعة في جملتها لبيئات خاصة وعصور معينة، وهذا وإن صح بالنسبة إلى جزئيات الأقوال والآراء المتصلة بالحوادث اليومية مما لا نص فيه، فإنه غير صحيح بالنسبة إلى مجموع الفقه الإسلامي الذي يمثل ثروة تشريعية ضخمة، شاركت في إنشائها وتنميتها شوامخ العقول الإسلامية ابتداء من عصر الصحابة رضي الله عنهم، ومَن بَعدهم على توالي القرون مهتدية بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
أما دعواهم الأخرى التي تبرز فيما بين تلك المذاهب من تفارق واختلاف في الأحكام، مما لا تقره وحدة الإسلام ولا شريعته الغراء، فمردود؛ لأن المذاهب الفقهية بريئة من ذلك. ومعلوم أن كل إمام من أئمة الحق له في بحر النبوة ورد وله منه شرب. قال ابن خلدون: إن الفقه المستنبط من الأدلة الشرعية، كثر فيه الخلاف بين المجتهدين باختلاف مداركهم وأنظارهم، خلافًا لابد من وقوعه، واتسع في الملة اتساعًا عظيمًا. وكان للمقلدين أن يقلدوا من شاءوا.
فكلهم من رسول الله ملتمس
غرفًا من البحر أو رشفًا من الديم
واختلاف المجتهدين ليس تفرقًا في الدين، ولا تجريح فيه للمختلفين، وإنما هو أمر طبيعي فطري يمليه تفاوت الأفهام، كما أنه أثر لاختلاف مناهج البحث وطرق الاستدلال وهذا لا يجري بينهم في القطعيات التي هي أساس التشريع ومحوره، وما يحدد اتجاه الإسلام وأهدافه. وإنما تظهر فقط فيما دون ذلك من أحكام ونظم.
قال أحد العلماء: فقد يكون في بعض المذاهب الاجتهادية من التيسير ما ليس في البعض الآخر، وكثيرًا ما تتفاوت المذاهب الفقهية شدة ويسرًا، وإن كانت في مجموعها لا تخرج عن دائرة الأصول الشرعية التي بُنيت عليها. ومن الصور الفقهية الناطقة بذلك ما نجده بين الأئمة من اختلاف في الأحكام والفتاوى. وهذا في ذاته مصدر ثروة تشريعية ونظريات فقهية متعددة. ومما يشهد لذلك وينبه إلى الحكمة فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((اختلاف أمتي رحمة)) .
وفي الموافقات للشاطبي تقرير ذلك وبيانه. قال القاسم بن محمد: لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالهم، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة، ورأى أن خيرًا منه قد عمله. وقال: لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنه لو كان قولًا واحدًا كان الناس في ضيق، وأنهم أئمة يُقتدى بهم. فلو أخذ أحد بقول رجل منهم كان في سعة.
ونحن لا نشك بأن في عودتنا لفقهنا وشريعة ربنا وأصالة تراثنا ما يفتح الآفاق الواسعة لإنقاذنا من التبعية الشائنة، ويحررنا من القوانين الأجنبية الوضعية التي لا تتماشى مع طبيعتنا ولا تتجاوب معنا، كما أن في ذلك تحقيقًا لأمانينا وبلوغًا لحاجاتنا وإننا بما نقوم به في مجمع الفقه الإسلامي نفتح سبيلًا جديدة لا نلتزم فيها بعد عمق النظر والدرس بمذهب واحد. وإنما هو الأخذ بالأقوى برهانًا، والأوفى بمقاصد الشارع وتحقيق المصالح.
وقد كان من مميزات الأئمة المتقدمين زمانًا وإحسانًا، والعلماء السابقين المتضلعين في الفقه عنايتهم بهذا الشأن واحتفاؤهم بهذا المنهج أمثال القاضي عبد الوهاب في الإشراف، والبيهقي في الخلافيات، وعبد الملك الجويني في الجمع والفرق، وابن الدهان في تقويم النظر، وابن رشد الحفيد في البداية، وابن قدامة في المغني، والقرافي في الذخيرة، ونحوهم. وهم بحمد الله كثر. كما تجلى مثل ذلك لدى الشريف المرتضى في الانتصار، والطوسي في الخلاف، والحلي في التذكرة، وابن المرتضى في البحر الزخار. ومثل هذه القوائم يطول في كل مذهب من مذاهب الفقه الإسلامي بإضافة العدد الكبير من علماء القرون الأخيرة ورجال عصرنا بما ألقاه الشيوخ من دروس في الجامعات الإسلامية، وأشرفوا عليه من رسائل في هذا الغرض. وقد لمسنا أثر ذلك في الموسوعات الفقهية، ووجدناه يتجدد على أيدي دعاة التقريب، أمثال الشيوخ عبد المجيد سليم، ومحمد أبو زهرة، ومحمود شلتوت، ومحمد محمد المدني والأعلام من فقهاء أهل البيت كالبروجردي، ومحمد الحسين كاشف الغطاء ونحوهم.
وإن مما يحقق التقارب بين أهل الملة ما وضعه مجمع الفقه الإسلامي من مشاريع تلتقي فيها آراء الفقهاء والعلماء من كل صوب، كالموسوعة الفقهية الاقتصادية، ومعجم المصطلحات الفقهية، ومعلمة القواعد، ومدونة أدلة الأحكام الفقهية التي دعت إليها جمهرة من فقهائنا وعلماء عصرنا ممن ينتمون إلى المذاهب الأربعة، ومن إخواننا من الإمامية والزيدية والإباضية المسهمين معنا في أعمال المجمع ومشاريعه. وقد كانت الدعوة صريحة إلى هذا التقارب والتوحيد في الخطاب الافتتاحي للمؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي.
وهكذا تلتقي الريادات الإسلامية السامية والتوجهات الصادقة بإذن الله في رحاب دين الله وفي آداب وأحكام وأصول شريعته الخالدة على تحقيق التقارب الإسلامي، وتجديد بناء وحدة الأمة، معتبرة أن القيام بهذه الرسالة فريضة على المسلمين، وخاصة في هذه الظروف الصعبة الحالكة التي تمر بها المجتمعات الإسلامية. فإنه لا يدرأ عنها الأخطار وشرور الفتنة، ولا يقيها أسباب التصدع وعوامل الفناء والانقراض إلا رجوعها إلى دينها وتمسكها بشريعتها وعملها الجاد في إنقاذ وحدتها وإعلاء كلمتها، وإيجاد الحلول الشرعية لما يجد أو يستشكل من قضايا العصر في كل المجالات.
(ولقد أدت الشريعة الإسلامية في الماضي وظيفتها العظيمة - كما قال أحد أعلام رجال القانون - وذلك طالما كان المسلمون متمسكين بها، عاملين بأحكامها. تمسك بها المسلمون الأوائل وعملوا بها وهم قلة مستضعفة يخافون أن يتخطفهم الناس. فإذا هم في عشرين سنة سادة العالم وقادة البشر. وما أوصلهم لهذا إلا الشريعة الإسلامية التي علمتهم وأدبتهم، ورققت نفوسهم، وهذبت مشاعرهم، وأشعرتهم العزة والكرامة، وأخذتهم بالمساواة التامة والعدالة المطلقة، وأوجبت عليهم أن يتعاونوا على البر والتقوى، وحرمت عليهم الإثم والعدوان، وحررت عقولهم ونفوسهم من الجهالات والشهوات. كان ذلك حال المسلمين طالما تمسكوا بشريعتهم، فلما تركوها وأهملوا أحكامها تركهم الرقي، وأخطأهم التقدم، ورجعوا القهقرى إلى الظلمات التي كانوا فيها يعمهون من قبل، فعادوا مستضعفين مستعبدين لا يستطيعون دفع معتد ولا الامتناع من ظالم) .
ولعمري إن الجهود الكبيرة لخدمة الإسلام وبناء الأمة لا يستطيع أن ينهض بها على أكمل الوجوه غير علماء الملة. فإنهم المسؤولون عن ترشيد السير، وعن النصيحة لكل مسلم، وهم غرس الله الذي لا يزال يغرسهم في دينه، وهم الذين عناهم الإمام علي كرم الله وجهه بقوله:(لن تخلو الأرض من قائم لله بحجته) .
وإني لأقف في هذه المناسبة، لأحييكم أيتها الصفوة الكريمة من العلماء، السادة النجباء، والأئمة الفقهاء لما صرفتم فيه أوقاتكم من طاعة الله، ودعوتم مخلصين لمنهجه، والتزمتم بأحكامه وآدابه، وطلعتم على الناس بالبحوث العلمية المفيدة، والفتاوى الفقهية النافعة بإذن الله، فمناظرة أمثالكم في الدين فرض، والاستماع لكم ولما تعمرون به مجالسكم أدب. ومذاكرتكم تلقيح للعقول واستزادة من الخير. فجزاكم الله أحسن الجزاء، وآتاكم الحكمة وبوأكم مقامًا عليًّا في معرفة أحكام الشريعة.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد نبي الرحمة، ومنقذ الأمة، وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته وسلم تسليمًا.
الرئيس:
قبل أن أعطي الكلمة للعارض الشيخ عبد الستار، الحديث الذي ذكره الشيخ الحبيب جزمًا عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((اختلاف أمتي رحمة))
لا أعرفه في كلمة الحفاظ أمثال الحافظ ابن حجر وغيره عن أنه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكون الخلاف فيه هذا شيء ولكن نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى توضيح لصحته، فإذا كان عند الشيخ شيء يثبت صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم فليقل لنا. هذا أمر.
الأمر الثاني: أرجو التفضل بالتزام ما اتفقنا عليه بعدم قراءة البحوث، وإنما يعرض كل رأيه فيما يتوصل إليه فيما لا يتجاوز بضع دقائق. وشكرًا.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه.
لدينا ستة أبحاث سوف أعرض خلاصاتها حسب البرنامج الذي جد.
البحث الأول: عنوانه (الوحدة الإسلامية: معالمها وأعلامها) للشيخ آية الله محمد واعظ زادة الخراساني. ويتكون من مقدمة ثم بيان بمعالم الوحدة الإسلامية وأعلامها.
اشتملت المقدمة على تعريف لخمس مصطلحات شائعة في هذا الموضوع على قدر كبير من الأهمية، وهي: مصطلح الوحدة أو الاتحاد الإسلامي، وقد تفضل الشيخ ببيان تلك المصطلحات، وموجزها أن الوحدة أو الاتحاد الإسلامي يراد بها وحدة الكلمة تجاه القضايا الأساسية والأهداف المشتركة وتوحيد الصف أمام الأعداء.
والمصطلح الثاني: الأمة الإسلامية أو الجماعة الإسلامية ويقصد بها الوحدة الجماعية إلى جانب الأمم الأخرى، ويستحسن فضيلة الشيخ التعبير عنها بـ (القومية الإسلامية) ، وهذه القومية الإسلامية مستوفية لمقوماتها فهناك جنسية للمسلمين هي الإيمان والوطن، وهناك سلطان وقيادة وهناك ثقافة، وهناك تقاليد مستمدة من الكتاب والسنة.
المصطلح الثالث: الأخوة الإسلامية ويقصد به الجانب العاطفي الروحي لتبادل المحبة كما يحصل بين الإخوة نسبًا، فهذه أخوة إيمانية وقد شبهها بأخوة الرضاع ليس فيها نسب ولكن فيها حقوق.
والمصطلح الرابع: التآلف بين المسلمين، ويقصد به التعبير عن الجانب العاطفي لأن الأخوة لابد من ظهور أثرها بالتآلف.
والمصطلح الخامس: التقريب بين المذاهب الإسلامية، ويقصد به الجهود العلمية لإزالة الفوارق المباعدة بين المذاهب وأئمتها وأتباعها ولاسيما أن الجوانب المشتركة بين المذاهب كثيرة، وقد قدرها بنسبة (90 %) ، وأن ما فيه خلاف هو القليل، وأورد في هذا آيات تدل على ضرورة تحقيق هذه الوحدة مثل قوله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103] ، والآيات التي استمعنا إليها في كلمات الافتتاح.
ثم تكلم عن معالم الوحدة وأورد تحت هذا خمسة مبادئ، الأول القومية الإسلامية التي نوه بها وأوضح أنها متحققة فقد أشار إليها الكتاب وأشارت إليها السنة، وتحققت من الوثيقة التي صاغها النبي صلى الله عليه وسلم عند هجرته إلى المدينة، كما أنها تُلمح من المخاطبات القرآنية بصيغة الجمع دائمًا، فهذا الجمع يدل على أن المخاطبين كأنهم شيء واحد وأمة واحدة. ودعا إلى تدريب الجيل على التباهي والاعتزاز بهذه القومية وعلى كل ذوي الرأي والتدبير من آباء ومعلمين وحكماء وساسة أن يعززوا هذا التصور. وأشار إلى أنه حتى الأطفال يجب أن يبذل معهم ذلك من خلال الأناشيد التي تبين وحدة الأمة الإسلامية وتميزها عن الأمم الأخرى.
ثم أشار إلى المسؤولية المشتركة والمتبادلة وذلك بالاهتمام بأمور المسلمين؛ فمن لم يهتم بأمور المسلمين ليس منهم، والمسلمون يسعى بذمتهم أدناه، وهذا يتطلب الاطلاع على أحوال المسلمين والتعرف إلى الشعوب الإسلامية، والتدخل لحل النزاعات التي تنشب فيما بينها.
كما أشار إلى عنصر ثالث هو قيام حكم إسلامي؛ لأن الوحدة تتكون من شعور اجتماعي ومن توجه سياسي بحكم إسلامي.
ونوه بما اشتمل عليه الفقه الإسلامي في مجال السياسة، وهناك كتب الأحكام السلطانية المعروفة التي تبين أن الإسلام دين ودولة، وأنه لا يكفي الاقتصار على الجوانب التعبدية أو المعاملات، وإنما لابد من تحقيق النظم الإسلامية.
وأشار إلى الحضارة والثقافة الإسلامية التي تشمل العلوم الإسلامية والأدب الإسلامي والفن الإسلامي والصنائع والتقاليد، وتشمل أيضًا اللغات الإسلامية.
والحقيقة أن إشارته إلى اللغات كانت عميقة، ولا يخفى أن من الاستعمار استعمارًا لغويًّا تتعرض إليه كل الشعوب الإسلامية التي تترك لغتها العربية واللغات الإسلامية الأخرى تراثية، وتهتم باللغات الأجنبية التي ترتبط بحضارة الغرب ومدنيته وثقافته.
وأخيرًا ختم ببيان السماحة الإسلامية وأنه لابد منها فلا يجوز التفاخر والتعصب والتفرقة المذهبية، وأشار إلى مساهمته في ذلك من خلال بحث قدمه إلى لجنة تنسيق العمل الإسلامي المشترك. وإشارته موجودة في بحثه.
ثم ختم بحثه بالإشادة بأعلام الوحدة الإسلامية من شتى المذاهب، وبدأ بما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إمام الوحدة، ثم الخلفاء الراشدون، ثم أئمة المذاهب، وأشار إلى الأشعري حينما سمى كتابه (مقالات الإسلاميين) فأثبت صفة الإسلام لهذه المذاهب التي تنتمي إلى هذا الدين ولا تخرج عن هذا الاسم فلا ينزع اسم الإسلام عن الشخص إلا إذا تجهم لمبادئه الأساسية. كما أشار إلى الطوسي والشريف الرضي والزمخشري والطبرسي، ونوه أخيرًا بأئمة الوحدة في العصر الحديث من أمثال: الأفغاني ومحمد عبده والمراغي والزنجاني، والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد تقي القمي، والشيخ عبد العزيز عيسى، والشيخ حسين البروجردي والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والشيخ عبد الحسين شرف الدين والشيخ محسن الأمين.
وهذا عرفان بفضل هؤلاء الذين انتبهوا إلى مكمن الخطورة والتفرق والتشرذم في الأمة الإسلامية ودعوا إلى تجاوز الخلافات وتعزيز الوحدة الإسلامية من خلال مبادئها.
أما البحث الثاني: وهو لفضيلة الشيخ محمد الستري. فقد تكون من ثلاثة مقاصد بعد التمهيد إلى تمزق الوحدة الإسلامية مع أنها ركن في عزة الإسلام. وهذه المقاصد التي بني عليها بحثه تناولت أسباب الاختلاف والفرقة، ثم معوقات الوحدة الإسلامية، وأخيرًا نوه بالطرق إلى الوحدة الإسلامية.
أما أسباب الاختلافات فقد قسمها إلى أسباب مذهبية وأخرى سياسية؛ فالأسباب المذهبية تبدو في الاختلافات حول المصادر الشرعية، والاختلافات حول العمل بالنص وبالرأي وطرق الاستدلال وطرق إثبات السنة وحجية عدد من مصادر الأحكام.
وهذه إشارات واقعية إلى هذا الاختلاف القائم.
ثم بيَّن أن بإمكان العلماء أن يتلافوا هذا الاختلاف عن طريق عقد المؤتمرات وكتابة الدراسات الموضوعية المنهجية التي لا تهدف ولا تسعى إلى ذوبان مذهب في مذهب آخر، بل تدعو إلى التفاهم والتقارب والتوحد والاجتماع على العناصر المشتركة، وهي كثيرة كما رأينا في البحث السابق.
ثم أشار إلى الأسباب السياسية وأنها قد تعززت بكتابات موجههة عبر التاريخ وممارسات تمييزية، وأن الحل هو الرجوع إلى القرآن والسنة، وضرورة التصدي للتمييز الطائفي حتى تنمحي هذه الفرقة وأسبابها.
أما معوقات الوحدة فقد أشار إلى سبعة أمور:
الجهل بالدين والأمة؛ لأنه لا تتوفر المعرفة بين بعذ المذاهب والبعض الآخر، ولابد من المعرفة الشاملة القائمة على الانفتاح والتواصل.
التطرف مع أن الإسلام دين التسامح، والله عز وجل يدعو إلى أن يكون سبيل الدعوة في الكلمة والموعظة الحسنة، وأنه يجب استبعاد عنصر الريبة والتشويه.
حب الزعامة من خلال ممارسات بعض الحركات التي تتولد عن الرغبة في الرئاسة وتعزيز الفرقة للحفاظ على المناصب القائمة لتلك الزعامات. ثم أشار إلى الحزبية، وأن أكثر الويلات منها، وأنها تجعل الأمة شيعًا وأحزابًا، وتكون مقدسات بديلة عن المقدسات الإسلامية.
الطائفية القائمة على أساس مذهبي أو عرقي.
الحدود المصطنعة التي أقامها الاستعمار والتي أدت إلى فصل العرب عن المسلمين وأنه يجب التضافر.
وأخيرًا التمحورات السياسية التي جعلت الدول الإسلامية تندرج في تمحورات سياسية مختلفة بدلًا من أن تكون تمحورًا واحدًا يجمعها.
ثم أشار إلى طرق الوحدة عن طريق التواصل والانفتاح بين المسلمين بالزيارات وتبادل الخبرات والمناقشة المثمرة والمؤتمرات الشبيهة بمؤتمرات هذا المجمع. وأكد على العناصر المشتركة، داعيًا إلى ضمان الحرية المذهبية بمنع محاولات النقل من مذهب إلى آخر. وعلى تحقيق المساواة بين المسلمين والتكامل السياسي والاقتصادي والإعلامي.
البحث الثالث: عنوانه (إنما المؤمنون إخوة) ، وهو من إعداد فضيلة الشيخ عدنان عبد الله القطان، وقد عزز هذا الموضوع حقيقة الأخوة بين المسلمين. ودخل في مضمون هذا الموضوع وهو ما يحقق التكامل بين بعضها البعض، ولم يتعرض إلى الأسباب وغيرها، وإنما بين مفهوم هذه الأخوة وعبر عنها بأنها الآصرة العقدية التي تشد المسلمين بعضهم إلى بعض، وأنها الرباط بين قلوبهم فهي صفة ملازمة للإيمان تورث الشعور بالعاطفة والمجد والثقة.
ثم بين فضائل الأخوة الإسلامية فأورد عشرة أحاديث وتسعة آثار وهي موجودة في البحث وذلك مثل ((سبعة يظلهم الله في ظله
…
)) ،
الحديث الذي يبين حلاوة الإيمان والمتحابين في جلال الله عز وجل. وبعد ذلك أورد حقوق الأخوة الإسلامية وآدابها ليكون هذا المفهوم متمثلًا في عناصر محددة، فبين هذه الحقوق التي جاءت بها النصوص الشرعية والتي تعزز الشعور بالأخوة كواجب السلام، وتشميت العاطس وعيادة المريض، وشهود الجنازة، وإبرار المقسم، والتناصح، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأن ينصر أخاه، وأن لا يمسه بسوء، والتواضع، وعدم الهجر، وعدم الغيبة، إلى آخر ما أورده من هذه الحقوق والآداب التي تعمق الأخوة بين المسلمين.
ثم أوضح أن هذه الأمة أمة واحدة وأنه لابد من الدعوة إلى الإصلاح وأن الإصلاح يجب أن يكون عن طريق المناجاة وليس بالإفصاح والإحراج، وأن الإصلاح أمر أساسي في الشريعة الإسلامية بحيث أبيح الاجتراء على الكذب لأهمية الإصلاح، وأنه إذا كان الإصلاح يتطلب الشدة والعنف فلا مانع منه لأن هذا هو حكم البغاة، قال تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] ، وهذا يدل على أهمية الوحدة واجتماع كلمة المسلمين.
ثم بين معرفة حقوق الأخوة الإسلامية وآداب الخلاف، وفي هذا بحث مستقل. وبين أخيرًا أمثلة ونماذج من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وأمثال ذلك مما جاء في بحثه.
البحث الرابع: هو (منهجية المقارنة بين المذاهب الفقهية) وهو الذي كلفتني أمانة المجمع بإعداده.
وخلاصة هذا البحث أنني أشرت إلى منشأ الاختلاف وأنواعه والحكمة منه وأن هذا الاختلاف إما أن يكون اختلافًا في الأصول أو في الفروع، وأن الاختلاف في الأصول يجب تخفيفه وتقليله لأنه يمس المبادئ الأساسية، وقد جاء في قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي قرار مفصل في هذا الموضوع يتحرز من اختلاف الأصول ويتيح الاختلاف في الفروع إلى أنه في غالبه رحمة ويحقق سعة ورحمة للأمة.
ثم ذكرت أهمية معرفة الاختلاف الفقهي فأوردت عددًا من الآثار والكلمات عن علماء الفقه والحديث في أن الاختلاف الفقهي أمر لابد منه لمن يريد الإفتاء أو الاجتهاد، وأن من يتقحم على الإفتاء أو الاجتهاد دون أن يعرف خلاف العلماء يقع في خط الإجماع ويقع في الأقوال المشذذة التي يخالف فيها جمهور الفقهاء. وأن الاختلاف منه حقيقي معنوي ومنه اختلاف لفظي ليكون المآل واحدًا ولكن تختلف العبارات.
وأشرت إلى أن هناك من العلماء من فرق بين الخلاف والاختلاف وهو الإمام الشاطبي، فهو يعتبر الخلاف مذمومًا؛ لأنه ينتج عن هوى، وأما الاختلاف فإن ينتج عن أدلة وأسباب معروفة. وأن من الخلاف ما هو زمني ومنه ما هو البلداني، وأن الاختلاف منه ما هو اختلاف تنوع ومنه ما هو اختلاف تغاير. واختلاف التنوع أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ونوه إلى أنه ليس فيه بأس ولا حرج وهو الذي يحصل في كثير من أوضاع وهيئات العبادة أو الأذكار مثل دعاء التوجه فهذا اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد.
ثم أشرت إلى أسباب الاختلاف بين الفقهاء وأن أول من تناول هذا الموضوع هو ابن السيد البطليموسي الأندلسي، حيث أورد ثمانية أسباب لهذا الاختلاف تتصل بطبيعة النصوص وبخصائص اللغة العربية وبنقل الرواية، وجاء بعده علماء آخرون فبينوا هذه الأسباب بعبارات أخرى مختلفة منهم ابن رشد في بداية المجتهد، ومن المتأخرين الإمام ولي الله الدهلوي، ومن العلماء شبه المعاصرين الشيخ علي الخفيف وأمثاله.
إثر ذلك انتقلت إلى المقارنة بين المذاهب من حيث المسائل الخلافية، فالأمور المجمع عليها ليست مجالًا للمقارنة أو الموازنة ويستحسنه بعض العلماء، وأوضحت ضرورة وجود معيار للموازنة بين الخلافات الفقهية، فإن كان لكل فقيه رأي، فمن الذي يعتبر مخالفًا للآخر؟ المعيار هنا هو النظر إلى جمهور الفقهاء، فالذي يخالف الجمهور هو الذي يعتبر مخالفًا، وهذا الخلاف ليس كله محمودًا، فهناك خلاف مشذذ، وهو الذي يأتي بخلاف غير معتبر، وقد ألف بعض العلماء ومنهم التميمي كتابًا سماه:(نوادر العلماء) أشار فيه إلى هذه الأقوال الشاذة التي يجب الحذر منها واجتنابها.
ثم بينت أن مجال المقارنة هو المذاهب القائمة المتبعة وليس فقط المذاهب الأربعة، وأنه لابد من الحياد في هذه الموازنات.
وأشرت إلى منهج المحدثين وكيف أخذوا عن العلماء من شتى الفرق والمذاهب، ولم يتجنبوا إلا من كان يدعو إلى منهجه ويخشى أن يتأثر فيروي شيئًا يصدر في مذهبه أو رأيه. وقد أخذوا بكثير من هذه وكتب علماء الجرح والتعديل تشهد بذلك.
ثم أشرت إلى علاقة الفقه بأصول الفقه فإذا لم يتم الالتقاء على مصادر الأحكام الشرعية وتوحيد هذه المصادر فإن الخلاف سيظل عميقًا كبيرًا، ولذلك لابد من التعرف بين علماء المذاهب إلى هذه المصادر، هل هي واحدة أو مختلفة؟ فهناك اختلاف في موضوع السنة، ليس في حجية السنة، وإنما فيما يعتبر من السنة. فبعض المذاهب كالمذاهب الإمامي مثلًا يرى أن أقوال الأئمة نفسها تعتبر جزءًا من السنة، فيجب مراعاة هذا عند الموازنة.
كما أن هناك رجوعًا إلى مصدر الرأي أو الاحتجاج باعتبار العقل مصدرًا، فأشرت إلى هذا في ورقتي ليس على سبيل النقد وإنما على سبيل التعرف إلى مصادر الأحكام؛ لأنه إذا لم يراع اختلاف المصادر تكون الموازنة مختلة.
ثم أشرت إلى نتائج المقارنة وأنها إما أن تكون الترجيح، وقد لا يكون الترجيح عن طريق المذاهب الفقهية فقط، بل الترجيح بالعمل بالحديث وللعلماء في هذا أقاويل كثيرة، فمنهم من يطلق القول على عنانه، ومنهم من يشترط أن يكون هذا الحديث الذي جاء على خلاف المذهب قد عمل به أحد الفقهاء للتثبت من أنه ليس منسوخًا، وأن فهم هذا الحديث قائم على وجهه.
ثم أشرت إلى التلفيق الذي صدرت فيه قرارات من هذا المجمع الموقر وإلى أنَّ المذاهب التي يعمل بها ليست الأربعة فقط، وذلك بعبارات ذكرتها من علماء المذاهب الأربعة أنفسهم، وأن الاقتصار عليها كان لسبب منطقي موضوعي وهو ضبط كتبها وإحصاء خلافاتها، وأن كل مذهب يتحقق فيه هذا فهو قابل للأخذ به والعمل به حتى مذاهب الصحابة؛ لأن علماء الأصول يقولون: لا يعمل بمذاهب الصحابة، والسبب في ذلك أنها لم تنقل نقلًا متقنًا بقيودها وضوابطها، ولكن لو نقل شيء منها بقيوده وضوابطه فالعلماء يقولون: يُعمل به أيضًا.
ثم أشرت إلى سبل تضييق الخلاف ومنها: مراعاة الخلاف أي الخروج من خلاف العلماء بالأخذ بالأحواط، وقد وضع العلماء مبادئ لهذه المراعاة وأمثلتها، فإذا كان الأمر مثلًا بعض العلماء يقول بندبه وبعض منهم يقول بوجوبه فالخروج من الخلاف أن يؤخذ بالوجوب ليس على سبيل أنه الرأي الوحيد، وإنما في العمل فقط، وأما الفقه فيبقى مستقرًا ولا يطغى مذهب على آخر.
ومن سبل تضييق الخلاف أيضًا خلاف التنوع الذي أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية واختيار بعض هذه المذاهب، أي العمل بها في القضاء فهذا يقطع الخلاف، أو بإصدار بعض القوانين فهذا أيضًا يقطع الخلاف، ويبقى الخلاف العلمي قائمًا، ولكن عند العمل لابد من الالتزام بما يقضي به القاضي أو يختاره الإمام من أحكام ويضيق مساحة الخلاف.
كما أشرت إلى بعض أدبيات الخلاف لأنه لابد من التثبت في نسبة الخلاف، فقد وقع في هذا كثير من الأخطاء والأغلاط فنسبت إلى بعض المذاهب ما ليس في كتبها، وهو أمر ينبغي التنبيه له، وقع هذا في بعض كتابات ابن حزم وعلق عليها الشيخ عبد الحسين شرف الدين، وفي بعض الموسوعات فقد نُسب إلى مذهب الإباضية منع الرجم مع أنه موجود في كتبهم الفقهية. لذلك لابد من التثبت من نسبة الخلاف وأنه لا إنكار في الأمور المختلف فيها، وهذه قاعدة قررها العلماء فقالوا: إذا اختلف الفقهاء في أمر فإنه ينتقل من الإنكار إلى الإرشاد مراعاة لهذا الخلاف المعتبر.
وبينت أخيرًا ما جاء في رسالة ألفها شيخ الإسلام ابن تيمية بعنوان: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) أورد فيها عشرة أسباب يطيل فيه العذر للأئمة في تركهم بعض الأحاديث أو في الخلاف بينهم، وأن هذا كله ليس تنكرًا للنصوص وإنما هو لأسباب، منها: اعتقادهم أن هذا الحديث صحيح أو خلافهم في دلالته أو في نسخه. وهذه الأسباب أوردتها في البحث فلا أطيل ببيانها.
والبحث الخامس: هو (أدب الحوار وأخلاقيات البحث) وقد كتبه الدكتور سعيد بن عبد الله بن محمد العبري، وأورد فيه الآيات في الوحدة الإسلامية، وبيَّن معنى الحوار ومشروعيته وآدابه ومنهجيته وأخلاقيات البحث.
فبين أن معنى الحوار هو الكلام المتبادل بين طرفين في أسلوب لا يقصد به الخصومة. وبهذا يختلف عن الخصام والتنازع.
وأورد تعريفات لألفاظ ذات صلة بمصطلح الحوار مثل: الجدال والمناظرة والمناقشة والمماراة. وبين أن الحوار مشروع فقد جاءت منه نماذج كثيرة في القرآن الكريم منه حوار الله عز وجل مع ملائكته الكرام في خلق آدم، ومنه حوار نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع ربه حينما قال: أرني كيف تحيي الموتى، وحوار سيدنا موسى مع ربه في الرؤيا، وحوار سيدنا عيسى مع ربه، وحوار صاحبي الجنتين، وحوار إبراهيم وابنه إسماعيل الذبيح، وحوار قارون مع قومه، وحوار نوح وشعيب، عليهما السلام، وحوار ابني آدم قابيل وهابيل.
وبين أن القرآن يعبر عن الحوار أحيانًا بـ (الجدال) ، وأن مجادلة أهل الكتاب مأمور بها بأن تكون بالحسنى، وأن الجدال منه محمود ومنه مذموم، فيكون محمودًا إذا كان لإثبات الحق وإبطال الباطل ويكون مذمومًا إذا كان للمناحرة والعداوة أو للتعنت والمراءاة.
ثم بين أن القرآن ذم، ثلاثة أنواع من الحوار وهي المجادلة بالباطل لدحض الحق، والمجادلة بغير علم أو برهان، والمجادلة في الحق بعد ظهوره.
وبين بأن آداب الحوار أمور كثيرة تصل إلى ثمانية عشر أمرًا وهي: التقوى والإخلاص والوقار والحلم والعلم، وأن يكون الحوار في المسائل الواقعية وليس في أمور متخيلة، وأن يكون قائمًا على الابتعاد عن الإعجاب والغرور، وأن يكون المحاور مؤمنًا على مناظره محترمًا له متشوفًا إلى ظهور الحق على لسانه.
وأشار أخيرًا إلى استبعاد الحيل في الحوار كأن يستخدم ألفاظًا لا يفهمها الطرف الآخر ولا يقدر على الرد عليها أو أن يخرج عن السؤال أو أن يلزم بأمور ليست لازمة لمن يحاوره، ويلتفت عنه أو يعرض أو أن يتوجه إلى الضعيف من أقواله. فكل هذه حيل يجب استبعادها من الحوار حتى يكون حوارًا وجدالًا محمودًا.
ثم بين منهجية الحوار بأنه الرجوع إلى كتاب الله عز وجل وأن تكون ذات هدف، وأن لا يكون فيها نقل للأمور الظنية لجعلها قطعية بل يجب الحفاظ على خصائص هذه الأمور.
وأورد في الأخير خاتمة بعدما تصعيد الفروع إلى الأصول، لأن ذلك يمزق الوحدة، وأنه يجب الخروج عن البعد التاريخي للخلافات بين الأمة الإسلامية فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.
وكما قال الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز حينما سئل عم وقع من فتن في صدر الإسلام فقال: تلك أمور طهر الله بها سيوفنا فنطهر بها ألسنتنا. أو كما قال. فيجب البعد عن هذه المعطيات التاريخية لأنها تعزز الفرقة وتزيد من التباعد.
ثم دعا إلى اطلاع كل طرف على ما عند الآخر حتى لا يكون هناك إبهام ولا غموض.
والبحث الأخير: بعنوان (الوحدة الإسلامية) ، كتبه الدكتور حسن بن محمد سفر. بين فيه أهمية الوحدة ومقوماتها ومفمومها ومشكلاتها. وبين أن مفهوم الوحدة الإسلامية مهم جدًّا في الإسلام، فلم تضف الوحدة إلى الأمة، ولم يأتِ نص بوحدة الأمة الإسلامية وإنما جاء صفة لها (إن هذه أمتكم أمة واحدة) . وإن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بتعزيز هذه الوحدة حينما آخى بين المهاجرين والأنصار، وحينما صاغ وثيقة المدينة التي قامت بها الدولة الإسلامية. ثم بين أن الوحدة لا تنافي الاعتراف ببعض الخصائص المميزة للشعوب بما لا يجعل الأمر فرقة، فلكل شعب خصائصه ولكل قبيلة رايتها، فحتى في الجهاد كانت القبائل تحمل راياتها للحفاظ على ما بين هذه القبائل من نخوة ومن عادات في القتال. فلابد من الاعتراف بهذه الخصائص بشكل لا يؤثر على الوحدة. فاجتماع الأسرة الواحدة لا يعني ذوبان أفرادها وكذلك المجتمع، وكذلك الأمة.
ثم بين أن أهمية الوحدة تكمن بنوعيتها لا بكميتها.
وقد تطرق كذلك إلى الأبعاد المختلفة، بدءًا بالبعد الديني وهو ركيزة في الوحدة الإسلامية ويظهر في العبادات التي فيها مظاهر الوحدة بين المسلمين من الصلاة والحج والصيام والزكاة. والبعد الإنساني وارتباطه بعلاقة وثيقة بالبعد الديني، ثم البعد الاجتماعي من الألفة والتكافل، والبعد الجغرافي وهو إزالة الحواجز. والبعد الحضاري حيث أن حضارة الإسلام أطول حضارة عرفها التاريخ. وانتهاء بالبعد المصيري.
ثم أشار إلى المشكلات التي تعرضت لها الوحدة في عهد النبوة وما بعده وفي عهد الصليبيين والاستعمار. وأخيرًا النعرات الوطنية الضيقة والقومية الجاهلية التي جعلت هناك دويلات في بعض العهود، بحيث تعرضت تلك الدويلات إلى الزوال.
ودعا إلى التطلع إلى آفاق المستقبل لتحقيق الوحدة الإسلامية في الميدان الفكري بتحكيم الشرع، وفي الميادين الأخرى بالتضامن والتلاحم والثقافة والتربية والمناهج والإعلام والدعوة.
وختم بحثه باستذكار أمجاد المسلمين عندما كانت دولتهم منحصرة في مكة ثم أتت على دولة الفرس والروم ورأى أنه لابد من إنقاذ العالم عن طريق توحد المسلمين ورجوعهم إلى دينهم وإلى كتاب ربهم وسنة نبيهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
* * *
التعقيب والمناقشة
التعقيب والمناقشة
الرئيس:
يا شيخ عبد الستار، هل الفرق بين الخلاف والاختلاف ذكره الشاطبي أم القرافي! أنا الذي أعرفه للقرافي؟.
الشيخ عبد الستار:
في الموافقات للشاطبي.
الرئيس:
أما شيخ الإسلام رحمه الله في اختلاف التنوع فهو لا يقول: إنه لا بأس به. بل يرى أنه أصدق من طرق الجمع بين السنن، وهو رأي كثير من العلماء ولهذا له قاعدة في أنواع الاستفتاح ذكر فيها ما يزيد عن عشرين نوعًا من أنواع العبادات التي جاءت بطرق متنوعة، مثل الأذان والإقامة والاستفتاح والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها.
الشيخ عبد الستار:
اختلاف التنوع يقول: إنه لا يجوز أن يسبب فرقة..
الرئيس:
هذا لا يُجمع بين عبادتين جاءت على نوعين أو ثلاثة فأكثر. ولكن هو لا يقول لا بأس به، وإنما هو يراه طريقًا صحيحًا من طرق الجميع بين السنن.
الشيخ حمداتي شبيهنا ماء العينين:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
معالي الوزير؛
معالي الأمين العام للمجمع؛
أصحاب الفضيلة؛
لقد كانت هذه البحوث التي استمعنا إليها اليوم متميزة في إعدادها وفي موضوعها وفي الآراء والأقوال التي تضمنتها، فإذا كان لي من تعليق فهو يتعلق ببحث الأستاذ محمد واعظ زادة عندما تكلم عن المؤتمرات، انتظرت أن يذكر أجيالنا بالمؤتمر الأول للعالم الإسلامي الذي انعقد في المغرب بالرباط بدعوة من صاحب الجلالة الحسن الثاني سنة 1969م وعنه انطلقت منظمة المؤتمر الإسلامي.
التذكرة الثانية عندما ذكر تدريب أبطال الأمة على القومية كنت أيضًا أنتظر أن يشير إلى شبابنا وإلى أجيالنا القادمة على أن نظرة القومية التي وحد بها كثير من الإصلاحيين الغربيين دولهم اقتبسوها من القومية الإسلامية، لأن المقومات التي اشترطوها لقيام أي قومية لا توجد مجتمعة إلا في الإسلام، وهي تتعلق بالعقيدة واللغة والرغبة في العيش المشترك. هذه هي المقومات التي بنى عليها الإصلاحيين - مثل بسمارك وغيره - القوميات الغربية، ولا شك أنهم أخذوها من نظريات الفقه وأصوله في الإسلام.
الملاحظة الثالثة: عندما ذكر أنه ينبغي أن ندرب أطفالنا على الإحساس والشعور بانتمائهم الإسلامي. كان يجب أن يقترح أو يشير إلى ضرورة إدراج هذه المسألة في مناهج التربية الإسلامية في دولة إسلامية، وعليه أقول: إنه لا فائدة من أن نبقى نصعد نظريات أصولنا وأمهات كتبنا وكبار فقهائنا؛ ولا نخرج باقتراحات تنير سبيل أولي الأمر حتى تدفعهم إلى القيام بما نرجوه.
وعليه أرجو أن نشير إلى أنه ينبغي على وزراء التربية في كل الدول الإسلامية أن تكون لديهم قواعد تشكل قاسمًا مشتركًا في تربية أولادنا تربية إسلامية وموحدة.
الملاحظة الرابعة: عندما تعرض إلى الآية الكريمة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] ، كنت أنتظر أيضًا أن يقترح تشكيل لجنة من مجمع الفقه الإسلامى برئاسة الأمين العام، وبمباركة من الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي للوقوف على النزاعات القائمة بين دول الأمة الإسلامية إن أمكن، فإن لم يمكن تحديد الجهة الباغية، ورفع الأمر لأولي الأمر؛ حتى يمكن تطبيق الشطر الثاني من الآية ضد الدولة التي أرادت أن تعرض أمر الأمة ووحدتها للخطر.
وشكرًا لكم والسلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ عبيد العقروبي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. لي ملاحظة على البحث الذي أعده الأستاذ محمد واعظ زادة، وقد ذكر في ثنايا بحثه التربية القومية الإسلامية، واستشهد بالآية ثم استشهد يقول: وقد جاء في دعاء الإمام السجاد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، حديث طويل: فيه بعض العبارات غير مفهومة (1) . أنا لا أعتقد أن علي بن الحسين يدعو على الأمم وذلك مثل ما قال: اللهم واعمم بذلك أعداءك في أقطار البلاد من الهند والروم والترك والخزر والحبش والنوبة والزنج
…
إلخ.
هناك موضوع آخر وهو الوحدة الإسلامية الذي ذكره الشيخ الستري، فقد ذكر الوحدة الإسلامية ومقوماتها، وأشار إلى الحرية المذهبية، فجزاه الله خيرًا بحيث لو كان أكد على موضوع الحرية المذهبية. وشكرًا.
الشيخ عبد اللطيف الفرفور:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بعد أن قرأت واستمعت إلى هذا العرض الطيب وجدتني أمام عواطف جيَّاشة في كثير من الأحيان تطغى على البحث العلمي ومنهجيته. والعواطف الجياشة شيء نبيل وكريم، ولكن أرى أن يكون مكانها غير هذا المجمع الموقر من المنابر والمحاضرات والخطب وما إلى ذلك، فنحن بحاجة إلى منهجية علمية دقيقة جدًّا، لأن الوقت قصير ويدركنا دائمًا، وما رأيته بعد الدراسة والتمحيص - ولا أدري إذا كنتم تشاركونني - أن القضية تتلخص في مسألتين اثنتين، هما:
المسألة الأولى: مناهج البحث العلمي أو ما كان يسمى قديمًا بـ (أدب البحث والمناظرة) ، وهو ما يسمى اليوم بأدب الحوار وأدب الخلاف والاختلاف، وما إلى ذلك من تسميات، وهذا كله يدخل عند الغرب ضمن مقولة تسمى مناهج البحث العلمي أو أصول البحث العلمي. ولا مانع من أن يتفق في هذا المجمع الموقر على لجنة تكيف هذه المناهج برسالة أو ببحث علمي - إذا رأيتم ذلك - حتى يكون ذلك عونًا للباحثين في مجمعنا وفي غيره. وهذه مسألة مهمة.
المسألة الثانية: وهي مسألة عقدية أو إيديولوجية كما يقال وهي بيت القصيد في قضية تضييق نقطة الاختلاف بين المذاهب وهي السنة بالذات. فلابد من أن يصار إلى لجنة لتبحث في قوانين أخذ الحديث ورده من جميع المذاهب الفقهية، فهي وإن طال عملها تهون على المسلمين وتسهل لهم وللباحثين وبصورة خاصة للمجمع، وتختصر لهم طريقًا طويلًا.
فالموضوع يدور حول هل هذا حديث أم ليس بحديث؟ هل هذه سنة أم ليست بسنة؟ ما هو المعيار في قبول هذه السنة أو ردها؟
هنا يختلف الأمر، فلا أحد يختلف في القرآن الكريم وإنما الخلاف حول السنة.
فإذا رأى المجمع الموقر والأمر متروك للأمانة العامة ولرئاسة المجمع مشكورة أن تكون لجنة أو ندوة أو جماعة أو هيئة للبحث في هذا الموضوع، حتى ننتهي من هذه الخلافات الطويلة العريضة التي لها أول وليس لها آخر، والمقصود جمع الشمل وتضييق رقع الخلاف والاختلاف حتى نجتمع كلنا على شيء واحد هو الإسلام بجميع قواعده ومناهجه وقضاياه.
والله تعالى أعلم، وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله.
(1) انظر ص 95 - 96.
الشيخ علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
الشكر الجزيل للإخوة الكرام السادة الباحثين وموضوع اليوم الوحدة الإسلامية، فهي أمل كل مسلم وغايتنا جميعًا أن نصل إلى هذه الوحدة ونسأل الله عز وجل أن يحققها.
وأود هنا أن أوضح مسألة ما وهي أني إن اختلفت مع أخي فإنه أخي وأنا أخوه. الخلاف لا يمنع أن أكون أخاه ولا يمنعه أن يكون أخي. لكن الجمع بيننا لا يكون بأن أجبره أن يكون على رأيي أو أن أكون أنا على رأيه، أو أن أذكر أن طريق الوحدة هو أن نكون تبعًا لرأي واحد مهما كانت الاختلافات.
الأمر الثاني: إذا اجتمعنا ونحن على خلاف فنحن نجتمع أمام أعدائنا، نجتمع أمام من يهددنا، مع وجود هذا الاختلاف وهذا لا يمنع من الوحدة الإسلامية.
في بعض الأبحاث ذكر من طرق الوحدة بعض الكتب التي تدعو الأمة الإسلامية كلها إلى أن تكون تحت راية مذهب واحد أو فرقة واحدة. ما أظن أن مثل هذا يؤدي إلى الوحدة، وإنما الوحدة تكون مع وجود هذا الاختلاف، فإن استطعنا أن نقلل منه كان هذا هو الواجب، وإن لم نستطع أن نقلل لا يجوز أن نقول بأن الوحدة يجب أن تكون تحت راية هذا المذهب أو تحت راية هذه الفرقة.
هذا ما أردت أن أقوله، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عجيل النشمي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أعتقد أن لفظ الأمة الإسلامية هو اللفظ الأولى بالاعتبار. وشكرًا.
الشيخ حمزة الفعر:
بسم الله الرحمن الرحيم
ادَّعى أحد الباحثين أن المسلمين الذين يرجعون في دياناتهم إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هم من أهل السنة من أي فرقة كانت. ثم يقول بعد ذلك: فقد آن الأوان أن نطلق الهيبة للسنة على أهل الصلاح من كل فرقة. ويقول: إن أهل السنة هم، الأتقياء الصالحون من أي مذهب كانوا.
وهذا كلام في الحقيقة مع احترامي للباحث الكريم فيه خلط عجيب غريب فإن المتمسك بمذهبه لا يلزم من تمسكه هذا أن يكون من أهل السنة، بل قد يكون كذلك وهو من غلاة المبتدعة. وإذا التبس على بعضنا مفهوم السنة الذي يريد الباحث فتح الباب عليها على مصراعيه؛ فإن الحق واضح والحمد لله ليس بحاجة إلى كبير جهد في تعرفه لمن قصده خلع ربقة التعصب والانغلاق، إذ إن السنة تعني ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه، فهي ترد في كل الأمور إلى الأمر الأول الذي عليه المعول، كما بين ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام عندما وصف الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خالفها أو خذلها إلى يوم الدين بقوله:((هم من كانوا على مثل ما أنا عليه وأصحابي)) .
وهذا تعريف ضابط يمكن أن نزن به كل طائفة في أي زمن. ولن تحصل الوحدة بين المسلمين إلا إذا حصل الاتفاق على أصول ثابتة يتحاكم إليها عند الاختلاف. ثم إذا حصل الإخلاص أيضًا لأن هناك خلافات في أصول العقائد بين بعض المسلمين وليس الأمر مقصورًا على ما دونها.
وفي بحث الشيخ محمد الستري (الوحدة الإسلامية) يقول: ولا سبيل إلى حل جذري لهذه القضية إلا بالرجوع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، وأقول: إن هذا نظر صحيح ولكنه نظر يحتاج إلى وسيلة محددة للوصول إلى أحكام القرآن والسنة، حيث إن هذه الأحكام منها ما يتناول ما يحدث للمكلفين بنصه وفيها ما ليس كذلك ولكنه يعرفه العلماء الراسخون بالرد إلى المنصوص. مما يثبت شمول شريعة الله لكل شؤون الحياة تحقيقًا لقول الحق تبارك وتعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]، ولقوله جل ذكره:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] ، وهذا هو المعهود عن أئمة المسلمين الراسخين فيما تركوه لنا من ميراث فقهي ضخم من القرآن والسنة مباشر لكل أحد بل لابد من معرفة الاجتهاد الصحيح.
وقال أيضًا: ولقد كان جهل أتباع للمذاهب المختلفة بالمذاهب الأخرى سببًا من أسباب الفرقة، فهم إما أنهم لا يحاولون الاطلاع على ما في المذاهب الأخرى، وإما أنهم يطلعون على ما فيها من مصادر خصومها المذهبيين، فلا يزدادون بذلك إلا جهلًا وبعدًا عن الحقيقة.
وما ذكره الباحث أمر منهجي هام، ولكن لا يصح على كل الباحثين والدارسين إضافة إلى أن الكتب المذهبية قد طبعت في هذا الزمن وانتشرت، وأصبح ما فيها معروفًا متداولًا.
وفي بحث الأستاذ الخراساني يقول: إن الحكم الإسلامي في طبيعته ليس له شكل محدد خاص، ولعله يقصد الحكومة؛ لأن الحكم هو الفصل والقضاء وهو أمر محدد بلا شك في دين الله ليس له طريق إلا الشرع:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] .
الشيخ حسن الجواهري:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الميامين.
بالنسبة لما ذكره الأستاذ الدكتور عبد الستار أبو غدة من أن المقرر لدى الإمامية أن لأقوال الأئمة حجية سوى حجية الإضافة إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولو سمي ذلك أحيانًا بالاجتهاد فضل الاجتهاد بمعنى آخر.
طبعًا أنا لا أقول بأنه لا يوجد قول بذلك ولكن أنكر أن يكون ذلك هو المقرر لدى الإمامية، بل هو قول ضعيف جدًا والمقرر عند علمائها ومراجعها كسيدي الشيخ الصادق، وسيدي الخوئي، والمراجع الحاضرين وغيرهم يقولون بأن التشريع قد انتهى بانتهاء عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] ، والموجود في روايات كتب الإمامية جملة واحدة تبلغ حد التواتر الإجمالي على الأقل تقول بأن ما يقوله الأئمة هو عن آبائهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليسوا هم بأهل رأي واجتهاد، بل ما يقولونه مسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم.
طبعًا العادة الجارية عند العلماء - مثل الإمامية - ذكر الروايات عن كتب متقدمة عليهم بمئات السنين إلا أنهم يذكرون في آخر الكتاب ويذكرون السند إلى أصحاب هذه الكتب. فالأئمة صرحوا برواياتهم الموجودة التي تبلغ حد التواتر الإجمالى على الأقل بأن ما يقولونه هو عن آبائهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس هو رأي اجتهاد وليس هو حجة بنفسه مع قطع النظر عن وصوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد تكونت الشريعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يمكن لأحد أن يُشرع بعد زمان انتهاء عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا ما عليه طائفة الإمامية اليوم بعلمائها ومراجعها وإن كان هناك قول فأظن - والله أعلم - أنهم يقصدون أن ما يقوله الأئمة هو رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا سندها عن آبائهم المعصومين الصادقين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما ذكره الأستاذ أبو غدة أيضًا من نسبة هذا القول إلى مؤلف في الفقه الجعفري فهو أمر عجيب، إذ لا يحسن أن يذكر هذا القول المهم وينسب إلى مؤلف في الفقه الجعفري ليس له حظ من الاجتهاد والعلم. كان من المفروض أن يذكر الآراء الموجودة عن علماء الإمامية الحاضرين الذين يصرحون بأن عهد التشريع قد انتهى بانتهاء عصر الرسالة، والموجود من أقوال الأئمة هو رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
الشيخ مجاهد الإسلام القاسمي:
بسم الله الرحمن الرحيم
ليست لدي أي ملاحظة على البحوث المقدمة، وأشكر الباحثين لأنني استفدت منهم وسأستفيد إن شاء الله. لكن هذا الموضوع موضوع مهم، وكل شخص موكول بشيء، فنحن في الهند الآن مهتمون بقضايا توحيد الأمة الإسلامية ومعرفة أسباب التفرق بينهم، ومنها قضية التفرقة، فنحن في الهند مهتمون الآن بقضايا توحيد الأمة الإسلامية ومعرفة أسباب التفرق. ومن ذلك التفرقة بين المسلمين حسب النسب. فكما تعرفون ينقسم المشركون في بلادنا إلى أشراف وأراذل وتنقسم كل فئة بدورها إلى خمس طبقات، وهي تقسيمات فرقت بينهم وتأثرت بها سياستهم، فغدت الأحزاب منقسمة بين هذه الفئة وتلك وهذه الطبقة وتلك.
أما الإسلام فرغم تأكيده على: كلكم بنو آدم وآدم من تراب، فإن المسلمين وقعوا فريسة لهذا التقسيم حسب النسب، وهو ما يسبب لهم الآلام والضعف في مواجهة أعدائهم.
والأمر الثاني: وهو مؤلم جدًا كذلك، للأسف، هو التفرقة بين المسلمين باسم المذاهب الفقهية. فكما نعرف أيها السادة إن الاختلاف بين الأئمة والاختلاف في مستنداتهم ليست هي التفرق بل كل مجتهد قد يخطئ وقد يصيب، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد. فمثلًا الذين يتبعون الإمام أبي حنيفة أو الإمام مالك أو الشافعي أو أحمد بن حنبل أو غيرهم من الأئمة يعرف أن الظن الغالب أن هذا حق، ولكن يمكن أن يكون هذا خطأ، وإذا خالفنا أي رأي باجتنابه فنظن أنه خطأ غالبًا ويمكن أن يكون صوابًا.
هذا الاختلاف هو في الأمور الاجتهادية، وليس سببًا للتفريق فيما بين المسلمين. لكننا الآن في مصيبة كبرى، فنحن نتخاصم فيما بيننا، فقراءة الفاتحة خلف الإمام، أو الجهر بـ (آمين) أو الإسرار بها!! مشكلة قديمة في بلادنا، ولعله في بلاد أخرى أيضًا، وأذكر أن مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي قد أصدر قرارًا في هذا الموضوع، وأيضًا في السنة الماضية أصدر مجمع الفقه الإسلامي قرارًا هامًّا. أرجو من المجمع في إعلان البحرين البيان لجميع المسلمين في العالم أن لا يتفرقوا على هذا الأساس. وكل مذهب فقهي. ليس هذا بين المذاهب لا. ففرق بين الإسلام والكفر. فهذا الاختلاف والاجتهادات لا مساس لها في الدين.
أرجو من سيادة الرئيس والأمين العام وهذا المجمع أن يدعو جميعًا إلى توحيد كلمة المسلمين في العالم كله ويعلنوا إعلانًا هامًّا لتوحيد الكلمة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الأستاذ عبد اللطيف الجناحي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
شكرًا سيادة الرئيس والشكر موصول لأصحاب الفضيلة الباحثين على هذه الأبحاث الطيبة في هذا الموضوع الهام الذي يطرح في وقت حاسم من تاريخ أمتنا الإسلامي، وأحسنت الأمانة العامة صنعًا في اختيار الوقت وتحديد المكان.
نحن أيها الإخوة الكرام في عصر التكتلات وعصر أطلق عليه عصر الكوكبة أو العولمة الذي أطلق لها بُعيد الحرب العالمية ذلك، وهي دعوة غربية أطلقت بعد اشتداد عضد الدول الغريبة، قوامها التكتلات الاقتصادية ودمج القوة ليتم التمكن والتحكم في الاقتصاد العالمي بسبل قوة الوحدة والتكتل للقوة العسكرية. ومهد للعولمة بتفكيك العالم الثالث وأمتنا الإسلامية ضمن هذا العالم. كما مهد لها بإلغاء الحواجز وتذويب القوانين الحامية لاقتصاديات البلدان الأخرى من الغزو الخارجي، ومحاولة إزالة الخصوصية الفكرية والثقافية للأمة.
إذن نحن أمام غزو منهجي بدون مخالب تأثيره كبير وعظيم على أمتنا، على اقتصادنا، على ثقافتنا، على تراثنا، وعلى وحدتنا.
وخير مواجهة لهذا الغزو حماية البيت من الداخل وتبصير الأمة بتعاليم دينها وتوحيد صفوفها، ولا يتم ذلك بعقد المؤتمرات رغم أهميتها وإنما بوضع منهجية موضوعية يُقدر فيها دور كل مسلم فيُوظف أينما كان توظيفًا حسنًا. وفوائد الإنسان المسلم المتمسك بدينه المؤمن بربه المعتز بقدرة أمته هي خير سياج أمني للأمة بأجمعها، ولن ننجح في لكم إلا إذا كانت لنا استراتيجية واضحة وخطة إذا قُبلت ألزمت. ومحاور مثل هذه الاستراتيجية الوحدوية تتركز في آليات أهمها:
أولًا: تأسيس التعاون المشترك بين المسلمين أينما كانوا على البسيطة ووضع قواعد لذلك التعاون وتذويب الخلافات المذهبية.
ثانيًا: تأسيس سوق إسلامية مشتركة بين دول العالم الإسلامي.
ثالثًا: وضع خطة للاكتفاء الذاتي قدر الحاجة لا يكون مستقلًا أبدًا، ويجب أن يتعدى ذلك الاكتفاء في الحاجيات ويمتد إلى الدفاع عن وحدة الكلمة ووحدة المصير ورفع العدوان.
رابعًا: تأسيس قواعد تُحترم من قبل كل مسلم يقوم على أي ثغر من ثغور الإسلام إعلاميًّا كان أو غيره، تحدد إطار التحرك الثقافي والإعلامي بحيث لا تخرج عن تعاليم دين الله.
خامسًا: الوقاية والحماية للقابلية لا للبعدية لمجابهة الغزو العولمي القادم، وذلك بتحصين الإسلام بتعاليم دينه الحنيف.
سادسًا: إعطاء محكمة عدل إسلامية بعد تأسيسها دورها في حل نزاعات الأمة على أسس من الشريعة السمحة.
سابعًا: إعطاء علماء الأمة مساحة كافية من الحرية في التحرك ليخدموا أمتهم بما مَنّ الله عليهم من معارف لإذكاء الروح الوحدوية بين المسلمين.
ثامنًا: تشكيل مجلس استشاري لتحقيق وحدة الأمة بتشكل من أهل الحل والربط في أمة الإسلام، يكونون عونًا لأولياء الأمور، ولهم لقاءات دورية منتظمة يدرسون فيها تطورات وحدة الأمة للوصول إلى الشكل الأمثل.
تاسعًا: توحيد دستور أمة الإسلام في دستور موحد في الأساسيات، يرتكز على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
عاشرًا: توحيد أسس القوانين المعمول بها بين البلدان الإسلامية تستمد من تعاليم الدين.
الحادي عشر: توحيد العملة والاحتياطات النقدية بين البلدان الإسلامية.
الثاني عشر: وضع القواعد المشتركة للتعليم النظامي بين البلدان الإسلامية، ترتكز على كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ونهج السلف الصالح.
الثالث عشر: توحيد المنهج الاقتصادي بين البلدان الإسلامية في إطار عام موحد يستمد روحه من وحي السماء كما جاء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
الرابع عشر: وضع خطة سريعة لتشجيع التجارة البينية بين البلدان الإسلامية وتسهيل حركة المال والرجال لتحقيق التكامل الأمثل.
وشكرًا لكم، والحمد لله رب العالمين.
الشيخ الطيب سلامة:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
لقد كفاني الإخوة الذين تحدثوا من قبلي أمر شكر الباحثين وشكر الأستاذ عبد الستار أبو غدة في عرضه لهذه الأبحاث بصورة قد لخصتها تلخيصًا جليلًا، وقد كشفت عن محتواها كشفًا كريمًا.
موضوع الوحدة الإسلامية يشعر الإنسان بأنها في القلب وهي مفقودة ويا ليت أمنية الأكابر والأصاغر والعالم والجاهل والمرأة والرجل أن يرى قبل أن يموت أمة إسلامية موحدة ليس لها ما تعلنه الجرائد يوميًّا عن اقتتال المسلمين إذا لم يكن بالسيف والرمح فبالحرب الباردة. الأمة الإسلامية تتعامل مع الأمة الإسلامية كما يتعامل العدو مع العدو بكل الحذر والتخوف والاستعداد لمقاومته في يوم من الأيام.
الحقيقة أن هناك مشاعرًا أحس بها وهي أنه عندما يكون إنسان مسلم في أمة إسلامية إذا سمح له بالدخول إلى بلد إسلامي معنى ذلك أن هنالك قيودًا مترتبة على هذا الأمر.
الإنسان عندما يكون في بلد إسلامي لا يشعر بالارتياح الذي يشعر به وهو في بلد أوروبي وأقول هذا بكل مرارة، لكن هذا أحس به، فالقادم من بلد أوروبي عندما يحدثك عن تلك البلاد وعن المواساة والإنسانية التي يجدها في تلك البلدان إذا قابلتها مع من ذهب إلى بلد إسلامي وما وجده تجد أمرًا عجيبًا. في الواقع ليس الإسلام سببًا في ذلك الإسلام بريء من هذا، السبب في ذلك هم المسلمون، والعلاج يتطلب أن يتفطن المسلمون للأسباب التي أوصلتنا إلى هذا. أنسينا أن من حقوق الإنسان مقاومة التعصب. أي تعصب؟ التعصب الديني. يعني القومية التي تقوم على المساكنة والمعايشة والاجتماع في وطن واحد ولغة عربية هي التي يجب أن تقدم على الدين، وتتكلم وتقول هذا أخي في الدين وهذا بلد يجمع بين أفراده واحد وأخوة إسلامية، هذا يعتبر من التخلف وبُعد عن تطور العصر. إلى متى يبقى المسلمون صامتون عن مثل هذه الأمور ولا يعلنون أن للغرب دينهم ولنا ديننا؟ الغرب عنده قضية العلمانية بمعنى أنه يهاجم الدين، نحن ليست لدينا مشكلة مع الإسلام. فلماذا نبعث أبناءنا إلى الغرب ليأتونا بهذه القرارات ويؤيدوها؟! هذا العامل الأول.
العامل الثاني: أين التربية الإسلامية في البلاد الإسلامية؟
العامل الثالث: في الممارسة اليومية للحياة الإسلامية لتتم الوحدة.
هل المنهج الإسلامي هو المطبق بين المسلمين؟
هل الوسطية التي تضمن رضا المسلم بدينه ورضا المسلم بالإخوة الإسلامية هل هي مطبقة؟ أم أننا بين أمرين إما تحلل وإما تطرف، وكلاهما ليس في الإسلام من شيء.
أريد أن أقول: إن الوحدة الإسلامية لها مظهران، وحدة الأمة الإسلامية هي بمثابة البيت، البيت لابد أن يُحمى من الخارج، وهذه قضية حقوق الإنسان تهم الإنسان، وأن نُدرس حقوق الإنسان في المدارس لأبنائنا الصغار، فيصبح الإنسان يستنكف أن يقول: أنا مسلم.
فحماية لهذا البيت من الخارج قبل أن يهدم، وأما ترتيب البيت فهو من الداخل فهو ضروري، وأن ننظر إلى فقهنا وعقيدتنا وإلى ما سبب لنا التنافر، فاليد الأجنبية لها دخل لأن العلمانيين اليوم والمستشرقين يأتون بالخلافات المنهجية ليستدلوا على أن الإسلام هو الذي فرق بين المسلمين وليست حقوق الإنسان التي حرمت على المسلمين إسلامهم.
أرى أن الموضوع هام وجيب أن يدرس بتمعن، والأمة الإسلامية عندما تسمع أن منظمة المؤتمر الإسلامي اعتنت بهذا الموضوع في شخص مجمع الفقه الإسلامي وفي شخص علماء هذه الأمة فإنهم ينتظرون أمرًا كبيرًا ولا ينتظرون قضية تقريب المذاهب أو اعتبار هذا الخلاف صحيح أو غير صحيح، فلنبدأ بالأهم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لدي عدة نقاط منها:
أولًا: من المهم التفريق بين المذاهب والأتباع وأئمة المذاهب، ينبغي ألا نترك المذهب إلى خلاف بين أشخاص أو وفق سياسات متغيرة سواء كانت من قِبَل الجماهير لدى المذهب أو من قِبَل أئمته، وأتباعهم الذين نتج عنه. فقد يكون بعض هذه المذاهب نتيجة لتوجيهات سياسية أو فكرية معينة، إلا أن الأمة تتطلع من علمائها إلى ألا يكونوا أداة في يد المتغيرات السياسية. الأمة ترقب العالم أكثر من غيره لأنه يقول قال الله عز وجل، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، أما المتغيرات السياسية فهو وفقًا لمصالحه قد تكون في هذا التوجه لهذا اليوم وتكون غدًا في توجه آخر. لا يلتزم الثبات فالثبات أخو المتغيرات.
ثانيًا: ينبغي عدم تأصيل التفرق من أجل تجاوزه، يجب عدم تأصيل التفرق بين المذاهب وإنما تجاوزه ومعالجة ما يتعلق بالاختلاف - خصوصًا بين السنة والشيعة - في مجال السنة النبوية من حيث مصادر التلقي وفق ما اختاره أحد الإخوة ومن خلال لجنة تتفرع من هذا المجلس.
أود في النهاية أن أؤكد على أن هذا المجمع الكريم تتوافر فيه صفات لا تتوافر في أي مجمع آخر، فهو منبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي التي وافق على إنشائها قادة الدول الإسلامية، ومن يمثلوه هم مرشحون من تلك الدول أيضًا. لذا فإن ما ينبغي التوصل إليه يجب أن يأخذ بعين الاعتبار للتطبيق عند تلك الدول. ومن هنا تبرز أهمية انطلاق الكثير من الحلول لمشاكل الأمة الإسلامية من هذا المجمع، وعلى عواتقكم أيها الإخوة الأفاضل تقع هذه المسؤولية، فأنتم أمام أمتكم وقبل ذلك أمام قيادتكم وأمام ربكم مسؤولون عن ذلك.
وأسأل الله عز وجل لكم العون والتوفيق والسداد.
الدكتور علي الجفال:
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالاعتصام بحبله والاتحاد حول دعوته، فقد أراد لنا أن نكون وحدة متماسكة ووضع لهذه الوحدة أساسين ربانيين.
أولهما: أن تكون وحدتنا عود كتاب الله {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} [آل عمران: 103] ، فأول الأمور هو تحديد الهدف وتوحيده، وذلك يضمن لنا أساسًا متينًا للوحدة. فليس من الممكن أن تجتمع قلوب الناس على هواها، وليس من المطلوب أن يجتمعوا على باطل وضلال، بل ينبغي أن يكون اجتماعهم على الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وإذا توفر للوحدة المؤمنة الدستور الذي تلتقي عنده الهموم واطمأن المؤمنون إلى التسلح بها {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50] مثل هذه الوحدة تتوفر لها المقاييس التي تصحح تصرفات الفرد وتوجه سلوك الجماعة لأنها قائمة على أساس كتاب جمع الله فيه خيري الدنيا والآخرة.
الأمر الثاني: أن تقوم الوحدة على أساس انتماء جميع الأعضاء للمجتمع المسلم بحيث لا يتخلف عنها فرد واحد ولا يشذ صوته مهما يكن، وذلك المعنى هو ما حصل على بيان في قوله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103]، وقد كان مما يؤدي المعنى في جملته قوله مثلًا:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} آل عمران: 103] ، لكنه أكد شمول الاعتصام بقوله:{جَمِيعًا} وتلك هي الصورة التي أرادها سبحانه لوحدة هذه الأمة وحدة شاملة تضم كل فرد، ولا فضل فيها لأحد إلا بالتقوى. وشكرًا.
الشيخ محمد واعظ زادة الخراساني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد النبيين محمد وآله وصحبه.
وشكرًا للأستاذ عبد الستار أبو غدة لحسن تلخيصه. إجابة على الأساتذة والمعلقين والمناقشين الأخ الأستاذ - حمداتي شبيهنا ماء العينين - من المغرب اعترض علي لأنني لم أذكر المؤتمر الذي انعقد في المغرب بشأن المؤتمر الإسلامي، أنا لم أكن أعرف شيئًا عن هذا المؤتمر، ولكن أظن أن مؤتمر القدس الأول وكذلك تأسيس دار التقريب كانا متقدمين على ذلك المؤتمر باعتبار التاريخ. فأما اقتراحاته بشأن وزراء التربية والتعليم وكذلك لجنة لحل الخلافات والحروب بين البلاد الإسلامية وغيرها، فكلها معروفة وهناك باحث آخر عقب على ما ذكرته عن الإمام السجاد وهو الإمام الرابع من أئمة الشيعة، وهو كان يعيش في النصف الثاني من القرن الأول. وشكرًا لكم.
الشيخ القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
في الواقع البحوث التي قُدمت في موضوع الوحدة الإسلامية أغنت عن الكثير من الذي أريد أن أقوله وكذلك الكلمات التي سبقتني، لكني أريد أن أشير إلى نقطة مهمة جدًّا وهي أن الوحدة الإسلامية لا خلاف على ضرورتها، ولكن لا يكفي أن نعد فضائلها، بل يجب أن نفكر في أسباب التفكك. ومن جملة هذه الأسباب أن بعض الناس يقعون في أعراض المسلمين وإسلامهم وأئمتهم، وهذا يثير الفتن فيما بين المسلمين، وكما اتفق عليه الجميع أن الخلاف ليس مهدرًا في هذه الناحية، ولكن هو يعرف سببا للمشاحنة فيما بين المسلمين.
لذلك أطالب بأن يخرج هذا المجمع بتوصية - على الأقل للبلدان الإسلامية - لإصدار قانون يجرم أن يسب أحد أو يشتم أحد السلف الصالحين من الصحابة وأهل البيت والأئمة المذكورين. فإذا حصلنا على هذا ومنُعنا من هذا السب والشتم واللعن، فإن ذلك يُحدث وحدة حقيقية فيما بين المسلمين، ولا سبيل إلى إحداث هذه الوحدة إلا بالابتعاد عن هذه الأفعال.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عمر الزبير:
بسم الله الرحمن الرحيم، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأبحاث كلها قيمة وجيدة ومفيدة وقد استفدت كثيرًا منها، لكنني أرى أن مكان دراسة هذا الأمر ليس المجمع الفقهي لدراسته، وإنما في مجال منظمة المؤتمر الإسلامي. الحقيقة الوحدة الإسلامية بمفهومها الحديث لا تعني التوحيد في المشاعر وتوحيد الأهداف؛ وإنما نجاح هذه بإيجاد الآليات الفعالة والخطوات العملية لتنفيذ مثل هذه الوحدة. وهذا الأمر يحتاج إلى دراسات تفصيلية ومتعمقة في نواحٍ كثيرة، والحقيقة أن الأخ عبد اللطيف الجناحي أغنانا عن كثير مما أردت أن أقوله، وهناك خطوات في توحيد الثقافة وتوحيد النواحي الاجتماعية والنواحي الاقتصادية، والنواحي الفكرية، والنواحي السياسية، وكل الأمور التي تستلزم وجود دراسات متعمقة لتحقيق أهداف الوحدة. ولا يكفي أن نتغني بالمشاعر والوحدة التي تربطنا بمفاهيم ومعان إن لم يكن لها حقيقة في الوجود ومتحققة على أرض الواقع.
القدس قضية من القضايا التي توحدنا جميعًا، فهي جزء من بلاد المسلمين، وولايتها لهم جميعًا هي من الأمور التي ترمز إلى وحدتنا، هي ثالث الحرمين وأولى القبلتين والدفاع عنها أمر واجب، والقدس أخذتها كمثال لتوحيد المشاعر. فالحقيقة أن وحدة هذه الأمة الإسلامية تأتي من عوامل مكانية: القبلتين، مكة، المدينة، القدس أحد العوامل المكانية التي توحد مشاعرنا وتربطنا جميعًا في وحدة واحدة. والقدس الآن هي محط أنظار المسلمين جميعًا وولايتها لهم أمر واجب شرعي. أرجو أن يكون لنا في هذا المجمع على الأقل توصية بذلك بالحفاظ والدفاع عن هذه المقدسات لأنها إحدى العوامل التي توحد كيان الأمة وتربطها بعضها مع بعض.
وأسأل الله السداد والتوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ عمر جاه:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أشكر دولة البحرين؛ حكومة وشعبًا على كرم الضيافة. وأشكر الباحثين على ما قدموه لنا من المعلومات المركزة الشاملة عن قضايا الوحدة الإسلامية. ولا أريد أن أعلق على ما كتبوه لأنني ولله الحمد استفدت كثيرًا، وأود فقط أن أشير إلى أننا ما زلنا نواجه مشكلة واقعة، وأعتقد أن من الواجب علينا جميعًا أن نفكر في إيجاد حل عملي للفرقة والاختلاف والتشتت الذي تعاني منه هذه الأمة. لذلك يا إخواني يجب أن نخضع لقوله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] . فهذا أمر إلهي بأننا ينبغي أن نتفق ونتحد، والرسول صلى الله عليه وسلم يشير في الحديث إلى أن ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا)) ،
وفي حديث آخر ((يد الله مع الجماعة)) .
لماذا لا نعترف بأن هناك تناحرًا فيما بيننا؟ وللأسف الشديد كل يوم نرى مزيدًا من الفرقة، ويجب علينا أن نعود إلى أنفسنا أولًا. قد يكون ذلك بسبب الجهل بالإسلام، وأعتقد أن من أهم الأسباب كذلك النفس. وأعتقد أننا لم ننجح في عبادتنا لله وتوحيده على مستوى الإنسان، وأعتقد أننا لو راقبنا الله وشعرنا بوجوده وبأنه يسمعنا وحاضر معنا ويسجل كل شيء نقوله لاستطعنا أن نعالج جزءًا كبيرًا من أسباب هذا الخلاف.
فكثيرًا ما يتكلم المتكلمون بهوى النفس، ولو راقبوا الله ورعوه وشعروا بوجوده لقالوا كلمة الحق، ففي الحق لا نختلف إنما اختلافنا في الباطل. فإذا اختلف العلماء في قضية اختلافًا جوهريًّا تكون هناك مشكلة. ليس عندي حل لكن أريد أن أشير إلى نفسي وإلى غيري أن الأمور التي نريد أن نقترحها ينبغي أن تكون في هذا الجانب الشخصي النفسي هو عبادة الله قد يكون هذا جزءًا من الأشياء التي نستعين بها في هذا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد الحاج الناصر:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعض ما كنت أريد أن أقوله قاله بعض الإخوة، لكن الأهم لم يقله أحد. لست أدري لماذا كلما ذكرت كلمة الوحدة الإسلامية تناولها من جرأ على تناولها بكثير من الحزن والتحرج، ألا أننا ألفنا التعدد القطري والقومي والتشجر الطائفي والتشرذم بين الأمم وكل يوم نقرأ في القرآن {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون: 52] ؟ فهذا يعني أننا ونحن متفرقون ليست هذه أمتنا، وهذا يغني أن إسلامنا ناقص إن لم يكن معدومًا.
سبل الوحدة ليس من الضروري أن تكون الرجوع إلى المركزية، أمامنا الآن في هذا العصر أنماط بعضها تحقق وبعضها في سبيل التحقق. فلما لا نحاول وقد غلبنا على تقليد الآخرين أن نقلدهم في هذه السبل؟ الدول الإسلامية الآن تتجاوز الخمسين، لماذا لا نحاول أن نسلك طريق أوروبا في دراسة أسباب الوحدة وتحقيقها تدريجيًّا؟. نحن أعضاء في هيئة الأمم المتحدة، لماذا لا نحاول أن نكون هيئة الدول الإسلامية المتحدة، لماذا لا نحاول أن نطور منظمة المؤتمر الإسلامي إلى أن تصبح كهذه الهيئة لها مجلس توصيات، ولها مجلس قرارات إن لم يكن لبعض أعضائها نقض فعلى الأقل أن تكون لها قرارات إجماعية أو توصيات إجماعية كسبيل لاستعادة الخلافة التي انهارت آخر رموزها على يد اللعين كمال أتاتورك منذ خمسة وسبعين عامًا.
إلى متى التباكي والبكاء على وحدة لن تتحقق بمعالجة التفرق المذهبي؟ فذلك داء عضال لا يمكن أن يعالج بعد أجيال وأجيال. ومن وسائل معالجته أن تجتمع مصالحنا في جهاز واحد ينظمها وينسقها من أعلى، على أن يبقى لكل قطر ولكل قوم مجالهم للتحرك والإنتاج والعمل.
لقد آن الأوان أن نخرج من الأحلام والتباكي وإلقاء المسؤوليات على الاستعمار وما فعل. وما فرق، إنما تفرقنا نحن منذ أواخر الدولة العباسية حين أصبح للديلم ملك وللفرس ملك
…
انقسم إلى ملوك، وفي المغرب ملك وفي الجزائر مملكات وفي تونس كذلك، لم يفرقنا الاستعمار لكن وجدنا متفرقين فتعمق التفرق، إن نكن مسلمين حقًّا فعلينا أن نعود إلى القرآن، والسبيل إلى القرآن ممهد ولن نختلف مع الآخرين الذين نعايشهم في هذا العصر لا بل نعمل مثل ما عملوا ونفعل شكل ما فعلوا، ولن تكون منهم علينا ملام إن نكن نخشى ما يسمونه بالنصح أحيانًا وما يسمونه بالضغط أحيانًا. هم يتوحدون وعلينا نحن أيضًا أن نتوحد بإحدى طرق الوحدة الكثيرة الموجودة الآن.
ألهمنا الله الرشد ووفقنا إلى سواء السبيل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد اللطيف آل محمود:
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكرًا للإخوة الذين تقدموا بهذه البحوث وكل من أدلى بدلوه من جانب من جوانب الوحدة وشعوره ومشاعره وهي مشاعر المسلمين جميعًا. والوحدة الإسلامية ليست أملًا بل هي واجب شرعي على كل فرد يؤمن بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا. والقرن الحادي والعشرون هو القرن الذي يراهن فيه الأقوياء في زماننا بعد أن عملوا في القرن العشرين على تمزيق الأمة إلى دول متحاجزة متباعدة، يعملون في القرن الحادي والعشرين على تمزيق كل دولة من دول العالم الإسلامي والتي لا تسير في فلكها خاصة إلى دويلات طوائف وأحزاب وجماعات ومذاهب بأيدي أبنائها لا بأيديهم هم.
والوحدة لها مظاهر كثيرة ذكرها بعض الباحثين سواء كانت وحدة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو غير ذلك، لكن أهم مظهر من مظاهر الوحدة - وهو واجب العلماء والمفكرين - هو العمل على الوحدة الشعورية. الوحدة الشعورية هي مهمة العلماء - علماء الأمة ومجتهديها - ومهمة أتباعهم، فإن حققوا المطلوب منهم شرعًا للوحدة فقد حصلوا أعظم الأجر وإلا فإنهم يتحملون أعظم الوزر إن خالفوا ما يريد الله عز وجل أن نحققه. هذه الوحدة تحتاج إلى أسس تُعتمد ويُعمل بها لمصلحة الأمة الإسلامية انطلاقًا من كل قرية ومدينة ومحافظة ودولة حتى ينطلق كل فرد في هذه الأمة محققًا للوحدة بذاته مع إخوانه الذين يجاورونه.
لكن الذي نراه على أرض الواقع هو أن الذي يمارس هو الانتصار لحظ النفس أكثر من الانتصار لحظ الإسلام، فذلك ما نشاهده في دولنا من غير استثناء بحيث نرى أن الفكر الموحد يدور حول صاحبه، ونرى في ذات الوقت عدم اهتمامهم بالآخرين أو طعنًا فيهم أو عملًا على إبعادهم حتى عن ساحة الإسلام، وهذه مشكلتنا نحن.
والأقوياء في زماننا يريدون أن يحققوا التفرق بأيدنا نحن، وهذا ما ينبغي أن يعلمه أبناؤنا أن العدو لم يتمكن منا بمقدار ما مكناه من أنفسنا، ولقد صدق الله عز وجل حيث قال:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] ، ولقد غيرنا الله عز وجل وغير ما بأنفسنا من فُرقة في الماضي وأمرنا بالاعتصام بحبله. ونحن نرى ظاهره في كثير من دولنا تعمل على تغيير أنفسنا من البحث عن الوحدة إلى البحث عن التفرق ومن النظر إلى الأصل إلى النظر إلى الفروع، وهذه مهمة ليست سهلة، ربما كان التعليم من أهم الركائز، ولكن للمسجد ولمكان الوعظ وللدرس أثر في تحقيق الوحدة الشعورية، يوم أن ينطلق العالم خاصة والواعظ والخطيب والمدرس وغيرهم بوجود هذا الشعور والإيمان به، ومحاولة التركيز على ما يجمع الأمة مع أخذ لما اختلفوا فيه؛ فإن ذلك سبيل من سبل تحقيق وحدة الأمة التي نرجو أن يقر الله أعيننا بها ما دمنا في هذه الحياة القليلة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله وصحبه.
قبل كل شيء أود أن أعلن فرحي بهذا الجو الأخوي والموضوعي الذي يسود هذه المناقشة والدراسة، الحمد لله تعالى. وأن أشكر أخي الدكتور عبد الستار أبو غدة على هذا التلخيص الطيب والمقال الجيد.
لا أريد أن أدخل في قضية الوحدة وهي خصيصة هذه الأمة فهي خصيصة قرآنية إذا فقدناها فقدنا إحدى أهم خصائصنا، وإنما أشير إلى نقاط سريعة والوقت قد تأخر.
النقطة الأولى: وددت لو أضاف أخي كاتب بحث الحوار وأدبيات الحوار إلى شروط الحوار بعض الشروط الأخرى وهي، أولًا: ما نسميه في لغتنا العلمية بتحرير محل البحث. فما أكثر الحوار حول قضايا متنازع عليها يعود النزاع فيها لفظيًّا.
والنقطة الثانية: أن يكون الحوار بين متخصصين في موضوع الحوار. فلا معنى لأن ندخل في حوار في وسائل الإعلام العامة مع أناس لا تخصص لهم في قضية فقهية أو أصولية أو ما إلى ذلك. هناك شرط وهو أن يكون طرفا الحوار من أهل تخصص البحث.
النقطة الثالثة: قضية التهويل. من الأمور التي يستغلها البعض كما كانوا يشركون فيستغلون هذا التهويل، يريدون عقلًا جمعيًّا، ويوجهون الاتهام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي جو التهويل لا يمكن أن يستدل إنسان بأولًا وثانيًا وخامسًا، في جو التهويل لا سبيل إلا حذف هذا العقل الجمعي والعودة إلى الذات والهدوء والاطمئنان {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} [سبأ: 46] ، التهويل كان قويًّا ضده عليه أفضل الصلاة والسلام. إذن هذه النقاط ينبغي أن تضاف حتى يكمل هذا البحث القيم.
النقطة الرابعة: ما تفضل به الشيخ الجواهري هو الرأي العام السائد، وينبغي أن نأخذه بكل جد، أئمة أهل البيت يعتبرون أنفسهم مطيعين لرسول الله ومقتدين بسنته، وإذا نقلوا شيئًا أو ينقلونه بدقة سندهم عن آبائهم. هذه نقطة أؤكد عليها وينبغي أن نأخذها بالحسبان، لا يمكن أن نطلب من إنسان أن يكون خلاف ما يؤمن به أو نتهمه بأنه يقول خلاف ما يؤمن به.
أريد أن أشير هنا لاحظوا الآن نتائج الأخذ بفقه أهل البيت اشتراك في المساحة الفقهية يتجاوز الـ (95 %) ، لا يوجد خلاف إلا بمقدار (5 %) في المساحة الفقهية بين الشيعة والسنة، وقد أخبرني المرحوم محمد المبارك أنه حقق في هذا الكلام وأخبرني حسين محفوظ المحقق العراقي المعروف بأنه حقق ذلك، والذي يمكن حسه بوضوح هو هذا.
إذن وحدة الأثر تدل على وحدة المنبع.
النقطة الخامسة: من الواقع وهي التي ينبغي أن نكون فيها واقعيين. قلنا إن الاختلاف الفكري اختلاف طبيعي ولا يمكننا أن نقول: يمكنكم أن تختلفوا في الفروع ولا يمكنكم الاختلاف في أصول الفقه، أصول الفقه موارد أيضًا يمكن أن تُطرح ويُستدل لها وهناك قائم واقعي في حين هذا الخلاف لا يمكننا أن ننفيه بوعظ وإنما يجب أن ينفى باستدلال وبقوة.
إذن الخلاف في الأصول أيضًا حالة طبيعية وما زال علماؤنا في الأصول يبحثون منذ العصور الأولى حول هذا الأصل الفقهي أو ذاك.
المرحوم ابن رشد كان يؤكد في أصول الاختلاف على الأمور اللغوية والأمور الفرعية ولم يشر إلى الاختلاف في أصول الفقه أحيانًا، وهو اختلاف جدي ينبغي أن ندرسه وتتم دراسة مقارنة لكي نصل إلى مساحات مشتركة فيها.
أريد أن أؤيد الشيخ السالوس، نحن لا نريد أن ننفي المذاهب، ولا نريد أن يعتدي مذهب على مذهب آخر بأساليب التمويه؛ وإنما المراد أن نتخذ موقفًا موحدًا من أعدائنا ونحاول أن نقارب بين آرائنا، ولكل إنسان أن يستدل لرأيه بالدليل المنطقي.
النقطة السادسة: كنت أنتظر من أخي العزيز الشيخ حمزة وهو من أعرف له دينه وفضله ألا يُحمل الكلام فوق ما يستحق، الرجل قال: يجب ألا يخضع أي إنسان لمذهب سواء كان مذهبه هذا أو ذاك. هذه قاعدة كلية، نحن كلنا نؤمن بها وندين كل اضطهاد لأي فرد مهما كان مذهبه ما دام عاملًا في الإطار الإسلامي العام.
إذن لا نقول هذه العبارة تشي بشيء أو يُراد منها شيء. نحن نُدين ذلك حتى ولو صدر منا ومن أقرب المقربين إلينا.
النقطة السابعة: مسألة الوقيعة ومسألة التهمة
…
وأمثال ذلك. هذه دعوة مخلصة من سماحة الشيخ العثماني وهو العالم الحكيم في هذه القضايا الفقهية، وأسأل الله تعالى أن نصل إلى مرحلة يؤدب فيها كل مذهب سفهاءه حتى نصل إلى حالة من الحب والوئام والإخلاص والاطمئنان والثقة بالطرف الآخر.
النقطة الثامنة: شيء آخر أود أن أشير إليه وهو ما أشار إليه أخي الدكتور الزبير. هناك قضايا توحدنا لماذا لا نستفيد من هذه الحالة؟ قضية فلسطين توحدنا، أفغانستان عندما كانت تقارع الكفر وحدتنا، البوسنة وحدتنا. لماذا لم نستفد من حالات اليقظة لتوحيد موقف أمتنا في مثل هذه القضايا؟
أنا أنبه على لزوم الاستفادة من هذه الظروف كما وحد إحراق المسجد الأقصى الأمة ودعاها لتشكيل منظمة المؤتمر الإسلامي في 1969م.
وفي الحقيقة إنني لأنتظر يومًا تجتمع فيه الأمة الإسلامية في موقف واحد خصوصًا وأن العدو يعيش موقفًا موحدًا {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73] .
وإني لأعتقد أن منظمة المؤتمر الإسلامي تستطيع أن تلعب دورًا أقوى مما هو عليه الآن إذا امتلكت الآلية الفاعلة لتطبيق قراراتها وقيادة هذه الأمة للوصول إلى طموحاتها.
وشكرًا. والسلام عليكم.
الأستاذ صباح زنكنه:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
في الواقع هنالك مستويات من البحث في موضوع الخلاف والوحدة. يمكن أن أبدأ ببعض الاختلافات في داخل البيت الإسلامي. هذا البحث وهذه المنهجية ستأخذ أعمارنا وأعمار شعوبنا. يمكن أن نبحث فيما نختلف فيه مع الأمم الأخرى، هذا أيضًا سيكبر العمق وسيُفسد الأرض ومن عليها. المنهجية التي يمكن أن تنتج وتثمر هي المنهجية التي أشير إليها، وهي المنهجية الإيجابية أن نبدأ بما يوحد ببرامج عملية واضحة المعالم. فتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي منهجية إيجابية، وهذه المنهجية يمكن تطويرها.
موضوع القدس الذي أشير إليه يمكن أن نأتي به كتوصية باعتباره موضوعًا حراريًّا بهدد الأمة الإسلامية، ويمكن أن يوحد جهودها، ويمكن أن يصب جهودها في اتجاه واحد.
هنالك التحديات التي تعاني منها الأمة الإسلامية تستطيع أن توحدنا ولابد أن نعمل عليها.
هنالك المواضيع التي ذكرها أخي الأستاذ عبد اللطيف ومنها موضوع السوق الإسلامية المشتركة. هنالك قرارات صدرت من القمة الإسلامية في هذا الصدد، كما أكد مؤتمر القمة الإسلامي على موضوع إعداد الأمة الإسلامية للقرن الحادي والعشرين من الناحية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعلى ضرورة زيادة التبادل التجاري بين الدول الإسلامية.
هنالك تحد كبير في موضوع العولمة سنأتي على ذكره حين وقته، وموضوع تأسيس منظمة التجارة العالمية التي تأتي كالسيل ولن تبق ولن تذر.
دولنا تعيش حالة الشتات وحالة التخلف. إن لم نوجد السوق الإسلامية المشتركة، وإن لم يزدد التبادل التجاري بين البدان الإسلامية سنكون طُعمًا طيعًا للحركة العالمية.
الارتفاع في المستوى الاقتصادي بين الدول الإسلامية يمكن أن يوحد كثيرًا من الجهود ويصبها في اتجاه واحد.
في موضوع حقوق الإسنان لاحظوا الاتجاه الإيجابي حينما نسقت الدول الإسلامية وزراء الخارجية استطاعوا أن يغيروا البيان الختامي الذي صدر في المؤتمر العالمي في فيينا بحيث يأخذ طابع الخصوصية الثقافية والحضارية للأمة الإسلامية بينما كانت الهجمة الغربية في أعلى عنفوانها وعنجهيتها، لكن بالتنسيق البسيط بين الدول الإسلامية استطعنا أن نغير شيئًا.
بناء الثقة بين الدولة الإسلامية. هنالك قرارات واضحة المعالم. الدول الإسلامية تعيش حالة من الخلخلة في الاعتماد والثقة، فلابد من إعادة الثقة بينها. هنالك خطط وبرامج يمكن السير عليها.
الاستراتيجية الإعلامية وهي موجودة ولابد من تنفيذها، والاستراتيجية الثقافية بين الدول الإسلامية والشعوب الإسلامية. وصياغة العلاقة بين الدول والشعوب هذه العلاقة التي يحاول البعض أن يزعزعها ويزيد من شقة الخلاف. لابد من إعادة صياغة لعلاقة طيبة متنامية في سبيل بناء مستقبل أفضل.
إن مجمع الفقه الإسلامي بإسلوبه ومنهجيته يعتبر من أهم المراكز التي توحد الأمة عمليًّا لأنه لا يبحث الخلاف وإنما يبحث موضوعًا ويحاول أن يجد حلولًا لذلك الموضوع. إذا اتخذنا هذه المنهجية في جميع الأبحاث وعلى جميع الأصعدة يمكن أن نتلمس الطريق العملي للوحدة بين الأمة الإسلامية في شعوبها ودولها وبين مفكريها. والسلام عليكم.
الشيخ خليل الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحقيقة حيث تقاصرت الأقدار تزاحمت الأفكار. بمعنى أن الذين كتبوا مشكورون والأبحاث التي قُدمت كأنها قُدمت على استحياء، ولكن ما أن طُرح الموضوع إذا به يُعالج في العمق أو مزيدًا من العمق من الورقات التي قدمت لهذا المجمع الكريم.
لا شك أن هذا الموضوع هو أمانة في أعناقنا لأن منظمة المؤتمر الإسلامي التي ابنثق عنها المجمع المبارك ناظرة إلينا ماذا سنفعل، علمًا بأننا نبدأ من مناهج متعددة في الفقه لنبحث عن فتوى مُوحدة في الرأي مع الدليل والاستدلال. إذا كان ذلك كذلك فالسؤال الكبير المطروح علينا: نعم إن القرآن الكريم عرف بأن هذه الأمة هي أمة واحدة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92] ، لا يحتاج إلى مزيد بيان، ولكنا ليس مطلوب إلينا بصراحة أن نجعل من الوحدة ضرورة لعالمنا الإسلامي وليست مُخوفة للآخرين؟ يتبادر إلى الذهن هنا أن ابن حزم والبعض يعرف أن فقهه ربما كان بدعًا في المنهج، ولكن يا ترى هل في تصنيفه كتابه (مراتب الإجماع) نوعًا من الاطمئنان للأمة أن هذه الخلافات ما هي إلا خلافات خفيفة وبعيدة لا تؤثر في إجماع المسلمين، وأن ما أجمعوا عليه في الفقه لا تؤثر في هذه الاختلافات؟
نعم اليوم نحن أمام تجارب إذا لامسناها في السياسة وأذكر منذ خمسة وعشرين عامًا أيها الإخوة الفضلاء؛ كان هنالك مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة وتكلم الإمام أبو زهرة رحمه الله تحت هذا العنوان وفي نهايته قال:
(يا علماء العالم الإسلامي أعزوا هذا الإسلام) . نعم، مطلوب إلينا أن نعز هذا الإسلام وأن نمهد الطرق لنوفر أسباب الوحدة لتكون الوحدة ضرورية وليست طرحًا للنقاش فقط ولكن ضرورة اجتماعية، كما صارت وحدة أوروبا ضرورة لاعتبارات كثيرة لِمَ لا تكون وحدتنا أيضًا ضرورة لاعتبارات أكثر ونحن المهددون وليست أوروبا مع العلم بأن هذا التعدد ينعكس حتى على مناهج الدعوة تحت شعار توحيد الأمة؟ هل توحيد الأمة إلغاء الفريق الآخر؟ إن الوحدة تتحقق حيث نصبح جميعًا تحت لوائها وإلا فلسنا متوحدين. إذن تحت هذا العنوان أيضًا يمكن أن نمهد في الوحدة الفقهية على الرأي الراجح إلى أن نمهد للوحدة السياسية التي في الحقيقة ما أبحثها إلا لأنها مقدمة لهذه الوحدة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأستاذ نبيل نصيف:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
أشكر الإخوان مقدمي البحوث، وأيضًا اسمحوا لي أن أضم صوتي إلى الأصوات الآخذة طريقًا عمليًّا كاقتراح الأخ عبد اللطيف الجناحي والدكتور الزبير في مسؤولية هذا المجمع واستمداد قوته الشرعية من الدول الإسلامية.
النقطة الأولى:
الوحدة الاقتصادية ومقوماتها وما تحتاج إليه من آليات ومؤسسات.
النقطة الثانية:
الوحدة الثقافية والتعليمية، الوحدة السياسية ونموذج الحكم في الإسلام وما يتضمنه من قوانين تجارية ومدنية وغيرها من النوازل المختلفة. وكذلك آخذة بعين الاعتبار موضوع (العولمة) ، و (قانون التجارة الدولية) والذي يشجع التكتلات الاقتصادية.
أرجو أن تؤخذ هذه المقترحات بعين الاعتبار. وشكرًا لكم.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قد ترون مناسبًا تأليف لجنة من أصحاب الفضيلة المشائخ: الشيخ محمد تقي العثماني، الشيخ الخليلي، الشيخ علي السالوس، الشيخ محمد واعظ زادة، الشيخ حمزة الفعر، والأستاذ عبد اللطيف الجناحي لإعداد مشروع بذلك. إضافة للعارض والمقرر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم: 89 (1/11)
بشأن
الوحدة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25 - 30 رجب 1419هـ (14 - 19 نوفمبر 1998م) .
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع: (الوحدة الإسلامية) . وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى أن هذا الموضوع من أهم المواضيع التي تحتاج الأمة الإسلامية اليوم إلى بحثها من الناحيتين النظرية والعملية؛ وإن العمل على توحيد الأمة الإسلامية فكريًّا وتشريعيًّا وسياسيًّا، وشدها إلى عقيدة التوحيد الخالص، من أهم أهداف هذا المجمع الدولي.
قرر ما يلي:
أولًا: إن الوحدة الإسلامية واجب أمر الله تعالى به وجعله وصفًا لازمًا لهذه الأمة بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقوله عز وجل:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92] ، وأكدت ذلك السنة النبوية قولًا وعملًا، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:((المسلمون تتكافؤ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم)) ، وحقق عليه الصلاة والسلام هذه الوحدة فعلًا بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وقرر ذلك في أول وثيقة لإقامة الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة التي فيها وصف المسلمين بأنهم:
(أمة واحدة من دون الناس) .
إن هذه النصوص من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وما في معناها، تقتضي أن يجتمع المؤمنون تحت لواء الإسلام، مستمسكين بالكتاب والسنة، وأن ينبذوا الأحقاد التاريخية والنزاعات القبلية والأطماع الشخصية والريات العنصرية. وحينما قاموا بذلك تحققت القوة لدولة الإسلام في عهد النبوة ثم في الرعيل الأول، وانتشر دين الأسلام ودولته في الشرق والغرب وقادت الأمة الحضارة الإنسانية بحضارة الإسلام التي كانت أعظم حضارة قامت على العبودية لله وحده، فحققت العدل والحرية والمساواة.
ثانيًا: إن الوحدة الإسلامية تكمن في تحقيق العبودية لله سبحانه اعتقادًا وقولًا وعملًا، على هدي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والحفاظ على هذا الدين الذي يجمع المسلمين على كلمة سواء في شتى مناحي الحياة من فكرية واقتصادية واجتماعية وسياسية، وما أن ابتعدت الأمة الإسلامية عن مقومات وحدتها حتى نجمت أسباب التفرق التي تعمقت فيما بعد بأسباب كثيرة منها جهود الاستعمار الذي شعاره (فرِّق تَسُدْ) ، فقسم الأمة الإسلامية إلى أجزاء ربطها بأسس قومية وعرقية، وفصل بين العرب والمسلمين، وانصبت معظم جهود المستشرقين إلى تأصيل التفرق في دراساتهم التي روجوها بين المسلمين.
ثالثًا: إن الاختلافات الفقهية التي مبناها على الاجتهاد في فهم النصوص الشرعية ودلالاتها، أمر طبعي في حد ذاته، وقد أسهمت في إغناء الثروة التشريعية التي تحقق مقاصد الشريعة وخصائصها من التيسير ورفع الحرج.
رابعًا: وجوب الالتزام بحفظ مكانة جميع الصحابة رضي الله عنهم، ودعوة العلماء إلى التنويه بمنزلتهم وفضلهم في نقل الشريعة إلى الأمة والتعريف بحقهم عليها، ودعوة الحكومات إلى إصدار الأنظمة التي تعاقب مَن ينتقص من شأنهم في أي صورة من الصور، لما لذلك من رعاية حرمة الصحابة رضي الله عنهم واستئصال سبب من أسباب التفرق.
خامسًا: وجوب الالتزام بالكتاب والسنة، وهدي سلف الأمة من الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، ومن تبعهم بإحسان، ونبذ الضلالات، وتجنب ما يثير الفتن في أوساط المسلمين، ويؤدي إلى الفرقة بينهم، والعمل على توظيف الجهود للدعوة إلى الإسلام ونشر مبادئه في أوساط غير المسلمين.
التوصيات:
لا يخفي أن عصرنا هو عصر التكتلات التي لها تطبيقاته الفكرية والاجتماعية والاقتصادية تحت شعارات العولمة والعلمانية والحداثة وبسبب الانفتاح الإعلامي دون أي قيود أو ضوابط، مما يجعل العالم الإسلامي مستهدفًا لإزالة خصوصياته وتذويب مقوماته ومعالم حضارته الروحية والفكرية، ولا تتم حماية أمتنا من هذه الأخطار إلا باتحادها وإزالة أسباب التفرق لاسيما أن أمتنا تملك العديد من مقومات الوحدة التي تشمل الوحدة الاعتقادية والاجتماعية والاقتصادية والتشريعية والثقافية.
وعليه يوصي المجمع بما يلي:
أ - تأكيد قرار المجمع رقم: 48 (10/5) بشأن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وما تبعه من توصيات في الموضوع ذاته، وقرار المجمع رقم 69 (7/7) بشأن الغزو الفكري في التوصية الأولى.
ب - التأكيد على حكومات البلاد الإسلامية بدعم جهود كل من منظمة المؤتمر الإسلامي ومجمع الفقه الإسلامي الدولي باعتبارهما من صور الوحدة بين المسلمين سياسيًّا وفكريًّا.
جـ - تجاوز النزاعات التاريخية، فإن إثارتها لا تعود على الأمة إلا بإذكاء الضغائن وتعميق الفرقة.
د - التزام حسن الظن وتبادل الثقة بين المسلمين دولًا وشعوبًا. بتوجيه وسائل الإعلام إلى تنمية روح التآلف وإشاعة أخلاقيات الحوار واحتمال الآراء الاجتهادية.
هـ - الاستفادة من القضايا المصيرية التي توحد الأمة الإسلامية وفي مقدمتها قضية القدس والمسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لدرء الأخطار التي تهدد إسلاميتها، والتأكيد على أنها قضية المسلمين جميعًا.
ويناشد المشاركون في المؤتمر حكومات البلاد الإسلامية مضاعفة اهتمامها بهذه القضية وأمثالها، والمبادرة إلى الإجراءات المناسبة، ومنها:
- التنديد بما تتعرض له الأراضي الفلسطينية وأهلوها من سياسات التهجير والاستيطان والتهويد، وما يعانيه الإنسان الفلسطيني من احتلال وظلم، وقمع وحرمان، وقتل وتشريد، وامتهان لكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.
- الدعم المطلق لفلسطين المجاهدة وأرضها المباركة ومسجدها الأقصى أولى القبلتين، في معركتها الاستقلالية والوقوف بجانبها وجانب الشعب الفلسطيني في صموده.
- إدانة الحركة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي فيما يقوم به من ألوان التنكيل وصور العدوان البشع على الشعب الفلسطيني المناضل في سبيل حريته وتحرير مقدساته.
و الاهتمام بالآليات المطروحة التي لها أولوية في تحقيق الوحدة الإسلامية مرحليًّا مثل:
1 -
إعداد المناهج التعليمية على أسس إسلامية.
2 -
وضع الاستراتيجية الإعلامية الإسلامية المشتركة.
3 -
إنشاء السوق الإسلامية المشتركة.
4 -
إقامة محكمة العدل الإسلامية.
ز - قيام الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي بتكوين لجنة من أعضاء المجمع وخبرائه لوضع دراسات عملية قابلة للتطبيق تراعي واقع الأمة الإسلامية. وتشمل الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وتضع آليات تحقيق الوحدة في هذه المجالات مع الاستفادة من الجهود القائمة حاليًّا في إطار المنظمات العربية والإسلامية، والاستعانة بالمختصين في المجالات المختلفة.
ولضمان جدية نشاط هذه اللجنة وتنفيذ نتائج دراستها، نوصي باعتماد تشكيلها ومهامها من منظمة المؤتمر الإسلامي.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.