الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقود الصيانة
وتكييفها الشرعي
إعداد
الشيخ محمد المختار السلامي
مفتي الجمهورية التونسية
بسم الله الرحمن الرحيم
عقود الصيانة وتكييفها الشرعي
إن هذا البحث الذي أحالته على الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي قدم بورقة للاستئناس بها، ومما جاء فيها أن الموضوع جاء بصيغة الجمع – عقود -.
وفسرت الورقة ملاحظة للواقع، أن عقود الصيانة أنواع متميزة وتنوعها ليس تابعًا لتعدد هذه العقود في الخارج مع اتحادها في الصورة الأصلية المعبرة عن العلاقة بين طرفي العقد وموضوعه. ولكنه اختلاف ناشئ من اختلاف الصورة الأصلية مما يجعل عقد الصيانة جنسا يشمل أنواعا. وقد ألمحت الورقة في التحليل إلى هذا المفهوم. وبناء على ذلك فإن بحثي سيتبع الخطوات التالية:
1.
تعريف جنس عقد الصيانة.
2.
بيان الحاجة إليه حاجة عامة ضرورية.
3.
أنواع عقد الصيانة.
4.
الصيانة التي يلتزم بها البائع وتكييفها.
5.
الصيانة التي يتعاقد عليها صاحب المؤسسة والصائن.
6.
تكييف عقد الصيانة فقها.
7.
أركان عقد الصيانة.
8.
واجبات الصائن.
9.
الربط بين تحديد الزمن وتحديد العمل في عقود الصيانة.
10.
التزام الصائن بشراء قطع الغيار نيابة عن المؤسسة.
11.
واجبات المؤسسة.
12.
تعجيل الأجر وتأخيره.
13.
ضمان الصائن.
14.
القرار المقترح.
تعريف عقد الصيانة:
عقد الصيانة عقد حادث لا عهد للفقهاء به. ومن الجهد الضائع التنقيب عن رأي الفقهاء السابقين فيه، لأن هذا العقد تابع لدخول الآلة في الإنتاج ولاعتماد الآلة على الطاقة المحركة لدواليبها. وللتسلسل الرابط بين أجزاء الآلة. ثم لدخول عامل جديد هو الإلكترونيك في الضبط والدقة والتيسير.
وهذه كلها آليات الإنتاج المعاصر، أثرت في حياة الإنسانية بظهور الثورة الصناعية وما تبعها إلى عصر الكمبيوتر وكوامنه العجيبة والواسعة الآفاق والتي ما تزال البشرية في أول خطواتها في الكشف عن أسراره وطرق استخدامه.
ثم إن هذه الثورة الاقتصادية دخلت بالعالم في منافسة قوية جدا، فرضت فيما فرضت على المنتجين أن يحسبوا كل تكاليف الإنتاج، وأن يعملوا جاهدين على الضغط عليها إلى أدنى مستوى ممكن، ليتمكنوا من المنافسة وتثبيت قدمهم في السوق بأحد عوامل الفوز، وهو انخفاض ثمن السلع المنتجة والجودة وخاصة في المظهر.
وارتبط بذلك أن الآلة التي قامت بالإنتاج يوزع ثمنها على المنتوج، فإذا تعطلت أو لم يتحقق في الواقع العملي طاقتها الإنتاجية انعكس ذلك على ثمن المنتج، وأفلس المشروع.
كما أن الآلة قد يلحق الخلل بعض أجزائها وحسب طبيعتها فإن الخلل مؤذن بالتوقف الكامل، أو ضعف الإنتاج، أو عدم جودته، وكل ذلك مفض حتما إلى إفلاس المشروع.
ولذا كان من المتحتم على الباعث للمشروع الاقتصادي أن يعمل على قيام الآلة بوظائفها في جميع أجزائها، وأن يسرع إلى تلافي ما أصاب التجهيزات.
ولكن أصحاب المصانع والمستخدمين للآلة لا يمكنهم أن ينتدبوا من يقوم بهذه المهمة كإطارات يعملون عندهم بصفة مستمرة وذلك لأمور، منها: أن التعرف على الخلل بعد تطور الآلة وتعقدها أصبح لا يدرك إلا بأجهزة دقيقة ومتطورة ومرتفعة الثمن.
وقد لا يحتاج صاحب المصنع لبعضها إلا مرات قليلة أو لا يحتاج إليها أصلا، ومنها أن المتمكنين من استخدامها العارفين بأسرارها هم من ذوي الكفاءات الذين ترتفع أجورهم وفرص الاحتياج إليهم في المصنع الواحد قليلة. وكل ذلك يدخل في تكلفة الإنتاج، ويؤدي بالباعث إلى الإفلاس إن لم يأخذ حيطته لذلك بما يضمن استمرار الآلة في الإنتاج بكفاءة، وبأقل ما يمكن من النفقات.
وبناء على ما قدمناه فرضت المسيرة الاقتصادية أن يتخصص قسم من المسهمين في دولاب الاقتصاد بتوفير الخدمات المطلوبة حسب القواعد الفنية، لسير المعامل والآلات بكفاءة في سرعة الإنجاز ودقته عند تعويض الأجزاء التالفة أو المتآكلة بغيرها، وكذلك الاحتياطات الدورية لدوام عمل الآلة والأجهزة، فيكون عقد الصيانة هو عقد يلتزم الخبير الفني بالقيام على الآلات والتجهيزات في مدة محددة، قياما يحقق أداءها لوظائفها بكفاءة ويلتزم فيه صاحبها بدفع ما اتفقا عليه إن لم تكن ملتزمة من البائع.
الحاجة إلى هذا العقد:
مما بيناه في مقدمة التعريف يتبين الحاجة إلى هذا النوع من العقود، وأنها حاجة مفضية إلى حفظ المال الضروري.
وإذا كنا قد فرضناه في المصانع، فإن الحاجة إليه لا تتوقف على المصانع وحدها، بل تتعداها إلى كثير من ميادين الحياة.
فشركة الطيران في أي قطر من أقطار العالم تنقل المسافرين، فإذا بلغت طائرتها بالمسافرين البلد المقصود، فإنها لا تستطيع أن تواصل رحلتها أو تعود إلى منطلقها إلا بعد قيام فريق مختص بتفقد تجهيزاتها ضمانا لحياة المسافرين، ولا يمكن للشركة أن تبعث مع كل طائرة فريقا من الفنيين ولا بأجهزة الرقابة.
والمؤسسات المالية لا تستغني في سير عملها عن تدفق التيار الكهربائي لمكاتب العمل، وللدماغ الحاسوبي الجامع الحافظ وللأجهزة المتصلة به، وهو ما يوجب القيام على التجهيزات الكهربائية قياما يضمن عملها بانتظام. كما لا تستغني عن المراقبة أجهزة الحاسوب الأصلي وفروعه ضمانا لحقوق المتعاملين مع المؤسسة وضبطها لحساباتها.
وقد تضاعف سكان الأرض في هذا القرن عما كان عليه في القرون السابقة، وفى انتشار المساكن الأفقية عدوان على الأراضي الفلاحية وقتل للمساحات وقتل للمساحات المحيطة بالمدن، زيادة عن غلاء ثمن المساكن الأفقية وارتفاع التكلفة للقيام بالخدمات المدنية من توزيع المياه، والنور الكهربائي وأجهزة الصرف، فاحتاج الناس إلى البناء العمودي الذي يحفظ الأرض، ويقلل من تكاليف الخدمات، ويختصر المسافات داخل المدن، وهذه البناءات الذاهبة صعدًا لا يستغني ساكنو طوابقها العليا عن المصاعد، وتوقف المصعد بعد توفيره فيه إهدار للوقت، وفيه حجب الساكن الضعيف عن القيام بواجباته في الحياة من المسنين والمرضى، والحبالى، والصغار، والمعوقين.
والمستشفيات والمصحات قد تطورت طرق الكشف والعلاج تطورا ارتبط بنمط الحياة، فالكشف بالأشعة، وبالأجهزة المعرفة بمكان المرض ونوعه، وإنعاش من بلغ مرحلة الخطر لمساعدته على تجاوز فترة الأزمة، وإجراء العمليات الجراحية.. كل ذلك لابد من القيام على المزود بالتيار الكهربائي وعلى تلافي حصول الخلل في التجهيزات الطبية الإلكترونية المعقدة.
هذه بعض الصور التي تكشف عن الحاجة إلى صيانة المعدات والأجهزة والآلات، وهى حاجة ترتبط بالكليات الضرورية من حفظ النفس والمال، وتعتبر بذلك داخلة تحت المقاصد الضرورية، كما يدل عليه كلام الشاطبي، أن الحفظ للمقاصد الضرورية يكون بأمرين، أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع. وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم.
ثم قال عند التمثيل والمعاملات ما كان راجعا إلى مصلحة الإنسان مع غيره، كانتقال الأملاك بعوض أو بغير عوض، بالعقد على الرقاب أو المنافع (1) .
وبذلك تدخل عقود الصيانة من حيث الأصل تحت مظلة الضروري عملا بالقاعدة اليقينية المروية عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا.
(1) الموافقات: 8/3-10
أنواع عقد الصيانة:
يدخل تحت عقد الصيانة أنواع:
أولا – الالتزام المرتبط بعقد البيع كأحد بنوده:
إن بيع الآلات والأجهزة الميكانيكية وكذلك الإلكترونية قد أصبح يجري على عرف عالمي، معلوم مقدما من البائع والمشتري، منصوص عليه في العقود النمطية التي توثق بها المعاملات بين الأطراف، فهي ليست شروطا يشترطها المشتري على البائع، ولكنها تمثل التزام البائع عند عرض سلعته.
فمن ذلك أن الآلات إذا كانت في حاجة إلى تثبيتها والربط بينها لتقوم بالعمل المتسلسل فإن الإنجاز يتم بمساعدة البائع وتحت رقابة خبرائه حتى لا يتسبب التركيب في خلل فني ينتج عنه تعويق الأجهزة عن أداء ما يجب أن تقوم به جودة وسرعة وإتقانا.
ومن ذلك أن البائع ملتزم عند العرض أن كل القطع صغيرها وكبيرها قد تم صنعها بالجودة التامة وأنها قادرة على الأداء دون أن يلحقها عطب من التشغيل طيلة مدة محددة أو دائما.
ومنها أنه ملتزم بالمنهج الحضاري الذي يحكم المسيرة البشرية، وهي أن التجربة هي المعرف الحقيقي للصلاح، أو الاختلال، ولذا فإن ما يبيعه من الأجهزة هو ضامن لأدائه مدة معلومة، وهذا ما يفرض عليه أن يبعث بخبرائه يوجهون إلى الطريق الأمثل في التشغيل في الفترة التي يحددها الطرفان عند عقد البيع، والتي تكون كافية للتحقق من سلامة المبيع وحسن أدائه، وبالطبع فإن كل خلل يظهر، فإن البائع تبعا لتعهده يقوم بإصلاحه أو تعويض ما يوجب التعويض.
وقد وقع التساؤل في الورقة المقدمة للموضوع عن تكييف هذا الالتزام فجاء فيها ما يلي: ويتطلب هذا النوع من عقود الصيانة المتلازمة مع عقود التملك البحث فيما يلي:
اندراج هذا في صورة صفقتين في صفقة، أو اشتراط عقد في عقد أو اعتبار ذلك شرطًا مقترنا بالعقد المقصود أصلا، أو اقتضاء سلامة المعقود عليه التزام البائع بالصيانة، بديلا عن حق الرد للمعيب بعيب.
أما الاحتمال الأول: وهو أن هذا من صور صفقتين في صفقة، فإن أصله حديث سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة واحدة، فسر سماك راوي الحديث، هو أن يبيع الرجل فيقول: هو بنسأ بكذا، وبنقد بكذا وكذا، وبه فسره أبو عبيد القاسم بن سلام، وإيراد (منتقى الأخبار) بهذه الرواية تحت عنوان: باب بيعين في بيعة يدل على أن صفقتين في صفقة هو بمعنى بيعتين في بيعة وهو ما يدل عليه صنيع ابن عبد البر فقد أخرج حديث سماك مع أحاديث بيعتين في بيعة ولم ينص على فرق بينهما بسنده عن أحمد بن قاسم بن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: لا تصلح صفقتان في صفقة. (1)
وينفرد الدكتور الضرير بأن بيعتين في بيعة أخص من صفقتين في صفقة، لأن الصفقة تشمل البيع وغيره من الصفقات فيؤول معنى الحديث عنده إلى الجمع بين عقدين في عقد واحد (2) .
ويجزم في مقدمة كلامه بأن عدم التفرقة بينهما خطأ فيقول: وهذا ليس بصحيح فإن بيعتين في بيعة أخص من صفقتين في صفقة.
وهذا ذهاب منه إلى أن كل عقد يطلق عليه صفقة وهو مما لا يساعده عليه لا اللغة ولا الاصطلاح الفقهي (3) . فالصفق لا يطلق على النكاح، ولا على الإجارة ولا الإعارة، وإنما هو مأخوذ من عرف مادي كان يصحب عقد البيع من ضرب يد البائع على يد المشتري تعبيرا عن انبرامه، وتساوي الطرفين في أن كل واحد منهما حقق غرضه وهو ما يرجح أن التعبير بصفقتين هو تصرف من الراوي بإبدال لفظ البيعة بالصفقة، ولذلك فسر سماك الصفقة بالبيعة ونخلص إلى إن الحديث لا يتناول بأي وجه من الوجوه التزام المزود بالصيانة المحددة في العقد.
(1) الاستذكار: 20 / 173
(2)
الغرر، ص111
(3)
انظر لسان العرب: 200/10-201
وأما الاحتمال الثاني: فإن البيع مع التزام المزود بالصيانة مدة معلومة لا يعتبر التزامه بالصيانة عقدا، ولكنه في حقيقة أمره إعلان من البائع أن ما يبيعه يؤدي للمشتري الغرض الذي اشتراه من أجله. فالسيارة مثلا تحقق له التنقل مع الأمن، وكذلك الطائرة، والمصنع يحقق له كمية الإنتاج وجودته والمواصفات التي تم عليها الاتفاق.. . وهكذا.
وعلى هذا فإذا ظهر خلل في أداء المبيع للغرض منه كان البائع لم يسلم المشتري على حسب ما اتفقا عليه في العقد، فوفاؤه بما التزم به هو من تمام العقد الأول وليس عقدا آخر.
وأما الاحتمال الثالث: أنه شرط مقترن بالعقد، فهو وإن كان في صورته الظاهرية شرطا إلا إنه في حقيقة الأمر بعد التأمل في العقد يتبين للناظر أنه ليس من نوع الشروط التي اختلف فيها الفقهاء. ذلك أن الشرط الذي تحدث عنه الفقهاء هو الشرط الذي يستفيد منه المشترط سواء أكان البائع أو المشتري، فكأن الشرط إن كان من المشتري، فقد انقسم الثمن المدفوع فيه بين ثمن السلعة وما يحقق الشرط، مما يؤول معه الأمر إلى نوع من الجهالة في ثمن المبيع راعاه من حرم الشرط.
وإذا كان المشترط هو البائع فكذلك الأمر فهو يكون قد نقص من الثمن الحقيقي للسلعة في مقابلة تحقق شرطه الذي شرطه، ومن فصل فهو ناظر في باطن الأمر إلى ما ذكرناه. وفي صورة التزام البائع عند العرض بالقيام بالصيانة مدة معلومة لا نجد في العقد أن المشتري قد اشترط أي شيء كما أن البائع لم يشترط على المشتري ما ينتفع به.
أما الاحتمال الرابع: وهو رد المعيب بالعيب، فإن المبيع إذا أطلع المشتري على عيب فيه فقد فصل فيه الفقهاء من أن يكون البائع عالما العيب أو جاهلا به، وبين كونه قديما أو حادثًا، وبين كونه في الأصول أو في غيرها وتتبع أحكام الرد بالعيب مفصلة في كتب الفقه. ولكن الذي يهمنا من ذلك هو العيب الذي تكشف عنه التجربة العلمية للمبيع، ويستوي الطرفان في الجهل بوجوده.
والمشهور في مذهب مالك أنه لا حق للمشتري في القيام بهذا العيب، وذلك كالقثاء يوجد مرا والخشبة يوجد داخلها عفنا أو مسوسا، قال في المدونة: لأنه أمر ثابت عليه يدخل البائع والمشتري، والتبايع عليه وقع، وروي أنه يرد به كسائر العيوب، وفرق ابن حبيب بين ما كان من أصل الخلقة فلا رد به وما طرأ لسبب ففيه القيام بالعيب (1) .، وأشار إلى هذا ابن عاصم بقوله:
وكامن يبدو مع التغيير
كالسوس لا يرد في المأثور
ودقق (التسولي) أن هذا الاختلاف محله ما لم يشترط السلامة أو يجري العرف بالرد. فللمشترى القيام بالعيب (2) .
ولابن عرفة فتوى: أن الجبن يوجد فاسدا يرد، وكذلك الحديد يوجد أحرش منقطعا إذا دخل النار، معللا بأنه مما عملته الأيدي (3) .
فهذه الفتوى تجعل الاختلاف محله ما كان من العيوب لا دخل للإنسان فهي بتقصير أو قصور تطبيقا للقاعد: أن المكلف يتحمل الضرر الحاصل منه خطأ كان أو عمدا.
وإذا خلص لنا أن مشتري الآلة أو الجهاز يقوم بالعيب على البائع فهل يعتبر التزام البائع بالصيانة بديلا عن الرد بالعيب؟
إن الصيانة ليست بتبديل المعيب، ولكن تتعدى ذلك إلى كثير من الأعمال. تتبع الخطوات الأولى في التسيير كشد بعض الأجهزة وتشحيم بعضها وتبديل الزيت ورفع بعض الأجزاء التي توضع في الآلة عند استخدامها الأول إلى مختلف أوجه العناية التي تتبع ما في الأجهزة من تعقيد. وبذلك فإن التزام المزود بالصيانة مدة معلومة هو أعم من القيام بالعيب.
(1) عقد الجواهر الثمينة: 2/474
(2)
البهجة: 2/194
(3)
شرح ميارة على التحفه: 2/39
ثانيا: العقد مع شركات الصيانة.
العقد مع شركات الصيانة ليس عقدا نمطيا يطبق بصفة آلية، وذلك أن المعقود عليه يختلف بالاختلاف التجهيزات وما يتطلبه كل نوع من العناية، ولذا فقد قمت بمراجعة عقود كثيرة متحدة الموضوع ومختلفة الموضوع:
1.
عقود صيانة المصاعد من شركات مختلفة.
2.
عقود صيانة أجهزة التكييف.
3.
عقود صيانة أجهزة التبريد.
4.
عقود صيانة أجهزة الإنذار المبكر.
5.
عقود صيانة أجهزة الحاسوب.
6.
عقود صيانة الأجهزة المنذرة والمكافحة للحريق.
7.
عقود صيانة الطائرات.
8.
وحتى عقود صيانة العمات المضيئة للإشهار.
تعددت عقود الصيانة بناء على إنه لكل نوع من أنواع النشاط الصناعي ولكل الأجهزة الآلية وإلالكترونية في ميادين الإنتاج أو الخدمات اختصاصيون مهروا في القيام عليها ضمانا لحسن أدائها واستمراره.
وقد أردت أن أتتبع الهيكل الذي تتقوم به هذه العقود مهما اختلفت لبيان حكم هذه العقود تبعا للأركان والشروط المشتركة، أما ما تختص به بعض العقود تبعا لما تتميز به من خاصيات، فإنه ينبغي أن تكون التوصية من المجمع منبهة إلى وجوب مطابقة كل ما يشترط في عقود الصيانة للأحكام الشرعية بمراقبتها من عالم بأحكام العقود في الإسلام.
طبيعة عقد الصيانة:
ذهب بعض الناظرين من الفقهاء المعاصرين إلى أن عقد الصيانة عقد جعل، وأنه ينطبق عليه هذا التصور العقدي الخاص، ذهابا منهم إلى أن المعقود عليه مجهول، وإذا كان العقد في ميدان العمل على مجهول، فهو لا يجوز إلا على أنه عقد جعل، كعقد من ضاعت دابته أو أبق عبده مع من يبذل مجهودا = معينا أو عاما – تبعا لاختلاف المذاهب – ببذل مقدار من المال لمن يحقق له رغبته في رجوع العبد أو الدابة لحوزه.
وهذا خطأ في تصور عقد الصيانة، إذ لا تنطبق أحكام الجعالة على الصيانة.
1.
إن عقد الصيانة عقد لازم للطرفين بعد توقيعه منصوص فيه متى يمكن أحد الطرفين من نقضه، ولا يكون ذلك إلا لقوة قاهرة كحرق المعمل أو حدوث حرب أو زلزال ونحو ذلك، واختياريا عند انتهاء الفترة المحددة من العقد، مع شرط إعلام الطرف الراغب في عدم تجديد العقد للطرف الثاني إعلاما موثقا أنه لا يرغب في تجديد العقد. أما عقد الجعل فهو غير لازم.
2.
إن الجعل لا يتسلم منه العامل شيئا إلا بعد إتمام العمل، فإذا لم يرد العبد أو الدابة فلا شيء له، وإذا حمل المتاع وتركه في نصف الطريق فلا يستحق، إلا إذا انتفع المالك بالمسافة التي قطعها حسبما هو مبني في المذاهب الفقهية.
أما في عقود الصيانة فإنه ينص فيها على أن أجر الصائن مستحق عن كل فترة ويقبضها الصائن إما بالتنصيص على أنها مقدمة في أول الشهر أو يقبضها عند نهاية كل شهر.
3.
إن الصيانة عقد محدد بأجل (في إطار عام ثم مخصص) ، أعني بذلك أن عقد الصيانة يتم بين صاحب المؤسسة على أنه سيستمر خمس سنوات أو ثلاث سنوات مثلا، وبانتهائها ينتهي العقد ليعاد النظر فيه من جديد. هذا هو الإطار العام. ثم إن لكل طرف في نهاية السنة الحق في فسخ العقد مع إعلام الطرف الثاني قبل مدة محددة بثلاثة أشهر أو أكثر أو أقل برغبته في نهاية العقد، وهذا هو الإطار الخاص. وعقد الجعالة لا يجوز ضرب الأجل فيه. وهاهي نصوص الفقهاء:
• يقول خليل في الإجارة: وفسدت مع جعل. يعلق عليه في الشرح الكبيرة: في صفقة واحدة لتنافرهما، لما في الجعل من عدم لزومه بالعقد، وجواز الغرر، وعدم الأجل، أما الإجارة فإنها تلزم بالعقد، ويجوز فيها الأجل ولا يجور فيها الغرر (1) .
• ويقول الهيثمي: عن الجعالة تفارق الإجارة في جوازها على عمل مجهول وصحتها مع غير معين، وكونها جائزة، وعدم استحقاق العامل تسليم الجعل إلا بعد تسليم العمل، فلو شرط تعجيله فسد المسمى ووجبت أجرة المثل (2) .
•والملاحظ أن الجهالة في الجعالة ليست شرطا فيها، وإنما تجوز فقط. قال في التحفة: وتصح على عمل مجهول وكذا معلوم في الأصح لأنها إذا جازت مع الجهل فمع العلم أولى (3) .
• ويقول ابن قدامة: لأن الجعالة يحتمل فيها الغرر، وتجوز مع جهالة العمل والمدة بخلاف الإجارة، وأن عقد الجعالة عقد جائز، وأن الإجارة إذا قدرت بمدة لزم العمل في جميعها ولا يلزمه العمل بعدها (4) .
فهذه نصوص المذاهب تنفي أن يتصور في عقد الصيانة أنه عقد جعالة وإذا انتفت الجعالة فهو عقد إجارة مع أجير مشترك.
(1) حاشية الدسوقي: 4/5
(2)
تحفة المحتاج: 5/363
(3)
تحفة المحتاج: 5/369
(4)
المغني: 8/325
الأجير المشترك:
جاء في الفتاوى الهندية: اختلفت عبارة المشائخ في الحد الفاصل بين الأجير الخاص والأجير المشترك.
قال بعضهم: الأجير المشترك من يستحق الأجر بالعمل لا بتسليم نفسه. والأجير الخاص من يستحق الأجر لتسليم نفسه وبمضي المدة، ولا يشترط العمل في حقه لاستحقاق الأجر. وقال بعضهم: الأجير المشترك من يتقبل العمل من غير واحد، والأجير الخاص من يتقبل العمل من واحد (1) .
فالمعيار عند الفريق الأول هو ما يستحق به العامل الأجر، وعند الفريق الثاني هو تسليم النفس في المدة المحددة بالعقد. وعقد الصيانة على كلا التعريفين هو من قسم الأجير المشترك؛ لأن الصائن يستحق أجره بالوفاء بالعمل المتفق عليه في المدة المحددة المتفق عليها. وإذا اجتمع العمل والمدة وكان المقصود الأساس هو العمل فهو أجير مشترك (2) .وكذلك على التعريف الثاني فإن الصائن لا يقصر نفسه على مؤسسة واحدة، وإنما هو يعقد عقودا مع عدد من المؤسسات تبعا لإمكاناته.
وفي المذهب الحنبلي: الأجير على ضربين: خاص ومشترك؛ فالخاص: هو الذي يقع العقد عليه في مدة معلومة يستحق المستأجر نفعه في جميعها. سمي خاصا لاختصاص المستأجر بنفعه في تلك المدة دون سائر الناس. والمشترك الذي يقع العقد معه على عمل معين، أو على عمل معين في مدة لا يستحق جميع نفعه فيها. سمي مشتركا لأنه يتقبل أعمالا لاثنين وثلاثة فأكثر في وقت واحد، ويعمل لهم فيشتركون في منفعته واستحقاقها، فسمي مشتركا لاشتراكهم في منفعته (3) .
وإذا تبين أن عقد الصيانة هو عقد إجارة مع أجير مشترك، فإن الخطوة التالية هي تبين هل أن هذه العقود استوفت الأركان والشروط أولا؟ ثم هل أنها تتضمن شروطا تؤثر في صحة العقد؟
(1) الفتاوى: 4/500
(2)
الفتاوى: 4/500
(3)
المغني: 8/103
أولا أركان العقد وتشمل:
1.
العاقدين: وللضبط فإني أطلق اسم المؤسسة على المستأجر بكسر الجيم اسم فاعل، وأطلق لفظ الصائن على الأجير، العامل.
إنه حسب التصور يمكن أن يكون المستأجر شخصا معينا، وأن يكون الصائن كذلك، ولكن هذه الصورة تكاد تكون معدومة في نشاط هذا النوع من الخدمات (الصيانة) ، وكما تكون بين الشركات. وهو الغالب؛ إذ أنه حتى الأفراد الذين لهم دور كبير في دولاب الحركة الاقتصادية، لا يظهرون في نشاطهم ذلك بأسمائهم الخاصة ولكن على شكل شركات.
والشركات بما لها من شخصية معنوية قابلة للإلزام والالتزام، فقد تحقق فيها الشروط المعتبرة في العاقدين، خاصة وأن المسؤولين عليها الذين يقومون بتوقيع العقود هم أكفاء مقتدرون محاطون بخبراء في الحقوق والاقتصاد.
2.
الصيغة:
الصيغة في عقود الصيانة موثقة كتابة واضحة، يقوم توقيع ممثل الشركة على العقد بالدلالة على الرضا الكامل والالتزام بما جاء في العقد.
3.
واجبات الصائن في عقد الصيانة وهى العمل المعقود عليه:
إن عقود الصيانة يتحمل فيها الصائن القيام بأعمال:
أولا: المراقبة الدورية، وهى مضبوطة في العقود في مشمولاتها وفى مواعيدها.
-تنظيف الأجهزة.
-مراقبة حسن سيرها.
-وضع الشحم أو الزيت في الأماكن الخاصة من الأجهزة ضمانا لسير الحركة الاندماجية.
-وضع قائمة لقطع الغيار التي يحتاج إليها غالبا. يشتريها صاحب المؤسسة.
-إعلام المؤسسة عقب كل تفقد دوري بما لاحظه من خلل في الأجهزة يمكن أن يترتب عنه في المستقبل تعطل.
-القيام بتسجيل كل الأعمال والملاحظات التابعة لكل زيارة مراقبة دورية ويرفع هذا التقرير إلى المؤسسة.
-
ثانيا: الحضور في المكان المعين في العقد إذا ما حدث خلل أو توقف في السير بعد إعلامه بوقت مضبوط أقصاه في العقد.
إن واجبات الصائن محددة في العقود والتزاماته مضبوطة، وإن ثمن القطعة التالفة يتحمله صاحب المؤسسة، ويختصر دور الصائن – بناء على مهارته – على التعرف على موطن الخلل، ثم يباشر إصلاحه إذا كان ممكنا بدون تغيير أي قطعة، أو يقوم بتغيير القطعة التالفة ووضع قطعة صالحة مكانها.
يبقى سؤال: هل يجوز أن يتحمل الصائن الشحوم ونحو ذلك وكذلك أجهزة الاختبار؟
جاء في الفتاوى الهندية: وإذا استأجر خياطا ليخيط له ثوبا كان السلك والإبرة على الخياط، وهذا في عرفهم، وأما في عرفنا السلك على صاحب الثوب، ولو كان الثوب حريرا فالإبريسم الذي يخاط به الثوب يكون على صاحب الثوب (1) .
وإن استأجر وراقا فإن اشترط عليه الحبر والبياض، فاشتراط الحبر جائز، واشتراط البياض فاسد كذا في خزانة المفتين (2) .
وفي المذهب المالكي: " وعمل بالعرف في الخيط كونه على الخياط
أو على رب الثوب، وقى نقش الرحى المستأجرة للطحن في كونه على المالك أو المستأجر، وفى آلة البناء فيقضى بما جرى به العرف. يقول ابن عرفة: وعرفنا في الأجير ألا خيط عليه، وفى الصانع الخيط عليه (3) .
وفى المذهب الشافعي: والأصح أنه لا يجب حبر وخيط وكحل وصبغ وطلع على وراق وخياط وكحال وصباغ وملقح. اقتصارا على مدلول اللفظ. قلت: صحح الرافعي في الشرح الكبير الرجوع فيه إلى العادة، إذ لا ضابط له لغة ولا شرعا (4) .
علق عليه ابن قاسم العبادي: قال في شرح الروض: وكالمذكورات فيما ذكر قلم النساخ ومرود الكحال وإبرة الخياط ونحوها. زاد – م – ر – في شرحه ومرهم الجراح وصابون وماء الغسال. قال ابن قاسم: وحيث شرطت على الأجير فلا بد من التقدير في نحو المرهم، فإن لم يذكر فيرجع فيه إلى العادة (5) .
(1) الفتاوى: 4/456
(2)
الفتاوى: 4/456، والبياض هو الورق
(3)
الشرح الكبير: 4/23؛ والتاج والإكليل: 5/427
(4)
تحفة المحتاج: 5/162
(5)
تحفة المحتاج: 5/162
وفى المذهب الحنبلي: يجوز أن يستأجر كحالا ليكحل عينيه، لأنه عمل جائز، ثم إنه إذا كان الكحل من العليل جاز لأن آلات العمل تكون من المستأجر كاللبن في البناء والطين والآجر ونحوها. وإن شارطه على الكحل جاز. وقال القاضي: يحتمل أن لا يجوز، لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة، فلا يصح اشتراطه على العامل كلبن الحائط. ولنا أن العادة جارية به، ويشق على العليل تحصيله، وقد يعجز عنه. فجاز ذلك؛ كالصبغ من الصباغ، واللبن من الرضاع، والحبر والأقلام من الوراق.. . وقال أصحاب مالك: يجوز أن يستأجره ليبني له حائطا والأجر من عنده؛ لأنه اشترط ما تتم به الصنعة التي عقد عليها (1) .
إن هذه النصوص التي قدمناها تدل على أن المذاهب الأربعة متفقة على جواز اشتراط الشيء اليسير من المواد على العامل، وأنه إذا لم يشترط فالرجوع إلى العرف المعمول به في مكان العقد، وبما أن عقد الصيانة قد تبين لي من تتبعها أنها تكاد تتفق في التصور العام وفي البنود الأساسية، فإني لم أجد أي عقد خلا عن بيان ما يلتزم به العامل حتى في الأشياء التافهة. وهذه الطريقة محققة لما تقرر في الفقه الإسلامي.
يقول في بدائع الصنائع: ومن شروط الإجارة بيان العمل في استئجار الصناع والعمال لأن جهالة العمل في الاستئجار على الأعمال جهالة مفضية إلى المنازعة فيفسد العقد حتى لو استأجر عاملا ولم يسمِّ له العمل من القصارة والخياطة والرعي ونحو ذلك لم يجز العقد. وكذا بيان المعمول فيه في الأجير المشترك. إما بالإشارة والتعيين أو ببيان الجنس والنوع والقدر والصفة (2) .
(1) المغنى: 8/121
(2)
بدائع الصنائع، ص2579
كما يقول في شروط المعقود عليه أن تكون المنفعة معلومة منعا للمنازعة، فإن كانت مجهولة ينظر إن كانت تلك الجهالة مفضية إلى المنازعة تمنع صحة العقد وإلا فلا؛ لأن الجهالة المفضية للمنازعة تمنع التسليم والتسلم فلا يحصل المقصود من العقد، فكان العقد عبثا (1) .
فالمعيار الذي ربط به عقود الإجارة صحة أو فسادا هو إفضاء العقد إلى تحققه بدون نزاع أو إمكانية حصول النزاع والتأويل القريب لكلا الطرفين.
الربط بين الزمن والعمل:
كل عقود الصيانة فيها ضبط موعد بداية العمل بالعقد وموعد انتهائه، زيادة عن تفصيل ما يلتزم الصائن بالقيام به من أعمال.
ذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجوز الجمع بين تحديد نوع العمل وتحديد المدة معا؛ لأنه بجمعه بين العمل والمدة يكون المعقود عليه مجهولا، لأنه ذكر أمرين كل منهما يجوز أن يكون معقودا عليه. أعني العمل والمدة؛ أما العمل فظاهر، وكذا ذكر المدة بدليل أنه لو استأجره يوما للخبازة من غير بيان قدر ما يخبز جاز، وكان الجواب باعتبار أنه جعل المعقود عليه المنفعة، والمنفعة مقدرة بالوقت ولا يمكن الجمع بينهما في كون كل واحد منها معقودا عليه لأن حكمهما مختلف؛ لأن العقد على المدة يقتضي وجوب الأجر من غير عمل، لأنه يكون أجيرا خاصا، والعقد على العمل يقتضي وجوب الأجر بالعمل لأنه يصير أجيرا مشتركا،فكان المعقود عليه أحدهما وليس أحدهما بأولى من الآخر، فكان مجهولا وجهالة المعقود عليه توجب الفساد (2) .
وهذا الذي ذهب إليه أبو حنيفة غير مقنع، ذلك أن الجهالة منتفية باعتبار أن الأجير لا يستحق أجره إلا بالعمل الذي أنجزه خلال المدة المتفق عليها، فإذا عقد مع الأجير عقدا على أن يحرث له أرضه في الأسبوع الذي يعقب نزول المطر، فإن استحقاق الأجير للأجر نتيجة لمحصل الحراثة وكونها في المدة المتفق عليها، فلو حرث له الأرض بعد شهرين وتبخرت مياه المطر أو لم يقم بالعمل فلا يستحق الأجر، ولا جهالة، ولذا لم يوافقه الصاحبان.
(1) بدائع الصنائع، ص2579
(2)
بدائع الصنائع: 5/2582
ومذهب مالك قد حرره ابن عبد السلام: الذي قاله من يرتضي من الشيوخ أن الزمن الذي قيدت به الإجارة إن كان أوسع من العمل بكثير فلا يختلف في الجواز، وإن كان أضيق فلا يختلف في المنع وإن كان الزمن مساويا لمقدار العمل ففيه قولان: اختلف الشيوخ في تعيين المشهور منها (1) .؛ فابن عبد السلام يجزم بأن الإجارة مع تحديد الأجل إذا كان الزمن أوسع من العمل جائز.
ومما قدمناه يتبين أن تحديد العمل، وتحديد المدة في عقد الصيانة لا مانع من ذلك، وإن كان غير مجمع عليه.
التزام الصائن بشراء قطع الغيار:
جاء في العقود أن الصائن يلتزم بشراء قطع الغيار إذا تعذر إصلاحه المعطب أو كان يستدعى نفقات تتجاوز حد السقف المتفق عليه في العقد، وأنه يتقاضى على هذا العمل الإضافي زائدا مقدرا بنسبة مئوية من ثمن القطعة التي اشتراها.
وتكييف هذا البند أنه وكالة بأجر، حدد فيها الأجر وتحقق رضا الموكل والوكيل، وكلاهما ممن تصح منه الوكالة.
واجبات المؤسسة:
القدر المشترك في واجبات المؤسسات، الذي لاحظته في عقود الصيانة يتمثل فيما يلي:
1.
الالتزام بدفع أجر الصائن، وأجر الصيانة محدد في العقد، ويدفع على فترات، كل شهر أو كل ثلاثة أشهر أو كل ستة أشهر، وهذا الأجر في مقابل العمل الموصوف والمحدد في العقد، كما يضم لهذا الأجر قيمة الأعمال التي ينجزها الصائن خارج ما التزم به في العقد، وهذه مضبوطة في العقد ببيان أجر ساعات العمل التي يقضيها الصائن، في أيام العمل وفي أيام الراحة، كما حدد أجر التنقل إلى المكان الذي ترغب المؤسسة في إجراء الإصلاح به بقائمة تربط بين كل وحدة من المسافة، والأجر الذي يحسب في تعاملها، وأن هذه الإضافة تضم إلى الفاتورة التي تلتزم المؤسسة بدفع قيمتها للصائن بمجرد ما تتسلمها.
(1) مواهب الجليل: 5/410
2.
تسليم أجر الصائن
جرت العقود على طريقتين:
الأولى: أن يقسم الأجر السنوي على فترات تدفع كل فترة مقدما في بدايتها.
الثانية: أن يقسم الأجر السنوي على فترات يدفع كل قسط عند نهاية الفترة المحددة.
وبالرجوع إلى الأحكام المقررة في فقه المذاهب فإنا نجدد اختلافا في اجتهادهم.
الطريقة الأولى – اشتراط الصائن تسلم أجرة مقدما:
فالحنفية لا يرون مانعا من اشتراط التعجيل ويلزمون المستأجر (المؤسسة) بالوفاء بالشرط. يقول الكاساني: فإن شرط فيه تعجيل البدل فعلى المستأجر تعجيلها والابتداء بتسليمها سواء أكان ما وقع عليه الإجازة شيئا ينتفع به كالدار والدابة، أم كان صانعا أم عاملا ينتفع بصنعته أو عمله كالقصار والصباغ لأنهما لما شرط تعديل البدل لزم اعتبار شرطهما لقوله صلى الله عليه وسلم ((المسلمون عند شروطهم)) (1) .
وكذلك في المذهب المالكي: وعجل الأجر وجوبا ولو حكما كتأخيره ثلاثة أيام لا أكثر، فيفسد العقد إن عين كثوب معين، أو بشرط أي اشتراط تعجيله عند عقد الإجارة (2) .
وكذلك الحكم عند الشافعية والحنابلة (3) .
الطريقة الثانية:
أن يكون العقد على استحقاق الصائن أجره عند نهاية كل فترة تحدد بشهر أو ثلاثة أو ستة.
وهذه الطريق هي الأصل عند أبى حنيفة، لأن الأصل أن ثبوت الحقين للمؤجر والأجير يثبتان في وقت واحد، فيثبت الملك للأجير في الوقت الذي يستوفي فيه المستأجر المنفعة، ولهذا كان الأصل عنده تأخير الأجرة إلى انتهاء العقد، ولما كان عقد الصيانة، المنافع فيه غير مرتبطة، فنهاية كل فترة يعرف بها تسلم المؤسسة للمنافع واستحقاق الصائن أجره (4) .
(1) بدائع الصنائع: 6/2630
(2)
حاشية البناني: 7/3؛ ومواهب الجليل: 5/392
(3)
مغني المحتاج: 2/334؛ والمغني، لابن قدامة: 8/17
(4)
بدائع الصنائع: 6/24 – 25،2628
وأما في المذهب المالكي، فإن عقد الصيانة: هو من الإجارة المضمونة لتعلقه بالذمة لا بالشخص سواء أكان الصائن شركة أم شخصا، إذ أن المؤسسة لا تشترك أن يقوم بالعمل فرد معين، وإذا كانت الإجارة في الذمة فالمالكية لا يجيزون تأخير الأجر إذا لم يشرع الأجير في العمل، وذلك بناء على قاعدة أنه لا يجوز تعمير الذمتين، لأنه إذا تعلقت الأجرة بذمة المؤسسة لتأخيرها شهرا أو ثلاثة أشهر أو سنة. والعمل متعلق إذا لم يشرع فيه تعلق بذمة الصائن فكان العقد مبنيًّا على الذمم، وهو ممنوع. أما لو شرع الصائن في العمل بمجرد العقد فلا مانع منه، عملا بقاعدة أن قبض الأوائل قبض للأواخر (1) .
والشافعية هم متفقون مع المالكية: ويشترط في إجارة الذمم تسليم الأجرة في المجلس قطعا إن عقدت بلفظ السلم كرأس مال السلم؛ لأنها سلم في المنافع.
وكذا إن عقدت بلفظ الإجارة في الأصح نظرا إلى المعنى فلا يجوز فيها تأخير الأجرة، ولا الاستبدال عنها، ولا الحوالة بها، ولا عليها ولا الإبراء منها (2) .
وفى مذهب أحمد يجوز اشتراط تأخير الأجرة: أنه إذا شرط تأجيل الأجرة فهو إلى أجله، وإن شرطه مؤجلا يوما يوما أو شهرا شهرا أو أقل من ذلك أو أكثر، فهو على ما اتفقا عليه؛ لأن إجارة العين كبيعها، وبيعها يصح بثمن حال ومؤجل فكذلك إجارتها (3) .
ضمان الصائن:
جاء في عقود الصيانة أن الصائن إذا لم ينبه المؤسسة إلى الخلل المتوقع، فإنه ضامن لما ترتب عن تقصيره في أداء ما التزم به.
(1) حاشية البناني:7/3-4؛ مواهب الجليل: 5/394
(2)
مغني المحتاج: 2/334
(3)
المغني: 8/19
وهو شرط مقبول: ذلك أنه ما استحق الأجر إلا ليساعد المؤسسة على دوام قيام الأجهزة والآلات بوظائفها، وأن تفقده ليس أمرا مظهريًّا، فإذا أخل بواجبه فلم يحسن التأمل في جميع التجهيزات أو لم يكن جادا في مراقبته، أو اطلع ولم ينبه، فقد أخل بالتزاماته ويتحمل المسئوولية.
وهذه نصوص الفقهاء تشهد لهذا التوجه.
•ففي المذهب الحنفي:
الهلاك إذا كان بفعل الأجير مع التعدي يضمن اتفاقا.
الهلاك إذا كان بفعل الأجير بدون تعد يضمن اتفاقا.
الهلاك إذا كان بدون فعل الأجير ولا يمكن الاحتراز منه، لا يضمن اتفاقا.
الهلاك إذا كان بدون فعل الأجير ويمكن الاحتراز منه ففيه أربعة أقوال:
1.
لا يضمن عند أبي حنيفة.
2.
يضمن عندهما كان العامل رجلا صالحا أو طالحا أو مستورا.
3.
يصالح العامل على نصف القيمة.
4.
الصالح لا يضمن وغير الصالح يضمن والمستور يصالح على النصف.
وأما إذا شرط المؤجر الضمان والمعمول فيه بيد المؤجر. فالمفتى به أنه لا أثر للشرط، وفى الأشباه أنه ضامن اتفاقا (1) .
•وفى المذهب المالكي، يقول الخرشي: يشترط لضمان الصانع لمصنوعه شروط.
•أن ينصب نفسه للصنعة لعامة الناس يحترز به عن الأجير الخاص لشخص أو لجماعة مخصوصين، ومنها أن يغيب على الذات المصنوعة، أما إن لم يغب عليها بأن عملها في بيت ربها ولوغائبًا أو بحضرته ولو بغير بيته فلا ضمان، ومنها أن يكون مصنوعه مما يغاب عليه، ومنها أن لا يكون في الصنعة تغرير، وأما إن كان فيها تغرير كثقب اللؤلؤ ونحوه، فلا ضمان ، ويضمن قيمته يوم دفعة ربه إليه.
وذُكِرَ قبل هذا أن الصانع يضمن إذا غر بفعل لا بقول، ومثل له بالحمال يربط المحمول بحبل رث أو يمشي في موضع فيه تعثر، وكذا إذا تعدى بأن أخرق في السير فإنه يضمن. (2)
فاشتراط المؤسسة أن الصائن ضامن إذا لم ينبه للخلل الذي تسبب عنه التعطيل شرط مقبول لأنه غر بفعل.
(1) رد المحتار: 5/40 –42
(2)
الخرشي 7/26،28
•وفى المذهب الشافعي: ولو تلف المال في يد أجير بلا تعدٍّ لم يضمن إن لم ينفرد باليد، وكذا إن انفرد في أظهر الأقوال.
احترز بقوله بلا تعدٍّ، عما إذا تعدى فيضمن مطلقا قطعا، كما لو أسرف الخباز في الوقود أو ترك الخبز في النار حتى احترق، أو ضرب على التأديب والتعليم الصبي فمات، لأن تأديبه بغير الضرب ممكن (1) .
وعدم إعلام الصائن للمؤسسة بالخلل المدرك للخبراء تعدٍّ منه أو تقصير، وهما سواء في ترتب الضمان.
•وفي المذهب الحنبلي: العامل المشترك وهو الصانع، هو ضامن لما جنت يده، فالحائك إذا أفسد حياكته ضامن لما أفسد نص عليه أحمد، والقصار ضامن لما يتخرق من دقه أو مده أو عصره أو بسطه، والطباخ ضامن لما أفسده من طبيخه، والخباز ضامن لما أفسده من خبزه، والحمال يضمن ما يسقط من حمله على رأسه أو تلف من عثرته، والحمال يضمن ما تلف من يده أو جذفه أو ما يعالج به السفينة. وروي ذلك أن عمر وعلي وعبد الله بن عتبة وشريح والحسن والحكم، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي، وقال في الآخر لا يضمن ما لم يتعد (2) .
ظاهر كلام الخرقي أنه لا فرق بين كون العامل يعمل في ملك نفسه أو ملك مستأجره، أو كان صاحب العمل حاضرا عنده أو غائبا عنه.
وقد ذكر القاضي أنه لو كان حمال يحمل على رأسه ورب المتاع معه فعثر فسقط المتاع، فتلف، ضمن..وإن سرق، لم يضمن، لأنه في العثار تلف بجنايته.
والسرقة ليست من جنايته ورب المال لم يحل بينه وبينه، وهذا يقتضي أن تلفه بجنايته مضمون عليه، سواء حضر رب المال أو غاب، فقد ضمن في السقطة رغم أنها غير مقصودة له، فإذا وجب الضمان مع عدم القصد فضمانه فيما أفسده في محل المؤجر أولى (3) .
(1) مغني المحتاج: 2/351 –352
(2)
المغني: 8/103 –104
(3)
المغني: 3/103 -104
القرار:
عقد الصيانة هو عقد بين مؤسسة اقتصادية أو فرد من جانب، وبين مؤسسة أو فرد من جانب آخر، يتعهد فيه الطرف الثاني بمراقبة الأجهزة والآلات موضوع العقد في فترات دورية محدودة لتقوم بوظائفها دون تعطل أو نقص، كما يتعهد بإصلاح ما تعطب من القطع أو استبدال الجديد بالتالف الذي يدفع ثمنه صاحب المؤسسة؛ ولذا فالعقد هو عقد إجارة مع أجير مشترك من حيث المبدأ. ويجب بأن يراعى في عقود الصيانة الشروط الشرعية المعتبرة في العقد مع الأجير المشترك.
والله أعلم وأحكم، وهو حسبي ونعم الوكيل. نعم المولى ونعم النصير.
الشيخ محمد المختار السلامي
ملاحق البحث:
هذا البحث متبع بنماذج لمختلف عقود الصيانة في المؤسسات في الجمهورية التونسية، مثل عقد لصيانة الطائرات – الخطوط الجوية التونسية، وعقد لصيانة أجهزة الإعلام – الحاسوب -، وعقد لصيانة أجهزة التكييف، وآخر لصيانة أجهزة الاتصال.
عقد لصيانة الطائرات
Cahier des brescriptions techniques & speciales pour les travaux de re revision et de reparation des moteurs ، accessoires etpieces
D17-Jt8-d9 & jt8
Installes sur les boeing b727 & b737-200
De tunisair
_________