الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب التفليس]
لِلْغَرِيمِ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مِنْ تَبَرُّعِهِ، وسَفَرِهِ إِنْ حَلَّ بِغَيْبَتِهِ.
قوله: (وسَفَرِهِ إِنْ حَلَّ بِغَيْبَتِهِ) الضمير فِي سفره يعود عَلَى المديان لا بقيد كونه أحاط الدين بماله؛ ولذلك أطلقه فِي " المدونة " إذ قال فِي السلم الثالث منها: ولك منع غريمك من بعيد السفر الذي يحل دينك قبل قدومه، ولا تمنعه من قريبه الذي يؤوب فِيهِ قبل محل أجل دينك (1). قال بعض الشيوخ: ما لَمْ يوكل من يوفِيهِ. قال ابن عبد السلام: وظاهر " المدونة " أنّه يمنع من بعيد السفر ولا يقبل منه توكيل؛ لكن هذا التقييد متجه إن كَانَ الوكيل ضامناً للحقّ وهو مليّ أو كَانَ للمديان مال يمكن منه القضاء بسهولة عند الأجل. انتهي.
وهو نصّ فِي عدم اختصاصه بمن أحاط الدين بماله، ولعلّ المصنف لَمْ يقيدها بعدم التوكيل اعتماداً عَلَى ما نسب ابن عبد السلام لظاهر " المدونة " عَلَى أنّه أضرب عن نقل هذا الاستظهار فِي " التوضيح ".
وإِعْطَاءِ غَيْرِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ، أَوْ كُلَّ مَا بِيَدِهِ كَإِقْرَارِهِ لِمُتَّهَمٍ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَارِ والأَصَحِّ، لا بَعْضِهِ ورَهْنِهِ، وفِي كِتَابَتِهِ قَوْلانِ.
قوله: (وَإِعْطَاءِ غَيْرِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ، أَوْ كُلَّ مَا بِيَدِهِ) كذا فِي " التوضيح " وَنسب الأول لبعض القرويين والثاني للسيوري (2)، وأصل النقل للمازري ونصه عَلَى اختصار ابن عرفة، قصر السيوري الخلاف [في قضاء] (3) بعض غرمائه عَلَى إمساكه بعض ماله ليعامل به الناس قال: ولو قضى ما بيده بعض غرمائه لَمْ يجز اتفاقاً للمعنى الذي فرق به بين إعتاقه وقضائه بعض غرمائه يعني أن قضاءه بعض غرمائه يؤدي إلى الثقة به فِي معاملته، وإِذَا عومل نمى ماله بِخِلاف إعتاقه.
(1) النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 3/ 76، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 9/ 99.
(2)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 8/ 408.
(3)
في (ن 3): (قضاه).
ثم قال المازري: ونحوه رأيت فِي بعض التعاليق لبعض القرويين: أنّه لو عجّل ديناً لبعض غرمائه قبل حلوله لَمْ يختلف فِي ردّه؛ لأنه لَمْ يعامل عَلَى ذلك، وحكيته فِي بعض الدروس بحضرة بعض المفتين فقال: يردّ من وجه آخر وهو أن قيمة المؤجل أقل من عدده معجلاً، فالزائد عَلَى قيمته هبة تردّ اتفاقاً وهو صحيح. ويبقى النظر: هل يردّ جميعاً أو ما زاد عدده عَلَى قيمته مؤجلاً؟ قال ابن عرفة: فِي جعله (1) إياه محل نظرٍ، نظرٌ؛ لأن ردّ ما زاد يؤدي إلى ضع وتعجل فيزال فاسد لحقّ آدمي بارتكاب فاسد لحقّ الله تعالى، والأخص يمنع ما منع الأعمّ. انتهى.
وتأمل هل يجاب بأن ما تجر إليه الأحكام ليس كالمدخول عَلَيْهِ قصداً.
ولَهُ التَّزَوُّجُ.
قوله: (ولَهُ التَّزَوُّجُ) قال فِي " المقدمات ": " يجوز إنفاقه المال عَلَى عوض فِيمَا جرت العادة بفعله كالتزويج والنفقة عَلَى الزوجة "(2). انتهى. وهذا قبل التفليس، وأما بعده فقال فِي " المدونة ": وليس للمفلس أن يتزوج بالمال الذي فلس فِيهِ وله أن يتزوج فِيمَا بعده (3).
وفِي تَزَوُّجِهِ أَرْبَعاً، وتَطَوُّعِهِ بِالْحَجِّ تَرَدُّدٌ، وفُلِّسَ حَضَرَ أَوْ غَابَ، إِنْ لَمْ يُعْلَمْ مَلاؤُهُ بِطَلَبِهِ.
قوله: (وَفِي تَزَوُّجِهِ أَرْبَعاً، وتَطَوُّعِهِ بِالْحَجِّ تَرَدُّدٌ) لما ذكر فِي " المقدمات " أفعاله قبل التفليس قال: لا يجوز إنفاقه فِيمَا لَمْ تجر العادة بفعله من الكراء فِي حج (4) التطوع وشبهه، وانظر: هل له أن يحجّ حجّة (5) الفريضة من مال غرمائه أم لا؟ ، إن (6) كَانَ يأتي ذلك عَلَى الاختلاف فِي الحج: هل هو عَلَى الفور؟ أو عَلَى التراخي، وهل له أن يتزوج أربع
(1) في (ن 3): (فعله).
(2)
انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 2/ 35.
(3)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 13/ 236.
(4)
في (ن 1): (الحج).
(5)
في (ن 1)، و (ن 2):(حج).
(6)
في (ن 1)، و (ن 3):(وإن).
زوجات؟ وتدبر ذلك (1) انتهى، وإليه أشار بالتَرَدُّدٌ؛ إِلا أن ابن رشد لَمْ يتَرَدُّدٌ فِي حجّ التطوع، وإنما تَرَدُّدٌ فِي حجّة الفريضة، فلعلّ مراد المصنف التطوع بتقديم (2) حجة الفريضة، وسماه تطوعاً باعتبار القول بالتراخي.
تنبيهان:
الأول: معنى قول ابن رشد: " وإن كَانَ يأتي ذلك عَلَى الاختلاف فِي الحج، وهل يأتي ذلك؟ "، وكثيراً ما يستعمل مثل هذا فِي:" المقدمات " وَ " البيان " و " الأجوبة "(3).
الثاني: لما نقل ابن عرفة تَرَدُّد ابن رشد قال: الظاهر منعه من تزويج ما زاد عَلَى الواحدة لقلّته عادة، وكذا طلاقه وتكرر تزويجه لمطلق شهوته.
وإِنْ أَبَى غَيْرُهُ دَيْناً حَلَّ زَادَ عَلَى مَالِهِ، أَوْ بَقِيَ مَا لا يَفِي بِالْمُؤَجَّلِ فَيُمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ، لا فِي ذِمَّتِهِ كَخُلْعِهِ، وطَلاقِهِ، وقِصَاصِهِ، وعَفْوِهِ، وعِتْقِ أُمِّ وَلَدِهِ. وتَبِعَهَا مَالُهَا إِنْ قَلَّ، وحَلَّ بِهِ وبِالْمَوْتِ مَا أُجِّلَ، ولَوْ دَيْنَ كِرَاءٍ، أَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ مَلِيَّاً، وإِنْ نَكَلَ الْمُفَلَّسُ، حَلَفَ كُلٌّ كَهُوَ، وأَخَذَ حِصَّتَهُ، ولَوْ نَكَلَ غَيْرُهُ عَلَى الأَصَحِّ، وقُبِلَ إِقْرَارُهُ بِالْمَجْلِسِ، أَوْ قُرْبِهِ إِنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ بِإِقْرَارٍ لا بِبَيِّنَةٍ، وهُوَ فِي ذِمَّتِهِ.
وقُبِلَ تَعْيِينُهُ الْقِرَاضَ والْوَدِيعَةَ، إِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِ والْمُخْتَارُ قُبُولُ [56 / أ] قَوْلِ الصَّانِعِ بِلا بَيِّنَةٌ، وحُجِرَ أَيْضاً إِنْ تَجَدَّدَ مَالٌ وانْفَكَّ ولَوْ بِلا حُكْمٍ ولَوْ مَكَّنَهُمُ الْغَرِيمُ فَبَاعُوا واقْتَسَمُوا، ثُمَّ دَايَنَ غَيْرُهُمْ، فَلا دُخُولَ لِلأَوَّلِينَ كَتَفْلِيسِ الْحَاكِمِ إِلا كَإِرْثٍ، وصِلَةٍ وأَرْشِ جِنَايَةٍ وبِيعَ مَالُهُ بِحَضْرَتِهِ بِالْخِيَارِ ثَلاثاً ولَوْ كُتُباً، أَوْ ثَوْبَيْ جُمُعَةٍ، إِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُمَا، وفِي بَيْعِ آلَةِ الصَّانِعِ تَرَدُّدٌ وأُوجِرَ رَقِيقُهُ، بِخِلافِ مُسْتَوْلَدَتِهِ، ولا يُلْزَمُ بِتَكَسُّبٍ، وتَسَلُّفٍ واسْتِشْفَاعٍ، وعَفْوٍ لِلدِّيَّةِ، وانْتِزَاعِ مَالِ رَقِيقِهِ أَوْ مَا وهَبَهُ لِوَلَدٍ، وعُجِّلَ بَيْعُ الْحَيَوَانِ واسْتُؤْنِيَ بِعَقَارِهِ، كَالشَّهْرَيْنِ، وقُسِمَ بِنِسْبَةِ الدُّيُونِ بِلا بَيِّنَةِ حَصْرِهِمْ، واسْتُؤْنِيَ بِهِ، إِنْ عُرِفَ
(1) انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 2/ 35.
(2)
في (ن 3): (بتقدم).
(3)
هي: أسماء لثلاثة كتب لابن رشد، كثر هنا الإحالة عليها من المؤلف، فالأول هو:(المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات، والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات)، والثاني هو:(البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة)، والثالث هو:(الأسئلة والأجوبة).
بِالدَّيْنِ فِي الْمَوْتِ فَقَطْ، وقُوِّمَ مُخَالِفُ النَّقْدِ يَوْمَ الْحِصَاصِ، واشْتُرِيَ لَهُ مِنْهُ بِمَا خَصَّهُ، ومَضَى إِنْ رَخُصَ أَوْ غَلا، وهَلْ يُشْتَرَى فِي شَرْطِ جَيِّدٍ أَدْنَاهُ أَوْ وَسَطُهُ؟ قَوْلانِ. وجَازَ الثَّمَنُ، إِلا لِمَانِعٍ كَالاقْتِضَاءِ وحَاصَّتِ الزَّوْجَةُ بِمَا أَنْفَقَتْ، وبِصَدَاقِهَا كَالْمَوْتِ، لا بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ.
قوله: (فَيُمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ) هذا هو المذهب، وأما قول ابن الحاجب: وفِي معاملته ثالثها بالنقد لا بالنسيئة، ورابعها بما يبقى لا بما يذهب (1). فقال فِيهِ ابن عبد السلام يعني: أن فِي صحة معاملة المفلس أربعة أقوال:
الأول: الصحة مُطْلَقاً، ومقابله، والثالث:[84 / أ] يصح إِذَا كَانَ ما يأخذه المفلس نقداً، ولا يصحّ إِذَا كَانَ مؤجلاً، والرابع: يصحّ إِذَا كَانَ ما يأخذه مما لا يسرع إليه التلف؛ ولكنه يبقى عادة كالربع.
قال: ولست عَلَى وثوق من نسبة هذه الأقوال إلى المذهب، بل رأيت من الحُفّاظ من ينكرها، والمنع (2) هو الذي يُعرف فِي المذهب؛ ولأجل ذلك حجر عَلَى المفلس، ولو كَانَ يصّح بيعه وشراؤه ما كَانَ للحجر عَلَيْهِ كبير فائدة، وإنما حكيت هذه الأقوال فِي مستغرق الذمة بالحرام والغصب عَلَى القول بأن حكمه حكم من أحاط الدين بماله لا حكم المفلس وهو الأَظْهَر.
ومنهم من رأى حكمه حكم المفلس فمنع من معاملته مُطْلَقاً، هكذا حرره بعض المحققين من الشيوخ، وكذا أنكر ابن عرفة نقل ابن الحاجب وقال: من أمعن النظر والبحث علم ضرورة عدم وجودها فِي المذهب، وكلّ المذهب عَلَى وقف تصرفه عَلَى نظر الحاكم رداً وإمضاءً، وهذا هو نقل اللخمي والمازري وابن رشد وغيرهم من حفاظ المذهب، فالله تعالي أعلم من أين أتي هذا الرجل بهذه الأقوال.
(1) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:381.
(2)
زاد في (ن 1): (عادة كالربع ولست عَلَى وثوق من نسبة هذه الأقوال إلى المذهب)، وهو مختلط بسابقه على الناسخ.
وقال فِي " التوضيح " الذي اقتصر عَلَيْهِ اللخمي والمازري وابن شاس أن بيعه وشراءه [لا يمضي](1)، وفِي " الجلاب ": أن بيع المفلس وشراءه جائز ما لَمْ يجاب (2)، ولم أقف عَلَى غير هذين القولين عَلَى أن بعض شراح " ابن الجلاب " تأوله بأن مراده من ظهر عَلَيْهِ الفلس قبل أن [(3) يحجر الحاكم عَلَيْهِ (4).
…
وإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ أَوِ اسْتُحِقَّ مَبِيعٌ وإِنْ قَبْلَ فَلَسِهِ رُجِعَ بِالْحِصَّةِ كَوَارِثٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ، وإِنِ اشْتَهَرَ مَيِّتٌ بِدَيْنٍ، أَوْ عَلِمَ وَارِثُهُ وأَقْبَضَ رُجِعَ عَلَيْهِ، وأُخِذَ مَلِيءٌ عَنْ مُعْدِمٍ، مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا قَبَضَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ، وفِيهَا الْبَدَاءَةُ بِالْغَرِيمِ، وهَلْ خِلافٌ، أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ؟ تَأْوِيلانِ، فَإِنْ تَلِفَ نَصِيبُ غَائِبٍ عُزِلَ لَهُ فَمِنْهُ كَعَيْنٍ وُقِفَ لِغُرَمَائِهِ، لا عَرْضٍ وهَلْ إِلا أَنْ يَكُونَ بِكَدَيْنِهِ؟ تَأْوِيلانِ، وتُرِكَ لَهُ قُوتُهُ، والنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ لِظَنِّ يُسْرَتِهِ وكِسْوَتُهُمْ كُلٌّ دَسْتاً مُعْتَاداً، ولَوْ وَرِثَ أَبَاهُ بِيعَ لا وُهِبَ لَهُ، إِنْ عَلِمَ وَاهِبُهُ أنّه يُعْتَقُ عَلَيْهِ.
قوله: (وَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ أَوِ اسْتُحِقَّ مَبِيعٌ وإِنْ قَبْلَ فَلَسِهِ رُجِعَ بِالْحِصَّةِ كَوَارِثٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ، وإِنِ اشْتَهَرَ مَيِّتٌ بِدَيْنٍ، أَوْ عَلِمَ وَارِثُهُ وأَقْبَضَ رُجِعَ عَلَيْهِ، وأُخِذَ مَلِيءٌ عَنْ مُعْدِمٍ، مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا قَبَضَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ،، وفِيهَا الْبَدَاءَةُ بِالْغَرِيمِ، وهَلْ خِلافٌ، أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ؟ تَأْوِيلانِ).
اشتمل هذا الكلام عَلَى ثلاثة أقسام:
الأول: طروء الغريم عَلَى الغرماء، وهو المراد بقوله:(وإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ أَوِ اسْتُحِقَّ مَبِيعٌ وإِنْ قَبْلَ فَلَسِهِ رُجِعَ بِالْحِصَّةِ).
الثاني: طروء الوارث [على الوارث](5) أو الموصي له عَلَى الموصى له، وهو المراد بقوله:(كَوَارِثٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ).
(1) ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 1)، و (ن 2) وانظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 2/ 785.
(2)
انظر: التفريع، لابن الجلاب: 2/ 267.
(3)
من هنا ساقط من (ن 2).
(4)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 8/ 408، 409.
(5)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 4).
الثالث: طروء الغريم عَلَى الوارث، والوارث ضربان: مقبض لغيره من الغرماء وقابض لنفسه، وقد أشار إلى الوارث المقبض بقوله:(وإِنِ اشْتَهَرَ مَيِّتٌ بِدَيْنٍ، أَوْ عَلِمَ وَارِثُهُ وأَقْبَضَ رُجِعَ عَلَيْهِ)، وإلى الوارث القابض بقوله:(وأُخِذَ مَلِيءٌ عَنْ مُعْدِمٍ، مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا قَبَضَهُ)، وباقي كلامه خاصٌّ بالوارث المقبض.
فإن قلت: وأي قرينة تصرفه للمقبض دون القابض؟
قلت: ذكر الرجوع عَلَى الغريم يعين ذلك، فإن الدافع للغريم هو المقبض دون القابض. وبالله تعالى التوفيق.
وحُبِسَ لِثُبُوتِ عُسْرِهِ، إِنْ جُهِلَ حَالُهُ ولَمْ يَسْأَلِ الصَّبْرَ لَهُ بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ.
[قوله: (ولَمْ يَسْأَلِ الصَّبْرَ لَهُ) أي لثبوت عسره، واللام لانتهاء الغاية](1).
فَغَرِمَ، إِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ ولَوْ أُثْبِتَ عُدْمُهُ.
قوله: (فَغَرِمَ، إِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ ولَوْ أُثْبِتَ عُدْمُهُ) اختار المصنف هنا قول ابن رشد فِي: " المقدمات ": يغرم الحميل لتعذر اليمين اللازمة للغريم، وقال فِي باب: الحمالة: لا إن أثبت عدمه، فاقتصر عَلَى قول اللخمي: لا يغرم؛ لأن اليمين بعد ثبوت الفقر أنّه لَمْ يكتم شيئاً استحسان، إِلا أن يكون ممن يظن أنّه يكتم، وقد ذكر الطريقتين هنا فِي " التوضيح "(2) وكذلك ابن عرفة.
أَوْ ظَهَرَ مَلاؤُهُ إِنْ تَفَالَسَ، وإِنْ وَعَدَ بِقَضَاءٍ وسَأَلَ تَأْخِيرَ كَالْيَوْمِ أَعْطَى حَمِيلاً بِالْمَالِ، وإِلا سُجِنَ كَمَعْلُومِ الْمَلاءِ وأُجِّلَ لِبَيْعِ عَرْضِهِ إِنْ أَعْطَى حَمِيلاً بِالْمَالِ، [وَإِلا سُجِنَ](3). وَفِي حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ النَّاضِّ تَرَدُّدٌ.
قوله: (أَوْ ظَهَرَ) معطوف عَلَى (إن جهل).
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(2)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 8/ 451.
(3)
ما بين المعكوفتين زيادة من: المطبوعة.
وإِنْ عُلِمَ بِالنَّاضِّ. لَمْ يُؤَخَّرْ، وضُرِبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وإِنْ شُهِدَ بِعُسْرِهِ أنّه لا يُعْلَمُ (1) لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، ولا بَاطِنٌ، حَلَفَ كَذَلِكَ وزَادَ وإِنْ وَجَدَ لَيَقْضِيَنَّ وأُنْظِرَ.
قوله: (وَإِنْ شُهِدَ بِعُسْرِهِ أنّه لا يُعْلَمُ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، ولا بَاطِنٌ، حَلَفَ كَذَلِكَ وزَادَ وإِنْ وَجَدَ لَيَقْضِيَنَّ وأُنْظِر) فهم من قوله: (لا يعلم) أن الشهادة عَلَى العلم لا عَلَى البتّ، وكذا نصّ عَلَيْهِ ابن رشد فِي رسم نقدها من سماع عيسى. زاد ابن عات: ولا يعلمونه تبدلت حالته بغيرها إلى حين إيقاعهم شهادتهم فِي هذا الكتاب.
ابن رشد: فإن قال الشهود أنّه فقيرٌ عديمٌ لا مال له ظاهراً ولا باطناً ففي بطلانها قَوْلانِ بناءً عَلَى حملها عَلَى ظاهرها عَلَى البتّ أو عَلَى العلّم، ولو نصّوا عَلَى البتّ والقطع لبطلت.
وفهم من قوله: (حلف كذلك) أنّه يحلف أَيْضاً عَلَى العلم لا عَلَى البتّ، وقد قال فِي " توضيحه ":" وإِذَا حلف المطلوب فقال أبو عمران يحلف عَلَى البت، وقال غيره: عَلَى العلّم، إذ قد يكون ملك [مالاً من إرثٍ أوهبةٍ ولم يعلم به. "(2) انتهى. والذي فِي " المقدمات ": أنّه إنما وجب استحلافه؛ لأن البينة لا تشهد] (3) إِلا عَلَى العلّم لا القطع، وفائدة قوله:(وإن وجد ليقضين) تظهر فِيمَا إِذَا ادعى الطالب عَلَيْهِ أنّه أفاد مالاً، ولم يأت ببينة فإنه لا يمين له عَلَيْهِ؛ لتقدم هذه اليمين قاله فِي " المقدمات " أَيْضاً، ولولا هذا لأحلفه كل يوم، قاله المتيطي.
وحَلَّفَ الطَّالِبَ إِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ عِلْمَ الْعُدْمِ. وإِنْ سَأَلَ تَفْتِيشَ دَارِهِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ، ورُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمَلاءِ إِنْ بَيَّنَتْ، وأُخْرِجَ الْمَجْهُولُ إِنْ طَالَ حَبْسُهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، والشَّخْصِ.
قوله: (وَحَلَّفَ الطَّالِبَ إِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ [عِلْمَ الْعُدْمِ] (4)) كذا قال المتيطي وغيره، واختصر ابن عرفة: إن زعم المدين علم ربّ الدين عدمه لزمته اليمين أنّه ما يعلم عدمه،
(1) في أصل المختصر، والمطبوعة:(يعرف).
(2)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 8/ 455.
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(4)
في (ن 2): (عدم العلم).
فإن نكل حلف المدين، وقاله غير واحدٍ من الفقهاء، وبه كَانَ يفتي ابن الفخار، قال ابن عرفة: وكَانَ بعض قضاة بلدنا تونس لا يحكم بهذه اليمين، [84 / ب] وهو حسن فيمن لا يظن به علم حال المدين لبعده عنه.
وحُبِسَ النِّسَاءُ عِنْدَ أَمِينَةٍ، أَوْ ذَاتِ أَمِينٍ [56 / ب]، والسَّيِّدُ لِمُكَاتِبِهِ، والْجَدُّ، والْوَلَدُ لأَبِيهِ، لا عَكْسُهُ كَالْيَمِينِ إِلا الْمُنْقَلِبَةِ والْمُتَعَلِّقُ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ، ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كَالأَخَوَيْنِ.
قوله: (وَحُبِسَ النِّسَاءُ عِنْدَ أَمِينَةٍ، أَوْ ذَاتِ أَمِينٍ) أي: عند أمينة أيم أو ذات زوج أمين. فالعطف عَلَى محذوف، وقد صرّح بذلك ابن الحاجب فقال: وتؤتمن عَلَيْهِنّ أمينة أيم، أو ذات زوجٍ مأمون (1).
والزَّوْجَيْنِ إِنْ خَلا، ولا يَمْنَعُ مُسْلِماً وخَادِماً.
قوله: (وَالزَّوْجَيْنِ إِنْ خَلا) كذا نصّ عَلَيْهِ محمد: إِذَا سجنا معاً فِي حقٍ عَلَيْهِما.
بِخِلافِ زَوْجَةٍ. وَأُخْرِجَ لِحَدٍّ. أَوْ ذِهَابِ عَقْلِهِ لِعَوْدِهِ. وَاسْتُحْسِنَ بِكَفِيلٍ بِوَجْهِهِ لِمَرَضِ أَبَوَيْهِ. وَوَلَدِهِ. وأَخِيهِ وقَرِيبٍ جِدَّاً لِيُسَلِّمَ لا جُمْعَةٍ. وَعِيدٍ. وَعَدُوٍّ. إِلا لِخَوْفِ قَتْلِهِ. أَوْ أَسْرِهِ. ولِلْغَرِيمِ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ الْمُحَازِ عَنْهُ فِي الْفَلَسِ لا الْمَوْتِ. ولَوْ مَسْكُوكاً. أَوْ آبِقاً. ولَزِمَهُ إِنْ لَمْ يَجِدْهُ إِنْ لَمْ يَفِدْهُ غُرَمَاؤُهُ. ولَوْ بِمَالِهِمْ. وأَمْكَنَ لا بُضْعٌ. وعِصْمَةٌ. وقِصَاصٌ. ولَمْ يَنْتَقِلْ لا إِنْ طُحِنَتِ الْحِنْطَةُ. أَوْ خُلِطَ بِغَيْرِ مِثْلٍ. أَوْ سُمِّنَ زُبْدُهُ، أَوْ فُصِّلَ ثَوْبُهُ أَوْ ذُبِحَ كَبْشُهُ، أَوْ تَتَمَّرَ رُطَبُهُ، كَأَجِيرِ رَعْيٍ، ونَحْوِهِ وذي حَانُوتٍ فِيمَا بِهِ.
قوله: (بِخِلافِ زَوْجَةٍ) أي: فلا تدخل عَلَيْهِ إِذَا سجن. قاله سحنون، وليس قول سحنون عند المصنف بِخِلاف لقول محمد فوقه؛ إذ لَمْ يتواردا عَلَى محلٍ واحد، عَلَى أن ابن رشد قد قال فِي " نوازل " سحنون: قول محمد للزوجين أن يجتمعا فِي السجن خلاف قول سحنون: ليس له أن تدخل إليه امرأته، وقول سحنون أظهر (2)، وقبله ابن عرفة.
(1) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص: 383، وله بدل (أمينة)، (مأمونة).
(2)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 561.
ورَادٍّ لِسِلْعَةٍ بِعَيْبٍ.
قوله: (ورَادٍّ لِسِلْعَةٍ بِعَيْبٍ) يعني إِذَا ردّ السلعة بعيبٍ] (1) ففلس البائع قبل أن يردّ إليه الثمن، فوجد المبتاع السلعة قائمة بيد البائع المفلس فإنه يكون أحقّ بها من الغرماء إن شاء عَلَى القول بأن الردّ بالعيب ابتداء بيع، وأما عَلَى القول بأنه نقض بيع فلا يكون له إليها سبيل (2)، هذا نصّ " المقدمات "، وعَلَيْهِ ينبغي أن يحمل كلام المصنف وإن أردت الزيادة فقف عَلَى باقي نصّ " المقدمات " وَعَلَى ما فِي سماع عيسى فِي كتاب " المديان والتفليس "(3) وعَلَى معارضة ابن عرفة له بما للخمي.
وإِنْ أُخِذَتْ عَنْ دَيْنٍ وهَلِ الْقَرْضُ كَذَلِكَ، وإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ مُقْتَرِضُهُ، أَوْ كَالْبَيْعِ؟ خِلافٌ، ولَهُ فَكُّ الرَّهْنِ، وحَاصَّ بِفِدَائِهِ. لا بِفِدَاءِ الْجَانِي.
قوله: (وَإِنْ أُخِذَتْ عَنْ دَيْنٍ) تصوره ظاهر ولم أقف عَلَيْهِ لمن قبله إِلا فِي مسألة البيع الفاسد التي ذكر فِيهَا بعد هذا ثلاثة أقوال.
ونَقْضُ الْمُحَاصَّةِ إِنْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ.
[(4) قوله: (وَنَقْضُ الْمُحَاصَّةِ إِنْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ) هذه مسألة مستقلة؛ لأن نقض المحاصّة يقتضي ردّ الحصّة وأخذ السلعة.
ورَدُّهَا، والْمُحَاصَّةُ بِعَيْبٍ سَمَاوِيٍّ، أَوْ مِنْ مُشْتَرِيهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ [إن لَمْ يأخذ أرشاً](5)، أَوْ أَخَذَهُ وعَادَ لِهَيْئَتِهِ.
قوله: (وَرَدُّهَا، والْمُحَاصَّةُ بِعَيْبٍ سَمَاوِيٍّ، أَوْ مِنْ مُشْتَرِيهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ [إن لَمْ يأخذ] (6)
(1) إلى هنا ينتهى ما سقط من: (ن 2) المشار إليه قبل في قوله: (أن يحجر الحاكم عليه).
(2)
انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 2/ 44.
(3)
انظر: ما في سماع عيسى، من كتاب المديان والتفليس، من كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده: البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 439، 440، ونص المسألة:(وقال في عبد بيع، فباعه مشتريه ثم فلس، وقد خرج عن مكله، فحاص بالثمن، ثم وجد بالعبد عيباً فردّه، فقال: أنا آخذه وأردّ ما أخذت؟: إن ذلك له).
(4)
من هنا يبدأ سقط من: (ن 3).
(5)
في أصل المختصر والمطبوعة: (لَمْ يَأْخُذْ أَرْشَهُ).
(6)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، وفي (ن 3):(إن لم يأخذها).
أَوْ أَخَذَهُ وعَادَ لِهَيْئَتِهِ) أي: وله أن يردّ السلعة ويحاصّ بجميع ثمنها بسبب وجود عيب سماوي وما عطف عَلَيْهِ.
وإِلا فَبِنِسْبَةِ نَقْصِهِ ورَدُّ بَعْضِ ثَمَنٍ قُبِضَ، وأَخْذُهَا، وأَخْذُ بَعْضِهِ، وحَاصَّ بِالْفَائِتِ كَبَيْعِ أُمٍّ وَلَدَتْ، وإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ بَاعَ الْوَلَدَ، فَلا حِصَّةَ، وأَخَذَ الثَّمَرَةَ، والْغَلَّةَ، إِلا صُوفاً تَمَّ، وثَمَرَةً مُؤَبَّرَةً، وأَخَذَ الْمُكْرِي دَابَّتَهُ، وأَرْضَهُ، وقُدِّمَ فِي زَرْعِهَا فِي الْفَلَسِ. ثُمَّ سَاقِيهِ. ثُمَّ مُرْتَهِنُهُ والصَّانِعُ أَحَقُّ، ولَوْ بِمَوْتٍ بِمَا بِيَدِهِ، وإِلا فَلا. إِنْ لَمْ يُضِفْ لِصَنْعَتِهِ شَيْئاً إِلا النَّسْجَ، فَكَالْمَزِيدِ يُشَارِكُ بِقِيمَتِهِ والْمُكْتَرِي بِالْمُعَيَّنَةِ، وبِغَيْرِهَا إِنْ قُبِضَتْ، ولَوْ أُدِيرَتْ ورَبُّهَا بِالْمَحْمُولِ وإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَا لَمْ يَقْبِضْهُ رَبُّهُ. وفِي كَوْنِ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِالسِّلْعَةِ يُفْسَخُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ، أَوْ لا أَوْ فِي النَّقْدِ؟ أَقْوَالٌ. وهُوَ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ، وبِالسِّلْعَةِ إِنْ بِيعَتْ بِسِلْعَةٍ واسْتُحِقَّتْ.
قوله: (وَإِلا فَبِنِسْبَةِ نَقْصِهِ) أي: وإن لَمْ يكن أحد الوجوه الأربعة حاصّ بنسبة نقصه إن شاء.
وقُضِيَ بِأَخْذِ الْمَدِينِ الْوَثِيقَةَ أَوْ تَقْطِيعِهَا، لا صَدَاقٍ قُضِيَ، ولِرَبِّهَا رَدُّهَا إِنِ ادَّعَى سُقُوطَهَا.
قوله: (وَقُضِيَ بِأَخْذِ الْمَدِينِ الْوَثِيقَةَ أَوْ تَقْطِيعِهَا، لا صَدَاقٍ قُضِيَ، ولِرَبِّهَا رَدُّهَا إِنِ ادَّعَى سُقُوطَهَا) هذه المسائل مشروحة آخر رهون المتيطية.
ولِرَاهِنٍ بِيَدِهِ رَهْنُهُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ.
قوله: (وَلِرَاهِنٍ بِيَدِهِ رَهْنُهُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ) كذا فِي " المدونة "(1).
(1) قال في مواهب الجليل: (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الْمُرْتَهِنُ بِدَفْعِ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ وَادَّعَى أَنَّهُ تَلِفَ لَهُ وسَقَطَ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَوْلًا وَاحِدًا إذَا كَانَ قِيَامُهُ عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ وقَالَ قَبْلَهُ: ولَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ إذَا طَالَ الْأَمْرُ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ وهَكَذَا نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، ونَصُّهُ: " فِي الْمُتَيْطِيَّةِ " ولَوْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ قَدْ أَخَذَ مِنْ الْغَرِيمِ رَهْنًا، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَادَّعَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ الرَّهْنَ، ولَمْ يُوفِهِ الْغَرِيمُ حَقَّهُ، وقَالَ الْغَرِيمُ: لَمْ يَدْفَعْ لِي رَهْنِي إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ دَيْنَهُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: أَرَى أَنْ يَحْلِفَ الرَّاهِنُ، ويَسْقُطَ عَنْهُ مَا ادَّعَى بِهِ رَبُّ الدَّيْنِ وكَذَلِكَ لَوْ أَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ، وقَالَ: دَفَعْت إلَيْهِ الرَّهْنَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَنِي بِحَقِّي فَلَمْ يَفْعَلْ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ خِلَافَ مَا فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ إذَا كَانَ قِيَامُهُ عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ، ولَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ إذَا طَالَ الْأَمْرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ والْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ ولَوْ لَمْ يُقِرَّ الْمُرْتَهِنُ بِدَفْعِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وادَّعَى أَنَّهُ تَلِفَ لَهُ، أَوْ سَقَطَ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَوْلًا وَاحِدًا إذَا كَانَ قِيَامُهُ عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ)، وانظر: المدونة: 14/ 306.
كَوَثِيقَةٍ زَعَمَ رَبُّهَا سُقُوطَهَا.
قوله: (كَوَثِيقَةٍ زَعَمَ رَبُّهَا سُقُوطَهَا) المتبادر أنّه مناقض لما فوقه؛ ولعلّك تلتمس له مخرجاً يساعد المنصوص ويزيل التناقض. نعم لو شبه مسألة الرهن بوثيقة ممحوة، زعم ربّها أنّه إنما محاها لظن القضاء، لكان ذلك حسناً، فقد وقع فِي رسم العرية من سماع عيسى من كتاب:" المديان والتفليس ": سئل عن رجلٍ قام بذكر حقٍ له ممحو عَلَى رجلٍ، فطلب منه ما فِيهِ وأقام عَلَيْهِ بما فِيهِ البينة، فادعى الغريم أنّه قد قضاه إياه ومحاه عنه، فهل يلزمه الحقّ أو ما ترى؟
فقال ابن القاسم: يلزمه الحقّ إِذَا ثبتت البينة ويحلف بالله ما قضاه ولا محاه عنه.
وعن رجلٍ قام بذكر حقٍ ممحو عَلَى رجلٍ، وأقرّ صاحب ذكر الحقّ أنّه محاه، وظنّ أنّه قد قضاه وله بينة عَلَى ما فِيهِ، وقال الغريم قد قضيته وما محاه إِلا عن قبض فما ترى؟ قال ابن القاسم: يحلف الغريم بالله لقد قضاه ولا شيء عَلَيْهِ، وهذه مخالفة للأولى؛ لأن هذا [أقرّ له](1) بأنه محاه، قال ابن رشد: الفرق بين المسألتين بيّن عَلَى ما قاله، ولا اختلاف فِي المسألة الأولى، وأما الثانية فيتخرج فِيهَا بالمعنى اختلاف حسبما ذكرته أول رسم من سماع ابن القاسم " انتهى. وقصدنا منه المسألة الثانية. وانظر ثالثة مسائل سماع ابن القاسم، من الكتاب المذكور (2).
ولَمْ يَشْهَدْ شَاهِدَاهَا إِلا بِهَا.
قوله: (وَلَمْ يَشْهَدْ شَاهِدَاهَا إِلا بِهَا) الظاهر إنها جملة مستأنفة لا حالية (3)؛ وعَلَى هذا فالمعنى: ولا يجوز أن يشهد شاهداً وثيقة الدين بما فِيهَا إِلا بحضورها. قال المتيطي: قال أبو عمر فِي كافِيهِ: وإِذَا كتب الشاهد شهادته فِي ذكر الحقّ، وطولب بها وزعم المشهود عَلَيْهِ أنّه قد ودى ذلك الحقّ لَمْ يشهد الشاهد حَتَّى يؤتى بالكتاب الذي فِيهِ شهادته بخطّه؛ لأن
(1) في (ن 1): (لقوله).
(2)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 428، وانظر: ما أحال عليه وقول ابن رشد فيها: 10/ 354.
(3)
في (ن 3): (جدلية).
الذي عَلَيْهِ أكثر الناس أخذ الوثائق إِذَا أدوا (1) الدّيون، وقد اختلفوا: إِذَا أحضر المديان الوثيقة وقال: إنها لَمْ تصل إليه إِلا بدفع ما فِيهَا، وقال ربّ الدين سقطت منّي؟.
فقيل: يشهد له؛ لإمكان ما ذكره، وقيل لا يشهد له؛ لأن ربّ الدين لَمْ يأت بما يشبهه فِي الأغلب؛ لأن الأغلب دفع الوثيقة إلى من هي عَلَيْهِ إِذَا أدى الدين، وأما الحاكم فيجتهد فِي ذلك إن شهد عنده، وفِي كتاب ابن حبيب:" ومن زعم أنّ صكّه بالحقّ ضاع منه، وسأل الشاهد أن يشهد له بما حفظه منه فذلك له إن حفظ ذلك. قاله مطرف. وقال ابن الماجشون: [85 / أ] لا يشهد له ". انتهى.
وجعل الشارح الجملة حاليّة؛ لأنه قال فِي " الصغير ": والحكم فِي الوثيقة، يزعم ربّها سقوطها، وأبى شاهداها أن يشهدا إِلا بها: كذلك، أما إِذَا شهدت البينة بغير الوثيقة فلا احتياج إليها ". انتهى، وكأنه فهم أنّ هذه الساقطة لَمْ تصل ليد المديان فلا تناقض ما قبلها. فليتأمل] (2).
(1) في (ن 1): (ادعوا).
(2)
إلى هنا ينتهي ما سقط من: (ن 3).