الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب المطعومات]
عِلَّةُ طَعَامِ الرِّبَا اقْتِيَاتٌ وادِّخَارٌ (1). وهَلْ لِغَلَبَةِ [48 / أ] الْعَيْشِ؟ تَأْوِيلانِ، كَبُرٍّ (2) وشَعِيرٍ، وسُلْتٍ، وهِيَ جِنْسٌ؟ وعَلَسٍ، وأُرُزٍّ، ودُخْنٍ، وذُرَةٍ، وهِيَ أَجْنَاسٌ، وقُطْنِيَّةٍ، ومِنْهَا كِرْسِنَّةٌ، وهِيَ أَجْنَاسٌ. وتَمْرٍ، وزَبِيبٍ، ولَحْمِ طَيْرٍ، وهُوَ جِنْسٌ. ولَوِ اخْتَلَفَتْ مَرَقَتُهُ كَدَوَابِّ الْمَاءِ، وذَوَاتِ الأَرْبَعِ، وإِنْ وَحْشاً، والْجَرَادِ. وَفِي رِبَوِيَّتِهِ خِلافٌ وفِي جِنْسِيَّةِ الْمَطْبُوخِ مِنْ جِنْسَيْنِ قَوْلانِ، والْمَرَقُ، والْعَظْمُ، والْجِلْدُ كَهُوَ.
قوله: (كَبُرٍّ وشَعِيرٍ، وسُلْتٍ، وهِيَ جِنْسٌ). المازري: لَمْ يختلف المذهب أن القمح والشعير جنسٌ وَاحد، ورأي السيوري أنهما جنسان، ووافقه على ذلك بعض من أخذ عنه.
ابن عرفة: قال غير المازري هو عبد الحميد الصائغ قال: وفِي إجراء قول السيوري فِي السلت نظر، والأَظْهَر عدمه؛ لأنه أقرب للقمح من الشعير.
ويُسْتَثْنَى قِشْرُ بَيْضِ النَّعَامِ، وذُو زَيْتٍ كَفُجْلٍ، والزُّيُوتُ أَصْنَافٌ كَالْعُسُولِ، لا الْخُلُولِ، والأَنْبِذَةِ.
قوله: (وذُو زَيْتٍ كَفُجْلٍ) مما اندرج فيه الكتان، وقد قال ابن عرفة: وفِي كون بزر الكتان ربوياً رواية زكاته، ونقل اللَّخْمِيّ عن ابن القاسم: لا زكاة فيه إذ ليس بعيش. القرافي: وهو ظاهر المذهب. انتهى (3)، ثم قال بعد بنحو خمسة أوراق قال ابن حارث: اتفقوا فِي كل زيت يؤكل أنه ربوي وأجاز ابن القاسم التفاضل فِي زيت الكتان؛ لأنه لا يؤكل وقال أشهب: لا يباع قبل قبضه.
المارزي: قال بعض أشياخي: إن دهن اللوز غير ربوي؛ لأنه لا يستعمل غالباً عندنا إِلا دواءً (4) وهو بعيد عن أصل المذهب، لأن بعض القوت والإدام يترك أكلها لغلائها، ودهن الورد والياسمين والبنفسج ونحوها، إنما يتخذ دواء فتخرج عن حكم الطعام عند بعض أشياخي.
(1) في أصل المختصر: (الدِّخَار)، والمثبت في المطبوعة، وغالب الشروح.
(2)
في أصل المختصر: (كحب).
(3)
انظر الذخيرة، للقرافي: 75، 76.
(4)
في (ن 2): (إلا دواء عندنا).
ابن عرفة: ما ذكره عن بعض أشياخه هو نصّ اللَّخْمِيّ، وقولهما فِي زيت الورد ونحوه يقتضي عدم وقوفهما عليه للمتقدمين. وفي رسم أسلم، من سماع عيسي، من ابن القاسم، من كتاب السلم والآجال: لا يعجبني الزنبق والخيري (1) بعضه ببعض إلى أجل متفاضلاً؛ لأن منافعه واحدة. ابن رشد: هذه أدهان حكم لها بحكم [الصنف](2) الواحد على أصله فِي مراعاة المنافع دون الأسماء (3).
والأَخْبَازِ، ولَوْ بَعْضُهَا قُطْنِيَّةً إِلا الْكَعْكَ بِأَبْزَارٍ، وبَيْضٍ، وسُكَّرٍ، وعَسَلٍ.
قوله: (والأَخْبَازِ، ولَوْ بَعْضُهَا قُطْنِيَّةً) هذا المشهور عند ابن رشد وهو خلاف قول ابن جماعة: وأخبازها كأصولها.
ومُطْلَقِ لَبَنٍ، وحُلْبَةٍ وهَلْ إِنِ اخْضَرَّتْ؟ تَرَدُّدٌ. ومُصْلِحُهُ كَمِلْحٍ، وبَصَلٍ، وثُومٍ وتَابِلٍ كَفُلْفُلٍ، وكُزْبَرَةٍ، وكَرَاوِيَا، وآنِيسُونٍ، وشَمَارٍ، وكَمُّونَيْنِ - وهِيَ أَجْنَاسٌ.
قوله: (ومُطْلَقِ لَبَنٍ) هذا المعروف من المذهب، وقال اللَّخْمِيّ فِي كتاب السلم الثالث: يُختلف فِي بيع المخيض بالمخيض، والمضروب بالمضروب متفاضلا لأنهما لا يدخران، [فمن منع](4) التفاضل بينهما منع أن يباع شيء منهما بحليب أو زبد أو سمن أو غيره مما تقدم ذكره؛ لأنه كالرطب باليابس، ومن أجاز التفاضل أجاز بيع أحدهما بأي ذلك أحب من الحليب وغيره. وقال مالك فِي " المدوّنة ": ولا بأس بالسمن باللبن الذي قد أخرج زبده (5)، وهذا لا يصح إِلا على القول أن التفاضل بينهما جائز؛ لأنه كالرطب باليابس، وأرى أن يجوز التفاضل فِي المخيض بالمضروب؛ لأنه مما لا يدخر، ومن منع ذلك حمله على الأصل، والاختلاف فيه كالاختلاف فِي التين [والعنب](6) الشتوى هل
(1) الزنبق: دهن الياسمين، انظر: لسان العرب، لابن منظور: 10/ 146، والخيري نبات أصفر له دهن.
(2)
في (ن 1): (المصنف).
(3)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 7/ 143.
(4)
في (ن 1): (فمنع).
(5)
النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 3/ 81، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 9/ 105.
(6)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
يمنع التفاضل فيه ويحمل على الغالب من جنسه أو يجوز لأنه لا يدخر فِي نفسه، وذكر المازري أخذ هذا من " المدونة " ولم يتعقبه.
وقال ابن بشير فِي كتاب التنبيه: ذكر اللَّخْمِيّ أن المذهب اختلف فِي اللبن المخيض، ولا نجد ذلك فِي المذهب؛ لأن اللبن مقتات وإن لَمْ يدخر [فدوامه كادخاره، والدليل عليه أنه لَمْ يختلف المذهب [68 / أ] أن الربا جار (1) فِي لبن الإبل وإن لَمْ يعمل منه ما يدخر] (2)، وإنما هذا لأنه متكرر الوجود، فأشبه ما يدخر للقوت، وإن اعتذر بأن لبن الإبل يعمل منه المصل (3)، وهو مدخر فهذا غير صحيح؛ لأن المصل صورة نادرة، وأَيْضاً فإنه لا يدخر للقوت بل للتصرف فِي الطبخ كالأباريز.
ولما ذكر ابن شاس ما أخذ اللَّخْمِيّ من " المدونة "، قال: قال أبو الطاهر: فيما عوّل عليه نظر، ولعلّ قوله فِي " المدونة " مبني على أن السمن صيرته النار والصنعة جنساً آخر (4)، ولما ذكر ابن الحاجب تخريج اللَّخْمِيّ قال تبعاً لابن شاس: ورده ابن بشير بأن السمن نقلته الصنعة والنار، ثم زادوهما فإن بعده، فأما بلبن فيه زبد فلا (5).
ابن عبد السلام: هذا الذي ردّ به على ابن بشير فِي غاية الظهور، إذ لو كانت النار والصنعة ناقلتين فِي هذا الموضع لجاز بيع الزبد بالسمن، وبيع اللبن الذي فيه زبد بالسمن؛ لحصول الصنعة والنار فِي السمن، وأما رده على اللَّخْمِيّ فقلق، وإنما يتوجه عليه الردّ أن لو كان تخريج اللَّخْمِيّ فِي كلّ لبن مضروب أو غير مضروب، فأما إذا كان تخريجه فِي المضروب وحده فإنه لا يتناوله أصلاً. انتهى.
وتكلّف فِي " التوضيح " له توجيهاً بعيداً (6). وقال: ابن عرفة: توهيم ابن الحاجب ابن
(1) في (ن 1): (جاز).
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(3)
في (ن 1): (المصلى).
(4)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 1/ 657.
(5)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:345.
(6)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 7/ 279، 280.
بشير بما ذكر من لفظ " المدونة " بيّن، ويجاب بأن مراده بالصنعة مجموع المخض، وما بعده لا ما بعده فقط. وتوهيمه اللَّخْمِيّ وهم. انتهى. وبقيت فيها مباحث (1) بين ابن عبد السلام وابن عرفة، فشأنك بها إن وجدت المكان والإمكان، ومساعدة المذاكرين الأعيان.
لا خَرْدَلٍ، وزَعْفَرَانٍ، وخُضَرٍ (2)، ودَوَاءٍ، وتِينٍ، ومُوزٍ، وفَاكِهَةٍ ولَوِ ادُّخِرَتْ بِقُطْرٍ.
قوله: (لا خَرْدَلٍ، وزَعْفَرَانٍ، وخُضَرٍ، ودَوَاءٍ، وتِينٍ) أما الخردل والخضر فما فيهما معروف، وأما الزعفران فقال ابن عرفة: قال ابن سحنون: اتفق العلّماء أن الزعفران جائز بيعه قبل استيفائه، ونقله ابن يونس بلفظ: أجمع العلّماء أنه ليس بطعام.
وفي " تهذيب الطالب " قال عبد الحقّ: رأيت لابن سحنون من منع سلف زعفران فِي طعامٍ لأجل: يستتاب، فإن لَمْ يتب ضربت عنقه؛ لإجماع الأمة على إجازته (3)، فسألت أبا عمران عن ذلك؟ فقال: إن ثبت عنده ذلك الإجماع بخبر الواحد لَمْ يستتب، وإن ثبت له بطريق يحصل له العلم فذلك يستتاب.
ابن عرفة: الصحيح أن الإجماع الذي يستتاب منكره ما كان قطعياً، وهو ما بلغ عدد قائله عدد التواتر، ونقل متواتراً على خلافٍ فيه.
ثالث الأقوال: إن كان نحو العبادات الخمس، وما نقلوه من الإجماع فِي الزعفران لَمْ أجده فِي كتب الإجماع، ومن أوعبها كتاب الحافظ أبي الحسن بن القطان، ووقفت على نسخةٍ منه بخطه فلم أجده فيها بحال.
وأما الدواء فكالصبر والشاهترج (4)، ومعناه بالعجمية: سلطان العشب، [قيل] (5): وهو المسمى عندنا بقول الصيب.
(1) في الأصل: (مباحيث).
(2)
في أصل المختصر: (وخضر وحس).
(3)
زاد في (ن 2): (سلفة).
(4)
في الأصل، و (ن 1):(والشاهطرج).
(5)
ما بين المعكوفتين زيادة من (ن 1)، و (ن 2)، وفي (ن 3):(وقيل).
وفي " النوادر " قال ابن القاسم فِي حب الغاسول: ليس بطعام وإن كان تأكله الأعراب إذا أجدبوا. وفِي " النوادر " عن ابن حبيب: الحرف دواء، ويجوز بالحلباء إلى أجل متساوياً ومتفاضلاً. انتهى. والحرف هو حبّ الرشاد، وفيه قوة حتى قالوا: اسقه الحرف وألقه من الجرف (1). وقال ابن عرفة من عند نفسه: النارنج غير طعام، والليم طعام.
وأما التين فالبحث فيه معروف، ولكن وقع فِي آخر سماع أصبغ من كتاب السلم والآجال: قال أصبغ: لا بأس ببيع ذكار (2) التين بالتين إلى أجل متفاضلاً وغيره، وهو مثل النوى بالتمر (3). ابن رشد: هذا صحيح؛ لأن الذكار لا يؤكل بحال، فحكمه حكم العرض باتفاق (4). وأمّا التمر بالنوى فاختلف فيه قول مالك؛ من أجل ما فِي التمر من النوى، فأجازه مرة وكرهه مرة وفصّل مرة بين النقد والآجل وشبهه أصبغ به على مذهبه.
وكَبُنْدُقٍ، وبَلَحٍ إِنْ صَغُرَ، ومَاءٍ. وَيَجُوزُ بِطَعَامٍ لأَجَلٍ، والطَّحْنُ، والْعَجْنُ، والصَّلْقُ إِلا التُّرْمُسَ، والتَّنْبِيذُ لا يَنْقُلُ، بِخِلافِ خَلِّهِ.
قوله: (وكَبُنْدُقٍ) لا يخفى اندراج الجوز ونحوه تحت هذه الكاف، وأما البلوط فقال سند ابن عنان: يختلف فيه، [على](5) الخلاف فيما يدّخر نادره، وقبله ابن عرفة.
وطَبْخِ لَحْمٍ بِأَبْزَارٍ، وشَيِّهِ، وتَجْفِيفِهِ بِهَا، والْخُبْزِ، وقَلْيِ قَمْحٍ وسَوِيقٍ.
قوله: (وطَبْخِ لَحْمٍ بِأَبْزَارٍ)(الأبزار) بفتح الهمزة جمع بزر، فيدخل فيه سائر التوابل السابقة، قال اللَّخْمِيّ: قال ابن حبيب فِي القديد والمشوي بيع أحدهما بالآخر [68 / ب]
(1) في (ن 2): (من الجوف).
(2)
في البيان والتحصيل، لابن رشد: بالدال المهملة، وهي في النوادر والزيادات بالذال المعجمة: 6/ 21،، ولم أعثر لها على معنى بالإهمال أو الإعجام، إلا أنها أشبه بأن تكون معجمة لا مهملة، وقد ذكرها صاحب التاج والإكليل عن ابن القاسم بالذال، ونقلها عن أصبغ هو الصحيح.
(3)
في (ن 1): (في الثمر)، وفي (ن 3):(بالثمر).
(4)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 7/ 234.
(5)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2)، و (ن 3).
أو بالنيئ مثلاً بمثل لا يجوز؛ لأنه رطب بيابس (1)، وهذا (2) إذا كان لا أبزار فيهما أو فيهما أبزار، فإن كان الأبزار فِي أحدهما جاز مثلاً بمثل ومتفاضلا. قال ابن حبيب: وذلك إذا غيرته الصنعة بالتوابل والأبزار التي عظمت فيها النفقة (3)، فأما ما طبخ بالماء والملح فلا. قال ابن عرفة: فإن أضيف إلى الماء والملح بصل فقط أو ثوم - فكان بعض شيوخنا يراه معتبراً وهو مقتضى (4) آخر كلام ابن حبيب خلاف مقتضى أوله.
وسَمْنٍ، وجَازَ تَمْرٌ، ولَوْ قَدُمَ بِتَمْرٍ، وحَلِيبٌ، ورُطَبٌ، ومَشْوِيٌّ. وَقَدِيدٌ، وعَفِنٌ، وزُبْدٌ وسَمْنٌ.
قوله: (وسَمْنٍ) عدّ السمن فيما نقلته الصنعة كالجنوح إلى قول ابن بشير وقد تقدّم ما فيه عند قوله: (ومطلق لبن)، وقد عرفت قوله فِي كتاب: السلم الثالث من " المدونة ": ويجوز السمن بلبن أخرج زبده، فأما بلبن فيه زبده فلا يجوز (5). وعليه يحوم المصنف، إِلا أنّ جعله السمن منخرطاً فِي سلك المنقولات بالصنعة يعطي جواز السمن بلبنٍ فيه زبدة، بل وبالزبد وليس كَذَلِكَ، وقد ينفصل عنه بجواب ابن عرفة عن توهيم ابن بشير فراجعه. وبالله تعالى التوفيق.
وَجُبْنٌ وأَقِطٌ بِمِثْلِهَا.
قوله: (وجُبْنٌ وأَقِطٌ بِمِثْلِهَا) فِي " النوادر ": قال ابن حبيب: والجبن كلّه صنف بقريه وغنميه لا يجوز فيه التفاضل، ولا رطبه بيابسه (6).
كَزَيْتُونٍ، ولَحْمٍ، لا رَطْبِهِمَا بِيَابِسِهِمَا، ومَبْلُولٍ بِمِثْلِهِ.
قوله: (كَزَيْتُونٍ، ولَحْمٍ، لا رَطْبِهِمَا بِيَابِسِهِمَا) كذا فِي أكثر النسخ بتثنية الضميرين، فيكون لفظ رطبهما مجروراً عطفاً على ما بعد الكاف، وهو الجاري على اصطلاحه فيما بعد
(1) في الأصل، و (ن 2)، و (ن 3):(يابس).
(2)
في الأصل: (وهل).
(3)
في (ن 2): (المنفعة).
(4)
في (ن 1): (ما اقتضى).
(5)
النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 3/ 81، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 9/ 105.
(6)
انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 6/ 18.
كاف التشبيه، وهو أَيْضاً مناسب لعبارة ابن الحاجب، وفِي بعض النسخ (لا رطبهما بيابسها) بضمير المؤنث العائد على أكثر من اثنين، فيدخل فيه رطب الجبن بيابسه كما تقدّم، والرطب بالتمر كما يأتي وحينئذ يقلق الكلام؛ لأنك إذا عطفت لفظ رطبها على ما بعد الكاف لَمْ يطابقه، وإذا عطفته على المرفوعات قبل الكاف خرج الزيتون واللحم، وإليهما انصبّ معظم القصد، لكن يمكن أن يجعل رطبها فاعلاً بمحذوف من باب عطف الجمل، وفيه تكلّف فكان الضبط الأول أولى.
فأما الزيتون، ففي رسم أوصي أن ينفق على أمهات أولاده (1)، من سماع عيسى، من كتاب جامع البيوع، قال ابن رشد: بيع الزيتون الغضّ الطري بالزيتون الذي قد ذبل وعلم أنه قد نقص كيلاً بكيل، لا خلاف أنه لا يجوز (2). وذكر ابن الحاجب فِي رطبه بيابسه بتحري النقص قولين (3)؛ فقال ابن عرفة: لَمْ أجد من ذكر القولين نصاً فيه، وتخريجهما (4) من غيره واضح. انتهى.
[وو قول](5) صاحب " التوضيح " وَمن تبعه: القَوْلانِ فِي " المدونة " وهم (6)، وأما اللحم فقال فِي " المدونة ": ولا خير فِي اللحم النيء الغريض بقديد يابسٍ أو مشويٍ، لا متساوياً ولا متفاضلاً، وإن تحرى؛ [إذ لا يحاط](7) بتحريه، وإلى هذا رجع مالك وهو أحبّ قوليه إليّ، بعد أن كان أجازه تحرياً (8). وجعل اللَّخْمِيّ شرط بيع اللحم بمثله من جنسه، كون الذبح [فيهما](9) فِي وَقتٍ وَاحد أو متقارب، قال: فإن بعدا أو جفّ الأول لَمْ
(1) في (ن 1): (الأولاد).
(2)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 7/ 395، 396.
(3)
قال ابن الحاجب: (وو يجوز الزيتون بمثله اتفاقاً كاللحم باللحم واختلف في رطبهما بيابسهما بتحرى النقص)
(4)
في (ن 1): (وتخريجها).
(5)
في (ن 3): (وقال).
(6)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 7/ 297.
(7)
في (ن 1): (إلى لا يماط).
(8)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 9/ 110، 111.
(9)
في (ن 1): (فيها).
يجز وَزناً ويختلف فيه على تحري النقص، ويجوز تفضلاً من ربّ الأول إن لَمْ يكن أدنى كالدنانير الناقصة بالوازنة. ابن عرفة منع قطع الدنانير صيّر وزنه كجودته، وقطع اللحم متيسر.
تكميل:
قال اللَّخْمِيّ: لا يجوز الرطب بالتمر مثلا بمثل، ويختلف إذا تحريا نقص الرطب إذا جفّ، وقد اختلف قول مالك فِي بيع الطري من اللحم باليابس على التحرّي، وفِي العجين بالدقيق على التحرّي، وأجاز فِي كتاب محمد رطب الخبز بيابسه على التحري، والمنع فِي جميع ذلك أحسن؛ لأن الفضل فِي ذلك محرّم وإن قلّ، والتحرّي لا يأتي على حقيقة المماثلة، وقد ذكر ابن بشير تخريج اللَّخْمِيّ وقال: ليس كما ظنّه؛ فإن الرطب حالة كماله اليبس، وله يراد، واللحم حال كماله الرطوبة، واليبس تغّير [عن](1) كمال؛ فلذا ألغي فِي أحد القولين، والعجين دقيق أضيف إليه شيء فجاز بيعه بالدقيق، وقبله ابن عبد السلام.
وحاصله التفريق بأن الرطوبة فِي اللحم كمال لا اليبس، وفِي التمر على العكس وكون هذا ردّاً للقياس لا ينهض بل يردّ بأن نفس الرطب من اللحم قد يعود يابساً، فالتحرّي فيه قريب الصدق لإمكان تجربته طرياً ويابساً، وعين الرطب لا تصير تمراً فلا تمكن تلك التجربة (2) فيه، وبأنه قياس فاسد الوضع؛ لأنه فِي معرض النص وتقدّم نحو هذا فِي شحم الميتة.
ولَبَنٍ بِزُبْدٍ، إِلا أَنْ يُخْرَجَ زُبْدُهُ. واعْتُبِرَ الدَّقِيقُ فِي خُبْزٍ بِمِثْلِهِ كَعَجِينٍ بِحِنْطَةٍ أَوْ دَقِيقٍ. وجَازَ قَمْحٌ بِدَقِيقٍ.
قوله: (ولَبَنٍ بِزُبْدٍ، إِلا أَنْ يُخْرَجَ زُبْدُهُ) لو قال ولبن بزبد أو سمن وأسقط ذكر السمن من المنقولات [69 / أ] السابقة لكان أسعد بموافقة " المدونة "(3).
(1) ما بين المعكوفتين زيادة من (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).
(2)
في (ن 1): (التحرية).
(3)
قال في المدونة: (وو يجوز السمن بلبن أخرج زبده، فأما بلبن فيه زبد فلا يجوز) انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 3/ 81، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 9/ 105.
فائدة: أنشد الشيخ أبو الحسن الصغير لبعضهم:
السَّمْنُ والزُّبْدُ والأَجْبَانُ والْأَقِطُ
…
فَالسَّمْنُ بِالزُّبْدِ كُلٌّ لا يَجُوزُ مَعَا
وَالْجُبْنُ بِالأَقِطِ الْمَذْكُورِ بَيْعُهُمَا
…
مُمَاثِلاً ذَاكَ عِنْدِي لَيْسَ مُمْتَنِعَا
إن الْحَلِيبَ بِهَذَا الْكُلِّ مُمْتَنِعٌ
…
وبِالضَّرِيبِ مُبَاحٌ مَا قَدْ امْتَنَعَا
أَمَّا الْحَلِيبُ فَبِالْمَضْرُوبِ بِعْهُ
…
ولا تَبْغِ الزِّيَادَةَ فِي شَيْءٍ فَيَمْتَنِعَا
قال: وما ذكره من جواز بيع الجبن بالأقط متماثلا جاز على مفهوم كلام أبي إسحاق؛ لأنه قال: أما الجبن بالمضروب ففيه اختلاف فمن أجازه فعنده أنه لا يمكن أن يخرج من المضروب جبن بحال، ومن كرهه أمكن أن يخرج منه الأقط عنده، والجبن بالأقط لا يجوز التفاضل فيه فظاهره جواز التماثل فيهما خلاف قول اللَّخْمِيّ: لا يجوز بيع شيء من هذه بالآخر. انتهى.
ولو قال بدلاً من البيتين الأولين:
السَّمْنُ والزُّبْدُ والأَجْبَانُ مَعَ أَقِطٍ
…
لا تبتعن بعضها بالبعض إذ منعا
والجُبْن إن بِعْتَهُ بالمثْلِ منْ أَقِطٍ
…
فَلا يَرَاهُ أَبُو اسْحَاقَ مُمْتَنِعَا
لكان أتمّ وأعمّ، وأسلم من العيب المسمى بالإشارة إلى التصريح، وهو عند أرباب القوافي قبيح جداً كالوهم والخطأ على ما ذكرنا فِي ذيل (الخزرجية).
وهَلْ إِنْ وُزِنَا؟ تَرَدُّدٌ. واعْتُبِرَتِ الْمُمَاثَلَةُ بِمِعْيَارِ الشَّرْعِ، وإِلا فَبِالْعَادَةِ، فَإِنْ عَسُرَ الْوَزْنُ جَازَ التَّحَرِّي إِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَحَرِّيهِ لِكَثْرَتِهِ.
قوله: (وهَلْ إِنْ وُزِنَا؟ تَرَدُّدٌ) قال ابن عبد السلام: لما ذكر ابن القصار قولي مالك فِي بيع القمح بالدقيق جمع بينهما بأن القول بالجواز محمول على الوزن، وأن القول بالمنع محمول على الكيل، وهذا الجمع غير صحيح؛ لأن قائله فسّر قول مالك بما نصّ مالك على خلافه؛ وذلك أن مالكا قال فِي كتاب: الصرف من " المدونة " أنه لا يباع القمح وَزناً (1)، فإذا لَمْ
(1) انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 3/ 121.
يجز بيعه بالدراهم ونحوها مما هو مخالف لجنسه خشية الوقوع فِي الغرر؛ لأنه عدل به عن غير مكياله، فكيف يجوز بيعه وَزناً بما يمتنع التفاضل بينه وبينه وهو دقيقه.
وذكر ابن عرفة نحو هذا عن بعض شيوخه وقال: كنت أجيبه بأنه فِي البيع غرر؛ لأن المعروف فيه الكيل والموزون منه مجهول القدر، فيؤدي إلى جهل قدر المبيع، وفِي المبادلة بين القمحين إنما المقصود اتخاذ قدر ما يأخذ وما يعطي، وهو حاصل فِي الوزن؛ ولذا أجازه اللَّخْمِيّ إذا كانت المماثلة تجوز بالكيل والوزن.
تنبيه:
ذكر الباجي عن " الموازية ": أن القمح بالدقيق يجوز بالرّزم كيلاً قال القباب: يعني أن الدقيق يرزم فِي المد، ويظهر أن هذا القول مشكل لاختلاف الرزم، وقد منعوا الكيل رزماً [للغرر فِي البيع] (1) فكيف بهذا؟. انتهى. وقد سبق ابن عبد السلام لاستشكاله فقال: وفيه نظر؛ لأن البيع بالرزم مكروه، ولو كان بالمخالف فِي الجنس فكيف بهذا؟ وقال ابن عرفة: إن أراد ابن عبد السلام كراهة تنزيه فهو تمسك منه بظاهر سماع ابن القاسم تركه أحبّ إليّ، وابن رشد حمله على الوجوب. قال: وكذا وجدته هنا رزماً بزاي بعد الراء، ويحتمل كون اللفظة (ردماً) بدال بعد الراء، والردم السدّ قاله الجوهري، فيكون مطلق الصب (2).
(1) في (ن 1): (في الغرر للبيع).
(2)
قلت: وفي لسان العرب: (رَزَمَ الشيء يَرْزِمه ويرزمه رَزْماً ورَزَّمه: جمعه في ثوب، وهي الرِّزْمة أَيضاً لما بقي في الجُلَّةِ من التمر، يكون نصفها أَو ثلثها أَو نحو ذلك. وفي حديث عمر: أَنه أَعطى رجلاً جَزائرَ وجعل غرائرَ عليهن فيهن من رِزَمٍ من دقيق، قال شمر: الرِّزْمة قدر ثلث الغِرارة أَو ربعها من تمر أَو دقيق. قال زيد ابن كَثْوة: القَوْسُ قدر ربع الجُلَّة من التمر، قال: ومثلها الرِّزْمة. ورازَمَ بين ضَرْبين من الطعام)، انظر: لسان العرب: 12/ 238، ورزم الشيء جمعه، فعلى هذا فلفظة الرزم أشبه هنا من الردم التي رجّحها ابن عرفة، وأقرّه عليها المؤلف، والسماع المذكور في: البيان والتحصيل، كتاب البيوع، من سماع ابن القاسم، من رسمٍ أوله أخذ يشرب خمراً.