المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[باب القسمة] الْقِسْمَةُ تَهَايُؤٌ فِي زَمَنٍ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْراً، وسُكْنَى دَارٍ - مختصر خليل - ومعه شفاء الغليل في حل مقفل خليل - جـ ٢

[ابن غازي - خليل بن إسحاق الجندي]

فهرس الكتاب

- ‌[باب البيوع]

- ‌[باب الصرف]

- ‌[باب المطعومات]

- ‌[باب البيوع المنهي عنها]

- ‌[باب بيوع الآجال]

- ‌[فصل]

- ‌[باب الردّ بالعيب]

- ‌[باب المرابحة والمداخلة والثمار، والعرية والجائحة والمنازعة]

- ‌[ما يتناوله البيع]

- ‌[اختلاف المتبايعين]

- ‌[باب السلم والقرض والمقاصّة]

- ‌[فصل]

- ‌[أحكام المقاصة]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب التفليس]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الشركة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌[باب الإقرار]

- ‌[باب الاستلحاق]

- ‌[باب الإيداع]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الاستحقاق]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب القسمة]

- ‌[باب القِرَاضِ]

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[فصل كراء الدوابّ والرباع]

- ‌[فصل]

- ‌[باب الجعل]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الوقف]

- ‌[باب الهبة]

- ‌[باب اللُقَطة]

- ‌[باب الأقضية]

- ‌[أحكام القضاء]

- ‌[باب الشهادة]

- ‌[باب الدماء]

- ‌[فصل الدية]

- ‌[باب الباغية]

- ‌[باب الردة]

- ‌[باب الزنا]

- ‌[باب القذف]

- ‌[باب السرقة]

- ‌[باب الحرابة]

- ‌[باب الخمر والحد والضمان]

- ‌[باب العتق]

- ‌[باب التدبير]

- ‌[باب الكتابة]

- ‌[باب أم الولد والولاء]

- ‌[أحكام الولاء]

- ‌[باب الوصية]

- ‌[باب الفرائض]

الفصل: ‌ ‌[باب القسمة] الْقِسْمَةُ تَهَايُؤٌ فِي زَمَنٍ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْراً، وسُكْنَى دَارٍ

[باب القسمة]

الْقِسْمَةُ تَهَايُؤٌ فِي زَمَنٍ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْراً، وسُكْنَى دَارٍ سِنِينَ كَالإِجَارَةِ، لا فِي غَلَّةٍ، ولَوْ يَوْماً، ومُرَاضَاةٌ فَكَالْبَيْعِ، وقُرْعَةٌ، وهِيَ تَمْيِيزُ حَقٍّ، وكَفَى قَاسِمٌ، لا مُقَوِّمٌ، وأَجْرُهُ بِالْعَدَدِ وكُرِهَ، وقُسِمَ الْعَقَارُ، وغَيْرُهُ بِالْقِيمَةِ، وأُفْرِدَ كُلُّ نَوْعٍ، وجُمِعَ دُورٌ وأَقْرِحَةٌ ولَوْ بِوَصْفٍ، إِنْ تَسَاوَتْ قِيمَةً ورَغْبَةً، وتَقَارَبَتْ كَالْمِيلِ، إِنْ دَعَا إِلَيْهِ أَحَدُهُمْ، ولَوْ بَعْلاً وسَيْحاً، إِلا مَعْرُوفَةً بِالسُّكْنَى، فَالْقَوْلُ لِمُفْرِدِهَا، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً بِخِلافِهِ، وفِي الْعُلْو والسُّفْلِ [65 / ب] تَأْوِيلانِ وأُفْرِدَ كُلُّ صِنْفٍ كَتُفَّاحٍ، إِنِ احْتَمَلَ، إِلا كَحَائِطٍ فِيهِ شَجَرٌ مُخْتَلِفَةٌ، وأَرْضٍ بِشَجَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ.

قوله: (تَهَايُؤٌ فِي زَمَنٍ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْراً، وسُكْنَى دَارٍ سِنِينَ كَالإِجَارَةِ، لا فِي غَلَّةٍ، ولَوْ يَوْماً) هذه قسمة المنافع؛ ولهذا قيّدها بالزمن إذ لو (1) كانت قسمة رقاب لتأبدت

فإن قلت: قد قرر ابن رشد وعياض وابن شاس أن قسمة المهايأة ضربان [مهايأة فِي الأعيان](2) ومهايأة فِي الأزمان (3)، فالضرب الأول:[107 / أ] أن يأخذ أحد الشريكين داراً يسكنها، ويأخذ الآخر داراً يسكنها، وهذا أرضاً يزرعها [وهذا أرضاً يزرعها](4)، والضرب الثاني: أن تكون المهايأة فِي عينٍ واحدة بالأزمنة كدارٍ يسكنها هذا شهراً (5) وهذا شهراً، أو أرض يزرعها هذا سنة وهذا سنة، وبذلك فسّر فِي " التوضيح " كلام ابن الحَاجِب (6)، فما باله هنا اقتصر عَلَى الأزمان دون الأعيان حيث قَالَ (فِي زمن)؟

قلت: وكذلك ينبغي أن يحمل كلامه هنا عَلَى القسمين؛ لأن الزمن المعلوم لابد منه فيهما، وعَلَى هذا فقوله:(كخدمة عبد شهراً) يتناول صورتين إحداهما: أن يكون العبد

(1) في (ن 3): (إذا).

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).

(3)

انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 892.

(4)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).

(5)

في (ن 1): (منتهى).

(6)

قال الحاجب معرفاً وممثلاً للقسمة: (قسمة مهايأة، وقسمة بيع، وقسمة قيمة، فالأولى إجارة لازمة كدار أو دارين، يأخذ كل واحد أو إحداهما مدة معينة، وغير لازمة كدارين يأخذ كل واحد سكنى داره) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص: 420 وانظر: التوضيح، لخليل بن إسحاق: 9/ 348، وما بعدها.

ص: 895

الواحد بين الشريكين يستخدمه كل واحد منهما شهراً. والثانية: أن يكون لهما عبدان يستخدم أَحَدهمَا أحد العبدين شهراً والآخر كذلك، ولا تشترط مساواة المدّتين، وإنما يشترط حصرهما، وافهم مثل ذلك فِي السكنى جوازاً وفِي الغلة منعاً.

ومما يزيد هذا وضوحاً مناقشة ابن عَرَفَة لعياض إذ قَالَ: وقول عياض: هي ضربان، مقاسمة الزمان، ومقاسمة الأعيان، يوهم عروّ الثاني عن الزمان، وليس كذلك، ومحمله إِن كَانَ المشترك فيه واحداً فتعلّق القسم بالزمان لذاته وإِن كَانَ المشترك فيه متعدداً فتعلق القسم بالزمان [لذاته، وإِن كَانَ المشترك فيه متعدداً فتعلق القسم بالزمان](1) فيه بالعرض؛ لأن متعلقه بالذات بعض آحاد المشترك فيه، ولابد فيه من الزمان، إذ بِهِ يعلم قدر الانتفاع.

تنبيهان:

الأول: قَالَ الباجي وعبد الوهاب عن المذهب: إنما تجوز قسمة المهايأة [وهي قسمة المنافع بالمراضاة لا بالإجبار والقرعة، وعلى هذا اقتصر ابن عَرَفَة وبه قطع عياض، والذي فِي " المقدمات ": لا تجوز](2) بالسهمة عَلَى مذهب ابن القاسم ولا يجبر عَلَيْهَا من أباها ولا تكون إِلا عَلَى المراضاة.

الثاني: قَالَ فِي " المقدمات ": ومن هذا الباب قسمة الحبس للاغتلال فقيل: أنّه يقسم ويجبر عَلَى القسم من أباه وينفذ بينهم إِلَى أن يحدث بينهم من الموت أو الولادة ما يغيره زيادة أو نقصان، واحتجّ من ذهب إِلَى ذلك بقولهم فيمن حبس فِي مرضه عَلَى ولده وولد ولده: أن الحبس يقسم بينهم أعني عَلَى عدد الولد وولد الولد، وبغير ذلك من الظواهر الموجودة فِي مسائلهم، وقيل: أنّه لا يقسم بحال واحتجّ من ذهب إِلَى ذلك بقول مالك فِي " المدونة ": إِن الحبس مما لا يقسم ولا يُجَزَّأ (3)، وقيل أنّه لا يقسم إِلا أن يتراضي المحبس عليهم فِي قسمته [قسمة](4) اغتلال، فيجوز ذلك لهم (5) ". انتهى.

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 4).

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 4).

(3)

في (ن 1): (يجوز).

(4)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).

(5)

انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 2/ 253، 254.

ص: 896

وقد عزا ابن سهل هذه الأَقْوَال لأشياخ الشورى قَالَ ابن عَرَفَة: والأقرب حمل القسم عَلَى ثمن المنفعة ومنعه عَلَى الربع المحبس نفسه.

وجَازَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، إِنْ جُزَّ، وإِنْ لِكَنِصْفِ شَهْرٍ، وأَخْذُ وَارِثٍ عَرْضاً، وآخَرَ دَيْناً، إِنْ جَازَ بَيْعُهُ، وأَخْذُ أَحَدِهِمَا قِطْنِيَّةً، والآخَرِ قَمْحاً.

قوله: (وجَازَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، إِنْ جُزَّ، وإِنْ لِكَنِصْفِ شَهْرٍ) لا خفاء أن هذه العبارة جيدة موافقة لقوله فِي " المدونة ": " ولا بأس بقسمة الصوف عَلَى ظهر الغنم إِن جزاه الآن أو إِلَى أيامٍ قريبة يجوز بيعها إليها، ولا يجوز ما بعد (1)، وفِي بعض النسخ: إِن لَمْ يجز، وكأنه إصلاح ممن لَمْ يفهم معناه.

وَخِيَارُ أَحَدِهِمَا كَالْبَيْعِ، وغَرْسُ أُخْرَى، إِنِ انْقَلَعَتْ شَجَرَتُكَ مِنْ أَرْضِ غَيْرِكَ، إِنْ لَمْ تَكُنْ أَضَرَّ كَغَرْسِهِ بِجَانِبِ نَهْرِكَ الْجَارِي فِي أَرْضِهِ.

قوله: (وَخِيَارُ أَحَدِهِمَا كَالْبَيْعِ) أي: فِي قدر زمانه وإلا كَانَ تشبيهاً ضائعاً لغير فائدة.

وحُمِلَتْ فِي طَرْحِ كُنَاسَتِهِ عَلَى الْعُرْفِ، ولَمْ تَطْرَحْ عَلَى شَجَرَةٍ (2)، إِنْ وَجَدَتْ سِعَةً، وجَازَ ارْتِزَاقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لا شَهَادَتُهُ. وفِي قَفِيزٍ أَخَذَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَيْهِ، [وَالآخَرُ ثُلُثَهُ](3)، لا إِنْ زَادَ كَيْلاً أَوْ عَيْناً، لِدَنَاءَةٍ، وفِي كَثَلاثِينَ قَفِيزاً أَوْ ثَلاثِينَ دِرْهَماً أَخَذَ أَحَدُهُمَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وعِشْرِينَ قَفِيزاً إِنِ اتَّفَقَ الْقَمْحُ صِفَةً.

قوله: (وَحُمِلَتْ فِي طَرْحِ كُنَاسَتِهِ عَلَى الْعُرْفِ، ولَمْ تَطْرَحْ عَلَى شَجَرَةٍ، إِنْ وَجَدَتْ) أشار بِهِ لقوله فِي " المدونة ": فإذا كنست نهرك حملت عَلَى سنة البلد فِي طرح الكناسة، فإن كَانَ الطرح بضفتيه لَمْ تطرح ذلك عَلَى أشجارهم إِن أصبت دونها من ضفتيه متسعاً، فإن لَمْ يكن فبين الشجر فإن ضاق عن ذلك طرحت فوق شجرهم إِذَا كانت سنة بلدهم طرح طين النهر عَلَى حافتيه (4). أبو الحسن الصغير: وأما إِن لَمْ تكن تلك (5) سنتهم فعلى رب النهر حمله إِلَى حيث يطرح.

(1) النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 188، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 14/ 473.

(2)

في أصل المختصر: (حافته).

(3)

ما بين المعكوفتين زيادة من المطبوعة.

(4)

انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 193.

(5)

في (ن 2): (تكن)، وفي الأصل (تلك).

ص: 897

ووَجَبَتْ غَرْبَلَةُ قَمْحٍ (1)، إِنْ زَادَتْ غَلَّتُهُ عَنْ الثُّلُثِ وإِلا نُدِبَتْ.

قوله: (وَوَجَبَتْ غَرْبَلَةُ قَمْحٍ، إِنْ زَادَتْ غَلَّتُهُ عَنْ الثُّلُثِ وإِلا نُدِبَتْ) كذا قَالَ ابن رشد فِي رسم شكّ من سماع ابن القاسم من كتاب: " السلطان " ونصه: " وأما غربلة القمح من التبن والغَلْث عند البيع فذلك واجب إِن كَانَ التبن والغَلْث فيه [كثيراً يقع فِي أكثر من الثلث؛ لأن بيعه عَلَى ما هو عَلَيْهِ من الغرر، ومستحب إِذَا كَانَ التبن والغلث فيه](2) يسيراً (3).

فائدة: يقال الغلث بالغين المعجمة وبالعين المهملة قاله عياض فِي كتاب القسم.

فرع: فِي رسم إِن خرجت من سماع عيسى من جامع البيوع قَالَ مالك: لا بأس أن يجعل فِي الخلّ الماء الذي لا يصلح إِلا بِهِ. قَالَ ابن رشد: وكذلك الماء يجعل فِي اللبن [107 / ب] لاستخراج زبده قاله مالك فِي أول رسم من سماع أشهب من كتاب " السلطان "(4).

وجَمْعُ بَزٍّ، ولَو كَصُوفٍ، وحَرِيرٍ، لا كَبَعْلٍ، وذَاتِ بِئْرٍ أَوْ غَرْبٍ.

قوله: (وجَمْعُ بَزٍّ، ولَو كَصُوفٍ، وحَرِيرٍ) معطوف عَلَى فاعل جَازَ، عياض: البز - بفتح الباء - أطلقه فِي الكتاب فِي كلّ ما يلبس كَانَ صوفاً أو خزّاً أو كتّاناً أو قطناً أو حريراً، مخيطاً أو غير مخيط.

وثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، إِنْ لَمْ يَجُذَّاهُ كَقَسْمِهِ بِأَصْلِهِ.

قوله: (وثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، إِنْ لَمْ يَجُذَّاهُ) كأنه أشار بهذا لمفهوم قوله فِي " المدونة ": ولا بأس بقسمة البلح الصغير بالتحري عَلَى أن يجدّاه مكانهما إِذَا اجتهدا حتى يخرجا من [وجه](5) الخطار، وإِن لَمْ تختلف حاجتهما إليه وإِن اقتسماه وفضل أَحَدهمَا صاحبه بأمر يعرف فضله جَازَ ذلك كما يجوز فِي البلح الصغير بلح نخلة ببلح نخلتين عَلَى أن يجداه

(1) في أصل المختصر والمطبوعة: (لِبَيْعٍ).

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).

(3)

انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 9/ 321.

(4)

انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 7/ 405، و9/ 358.

(5)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).

ص: 898

مكانهما (1). ولمفهوم قوله قبله (2): ولا بأس بقسمة الزرع قبل أن يبدو صلاحه بالتحري عَلَى أن يحصداه مكانهما إِن كَانَ يستطاع أن يعدل بينهما فِي قسمه تحرياً؛ وكذلك القصب والتين، فإن تركا الزرع حتى صار حباً انتقض القسم وقسم ذلك كله كيلاً (3).

أَوْ قَتَّاً أَوْ زَرْعاً أَوْ فِيهِ فَسَادٌ كَيَاقُوتَةٍ، وكَخَفِينٍ (4)، أَوْ فِي أَصْلِهِ بِالْخَرْصِ كَبَقْلٍ إِلا الثَّمَرَ أَوِ الْعِنَبَ إِذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ، وإِنْ بِكَثْرَةِ أَكْلٍ، أَوْ قَلَّ وحَلَّ بَيْعُهُ واتَّحَدَ بِبُسْرٍ ورُطْبٍ لا تَمْرٍ.

قوله: (أَوْ قَتَّاً) كذا فِي " المدونة " فِي الزرع (5)، وأما الكتان ففي " النوادر " عن سحنون: لا يعتدل قسم الكتان قتاً وزريعته فيه أو بعد زوالها حتى يدق فيقسم (6). وعَلَى هذا اقتصر ابن عَرَفَة وزاد: وفِي كون القطن قبل زوال حبّه كذلك نظر، والأحوط منعه. وفِي " النوادر " أَيْضاً قَالَ ابن حبيب: يجوز قسم الكتان قائما لَمْ يجمع وحزماً قد جمع قبل إدخاله الماء وبعد إخراجه وقبل نفضه وبعده عَلَى التعديل (7) والتحري أو الرضا بالتفاضل (8).

وقَالَ اللخمي: قَالَ مالك فِي كتاب ابن حبيب: كل ما يجوز فيه التفاضل فلا بأس بقسمه فِي شجره عَلَى التحري رطباً ويابساً أو بالأرض مصبراً مثل الفواكه الرطبة وثمر البحائر ومثل الكتان والخبط والنوى والتين تحرياً وإِن كَانَ الكتان أو الحناء قائماً قبل أن

(1) النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 186، 187، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 14/ 471.

(2)

في (ن 3): (بعده) وهو خطأ.

(3)

النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 185.

(4)

في المطبوعة ومعظم الشروح: (أو كجفير) وما أثبتناه من الأصل وبعض الشروح.

(5)

نص المدونة: (وإذا ورث قوم أرضاً وشجراً ونخلاً، وفيها ثمر وزرع، فلا يقسموا الثمر مع الأصل، وإن كان الثمر بلحاً أو طلعاً، ولا يقسم الزرع مع الأرض، ولكن تقسم الأرض والأصول، ويترك الثمر والزرع حتى يحل بيعهما، فيقسموا ذلك حينئذ كيلاً، أو يبيعوه ويقتسموا ثمنه على فرائض الله، ولا يقسم الزرع الذي طاب فدادين ولا مزارعة ولا قتاً، ولكن كيلاً) انظر: تهذيب المدونة، البراذعي: 4/ 181.

(6)

انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 11/ 233.

(7)

في (ن 1): (التبديل).

(8)

انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 11/ 233.

ص: 899

يجمع أو بعد ما جمع. قَالَ أبو الحسن الصغير: وانظر هل يقوم جواز قسم الكتان قتا من قوله فِي " المدونة ": وكذلك القصب والتين (1).

وقُسِمَ بِالْقُرْعَةِ بِالتَّحَرِّي. كَالْبَلَحِ الْكَبِيرِ، وسَقَى ذُو الأَصْلِ.

قوله: (كَالْبَلَحِ الْكَبِيرِ) هو كالاستثناء من قوله: (وحل بيعه) وكذا قَالَ: هو فِي كلام ابن الحَاجِب (2) قَالَ أبو الحسن الصغير: وقد ناقض بعضهم بينهما قَالَ: ولعلّه؟ إنما شرط الطيب هناك لكونه يجوز تأخيره بعد القسم إِلَى أن يصير تمراً ولا يبطل القسم، وأجاز هنا البلح إِذَا كانوا لا يتركونه إِلَى الطيب، وقبله فِي " التوضيح "، ومما يزيده بياناً أنّه قَالَ هناك فِي " المدونة ":" أراد بعضهم تيْبيسه "(3) وهنا إنما قَالَ يأكل هذا بلحاً [ويبيع الآخر بلحاً](4) فلو أراد بعضهم تيبيسه لَمْ يجز قسمه بلحاً.

كَبَائِعِهِ الْمُسْتَثْنِي ثَمَرَتَهُ، حَتَّى يُسَلِّمَ.

قوله: (كَبَائِعِهِ الْمُسْتَثْنِي ثَمَرَتَهُ) هذا تجوُّز فِي العبارة؛ إذ الحكم يوجب بقاء الثمرة المأبورة للبائع.

أَوْ فِيهِ تَرَاجُعٌ، إِلا أَنْ يَقِلَّ، أَوْ لَبَنٍ فِي ضُرُوعٍ، إِلا لِفَضْلٍ بَيِّنٍ، أَوْ قَسَمُوا بِلا مَخْرَجٍ مُطْلَقاً، وصَحَّتْ، إِن سَكَتَا عَنْهُ، ولِشَرِيكِهِ الانْتِفَاعُ بِهِ ولا يُجْبَرُ عَلَى قَسْمِ مَجْرَى الْمَاءِ، وقُسِمَ بِالْقِلْدِ.

قوله: (أَوْ فِيهِ تَرَاجُعٌ، إِلا أَنْ يَقِلَّ) هذا الاستثناء للّخمي قَالَ: لأن هذا مما لابد منه ولا يتفق فِي الغالب أن تكون قيمة الدارين سواء. ابن عَرَفَة: ظاهر الروايات منع التعديل فِي قسم القرعة بالعين.

(1) انظر: المدونة، لابن القاسم: 14/ 469.

(2)

نص ابن الحاجب: (ولا يقسم التمر مع أصوله، ولو كان بلحا أو طلعا ويترك حتى يحل بيعه، وكذلك الزرع مع الأرض، لأنه طعام وأرض بطعام وأرض) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:421.

(3)

النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 182

وانظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 9/ 368.

(4)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).

ص: 900

كَسُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا، ولا يُجْمَعُ بَيْنَ عَاصِبَيْنِ، إِلا بِرِضَاهُمْ، إِلا مَعَ، كَزَوْجَةٍ، فَيُجْمَعُوا أَوَّلاً.

قوله: (كَسُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا) قَالَ فِي " المقدمات ": وإِذَا اقتسم الشريكان الدار ولم يشترطا أن يقيما بينهما حاجزاً فلا يحكم بذلك عَلَيْهِمَا، ويقال لمن دعى إِلَى ذلك: استر عَلَى نفسك فِي حظك إِن شئت، وإِن اشترطا ذلك ولم يحدّاه أخذ من نصيب كلّ واحد منهما نصف بناء الجدار، وإِن كَانَ أَحَدهمَا أقلّ نصيباً من صاحبه، وكذلك تكون النفقة بينهما بالسواء إِلَى أن يبلغ مبلغ الستر إِذَا لَمْ يحدا فِي ذلك حداً، ولا اختلاف فِي هذا أعلمه (1). انتهى. وانتحله المتيطي: ولَمْ يزد عَلَيْهِ.

وقَالَ اللخمي: الصواب أن يجعل كل واحد تحجيراً يستتر بِهِ عن صاحبه، ولا يجوز الرضا بغير تحجير؛ لأن فيه كشفاً لحريمهم فِي تصرفهم ودخول بعضهم عَلَى بعض. انتهى، وأما الجدار بين الرجلين يسقط فحصّل ابن رشد فِي بنائه أربعة أَقْوَال، وتكلّم عَلَيْهِ ابن عَرَفَة فِي باب الشركة.

كَذَوِي سَهْمٍ، ووَرَثَةٍ، وكَتَبَ الشُّرَكَاءَ، ثُمَّ رَمَى.

قوله: (كَذَوِي سَهْمٍ، ووَرَثَةٍ) أي: كما يجمع أصحاب السهم الواحد إِذَا قاسموا بقية الورثة، ولَو أسقط قوله:(وورثة) ما ضره ذلك.

أَوْ كَتَبَ الْمَقْسُومَ، وأَعْطَى كُلاًّ لِكُلٍّ، ومُنِعَ اشْتِرَاءُ الْخَارِجِ، ولَزِمَ، ونُظِرَ فِي دَعْوَى جَوْرٍ أَوْ غَلَطٍ، وحَلَفَ الْمُنْكِرُ.

قوله: (أَوْ كَتَبَ الْمَقْسُومَ، وأَعْطَى كُلاًّ لِكُلٍّ) معطوف عَلَى وصي لا عَلَى كتب الشركاء.

فَإِنْ تَفَاحَشَ أَوْ ثَبَتَ نُقِضَتْ.

قوله: (فَإِنْ تَفَاحَشَ أَوْ ثَبَتَ نُقِضَتْ) التفاحش ما ظهر لغير أهل (2) المعَرَفَة، والثبوت شهادة أهل المعَرَفَة بالتغابن، قاله أبو الحسن الصغير.

(1) انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 2/ 252.

(2)

في (ن 2)(لأهل).

ص: 901

كَالْمُرَاضَاةِ إِنْ أَدْخَلا مُقَوِّماً.

قوله: (كَالْمُرَاضَاةِ إِنْ أَدْخَلا مُقَوِّماً) كذا قَالَ أبو عمران.

وأُجْبِرَ لَهَا كُلٌّ، إِنِ انْتَفَعَ كُلٌّ.

قوله: (وَأُجْبِرَ لَهَا كُلٌّ، إِنِ [انْتَفَعَ كُلٌّ] (1)) [108 / أ] لما ذكر فِي " التوضيح " ما فيها من الخلاف قَالَ: وقيد الخلاف بوجهين:

أَحَدهمَا: أن تكون الدار للقنية أو من ميراث، وإِن كانت للتجارة لَمْ تقسم باتفاق؛ لأن فيها نقصاً للثمن، وهو خلاف ما دخلا عَلَيْهِ.

وثانيهما: إِن هذا إنما هو فِي قسمة القرعة، وأما قسمة المراضاة والمهايأة فلا يجبر عَلَيْهِمَا من أباهما، لأنهما راجعان إِلَى البيع والإجارة، ولا يجبر أحد عَلَيْهِمَا. انتهى (2)، والثاني ظاهر، والأول قاله اللخمي وألزم عياض مثله فِي [البيع](3)، ويأتي إِن شاء الله تعالى.

ولِلْبَيْعِ إِنْ نَقَصَتْ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مُفْرَدَةً لا كَرَبْعِ غَلَّةٍ أَوِ اشْتَرَى بَعْضاً، وإِنْ وَجَدَ عَيْباً بِالأَكْثَرِ فَلْيَرُدَّهَا.

قوله: (ولِلْبَيْعِ إِنْ نَقَصَتْ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مُفْرَدَةً لا كَرَبْعِ غَلَّةٍ أَوِ اشْتَرَى بَعْضاً) ظاهره أنّه يجبر عَلَى [بيع](4) ما لا ينقسم لنقص حصة شريكه مفردة، ولو التزم قدر أداء النقص لشريكه عَلَى أن يبيع مفرداً، فتأمله مَعَ قول اللخمي فِي كتاب الوصايا الأول: ما نصّه: " وإِن أوصي بنيه الصغار إِلَى عبده، فدعا الكبار إِلَى البيع، فإن رضوا ببيع أنصبائهم خاصّة جَازَ، وبقي العبد عَلَى حاله فِي الوصية، وإِن دعوا إِلَى بيع الجميع؛ لأن فِي بيع أنصبائهم بانفرادها بخسا كَانَ ذلك لهم عَلَى قول مالك، إِلا أن يرى أن أخذ بقيته حسن نظر أو يدفع إِلَى الشركاء قدر ذلك البخس فلا يباع عَلَى الصغار أنصباؤهم. " انتهى. ولَمْ يعرج عَلَيْهِ ابن عَرَفَة هنا مَعَ قوة عارضته.

(1) في (ن 3): (امتنع).

(2)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 9/ 373.

(3)

في (ن 1)، الأصل:(القسم).

(4)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).

ص: 902

وأما استثناء ربع الغلة فهو قول ابن رشد ونصّه فِي " الأجوبة ": ولا يحكم ببيع ما لا ينقسم إِذَا دعى إِلَى ذلك أحد الأشراك إِلا فيما كَانَ فِي التشارك فيه ضرر بيّن كالدار والحائط، وأما مثل الحمام والرحا وشبه ذلك مما هو للغلة فلا (1).

قَالَ فِي " التنبيهات ": كَانَ شيخنا القاضي أبو الوليد يذهب فِي رباع الغلات وما لا يحتاج للسكنى والانفراد إِلَى أن من أراد فِي مثل هذا بيع نصيبه أو مقاواته لَمْ يجبر شريكه. بِخِلاف ما يراد للسكنى والانفراد بالمنافع والسكنى فيه؛ لأن رباع الغلة إنما المراد منها الغلة، وقلما يحطّ ثمن بعضها إِذَا بيع عن بيع جملتها، بل ربما كَانَ الراغب فِي شراء بعضها أكثر من الراغب فِي شراء جميعها بِخِلاف دور السكنى، وما يريد أحد الأشراك الاختصاص بِهِ لمنفعة ما ". انتهى. ولابن رشد نسبه ابن عبد السلام بعد ما قرر أن المذهب الإطلاق.

وأما ابن عَرَفَة فنقل ما فِي التنبيهات ثم قَالَ: المعروف عادة أن شراء الجملة أكثر ثمناً فِي رباع الغلة وغيرها إِلا أن يكون ذلك عندهم بالأندلس، وإِن كَانَ فهو نادر، ويلزم عَلَى مقتضى قوله أن لا شفعة فيها. انتهى.

وجدت بخطّ بلدينا شيخ شيوخنا أبي القاسم ابن حبيب الخريشي المكناسي ناقلاً من كتاب أبي محمد عبد الله التادلي الموضوع عَلَى " المدونة ": [كَانَ الشيخ أبو الحسن اللخمي يفتي بأن الشريك إِذَا قَالَ: أنا أؤدي النقص الذي يناله شريكي فِي بيع نصيبه مفرداً فذلك له ولا مقال لشريكه؛ لأنّ الغلة قد ارتفعت بإزالة الضرر عنه بالنقص الذي يناله فِي بيع نصيبه ". انتهى، ومنه يظهر أنّه لا خصوصية عند اللخمي للعبد الوصي المتقدم الذكر، وإِن كَانَ يحتمل أن يخصّه لئلا يكن عَلَى الإيصاء بالإبطال قال](2):

وكَانَ الشيخ عبد الحميد الصائغ يفتي أن الجبر عَلَى البيع إنما هو فيما كَانَ لطيف الثمن كالديار والحوانيت ونحوها، وأما الرباع الكثيرة الأثمان كالفنادق والحمامات التي بيع النصيب فيها أفضل وأرغب عند الناس من شراء جميعها، فإنه لا ينبغي أن يختلف فِي إفراد

(1) انظر: فتاوى ابن رشد: 1/ 251.

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل، و (ن 1).

ص: 903

بيع نصيبه منها خاصّة إذ لا [ينال شريكه](1) فِي ذلك بخس؛ لأن كثيراً من الناس يرغب فِي شراء النصيب من الحمام والفندق لقلة ثمنه، ولا يرغب فِي شراء جميعه لكثرة ثمنه وتعذره " انتهى ومن تمام كلام عياض وما قاله شيخنا فِي رباع الغلات له وجه من النظر. انتهى.

وأما استثناء من اشترى بعضاً فقال فِي التنبيهات: يجب أن يكون هذا الجبر فيما يورث أو اشتراه الأشراك جملة، وفِي صفقة، وأما لَو اشترى كلّ واحدٍ منهم جزءاً مفرداً أو بعضهم بعد بعض لَمْ يجبر أحد منهم عَلَى إجمال البيع مَعَ صاحبه إِذَا دعا إليه؛ لأنه كما اشترى مفرداً لذلك يبيع مفرداً، ولا حجة له هنا فِي بخس الثمن فِي بيع نصيبه مفرداً؛ لأنه كذلك اشترى فلا يطلب الربح فيما اشترى بإخراج شريكه من ماله. انتهى.

وعنه نقله ابن عَرَفَة فكأنه لَمْ يسبق إليه، إِلا أنّه قَالَ قبله: والمعروف الحكم ببيع ما لا ينقسم بدعوى شريك فيه لَمْ يدخل عَلَى الشركة، وقيّده غير واحدٍ بنقص ثمن حظه مفرداً عن ثمنه فِي بيع كله. وقَالَ المتيطي فِي كتاب الشفعة: من أوصى بثلثه للمساكين فباع الوصي ثلث أرضه فلا شفعة فيه؛ لأن بيع الوصي له (2) كبيع الميت قاله سحنون، وقَالَ غيره فيه الشفعة للورثة. قَالَ ابن الهندي: وهو الأَصَحّ لدخول الضرر عَلَى الورثة، وربما آل ذلك لإخراجه من ملكهم إِذَا دعى مشتريه إِلَى مقاسمتهم ولم يحتمل القسم.

ابن عَرَفَة: تعليله نصٌ فِي قبول دعوى البيع ممن دخل عَلَى الشركة. انتهى. ورأيت بخطّ بعض [108 / ب] المحققين، وأظنه شيخ شيوخنا أبا القاسم التازغدري ما نصّه:" طريقة عياض اشتراط اتحاد المدخل فِي دعوى الشريك إِلَى البيع، وطريقة اللخمي خلاف هذا، وأنّه لا يشترط؛ لأنه جعل الأصل فيما جعلت له الشفعة ما لا ينقسم خوف أن يدعو المشتري للبيع، والمشتري إنما دخل وحده، وقد جعله يدعوا إِلَى البيع، وتكرر هذا من كلامه فِي باب: تشافع الورثة والشركاء من كتاب الشفعة ". انتهى.

على أن ابن عبد السلام عزا قول عياض للخمي فتأمله.

(1) في (ن 2)، (ن 3):(يناله).

(2)

في (ن 1): (الموصا له). .

ص: 904

تنبيه:

قد تقدم للخمي أن الاختلاف فِي القسمة الجبرية إنما هو إِذَا كانت الدار ميراثاً أو للقنية، فإن كانت للتجارة لَمْ تقسم قولاً واحداً؛ لأن فيه نقصاً للثمن، وهو خلاف ما دخلا عَلَيْهِ. قَالَ عياض:[فعلى قول اللخمي ما اشترى للتجارة لا يجبر عَلَى قسمه من أباه يجب ألا يجبر من أبي بيعه عَلَيْهِ؛ لأنه عَلَى الشركة](1) دخل فيه حتى يباع جملة فقال ابن عَرَفَة: دخوله عَلَى بيعه جملة مؤكد لقبول دعواه بيعه جملة، فكيف يصحّ قوله: لا يجبر عَلَى البيع من أباه، وإنما يصحّ اعتبار ما دخلا [عليه](2) من شرائه للتجرة إذا اختلفا فِي تعجيل بيعه وتأخيره، والصواب فِي ذلك اعتبار معناه وقت بيع السلعة حسبما ذكره فِي القراض من " المدونة ". انتهى. ومن تمام كلام عياض وما قاله اللخمي فيما اشترى للتجارة صحيح.

فرعان:

الأول: قَالَ المتيطي فِي البيوع: إِن كانت دار مشتركة بين جماعة، فسكنها بعضهم، وبعضهم خارج عنها، فأراد الخارجون تسويقها وبيعها، وطلبوا إخلاءها لذلك، ودعى ساكنوها إِلَى غرم كرائها عَلَى الإباحة للتسويق، وأبى الخارجون؟ فأفتى ابن عتاب وحكى فتوى شيوخه بإخلائها لذلك إِلا أن يوجد من يكتريها من غير الشركاء بشرط التسويق، وشرط أمن ميله لبعض الشركاء وليس من ناحية بعضهم.

وقَالَ أبو عمر بن القطان: بقاء الدور دون كراء ضرر فِي التي يكرى مثلها، والصواب إِن ثبت أن تسويقها للبيع خالية أفضل منه مسكونة وأوفر لثمنها أخليت، وإِلا قيل لهم: تقاووها ليسكنها بعضكم، فإن أبيتم أخليت وأشهرت للكراء بشرط التسويق، وإِذَا وقفت عَلَى ثمن فلمن أراد سكناها منهم أخذها بذلك إِلا أن يزيد عَلَيْهِ بعض من شركه. ابن عبد السلام: وأخبرني بعض قضاة بلدنا أنّه لا يحكم بالإخلاء فِي الحوانيت وشبهها، ويحكم بِهِ فِي الدور ونحوها.

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).

ص: 905

ابن عَرَفَة: وحكاية بعضهم قصر الإخلاء عَلَى الدور هو [مفهوم](1) كلام الأندلسيين.

الفرع الثاني: قَالَ ابن عبد السلام: المذهب فِي هذا أن المبيع إِذَا وقف عَلَى ثمن بعد أن سوِّق جميعه، فمن أراد من الشريكين أخذه بذلك الثمن أخذه بِهِ، سواءً كَانَ طالب البيع أو طالب التمسك. وقَالَ الداودي: وعَلَيْهِ حمل مسألة " المدونة " أنّه لا يكون أحقّ بالمبيع منهما إِلا طالب التمسك وحده، ونفى أن يكون أحد قَالَ غير هذا. انتهى. والذي فِي " المدونة ": وإِذَا دعي أحد الشريكين إِلَى قسمة ثوب بينهما لَمْ يقسم، وقيل لهما: تقاوياه فيما بينكما أو بيعاه، فإذا استقر عَلَى ثمن فلمن أبى البيع أخذه، وإِلا بيع (2).

قال أبو الحسن الصغير: معنى تقاوياه: تزايدا فيه، يريد برضاهما ومعنى " بيعاه ": عرِّضاه للمساومة، وفيها أَيْضاً: وإِذَا دعي أحد الأشراك إِلَى قسم ما ينقسم من ربع أو حيوان أو عرض، وشركتهم بمورث أو غيره أجبر عَلَى القسم من أباه، فإن لَمْ ينقسم ذلك فمن دعا إِلَى البيع أجبر عَلَيْهِ من أباه. ثم للآبي أخذ الجميع بما يعطي فيه.

قَالَ ابن عَرَفَة: فأخذوا منها أن ليس لطالب البيع أخذه إِلا بزيادة عَلَى ما وقف عَلَيْهِ من الثمن ومثله قول الباجي: إِن أرادوا المقاواة جَازَ ولا يجبر عَلَيْهَا من أبى، ومن دعي إِلَى البيع أجبر عَلَيْهِ من أبى، وقيل له خذ حظه بما أعطى وإِلا بع معه، ويحتمل أن يكون الشركاء فِي الأخذ بما بلغه المبيع من الثمن سواءً؛ لأن قوله فِي " المدونة ": لمن أبى البيع الأخذ بذلك (3)، أعم من كونه أباه أولاً أو أباه حين بلوغه الثمن المذكور، وهو ظاهر قول أبي عمر فِي " كافيه " ما نصّه:

وما كَانَ مثل الدابّة والعبد والسفينة وما لا يمكن قسمه بين الشركاء أجبروا عَلَى التقاوي أو البيع، وصاحبه أولى بِهِ بأقصى ما يبلغ فِي النداء إِن أراده (4). وذكر عياض ما حاصله: من قصد بدعواه للبيع إخراج شريكه والانفراد بالمبيع عنه فليس له أخذه بما

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).

(2)

النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 200، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 14/ 520.

(3)

النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 200.

(4)

انظر الكافي، لابن عبد البر، ص:449.

ص: 906

وقف عَلَيْهِ من الثمن، وإِن لَمْ يقصد ذلك فله أخذه بذلك، قَالَ فِي أول كلامه: أنّه ظاهر مسائلهم. وفِي آخره قاله ابن القاسم، وبِهِ أفتى الشيوخ وعمل القضاة، وفِي لفظه إجمال حاصله عندي ما ذكرته، ففي كون الشريك أحقّ بما بلغ المشترك المبيع [109 / أ] مُطْلَقاً وإِن لَمْ يكن الطالب بيعه. ثالثها: إِن لَمْ يكن قصد إخراج شريكه لأخذ غير واحد منها (1) ولأبي عمر ونقل عياض. انتهى.

وكأنه عكس عزو الأولين، وما ذكره عن أبي عمر هو نصّه فِي باب جامع القسمة، وقَالَ قبله: وإِن أراد أحدهم البيع وأبى الآخر أجبر الذي أبى البيع عَلَى البيع وقيل له: إما بعت وإما أخذت أنصباء شركائك بما تبلغ من الثمن، فإن امتنع من هذا وذا أجبر عَلَى البيع حتى يحصل الثمن فيتقاسمانه، ولما ذكر المتيطي آخر القسمة نصّ " المدونة " المتقدم اختصره بلفظ: وإِن كَانَ مما لا ينقسم بيع عليهم إِلا أن يريد من كره البيع أن يأخذ ذلك بما يعطي فيه، فيكون ذلك له.

ثم قَالَ: قَالَ: الباجي فِي " وثائقه ": ويكون أحقّ بِهِ. قَالَ ابن عبدوس عن سحنون: فإن اختلفوا فِي أخذه بعد بلوغه فِي النداء ثمناً ما فقال بعضهم: أنا آخذ وقال الآخر: أنا آخذ فإنهما يتزايدان. قَالَ غيره فِي " المجموعة " فإن قَالَ بعضهم: نتزايد عَلَيْهِ وقَالَ بعضهم: يقوِّمه بيننا أهل المعَرَفَة والعدل فمن كَانَ دعى إِلَى المزايدة فذلك له.

قال بعض الفقهاء: إِذَا طلب أحدهم (2) المزايدة والآخر البيع نودي عَلَى السلعة، فإذا بلغت ثمناً كَانَ لصاحب المزايدة أخذها بذلك، إِلا أن يزيد عَلَيْهِ الآخر فيتزايدوا فيها حتى يسلّمها أحدهم لصاحبه بالزيادة فتلزمه. انتهى. وما ذكره عن بعض الفقهاء نقله ابن يونس عن بعض شيوخه آخر باب قسمة الطريق، ولعلّك [لا](3) تجد هذه النقول مجموعة فِي غير هذا التعليق (4). وبالله تعالى التوفيق.

(1) في (ن 1)، الأصل:(منهما).

(2)

في (ن 3): (بعضهم).

(3)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).

(4)

قال الحطاب رحمه الله في كلام المؤلف هنا: (وانظر: كَلَامَ ابْنِ غَازِي فَإِنَّهُ جَامِعٌ حَسَنٌ) انظر: مواهب الجليل: 5/ 347.

ص: 907

فَإِنْ فَاتَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ بِكَهَدْمٍ رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهُ، ومَا رَدَّ بَيْنَهُمَا، ومَا بِيَدِهِ رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ ومَا سَلِمَ بَيْنَهُمَا، وإِلا رَجَعَ بِنِصْفِ الْمَعِيبِ مِمَّا فِي يَدِهِ ثَمَناً، والْمَعِيبُ بَيْنَهُمَا.

قوله: (فَإِنْ [فَاتَ] (1) مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ بِكَهَدْمٍ رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهُ، ومَا رَدَّ بَيْنَهُمَا) وفِي بعض النسخ: والمعيب بينهما، وكلاهما صحيح، وأما النسخ التي فيها: وما سلم بينهما كاللفظ الذي بعده فتصحّ باعتباره.

وإِنِ اسْتُحِقَّ نِصْفٌ أِوْ ثُلُثٌ خُيِّرَ لا رُبُعٌ، وفُسِخَتْ فِي الأَكْثَرِ.

قوله: (وإِنِ اسْتُحِقَّ نِصْفٌ أِوْ ثُلُثٌ خُيِّرَ لا رُبُعٌ، وفُسِخَتْ فِي الأَكْثَرِ) ابن يونس: بلغني عن بعض فقهائنا القرويين أنّه قَالَ: الذي يتحصّل عندي فِي وجود العيب أو الاستحقاق يطرأ بعد القسم أن ينظر، فإن كَانَ ذلك كالربع فأقل رجع بحصته ثمنا، وإِن كَانَ نحو النصف والثلث يكون بحصة ذلك شريكا فيما بيد صاحبه ولا ينتقض القسم، وإِن كَانَ فوق النصف انتقض القسم وابتدأه، واستحسن ابن يونس هذا التحصيل وقَالَ: ليس فِي الباب ما يخالفه إِلا مسألة واحدة ذكرها.

ولما ذكر عياض اختلاف أجوبة " المدونة " فِي هذه المسألة قَالَ: فبحسب ذلك اختلف فيها المتأولون وحار فيها المتأملون وكثر فيها كلام المدققين، وتعارضت فيها مذاهب المحققين، فذهب المشايخ القرويون إِلَى أن ذلك كلّه تفريق بين البيع والقسمة، فمذهبه المعلوم فِي البيع: أن الثلث فزائداً كثير يرد منه، [وأن القسمة عَلَى ثلاث درجات تستوي فيها مَعَ البيع فِي اليسير الذي لا يردان منه](2)، وذلك الربع فما دونه، وفِي الجلّ الذي يردّ منه البيع ويفسخ القسم ويفترقان فِي النصف والثلث ونحوهما فلا يفسخ عندهم فِي استحقاق النصف أو الثلث، ويكون بذلك شريكاً فيما بيد صاحبه، ثم ذكر ما ينقضه، وهذا نحو نقل ابن يونس.

فإن قلت: لَو أن المصنف درج عَلَى هذا ما خصّه بالاستحقاق دون العيب، ولا ذكر

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).

ص: 908

التخيير فِي النصف والثلث بل كَانَ يقطع بأنه يكون بحصة [ذلك شريكاً فيما بيد صاحبه](1)؟

قلت: لعلّه لَمْ يرد خصوصية الاستحقاق دون العيب، وإنما أراد ضابط الأقلّ والأكثر والمتوسط فيهما معاً بالنسبة لهذا الباب، ولعلّه فهم أن قول مشايخ القرويين: إِن كَانَ نحو النصف والثلث يكون بحصة ذلك شريكاً. معناه إِن شاء، وفيه نظر. والله تعالى أعلم.

كَطُرُوِّ غَرِيمٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ عَلَى وَرَثَةٍ، أَوْ عَلَى وَارِثٍ، ومُوصًى [66 / أ] لَهُ بِالثُّلُثِ، والْمَقْسُومُ كَدَارٍ، وإِنْ كَانَ عَيْناً، أَوْ مِثْلِيَّاً، رَجَعَ عَلَى كُلٍّ، ومَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَعْلَمُوا، وإِنْ دَفَعَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ مَضَتْ كَبَيْعِهِمْ بِلا غَبْنٍ، واسْتَوْفَى مِمَّا وَجَدَ ثُمَّ تَرَاجَعُوا، ومَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَعْلَمُوا، وإِنْ طَرَأَ غَرِيمٌ، أَوْ وَارِثٌ، أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ، أَوْ مُوصًى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى وَارِثٍ اتَّبَعَ كُلاًّ بِحِصَّتِهِ.

قوله: ([كَطُرُوِّ غَرِيمٍ] (2)

إِلَى قوله: اتبع كلّ بحصته) اشتمل عَلَى ثمانية أنواع من الأحد عشر نوعاً التي فِي " المقدمات "(3)، وكأنه أسقط الثلاثة لرجوعها للثمانية كما أشار إليه فِي " المقدمات " ورتبها عَلَى ترتيب ابن الحَاجِب لأصولها، وكلام ابن عبد السلام كافٍ فِي أصولها فراجعه.

وأُخِّرَتْ، لا دَيْنٌ لِحَمْلٍ، وفِي الْوَصِيَّةِ قَوْلانِ، وقَسَمَ عَلَى صَغِيرٍ أِبٌ، أَوْ وَصِيٌّ ومُلْتَقِطٌ كَقَاضٍ عَنْ غَائِبٍ، لا ذِي شُرْطَةٍ أَوْ كَنَفَ أَخاً، أَوْ أَبٍ عَنْ كَبِيرٍ، وإِنْ غَابَ، وفِيهَا قَسْمُ نَخْلَةٍ، وزَيْتُونَةٍ إِنِ اعْتَدَلَتَا، وهَلْ هِيَ قُرْعَةٌ و [جَازَتْ](4) لِلْقِلَّةِ، أَوْ مُرَاضَاةٌ؟ تَأْوِيلانِ.

قوله: [109 / ب](وَأُخِّرَتْ، لا دَيْنٌ لِحَمْلٍ، وفِي الْوَصِيَّةِ قَوْلانِ)(لا دَيْنٌ) معطوف عَلَى الضمير فِي أخرت، وأشار بهذا الكلام لقول ابن رشد فِي المسألة الثالثة من سماع أشهب من كتاب القسمة، فقف علي هذه الثلاث مسائل، الدين يؤدى باتفاق ولا ينتظر وضع الحمل [والتركة لا يقسمها الورثة باتفاق حتى يوضع الحمل والوصايا يختلف: هل يعجل

(1) ما بين المعكوفتين مكرر في (ن 1).

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل.

(3)

انظر هذه الأنواع في المقدمات الممهدات، لابن رشد: 2/ 254، وانظر: شرحها: 2/ 254 وما بعدها.

(4)

ما بين المعكوفتين زيادة من: المطبوعة.

ص: 909

انفاذها قبل وضع الحمل؟] (1) أو لا يعجل حتى يوضع الحمل بعد إِن قَالَ: لا أعرف فِي الدين خلافاً إِلا ما ذكر فيه عن بعض الشيوخ من الغلط الذي لا يعدّ من الخلاف.

قال: وقد قَالَ الباجي: شهدت ابن أيمن فِي حكم ميّت مات وترك امرأته حاملا أنّه لا يقسم ميراثه ولا يؤدى دينه حتى يوضع الحمل فأنكرت عَلَيْهِ فقال: هذا مذهبنا.

ولَمْ يأت ابن أيمن بحجّة، والصحيح: أن يؤدى دينه ولا ينتظر وضع الحمل، ولا يدخل فِي هذا اختلاف قول مالك فِي تنفيذ الوصية قبل وضع الحمل؛ لأن العلّة فِي تأخير تنفيذ الوصية إِلَى أن يوضع الحمل عَلَى قول من رأى ذلك: هي أن بقية التركة قد تتلف فِي حال التوقيف قبل وضع الحمل، فيجب للورثة الرجوع عَلَى الموصى لهم بثلثي ما قبضوا، ولعلّهم معدمون أو غير معينين فلا يجدون عَلَى من يرجعون.

وأما تأخير الدين حتى يوضع الحمل فلا علّة توجبه، بل يجب ترك التوقيف وتعجيل أداء الدين مخافة أن يهلك المال فيبطل حقّ صاحب الدين من غير وجه منفعة فِي ذلك للورثة، وإذا وجب أن يقضي دين الغائب مما يوجد له من المال مَعَ بقاء ذمته إِن تلف المال الموجود له كَانَ أحرى أن يؤدى الدين عن الميّت من تركته لوجهين:

أَحَدهمَا: أن الميّت قد انقضت ذمته.

والثاني: أنّ الحمل لا يجب له فِي التركة حقٌّ حتى يولد حياً ويستهلّ صارخاً، ولَو مات قبل ذلك لَمْ يورث عنه نصيب، والغائب حقّه واجب فِي المال الموجود، ولَو مات ورثه عنه ورثته، فإذا لَمْ ينتظر الغائب مَعَ وجود المال الذي يؤدى منه الدين الآن له كَانَ أحرى أن لا ينتظر الحمل إذ لَمْ يجب له بعد فِي التركة حقّ. ومن قول ابن القاسم فِي " المدونة " وغيرها: أن من أثبت حقا عَلَى صغير قضي له [عَلَيْهِ، ولم يُجعل للصغير وكيل يخاصم عنه فِي ذلك، فإذا قضى عَلَى الصغير](2) بعد وضعه من غير أن يقام له وكيل فلا معنى لانتظار وضع الحمل بتأدية دين الميّت.

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 4).

ص: 910

وهذا كلّه بيّن لا ارتياب فيه ولا إشكال، وقد نقله ابن عَرَفَة إِلَى قوله: من غير وجه منفعة فِي ذلك للورثة (1)، ثم تعقّبه فقال فِي تغليطه ابن أيمن: وقوله: لا حجة له نظر، بل هو الأَظْهَر، وبِهِ العمل عندنا، ودليله من وجهين:

الأول: أن الدين لا يجوز قضاؤه إِلا بحكم قاضٍ، وحكمه [متوقف عَلَى ثبوت موت المديان وعدد ورثته، ولا يتقرر عدد ورثته إِلا بوضع الحمل، فالحكم](2) متوقف عَلَيْهِ، وقضاء الدين متوقف عَلَى الحكم، والمتوقف عَلَى متوقف عَلَى أمر متوقف عَلَى ذلك الأمر.

الثاني: أن حكم الحاكم بالدين متوقف عَلَى الإعذار لكلّ الورثة، والحمل من جملتهم، ولا يتقرر الإعذار فِي حقّه إِلا بوصيٍ عَلَيْهِ أو مقدم، وكلاهما يستحيل قبل وضعه. فتأمله.

ومن تمام كلام ابن رشد: " فإذا توفي الرجل وله زوجة وجب أن لا يعجل قسم الميراث حتى تسأل المرأة هل بها حمل أم لا؟، فإن قالت: أنا حامل وقفت التركة حتى تضع أو يظهر أنها ليس بها حمل بانقضاء أمد عدة الوفاة وليس بها حمل ظاهر، وإِن قالت: لست بحاملٍ قبل قولها وقسمت التركة، وإِن قالت لا أدري أخر قسم التركة حتى يتبين أنها ليس بها [حمل](3)؛ بأن تحيض حيضة، أو يمضي أمد العدة وليس بها ريبة من حمل. قَالَ ابن عَرَفَة: ظاهره أنّه لا يشترط فِي عدة الوفاة فِي ذات الحيض حيضتها فِي العدة، وقد تقدم ما فيه من الخلاف.

وفِي بعض التعاليق: أن القاضي ابن زرب بعث إليه القاضي ابن السليم بعَصَبَةِ ميّت وزوجةٍ له، ادعت أنها حامل، وأكذبها العصبة. قَالَ ابن زرب: فقلت لها: اتقي الله، ولا تدّعي الحمل، وليس بك حمل، وربما كانت علة فِي الجوف تسميها الأطباء الرحا، تظن المرأة أنها حامل ولا حمل بها، فقالت: أنا حامل، وما أرسلنا إليك ابن السليم إِلا عَلَى أنّك فقيه لا عَلَى أنك طبيب، فتبسمت ضاحكاً، وعجبت من حدتها، وتمادت عَلَى ادعاء

(1) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 12/ 117، 118.

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).

(3)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، الأصل.

ص: 911

الحمل إِلَى أن توفي القاضي ابن السليم، ووليت القضاء بعده، وتحاكموا عندي، فأمرت أن ينظرها القوابل، فنظرنها فقلن: لا حمل، فقضيت بقسم الميراث. قيل له: أو يجوز أن يُنظر إِلَى حرّةٍ؟ قَالَ: نعم؛ إِذَا بان اللدد، [110 / أ] وهذه آخر مسألة فِي ديوان ابن عَرَفَة.

واسم هذه العلة الرحا مشارك لاسم رحاء الطحن فِي اللفظ، كذا هو فِي " ذخيرة " ثابت ابن [قرة الحرَّاني] (1) وغيرها من تصانيف الطب. وقَالَ أبو الوليد طفيل ابن عاصم فِي رجزه:

يَعْرُضُ للنساء هذا الداء

يدعى الرحا، وأصله الحساء

[من ورم صلب يرى فِي الرحم](2)

وبالله تعالَى التوفيق.

(1) في (ن 1): (قرت الجراني).، وفي (ن 3):(حر هند الحواني).

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).

ص: 912