المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[باب الضمان] الضَّمَانُ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ، وصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ - مختصر خليل - ومعه شفاء الغليل في حل مقفل خليل - جـ ٢

[ابن غازي - خليل بن إسحاق الجندي]

فهرس الكتاب

- ‌[باب البيوع]

- ‌[باب الصرف]

- ‌[باب المطعومات]

- ‌[باب البيوع المنهي عنها]

- ‌[باب بيوع الآجال]

- ‌[فصل]

- ‌[باب الردّ بالعيب]

- ‌[باب المرابحة والمداخلة والثمار، والعرية والجائحة والمنازعة]

- ‌[ما يتناوله البيع]

- ‌[اختلاف المتبايعين]

- ‌[باب السلم والقرض والمقاصّة]

- ‌[فصل]

- ‌[أحكام المقاصة]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب التفليس]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الشركة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌[باب الإقرار]

- ‌[باب الاستلحاق]

- ‌[باب الإيداع]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الاستحقاق]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب القسمة]

- ‌[باب القِرَاضِ]

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[فصل كراء الدوابّ والرباع]

- ‌[فصل]

- ‌[باب الجعل]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الوقف]

- ‌[باب الهبة]

- ‌[باب اللُقَطة]

- ‌[باب الأقضية]

- ‌[أحكام القضاء]

- ‌[باب الشهادة]

- ‌[باب الدماء]

- ‌[فصل الدية]

- ‌[باب الباغية]

- ‌[باب الردة]

- ‌[باب الزنا]

- ‌[باب القذف]

- ‌[باب السرقة]

- ‌[باب الحرابة]

- ‌[باب الخمر والحد والضمان]

- ‌[باب العتق]

- ‌[باب التدبير]

- ‌[باب الكتابة]

- ‌[باب أم الولد والولاء]

- ‌[أحكام الولاء]

- ‌[باب الوصية]

- ‌[باب الفرائض]

الفصل: ‌ ‌[باب الضمان] الضَّمَانُ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ، وصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ

[باب الضمان]

الضَّمَانُ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ، وصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ كَمُكَاتِبٍ، ومَأْذُونٍ إِنْ أَذِنَ سَيِّدُهُمَا، وزَوْجَةٍ، ومَرِيضٍ بِثُلُثٍ، واتُّبِعَ ذُو الرِّقِّ إِنْ عَتَقَ، ولَيْسَ لِسَيِّدِهِ جَبْرُهُ عَلَيْهِ، وعَنِ الْمَيِّتِ والْمُفْلِسِ.

قوله: (الضَّمَانُ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ) لَمْ يرتض ابن عرفة هذا التعريف، بل قال: الحمالة التزام دينٍ لا يسقطه، أو طلب من هو عَلَيْهِ لمن هو له، وقول ابن الحاجب تابعا لعبد الوهّاب: شغل ذمة أخرى بالحقّ (1). لا يتناولها؛ لأن شغل ذمةٍ أخرى إنما هو لازم لها لا نفسها؛ لأنها مكتسبة، والشغل حكم غير مكتسب كالملك مع البيع. فتأمله، وقول ابن عبد السلام:" إطلاق الحمالة عَلَى الطلب عرفاً إنما هو مجاز لا حقيقة. يردُّ بمنعه لظاهر إطلاقات " المدونة "، والأمهات والمتقدمين والرواة ". انتهى.

فالضمان فِي تعريف ابن عرفة منوع إلى التزام الدين وإلى التزام طلبه، والضمان عنده مكتسب والشغل لازمه كما أن البيع مكتسب والملك لازمه.

والضَّامِنِ، والْمُؤَجَّلِ حَالاً، إِنْ كَانَ مِمَّا يُعَجَّلُ، وعَكْسُهُ.

قوله: (وعَكْسُهُ) هو أن يضمن الدين بعدما حلّ بشرط تأخيره لأجل قال فِي " المدونة ": وإن أخّره به بعد الأجل برهن أو حميل جَازَ؛ لأنه ملك قبض دينه مكانه فتأخيره به كابتداء سلف عَلَى [87 / ب] حميل أو رهن، وإن لَمْ يحل الأجل وأخّره به إلى أبعد من الأجل بحميل أو رهن لَمْ يجز؛ لأنه سلف بنفع (2). قال غيره: ولا يلزم (3) الحميل شيء، ولا يكون الرهن به رهناً وإن قبض فِي فلس الغريم أو موته.

إِنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ أَوْ لَمْ يُوسِرْ فِي الأَجَلِ.

قوله: (إِنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ أَوْ لَمْ يُوسِرْ فِي الأَجَلِ) يعني أن صحة الضمان فِي العكس المذكور مشروطة بأحد الشرطين: إما أن يكون الغريم الذي هو المدين موسراً بحيث

(1) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:391.

(2)

النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 30.

(3)

في: (ن 1)، و (ن 3):(يلزم في).

ص: 759

يكون طالبه الذي أخره كمبتديء سلف بشرط حميل، وإليه أشار بقوله:(إِنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ)، وإما أن يكون المدين المذكور معسراً أو لَمْ تجر عادة فِي مثله؛ بأن يحدث له يسر فِي أثناء الأجل الذي أخّره إليه، وإليه أشار بقوله:(أَوْ لَمْ يُوسِرْ فِي الأَجَلِ) وذلك أن من له دين حالٌ عَلَى معسر، فأخّره به إلى أجل ما فلا يخلو أن يكون الغالب عَلَيْهِ أنّه يوسر عند حلول ذلك الأجل أو بعده أو قبله.

فأما القسمان الأولان فلا يختلف المذهب فِي جوازهما؛ لأن تأخير الغريم المعسر فِي هذا الأجل واجب فليس الطالب بمُسَلِّفٍ حقيقة ولا حكماً.

وأما القسم الثالث فمنعه ابن القاسم لاستلزامه سلفاً جرّ منفعة، وذلك أن هذا الغريم المعسر إِذَا كَانَ ينقضي عسره فِي الغالب بانقضاء شهرين مثلاً كبعض أصحاب الغلات، فإذا أخّره الطالب إلى أربعة أشهر فقد سلف الطالب غريمه إذ أخره الشهرين الأخيرين اللذين لا يجب عَلَيْهِ أن يؤخره فيهما؛ لأن من أخر ما وجب له يعدّ مسلفاً عَلَى المذهب (1)، وانتفع هذا المسلف بالحميل الذي أخذه من غريمه بهذا الدين فِي الشهرين السابقين وفِي الشهرين الأخيرين، وأجاز هذا أشهب؛ لأن يسار المديان بعد عسره متوهم لا ينبغي أن تتغيّر الأحكام بسببه.

وأصل هذا ما تقدم من نصّ " المدونة " فيمن له دين عَلَى رجلٍ إلى أجلٍ لَمْ يحل فأخره إلى أبعد من الأجل بحميل أو رهن لَمْ يجز لأنه سلف بنفع (2). هذا تقرير ابن عبد السلام وأصله للخمي.

وبِالْمُوسِرِ أَوِ الْمُعْسِرِ، لا الْجَمِيعِ.

قوله: (وبِالْمُوسِرِ أَوِ الْمُعْسِرِ، لا الْجَمِيعِ) عطف عَلَى (من أهل التبرع) أي: [وصح الضمان من أهل التبرع](3) وعن الميت وبالموسر، فـ (من)، و (عن)، و (الباء) متعلقات

(1) في (ن 1): (المشهور من المذهب).

(2)

انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 30.

(3)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).

ص: 760

بـ (صحّ)، ومراده الموسر به والمعسر به، فحذف الباء، واستكنّ الضمير فِي اسم المفعول، ويحتمل أن تتعلّق هذه الحروف بضمير الضمان المستتر فِي (صحّ) عَلَى قول من يرى ذلك من النحاة، وهو خلاف ما جزم به ابن مالك فِي " الكافية " إذ قال:

وأهمل المضمر والمحدود

ومصدر فارقه التوحيد

ويعني: أن المديان إِذَا كَانَ موسراً ببعض الدين، ومعسراً ببعضه كالنصف مثلاً فإنه يجوز أن يعطيه ضامناً بأحدهما خاصة، كما لو قضاه النصف الذي هو به موسر، وأعطاه حميلاً بالنصف [الذي](1) هو به معسر، إذ لا مانع من ذلك، وكذلك لو أخرّه بنصف الدين، وأعطاه بهذا النصف الذي أخره به حميلاً، وأبقى النصف الثاني عَلَى الحلول لجاز ذلك؛ لأنه يعود الأمر فِيهِ إلى الصورة التي قبله؛ لأن له طلب ذلك النصف الذي لَمْ يؤخره به والفرض أنّه موسر به.

وأما لو أخّره بالجميع عَلَى أن أعطاه حميلاً بالجميع أَيْضاً ما جَازَ ذلك؛ لأنه سلفٌ جرّ منفعة، ألا ترى أنّه مسلف للنصف الذي الغريم به موسر لتأخيره إياه عَلَى حميل به، وبالنصف الثاني، وذلك نفع فِي النصف الذي هو به معسر (2)، وأصل هذا للخمي وابن رشد، وهكذا قرره ابن عبد السلام، إِلا أنّه جعل فِي منع ضمان الجميع نظراً إِذَا فرضنا أن حاله فِي العسر لا تنتقل إلى اليسر فِي ذلك الأجل قال: لأنه لو كَانَ موسراً بالجميع لجازت المسألة ولو كَانَ معسراً لا يقدر عَلَى قضاء شيء من دينه لجازت المسألة أَيْضاً.

وأما إن كَانَ ينتقل إلى اليسر قبل انقضاء الأجل فلا شكّ فِي المنع عَلَى أصل ابن القاسم فِي المسألة السابقة. قال ابن عرفة: لا يخفى عَلَى منصفٍ سقوط احتجاجه عَلَى ما زعمه من النظر؛ لأنه إِذَا كَانَ معسراً بالجميع فلا عوض عن الحمالة بوجه، وإِذَا كَانَ موسراً بالبعض فالعوض عنها موجود وهو تأخيره بالبعض الذي هو به موسر، فيدخله ضمان بجعل وسلف جر منفعة، حسبما قرره غير واحد. انتهى، واعتراضه عَلَيْهِ بيّن. والله تعالى أعلم.

(1) ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).

(2)

في (ن 3): (موسر).

ص: 761

بِدَيْنٍ لازِمٍ، أَوْ آيِلٍ، لا كِتَابَةٍ بَلْ كَجُعْلٍ، ودَايِنْ فُلاناً، ولَزِمَ فِيمَا ثَبَتَ وهَلْ يُقَيَّدُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ؟ تَأْوِيلانِ ولَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْمُعَامَلَةِ، بِخِلافِ احْلِفْ وأَنَا ضَامِنٌ بِهِ، إِنْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ضَامِنِهِ.

قوله: (بِدَيْنٍ لازِمٍ، أَوْ آيِلٍ، لا كِتَابَةٍ بَلْ كَجُعْلٍ) الأَظْهَر فِي باء (بدين) السببية والعامل فِيهَا صحّ أو فاعله؛ عَلَى ما تقدم فِي قوله: (وبالموسر).

فإن قلت: لو قال بدينٍ لازمٍ أو آيل كجعل لا كتابة؛ لكان أحسن.

قلت: بل ترتيبه أحسن؛ لعطفه دائن عَلَى كجعل إذ هما معاً آيلان، واقتضى حسن الإلقاء أن لا يقدمهما لطول التفريع فِي الثانية منهما، وفِي بعض النسخ:(لا كتابة، بل بمعجّل كجعل)، والمعنى عَلَى هذا: لا يجوز الضمان بكتابة بل إنما يجوز بعوض عتق معجّل (1) كما يجوز بالجعل، فهو كقوله فِي " المدونة ": ولا تجوز الكفالة بكتابة المكاتب، وأما من عجّل عتق عبده عَلَى مال جازت الكفالة بذلك، وكذلك من قال لرجلٍ: عجّل عتق مكاتبك وأنا بما فِي كتابته كفيل، جَازَ وله الرجوع بذلك عَلَى المكاتب (2).

وأما الجعل فلم يوقف فِي عينه عَلَى رواية فِي " المدونة "[88 / أ] ولا غيرها، ولكن نصّ المازري عَلَى جواز الضمان فِيهِ، ولله درّ المصنف حيث لَمْ يزر به نقل ابن شاس وأتباعه فِي ذلك؛ وذلك أن ابن شاس قال: لا يجوز ضمان الجعل إِلا بعد العمل، وتبعه ابن الحاجب (3)، وقرره ابن راشد القفصي، وكذلك ابن عبد السلام قائلاً: لأن الجعالة قبل العمل ليست بعقدٍ منبرم فأشبهت الكتابة.

ولم يقنع حَتَّى زاد فِي جواز الحمالة بما بعد العمل نظر؛ لأن الخيار للعامل بعد العمل فقال فِي " التوضيح ": فِي هذا نظر أما أولا فإنه وإن لَمْ يكن ديناً لازماً فِي الحال فسيلزم فهو آيل إلى اللازم، وأما ثانياً فهو خلاف قول المازري: " ومن الحقوق المالية ما ليس بعقدٍ

(1) في (ن 3): (مؤجل).

(2)

النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 29، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 13/ 270، 271.

(3)

انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 2/ 815. وقال ابن الحاجب: (ولا يصح بالكتابة ولا بالجعل قبل العمل) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص 392.

ص: 762

لازم كالجعل عَلَى مذهب من يرى أنّه لا يلزم بالعقد كقوله: إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة دنانير، فهذا تصحّ الحمالة به أَيْضاً قبل المجيء بالآبق، فإن جاء به لزم ما تحمّل به، وإن لَمْ يأت به سقطت الحمالة ". انتهى (1).

وأما ابن عرفة فلم يذكر كلام المازري، ولكن قال: قول ابن شاس وابن الحاجب: لا يجوز ضمان الجعل إِلا بعد العمل، لا أعرفه لغيرهما وفِيهِ نظر، ومقتضى المذهب عندي الجواز لقول " المدونة " مع غيرها بصحة ضمان ما هو محتمل الثبوت استقبالاً، وتوجيه ابن عبد السلام نقل ابن الحاجب بقوله: لأن الجعالة قبل العمل ليست بعقد منبرم، فأشبهت الكتابة، يردّ بأن حمالة الكتابة تؤدي إلى الغرم مجاناً حسبما تقدم؛ لأنها ليست ديناً ثابتاً، والجعل مهما غرمه الحميل رجع به؛ لأنه بعد تقرره دين ثابت.

وفِي " وجيز " الغزالي فِي ضمان الجعل فِي الجعالة وجهان (2).

وإِنْ جُهِلَ، أَوْ مَنْ لَهُ، أوَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَأَدَائِهِ رِفْقاً لا عَنَتاً فَيُرَدُّ كَشِرَائِهِ.

قوله: (وإِنْ جُهِلَ، أَوْ مَنْ لَهُ، أوَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَأَدَائِهِ) هذه ثلاثة من أركان الضمان:

الأول: المال المضمون، وإليه أشار بقوله:(وإن جهل) قال فِيهِ ابن عرفة: جهل قدر المتحمل به غير مانعٍ اتفاقاً.

الثاني: الشخص المضمون له، وإليه أشار بقوله:(أو من له) قال فِيهِ ابن عرفة المتحمل [له من ثبت حقه عَلَى المتحمل عنه](3) ولو جهل؛ ولذا قال المازري: من ضمن دين ميّت لزمه ما طرأ عَلَيْهِ من دين غريم لَمْ يعلم به.

الثالث: الشخص المضمون عنه، وإليه أشار بقوله:(أو بغير إذنه) فهو كقول ابن الحاجب: المضمون عنه لا يشترط رضاه، إذ يجوز أن يؤدي بغير إذنه (4). واحتج له ابن

(1) انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 8/ 637.

(2)

انظر: شرح الوجيز، للرافعي: 10/ 369.

(3)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).

(4)

انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:391.

ص: 763

عبد السلام بإقرار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمان من ضمن الميت حسبما خرّج البخاري (1)، وحصول الرضى من الميّت محال. قال ابن عرفة: نصوص " المدونة " مع غيرها بصحة الحمالة دون رضى المتحمل عنه واضحة منها قولها: من تكفّل عن صبيٍ بحق قضي به عَلَيْهِ، فأداه عنه بغير أمر وليه فله أن يرجع به فِي مال الصبي (2).

المتيطي وابن فتوح: من العلّماء من قال: لا تلزم الحمالة الذي عَلَيْهِ الحقّ إِلا بأمره؛ ولذا كتب كثير من الموثقين تحمل عن فلان بأمره. انتهى.

فإن قلت: ضمير الغائب لا يعود عَلَى الأبعد إِلا بدليل، فما الدليل عَلَى عود الضمير من قوله:(أو بغير إذنه) عَلَى غير ما يليه؟

قلت: دليله قوله: بعده (كأدائه)، والذكي يفهم بالإشارة.

وهَلْ إِنْ عَلِمَ بَائِعُهُ وهُوَ الأَظْهَرُ؟ تَأْوِيلانِ، لا إِنِ ادُّعِيَ عَلَى غَائِبٍ فَضَمِنَ ثُمَّ أَنْكَرَ، أَوْ قَالَ لِمُدَّعٍ عَلَى مُنْكِرٍ إِنْ لَمْ آتِكَ بِهِ لِغَدٍ فَأَنَا ضَامِنٌ بِهِ ولَمْ يَأْتِ بِهِ، إِنْ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُ بِبَيِّنَةٍ، وهَلْ بِإِقْرَارِهِ؟ تَأْوِيلانِ كَقَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَجِّلْنِي الْيَوْمَ، فَإِنْ لَمْ أُوَافِكَ غَداً فَالَّذِي تَدَّعِيهِ عَلَيَّ حَقٌّ، ورَجَعَ بِمَا أَدَّى ولَوْ مُقَوَّماً، إِنْ ثَبَتَ الدَّفْعُ، وجَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَا جَازَ لِلْغَرِيمِ عَلَى الأَصَحِّ.

قوله: (وهَلْ إِنْ عَلِمَ بَائِعُهُ وهُوَ الأَظْهَرُ؟ تَأْوِيلانِ) إنما وقفت عَلَى هذا الترجيح لابن يونس وعنه نقل فِي " التوضيح "(3)، فإن لَمْ يقله ابن رشد فصوابه وهو الأَرْجَح.

ورَجَعَ بِالأَقَلِّ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ. وإِنْ بَرِئَ الأَصْلُ بَرِئَ [58 / ب] لا عَكْسُهُ. وعُجِّلَ بِمَوْتِ الضَّامِنِ، ورَجَعَ وَارِثُهُ بَعْدَ أَجَلِهِ أَوِ الْغَرِيمِ إِنْ تَرَكَهُ، ولا يُطَالَبُ، إِنْ حَضَرَ الْغَرِيمُ مُوسِراً، أَوْ لَمْ يَبْعُدْ إِثْبَاتُهُ عَلَيْهِ.

(1) نص الحديث كما رواه البخاري برقم: (2168) 2/ 799، كتاب الحوالات، باب إن أحال دين الميت على رجل جاز: (عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: ". . . ثم أتي بالثالثة فقالوا: صل عليها. قال: " هل ترك شيئا " قالوا: لا. قال: " فهل عليه دين " قالوا: ثلاثة دنانير. قال: " صلوا على صاحبكم " قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله، وعليّ دينه، فصلى عليه ".

(2)

النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 16، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 13/ 255.

(3)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 8/ 674.

ص: 764

قوله: (وَرَجَعَ بِالأَقَلِّ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ) الوجه فِي مثل هذا أن يعطف بالواو؛ لأنه لا يغني متبوعه، والمعنى: ورجع الضامن عَلَى الغريم بأقلّ الأمرين من الدين ومن قيمة ما دفع فِي الصلح إِذَا كَانَ المدفوع من ذوات القيم لا من ذوات الأمثال، وكذا بيّنه ابن عبد السلام، فالضمير فِي (منه) يعود عَلَى الدين كما عاد عَلَيْهِ الضمير المجرور بعن فِي قوله:(وجَازَ صلحه عنه)، والضمير فِي (قيمته) يعود عَلَى لفظ: ما من قوله: (بما جَازَ للغريم) وهي واقعة عَلَى المصالح به، وهذا من رقيق اللف والنشر المرتب وذهن السامع النحرير كفيل بتمييزه وفِي الإشارة ما يغني عن الكلم.

والْقَوْلُ لَهُ فِي مَلائِهِ، وأَفَادَ شَرْطُ أَخْذِ أَيِّهِمَا شَاءَ وتَقْدِيمِهِ، أَوْ إِنْ مَاتَ.

قوله: (وَالْقَوْلُ لَهُ فِي مَلائِهِ، وأَفَادَ شَرْطُ أَخْذِ أَيِّهِمَا شَاءَ وتَقْدِيمِهِ، وْ إِنْ مَاتَ) هكذا ذكر فِي " التوضيح " هذه الفروع الأربعة وقال: إنها مرتبة عَلَى المشهور يعني ألا يغرم الحميل إِلا فِي عدم الغريم أو غيبته. أما الفرعان الأولان فتصورهما ظاهر، وأما الثالث فالمراد بتقديم الحميل التبدية به.

قال المازري: إن شرط الغريم التبدية بالحميل فإن كَانَ فِي اشتراطه منفعة لكونه أملأ أو أسمح قضاءً وجب الوفاء بشرطه، وإن لَمْ تظهر المنفعة جرى عَلَى الخلاف فِي الوفاء بما لا يفيد. زاد فِي " التوضيح " وَعمم فِي البيان الخلاف سواءً ظهر للشرط فائدة أم لا (1).

وأما الرابع فأشار به إلى قوله فِي " المدونة ": وإن قال إن لَمْ يوفك حقك حَتَّى يموت [فهو عليّ، فلا شيء عَلَى الكفيل حَتَّى يموت الغريم (2). قال ابن يونس: يريد يموت](3) عديماً. اللخمي: " وإن شرط الحميل أن لا يؤدي إِلا أن يموت هو أو يموت المكفول جَازَ، ولم يؤخذ بغير ما شرط ". [88 / ب] انتهى.

وقد علمت أن المشترط فِي الرابع هو الحميل، وأن المشترط فِي الفرعين قبله هو ربّ

(1) انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 8/ 606.

(2)

النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 37، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 13/ 257.

(3)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).

ص: 765

الحق، عَلَى أنّه فِي " التوضيح " لَمْ يذكر اشتراط تعليق الغرم بالموت خصوصاً، ولكن قال: الرابع لو شرط الحميل أن لا يغرم إِلا بعد تعذر الوفاء من [المطلوب لَمْ يختلف فِي إعمال الشرط، وألحق المازري بذلك ما إِذَا كانت العادة عدم مطالبة الضامن إِلا بعد تعذر الوفاء من](1) المديان. انتهى (2).

يعني أن قول مالك الأول بالتخيير ينتفي مع الشرط أو العرف المذكورين، وعزا هذا ابن عبد السلام لبعض كبار الشيوخ وهو المازري. والله تعالى أعلم.

كَشَرْطِ ذِي الْوَجْهِ، أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ، التَّصْدِيقَ فِي الإِحْضَارِ، ولَهُ طَلَبُ الْمُسْتَحِقِّ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ أَجَلِهِ، لا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إِلَيْهِ، وضَمِنَهُ إِنِ اقْتَضَاهُ لا أُرْسِلَ بِهِ، ولَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ، الْمُعْسِرَ، أَوِ الْمُوسِرَ، إِنْ سَكَتَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، إِنْ حَلَفَ أنّه لَمْ يُؤَخِّرْهُ مُسْقِطاً.

قوله: (كَشَرْطِ ذِي الْوَجْهِ، أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ، التَّصْدِيقَ فِي الإِحْضَارِ)(التصديق) مفعول بشرط، وهو راجع لهما أي كشرط ضامن الوجه التصديق فِي إحضار المديان، وشرط رب الدين التصديق فِي عدم إحضاره، وأشار بهذا إلى قول المتيطي: وإِذَا اشترط ضامن الوجه أنّه مصدق فِي إحضار وجهه دون يمين تلزمه كَانَ له شرطه وإن انعقد فِي وثيقة الضمان تصديق المضمون له [فِي إحضار](3) وجهه إن ادعى الضامن أنّه قد أحضره دون يمين تلزمه (4) فهو من الحزم للمضمون له وتسقط عنه اليمين إن ادعى الضامن عَلَيْهِ إحضاره.

وإِنْ أَنْكَرَ، حَلَفَ أنّه لَمْ يُسْقِطْ ولَزِمَهُ، وتَأَخَّرَ غَرِيمُهُ بِتَأْخِيرِهِ، إِلا أَنْ يَحْلِفَ وبَطَلَ، إِنْ فَسَدَ مُتَحَمِّلٌ بِهِ.

قوله: (وإِنْ أَنْكَرَ، حَلَفَ أنّه لَمْ يُسْقِطْ ولَزِمَهُ) أي: وإن أنكر الضامن حلف الطالب أنّه لَمْ يسقط الحمالة ولزم الضمان الضامن ويبقى الحقّ حالاً، وقد فهمت صدر المسألة.

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).

(2)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 8/ 607.

(3)

زاد في (ن 4): (في عدم إحضار) واستدركت فوق السطر.

(4)

زاد في (ن 1): كان له شرطه وإن انعقد في وثيقة الضمان تصديق المضمون له في إحضار وجهه إن ادعى الضامن أنه قد أحضره دون يمين تلزمه.

ص: 766

أَوْ فَسَدَتْ كَبِجُعْلٍ [وإن](1) مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ كَمَدِينِهِ، وإِنْ ضَمَانَ مَضْمُونِهِ، إِلا فِي اشْتِرَاءِ شَيْءٍ بَيْنَهُمَا، أَوْ بَيْعِهِ، كَقَرْضِهِمَا عَلَى الأَصَحِّ، فَإِنْ تَعَدَّدَ حُمَلاءُ اتُّبِعَ كُلٌّ بِحِصَّتِهِ، إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ.

قوله: (أَوْ فَسَدَتْ (2) كَبِجُعْلٍ (3) وإن مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ كَمَدِينِهِ) كذا فِي كثيرٍ من النسخ (غير) بالغين المعجمة والياء والراء و (كمدينه) بكاف التشبيه، فهو كقوله فِي " توضيحه ": لا يجوز للضامن أن يأخذ جعلاً سواءً كَانَ من ربّ الدين أو المدين أو غيرهما (4). وفِي بعض النسخ: وإن من عند ربه لمدينه. بلفظ: عند، بالعين المهملة والنون والدال، ولمدينه باللام، وصوابه عَلَى هذا أن يقول: لا من عند ربه لمدينه، بلا النافية؛ حَتَّى يكون مطابقاً لقوله فِي " توضيحه ": اختلف إِذَا كَانَ ربّ الدين أعطى المديان شيئاً عَلَى أن أعطاه حميلاً، فأجازه مالك وابن القاسم وأشهب وغيرهم، وعن أشهب فِي " العُتْبِيَّة ": لا يصحّ. وعنه أَيْضاً أنّه كرهه. وقال اللخمي وغيره: الجواز أبين (5).

كَتَرَتُّبِهِمْ.

قوله: (كَتَرَتُّبِهِمْ) كأنه يشير به لقوله فِي " المدونة ": ومن أخذ من غريمه كفيلاً بعد كفيل فله فِي عدم الغريم أن يأخذ بجميع حقّه أيُّ الكفيلين شاء، بِخِلاف كفيلين فِي صفقة لا يشترط حمالة بعضهم ببعض، وليس أخذ الحميل الثاني إبراءاً للأول؛ ولكن كلّ واحد منهما حميل بالجميع (6).

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من أصل المختصر، والمطبوعة.

(2)

في (ن 1): (فسرت من).

(3)

في (ن 1): (كجعل)، وفي (ن 3):(كبجعل).

(4)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 8/ 595.

(5)

نقل الحطاب رحمه الله كلام المؤلف هنا مستصوباً له ومقرراً، وبين وجه الفساد فيما لم يعتمده. انظر: مواهب الجليل: 5/ 111، وانظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 8/ 596، 597.

(6)

النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 25، وتأمل ما به من تصحيف.

ص: 767

ورَجَعَ الْمُؤَدِّي بِغَيْرِ الْمُؤَدَّى عَنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ مَا عَلَى الْمُلْقِي، ثُمَّ سَاوَاهُ.

قوله: (وَرَجَعَ الْمُؤَدِّي [بِغَيْرِ الْمُؤَدَّى] (1) عَنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ مَا عَلَى الْمُلْقِيّ، ثُمَّ سَاوَاهُ) (بِكُلِّ) بدل من (بغير) بدل بعض من كل، والعامل فيهما (رجع)، و (الْمُلْقِيّ) بكسر القاف وتشديد الياء اسم مفعول من الثلاثي.

فَإِنِ اشْتَرَى سِتَّةٌ بِسِتِّمِائَةٍ بِالْحَمَالَةِ فَلَقِيَ أَحَدَهُمْ أَخَذَ مِنْهُ الْجَمِيعَ، ثُمَّ إِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمْ أَخَذَهُ بِمِائَةٍ، ثُمَّ بِمِائَتَيْنِ.

قوله: (فَإِنِ اشْتَرَى سِتَّةٌ) فِي بعض النسخ بالفاء، وفِي بعضها بالكاف، وكلاهما صحيح.

فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا ثَالِثاً أَخَذَهُ بِخَمْسِينَ وبِخَمْسَةٍ وسَبْعِينَ فَإِنْ لَقِيَ الثَّالِثُ رَابِعاً أَخَذَهُ بِخَمْسَةٍ وعِشْرِينَ وبِمِثْلِهَا، ثُمَّ بِاثْنَيْ عَشَرَ ونِصْفٍ وبِسِتَّةٍ ورُبُعٍ.

قوله: (فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا ثَالِثاً أَخَذَهُ بِخَمْسِينَ وبِخَمْسَةٍ وسَبْعِينَ). عياض: اختلفوا إِذَا لقي الثاني من الستة الثالثة فِي مسألة الكتاب، فإنه قال: يأخذه بخمسين، وهي التي قضاها عنه خاصة من الدين الذي عَلَيْهِ، ويرجع عَلَيْهِ بخمسة وسبعين نصف ما أدى بالحمالة وهي مائة وخمسون، فجميع ذلك مائة وخمسة وعشرون، وعَلَى هذا النحو [حسب](2) الفقهاء كلهم المسألة، وصوروا التراجع بينهم إلى تمامها.

وذهب أبو القاسم الطنيزي الفارض إلى أن هذا العمل - عَلَى هذا - غلط فِي الحساب، وأن صورة التراجع من الثاني مع الثالث يجب أن يكون عَلَى غير هذا العمل، بل يجب إِذَا التقى الثالث مع أحد الأولين وطلبه بالاعتدال معه أن يقول له الثالث نحن الثلاثة كأنّا اجتمعنا معاً باجتماع بعضنا ببعض، ولو اجتمعنا معاً لكان المال علينا أثلاثاً مائتان عَلَى كلّ واحد، مائتان غرمتهما أنت وصاحبك عني فخذ واحدة أنت التي تجب لك، وسأدفع إلى صاحبك المائة التي دفع عني إِذَا لقيته فتستوي فِي الغرم كل واحد مائتين كما لو اجتمعنا فِي دفعة واحدة، وهكذا إِذَا لقي الثالث الرابع وكذا فِي بقية المسألة فانظرها فِي " معاملة " الطنيزي.

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 4).

ص: 768

ابن عرفة: قبل عياض وغيره قول الطنيزي؛ وهو غلط فِي الفقه؛ لأن مآله عدم غرم الثالث بالحمالة؛ لأن جملة ما غرمه عَلَى قوله فِي لقائه بالثاني مائة وهي الواجبة عَلَيْهِ [فِيمَا عَلَيْهِ](1) بالشراء، واستواؤها فِي التزام الحمالة يوجب استواؤهما فِي الغرم لها، واستواؤهما فِيهِ يوجب رجوع الثاني عَلَى الثالث بما قاله الفقهاء.

وهَلْ لا يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ أَيْضاً إِذَا كَانَ الْحَقُّ عَلَى غَيْرِهِمْ أَوْ لا وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ؟ تَأْوِيلانِ. وصَحَّ بِالْوَجْهِ، ولِلزَّوْجِ، رَدُّهُ مِنْ زَوْجَتِهِ، وبَرِئَ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ وإِنْ بِسِجْنٍ، أَوْ بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ، إِنْ أَمَرَهُ بِهِ، إِنْ حَلَّ الْحَقُّ، وبِغَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ إِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ.

قوله: (وهَلْ لا يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ أَيْضاً إِذَا كَانَ الْحَقُّ عَلَى غَيْرِهِمْ أَوْ لا وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ؟ تَأْوِيلانِ). كذا فِي كثير من النسخ [89 / أ] وهو كلام معكوس، وفِي بعض النسخ: (وَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ إِذَا كَانَ الْحَقُّ

إلى آخره)، بإسقاط لفظ:(لا) ولفظ (أَيْضاً)؛ وهو الصواب المطابق لقول عياض. وفِي " التنبيهات " ما نصّه: " وأما إن كَانَ الحقّ عَلَى غيرهم وهم كفلاء فقط بعضهم ببعض، فها هنا اختلف إِذَا أخذ الحقّ من أحدهم، ثُمَّ لقي الآخر هل يقاسمه بالسواء فِي الغرم حَتَّى يعتدلا؟؛ إذ الحقّ عَلَى غيرهم، أو إنما يقاسمه بعد إسقاطه ما يخصّه من الحق كالمسألة الأولى؟

وإلى التسوية ذهب ابن لبابة والتونسي وغيرهما قالوا: لأنهم سواء فِي الحمالة، وليس يخص أحدهم ما لا يخصّ غيره، وإلى المحاسبة ذهب كثير من مشايخ الأندلسيين ونحوه فِي كتاب محمد، وفِي سماع أبي زيد فِي " المستخرجة "، وجعلوا ما ينوب كلّ واحد من المال وهو مائة بالحمالة كما [لو](2) ثبت عَلَيْهِ من أصل دين كمسألة الستة فِي " المدونة ". انتهى.

فإن قلت: لعل المصنف أراد بالأكثر ابن لبابة والتونسي وغيرهما، وينعشه أنّه فِي " التنبيهات " نسب مقابله لكثيرٍ من مشايخ الأندلسيين لا لأكثر المشايخ عَلَى الجملة؟

قلت: هذا بعيد جداً، ومما يوضح بُعده أنّ ابن رشد فِي " المقدمات " ما ذكر مع

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).

(2)

في (ن 1)، و (ن 3):(له).

ص: 769

التونسي غيره، وصوّب ما فِي " المَوَّازِيَّة " وسماع أبي زيد (1)، وقال: هو الذي يأتي عَلَى ما فِي " المدونة " فِي مسألة الستة كفلاء (2).

وبِغَيْرِ بَلَدِهِ، إِنْ كَانَ بِهِ حَاكِمٌ ولَوْ عَدِيماً، وإِلا أُغْرِمَ بَعْدَ خَفِيفِ تَلَوُّمٍ، إِنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ غَرِيمِهِ كَالْيَوْمِ ولا يَسْقُطُ [الْغُرْمُ](3) بِإِحْضَارِهِ، إِنْ حُكِمَ.

قوله: (وبِغَيْرِ بَلَدِهِ، إِنْ كَانَ بِهِ حَاكِمٌ) أشار به لقوله فِي " المدونة ": وكذلك إن دفعه (4) إليه بموضعٍ فِيهِ حكم وسلطان، وإن لَمْ يكن ببلده فيبرأ (5).

فرع:

لو شرط إحضاره ببلد فأحضره فِي غيره حيث تأخذه (6) الأحكام ففي براءته قَوْلانِ، نقلهما ابن عبد الحكم. ابن عرفة: وفِي تخريج المازري لهما عَلَى شرط ما لا يفيد نظر، ولو خرب الموضع المشترط فِيهِ حضوره ففي براءته بإحضاره فِيهِ قَوْلانِ نقلهما ابن عبد الحكم أَيْضاً، والنظر الذي أشار إليه ابن عرفة سبقه إليه شيخه ابن عبد السلام؛ إذ ذكر أن هذا الشرط قد يكون مقيداً كما إِذَا كَانَ البلد المشترط إحضاره فِيهِ هو موضع سكنى البينة، أو كَانَ الحقّ غير عين، وللطالب غرض فِي أخذه بمحل الاشتراط. انتهى.

فإن قلت: هل يجوز أن يعود الضمير من قول المصنف وبغير بلده عَلَى الاشتراط المفهوم من قوله قبله: (إن لَمْ يشترط)؟، ويكون أشار به إلى أحد القولين فِي مسألة ابن عبد الحكم وسكت عن مسألة " المدونة "؛ لأن البراءة فِيهَا أحرى.

(1) نصّ المسألة كما هي في سماع أبي زيد: (قال ابن القاسم في أربعة نفر، تحملوا لرجلٍ عن رجل بأربع مائة دنانير، وبعضهم حملاً عن بعض، فحل الأجل، وثلاثة منهم غيب، والرابع حاضر، فأغرمه صاحب الحق، مائتين، ثم جاء أحد الثلاثة الغيب، فقال: يغرم للذي أدى المائتين، ستة وستين ديناراً وثلثي دينار. قيل له: فإن لم يقدم أحد الغائبين الآخرين كيف يرجع عليه؟ قال: يغرم أربعة وأربعين ديناراً، أو أربعة اتساع الدينار، فيكون بين الذي غرم أولاً وبين الذي جاء الثاني نصفين سواء، اثنين وعشرين دينار وتُسعي دينار لكل واحد) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 11/ 367.

(2)

انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 2/ 74.

(3)

ما بين المعكوفتين زيادة من: المطبوعة.

(4)

في (ن 3): (دفع).

(5)

انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 15.

(6)

في (ن 1): (تأخذ).

ص: 770

قلت: لو صحّ تشهير القول بالبراءة فِي مسألة الاشتراط لبعد [هذا المحمل](1) فما ظنّك به إن لَمْ يصحّ؟!

إِلا إِنْ ثَبَتَ (2) عَدَمُهُ، أَوْ مَوْتُهُ فِي غَيْبَتِهِ ولَوْ بِغَيْرِ بَلَدِهِ.

قوله: (إِلا إِنْ ثَبَتَ عَدَمُهُ، أَوْ مَوْتُهُ فِي غَيْبَتِهِ ولَوْ بِغَيْرِ بَلَدِهِ)(3) يتمشي هذا الكلام عَلَى أن يكون من باب اللف والنشر المرتب، وتقديره: لا إن أثبت عدمه فِي غيبته أو موته ولو بغير بلده (4). فأما إن أثبت عدمه فِي غيبته فقال اللخمي: لا يغرم، وعَلَيْهِ اقتصر هنا، بِخِلاف قوله فِي باب: التفليس: (فَغَرِمَ إنْ لَمْ يَأْتِ ولَوْ أَثْبَتَ عَدَمَهُ) فإنه اختار هناك قول ابن رشد فِي " المقدمات ": وإما إن أثبت موته فقال ابن القاسم فِي " المدونة ": وإِذَا مات الغريم بريء حميل الوجه؛ لأن النفس المكفولة قد ذهبت (5).

وأشار بقوله: (ولو بغير بلده) إلى قول ابن القاسم فِي رسم سلف من سماع عيسى ما نصّه: " وإن مات بغير البلد الذي تحمّل فِيهِ قبل الأجل وكان المكان لو كَانَ حياً لَمْ يأت به حَتَّى يمضي الأجل فهو ضامن له وكذلك لو مات بعد الأجلّ بغير البلد كَانَ ضامناً له، طلبه أو لَمْ يطلبه؛ لأنه لو طلبه منه لَمْ يقدر عَلَى أن يأتيه (6) به. قال ابن القاسم: وكلّما قلت لك من خلاف هذه المسألة فدعه وخذ بهذا، وإن مات بغير البلد قبل الأجل وكَانَ فِيمَا بقى من الأجل ما يأتي به فِيهِ فلا شيء عَلَيْهِ ". انتهى.

وصرّح ابن رشد بأن هذا خلاف ما له فِي " المدونة "(7). قال ابن عبد السلام: وإنما لزم الكفيل الغرم فِي هذا القول؛ لأن تفريطه فِي الغريم حَتَّى خرج عن البلد كعجزه عن

(1) في (ن 3)، ن 5:(بهذا المحل).

(2)

في المطبوعة والأصل: (لا إن أثبت).

(3)

زاد في (ن 1): (فأما إن أثبت عدمه أو موته في غيبته ولو بغير بلده).

(4)

قلت: رحم الله المؤلف ما رآه صواباً لائقاً بمحل المسألة هو المثبت في أكثر ما وقفنا عليه من النسخ، فتطويله في المسألة لبنائه على عبارة وقع بها بعض التصحيف.

(5)

النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 14.

(6)

في (ن 3): (يأتي).

(7)

انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 11/ 320، 321.

ص: 771

إحضاره (1) وهو حيّ؛ لأنه لو منعه من الخروج لحلّ الأجل عَلَيْهِ وهو بالبلد، فتمكن رب الدين من طلبه.

ورَجَعَ بِهِ، وبِالطَّلَبِ، وإِنْ فِي قِصَاصٍ كَأَنَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ، أَوِ اشْتَرَطَ نَفْيَ الْمَالِ، أَوْ قَالَ لا أَضْمَنُ إِلا وَجْهَهُ، وطَلَبَهُ بِمَا يَقْوَى عَلَيْهِ، وحَلَفَ مَا قَصَّرَ.

قوله: (وَرَجَعَ بِهِ) أي بما أغرم قال فِي " المدونة ": ولو غرم الحميل ثُمَّ أثبت بينة أن الغريم قد مات فِي غيبته قبل القضاء رجع الحميل بما أدَّى عَلَى ربّ الدين؛ لأنه لو علم أنّه ميّت حين أخذ به الحميل لَمْ يكن عَلَيْهِ شيء، وإنما تقع الحمالة بالنفس ما كَانَ حياً (2).

وغَرِمَ إِنْ فَرَّطَ أَوْ هَرَّبَهُ، وعُوقِبَ، وحُمِلَ فِي مُطْلَقِ أَنَا حَمِيلٌ، وزَعِيمٌ، وأَذِينٌ، وقَبِيلٌ، وعِنْدِي وإِلَيَّ وشِبْهِهِ عَلَى الْمَالِ عَلَى الأَرْجَحِ والأَظْهَرِ، لا إِنِ اخْتَلَفَا.

قوله: (وَغَرِمَ إِنْ فَرَّطَ أَوْ هَرَّبَهُ، وعُوقِبَ) الذي فِي سماع حسين ابن عاصم من حمالة " العُتْبِيَّة ": " قلت لابن القاسم: فإن تبين أنّه [مُلَدٌّ] (3) وأنّه لا يطلبه؟ قال: وكيف يختبر هذا إِلا أن تقوم بينة أنّه خرج، فأقام بقرية ثُمَّ رجع ولم يتوجه إلى المحمول عنه وما أشبه ذلك، فأرى للسلطان أن يعاقبه بالحبس فِي ذلك عَلَى قدر [89 / ب] ما يرى، ويأمره بإحضار صاحبه إن قدر عَلَيْهِ، فأما ضمان المال فلا أراه عَلَيْهِ إِلا أن يكون لقيه فتركه أو غيّبه فِي بيته وأبى أن يظهره، فإذا ثبت ذلك ببينة رأيته ضامناً ". (4) انتهى.

وقد نسبه ابن عرفة لسماع أبي زيد، وإنما وجدته فِي سماع حسين بن عاصم. وعند اللخمي فيمن قوى دليل تهمته بمعرفة مكانه وله عن طلبه وإظهاره ولو أغرم المال لكان وجهاً، وذكر عن ابن القاسم فِي " المَوَّازِيَّة ": إن لَمْ يعرف موضعه لَمْ يسجن فِيهِ، إِلا أن يتهم بمعرفة موضعه فيسجن عَلَى قدر ما يرى السلطان ويرجوا به الرد عَلَى صاحبه.

(1) في الأصل، و (ن 4):(الإتيان به).

(2)

انظر: المدونة، لابن القاسم: 13/ 254.

(3)

في (ن 3): (ملك)، وفي البيان والتحصيل، لابن رشد:(ببلد).

(4)

انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 11/ 373، 374.

ص: 772

ولَمْ يَجِبْ وَكِيلٌ لِلْخُصُومَةِ ولا كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ بِالدَّعْوَى، إِلا بِشَاهِدٍ، وإِنِ ادَّعَى بَيِّنَةً فَكَالسُّوقِ أَوْقَفَهُ الْقَاضِي عِنْدَهُ.

قوله: (ولَمْ يَجِبْ وَكِيلٌ لِلْخُصُومَةِ) أشار به إلى قوله أول النصف الثاني من حمالة " المدونة ": وإن سأله وكيلاً بالخصومة حَتَّى يقيم البينة عند القاضي لَمْ يلزم المطلوب ذلك إِلا أن يشاء لأنا نسمع البينة فِي غيبة المطلوب (1). أبو الحسن الصغير: انظر هل [هو](2) الوكيل الذي يقوم مقامه وينوب عنه؛ لأن المطلوب قد يغيب أو معنى الوكيل الملازم الذي يحرسه ويلازمه، وأما الوكيل بمعنى النائب فعلى حدّ ما يخاف وأن يغيب المطلوب يخاف تغيّب الوكيل.

(1) النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 31، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 13/ 272، 273.

(2)

ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 2).

ص: 773