الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب الجعل]
صِحَّةُ الْجُعْلِ بِالْتِزَامِ أَهْلِ الإِجَارَةِ جُعْلاً.
قوله: (صِحَّةُ الْجُعْلِ بِالْتِزَامِ أَهْلِ الإِجَارَةِ جُعْلاً) أي صحة الجعالة بالتزام المتأهل بعقد الإجارة ثمناً، فظاهره أَن الشرط [قاصر](1) عَلَى الجاعل دون المجعول لَهُ، وليس كَذَلِكَ إذ لا يصحّ شيء من ذلك إِلا من الرشيد أَو من المحجور بإذن وليّه كما قال ابن عبد السلام. وقال ابن عرفة: شرطه أهلية [المعاوضة](2) فيهما.
ابن شاس وابن الحاجب: شرطهما أهلية الاستئجار والعمل (3).
ابن عبد السلام يعني بقوله: (والعمل) أَن عمل الجعالة قد يُمنع من بعض الناس كما لَو جُوعل ذمي عَلَى طلب مصحف ضاع لربّه، وكَذَلِكَ الحائض مدة الحيض.
ابن عرفة: " هذا الامتناع إنما هو شرعي، ولا يتمّ إِلا بقصر الجعالة عَلَى الجائز منها، والأَظْهَر اعتبارها من حيث ذاتها، ويفسر الامتناع بالامتناع العادي، كمجاعلة من لا يحسن العوم عَلَى رفع متاع من قعر بئر كثيرة الماء طويلة ". انتهى. فليتأمل.
عُلِمَ، يَسْتَحِقُّهُ السَّامِعُ بِالتَّمَامِ كَكِرَاءِ السُّفُنِ إِلا أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى التَّمَامِ فَبِنِسْبَةِ الثَّانِي.
قوله: (عُلِمَ) منه يفهم مَا ذكر ابن عرفة حيث حدّه [114 / ب] أنّه لَو قال: إِن جئتني بعبدي الآبق فلك عمله كذا أَو خدمته شهراً كَانَ جعلاً فاسداً لجهل عوضه. انتهى. وهو مثل قوله فِي " المدونة ": وإِن قال: من جاءني بِهِ فله نصفه لَمْ يجز (4)؛ لأنه لا يدري مَا دخله، ومَا لا يجوز بيعه لا يجوز أَن يكون ثمناً لإجارة أَو جعل.
(1) مَا بين المعكوفتين ساقط من الأصل.
(2)
في (ن 3): (المتواضعة).
(3)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 944، وانظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:422.
(4)
النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 3/ 390، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 11/ 459.
وإِنِ اسْتُحِقَّ ولَوْ بِحُرِّيَّةٍ، بِخِلافِ مَوْتِهِ بِلا تَقْدِيرِ زَمَنٍ إِلا بِشَرْطِ تَرْكٍ مَتَى شَاءَ ولا نَقْدٍ مُشْتَرَطٍ.
قوله: (وإِنِ اسْتُحِقَّ ولَوْ بِحُرِّيَّةٍ) كذا فِي النسخ بالإغياء، وأنت إِذَا تأملته وجدت اللائق أَن يقول: أَو استحق. بالعطف عَلَى المستثنى من مفهوم التمام.
فِي كُلِّ مَا جَازَ فِيهِ الإِجَارَةُ بِلا عَكْسٍ ولَوْ فِي الْكَثِيرِ إِلا فِي كَبَيْعِ سِلَعٍ لا يَأْخُذُ شَيْئاً إِلا بِالْجَمِيعِ.
قوله: (فِي كُلِّ مَا جَازَ فِيهِ الإِجَارَةُ بِلا عَكْسٍ) هذا عكس قوله فِي " المدونة ": وكل مَا جَازَ فيه الجعل جازت فيه الإجارة، وليس كل مَا جازت فيه الإجارة يجوز فيه الجعل (1) أي: فالإجارة أعم، ويشبه أَن يكون المصنف كتب فِي المبيضة فكلّ مَا جَازَ فيه جازت فيه الإجارة، عَلَى أَن يكون فاعل جَازَ الأول ضمير الجعل، فظنّه الناسخ تكراراً فأسقط إحدى الجملتين وعوّض الفاء بفي، وقد يصحّ بقاء اللفظ عَلَى حاله، عَلَى أَن يكون الإجارة مبتدأً وفِي (كلّ مَا جَازَ فيه) خبر مقدم، وفِي جَازَ أَيْضاً ضمير الجعل إِلا أنّه شديد التكلّف، فإذا زيد فِي أول الكلام: فاء أَو واو سهل شيئاً [مَا](2).
تحرير:
قال ابن عرفة: صدق هذه الكلّية عَلَى ظاهر قول ابن الحاجب وابن رشد و " التلقين "(3) القائلين بصحة الجعل فِي العمل المجهول، لا يصحّ، وعلى منعه فيه صدقها واضح، ويلزم منه منع الجعل عَلَى حفر الأرض لاستخراج ماء ونحوه مَعَ جهل حال الأرض لنصّ " المدونة " بمنع الإجارة عَلَى حفرها لذلك مَعَ جهل حالها، فلو جَازَ الجعل فيه مَعَ الجهل كذبت الكلية لصدق نقيضها أَو منافيها، وهو قولنا بعض مَا يجوز فيه الجعل ليس
(1) انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 3/ 344.
(2)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(3)
قال ابن الحاجب: (العمل: كعمل الإجارة، إلا أنه لا يشترط كونه معلوماً) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:442. وقال ابن رشد: (يجوز (أي الجعل) في المعلوم والمجهول) انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 1/ 446. وقال في التلقين: (ومن شروطه تقدير الأجرة دون العمل) انظر: التلقين، للقاضي عبد الوهاب: 2/ 405.
بجائز فيه الإجارة أَو غير جائز فيه الإجارة، الأول سلب، والثاني عدول وذلك البعض هو الأرض المجهول حالها لَهُمَا.
وفِي شَرْطِ مَنْفَعَةِ الْجَاعِلِ قَوْلانِ. ولِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ جُعْلُ مِثْلِهِ إِنِ اعْتَادَهُ.
قوله: (وَفِي شَرْطِ مَنْفَعَةِ الْجَاعِلِ قَوْلانِ) هذا كقوله فِي " المقدمات ": واختلف هل من شروط صحته أَن يكون فيه منفعة للجاعل أم لا؟ عَلَى قولين (1)، وظاهر كلام عياض فِي " التنبيهات " أَن المشهور اشتراط المنفعة للجاعل؛ لأنه قال: هو أَن يجعل الرجل للرجل أجراً معلوماً ولا ينقده إياه عَلَى عمل [يعمله](2) لَهُ معلوم أَو مجهول مما فيه منفعة للجاعل عَلَى خلاف فِي هذا الأصل عَلَى أنّه إِن عمله كَانَ لَهُ الجعل، وإن لَمْ يتمّ فلا شيء لَهُ مما لا منفعة فيه للجاعل إِلا بعد تمامه. وقال ابن يونس: قال عبد الملك: من جعل لرجلٍ جعلاً عَلَى أَن يرقى إِلَى موضعٍ من الجبل سماه لَهُ أنّه لا يجوز، ولا يجوز الجعل إِلا فيما ينتفع بِهِ الجاعل، يريد أنّه من أكل أموال الناس بالباطل.
تكميل:
قال المتيطي عن القابسي: لا يصلح الجعل فِي حفر بئرٍ أَو عينٍ [إلا](3) فِي ملك الجاعل، وقاله الجمّ الغفير. قال بعض الموثقين: وهو أحسن، وأجاز مالك الجعل فِي الغرس فِي ملكه، وعقد ابن العطار وثيقة جعل فِي حفر بئر وطيها بالصخر فِي ملك الجاعل واشترط الصخر عَلَى المجعول لَهُ. ابن عرفة: فيدخله أمران الجعل فِي أرض الجاعل، واجتماع الجعل والبيع.
وقال ابن عات: الجعل عَلَى الحفر فِي أرضٍ يملكها الجاعل خطأ، ومَا عقده ابن العطار جوّزه مالك فِي المغارسة، وهي فِي أرض الجاعل. ابن عرفة: إنما جوّزها مالك فِي ملك الجاعل؛ لأن عدم تمام العمل فيها لا يبقي نفعاً للجاعل فِي أرضه بِخِلاف الحفر فيها فتأمله، فاعتراضهم بها لغوٌ.
(1) انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 1/ 446.
(2)
في (ن 1): (فعمله).
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 4).
كَحَلِفِهِمَا بَعْدَ تَخَالُفِهِمَا. وَلِرَبِّهِ تَرْكُهُ وإِلا فَالنَّفَقَةُ. وَإِنْ أَفْلَتَ فَجَاءَ بِهِ آخَرُ فَلِكُلٍّ نِسْبَتُهُ.
قوله: (كَحَلِفِهِمَا بَعْدَ تَخَالُفِهِمَا) يشير لقول ابن الحاجب تبعاً لابن شاس: ولَو تنازعا فِي قدر الجعل تحالفا ووجب جعل المثل (1).
ابن هارون: القياس قبول قول الجاعل؛ لأنه غارم، ولأنه كمبتاع سلعة قبضها وفاتت بيده، فالقول قوله إِن ادعى مَا يشبه وإِلا فقول خصمه إِن ادعى مَا يشبه (2) وإِلا تحالفا، ورُدَّا لِجُعْلِ المثلِ. ابن عبد السلام: إنما يصحّ مَا قاله ابن الحاجب إِن اختلفا بعد تمام العمل وأتيا بما لا يشبه، وإِلا فإن كَانَ العبد باقياً بيد المجعول لَهُ، وأتى بما يشبه فالقول قوله، فإن ادعى مَا لا يشبه وادعى الجاعل مَا يشبه [قبل قوله، فإن ادعى مَا لا يشبه](3) حكم بما قاله ابن الحاجب، هذا الجاري عَلَى حكم الإجارة.
ابن عرفة: هذا أصوب من قول ابن هارون، [115 / أ] والأَظْهَر تخريج المسألة عَلَى نصّ " المدونة " فِي القراض: أَن القول قول العامل إِن أتى بما يشبه (4).
تتميم:
زاد ابن شاس: إِذَا أنكر المالك سعي العامل فِي الردّ فالقول قول المالك (5)، وقبله ابن عرفة، ونحوه لابن عبد السلام.
وإِنْ جَاءَ بِهِ ذُو دِرْهَمٍ وذُو أَقَلَّ اشْتَرَكَا فِيهِ ولِكِلَيْهِمَا الْفَسْخُ. وَلَزِمَتِ الْجَاعِلَ بِالشُّرُوعِ.
قوله: (وإِنْ جَاءَ بِهِ ذُو دِرْهَمٍ وذُو أَقَلَّ اشْتَرَكَا فِيهِ) أي: فِي الدرهم وهو الأكثر.
(1) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 946، وانظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:443.
(2)
في (ن 1): (يشر به).
(3)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(4)
النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 3/ 51، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 12/ 91.
(5)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 946.
وفِي الْفَاسِدِ جَعْلُ الْمِثْلِ إِلا بِجُعْلٍ مُطْلَقاً فَأُجْرَتُهُ.
قوله: (وَفِي الْفَاسِدِ (1) جَعْلُ الْمِثْلِ إِلا بِجُعْلٍ مُطْلَقاً [فَأُجْرَتُهُ) أي إِلا إِذَا عامله بجعلٍ مُطْلَقاً](2) تمّ العمل أَو لَمْ يتمّ، وأشار بِهِ إِلَى أظهر الأَقْوَال عند ابن رشد، وذلك أنّه قال فِي سماع ابن القاسم من جاعل فِي آبقٍ لَهُ فقال: إِن وجدته فلك كذا وكذا وإِن لَمْ تجده فلك طعامك وكسوتك: لا خير فيه. ابن القاسم: إِن وقع فله جعل مثله إِن وجده، وإِن لَمْ يجده فله أجر مثله. أصبغ عن ابن القاسم: لا أجرة لَهُ. فقال ابن رشد: اختلف فِي الجعل الفاسد إِذَا وقع عَلَى ثلاثة أَقْوَال:
أحدها: أنّه يرد إِلَى حكم نفسه، فيكون لَهُ جعل مثله إِن أتى بِهِ، ولا يكون لَهُ شيء إِن لَمْ يأت بِهِ، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم هذه.
والثاني: [أنّه](3) يرد إِلَى حكم غيره وهي الإجارة التي هي الأصل، فيكون لَهُ أجر مثله أتى بِهِ أَو لَمْ يأت.
والثالث: أنّه إِن كَانَ لَمْ يخيبه إِن لَمْ يأت بِهِ كنحو هذه المسألة التي قال لَهُ فيها إِن لَمْ تجده فلك نفقتك (4)، وإن وجدته فلك كذا وكذا كَانَ لَهُ إجارة مثله أتى بِهِ أَو لَمْ يأت بِهِ وإن كَانَ لَمْ يسم شيئاً إِلا فِي الإتيان بِهِ كَانَ لَهُ جعل مثله إِن أتى بِهِ، [ولَمْ](5) يكن لَهُ شيء إِن لَمْ يأت بِهِ.
فوجه الأول أَن الجعل أصلٌ فِي نفسه، ووجه الثاني أَن الجعل إجارة بغرر جوزتها السنة، ووجه الثالث أنّه إنما يكون جعلاً إِذَا جعله لَهُ عَلَى الإتيان بِهِ خاصّة، فأما إِذَا جعل لَهُ فِي الوجهين فليس بجعلٍ، وإِن سماه جعلاً وإنما هو إجارة، وهذا أظهر الأَقْوَال، وإياه
(1) في (ن 1): (الفساد).
(2)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(3)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(4)
في (ن 4): (نفقتك وكسوتك).
(5)
في الأصل، و (ن 3):(وإن لم).
اختار ابن حبيب وحكاه عن مالك ومطرف وابن الماجشون، وهذه الثلاثة راجعة لأصل، وجارية عَلَى قياس، بِخِلاف قول ابن القاسم فِي هذه الرواية (أَن لَهُ جعل مثله إِذَا وجده وأجر مثله إِذَا لَمْ يجده)(1).
(1) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 8/ 427، 428، وما بين القوسين في البيان:(إن له جعل مثله إذا لم يجده، فليس يرجع إلى أصل ولا يجري على قياس) وعبارة البيان واضح بها النقص والتصحيف، وقد جاء بها في أول المسألة:(فإِن وقع هذا رأيت أن يعطى جعل مثله إِذ وجده، قال ابن القاسم: وإِن لَمْ يجده فله أجر مثله): 8/ 427. فالجعل على رأي ابن القاسم حالة أن يجد العبد، وعبارة البيان تفيده في رأس المسألة وتنفيه على ذات القول في شرحها، فالنقص بها بين، وعبارة المؤلف هنا وافية، وإن بدا بها الاختصار لأنه قال: (وبخلاف) فهو نفي لما ثبت أولا فسقوط عبارة (فليس يرجع إلى أصل ولا يجري على قياس) لا يضر بمراد المؤلف هنا.