الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب الشهادة]
أقول - وبالله تعالى التوفيق - ذكر القرافي فِي الفرق الأول من قواعده أنّه أقام نحو ثماني سنين يطلب الفرق بين الشهادة والرواية (1)، إِلَى أَن ظفر بقول المازري فِي " شرح البرهان ":" هما خبران، غير أَن المخبر عنه إِن كَانَ أمراً عاماً لا يختصّ بمعين فهو الرواية (2)؛ كقوله عليه السلام: " الأعمال بالنيات " (3) أَو الشفعة فيما لم (4) ينقسم لا يختصّ بشخصٍ معين بل ذلك عَلَى جميع الخلق فِي جميع الأعصار والأمصار، بِخِلاف قول العدل عند الحاكم: لهذا عند هذا دينار، إلزام لمعين لا يتعداه لغيره فهذا شأن الشهادة المحضة، والأول هو الرواية (5) المحضة. ثمّ تجتمع الشوائب بعد ذلك. فناقشه أبو القاسم ابن الشاط السبتي وابن عرفة وبعض شيوخ بلده، فأما ابن الشاط فقال: لَمْ يقتصر الإمام فِي مفتتح كلامه الذي نقل منه الشهاب [على التفريق](6) بالعموم والخصوص، ولكنّه ذكر مَعَ الخصوص قيداً آخر وهو إمكان الترافع إِلَى الحكام والتخاصم وطلب فصل القضاء (7)، ثم اقتصر فِي مختتم كلامه عَلَى ذكر الخصوص والعموم، والأَصَحّ اعتبار القيد المذكور، ويتضح ذلك بتقسيم حاصر وهو أَن الخبر إما أَن يقصد بِهِ أَن يترتب عَلَيْهِ فصل قضاءٍ وإبرام حكم وإمضاؤه، أَو لا؟ فإن قصد بِهِ ذلك فهو [الشهادة وإِن لَمْ يقصد بِهِ ذلك، فإما أَن يقصد بِهِ
(1) في (ن 3): (والرؤية).
(2)
في (ن 3): (الرؤية).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه برقم (1)، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . بلفظ:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ثم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
(4)
في (ن 2): (لا).
(5)
في (ن 3): (الرؤية).
(6)
في (ن 2): (بالتفريق).
(7)
في (ن 2): (القضاه)، وفي (ن 3):(الحاكم).
تعريف دليل حكم شرعي أَو لا، فإن قصد بِهِ ذلك فهي] (1) الرواية (2)، وإِلا فهو سائر أنواع الخبر (3).
وأما ابن عرفة فقال: مَا ارتضاه القرافي واتبع فيه المازري من أَن الشهادة هي الخبر المتعلق بجزئي، [والرواية: الخبر المتعلّق بكلّي، يردّ بأن الرواية (4) تتعلّق بالجزئي] (5) كثيراً كحديث قوله صلى الله عليه وسلم " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة "(6)، وحديث تميم الداري فِي السفينة التي لعب البحر بهم فيها حتى ألقتهم بجزيرة، ووجدوا فيها [الرجل] (7) المفسّر بالدجال (8) إِلَى غير ذلك من الأحاديث المتعلقة بأمور جزئية؛ ولأجل هذا تجدهم يقولون: اختلف فِي القضايا العينية (9) هل تعم أَو لا؟ وكآية: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد:1]
…
ونحوها كثير.
وأما بعض شيوخ تونس فقال عَلَى مَا حكى عنه ابن عرفة: كيف يقيم مدة يطلب الفرق بينهما؟!، وهو مذكور فِي أيسر الكتب المتداولة بين المبتدئين وهو:" تنبيه " ابن بشير إذ قال فِي كتاب الصيام منه: [لما](10) كَانَ القياس عند المتأخرين رد ثبوت الإهلال لباب الأخبار، إذ رأوا أَن الفرق بين باب الخبر وباب الشهادة: أَن كلّ مَا خصّ المشهود عَلَيْهِ فبابه باب الشهادة، وكل مَا عمّ فلزم القائل منه مَا يلزم المقول، فبابه باب الأخبار جعلوا فِي
(1) مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(2)
في (ن 3): (الرؤية).
(3)
انظر: أنوار البروق: 1/ 13.
(4)
في (ن 3): (الرؤية).
(5)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه برقم (1514) كتاب الحج، باب قول الله تعالى جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس، ومسلم برقم (2909) كتاب الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء.
(7)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(8)
أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2942) كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قصة الجساسة.
(9)
في (ن 3): (المعينة).
(10)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
المذهب قوله بقبول خبر الواحد فِي الهلال (1)، ولا نجده [إلا](2) فِي النقل عما يثبت عند الإمام، وكذا كَانَ يتعقّب عَلَيْهِ حكايته عن نفسه مثل ذلك فِي الفرق بين علم الجنس وعلم الشخص، مَعَ أنّه مذكور فِي " الجزولية "(3). انتهى.
فقف عَلَى بقية هذه النقول فِي أماكنها وتأملها، وقف عَلَى مَا ذكرنا في علم الجنس فِي كتابنا المسمى [بإتحاف](4) ذوي الاستحقاق ببعض مراد المرادي وزوائد أبي إسحاق ".
[كتاب الشهادة]
الْعَدْلُ حُرٌّ، مُسْلِمٌ، عَاقِلٌ، بَالِغٌ بِلا فِسْقٍ وحَجْرٍ وبِدْعَةٍ، وإِنْ تَأَوَّلَ كَخَارِجِيٍّ، وقَدَرِيٍّ. لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً، أَوْ كَثِيرَ كَذِبٍ، أَوْ صَغِيرَةَ خِسَّةٍ وسَفَاهَةٍ، ولَعِبَ نَرْدٍ.
قوله: (وَإِنْ تَأَوَّلَ كَخَارِجِيٍّ، وقَدَرِيٍّ) أحرى إِذَا تعمد أَو جهل، فهو كقول ابن الحاجب: ولا يعذر بجهلٍ ولا تأويل كالقدري والخارجي (5). قال فِي توضيحه تبعاً لابن عبد السلام: يحتمل أَن يكون القدري مثالاً للجاهل؛ لأن أكثر شبههم عقلية، والخطأ فيها يسمى جهلاً، والخارجي مثالاً للمتأول؛ لأن شبههم سمعية، والخطأ فيها يسمى تأويلا، ويحتمل أَن يريد بالجاهل: المقلد من الفريقين، وبالمتأول المجتهد منهما (6).
ذُو مُرُوءَةٍ.
قوله: (ذُو مُرُوءَةٍ) نعت لحرّ أَو خبر عن العدل.
(1) في (ن 3): (الحلال).
(2)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(3)
الجزولية، لأبي موسى عيسى بن عبد العزيز، المراكشي المتوفى سنة 607 هـ، وهي في النحو، وهي غاية في الدقة، وعليها العديد من الشروح. انظر كشف الظنون، لحاجي خليفة: 2/ 1800، وانظر: جامع الشروح والحواشي، لعبد الله الحبشي: 2/ 861.
(4)
في (ن 1): (بإتحاد)، و (ن 2):(بإلحاف).
(5)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:469.
(6)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 10/ 194.
بِتَرْكِ غَيْرِ لائِقٍ. مِنْ حَمَامٍ، وسَمَاعِ غِنَاءٍ.
قوله: (بِتَرْكِ غَيْرِ لائِقٍ. مِنْ حَمَامٍ) كذا أطلق فِي الحمام فِي كتاب القطع، وقيده آخر كتاب الرجم بما إِذَا قامر عَلَيْهَا (1).
وحِرْفَةٍ دَنِيّةٍ (2) ودِبَاغَةٍ، وحِيَاكَةٍ اخْتِيَاراً.
قوله: (وَحِرْفَةٍ دَنِيّةٍ ودِبَاغَةٍ، وحِيَاكَةٍ (3)) اختياراً أشار بِهِ لقول ابن محرز: [لا](4) تردّ شهادة ذوي الحرف [125 / أ] الدنية كالكناس والدباغ والحجّام والحائك إِلا ممن رضيها اختياراً ممن لا تليق بِهِ؛ لأنها تدل عَلَى خبلٍ فِي عقله، وعنه نقلها ابن شاس (5)، وعَلَيْهِ اقتصر ابن عرفة فِي " مختصره "، ونقل عنه البرزلي أنّه كَانَ يقول: الحياكة (6) بحسب البلدان، وهي فِي إقليم إفريقية من الصناعات الرفيعة يستعملها وجوه الناس.
قال ابن عبد السلام: وقد ألحق بعض الفضلاء من أهل المذهب وبعض الأئمة خارج المذهب بمن اضطر إِلَى هذه الحرف من قصد باستعمالها، كسر نفسه، ومباعدتها من الكبر، وتخليقها بأخلاق الفضلاء، كما قد اشتهر ذلك عن جماعة.
وَإِدَامَةِ شِطْرَنْج، وإِنْ أَعْمَى فِي قَوْلٍ، أَوْ أَصَمَّ فِي فِعْلٍ، لَيْسَ بِمُغَفَّلٍ، إِلا فِيمَا لا يَلْبِسُ، ولا مُتَأَكِّدِ الْقُرْبِ. كَأَبٍ، وإِنْ عَلا، أَوْ أُمٍّ وزَوْجِهِمَا ووَلَدٍ، وإِنْ سَفَلَ. كَبِنْتٍ وزَوْجِهِمَا وشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ، وَاحِدَةٌ كَكُلٍّ عِنْدَ الآخَرِ، وعَلَى شَهَادَتِهِ، أَوْ حُكْمِهِ، بِخِلافِ أَخٍ لأَخٍ، إِنْ بَرَّزَ، ولَوْ بِتَعْدِيلٍ، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً بِخِلافِهِ. كَأَجِيرٍ، ومَوْلًى، ومُلاطِفٍ، ومُفَاوِضٍ فِي غَيْرِ مُفَاوَضَةٍ، وزَائِدٍ أَوْ نَاقِصٍ، وذَاكِرٍ بَعْدَ شَكٍّ.
قوله: (وَإِدَامَةِ شِطْرَنْج) قال أبو عبد الله بن هشام اللخمي فِي " لحن العامّة " ويقولون: شَطرنج بفتح الشين، وحكى ابن جني أن الصواب: كسرها ليكون عَلَى بناء
(1) انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 422.
(2)
قلت: لم أقف على هذا النص في مختصر خليل رحمه الله، ولا في شروحه المتوفرة وهو غير موجود بأصل المختصر لدينا.
(3)
في (ن 2)، و (ن 3):(وحكاية).
(4)
ما بين المعكوفتين ساقط من: الأصل، و (ن 2)، و (ن 3).
(5)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1032.
(6)
في (ن 3): (الحكاية).
جِردْحل، وذكر قبل ذلك أنّه يقال: بالشين والسين؛ لأنّه إما مشتقٌ من المشاطرة أَو التسطير، وقيّده هنا بالإدامة تعويلاً عَلَى قوله أول شهادات " المدونة ": ومن أدمن اللعب بالشطرنج لَمْ تجز شهادته، وإِن كَانَ إنما هو المرّة [بعد المرّة](1) فشهادته جائزة إِن كَانَ عدلاً (2).
وكره مالك اللعب بها، وإن قلّ. وقال هي أشد من النرد. قال الأبهري فِي تعليل هذا: لأنّه لا يسلم الإنسان من يسير لهو، وقد قال بعض الشعراء:
(8)
أفد طبعك المكدود (3) بالجد
…
راحة يجم وعلله بشيءٍ من المزح
ولكن إِذَا أعطيته المزح فليكن
…
بمقدار ما يعطى الطعام من الملح (4)
وفِي النكت ذكر عن أحمد بن نصر: إِذَا لعب بها فِي السنة أكثر من مرة فقد صار مدمنا.
فرعان:
الأول: قال ابن عرفة لا تجوز شهادة من يشتغل بمطلق علم الكيميا، وأفتى الشيخ الفقيه الصالح أبو الحسن المنتصر بمنع إمامته. انتهى. ورجّح أبو زيد ابن خلدون أنها عَلَى تقدير صحة وجودها، فانقلاب الأعيان فيها من السحر يأت لا من الطيبات وإنهم يظهرون بألغازهم الظنانة بها، وإنما قصدهم التستر من حملة الشريعة.
الثاني: فِي سماع عيسى: الفرار من الزحف من الضعف جرحة، ومن علمت توبته منه وظهرت قبلت شهادته وإِلا ردّت، والضعف فِي العدد كما قال الله تعالى.
قال ابن رشد: هو كبيرة، وقال بعض الناس: ليس بكبيرة (5). قال ابن عرفة: تحقيق توبته عسير؛ لأنها لا تعرف إِلا بتكرر جهاده وعدم فراره فيه، وانظر هل الفرار من الضعف جرحة مُطْلَقاً أَو مالم يكن ممن صار العدو فِي حقّه أكثر من الضعف بفرار من فرّ
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(2)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 13/ 153.
(3)
في (ن 1): (المحدود)، و (ن 3):(المجدود).
(4)
البيتان لأبي الفتح البستي، من بحر الطويل، انظر: قرى الضيف لابن أبي الدنيا: 4/ 378.
(5)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد، كتاب الشهادات، من سماع عيسى، في رسم الجواب: 10/ 48: 50.
من الضِعف، وهذا هو المظنون (1) اعتقاده فِي بعض من فرّ فِي هزيمة أبي الحسن المريني فِي وقعة طريف من الفقهاء الذين كانوا معه كشيخنا (2) أبي عبد الله السطّي.
وَتَزْكِيَةٍ وإِنْ بِحَدٍّ.
قوله: (وإِنْ بِحَدٍّ) الذي للمتيطي عن الباجي: التعديل يجوز فِي كل شيء فِي الدماء وغيرها. وقال أحمد بن عبد الملك لا تكون عدالة فِي الدماء، وليس يقضى به (3)، وما تقدم أولى، وقاله مالك فِي كتاب: الديات من " المدونة ". وقبله ابن عرفة، ووهم من نقله بزيادة الحدود، فلو قال: ولَو بدم، لكان أولى.
مِنْ مَعْرُوفٍ إِلا الْغَرِيبَ بِأَشْهَدُ أنّه عَدْلٌ رِضاً مِنْ فَطِنٍ عَارِفٍ لا يُخْدَعُ، مُعْتَمِدٍ عَلَى طُولِ عِشْرَةٍ.
قوله: (مِنْ مَعْرُوفٍ إِلا الْغَرِيبَ) أشار بِهِ لقوله فِي كتاب اللقطة (4) من " المدونة ": وإِن شهد قوم عَلَى حق (5) فعدّلهم قوم غير معروفين فعدل المعدّلين آخرون، فإن كَانَ الشهود غرباء جَازَ ذلك وإِن كانوا من أهل البلد لَمْ يجز ذلك؛ لأن القاضي لا يقبل عدالةً عَلَى عدالة إِذَا كانوا من أهل البلد حتى تكون العدالة عَلَى الشهود أنفسهم عند القاضي (6).
لا سَمَاعٍ.
قوله: (لا سَمَاعٍ) هو كقول ابن الحاجب: لا بالتسامع (7).
(1) في (ن 1): (المضمون).
(2)
في (ن 1)، و (ن 3):(شيخنا).
(3)
في (ن 2): (بها).
(4)
في (ن 1): (النقضة).
(5)
في (ن 1)، و (ن 3):(حد).
(6)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 15/ 184، " كتاب اللقطة والضوال والآبق "، وتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 384، 385، وهو في التهذيب في كتاب الآبق.
(7)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:470.
مِنْ سُوقِهِ، أَوْ مَحَلَّتِهِ، إِلا لِتَعَذُّرٍ ووَجَبَتْ، إِنْ تَعَيَّنَ كَجَرْحٍ، إِنْ بَطَلَ حَقٌّ، ونُدِبَ تَزْكِيَةُ سِرٍّ مَعَهَا مِنْ مُتَعَدِّدٍ.
قوله: (مِنْ سُوقِهِ، أَوْ مَحَلَّتِهِ، إِلا لِتَعَذُّرٍ) ليس المجرور متعلقاً بـ (سماع)، وإنما هو من صفات تزكية بحذف مضاف أي: من أهل سوقه أو محلته، وكأنّه قال: وتزكية حاصلة من معروف [حاصلة من فطن](1) حاصلة من أهل سوقه أَو محلته، وأشار بِهِ لما ذكر اللخمي: أنّه يقبل تعديله من جيرانه وأهل سوقه ومحلته لا من غيرهم؛ لأن وقوفهم عن تعديله مَعَ كونهم أقعد بِهِ ريبة فِي تعديله، فإن لَمْ يكن فيهم عدل قبل من سائر بلده.
وقال المتيطي ما نصّه: ولا يُزكِّي الشاهد إِلا أهل مسجده وسوقه وجيرانه، إِلا أن يكون مشهوراً بالعدالة، ورواه أشهب عن مالك، وبِهِ قال مطرف وابن الماجشون. قال ابن عبد الحكم (2) وأصبغ: أو يكون من قومٍ مبرزين فِي العدالة. انتهى. فانظره هل معناه أَو يكون التعديل من قومٍ مبرزين، وقد وقع فِي عبارة " التوضيح " قالوا: إِلا [125 / ب] أن يكون معدلوه أهل برازة فِي العدالة والفضل (3).
وفِي بعض النسخ: إِلا المبرز عوضاً من قوله: (إِلا لتعذر)، وكأنّه إشارة لقولهم: إِلا أن يكون مشهوراً بالعدالة، أَو لقولهم إِلا أن يكون معدلوه أهل برازة. فتأمله.
فائدة:
قال ابن عرفة: لما ملك الأمير أبو الحسن المريني إفريقية قدم تونس، فوجد الشيخ الفقيه ابن عبد السلام قدّم شهوداً بتونس لَمْ يمض لتقديمهم إِلا عدة أشهر، فذكر له بعض من وثق بكلامه: ما أوجب أن أمر القاضي المذكور بوقفهم في (4) أمام الجامع الأعظم، فأنّه قدم فيهم لغرض فوقفهم، وطال وقفهم نحو عام حتى سعى بعضهم عَلَى يد من كَانَ يتكرر للشيخ أبي عبد الله السطي في أن يكلّم السلطان، عسى أن يفوض للقاضي فِي ردّ من
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 4).
(2)
في (ن 1): (عبد الملك).
(3)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 10/ 211.
(4)
في (ن 3)، (ن 4):(إلا).
شاء منهم، وكَانَ الساعي وعد الواسطة بأن يقدم (1) معه إِذَا وقع التفويض، فلما كلّم الشيخ السطي السلطان، وفوض الشيخ ابن عبد السلام قدم ولده والساعي ومن شاء، ولَمْ يقدم الواسطة، فبعث الشيخ السطي إِلَى الساعي وكلّمه فِي توفيته بما وعد بِهِ الواسطة، وأن يكلّم عنه الشيخ ابن عبد السلام فِي تقديمه، فأتاه عنه، وقال له: يقول لكم: إِن ارتهنتم (2) فيه قدمته.
وكانت أسباب الحرج؛ إذ (3) نالت الشيخ السطي تصدر عنه شديدة، فأجابه بجواب اللائق من ذكره أنّه قال له: قل له: هذا منك غفلة أَو استغفال؛ أما تعلم أن المنصوص أنّه إنما يعدل الرجل أهل محلته وجيرانه، وذكر ما تقدم من نقل اللخمي والمتيطي، وقال له: هذا الذي طلبت (4) مني تعديله أنت عالم بأن معرفتي بِهِ حديثة لمدة يسيرة، وليس من بلدي وهو قاطن معك، مخالط لك كمخالطة غيره ممن قدمته، فلم يستطع أن يردّ إليه جواباً؛ لأن القول بالعلم لا يردّه ذو ديانة أنصف.
وَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ الاسْمَ، أَوْ لَمْ يَذْكُرِ السَّبَبَ.
قوله: (وَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ الاسْمَ) كذا فِي النوادر عن ابن سحنون عن أبيه: أن من عدّل رجلاً لَمْ يعرف اسمه قبل تعديله، وجعله ابن عرفة كالمنافي لقول سحنون فِي نوازله: لا ينبغي لأحدٍ أن يزكّي رجلاً إِلا رجلاً قد خالطه فِي الأخذ والإعطاء، وسافر معه ورافقه؛ ولقول اللخمي عن ابن المواز: لا يزكيه حتى تطول المخالطة فيعلم (5) باطنه كما يعلم ظاهره، قال: يريد يعلم باطنه فِي غالب الأمر لا أنّه يقطع بذلك.
قال ابن عرفة: وانظر قبول سحنون تزكية من لَمْ يعرف اسمه مَعَ تعقب بعض أهل الزمان تزكية الشاهد بعض العوام مَعَ شهادته عَلَيْهِ بالتعريف بعد تزكيته إياه أَو قبلها
(1) في (ن 3): (يتقدم).
(2)
في (ن 2): (ارتهنهم)، و (ن 3):(ارتهنتن).
(3)
في (ن 1)، و (ن 3):(إذا).
(4)
في (ن 3): (طلب).
(5)
في (ن 2): (ليعلم).
بقريب. انتهى. والذي فِي أصل المتيطي: وتجوز تزكية من لا يعرف اسمه إِذَا كَانَ مشهوراً بكنيته [أو لقبٍ](1) لا يعز [عَلَيْهِ ذكره، وربّ رجلٍ مشهور بكنيته لا يعرف](2) له اسم، وهذا أشهب ابن عبد العزيز لا يكاد أكثر الناس يعرف اسمه: مسكين، وسحنون بن سعيد اسمه عبد السلام، وقد غلب عَلَيْهِ سحنون فِي حياته وبعد وفاته، وبِهِ كَانَ يخاطب عن نفسه.
بِخِلافِ [74 / أ] الْجَرْحِ، وهُوَ الْمُقَدَّمُ، وإِنْ شَهِدَ ثَانِياً فَفِي الاكْتِفَاءِ بِالتَّزْكِيَةِ الأُولَى تَرَدُّدٌ. وبِخِلافِهَا لأَحَدِ وَلَدَيْهِ عَلَى الآخَرِ، أَوْ أَبَوَيْهِ.
قوله: (بِخِلافِ الْجَرْحِ) بفتح الجيم. فِي نوازل ابن الحاجّ: سئل مالك عن الذي يسأله القاضي عن حال الشاهد فيخبره ببعض ما يكون فيه الحدّ؟ فقال: إِذَا كَانَ القاضي هو الذي سأله فكشف عن الشاهد فليس عَلَى المخبر شيء.
إِنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لَهُ.
قوله: (إِنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لَهُ) ينطبق عَلَى الصورتين قبله كما عند ابن الحاجب، وقد صرّح بذلك ابن محرز.
وَلا عَدُوٌّ [عَلَى عَدُوِّهِ](3).
قوله: (وَلا عَدُوٌّ) قال ابن عات عن الاستغناء: قال الشعباني: تقبل شهادة القراء فِي كلّ شيء إِلا شهادة بعضهم عَلَى بعض؛ لتحاسدهم كالضرائر، والحسود ظالم لا تقبل شهادته عَلَى من يحسده. وقال المتيطي فِي المبسوطة عن ابن وهب: لا تجوز شهادة القاريء عَلَى القاريء، يعني العلماء؛ لأنهم أشدّ الناس تحاسداً، وقاله سفيان الثوري ومالك ابن دينار. ابن عرفة، العمل عَلَى خلاف هذا، وشهادة ذوي القبول منهم مقبولة كغيرهم، ولعلّ قول ابن وهب فيمن ثبت التحاسد بينهم. انتهى. وسيقول المصنف:(وَلا عالم عَلَى مثله).
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من المطبوعة.
وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ.
قوله: (وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ) هذا قول ابن القاسم فِي سماع عيسى (1)، وزاد: ولَو كَانَ مثل ابن شريح وسليمان بن القاسم. ابن عرفة: عبد الرحمن بن شريح أبو شريح المعافري، وسليمان ابن القاسم من أشياخ عبد الرحمن بن القاسم.
أَوْ مُسْلِمٍ وكَافِرٍ.
[قوله: (أَوْ مُسْلِمٍ وكَافِرٍ) هو فِي حيّز الإغياء وكأنّه قال: ولَو طرأت العداوة الدنيوية بين مسلمٍ وكافر](2).
وَلْيُخْبِرْ بِهَا كَقَوْلِهِ بَعْدَهَا تَشْتُمُنِي (3) أَوْ تُشَبِّهُنِي بِالْمَجَنونِ (4) مُخَاصِماً، لا شَاكِياً.
قوله: (وَلْيُخْبِرْ بِهَا كَقَوْلِهِ [126 / أ] بَعْدَهَا تَشْتُمُنِي (5) أَوْ تُشَبِّهُنِي بِالْمَجَنونِ مُخَاصِماً، لا شَاكِياً) كذا هو فِي نوازل أصبغ من الشهادات (6)، تشتمني من باب [الشتم لا تتهمني من باب](7) التهمة، وقال فيه: أنّه لا يقدح، وحكى ابن رشد عنه أنّه فصل فِي الثمانية بين المخاصم والشاكي، وحكى عن ابن الماجشون أنّه قادح، واستظهره (8)، وكلام المصنف فِي " التوضيح " يدل أنّه لَمْ يقف عَلَى نقل ابن رشد هذا (9).
(1) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 17، وهو في رسم يوصي ونصه:(وسألته عن الأب يشهد على ابنه أو الابن يشهد على أبيه في حقوق أو طلاق أو عتاق. قال: أمَّا شهادة الأب على ابنه فهي تجوز في جميع ما ذكرت إلَاّ أن تكون عداوةً تعلم، وشهادة الابن على أبيه جائزة في الحقوق والعتاق، وأمَّا في الطلاق فإنَّه إنْ شهد على أمِّه أو على غير أمِّه إذا لم تكن أمُّه حيَّة فهي جائز إلَاّ أنْ تكون عداوة تعلم، وإن شهد على غير أمِّه وأمّه حيَّة كانت تحته أو طلّقها فلا تجوز شهادته عليه في طلاق التي تحته).
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
(3)
في الأصل (تتهمني).
(4)
في أصل المختصر، والمطبوعة:(بالمجانين).
(5)
في الأصل: (تتهمني).
(6)
انظر البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 199.
(7)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(8)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 199، 200.
(9)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 10/ 237.
وَاعْتَمَدَ فِي إِعْسَارٍ بِصُحْبَتِهِ، وقَرِينَةِ صَبْرِ ضَرٍّ كَضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ.
قوله: (وَاعْتَمَدَ فِي إِعْسَارٍ بِصُحْبَتِهِ) أي مخالطة، وهي عبارة المازري، وفي بعض النسخ بمحنة أي: بامتحان، وهو كقول ابن شاس وابن الحاجب: بالخبرة الباطنة (1)، وعَلَى كلّ حال فهذه طريقة المازري، وعند ابن عرفة احتمال فِي رجوع طريقة ابن رشد فِي المقدمات إليها.
وَلا إِنْ حَرَصَ عَلَى إِزَالَةِ نَقْصٍ فِيمَا رُدَّ فِيهِ بِفِسْقٍ أَوْ صِباً، أَوْ رِقٍّ، أَوْ عَلَى التَّأَسِّي كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا فِيهِ.
قوله: (وَلا إِنْ حَرَصَ عَلَى إِزَالَةِ نَقْصٍ فِيمَا رُدَّ فِيهِ بفِسْقٍ أَوْ صِباً، أَوْ رِقٍّ) شمل الفسق فسق الكفر وفسق المعصية، وقد صرّح غيره بهما.
أَوْ مَنْ حُدَّ فِيمَا حُدَّ فِيهِ، ولا إِنْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مُطْلَقاً، أَوْ شَهِدَ وحَلَفَ، أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ فِي مَحْضِ حَقِّ الآدَمِيِّ، وفِي مَحْضِ حَقِّ اللهِ تَعَالَى تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالإِمْكَانِ، إِنِ اسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ كَعِتْقٍ وطَلاقٍ، ووَقْفٍ، ورِضَاعٍ، وإِلا خُيِّرَ كَالزِّنَا بِخِلافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ، كَالْمُخْتَفِي، ولا إِنِ اسْتُبْعِدَ كَبَدَوِيٍّ لِحَضَرِيٍّ، بِخِلافِ إِنْ سَمِعَهُ، أَوْ مَرَّ بِهِ، ولا سَائِلٍ فِي كَثِيرٍ، بِخِلافِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ، أَوْ يَسْأَلِ الأَعْيَانَ، ولا إِنْ جَرَّ بِهَا نَفْعاً كَعَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا، أَوْ قَتْلِ الْعَمْدِ إِلا الْفَقِيرَ، أَوْ بِعِتْقِ مَنْ يُتَّهَمُ فِي وَلائِهِ، أَوْ بِدَيْنٍ لِمَدِينِهِ، بِخِلافِ الْمُنْفِقِ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وشَهَادَةِ كُلٍّ لِلآخَرِ، وإِنْ بِالْمَجْلِسِ والْقَافِلَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فِي حِرَابَةٍ، لا الْمَجْلُوبِينَ، إِلا كَعِشْرِينَ، ولا مَنْ شَهِدَ لَهُ بِكَثِيرٍ ولِغَيْرِهِ بِوَصِيَّةٍ، وإِلا قُبِلَ لَهُمَا، ولا إِنْ دَفَعَ كَشَهَادَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ.
قوله: (أَوْ مَنْ حَدٍ فِيمَا حُدَّ فِيهِ) ابن رشد هو المشهور من قول ابن القاسم (2).
والْمُدَانِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّهِ.
قوله: (والْمُدَانِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّهِ) أي لربّ الدين كقوله: إِذَا نهى السفيه جرى إليه أي
(1) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1049 قال: (أما القرائن فكالشهادة بالإعسار، فإنه إنما يدرك بالخبرة الباطنة،)، وقال ابن الحاجب:(ويعتمد على القرائن المغلبة للظن في التعديل، والإعتبار بالخبرة الباطنة) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:476.
(2)
انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 2/ 14.
إِلَى السفه، وضبط فِي " التوضيح " المدان (1) بتخفيف الدال عَلَى أنّه اسم مفعول من أدان الرباعي، وهو فِي بعض نسخ ابن الحاجب بتشديد الدال عَلَى أنّه اسم فاعل من [ادَّان](2) المشدد الدال الخماسي، وأصله ادّتَن عَلَى وزن افتعل، وكلاهما صحيح، قال فِي مختصر العين: أدنت الرجل أعطيته دينا، وهذا يشهد للأول ثم قال: وأدان واستدان ودان أخذ الدين، وهذا يشهد للثاني ونحوهما للجوهري، إِلا أنّه فسّر الخماسي باستقرض بعد ما قال: دنت الرجل أقرضته فهو مدين ومديون.
وَلا مُفْتٍ عَلَى مُسْتَفْتِيهِ، إِنْ كَانَ مِمَّا يُنَوَّى فِيهِ، وإِلا رَفَعَ، ولا إِنْ شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقٍ، وقَالَ أَنَا بِعْتُهُ لَهُ، ولا إِنْ حَدَثَ فِسْقٌ بَعْدَ الأَدَاءِ، بِخِلافِ تُهْمَةِ جَرٍّ، ودَفْعٍ وعَدَاوَةٍ.
قوله: (وَلا مُفْتٍ عَلَى مُسْتَفْتِيهِ، إِنْ كَانَ مِمَّا يُنَوَّى فِيهِ) مثّله ابن رشد فِي سماع عيسى بالرجل يأتي العالم فيقول حلفت بالطلاق أن لا أكلم فلاناً فكلمته بعد ذلك بشهر لأني كنت نويت أن لا أكلمه شهراً، فإذا دعته امرأته (3) يشهد لها بما أقر بِهِ عنده من حلفه بالطلاق ألا يكلمه، وأنّه كلّمه بعد شهر لَمْ يجز له أن يشهد عَلَيْهِ بذلك؛ لأنّه يعلم من باطن اليمين خلاف ما يوجب ظاهرها (4). انتهى، وهو جارٍ مَعَ ما فِي " المدونة ".
وَلا عَالِمٍ عَلَى مِثْلِهِ.
قوله: (ولا عالم عَلَى مثله) كذا حكى ابن رشد فِي رسم القبلة من سماع ابن القاسم، وعزاه لابن وهب فِي المبسوطة (5)، وقدمناه بأشبع من هذا عند قوله:(ولا عدو).
(1) في نسختنا المخطوطة لمختصر ابن الحاجب: (المدان) كما هي عند المؤلف هنا، والذي وقفنا عليه في النسخ المطبوعة من المختصر:(المديان). انظر: مخطوط مختصر ابن الحاجب، بمركز نجيبويه، لوحة رقم (414)، وانظر: جامع الأمهات، ط المكتبة العلمية، ص304، وانظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:471.
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، و (ن 2).
(3)
في (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3):(امرأة).
(4)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 12.
(5)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 9/ 432.
وَلا إِنْ أَخَذَ مِنَ الْعُمَّالِ، أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُمْ بِخِلافِ الْخُلَفَاءِ، ولا إِنْ تَعَصَّبَ، كَالرِّشْوَةِ، وتَلْقِينِ خَصْمٍ.
قوله: (ولا إِن أخذ [من العمال] (1)) كذا فِي سماع سحنون أن قبول الجوائز من العمال المضروب عَلَى أيديهم جرحة. قال ابن رشد: هذا صحيح، ومعناه عندي: إِذَا قبلوا (2) ذلك من العمال عَلَى الجباية الذين [إنما جعل](3) لهم قبض الأموال وتحصيلها دون وضعها فِي وجوهها بالاجتهاد، وأما الأمراء الذين فوض لهم الخليفة أَو خليفته قبض الأموال وصرفها فِي وجوهها باجتهادهم كالحجاج وشبهه من أمراء البلاد الذين فوض إليهم جميع أمورها فجوائزهم كجوائز الخلفاء، فإن صحّ أخذ ابن عمر جوائز الحجاج فهذا وجهه (4).
وَلَعِبٍ بِنَيْرُوزٍ.
قوله: (وَلَعِبٍ بِنَيْرُوزٍ) الذي لابن عات وظاهره أنّه من الاستغناء يخرج (5) الرجل بصنيعة النيروز والمهرجان؛ إذ هو من فعل النصارى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أحبّ قوماً فهو منهم، (6) ولقوله عليه السلام:" من عمل عملاً ليس عَلَيْهِ أمرنا فليس منا "(7) انتهى، وقد [ذكر ابن الحاجّ] (8) فِي المدخل: من بِدع أهل مصر: مضاربتهم بالجلود فِي زمن الحاجوز حتى يتعذر عَلَى الفضلاء سلوك طرقاتها (9).
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(2)
في الأصل: (قبلوه).
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
(4)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 123، 124.
(5)
في (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3):(يجرح).
(6)
أخرجه الطبراني في معجمه الكبير برقم (2519) من حديث أبي قرصافة، وهو بلفظ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ثم من أحب قوما حشرة الله في زمرتهم ".
(7)
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الاعتصام بالسنة، في ترجمة باب بقوله: باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول علم فحكمه مردود، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "، وانظر: كتاب البيوع، باب النجش، وأخرجه مسلم في صحيحه برقم (1718)، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة وردّ محدثات الأمور، ولفظ المؤلف في كلا الحديثين لم أقف عليه.
(8)
في (ن 1): (ذكره ابن الحاجب).
(9)
انظر: المدخل، لابن الحاجّ: 2/ 49، وليس فيه:(زمن الحاجوز) ولعلها مناسبة مبتدعة كانت عندنا بمصر في ذلك الزمان يفهم ذلك من سياق كلام ابن الحاج.
وَمَطْلٍ، وحَلِفٍ بِعِتْقٍ وبِطَلاقٍ، وبِمَجِيءِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلاثاً [بِلا عُذْرٍ](1)، وتِجَارَةٍ لأَرْضِ حَرْبٍ، وبِسُكْنَى مَغْصُوبَةٍ، أَوْ مَعَ وَلَدٍ شِرِّيبٍ وبِوَطْءِ مَنْ لا تُوطَأُ، وبِالْتِفَاتِهِ فِي الصَّلاةِ.
قوله: (وَمَطْلٍ) كذا فِي نوازل سحنون (2).
وَبِاقْتِرَاضِهِ حِجَارَةً مِنَ الْمَسْجِدِ، وعَدَمِ إِحْكَامِ الْوُضُوءِ والْغُسْلِ.
قوله: (وبِاقْتِرَاضِهِ حِجَارَةً مِنَ الْمَسْجِدِ) أي: ويجرح فِي استسلافه حجارة المسجد وإِن ردّ مثلها، والذي فِي النوادر عن سحنون فِي كتاب ابنه فِي الذي يأخذ من لبن أَو حجارة اشتريت للمسجد واعترف بذلك، وقال: تسلّفتها ورددت مثلها، قال قد يجهل مثل هذا، أَو يظن أن ذلك يجوز له.
وَالزَّكَاةِ لِمَنْ لَزِمَتْهُ، وبَيْعِ نَرْدٍ، وطُنْبُورٍ، واسْتِحْلافِ أَبِيهِ. وقُدِحَ فِي الْمُتَوَسِّطِ بِكُلٍّ، وفِي الْمُبَرِّزِ بِعَدَاوَةٍ وقَرَابَةٍ، وإِنْ بِدُونِهِ كَغَيْرِهِمَا عَلَى الْمُخْتَارِ، وزَوَالُ الْعَدَاوَةِ والْفِسْقِ، بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِلا حَدٍّ، ومَنِ امْتَنَعَتْ لَهُ. لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ ولَمْ يُجَرِّحْ شَاهِداً عَلَيْهِ، ومَنِ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ فَالْعَكْسُ، إِلا الصِّبْيَانَ، لا نِسَاءً فِي كَعُرْسٍ فِي [74 / ب] جَرْحٍ، أَوْ قَتْلٍ.
قوله: (والزَّكَاةِ لِمَنْ لَزِمَتْهُ) كذا قال ابن سحنون عن أبيه فيمن لا يعرف قدر نصيب (3) المال وهو ممن تجب عَلَيْهِ زكاته. ابن عرفة: إِلا أن يكون ممن ماله كثير لا يفتقر فِي زكاته لتحقيق قدر النصاب؛ لأنّه لا يتوقف إخراجه عَلَى معرفة قدره، وهذا فِي العين لا فِي الماشية والزرع.
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من المطبوعة.
(2)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 186، ونص المسألة:(وسُئل سحنون عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ " أترى أن تجوز شهادة الغني إذا مطل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن مطله ظلم "؟ فقال: لا أرى أن تجوز شهادته إذا مطل؛ لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى مَطْلَ الغني ظلماً فمن كان ظالماً فلا ينبغي أن تجوز شهادته) قلت: والحديث: رواه البخاري في صحيحه، برقم (2166) كتاب الحوالات، باب في الحوالة، وهل يرجع في الحوالة، ورواه مسلم برقم (1564) كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغني.
(3)
في (ن 2)، و (ن 3):(نصاب).
وَالشَّاهِدُ حُرٌّ.
قوله: (وَالشَّاهِدُ حُرٌّ) يتضمن اشتراط (1) الحكم بإسلامه من بابٍ أحرى.
مُمَيِّزٌ، ذَكَرٌ تَعَدَّدَ، لَيْسَ بِعَدُوٍّ، ولا قَرِيبٍ، ولا خِلافَ بَيْنَهُمْ، وفُرْقَةَ إِلا أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِمْ قَبْلَهَا، ولَمْ يَحْضُرْ كَبِيرٌ، أَوْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ، أَوْ لَهُ.
قوله: (مُمَيِّزٌ) هو أعمّ مما حكى اللخمي عن عبد الوهاب من اشتراط كونه ممن يعقل الشّهَادَة. [126 / ب] قال ابن عرفة: كقوله فِي " المدونة ": وتجوز شهادة ابن عشر سنين وأقلّ مما يقاربها. (2) انتهى. بقي هذا [الشَرْط](3) عَلَيْهِ كما بقي عَلَى ابن الحاجب عَلَى أنّه أشار فِي " التوضيح " للاستغناء عنه بالتمييز (4) وليس بظاهر.
وَلا يَقْدَحُ رُجُوعُهُمْ، ولا تَجْرِيحُهُمْ، ولِلزِّنَا واللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ بِوَقْتٍ، ورُؤْيَا اتَّحَدَا، وفُرِّقُوا فَقَطْ أنّه أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا.
قوله: (وَلا يَقْدَحُ رُجُوعُهُمْ، ولا تَجْرِيحُهُمْ) ابن عرفة: الأَظْهَر اعتبار منع الكذب قبول شهادة من عرف بِهِ منهم.
وَلِكُلٍّ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ، ونُدِبَ سُؤَالُهُمْ، كَالسَّرِقَةِ مَا هِيَ؟ وكَيْفَ أُخِذَتْ؟ ولِمَا لَيْسَ بِمَالٍ ولا آيِلٍ لَهُ كَعِتْقٍ، ورَجْعَةٍ، وكِتَابَةٍ عَدْلانِ، وإِلا فَعَدْلٌ، وامْرَأَتَانِ، أَواحدهُمَا بِيَمِينٍ كَأَجَلٍ، وخِيَارٍ، وشُفْعَةٍ، وإِجَارَةٍ، وجَرْحِ خَطَإٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ أَدَاءِ كِتَابَةٍ، وإِيصَاءٍ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ.
قوله: (وَلِكُلٍّ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ) أشار بِهِ لقوله فِي كتاب الرجم من " المدونة " قبل: فإن
(1) في (ن 1): (اشتراء).
(2)
لم أقف على هذا النص في المدونة، لابن القاسم: والذي وقفت عليه ما جاء في التاج والإكليل في شرح هذا الموضع من المختصر قوله: (تَجُوزُ وَصِيَّةُ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ وأَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا إذَا أَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ) وهو في باب الوصايا من المدونة، لابن القاسم: فلعل قبول وصية من بلغ عشر سنين أدعى لقبول شهادته كما يراه ابن عرفة الذي نقل عنه المؤلف هنا. انظر: المدونة، لابن القاسم: 15/ 33، وتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 251، وانظر: ما نقلته عن التاج والإكليل، للمواق: 6/ 364.
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
قلت: وما يشير له المؤلف من بقاء الشرط عليه هو شرط الضبط.
(4)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 10/ 207.
شهد أربعة عَلَى رجل بالزنا فقالوا تعمدنا النظر إليهما (1) لتثبت الشّهَادَة قال: كيف يشهد الشهود إِلا هكذا (2) فناقضها ابن هارون بعدم إجازته (3) فِي اختلاف الزوجين فِي عيوب الفرج نظر النساء إليه ليشهدن بما رأين من ذلك، وكذا إِن اختلفا فِي الإصابة وهي بكر قال: تصدق ولا ينظر النساء إليها قال: والفرق بين ذلك مشكل، وأورده ابن عبد السلام، وأجاب بقوله: إِن طريق الحكم هنا منحصرة فِي الشّهَادَة، ولا تقبل إِلا بصفتها الخاصة، وطريق الحكم فِي تلك الصور غير منحصرة فِي الشّهَادَة بل لها غير ذلك من الوجوه التي ذكرها الفقهاء فِي محلها، فلا ينبغي أن يرتكب محرم وهو النظر للفرج من غير ضرورة.
ابن عرفة: يرد بأن صورة النقض إنما هي إِذَا لَمْ يتمكن إثبات العيب إِلا بالنظر، وكَانَ يجري لنا الجواب بثلاثة أوجه:
الأول: أن الحدّ حقّ لله وثبوت العيب حق للآدمي (4)، وحقّ الله آكد لقوله فِي " المدونة " فيمن سرق وقطع يمين رجل عمداً: يقطع للسرقة ويسقط القصاص (5).
الثاني: ما لأجله النظر وهو الزنا محقّق الوجود أَو راجحه، وثبوت العيب محتمل عَلَى السوية.
الثالث: المنظور إليه فِي الزنا إنما هو مغيب الحشفة، ولا يستلزم ذلك [إلا] (6) من الإحاطة بالنظر إِلَى الفرج ما يستلزمه النظر إِلَى العيب. اللخمي: وقوله: وكيف يشهد الشهود إِلا هكذا؟ يريد: أن تعمد النظر لا يبطل الشّهَادَة، لمّا كَانَ المراد إقامة الحق، وهذا
(1) في (ن 1): (إليها).
(2)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 16/ 256.
(3)
في (ن 2): (جواز).
(4)
في (ن 3): (الآدمي).
(5)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 16/ 294، ونصها:(الذي سرق وقطع يمين رجل إذا قطع في السرقة فلا شيء للذي قطعت يمينه. قلت: لم قطع مالك يمينه للسرقة ولم يقطعها ليمين المقطوعة يده؟ قال: قال مالك: إذا اجتمع حدّ العباد وحدّ الله يكون للعباد أن يعفوا عنه، وحد الله لا يجوز للعباد العفو عنه؛ فإنه يقام الحد الذي هو لله الذي لا يجوز العفو عنه).
(6)
ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 1).
حسن فيمن كَانَ معروفاً بالفساد، وأما من لَمْ يكن معروفاً بذلك ففيه نظر، فيصحّ أن يقال: لا يكشفون عن ذلك ولا يطلبون تحقيق الشّهَادَة لما ندبوا إليه من الستر، ولأنهم لَو تبين ذلك لهم لاستحب (1) لهم أن لا يبلغوا الشّهَادَة، ويصحّ أن يقال: يكشفون عن تحقيق ذلك، فإن قذفه أحد بعد اليوم بلغوا الشّهَادَة فلم يحدّ القاذف، والستر أولى؛ لأن مراعاة قذفه من النادر. ابن عرفة: ولقوله فِي " المدونة ": ومن قذف وهو يعلم أنّه زنى حل له القيام بحد من قذفه (2).
المازري: تعمد نظر البينة لفعل الزاني ظاهر المذهب أنّه غير ممنوع؛ لأنّه لا تصح الشّهَادَة إِلا بِهِ، ونظرة (3) الفجأة لا يكاد يحصل بها ما تتم بِهِ الشّهَادَة، ومنعه بعض الناس؛ لما نبه عَلَيْهِ الشرع من استحسان الستر. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام فِي قواعده إنما (4) يجوز للشهود أن ينظروا من ذلك ما يحصل وجوب الحد، وهو مغيب الحشفة فقط، والنظر للزائد (5) عَلَى ذلك حرام.
ابن عرفة: وهذا كله إِن عجز الشهود عن منع الفاعلين من إتمام ما قصداه وابتدآه من الفعل، ولَو قدروا عَلَى ذلك بفعلٍ أَو قول فلم يفعلوا بطلت شهادتهم؛ لعصيانهم بعدم تغيير هذا المنكر، إِلا أن يكون فعلهما بحيث لا يمنعه التغيير لسرعتهما.
أَوْ بِأنّه حُكِمَ لَهُ بِهِ.
[قوله: (أَوْ بِأنّه حُكِمَ لَهُ بِهِ) أي: وكذا يثبت حكم القاضي بالمال بشاهد وامرأتين أَو بشاهد ويمين أَو بامرأتين ويمين، فليس](6).
(1) في (ن 1): (لا استحب).
(2)
النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 477، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 16/ 214.
(3)
في (ن 2): (ونظر).
(4)
في (ن 1): (إنها).
(5)
في (ن 1)، و (ن 3):(الزائد).
(6)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
كَشِرَاءِ زَوْجَةٍ، وتَقَدُّمِ دَيْنٍ عِتْقاً.
قوله: (كَشِرَاءِ زَوْجَةٍ، وتَقَدُّمِ دَيْنٍ عِتْقاً) تمثيلاً؛ ولكنه تشبيه لإفادة حكم.
وَقِصَاصٍ فِي جَرْحٍ، ولِمَا لا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ، كَوِلادَةٍ وعَيْبِ فَرْجٍ، واسْتِهْلالٍ وحَيْضٍ.
قوله: (وَقِصَاصٍ فِي جَرْحٍ) معطوف عَلَى شراء زوجة (1) وكأنّه فِي معرض الاستثناء من قوله: (وَلِمَا لَيْسَ بِمَالٍ ولا آيِلٍ لَهُ (2) عَدْلانِ).
وَنِكَاحٍ بَعْدَ مَوْتٍ، أَوْ سَبْقِيَّتِهِ (3)، أَوْ مَوْتٍ، ولا زَوْجَةٍ، ولا مُدَبَّرَ ونَحْوَهُ.
قوله: (وَنِكَاحٍ بَعْدَ مَوْتٍ، أَوْ سَبْقِيَتِهِ أَوْ مَوْتٍ، ولا زَوْجَةٍ، ولا مُدَبَّرَ ونَحْوَهُ) حقّ هذا الكلام أن يكون متقدماً عَلَى قوله: (وَلما لا يظهر للرجال امرأتان) منخرطاً فِي سلك ما يقبل فيه عدل وامرأتان أَو إحدهمَا بيمين، فلعلّه كَانَ ملحقاً فِي المبيضة، فوضعه الناسخ فِي غير موضعه.
وثَبَتَ الإِرْثُ والنَّسَبُ لَهُ، وعَلَيْهِ بِلا يَمِينٍ.
قوله: (وثَبَتَ الإِرْثُ والنَّسَبُ لَهُ، وعَلَيْهِ بِلا يَمِينٍ) يجب أن يوصل بقوله: (ولما لا يظهر للرجال امرأتان كولادة وعيب فرج واستهلال وحيض) كما فِي عبارة ابن الحاجب، وقد فسّره فِي " التوضيح " بأن النسب والميراث يثبتان بشهادة امرأتين بالولادة والاستهلال للمولود، وعليه فإن شهدتا أنّه استهل ومات [127 / أ] بعد أمه ورثها وورثه وارثه، وقال ابن عرفة: لَمْ يتعرض ابن عبد السلام لشرح قول ابن الحاجب: ويثبت الميراث والنسب له وعَلَيْهِ، وقرره ابن هارون بقوله: مثل أن تشهد امرأتان بولادة أمة أقرّ السيّد بوطئها، وأنكر الولادة، فإن نسب الولد لاحقٌ بِهِ، وكذلك موارثته إياه له وعَلَيْهِ.
ابن عرفة: هذا كقوله آخر " أمهات الأولاد " من " المدونة ": وإِن ادعت أمة أنها ولدت من سيّدها، فأنكر لَمْ أحلفه لها إِلا أن تقيم رجلين عَلَى إقرار السيّد بالوطء وامرأتين عَلَى
(1) في (ن 1): (زوجته).
(2)
نص المختصر كاملاً: (له كَعِتْقٍ، ورَجْعَةٍ، وكِتَابَةٍ عدلان).
(3)
في المطبوعة وأصل المختصر: (سبقه).
الولادة فتصير أم ولد ويثبت النسب للولد إن كان معها ولد، إِلا أن يدعي السيّد استبراءً بعد الوطء، فيكون ذلك له (1). وهذه (2) نصّ فِي جواز شهادتهن فيما لا تجوز فيه شهادتهن [إذا كَانَ لازماً فيما لا تجوز فيه شهادتهن](3)، وهو فِي الموطأ (4) وغيره. انتهى.
ومن تمام نصّ " المدونة ": وإِن أقامت شاهدين عَلَى إقرار السيد بالوطء وامرأة عَلَى الولادة أحلفته. وأطلق فِي قوله بلا يمين كابن الحاجب. قال فِي " التوضيح ": كذا قال مالك وأطلق، ولا خلاف فِي هذا إِن كَانَ القائم بشهادتهن لا يعرف حقيقة ما شهدن بِهِ، وإِن كَانَ القائم بشهادتهن يتيقن صدقهن كالبكارة والثيوبة فحكى اللخمي والمازري فِي إلزامه اليمين قولين.
قال ابن عبد السلام: ولا يطّرد هذا الخلاف فِي هذا الفصل (5).
وَالْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ كَقَتْلِ عَبْدٍ آخَرَ.
قوله: (والْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ) يريد بشهادة عدل وامرأتين أَواحدهمَا بيمين، ولَو وصله بِهِ لكان أحسن، وقد نكت [في توضيحه] (6) عَلَى ابن الحاجب فِي كونه لَمْ يصله بالأموال إذ قال (7) هنا: ولَو شهد عَلَى السرقة رجل وامرأتان ثبت المال دون القطع (8)؛ مَعَ
(1) النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 2/ 606، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 8/ 337، وتعبير ابن عرفة:(بآخر أمهات الأولاد)، فيه نظر، إلا أن يكون من زيادات المؤلف، ونقل النص نفسه صاحب التاج والإكليل دون هذا التعبير، انظر: التاج والإكليل، للمواق: 6/ 183.
(2)
في (ن 1): (وهذا).
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(4)
قال مالك رحمه الله: (ومما يشبه ذلك أيضا مما يفترق فيه القضاء وما مضى من السنة أن المرأتين يشهدان على استهلال الصبي فيجب بذلك ميراثه حتى يرث ويكون ماله لمن يرثه إن مات الصبي وليس مع المرأتين اللتين شهدتا رجل ولا يمين) انظر: الموطأ، برقم (1405) 2/ 722.
(5)
انظر: التوضيح، لخليل بن اسحاق: 10/ 259، 260.
(6)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
(7)
أي: ابن الحاجب.
(8)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:475.
أنّه (1) لا يوهم كون ذلك بشهادة امرأتين فقط، فما الظن بهذا (2)، ولكنّه اتكل عَلَى تمييز ذهن السامع اللبيب.
وَحِيلَتْ أَمَةٌ مُطْلَقاً كَغَيْرِهَا، إِنْ طُلِبَتْ بِعَدْلٍ، أَوِ اثْنَيْنِ يُزَكِّيَانِ، وبِيعَ مَا يَفْسُدُ، ووُقِفَ ثَمَنُهُ مَعَهُمَا، بِخِلافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفَ، ويُبَقَّى بِيَدِهِ. وإِنْ سَأَلَ ذُو الْعَدْلِ أَوْ بَيِّنَةٍ سُمِعَتْ، وإِنْ لَمْ تَقْطَعْ وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى بَلَدٍ يُشْهَدُ لَهُ عَلَى عَيْنِهِ أُجِيبَ، لا إِنِ انْتَفَيَا، وطَلَبَ إِيقَافَهُ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ، وإِنْ بِكَيَوْمَيْنِ، إِلا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً حَاضِرَةً، أَوْ سَمَاعاً يَثْبُتُ بِهِ، فَيُوقَفُ ويُوَكَّلُ بِهِ فِي كَيَوْمٍ، والْغَلَّةُ لَهُ لِلْقَضَاءِ، والنَّفَقَةُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ وجَازَتْ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ بِلا يَمِينٍ، وخَطِّ شَاهِدٍ مَاتَ، أَوْ غَابَ بِبُعْدٍ، وإِنْ بِغَيْرِ مَالٍ فِيهِمَا، إِنْ عَرَفَتْهُ كَالْمُعَيَّنِ، وأنّه كَانَ يَعْرِفُ مُشْهِدَهُ.
قوله: (وَحِيلَتْ (3) وَحِيلَتْ أَمَةٌ مُطْلَقاً) أي: رائعة كانت أَو غير رائعة، بيد مأمون كانت أَو غير مأمون طلب القائم (4) الحيلولة أَو لَمْ يطلبها لحق الله تعالى؛ ولذا قال بعده:(كَغَيْرِهَا، إِنْ طُلِبَتْ)[أي: كغير الأمة إِن طلبت](5) الحيلولة.
(1) أي قول ابن الحاجب هذا.
(2)
هذا تنكيت من ابن غازي على المصنف رحمه الله، إذ رأى أن مأخذ المصنف على ابن الحاجب بقوله في توضيحه:(ولو وصل (أي: ابن الحاجب) هذه المسألة بالمرتبة الثالثة كما فعل ابن شاس لكان أحسن؛ لأنها من الأموال) فمأخذه على ابن الحاجب كان داعياً له بألا يقع فيما نقده فيه؛ ولذا قال الدسوقي: (كَانَ الْأَوْلَى لَلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَهَا قَبْلَ قَوْلِهِ: (وَلِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ) ولَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ قَوْلِهِ: (وَقِصَاصٍ فِي جُرْحٍ ونِكَاحٍ بَعْدَ مَوْتٍ أَوْ سَبْقِيَّتِهِ أَوْ مَوْتٍ ولَا زَوْجَةَ ولَا مُدَبَّرَ ونَحْوَهُ وثَبَتَ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ كَقَتْلِ عَبْدٍ آخَرَ، ولِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ بِلَا يَمِينٍ كَوِلَادَةٍ واسْتِهْلَالٍ وثَبَتَ النَّسَبُ والْإِرْثُ لَهُ وعَلَيْهِ؛ لَأَتَى بِكُلٍّ فِي مَوْضِعِهِ) انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/ 189. أما المواق فاختصر القول بقوله: (هَذَا الْفَرْعُ رَاجِعٌ لَمَّا يَؤولُ لِلْمَالِ) انظر: التاج والإكليل: 6/ 183.
(3)
في (ن 1)، و (ن 2):(حلفت)، و (ن 3):(حليته).
(4)
في (ن 2): (القائل).
(5)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
وَتَحَمَّلَهَا عَدْلاً، لا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَذْكُرَهَا، وأَدَّى بِلا نَفْعٍ، ولا عَلَى مَنْ لا يَعْرِفُ، إِلا عَلَى عَيْنِهِ، ولا يُسَجِّلُ عَلَى مَنْ زَعَمَتْ أَنَّهَا بِنْتُ فُلانٍ، ولا عَلَى مُنْتَقِبَةٍ لِتَتَعَيَّنَ لِلأَدَاءِ، وإِنْ قَالُوا أَشْهَدَتْنَا مُنْتَقِبَةً، وكَذَلِكَ نَعْرِفُهُا قُلِّدُوا، وعَلَيْهِمْ إِخْرَاجُهَا، إِنْ قِيلَ لَهُمْ عَيِّنُوهَا. وجَازَ الأَدَاءُ، إِنْ حَصَلَ الْعِلْمُ، وإِنْ بِامْرَأَةٍ، لا بِشَاهِدَيْنِ إِلا نَقْلاً. وجَازَتْ بِسَمَاعٍ فَشَا عَنْ ثِقَاتٍ وغَيْرِهِمْ، بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ مُتَصَرِّفٍ طَوِيلاً. وقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ، إِلا بِالسَّمَاعِ أنّه اشْتَرَاهَا مِنْ كَأَبِي الْقَائِمِ، ووَقْفٍ.
قوله: (وَتَحَمَّلَهَا عَدْلاً) الذي ذكر المتيطي أن الشهود يعرفون أنّه كَانَ بوسم العدالة والقبول فِي تاريخ الشّهَادَة وبعدها إِلَى أن توفي، قاله مالك؛ خوف أن تكون شهادته قد سقطت لجرحة أَو كَانَ غير مقبول الشّهَادَة.
ابن عرفة: قوله: إِلَى أن توفي. قيل: الصواب إِلَى حين الشّهَادَة عَلَى خطّه لجواز ثبوت تجريحه بعد موته ممن [أعذر له فِي شهادته، وردّ بأن ثبوت جرحته بعد موته](1) يثبتها عَلَيْهِ قبل موته فاستمرار عدالته إِلَى موته ينفي ما ينتفي بقوله: (إِلَى حين الشّهَادَة عَلَى حظه (2))، ونقل ابن الحاج قول بعض قضاة إفريقية: لابد من زيادة، وأنّه وضعها فِي حين عدالته؛ لجواز (3) أن يقول: لَو حضر وضعتها فاسقاً، فلا أقوم بها - غير بيّن لوجوب رد شهادة من لَمْ تعلم عدالته. انتهى. فتأمله.
فروع:
الأول: قال ابن عرفة: فتوى شيخنا ابن عبد السلام بـ: [أن شرط الشّهَادَة عَلَى الخط حضوره ولا تصح عَلَيْهِ فِي غيبته. صواب، وهو ظاهر تسجيلات الموثقين المتيطي وغيره، واشتراط التجويز فِي الشّهَادَة باستحقاق الدور والأرضين.
الثاني: قال ابن عرفة: لا تقبل الشّهَادَة عَلَى الخطّ إِلا من الفطن العارف بالخطوط وممارستها، ولا يشترط فيه أن يكون قد أدرك صاحب الخط، وحضرت يوماً مجلس قضاء
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 4).
(2)
في (ن 2)، و (ن 3):(خطه).
(3)
في (ن 1): (حيز عدالته بجواز).
ابن عبد السلام، فجاءه أحد عدول تونس ليرفع عَلَى خطّ ميّت فردّه وقال له: لَمْ تدرك هذا الميت، فلما انصرف قال لي: إنما لَمْ أقبله؛ لأنّه غير عارف بالخطوط، وليس عدم إدراكه مانعاً؛ فإنا نعرف خطوط كثير ممن لَمْ ندركه [كخطّ](1) الشلوبين وابن عصفور وابن السيد؛ لتكرر خطوطهم علينا؛ مَعَ تلقينا من الشيوخ أنها خطوطهم.
الثالث: قال ابن سهل عن ابن الماجشون: الشّهَادَة عَلَى الخطّ باطلة، وما قتل عثمان ابن عفان إِلا عَلَى الخط، وعَلَى معروف المذهب فِي الشّهَادَة عَلَى خط المقر قال المازري:[نزل](2) سؤال منذ نيف وخمسين سنة، وشيوخ الفتوي متوافرون وهو: أن رجلين غريبين ادّعى أَحَدهمَا عَلَى صاحبه بمالٍ جليل فأنكره، فأخرج المدعي [كتاباً فيه [127 / ب] إقرار المدعى عَلَيْهِ، فأنكر كونه خطّه، ولم يوجد من يشهد عَلَيْهِ، وطلب المدعى] (3) كتبه، فأفتى شيخنا أبو الحسن اللخمي أنّه يُجبر عَلَى ذلك وعلى أن يُطوِّل فيما يكتب تطويلاً لا يمكن فيه أن يستعمل خطاً غير خطّه، وأفتى شيخنا عبد الحميد بأنّه لا يجبر عَلَى ذلك، ثم اجتمعت بعد ذلك بالشيخ أبي الحسن، وأخذ معي فِي إنكار ما أفتى بِهِ صاحبه الشيخ عبد الحميد، فقلت له احتج بأن هذا كإلزام المدعى عَلَيْهِ بينة يقيمها لخصمه عَلَيْهِ، وهذا لا يلزمه، فأنكر عليّ هذا، وقال: إِن البينة لَو أتى بها المدعي لقال المدعى عَلَيْهِ: شهدت عليّ بالزور فلا يلزمه أن يسعى فيما يعتقد بطلانه، بِخِلاف الذي يكتب خطه.
ابن عرفة: الأَظْهَر ما قاله عبد الحميد (4)، ومقتضى قولهما، وظاهر سياق المازري له: أنّه لَو شهدت بينة عدلة (5) عَلَى مكتوب بشيء ما لا بحق المدعي [أنّه بخط المدعى عَلَيْهِ، وهو مماثل لخط الكتاب الذي قام بِهِ المدعي](6) أنّه يثبت بذلك للمدعي دعواه، وفيه نظر؛ لأنّه
(1) في (ن 1): (خطوط).
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(4)
في (ن 3): (ابن عبد الحميد).
(5)
في (ن 1)، و (ن 2):(عدلته).
(6)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
لا يحصل للشاهد المدرك المماثلة بين الخطين؛ ظن كون الخطّ [الذي قام بِهِ المدعي خطّ المدعى عَلَيْهِ بمجرّد إدراكه المماثلة مرة واحدة، ولا يحصل إدراك كون الخط](1) خط فلان إِلا بتكرار رؤية وضعه أَو سماع مفيد للعلم بأنّه خطه حسبما ذكرنا فِي الشّهَادَة عَلَى خط الغائب.
وَمَوْتٍ بِبُعْدٍ إِنْ طَالَ الزَّمَانُ، بِلا رِيبَةٍ. وحَلَفَ، وشَهِدَ اثْنَانِ كَعَزْلٍ، وجَرْحٍ، وكُفْرٍ، وسَفَهٍ، ونِكَاحٍ، وضِدِّهَا [75 / أ].
قوله: (إِنْ طَالَ الزَّمَانُ، بِلا رِيبَةٍ) تبع فِي هذا قول ابن الحاجب: وتجوز شهادة السماع الفاشي عن الثقات فِي الملك والوقف والموت للضرورة بشرط طول الزمان وانتفاء الريب (2) وقد قال ابن عرفة: حمله ابن عبد السلام عَلَى إطلاقه، وليس عَلَى إطلاقه؛ إنما هو فِي الملك والوقف والصدقة والأشرية القديمة والنكاح والولاء والنسب والحيازة جميع ذلك يشترط فيه طول الزمان، وأما الموت فمقتضى الروايات والأَقْوَال: أن شهادة السماع القاصرة عن شهادة البت فِي القطع بالمشهود بِهِ يشترط فيها كون المشهود بِهِ بحيث لا يدرك بالقطع والبت بِهِ عادة، فإن أمكن عادة البت بِهِ لَمْ تجز فيه شهادة السماع، وهو مقتضى قول الباجي: أما الموت فيشهد فيه عَلَى السماع فيما بعد من البلاد، وأما ما قرب أَو كَانَ ببلدٍ الموت فإنما هي شهادة بالبت (3).
وقد شهدت شيخنا القاضي ابن عبد السلام وقد طلب منه بتونس بعض أهلها إثبات وفاة صهر له مات ببرقة قافلاً من الحج، فأذن له، فأتاه بوثيقة بشهادة شهود عَلَى سماعٍ لوفاته عَلَى ما يجب كتبه فِي شهادة السماع، وكَانَ ذلك بعد مدة يتصور فيها بت العلم بوفاته نحو ثمانية أعوام فِي ظني فرد ذلك ولَمْ يقبله. انتهى. ولما حكى قبله قول الباجي فيشهد عَلَى الموت بالسماع فيما بعد من البلاد لا ما قرب قيّده (4) بأن قال: بشرط أن لا يطول زمن تقدم
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(2)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:476.
(3)
انظر: المنتقى، للباجي: 7/ 168
(4)
أي ابن عبد السلام.
الموت كالعشرين عاماً ونحوها فإن هذا لا يقبل فيه إِلا البت، قاله بعض من لقيت، وهو صواب؛ لأنّه مظنة البت كمن ببلدٍ قريب.
وَإِنْ بِخُلْعٍ، وضَرَرِ زَوْجٍ، وهبةٍ.
قوله: (وإِنْ بِخُلْعٍ) إغياء للطلاق المندرج فِي قوله: (وضدها).
وَوَصِيَّةٍ، ووِلادَةٍ، وحِرَابَةٍ، وإِبَاقٍ، وعُدْمٍ، وأَسْرٍ، وعِتْقٍ.
قوله: (وَوَصِيَّةٍ) فسره فِي " التوضيح " بالإيصاء عَلَى الأيتام (1)، كما ذكر فِي الكافي، ويأتي نَصُّه إِن شاء الله تعالى.
وَلَوْثٍ.
قوله: (وَلَوْثٍ) أي لوث القسامة (2) فِي النفس ذكره اللخمي، وقبله ابن عبد السلام وابن هارون وابن عرفة، وفِي بعض النسخ (وإرث)، وقد ذكره المتيطي وغيره، وقد نظم الشيخ الفقيه القاضي المحدث أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي عرفة، اللخمي، السبتي، المعروف بابن العزفي رحمه الله تعالى مواطن شهادة السماع فقال:
أَيَا سَائِلِي عَمَّا يَنْفُذُ حُكْمُهُ
…
ويَثْبُتُ سَمْعاً دُونَ عِلْمٍ بِأَصْلِهِ
فَفِي الْعَزْلِ والتَّجْرِيحِ والْكُفْرِ بَعْدَهُ
…
وفِي سَفَهٍ أَوْ ضِدِّ ذَلِكَ كُلِّهِ
وفِي الْبَيْعِ والْإِحْبَاسِ والصَّدَقَاتِ
…
والرَّضَاعِ وَخُلْعٍ والنِّكَاحِ وَحَلِّهِ [128 / أ]
وفِي قِسْمَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ ووِلَائةٍ
…
وَمَوْتٍ وحَمْلٍ والْمُضِرِّ بِأَهْلِهِ
(1) انظر: التوضيح، لخليل بن اسحاق: 10/ 286.
(2)
القَسامة في الدم أَن يُقْتل رجل فلا تشهد على قتل القاتل إِياه بينة عادلة كاملة، فيجيء أَولياء المقتول فيدّعون قِبَل رجل أَنه قتله ويُدْلُون بلَوْث من البينة غير كاملة، وذلك أَن يُوجد المُدَّعى عليه مُتلَطِّخاً بدم القتيل في الحال التي وُجد فيها ولم يشهد رجل عدل أَو امرأَة ثقه أَن فلاناً قتله، أَو يوجد القتيل في دار القاتل، وقد كان بينهما عداوة ظاهرة قبل ذلك، فإِذا قامت دلالة من هذه الدلالات سَبَق إِلى قلب من سمعه أَن دعوى الأَولياء صحيحة، فَيُسْتَحْلَفُ أَولياءُ القتيل خمسين يميناً أَن فلاناً الذي ادعوا قتله انفرد بقتل صاحبهم ما شَرَكه في دمه أَحد، فإِذا حلفوا خمسين يميناً استحقوا دية قتيلهم، فإِن أَبَوْا أَن يحلفوا مع اللوث الذي أَدلوا به حلف المُدَّعى عليه وبَرِىء، وإِن نكل المدّعى عليه عن اليمين خير ورثة القتيل بين قتله أَو أَخذ الدية من مال المدّعى عليه. انظر: لسان العرب، لابن منظور: 12/ 481.
واستدرك عَلَيْهِ ابنه فقال:
مِنْهَا الْهِبَاتُ والْوَصِيَّةُ فَاعْلَمَنْ
…
ومِلْكٌ قَدِيمٌ قَدْ يُضَنُّ بِمِثْلِهِ
ومِنْهَا وِلَادَة وَمِنْهَا حِرَابَةٌ
…
ومِنْهَا الْإِبَاقُ فَلْيُضَمَّ لِشَكْلِهِ
فَدُونَكَهَا عِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ سَبْعَةٍ
…
تَدُلُ عَلَى حِفْظِ الْفَقِيهِ ونُبْلِهِ
أَبي نَظَم العشرين من بعد واحد
…
وأتبعتها ستاً تماماً لفعله
وألحق ابن عبد السلام بها خمسة نظمها بعض الأذكياء فقال:
وَقَدْ زِيدَ فِيهَا الْأَسْرُ والْفَقْدُ وَالْمَلَا
…
ولَوْثٌ وَعِتْقٌ فَاظْفَرْنَ بِنَقْلِهِ
فَصَارَتْ لَدَيَّ عَدَّ ثَلَاثِينَ
…
أُتْبِعَتْ بِثِنْتَيْنِ فَاطْلُبْ نَصَّهَا
وما ذكرنا من نسبة القطعتين للرئيس الفقيه ابن العزفي (1) السبتي وولده هو الذي وقفت عَلَيْهِ فِي فهرسة الولد المذكور أبي العباس، وقد تضمنت الفهرسة المذكورة أن أبا الفضل عياض ممن أجاز للوالد (2)، وأن أبا القاسم ابن فيرة الشاطبي ممن أجاز للولد، عَلَى أن ابن عبد السلام وابن هارون وابن عرفة ذكروا نسبتهما (3) لابن رشد وابنه؛ لكن قال ابن عبد السلام: لا أدخل تحت عهدة هذه النسبة.
قال ابن عرفة: لبعدها عن كلامه فِي البيان، ولا يخفى أنّه اندرج فِي قوله:(أَو ضد ذلك كله أربعة وهي: الولاية (4) والتعديل والإسلام والرشد.
فإن قلت: فيتعين أن يضبط قوله فِي البيت: الرابع وولائه بهمزة الياء المكسورة بعدها هاء ضمير مكسورة عائدة عَلَى ما ذكر، وإِلا فمتى جعل ولاية ضد العزل كَانَ تكراراً مَعَ ما تقدم، وسقط واحد من العدد المذكور، وفات ذكر الولاء وهو منها؟
(1) في (ن 2): (العربي).
(2)
في (ن 1): (للولد).
(3)
في (ن 2): (نسبتها).
(4)
في (ن 3): (الولادة).
قلت: الذي وقفت عَلَيْهِ فِي فهرسة ابن العزفي (1): ولاية من باب التولية، قال ابن مرزوق: أي كونه مولى عَلَيْهِ بإيصاء أَو غيره؛ وعَلَى هذا فلا تكرار؛ لأن الأولى ولاية القضاء وهذه ولاية النظر، ومن لازمه أن لا يسقط الواحد من العدد، وأما الولاء فمندرج فِي النسبة؛ لأنّه لحمة كلحمة النسب، لكن يتداخل مَعَ قول ابنه: ومنها الهبات والوصية. إِن فسّرت بالإيصاء لتوافق (2) نص الكافي؛ إِلا أن تحميل (3) الولاية [في كلام الوالد عَلَى تقديم القاضي، والوصية](4) فِي كلام الولد عَلَى الإيصاء.
قال ابن عرفة: تقدّم لي نظم لما ذكر المتيطي مَعَ بعض زيادة وهو:
شهادة ظنٍ بالسماع مقالتي
…
لما عد (5) متيطهم فِي النهاية
فوقف قديم مثله البيع والولاء
…
وموت وإرث والقضا كالعدالة
[وجرج وإنكاح وكفر وضده
…
ورشد وتسفيه وعزل ولاية] (6)
وإضرار زوج والرضاع ونسبة
…
تقاس وللخمي لوث قسامة
وقد زادنا الكافي سماع تصرف
…
وإنفاق ذي إيصاء أَو ذي نيابة
وتنفيذ (7) إيصاء لعشرٍ وضعفها
…
سنين ابن زرب زاده (8) فِي مقالتي
وهذه الثماني عشرة التي نقل عن نهاية المتيطي هي فِي النكاح منها، وقد أغفل خمسة أخرى، ذكرها المتيطي فِي كتاب الحبس من نهايته إذ قال لما ذكر شهادة السماع عَلَى الحبس: قال محمد بن [أيمن](9): وكذلك شهادة السماع فِي حيازة الحبس والصدقة جائزة.
(1) في (ن 2): (العربي).
(2)
في (ن 1)، و (ن 2):(ليتوافق).
(3)
في (ن 1)، و (ن 3):(يحمل)، و (ن 2):(محمل).
(4)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(5)
في (ن 2): (عده).
(6)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(7)
في (ن 1)، و (ن 3):(وتنفد).
(8)
في (ن 1): (قاله).
(9)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
قال ابن عات (1): وكذلك عَلَى خطوط الشهود الأموات وكذلك فِي جائحات الأحباس، وقاله ابن زرب. قال ابن الطلاع: وكذلك فِي التقية، وخالفه فِي ذلك أبو الأصبغ ابن سهل، وقد كَانَ شيخنا أبو عبد الله القوري استلحقها بقطعة ابن عرفة فِي بيت لا أذكره الآن، وهذا عوض منه:
وحوز كأحباس وجائحة بها
…
وخط لميت أَو تقاة إذايه
ودخل حوز الصدقة تحت الكاف والتقاة التقية، وقد قريء:{إِلا أن تتقوا منهم تقية} قال الزمخشري: قيل للمتقي تقاة وتقية كقولهم: ضرب الأمير لمضروبه، وينبغي أن يجعل هذا البيت المستلحق بعد البيت الثالث من أبيات ابن عرفة؛ حتى ينخرط فِي سلك ما للمتيطي دون اللخمي والكافي وابن زرب، ونص الكافي: وجائز أن يشهد أنّه لَمْ يزل يسمع أن فلاناً كَانَ فِي ولاية فلان، وأنّه كَانَ يتولى النظر له والإنفاق عَلَيْهِ بإيصاء أبيه بِهِ إليه أَو تقديم قاضٍ عَلَيْهِ وإِن لَمْ [يشهده] أبوه بالإيصاء ولا القاضي بالتقديم؛ ولكنه علم بذلك كله بالاستفاضة من أهل العدل وغيرهم ويصح بذلك سفهه (2) إِذَا شهد معه غيره بمثل شهادته وفيها بين أصحابنا اختلاف (3). انتهى.
ولشيخ شيوخنا أبي [محمد](4) عبد الله العبدوسي فيها نظم بديع وهو:
يا سائلاً شهادة السماع
…
أين ينفُذ بها سماع
تجوز فِي مواضع شهيرة
…
خذها إليك تحفة خطيرة
منظومة نظم سلوك الجوهر
…
يقصر عن نظامها ابن جَهْوَر (5)
في العدل والتجريح ثم الكفر
…
والبيع والولاء تلك تجري
(1) في الأصل، و (ن 4):(عتاب).
(2)
في (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3):(هى).
(3)
انظر: الكافي في فقه أهل المدينة، لأبي عمر بن عبد البر، في كتاب الشهادات، كتاب الشهادة على السماع: 1/ 468.
(4)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
(5)
في (ن 1)، و (ن 3):(جمهور)، و (ن 2):(جوهري).
وسفه وضده والحُبُس
…
[والصدقات والرضاع فاقبس](1)
[128 / ب]
والخلع والنكاح والطلاق
…
والموت والهبة والإباق
وقسمة ونسب والحمل
…
مَعَ المضر فاعلمن بالأهل
والملك يقدم مَعَ الولادة
…
ثم الحرابة فخذ إفادة
وملاء وعدم والأسر
…
والعتق والميراث دون نكر
واللوث والإسلام ثم العزل
…
ثم الولاية فذر تستمل
واعلم بأن هذه الشّهَادَة
…
عند ذوي التحصيل والإجادة
يبقى بها ما بيد بلا نزاع
…
اعرفه لعالم ولا دفاع
وليس يؤخذ بها (2) ما باليد
…
والخلف فيما ليس عند أحد
وليس من شروطها العدول (3)
…
بل اللفيف فادر ما أقول
هذي ثلاثون بعيد اثنين
…
محصورة العدد دون مين
ويرغب الأجر من القدوس
…
عبد الإله الناظم العبدوسي
وقد ذيلته بأبيات استدركت فيها الباقي والله الواقي. فقلت:
وزد لها عن حُبْس النهاية
…
تقية المعروف بالإذاية (4)
وخط من مات من الشهود
…
وجائحات الحبس المعهود
وحوزه وحوز ما تصدق
…
بِهِ عن ابن أيمن أخى التقى
(1) ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).
(2)
في (ن 2): (مناها).
(3)
في (ن 3): (عدول).
(4)
في (ن 1)، و (ن 3):(بالإداية).
[وزد عن الكافي الرضي المهذب
…
تقديم حاكم وإيصاء الأب] (1)
وزد عن المفيد لابن زَرْبِ
…
تنفيذ إيصاءٍ بغير قرب
وزد لها الزفاف للتحليل
…
فتوى ابن رشد الرضي الجليل
وابن مغيث زاد دفع النقد
…
ونجل عات سامه بالردّ
بنوة أخوة زاد الشهاب
…
فِي فرق ركو بعد ذكر الأنتساب
ولابن مرزوق أضف يا صاح
…
زيادة الإقرار والجراح
في وصايا المال عندنا نظر
…
كالصرف والإنفاق من والي النظر
أما الحيازة مَعَ القسامه
…
للملك واللوث ترى علامه
لولا التداخل وهي الزائد
…
لبلغت خمسين بعد واحد
ويرغب الرحمان فِي الجواز
…
محمد بن أحمد بن غازي
مستشفعاً بسيد الأنام
…
عَلَيْهِ مني أفضل (2) السلام
فإذا أضيف هذا الرجز العبدوسي كَانَ مستوفياً لجميع ما تقدم وزيادة، فأما نص ما فِي كتاب الحبس من نهاية المتيطي ونص الكافي فقد تقدما، وأما مفيد الحكام لابن هشام فذكر فيه أن ابن زرب: أفتى فِي وصي قامت له بينة بعد ثلاثين سنة عَلَى تنفيذ وصية أسندت إليه بالسماع من أهل العدل والثقة أنها جائزة، وأما ابن رشد ففي أجوبته: أنّه سئل عما يثبت بِهِ بناء المحلل؟ فأجاب: بأنّه يثبت بشاهدين عدلين وأن يكون بناؤه بها أمراً فاشياً مشتهراً بالسماع من لفيف الرجال والنساء، وإِن لَمْ تعرف عدالتهم.
وأما ابن مغيث فِي آخر طرره فأنّه قال: إِذَا شهد الزوج (3) بالسماع أنّه تزوجها بنقد وكإلى مبلغه كذا إِلَى أجل كذا برضى وليها فلان وأنّه دفع إليها النقد، فالزوجية ثابتة والقول قوله فِي دفع النقد مَعَ يمينه، قال ابن عات: فقد أعمل شهادة السماع فِي دفع النقد.
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(2)
في (ن 1): (من رب العلي).
(3)
في (ن 1)، و (ن 3):(للزوج).
وذكر فضل فِي وثائقه مثله إِلا فِي دفع النقد فأنّه لَمْ يجعل فيه شهادة [السماع](1) عاملة وهو أصحّ. انتهى. وأغفله ابن عرفة.
وأما شهاب الدين القرافي فأنّه نقل فِي الفرق السادس والعشرين والمائتين وهو الذي رمزنا له (بركو) بحساب الجمل كلام صاحب القبس إذ قال: ما اتسع أحد فِي شهادة السماع اتساع المالكية، وعدّ مما حضر عَلَى خاطره منها خمسة وعشرين منها النسب، ثم قال القرافي: وزاد بعضهم البنوة والأخوة، [وقبله ابن الشاط.
وقد سبق المتيطي لذكر البنوة والأخوة] (2) فِي آخر الوصايا، وأغفل ذلك ابن عرفة، وأما ابن مرزوق فذكر منها الإقرار والجراح فِي قصيدة له بائنة، ولم أر الجراح لغيره بِخِلاف لوث القسامة، وأما الإقرار فقد يندرج فِي طريقة عبد الوهاب الآتية، وأما قولنا: وفي وصايا المال عندنا نظر كالصرف [(3) والإنفاق من والي النظر فمعناه أن هذه الثلاثة فِي عدّها من مواطن السماع [نظر، أما](4) الوصايا بالمال فلم أر من صرّح بها؛ وإنما ذكر ابن العربي والقرافي والغرناطي بلفظ الوصية غير مفسر، فالظاهر أنهم قصدوا ما فِي الكافي من الإيصاء بالنظر، بذلك فسّر صاحب " التوضيح " الوصية فِي لفظ ابن العزفي (5)، وراجع ما تقدم فِي لفظ ولاية.
وأما التصرف والإنفاق من الوصي ومقدم القاضي ففي نظم ابن عرفة وزاد لنا الكافي:
سماع تصرف وإنفاق
…
ذي إيصاء أَو ذي نيابة
فظاهره أن التصرف (6) والإنفاق مقصودان لذاتهما [بالشّهَادَة، وإذا تأملت نصّ الكافي
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(3)
من هنا يبدأ سقط من (ن 2).
(4)
في (ن 1): (انظر: ما).
(5)
في الأصل، و (ن 2):(العربي).
(6)
في (ن 1): (التصريف).
المتقدم ظهر لك أن مقصود الشّهَادَة بالذات] (1) إنما هو تصحيح تقديم الحاكم وإيصاء الأب، وأن التصرف والإنفاق دليلان عَلَيْهِمَا، وأما قولنا:
أما الحيازة مَعَ القسامة
…
للملك واللوث ترى علامة
فهو جواب عن سؤال مقدر كأنَ قائلاً قال: أغفلتم الحيازة القديمة، وقد ذكرها غير واحد [ورأسهم ابن حبيب عن الأخوين عن مالك، وأغفلتم القسامة وقد ذكرها غير واحد](2) كالعبدي وقبله القرافي، فوقع الجواب بأن الحيازة علامة للملك القديم يستدل بها عَلَيْهِ وهي قيد فيه، وأن القسامة علامة للوث إذ هي مسببة عنه، فهما علامتان باعتبارين؛ ولذا استغنى بعضهم بذكر الملك عن الحيازة، وعكس آخرون، وعبّر ابن عبد السلام وغيره باللوث الموجب للقسامة، وأصل المسألة للخمي عن ابن القاسم، وقد أشبعنا (3) القول فِي هذا كله فِي تكميل التقييد وتحليل التعقيد [الذي وضعنا عَلَى المدونة](4).
واعلم أن الأرجوزة العبدوسية مبدوءة بالعدل (5) بـ: الدال، والقصيدة العزفية مبدوءة بالعزل بـ: الزاي، ولا يصح غير ذلك، يظهر بالتأمل وقوله (6):(سماع) اسم فعل كنزال ودراك وحذار، مبني عَلَى الكسر (7)، ولعل المراد بابن جهور (8) ههنا (9) عيسى بن إبراهيم بن عبد ربه المذكور فِي الصلة (10)، وأما قوله:(وملأ) فحقّه أن يكون ممدوداً، ولا يساعده الوزن، فلو قال وعدم وضده، والأيسر كَانَ أصوب، وأما قوله:
(1) ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(3)
تكرر في (ن 1) من قوله: (بعضهم بذكر الملك) إلى قوله (أشبعنا).
(4)
ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 1)، و (ن 4).
(5)
في (ن 1): (بالعزل).
(6)
في (ن 1)، و (ن 4):(وقول الراجز).
(7)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(8)
في (ن 3): (ببابين جمهورها).
(9)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، وفي (ن 2):(جوهر ههنا).
(10)
هو: أبو القاسم، وقيل: أبو إسحاق، عيسى بن إبراهيم بن عبد ربه بن جهور القيسي، الأندلسي، الإشبيلي، من أهل طلبيرة، رحل إلى المشرق، ودخل بغداد ودمشق وناظر الفقهاء، وكان من أهل النبل والذكاء، له مشاركةٌ في الفقه والحديث وأصول الديانات، توفي بإشبيلية سنة (527 هـ). انظر ترجمته في: تاريخ دمشق، لابن عساكر: 47/ 289، التكملة لكتاب الصلة، للقضاعي: 1/ 122، بغية الملتمس، للضبي: 2/ 524.
وليس من [شروطها العدول](1)
…
بل اللفيف فادر ما أقول
فلو قال عوضاً منه:
وليس سمعها من العدول شرطا
…
بل اللفيف فِي المنقول
لكان أدلّ عَلَى المراد.
تنبيه:
فِي شهادة السماع طرق أخر منها: طريقة عبد الوهاب أنها مختصة بما لا يتغير حاله ولا ينتقل الملك فيه كالموت والنسب والوقف المحرم. قال: وفِي قبولها فِي النكاح قَوْلانِ، بناءً عَلَى اعتبار عدم تغيره إِذَا مات أَحَدهمَا واعتبار جواز التنقل فيه، وقبله الباجي والمازري، وذكر المازري فِي العتق قولين ووجه ثبوته بها بأنّه مما لا يتغير ولا ينفى.
قال ابن عرفة: وهو الحق، ومنها طريقة ابن رشد فِي نوازل سحنون من كتاب الشهادات أن فيها أربعة أَقْوَال:
أحدها أنها تصح فِي كل شيء. والثاني لا تصح فِي شيء. والثالث: تجوز فِي كل شيء إِلا أربعة أشياء النسب والقضاء والنكاح والموت؛ إذ (2) من شأنها أن تستفيض حتى تصح الشّهَادَة فيها عَلَى القطع. والرابع: عكسه (3). قال أبو محمد صالح ويجمعها (4) قولك: فلان ابن فلان القاضي نكح فمات.
وَالتَّحَمُّلُ إِنِ افْتُقِرَ إِلَيْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ.
قوله: (وَالتَّحَمُّلُ إِنِ افْتُقِرَ إِلَيْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) لَمْ يصرح هنا بحكم انتفاعه كما فعل فِي الأداء، وقال ابن عرفه فِي جواز أخذه عَلَى التحمل: خلاف، ثم قال: واستمر عمل الناس اليوم وقبله فِي إفريقية وغيرها عَلَى أخذ الأُجْرَة عَلَى تحملها بالكتب ممن انتصب لها
(1) في (ن 1): (شروطه العدوث).
(2)
في (ن 1): (إذن).
(3)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 153، 154.
(4)
في (ن 3): (ويجمع).
وترك التسبب المعتاد لأجلها، وهو من المصالح العامة وإِلا لَمْ يجد الإنسان من يشهد له بيسر، وأخذها من يحسن [129 / أ] كتب الوثيقة فقهاً.
وعبارة: (عَلَى [كتبه] وشهادته) لا يختلف فيه، ثم قال ابن المناصف: الأولى لمن قدر واستغنى ترك الأخذ، وعلى الأخذ تكون الأُجْرَة معلومة مسماة، وتجوز] (1) بما اتفقا عَلَيْهِ من قليل وكثير ما لَمْ يكن المكتوب له مضطراً للكاتب، إما لقصر القاضي الكتب عَلَيْهِ، لاختصاصه بموجب ذلك، وإما لأنّه لَمْ يجد بذلك الموضع غيره، فيجب عَلَى الكاتب أن لا يطلب فوق ما يستحق؛ فإن فعل فهو جرحة، وإِن لَمْ يسميا شيئاً ففيه نظر، وهو عمل الناس اليوم.
وهو عندي محمل هبة الثواب، فإن أعطاه قدر أجر المثل لزمه، وإلا كَانَ مخيراً فِي قبول ما أعطاه، وتمسكه بما كتب له، إِلا أن يتعلق بذلك حق للمكتوب له فيكون فوتاً، ويجبران على (2) أجر المثل. ابن عرفة: وما زال الناس يعيبون أخذ الأُجْرَة فِي أكثر حوانيت الشهود بتونس؛ لأنهم يقسمون ما تحصّل لهم آخر عملهم عَلَى ثلاثة أجزاء، جزآن للشاهدين، وجزء لمن يُوثّق، وهو أكثر من واحد، وعمل الموثقين فِي الأكثر أكثر من عمل الشاهد؛ لأنّه مجرد كتب اسمه فِي الأكثر، وربما صرّح بعضهم بحرمة فعلهم.
ولقد أخبرني ثقة: أن شيخنا القاضي أبا محمد الأجمي (3) أهدى إليه صهره أبو زوجه القاضي أبو علي بن قداح لبناً فشربه ثم أخبره أنّه أهداه له من يأخذ الأجر فِي شهادته فقام فقاءه، واستغرب المخبر حاله؛ لأنّه لما شهد طلع الحانوت، وكان يأخذ الأجر عَلَى شهادته، ثم أخبرني ثقة: أن الشاهد الذي كَانَ يشهد معه والموثقين كانوا يعطونه كل يوم ديناراً ذهباً، ويأخذ كل موثق منهم أكثر من ذلك، وكان الموثقون ثلاثة أَو أكثر.
قال ابن عرفة: فسلّمه الله من القسمة الفاسدة المتقدم ذكرها.
(1) إلى هنا ينتهي ما سقط من: (ن 2).
(2)
في (ن 1): (ويجبر على أن).
(3)
في (ن 1): (الأجهي).
وَتَعَيَّنَ الأَدَاءُ مِنْ، كَبَرِيدَيْنِ، وعَلَى ثَالِثٍ، إِنْ لَمْ يُجْتَزْ بِهِمَا.
قوله: (وَتَعَيَّنَ الأَدَاءُ) قال القرافي: لفظة أوَدِّى مَعَ أنّه إنشاء لا خبر، فلو قال: وديت لَمْ يعد عكس لفظ الإنشاء فِي بعت واشتريت، فإن أبيع، وأشتري لغو. قال ابن عرفة: الأَظْهَر أن هذا العرف تقرر لا لذات حقيقة الأداء وغيره، والأَظْهَر أن الإشارة المفهمة لذلك تكفي، وشهدت بعض المفتين أدّاها إشارة فلم يقبلها منه من أداها إليه. وفي النوادر لأشهب إذا قال: هذه شهادتي فذلك أداء لها.
وَإِنِ انْتَفَعَ فَجُرْحٌ، إِلا رُكُوبَهُ لِعُسْرِ مَشْيِهِ وعَدَمِ دَابَّتِهِ، لا كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْهُ بِدَابَّةٍ، ونَفَقَةٍ، وحَلَفَ بِشَاهِدٍ فِي طَلاقٍ، وعِتْقٍ، لا نِكَاحٍ. فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ، وإِنْ طَالَ دُيِّنَ، وحَلَفَ عَبْدٌ، وسَفِيهٌ مَعَ شَاهِدٍ.
قوله: (وإِنِ انْتَفَعَ فَجُرْحٌ) هذا المعروف، وقال ابن المناصف: قال بعض العلماء: يجوز للشاهد أخذ الأُجْرَة عَلَى الأداء، وإِن تعين عَلَيْهِ إِذَا كَانَ اشتغاله بأداء الشّهَادَة يمنعه من [اشتغاله بما يقيم] (1) بِهِ أوده. قال ابن عرفة: وهواحد الأَقْوَال فِي أخذ الأُجْرَة فِي الرِّوَايَة عَلَى الإسماع والسماع، الجواز، والمنع، والتفصيل.
لا صَبِيٌّ وأَبُوهُ، ولَو (2) أَنْفَقَ وحَلَفَ مَطْلُوبٌ لِيُتْرَكَ بِيَدِهِ، وسُجِّلَ لِيَحْلِفْ، إِذَا بَلَغَ.
قوله: (لا صَبِيٌّ وأَبُوهُ، ولَو أَنْفَقَ) أي: ولو كَانَ الأب منفقاً والصبي فقيراً بحيث تكون يمين الأب لفائدة سقوط النفقة عنه. قال ابن رشد: هذا هو المشهور المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وقيّد الخلاف بما لَمْ يل الأب والوصي فيه المعاملة، فأما ما وليه أَحَدهمَا فاليمين عَلَيْهِ واجبة؛ لأنّه إِن لَمْ يحلف غرم.
كَوَارِثِهِ قَبْلَهُ.
قوله: (كَوَارِثِهِ قَبْلَهُ) أي كما يحلف وارث الصبي قبل زمان بلوغه إِذَا مات الصبي.
إِلا أَنْ يَكُونَ نَكَلَ أَوَّلاً، فَفِي حَلِفِهِ قَوْلانِ.
قوله: (إِلا أَنْ يَكُونَ نَكَلَ أَوَّلاً، فَفِي حَلِفِهِ قَوْلانِ) اسم (يكون) عائد عَلَى الوارث،
(1) في (ن 3): (إشغاله بما يقوم).
(2)
في أصل المختصر والمطبوعة: (وإن).
وصورته أن يكون الشاهد شهد بحقٍ لصغير وأخ له كبير مثلاً، فنكل الكبير واستؤني الصغير ثم مات الصغير، فكان الكبير وارثه، فأراد أن يحلف ففي تمكينه من اليمين قَوْلانِ للمتأخرين. قال بعض شيوخ عبد الحق: لا. وقال ابن يونس: نعم. قال المازري: ولا نصّ فيها للمتقدمين، ومن ثمّ عابوا قول ابن الحاجب: فلو كَانَ وارث الصغير معه أَو لا، وكَانَ قد نكل لَمْ يحلف عَلَى المنصوص؛ لأنّه نكل عنها (1).
وَإِنْ نَكَلَ اكْتُفِيَ بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ الأُولَى.
قوله: (وإِنْ نَكَلَ اكْتُفِيَ بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ الأُولَى) لا إشكال أن فاعل (نكل) ضمير الصبي أَو وارثه، وأما نكول المطلوب هنا فقد أغفله المصنف؛ مَعَ أنّه ذكره ابن الحاجب إذ قال: فإن نكل المطلوب ففي أخذه منه تمليكاً أَو وقفاً قَوْلانِ (2).
وَإِنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ، ثُمَّ أَتَى بِآخَرَ فَلا ضَمَّ، وفِي حَلِفِهِ مَعَهُ، وتَحْلِيفِ (3) الْمَطْلُوبِ إِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَوْلانِ.
قوله: (وَفِي حَلِفِهِ مَعَهُ، [129 / ب] وتَحْلِيفِ الْمَطْلُوبِ إِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَوْلانِ) كذا فِي بعض النسخ وتحليف بصيغة مصدر المضعّف عطفاً عَلَى (حلفه)، وهو أظهر فِي الدلالة عَلَى رجوع القولين للفرعين.
وَإِنْ تَعَذَّرَ يَمِينُ بَعْضٍ كَشَاهِدٍ بِوَقْفٍ عَلَى بَنِيهِ وعَقِبِهِمْ، أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ حَلَفَ وإِلا فَحُبُسٌ.
قوله: (وَإِنْ تَعَذَّرَ يَمِينُ بَعْضٍ كَشَاهِدٍ بِوَقْفٍ عَلَى بَنِيهِ وعَقِبِهِمْ، أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ حَلَفَ وإِلا فَحُبُسٌ) أما البنون وعقبهم فإنما تعذرت اليمين عَلَى بعضهم كما قال، وأما الفقراء ونحوهم فاليمين فِي حقهم ممتنعة غير مرجوة (4) الإمكان كما عبّر
(1) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص: 477،
قال المصنف في شرح كلام ابن الحاجب: (وعلى هذا فتعبير المصنف على الأول بالمنصوص ليس بظاهر). انظر: التوضيح، لخليل بن اسحاق: 10/ 300.
(2)
انظر: السابق.
(3)
في الأصل (ويحلف).
(4)
في (ن 2)، و (ن 3):(موجودة).
عنه فِي " الجواهر "(1) فلا بد فيه من نوع تجوّز، وفاعل (حلف) ضمير المشهود عَلَيْهِ أي: حلف المشهود عَلَيْهِ لتعذر اليمين من المشهود له، فإن نكل ثبت الحبس فِي الفرعين، هذا (2) أقرب ما يحمل عَلَيْهِ لفظه.
ومن قال: حلف المستحق فِي الأول والمطلوب فِي الثاني فيحتاج إِلَى وحي يسفر (3) عن ذلك، ويتضح لك مراده هنا بالوقوف عَلَى ما سلخ فِي توضيحه من الجواهر مما أصله للمازري، وخلاصته: أن فِي الفرع الأول أربعة أَقْوَال:
الأول: لمالك من رواية مطرف وابن وهب أنّه إِذَا حلف واحد من البطن الأول مَعَ الشاهد ثبت الحبس للجميع.
الثاني: لمالك من رواية ابن الماجشون أنّه إِذَا حلف جُلّهم ثبت الجميع.
الثالث: قول ابن المواز الذي يذهب إليه أصحابنا امتناع اليمين مَعَ هذه الشّهَادَة عَلَى الإطلاق، فعلى هذا القول يكون كما لَو شهد الواحد عَلَى وقف الفقراء، والحكم فِي الفقراء علي ما نصّ عَلَيْهِ اللخمي أن يحلف المشهود عَلَيْهِ، فإن نكل الزم الحبس.
الرابع: لبعض القرويين، ورجّحه اللخمي وغيره: أن من حلف ثبت نصيبه، ومن لا فلا، كالشاهد يشهد لحاضر وغائب أَو حمل. انتهى (4).
فأنت تراه فِي القول الثالث ساوى بين هذا الفرع والفرع الثاني المتفق عَلَى نفي اليمين فيه عن المشهود لهم، ولم يقنع بذلك حتى ساوى بينهما أَيْضاً فِي رجوع اليمين لجهة المشهود
(1) قال في الجواهر: (
…
كون اليمين ممتنعة غير مرجوة الإمكان، كما إذا شهد الشاهد، مثلاً، على رجل أنه حبس ربعًا على الفقراء أو تصدق عليهم بمال، فلا يمكن أن يستحلف جميع الفقراء؛ إذ ذلك ممتنع عادة، ولا سبيل إلى التحكم بتخصيص بعضهم باليمين، إذ لا يستحلف إلا من يستحق الملك أو القبض، وليس في الفقراء من يشار إليه إلا ويمكن أن تصرف الصدقة عنه إلى غيره) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1054.
(2)
في الأصل: (هل).
(3)
في (ن 1): (يسر)، وفي (ن 3):(يفسر).
(4)
انظر: التوضيح، لخليل بن اسحاق: 10/ 301، 302.
عَلَيْهِ، فإن نكل ألزم (1) الحبس، اعتماداً عَلَى فهم اللخمي فِي الفرع الثاني فعلى هذا اقتصر فِي هذا المختصر وحمله عَلَى غير هذا خبط عشواء. والله تعالى أعلم.
تحرير:
الذي فِي النوادر فِي الفرع الثاني عن أشهب: أن شهادة واحد بحبس فِي السبيل أَو وصية فيه أَو لليتامى أَو من (2) لا يعرف بعينه ساقطة، ليس لأحدٍ ممن ذكر الحلف معه، وليحيي بن يحيي عن ابن القاسم مثله، ولما علله المازري بأن الحق لمجموع يتعذر حصوله والواحد منه لا يتقرر حقّه فيه إِلا بإحصاء المجموع قال: ويجب أن يحلف المشهود عَلَيْهِ عَلَى إبطال شهادة الشاهد كالشاهد عَلَيْهِ بالطلاق.
قال ابن عرفة: وظاهر الروايات عدم حلفه لعدم تعيين طالبه ونقل اللخمي كالمازري قائلا: إِن نكل لزمه ما شهد بِهِ عَلَيْهِ.
فَإِنْ مَاتَ، فَفِي تَعْيِينِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ الأَوَّلِينَ أَوِ الْبَطْنِ الثَّانِي تَرَدُّدٌ.
قوله: (فَإِنْ مَاتَ، فَفِي تَعْيِينِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ الأَوَّلِينَ أَوِ الْبَطْنِ الثَّانِي تَرَدُّدٌ) هذا الكلام مستغنى عنه هنا؛ لأنّه مرتب عَلَى القول الرابع كما سلّمه فِي توضيحه (3)، وقد علمت مما أسلفناك: أنّه إنما درج هنا عَلَى القول الثالث، ولعل الحرص عَلَى تطبيق (4) هذا الكلام عَلَى ما قبله هو الحامل على ارتكاب المجازفة لمن جعل الفاعل بحلف المتقدم المستحق تارة والمطلوب أخرى، وذلك ضرب فِي حديد بارد فتأمله منصفاً.
وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى حَاكِمٍ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي، إِلا بِإِشْهَادِهِ.
قوله: (وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى حَاكِمٍ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي، إِلا بِإِشْهَادِهِ) كذا ذكر فِي توضيحه عن " المفيد " عن مطرف (5).
(1) في (ن 1): (لزم).
(2)
في (ن 2): (ومن).
(3)
انظر: التوضيح، لخليل بن اسحاق: 10/ 302.
(4)
في (ن 2)، و (ن 3):(تضييق).
(5)
انظر: التوضيح، لخليل بن اسحاق: 10/ 304.
استطراد:
قال المازري: من الحكمة والمصلحة منع القاضي الحكم بعلمه خوف (1) كونه غير عدل، فيقول: علمت، فيما لا علم له بِهِ؛ وعلى هذا التعليل لا يقبل قوله: ثبت عندي كذا، إِلا أن يسمي البينة كما قال ابن القصار وابن (2) الجلاب (3) ورأى المازري أَيْضاً أن قول القاضي: ثبت عندي كذا ليس حكماً منه بمقتضى ما ثبت عنده؛ فإن ذلك أعم منه وألف فيه جزءاً، وقبله ابن عبد السلام، وبحث فيه ابن عرفة، وعارضه بما له فِي شرح التلقين فقف عَلَى الفرعين فِي أقضيته.
كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي، أَو رَآهُ يُؤَدِّيهَا، إِنْ غَابَ الأَصْلُ، وهُوَ رَجُلٌ بِمَكَانٍ، لا يَلْزَمُ الأَدَاءُ مِنْهُ، ولا يَكْفِي فِي الْحُدُودِ الثَّلاثَةُ الأَيَّامِ، أَوْ مَاتَ، أَوْ مَرِضَ، ولَمْ يَطْرَأْ فِسْقٌ، أَوْ عَدَاوَةٌ، بِخِلافِ جِنٍّ. ولَمْ يُكَذِّبْهُ أَصْلُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ، وإِلا مَضَى بِلا غُرْمٍ. وَنَقَلَ عَنْ كُلٍّ اثْنَانِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصْلاً. وفِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ عَنْ كُلٍّ، أَوْ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ اثْنَانِ ولُفِّقَ نَقْلٌ بِأَصْلٍ، وجَازَ تَزْكِيَةُ نَاقِلٍ أَصْلَهُ ونَقْلُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ فِي بَابِ شَهَادَتِهِنَّ.
قوله: (كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي). ظاهره وإن تسلسل وقد قال ابن عرفة: ظاهر عموم الروايات وإطلاقها (4)[130 / أ] صحة نقل النقل، ولم أقف عَلَيْهِ نصاً، وفي " المدونة " وغيرها: تجوز الشّهَادَة عَلَى الشّهَادَة فِي الحدود والطلاق والولاء، وكل شيء (5).
ابن عرفة: والنقل عن الأصل شيء (6).
وَإِنْ قَالا وَهِمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا سَقَطَتَا.
قوله: (وَإِنْ قَالا وَهِمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا سَقَطَتَا) قال فِي كتاب السرقة من " المدونة ": وإِذَا
(1) في: (حذف).
(2)
في (ن 1): (أَو ابن).
(3)
قال في التفريع: (ولا يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في حد ولا حق. فإذا علم شيئًا من ذلك، كان شاهدًا فيه وله أن يشهد به عند غيره من الحكام، ويكون كواحد من الشهود) انظر: التفريع، لابن الجلاب: 2/ 254.
(4)
في (ن 3): (الرواية وإطلاقه).
(5)
انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 3/ 586.
(6)
أي: إذا كان النقل عن الأصل شيئاً فهو داخل في نص المدونة (شيء)، فتجوز فيه الشهادة على السماع.
شهد (1) رجلان عَلَى رجل بالسرقة ثم قالا قبل القطع: وهمنا، بل [هو] (2) هذا الآخر لَمْ يقطع واحد منهما (3). قال أبو الحسن الصغير: أما الأول فلأنهما رجعا عن (4) شهادتهما عَلَيْهِ، وأما الثاني: فلأنهما قد كانا برآه حين شهدا عَلَى الأول، وظاهره وإن كَانَ بعد الأمر بالحكم وقبل الإنفاذ. انتهى.
والذي فِي النوادر عن الموازية: إذا (5) قالا قبل الحكم: وهمنا، لَمْ يقبلا، وقاله ابن القاسم وأشهب قالا: ولَو قالا فِي آخر عَلَى هذا شهدنا ووهمنا فِي الأول لَمْ يقبلا عَلَى واحد منهما، ورواه ابن القاسم. قال أشهب: كَانَ ذلك فِي حق أَو قتل أَو سرقة لإخراجهما أنفسهما عن العدالة بإقرارهما (6) أنهما شهدا عَلَى الوهم والشك (7).
وَنُقِضَ، إِن ثَبَتَ كَذِبُهُمْ كَحَيَاةِ مَنْ قُتِلَ، أَوجبهِ، قَبْلَ الزِّنَا، لا رُجُوعُهُمْ، وغَرِمَا مَالاً ودِيَةً، ولَوْ تَعَمَّدَا، ولا يُشَارِكُهُمْ شَاهِدَا الإِحْصَانِ كَرُجُوعِ الْمُزَكِّي، وأُدِّبَا فِي كَقَذْفٍ، وحُدَّ شُهُودُ الزِّنَا مُطْلَقاً كَرُجُوعِ أَحَدِ الأَرْبَعَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ، وبَعْدَهُ حُدَّ الرَّاجِعُ فَقَطْ، وإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ، فَلا غُرْمَ، ولا حَدَّ، إِلا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الأَرْبَعَةِ عَبْدٌ فَيُحَدُّ الرَّاجِعَانِ والْعَبْدُ، وغَرِمَا فَقَطْ رُبْعَ الدِّيَةِ، ثُمَّ إِنْ رَجَعَ ثَالِثٌ حُدَّ هُو والسَّابِقَانِ، وغَرِمُوا رُبْعَ الدِّيَةِ، ورَابِعٌ فَنِصْفُهَا، وإِنْ رَجَعَ سَادِسٌ بَعْدَ فَقْءِ عَيْنِهِ، وخَامِسٌ بَعْدَ مُوضِحَةٍ، ورَابِعٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعَلَى الثَّانِي خُمُسُ الْمُوضِحَةِ مَعَ سُدُسِ [75 / ب] الْعَيْنِ كَالأَوَّلِ، وعَلَى الثَّالِثِ رُبُعُ دِيَةِ النَّفْسِ فَقَطْ، ومُكِّنَ مُدَّعٍ رُجُوعاً مِنْ بَيِّنَةٍ كَيَمِينٍ إِنْ أَتَى بِلَطْخٍ، ولا يُقْبَلُ رُجُوعُهُمَا عَنِ الرُّجُوعِ.
قوله: (وَنُقِضَ، إِن ثَبَتَ كَذِبُهُمْ كَحَيَاةِ مَنْ قُتِلَ، أَوجبهِ، قَبْلَ الزِّنَا) أي: مثل أن يشهدا أن فلاناً قتل زيداً فلم يقتص منه بعد الحكم بالقصاص حتى قدم زيد حياً، أَو شهدا
(1) في الأصل: (أشهد).
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
(3)
انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 444.
(4)
في (ن 1): (على).
(5)
في (ن 1): (إذ).
(6)
في (ن 3): (لإقرارهما).
(7)
انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 8/ 438، 439.
عَلَى محصن بالزنا فلم يرجم بعد الحكم برجمه حتى وُجد مجبوباً فإن الحكم ينقض فيهما؛ لإمكان نقضه، بِخِلاف ما لَو تأخر ثبوت الكذب على القصاص والرجم؛ ولهذا (1) قيّده ابن الحاجب بالإمكان إذ قال: أما لَو ثبت كذبهم نقض إِذَا أمكن (2). قال فِي " التوضيح ": احترز بذلك من الفوات بالاستيفاء إذ لَمْ يبق حينئذ إِلا الغرم (3)، وهذا خلاف قول ابن عبد السلام ثبوت كذبهم عسير لأنّه راجع إِلَى تجريح الشهود، والمشهود عليهم بالكذب فِي هذه الصورة يشهدون بكذب من شهد عليهم فيها [ويثبتون ما](4) نفاه من شهد عليهم؛ فلهذا علّق ابن الحاجب ثبوت كذبهم عَلَى الإمكان (5)، وإليه يعود هذا الشَرْط لا إِلَى نقض الحكم.
ومن هذا المعنى: إِذَا شهد عَلَى رجلٍ بالزنا، ثم تبين أنّه مجبوب؟ قال ابن عرفة: هذا وهم نشأ عن اعتقاده عسر ظهور كذبهم، ويرد ما ادعاه من عسره بما أقرّ بِهِ أخيراً من مسألة المجبوب، وبمسألة من شهد بقتله ثم قدم حياً، وبما يأتي من نص " المدونة "، كذلك لا يقال فيه: عسير، والحق الواضح لمن (6) أنصف أن الشَرْط راجع إِلَى نقض الحكم لا إِلَى ظهور كذبهم؛ لأن نقضه قد لا يمكن ككونه [حكماً بقطع أَو قتل وقع، وقد يمكن ككونه](7) باستحقاق رفع ونحوه.
وكقوله فِي أواخر كتاب الاستحقاق من " المدونة " فيمن شهدت بينة (8) بموته فبيعت تركته وتزوجت زوجته ثم قدم حياً، فإن كَانَ الشهود عدولاً، وذكروا ما يعذرون بِهِ فِي دفع تعمد الكذب؛ مثل أن يروه فِي معركة القتلى فيظنون أنّه ميّت أَو طعن فلم يتبين لهم أن
(1) في (ن 3): (وهذا).
(2)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:480.
(3)
انظر: التوضيح، لخليل بن اسحاق: 10/ 320.
(4)
في (ن 3): (ويثبتوا في).
(5)
في الأصل: (ما كان).
(6)
في (ن 1): (لم)، وفي (ن 2):(لو).
(7)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(8)
في (ن 1): (البينة).
بِهِ حياة، أَو شهدوا عَلَى شهادة غيرهم، فهذا ترد إليه زوجته، وليس له من متاعه إِلا ما وجده لَمْ يبع، وما بيع فهو أحق بِهِ بالثمن إِن وجده قائما لَمْ يتغير عن حاله.
قال ابن القاسم: والذي أراد مالك تغير البدن وليس له أخذ ذلك حتى يدفع الثمن إِلَى مبتاعه، [وما وجده قد فاتت عينه عند مبتاعه](1) أَو تغير عن حاله فِي بدنه، أَو فات بعتق أَو تدبير أَو كتابة أَو أمة تحمل من السيد، أَو صغير يكبر فإنما له الرجوع بالثمن عَلَى من باع ذلك كله، فإن لَمْ تأت البينة بما تعذر بِهِ من شبهة دخلت عليهم فذلك كتعمدهم الزور، فيأخذ متاعه حيث وجده إِن شاء بالثمن الذي بيع (2) به، وتردّ إليه (3) زوجته، وله أخذ ما أعتق من عبدٍ، أَو كوتب، أَو دُبّر أَو صغير كبر، أَو أمة اتخذت أم ولد، فيأخذها، وقيمة ولدها من المبتاع يوم الحكم، كالمغصوبة يجدها بيد مشتريها (4). انتهى نصّ " المدونة ".
وإنما جلب منه ابن عرفة محل الحاجة هنا، وهو إِن لَمْ تأت البينة بما تعذر بِهِ، وإِلَى مسألة " المدونة " هذه أشار المصنف بقوله آخر الاستحقاق:(كَمَشْهُودٍ بِمَوْتِهِ إنْ تعذِرَتْ [130 / ب] بَيِّنَةُ، وإِلَاّ فَكَالْغَاصِبِ، ومَا فَاتَ فَالثَّمَنُ كَمَا لَوْ دَبَّرَ أَوْ كَبِرَ صَغِيرٌ).
وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي (5) بِكَذِبِهِمْ، وحَكَمَ فَالْقِصَاصُ وإِنْ رَجَعَا عَنْ طَلاقٍ فَلا غُرْمَ كَعَفْوِ الْقِصَاصِ، إِنْ دَخَلَ، وإِلا فَنِصْفُهُ، كَرُجُوعِهِمَا عَنْ دُخُولِ مُطَلَّقَةٍ، واخْتَصَّ الرَّاجِعَانِ بِدُخُولٍ عَنِ الطَّلاقِ، ورَجَعَ شَاهِدَا الدُّخُولِ عَلَى الزَّوْجِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ إِنْ أَنْكَرَ الطَّلاقَ.
قوله: (وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي (6) بِكَذِبِهِمْ، وحَكَمَ فَالْقِصَاصُ) لَمْ يتبع هنا قول ابن الحاجب: ولَو علم الحاكم بكذبهم فحكم، ولَمْ يباشر القتل فحكمه كحكمهم (7). لأنّه رآه كما قال
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(2)
في (ن 1): (بل يبيع).
(3)
في (ن 2): (له).
(4)
انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 120.
(5)
في أصل المختصر: (الحاكم).
(6)
في أصل المختصر: (الحاكم).
(7)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:480.
ابن عبد السلام مخالفاً فِي ظاهره؛ لقوله فِي آخر كتاب الرجم من " المدونة ": وإِن أقرّ القاضي أنّه رجم أَو قطع الأيدي أَو جلد؛ تعمداً للجور قيد منه (1). عَلَى أن ابن الحاجب تابع لابن شاس (2) وابن شاس تابع للإمام المازري؛ فإنّه قال: لَو أن القاضي علم بكذب الشهود، [فحكم بالجور وأراق هذا الدم كَانَ حكمه حكم الشهود](3) إِذَا لَمْ يباشر القتل بنفسه، بل أمر بِهِ من تلزمه طاعته، ولو أن ولي الدم علم بكذب الشهود فِي شهادتهم، وبأن (4) القاضي علم بذلك فقتل المشهود عَلَيْهِ بقتل وليه لاقتص منه بلا خلاف، عند المالكية، والشافعية. وقول أبي حنيفة: لا يقتل (5) كالشهود، خيال فاسد. انتهى.
وبعد ما عضد ابن عرفة ما فِي " المدونة " بأن مثله فِي النوادر من رواية ابن القاسم، ومن رواية ابن سحنون عن أبيه: أن ما أقر بِهِ القاضي من تعمد جور أَو قامت عَلَيْهِ بِهِ بينة يوجب عَلَيْهِ القصاص قال: قد يفرق بين هذه المسائل ومسألة المازري بأن محمل هذه المسائل: أنّه أقر بالعداء (6) والجور دون استناد منه لسبب ظاهر، وهو (7) فِي مسألة المازري مستند فِي الظاهر لسبب، وهو البينة المذكورة، والاستناد إِلَى السبب الظاهر وإِن كَانَ كاذباً له أثر وشبهة، كقوله فِي " المدونة ": إِن لمن قذف، وهو يعلم من نفسه صدق قاذفه فيما رماه بِهِ أن يقوم بحدّه (8) خلافا لابن عبد الحكم.
(1) انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 421.
(2)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1059.
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(4)
في الأصل: (وأبان).
(5)
في الأصل: (بقتل)، وفي (ن 1):(يقبل).
(6)
في الأصل: (أقرت بالعد).
(7)
في (ن 2): (وهي).
(8)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 16/ 214 ونصها: (سئل عن الرجل يقال له: يا زاني، وهو يعلم من نفسه أنه كان زانيا، أترى أن يحل له أن يضربه أم يتركه؟ قال: بل يضربه ولا شيء عليه)، وانظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 477.
وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ إِرْثٍ، دُونَ مَا غَرِمَ ورَجَعَتْ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهَا مِنْ إِرْثٍ وصَدَاقٍ.
قوله: (ورَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ إِرْثٍ) لَو قال: ورجع الزوج عَلَى شاهدي الطلاق كعبارة ابن الحاجب (1)، لكان أوضح.
وَإِنْ كَانَ عَنْ تَجْرِيحٍ أَوْ تَغْلِيطِ شَاهِدَيْ طَلاقِ أَمَةٍ غَرِمَا لِلسَّيِّدِ مَا نَقَصَ بِزَوْجِيَّتِهَا.
قوله: (وَإِنْ كَانَ عَنْ تَجْرِيحِ أَوْ تَغْلِيطِ شَاهِدَيْ طَلاقِ أَمَةٍ) ينبغي أن يقرأ تجريح بغير تنوين؛ لأنّه مضاف فِي التقدير لمثل ما أضيف إليه فأعطف (2) عَلَيْهِ فهو من باب قول الشاعر:
يا من رأى عارضا يُسرّ بِهِ
…
بين ذراعي وجبهة الأسد
وَلَوْ كَانَ بِخُلْعٍ بِثَمَرَةٍ، لَمْ تَطِبْ، أَو بِآبِقٍ فَالْقِيمَةُ حِينَئِذٍ كَالإِتْلافِ بِلا تَأْخِيرٍ لِلْحُصُولِ فَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الأَحْسَنِ، وإِنْ كَانَ بِعِتْقٍ غَرِمَا قِيمَتَهُ، ووَلاؤُهُ لَهُ، وهَلْ إِنْ كَانَ لأَجَلٍ يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ والْمَنْفَعَةَ إِلَيْهِ لَهُمَا، أَوْ تُسْقَطُ مِنْهُمَا الْمَنْفَعَةُ، أَوْ يُخَيَّرُ فِيهِمَا؟ أَقْوَالٌ. وإِنْ كَانَ بِعِتْقِ تَدْبِيرٍ فَالْقِيمَةُ، واسْتَوْفَيَا مِنْ خِدْمَتِهِ. فَإِنْ عَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ فعَلَيْهِمَا، وهُمَا أَوْلَى، إِنْ رَدَّهُ دَيْنٌ، أَوْ بَعْضَهُ كَالْجِنَايَةِ. وإِنْ كَانَ بِكِتَابَةٍ فَالْقِيمَةُ، واسْتَوْفَيَا مِنْ نُجُومِهِ، وإِنْ رُقَّ فَمِنْ رَقَبَتِهِ، وإِنْ كَانَ بِإِيلادٍ فَالْقِيمَةُ، وأَخَذَا مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا، وفِيمَا اسْتَفَادَتْهُ قَوْلانِ، وإِنْ كَانَ بِعِتْقِهَا فَلا غُرْمَ، أَوْ بِعِتْقِ مُكَاتَبٍ فَالْكِتَابَةُ وإِنْ كَانَ بِبُنُوَّةٍ، فَلا غُرْمَ، إِلا بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ بِإِرْثٍ، إِلا أَنْ يَكُونَ عَبْداً فَقِيمَتُهُ، أَوَّلاً، ثُمَّ إِنْ مَاتَ وتَرَكَ آخَرَ فَالْقِيمَةُ لِلآخَرِ، وغَرِمَا لَهُ نِصْفَ الْبَاقِي.
وإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أُخِذَ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهُ، وكُمِّلَ بِالْقِيمَةِ، ورَجَعَا عَلَى الأَوَّلِ بِمَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ، وإِنْ كَانَ بِرِقٍّ لِحُرٍّ فَلا غُرْمَ، إِلا لِكُلِّ مَا اسْتُعْمِلَ، ومَالٍ انْتُزِعَ، ولا يَأْخُذُهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، ووُرِثَ عَنْهُ، ولَهُ عَطِيَّتُهُ، لا تَزَوُّجٌ.
قوله: (وَلَوْ كَانَ بِخُلْعٍ بِثَمَرَةٍ، لَمْ تَطِبْ، أَو بِآبِقٍ فَالْقِيمَةُ حِينَئِذٍ كَالإِتْلافِ بِلا تَأْخِيرٍ
(1) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:480.
(2)
في الأصل، و (ن 3):(ما عطف).
لِلْحُصُولِ فَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الأَحْسَنِ) القيمة الأولى حين الرجوع، وهي مثبتة والقيمة (1) الثانية حين (2) الحصول، وهي منفية، فلم يتواردا عَلَى موضوع (3) ولا حكم، فلا تكرار ولا إعادة، وينبغي أن يقرأ فيغرم بالنصب جواباً للنفي، أوَ عطفا للمصدر المؤول عَلَى الصريح، وما أشار إليه من الأحسنية ذكره ابن راشد القفصي غيرَ معزوٍ فقال: وقول عبد الملك أقيس، وإنما يقع الغرم عَلَى الصفة التي كان عَلَيْهَا يوم الخلع كالإتلاف، ولا اعتبار (4) بقول ابن المواز: أنّه كَانَ تالفاً يومئذ؛ لأن ذلك إنما يعتبر فِي البيع وأما الإتلاف فلا. انتهى. وقبله فِي " التوضيح ". والله تعالى أعلم.
وَإِنْ كَانَ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وعَمْرٍو، ثُمَّ قَالا لِزَيْدٍ غَرِمَا خَمْسِينَ لِلْغَرِيمِ فَقَطْ.
قوله: (وَإِنْ كَانَ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وعَمْرٍو، ثُمَّ قَالا لِزَيْدٍ غَرِمَا خَمْسِينَ لِلْغَرِيمِ فَقَطْ) الغريم هو: المقضي عَلَيْهِ وفي بعض النسخ (لعمرو) مكان الغريم وهو تصحيف فظيع.
وأصل هذه المسألة فِي النوادر عن ابن عبد الحكم: أن الشاهدين إِذَا شهدا عَلَى رجلٍ أنّه أقر لفلان وفلان بمائة دينار ثم رجعا بعد القضاء، وقالا: إنما شهدنا بها لأَحَدهمَا وعيناه: رجع المقضي عَلَيْهِ بالمائة بخمسين عَلَى الشاهدين، ولا تقبل شهادتهما للآخر بكل المائة؛ لجرحتهما برجوعهما ولا يغرمان له شيئاً؛ لأنّه إِن كَانَ له حق فقد بقي عَلَى من هو عَلَيْهِ وليس قول من قال: يغرمان له خمسين بشيء لأنهما إنما أخذا خمسين من المطلوب أعطياها لمن لا شيء له عَلَيْهِ، ولو كَانَ عبدا بعينه شهد أنّه أقر بِهِ لفلان وفلان فرجعا بعد القضاء بِهِ لهما وقالا إنما أقر بِهِ لفلان منهما فها هنا يغرمان لمن أقرا له قيمة نصفه لأنهما أتلفاه عَلَيْهِ، هذا
(1) في الأصل: (والقصة).
(2)
في (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3):(عين).
(3)
في (ن 1)، و (ن 2):(موضع).
(4)
في (ن 1): (والاعتبار)
قلت: وقد وقفت عليها في التوضيح: (والاعتبار) وهو غير صحيح لمن تأمل النص، قال في التوضيح نقلاً عن محمد بن المواز (فيغرمان قيمة ذلك يومئذ، وقد كان قبل ذلك تالفاً وكذلك الجنين وكذلك الثمرة قبل بدو صلاحها، وعلى هذا فالمصنف إنما ذكر عن محمد ما رجع إليه، وقول عبد الملك أقيس، وإنما يقع الغرم وهو على الصفة التي كان عليها يوم الخلع كالإتلاف، وعلى هذا فالمصنف إنما ذكر عن محمد ما رجع إليه، وقول عبد الملك أقيس، وإنما يقع الغرم وهو على الصفة التي كان عليها يوم الخلع كالإتلاف) ثم ثنى بما نقله المؤلف هنا.
إِن أقر من كَانَ العبد بيده أنّه [لمن شهدا له](1) أخيراً وإِن ادعاه لنفسه وأنكر شهادتهما غرما نصف قيمته للمشهود عَلَيْهِ [131 / أ] وليس للمقر له أخيرا إِلا نصفه. قال ابن عرفه: يقوم من هذا أن ما فِي الذمة لا يتعين بحال ما دام فِي الذمة وأن التعرض إليه بغير الواجب لا يوجب فيه حكما، ونزلت فِي أوائل هذا القرن يعني [القرن] (2) الثامن مسألة وهي: أن رجلا له دين عَلَى رجل، فعدا السلطان عَلَى رب الدين فأخذه من غريمه، ثم تمكن رب الدين من طلب المدين بدينه فاحتجّ المدين بجبر السلطان عَلَى أخذه منه من حيث كونه حقاً لرب الدين؛ فأفتى بعض الفقهاء ببراءة المدين، وأفتى غيره بعدم براءته، محتجاً بأن ما فِي الذمة لا يتعين قال ابن عبد الحكم (3): ولو أقر الشاهد أنّه شهد أولاً لمن شهد له متعمداً للزور لانبغى (4) أن يتفق عَلَى تضمينه للثاني.
قال ابن عرفة: فيه نظر؛ لأن مقتضى قول ابن عبد الحكم: أن لا (5) فرق بين تعمد الزور وعدمه فتأمله.
وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ نِصْفَ الْحَقِّ كَرَجُلٍ مَعَ نِسَاءٍ.
قوله: (وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ نِصْفَ الْحَقِّ) هذا راجع لجميع فروع الرجوع ولا يختصّ بمسألة زيد وعمرو.
وَهُوَ مَعَهُنَّ فِي الرِّضَاعِ كَاثْنَتَيْنِ، وعَنْ بَعْضِهِ غَرِمَ نِصْفَ الْبَعْضِ، وإِنْ رَجَعَ مَنْ يَسْتَقِلُّ الْحُكْمَ بِعَدَمِهِ فَلا غُرْمَ، فَإِذَا رَجَعَ غَيْرُهُ فَالْجَمِيعُ.
قوله: (وَهُوَ مَعَهُنَّ فِي الرِّضَاعِ كَاثْنَتَيْنِ) كذا قال ابن شاس وتبعه ابن الحاجب (6)
(1) في (ن 1): (من شهد إليه)، وفي (ن 3):(ممن شهدا له).
(2)
ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 3).
(3)
في الأصل، و (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 4):(عبد السلام).
(4)
في (ن 1)، و (ن 2):(لا ينبغي).
(5)
في (ن 2): (لا)، وفي (ن 3):(إلا).
(6)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1071،1072، قال:(فلو شهد رجل وعشر نسوة على رضاع، ثم رجع الكل بعد الحكم، فعلى الرجل سدس ما يجب من الغرامة عما أتلفت الشهادة، وعلى كل امرأة نصف سدس قال ابن الحاجب: (فلو كان مما يقبل فيه امرأتان كالرضاع وغيره ورجعوا فعلى الرجل سدس وعلى كل امرأة نصف سدس) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص 482.
وقبله ابن راشد القفصي وقال ابن هارون: جعلوا عَلَى الرجل (1) ضعف ما عَلَى المرأة، وفيه نظر، والقياس استواء الرجل والمرأة فِي الغرم فِي هذا الفصل؛ لأن شهادة المرأة فيه كشهادة الرجل، ونحوه لابن عبد السلام، وزاد: ولعل (2) وجهه أن الشّهَادَة لما آلت إِلَى المال حكم بالرجوع فيها بحكم الرجوع عن شهادة الأموال، وقال ابن عرفة: هذا التوجيه (3) وهم؛ لأنّ رجوع الرجل مَعَ نسوة فِي الأموال يوجب عَلَيْهِ غرم نصف الحق لا ضعف ما يجب عَلَى المرأة، وعندي أنّه يتوجه عَلَى غير المشهور فِي إضافة الغرم إِلَى عدد الشهود من حيث عددهم لا عَلَى أقل النصاب منهم، وهو قول ابن عبد الحكم، وأشهب فِي أربعة رجع ثلاثة منهم، أن عليهم ثلاثة أرباع الحق خلاف المشهور أن عليهم نصفه. فتأمله
قال ابن عرفة: ولا أعرف هذه المسألة لأحد من أهل المذهب ولقد أطال الشيخ أبو محمد وابن يونس فِي هذا الباب فلم يذكراها؛ وإنما ذكرها الغزالي فِي " وجيزه " بلفظ ما ذكره ابن شاس، فظنّ ابن شاس موافقتها للمذهب فأضافها إليه، وهو متعقب.
وَلِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُمَا بِالدَّفْعِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ.
قوله: (ولِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُمَا بِالدَّفْعِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ) يعني أن الشاهدين إِذَا شهدا لرجل عَلَى آخر بحق، ثم رجعا عن شهادتهما ذلك كله قبل (4) أن يغرم المقضي عَلَيْهِ فله أن يطالبهما بالدفع للمقضي له؛ لأن الحق توجه عَلَيْهِ للمقضي له بشهادتهما أولاً، وتوجه عَلَيْهِمَا للمقضي (5) عَلَيْهِ برجوعهما عن شهادتهما فله أن يخرج عن هذه الخسارة بأن يلزمهما الدفع للمقضي له وكذا فِي النوادر عن ابن عبد الحكم وعبارة المصنف موفية بِهِ؛ فهي محررة بِخِلاف ما يعطيه لفظ ابن الحاجب من أن المقضي عَلَيْهِ يقبضه من الشاهدين ثم يدفعه للمقضي له.
(1) زاد في: (ن 3): (في الغرم).
(2)
في الأصل: (والعمل).
(3)
في (ن 1): (التوجهه).
(4)
في: (بعد).
(5)
في الأصل: (للمقتضى).
وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ، إِذَا تَعَذَّرَ مِنَ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، وإِنْ أَمْكَنَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ جُمِعَ.
قوله: (وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ، إِذَا تَعَذَّرَ مِنَ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ) تبع فِي هذا ابن الحاجب (1) وهو خلاف ما فِي النوادر عن الموازية أنّه إِذَا حكم بشهادتهما ثم رجعا فهرب المقضي عَلَيْهِ قبل أن يؤدي، وطلب المقضي له أن يأخذ الشاهدين بما كانا يغرمان لغريمه لَو غرم لا يلزمهما [غرم](2) حتى يغرم المقضي عَلَيْهِ فيغرمان له حينئذ؛ ولكن ينفذ القاضي الحكم للمقضي عَلَيْهِ عَلَى الراجعين بالغرم هرب أَو لَمْ يهرب، فإذا غرم أغرمهما كما لَو شهدا عَلَى رجلٍ بحق إِلَى سنة ثم رجعا فلا يرجع عَلَيْهِمَا حتى تحلّ السنة، ويغرم هو وله أن يطلب القضاء بذلك عَلَيْهِمَا الآن ولا يغرمان الآن.
قال ابن عرفة: فقول (3) ابن الحاجب: وللمقضي (4) له ذلك إِذَا تعذر من المقضي عَلَيْهِ. وهم؛ لأنّه خلاف المنصوص، ولَو ذكره بعد ذكر المنصوص أمكن أن يكون قولاً انفرد بمعرفته. وقال ابن عبد السلام (5): لا أعلم من أين نقله إِلا أنّه يقال عَلَى هذا: إِذَا كَانَ الشاهدان فِي هذا الفرع لا يلزمهما الدفع إِلا بعد غرم المقضي عَلَيْهِ فغرمهما حينئذ مشروط بغرم المقضي عَلَيْهِ، ويلزم تأخير الشَرْط عن المشروط وذلك [131 / ب] مناقض لأصل المسألة: أن للمقضي عَلَيْهِ أن يطالبهما بالدفع للمقضي له قبل غرمه، ألا ترى أن غرمهما سابق عَلَى غرمه فيكون غرمهما سابقاً لاحقاً، وهو باطل.
فقال ابن عرفة وقفه عَلَى غرمه (6) إنما هو فِي غيبته لا مَعَ حضوره، ولا يتوهم [تأخير](7) الشَرْط عن المشروط إِلا من مجموع توقف غرمهما عَلَى غرمه، مَعَ لزوم غرمهما
(1) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:482.
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(3)
في (ن 2): (وقول).
(4)
في الأصل: (وللمقتضي).
(5)
في (ن 3): (عبد الحكم).
(6)
في (ن 1)، و (ن 3):(غريمه).
(7)
ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 2)، و (ن 3)، وفي (ن 1):(تأخر).
بمجرّد طلب غرمهما قبل غرمه، ويردّ بأنّه إنما شرط غرمهما بغرمه فِي حال غيبته لا فِي حال حضوره؛ لأنّه فِي غيبته يمكن أن لَو حضر أقر بالحق المشهود (1) عَلَيْهِ بِهِ، وإِذَا حضر وطلب غرمهما انتفى (2) هذا الاحتمال، فقوله:(يلزم تأخير الشَرْط عن المشروط) وهم، فتأمله. انتهى.
وزعم المصنف فِي توضيحه أن ما قاله ابن الحاجب هو مقتضى الفقه؛ لأن الشهود غرماء غريمه (3)، ولعله لهذا تبعه هنا وما كَانَ ينبغي له ذلك.
وإِلا رُجِّحَ بِسَبَبِ [76 / أ] مِلْكٍ. كَنَسْجٍ، ونَتَاجٍ إِلا بِمِلْكٍ مِنَ الْمُقَاسِمِ.
قوله: (وَإِلا رُجِّحَ بِسَبَبِ مِلْكٍ. كَنَسْجٍ) أي: إِذَا ذكرت إحدى البينتين مَعَ الملك سبب الملك من نسيج ثوب ونتاج حيوان ونحوهما كنسخ كتاب واصطياد وحش، ولَمْ تذكر الأخرى سوى مجرد الملك، فإن ذاكرة السبب مرجحة عَلَى التي لَمْ تذكره، وبنحو هذا فسر ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب وقال فِي توضيحه: كما إِذَا شهدت إحداهما: أنّه صادها أَو نتجت عنده وشهدت الأخرى بالملك المطلق. انتهى.
وقال فِي شهادات " المدونة ": ولَو أن أمة ليست بيد أَحَدهمَا فأتى أَحَدهمَا ببينة أنها له لا يعلمونها خرجت عن ملكه حتى سرقت له وأقام الآخر بينة أنها له [ولدت عنده](4) لا يعلمونها خرجت عن ملكه بشيء وقضي (5) بها لصاحب الولادة (6).
وقال اللخمي قال أشهب: فيمن أقام بينة (7) فِي أمة بيد رجل أنها ولدت عنده فلا
(1) في (ن 1): (للمشهود).
(2)
في (ن 3): (انتهى).
(3)
انظر: التوضيح، لخليل بن اسحاق: 10/ 334.
(4)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 4).
(5)
في الأصل، (ن 1)، و (ن 3):(قضى).
(6)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 13/ 189، ونصها:(قلت أرأيت أمة ليست في يد واحد منا أقمت البينة أنها سرقت مني، وأنهم لا يعملون أنها خرجت من ملكي، وأقام آخر البينة أنها أمته، وأنها ولدت عنده لا يعلمون أنه باع ولا وهب؟ قال: أقضى بها لصاحب الولادة) والنص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 3/ 607.
(7)
في الأصل: (ببينة).
يقضى له بها حتى يقولوا: أنّه كَانَ يملكها لا نعلم لغيره فيها حقاً وقد يولد فِي يديه ما هو لغيره وقال ابن القاسم: إنها لمن ولدت عنده أصوب، ومحمل (1) الأمر عَلَى أنها كانت له حتى يثبت أنها وديعة أَو غصب. انتهى وذكر فِي توضيحه عن التونسي نحوه.
أَوْ تَارِيخٍ، أَوْ تَقَدُّمِهِ، وبِمَزِيدِ عَدَالَةٍ، لا عَدَدٍ، وبِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَاهِدٍ، ويَمِينٍ، أَوِ امْرَأَتَيْنِ.
قوله: (أَوْ تَارِيخٍ) معطوف عَلَى (سبب).
وَبِيَدٍ، إِنْ لَمْ تُرَجَّحْ بَيِّنَةُ مُقَابِلِهِ، فَيَحْلِفُ، وبِالْمِلْكِ عَلَى الْحَوْزِ، وبِنَقْلٍ عَلَى مُسْتَصْحِبَةٍ.
[قوله: (وَبِيَدٍ، إِنْ لَمْ تُرَجَّحْ بَيِّنَةُ مُقَابِلِهِ، فَيَحْلِفُ) رجوع الحلف للمنطوق أبين من رجوعه للمفهوم](2).
وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ، وعَدَمِ مُنَازِعٍ، وحَوْزٍ طَالَ كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ.
قوله: (وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ، وعَدَمِ مُنَازِعٍ، وحَوْزٍ طَالَ كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ) الملك: استحقاق التصرف فِي الشيء بكل أمر جائز فعلاً (3) أَو حكما لا بنيابة (4)، فيدخل ملك الصبي ونحوه لاستحقاقهما ذلك حكماً، ويخرج تصرف الوصي والوكيل وذي الإمرة. قاله ابن عرفة، وقال اللخمي: قال سحنون من حضر رجلاً اشترى سلعة من السوق، فلا يشهد أنها ملكه، والشّهَادَة بالملك أن تطول الحيازة وهو يفعل ما يفعل المالك بلا (5) منازع، وسواء حضروا بدء دخولها فِي يديه (6) أم لا، فليشهدوا بالملك، وإِن لَمْ تطل (7)
(1) في (ن 2): (محل).
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(3)
في (ن 2): (فعله).
(4)
في (ن 1)، و (ن 2):(نيابة).
(5)
في الأصل، (ن 1)، و (ن 2):(لا).
(6)
في (ن 1): (بدئه).
(7)
في (ن 3): (إن لم تطول).
الحيازة لَمْ يثبت الملك إِلا أن يشهدوا أنه (1) غنمها من دار الحرب وشبهه، قال اللخمي: انتهى قول سحنون.
وإِلَى هذا ذهب أشهب ألا يثبت الملك بمجرد ولادة الأم إِلا أن تطول الحيازة، انتهى.
وأما تحديد الطول هنا (2) فقال أبو الفضل راشد فِي كتاب: " الحلال والحرام " عن بعض المتأخرين: تجوز الشّهَادَة (3) بالملك لحائز سنة.
وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْكَمَالِ فِي الأَخِيرِ.
قوله: (وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْكَمَالِ فِي الأَخِيرِ) اعتمد فِي توضيحه عَلَى ما فِي التقييد، فعزى هذا التأويل لأبي إبراهيم الأعرج، وأبي الحسن الصغير من أئمة فاس وعزاه ابن عرفة لنصّ عارية " المدونة "، وظاهر قول ابن يونس وابن رشد، قال وكَانَ ابن عبد السلام وابن هارون يحملان " المدونة " عَلَى القولين وهو ظاهر نقل ابن عات فِي: الطرر عن ابن سهل، والأَظْهَر أن ما فِي العارية تفسير (4).
لا بِالاشْتِرَاءِ، وإِنْ شُهِدَ بِإِقْرَارٍ اسْتُصْحِبَ وإِنْ تَعَذَّرَ تَرْجِيحٌ سَقَطَتَا، وبَقِيَ بِيَدِ حَائِزِهِ، أَوْ لِمَنْ يُقِرُّ لَهُ.
قوله: (لا بِالاشْتِرَاءِ) الظاهر أنّه معطوف عَلَى (بالتصرف) وكأنّه قال: وصحة الملك بالتصرف وما (5) معه لا باشتراء، فهو إشارة إِلَى قول اللخمي قال سحنون فيمن حضر رجلاً اشترى سلعة من السوق: فلا يشهد أنها ملكه ولَو أقام [رجل بينة أنها ملكه
(1) في (ن 1): (به)، وفي (ن 2)، و (ن 3):(أنها).
(2)
ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 2)، و (ن 3).
(3)
في (ن 3): (الحيازة).
(4)
انظر: التوضيح، لخليل بن اسحاق: 10/ 346، قال فيه:(مالك: وليس عليه أن يأتي ببينة تشهد على البت أنّه ما باع ولا وهب، ولو شهدت البينة بذلك كان زوراً، ولهذا الظاهر قال ابن القاسم: لأنه قال: وإن أبوا أن يقولوا ما علموه باع ولا وهب ولا تصدق فشهادتهم باطلة. وظاهر ما في كتاب العارية من المدونة، أنه ليس بشرط).
(5)
في (ن 1): (وأما).
وأقام] (1) هذا بينة أنّه اشتراها من السوق: كانت لصاحب الملك وقد يبيعها من لا يملكها، ولَو قال لا باشتراء منه لأمكن أن يعود الضمير عَلَى الخصم، وأن يكون المعنى: أن [132 / أ] شهود الملك لا يحتاجون إِلَى أن يقولوا أنّه لَمْ يخرج عن ملكه فِي علمهم إِذَا شهدوا أنّه اشتراها (2) من خصمه، بل يحكم بالاستصحاب (3) ولا يقبل قول الخصم أنّه عاد إليه كما ذكر ابن شاس (4) وأتباعه وإِن لَمْ يعرفه ابن عرفة نصاً فِي المذهب؛ وعَلَى هذا فيكون من نوع قوله بعده:(وإِن شهد بإقرار استصحب).
وَقُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، كَالْعَوْلِ.
قوله: (وَقُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، كَالْعَوْلِ) كذا فِي كثير من النسخ بالشَرْط المجرد من الواو ولا يصح غيره، وهو فِي غاية التحرير والضبط للمشهور؛ لأنّ الذي لَمْ يكن بيد أَحَدهمَا يتناول صورتين الأولى: أن لا يكون بيد واحدٍ منهما، والثانية: أن يكون بأيديهما معا، وذكر ابن الحاجب وأتباعه الاتفاق فِي الأولى ونقضه ابن عرفة بما ذكر ابن حارث من خلاف عبد الملك وسحنون وبما فِي النوادر من كتاب ابن سحنون عن أشهب.
(1) ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).
(2)
في الأصل، و (ن 3):(اشتراوه).
(3)
الاستصحاب أحد وجوه الاستدلال التي يختلف العلماء حول الأخذ بها وإعمالها، والاستصحاب هو الحكم بثبوت أمرٍ في الزّمان الثّاني بناءً على أنّه كان ثابتاً في الزّمان الأوّل. وقيل: هو التّمسّك بالحكم الثّابت في حال البقاء لعدم الدّليل المغيّر. وقيل هو: هو الحكم ببقاء الحكم الثّابت للجهل بالدّليل المغيّر لا للعلم بالدّليل المتّقي، وقيل: هو عبارةٌ عن الحكم ببقاء حكمٍ ثابتٍ بدليلٍ غير متعرّضٍ لبقائه ولا لزواله محتملٌ للزّوال بدليله لكنّه التبس عليك حاله، وهو حجة عند الحنابلة والمالكية وأكثر الشافعية والظاهرية، وليس بحجة عند أكثر الحنفية والمتكلمين كأبي الحسين البصري. انظر: الإبهاج، لعلي بن عبد الكافي السبكي: 3/ 168، والتقرير والتحبير، لمحمد بن محمد بن حسن: 3/ 386، وإرشاد الفحول، للشوكاني: 1/ 396
(4)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1088 قال: (ولو قال المدعى عليه: كان ملكك بالأمس، نزع من يده؛ لأنه يخبر عن تحقيق فيستصحب).
وَلَمْ يَأْخُذْهُ إِنْ شَهِدَ بِأنّه كَانَ بِيَدِهِ، وإِنِ ادَّعَى أَخٌ أَسْلَمَ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ فَالْقَوْلُ لِلنَّصْرَانِيِّ وقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ، إِلا بِأنّه تَنَصَّرَ، ومَاتَ أَوْ جَهِلَ أَصْلُهُ فَيُقْسَمُ كَمَجْهُولِ الدَّيْنِ، وقُسِمَ عَلَى الْجِهَاتِ بِالسَّوِيَّةِ، وإِنْ كَانَ مَعَهُمَا طِفْلٌ، فَهَلْ يَحْلِفَانِ ويُوقَفُ الثُّلُثُ فَمَنْ وَافَقَهُ أَخَذَ حِصَّتَهُ ورُدَّ عَلَى الآخَرِ وإِنْ مَاتَ حَلَفَا وقُسِمَ، أَوْ لِلصَّغِيرِ النِّصْفُ ويُجْبَرُ عَلَى الإِسْلامِ؟ قَوْلانِ وإِنْ قَدِرَ عَلَى شَيْئِهِ، فَلَهُ أَخْذُهُ إِنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ، وأَمِنَ فِتْنَةً ورَذِيلَةً.
قوله: (ولَمْ يَأْخُذْهُ إِنْ شَهِدَ بِأنّه كَانَ بِيَدِهِ) هذا مختصر من قول ابن الحاجب: ولَو شهد أنّه كَانَ فِي يد المدعي أمس لَمْ يأخذه بذلك (1). قال ابن عبد السلام: لأن كونه فِي يده لا يدل عَلَى أنّه مالكه ولا أنّه مستحق لوضع يده عَلَيْهِ وهو أعم من ذلك كله، والأعمّ لا يشعر بالأخص فلم يبق إِلا مطلق الحوز، وها هو هذا محوز فِي يد الآخر.
تكميل:
قال ابن شاس: ولَو شهدوا أنّه انتزعه منه أَو غصبه أَو غلبه عَلَيْهِ فالشّهَادَة عَلَى هذا جائزة ويجعل المدعي صاحب اليد (2). ففرّق بينهما، وكذا فعل ابن الحاجب وأغفل المصنف هنا هذه الثانية، وذكر ابن عرفة أنّه لا يعرفهما معاً نصاً لمن قبل ابن شاس من أهل المذهب، مَعَ أنّ هذه الثانية فِي " النوادر " والكمال لله سبحانه.
استطراد:
قال فِي كتاب السرقة من " المدونة ": ومن شهدت عَلَيْهِ بينة أنّه سرق هذا المتاع من يد هذا، فقال السارق: أحلفوه أنّه ليس لي، فأنّه يقطع ويحلف الطالب ويأخذه، فإن نكل حلف السارق وأخذه، كذا اختصر أبو سعيد (3). وفِي التنبيهات استيعابه. قال أبو الحسن
(1) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص 488.
(2)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1088.
(3)
قال في تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 433، ونص المدونة، لابن القاسم: 16/ 274: (لو أن رجلا أقام على رجل البينة أنه سرق هذا المتاع منه، وقال الذي قبله السرقة: المتاع متاعي، فأحلف لي هذا الذي يدعي المتاع، أن المتاع متاعه، وليس بمتاعي. قال: أرى أن تقطع يده، ويحلف مدعى المتاع أن المتاع ليس للسارق، فإن نكل حلف السارق، ودفع إليه المتاع ولم يقطع يده) 16/ 274
الصغير: هذه اليمين عَلَى نفي دعوى السارق وليست بيمين القضاء؛ لأن البينة لَمْ تشهد له بالملك.
وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُكَ الْغَائِبُ أُنْظِرَ [فِي الْقَرِيبَةِ وفِي الْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَا عَلِمَ بِقَبْضِ مُوَكِّلِهِ ويُقْضَى لَهُ، فَإِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ حَلَفَ واسْتَمَرَّ الْقَبْضُ، وإِلا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ واسْتُرْجِعَ مَا أُخِذَ مِنْهُ،](1) ومَنِ اسْتَمْهَلَ لِدَفْعِ بَيِّنَةٍ، أُنْظِرَ بِالاجْتِهَادِ كَحِسَابٍ وشِبْهِهِ، بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ كَأَنْ أَرَادَ إِقَامَةَ ثَانٍ.
قوله: (وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُكَ الْغَائِبُ أُنْظِرَ فِي الْقَرِيبَةِ وفِي الْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَا عَلِمَ بِقَبْضِ مُوَكِّلِهِ ويُقْضَى لَهُ، فَإِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ حَلَفَ واسْتَمَرَّ الْقَبْضُ، وإِلا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ واسْتُرْجِعَ مَا أُخِذَ مِنْهُ) أما حلف الوكيل ما علم بقبض موكله فهو كقول ابن كنانة، وقال ابن عبد السلام: أنّه بعيد جداً؛ لأنّه يحلف لينتفع غيره، وأما [ما] (2) بعده من الكلام فإنما ساقه ابن عبد السلام قولاً آخر فقال: وقيل: يقضى عَلَى المطلوب وترجى له اليمين عَلَى الموكل، فإذا لقيه أحلفه، وإِن نكل حلف المطلوب واسترجع ما دفعه، ولَمْ يزد فِي توضيحه عَلَى نسبة هذا القول لابن المواز، وأنت تراه هنا ركّب هذه الفتوى من القولين. فتأمله (3)، وأما ابن عرفة فلم يذكر هنا هذا القول الأخير؛ وإنما اعتني بنقل الأسمعة، فقف عَلَيْهِ.
أَوْ لإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ فَبِحَمِيلٍ بِالْوَجْهِ. وفِيهَا أَيْضاً نَفْيُهُ، وهَلْ خِلافٌ، أَوِ الْمُرَادُ وَكِيلٌ يُلازِمُهُ، أَوْ لَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ تَأْوِيلاتٌ، ويُجِيبُ عَنِ الْقِصَاصِ الْعَبْدُ وعَنِ الأَرْشِ السَّيِّدُ والْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ. بِاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُو ولَوْ كِتَابِيَّاً، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً عَلَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ بِاللهِ فَقَطْ، وغُلِّظَتْ فِي رُبُعِ دِينَارٍ بِجَامِعٍ كَالْكَنِيسَةِ، وبَيْتِ النَّارِ، وبِالْقِيَامِ، لا بِالاسْتِقْبَالِ وبِمِنْبَرِهِ عليه الصلاة والسلام، وخَرَجَتِ الْمُخَدَّرَةُ فِيمَا ادَّعَتْهُ، أَوِ ادُّعِيَ عَلَيْهَا، إِلا الَّتِي لا تَخْرُجُ نَهَاراً، وإِنْ مُسْتَوْلَدَةً فَلَيْلاً، وتُحَلَّفُ
(1) قلت: لم أعثر على هذا النص في مختصر خليل، وانفردت به نسخة المؤلف، وأصل المختصر لدينا، كما انفرد صاحب التاج والإكليل أيضا من بين الشراح به، وقد قال الحطاب:(ويوجد في بعض النسخ وعليها تكلم ابن غازي. . وذكر النص) انظر: التاج والإكليل: 6/ 212، ومواهب الجليل: 6/ 214
(2)
ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 2)، و (ن 3).
(3)
انظر: التوضيح، لخليل بن اسحاق: 10/ 355، 356.
فِي أَقَلَّ بِبَيْتِهَا وإِنِ ادَّعَيْتَ قَضَاءً عَلَى مَيِّتٍ لَمْ يَحْلِفْ إِلا مَنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ مِنْ وَرَثَتِهِ، وحَلَفَ فِي نَقْصٍ بَتَّاً، وغِشٍّ عِلْماً، واعْتَمَدَ الْبَاتُّ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ كَخَطِّ أَبِيهِ، أَوْ قَرِينَةٍ، ويَمِينُ الْمَطْلُوبِ مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا، ولا شَيْءٌ مِنْهُ، ونَفَى سَبَباً، إِنْ عُيِّنَ وغَيْرَهُ، فَإِنْ قَضَى نَوَى سَلَفاً يَجِبُ رَدُّهُ وإِنْ قَالَ وَقْفٌ، أَوْ لِوَلَدِي لَمْ يُمْنَعْ مُدَّعٍ مِنْ بَيِّنَتِهِ، وإِنْ قَالَ لِفُلانٍ، فَإِنْ حَضَرَ ادُّعِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ فَلِلْمُدَّعِي [76 / ب] تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ، وإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وغَرِمَ مَا فَوَّتَهُ، أَوْ غَابَ لَزِمَهُ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ، وانْتَقَلَتِ الْحُكُومَةُ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَهُ بِلا يَمِينٍ، وإِنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ، أَخَذَهُ، وإِنِ اسْتَحْلَفَ ولَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، أَوْ كَالْجُمُعَةِ يَعْلَمُهَا لَمْ تُسْمَعْ.
قوله: (أَوْ لإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ فَبِحَمِيلٍ بِالْوَجْهِ) يقيد هذا الإطلاق قوله آخر الضمان: (وَلَمْ يَجِبْ وَكِيلٌ لِلْخُصُومَةِ ولَا كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ بِالدَّعْوَى إلَّا بِشَاهِدٍ وإِنْ ادَّعَى بَيِّنَةً بِكَالسُّوقِ وقَفَهُ الْقَاضِي عِنْدَهُ).
وَإِنْ نَكَلَ فِي مَالٍ وحَقِّهِ اسْتَحَقَّ بِهِ بِيَمِينٍ إِنْ حَقَّقَ، ولْيُبَيِّنِ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ، ولا يُمَكَّنُ مِنْهَا إِنْ نَكَلَ.
قوله: (وإِنْ نَكَلَ فِي مَالٍ وحَقِّهِ اسْتَحَقَّ بِهِ بِيَمِينٍ إِنْ حَقَّقَ) أي وإِن نكل من توجهت عَلَيْهِ اليمين فِي مال أَو حق مال كخيار وأجل استحق خصمه بسبب النكول مَعَ يمينه، وهو بشرط أن يحقق فيدعي معرفة احترازاً من يمين التهمة، وقد صرّح بالمفهوم فِي بعض النسخ فقال:(وبيمين تهمة بمجرد النكول)، وقد ظهر لك بهذا التقرير: أنّه غير مكرر مَعَ قوله فِي الأقضية: (فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ) قال وكذا شيء، وتقدم الكلام عَلَيْهِ فراجعه.
بِخِلافِ مُدَّعٍ الْتَزَمَهَا، ثُمَّ رَجَعَ، وإِنْ رُدَّتْ عَلَى مُدَّعٍ وسَكَتَ زَمَناً فَلَهُ الْحِلْفُ.
قوله: (بِخِلافِ مُدَّعٍ الْتَزَمَهَا، ثُمَّ رَجَعَ) كذا هو فِي جل النسخ وهو الصواب (1).
(1) يشير المؤلف إلى بعض النسخ التي بها: (مدعى عليه) بدل (مدع) وعلى الثاني شرحها الشيخ عليش في منح الجليل: 8/ 571.
وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وتَصَرَّفَ، ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ، لَمْ تُسْمَعْ، ولا بَيِّنَتُهُ، إِلا بِإِسْكَانٍ ونَحْوِهِ، كَشَرِيكٍ أَجْنَبِيٍّ حَازَ فِيهَا إِنْ هَدَمَ وبَنَى، وفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَهُمَا، قَوْلانِ، لا بَيْنَ أَبٍ وابْنِهِ، إِلا بِكَهِبَةٍ، إِلا أَنْ يَطُولَ مَعَهَا مَا تَهْلِكُ الْبَيِّنَةُ، ويَنْقَطِعُ الْعِلْمُ، وإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا فِي الأَجْنَبِيِّ، فَفِي الدَّابَّةِ وأَمَةِ الْخِدْمَةِ، السَّنَتَانِ، ويُزَادُ فِي عَبْدٍ وعَرْضٍ.
قوله: (وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ
…
إِلَى آخر الباب) مختصر من كلام ابن رشد فِي رسم يدير (1) من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق فعليك بِهِ. وبالله تعالى التوفيق.
(1) في (ن 1): (يدبير)، وفي (ن 3):(يريد) قلت: لم أقف على رسم من رسوم البيان والتحصيل من سماعات ابن القاسم بهذا المسمى، والذي وقفت عليه، وعلى حسب ما نقل صاحب التاج والإكليل أنه في رسم:(يسلف) المسألة الثانية، وهي مسألة وافية، استغرق القاضي رحمه الله في بيانها سبع صفحات، فانظرها في البيان والتحصيل، لابن رشد: 11/ 145، وما بعدها.