الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب الأقضية]
ابن عرفة: حال الفقيه من حيث هو فقيه كحال عالم (1) بكبرى قياس الشكل الأول فقط، وحال القاضي والمفتي كحال عالم بها مَعَ علمه بصغراه، ولا خفاء أَن العلم بهما أشقّ وأخصّ من العلم بالكبرى فقط، وأَيْضاً فقهاء القضاة والفتيا مبنيان عَلَى إعمال النظر فِي الصور الجزئية وإدراك مَا اشتملت عَلَيْهِ من الأوصاف الكائنة فيها، فيلغى طرديها (2) ويعمل معتبرها.
[أحكام القضاء]
أَهْلُ الْقَضَاءِ عَدْلٌ، ذَكَرٌ، فَطِنٌ، مُجْتَهِدٌ، إِنْ وُجِدَ وإِلا فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ، وزِيدَ لِلإِمَامِ الأَعْظَمِ قُرَشِيٌّ فَحَكَمَ بِقَوْلِ مُقَلِّدِهِ، ونَفَذَ حُكْمُ أَعْمَى، وأَبْكَمَ، وأَصَمَّ ووَجَبَ عَزْلُهُ، ولَزِمَ الْمُتَعَيِّنَ أَوِ الْخَائِفَ فِتْنَةً إِنْ لَمْ يَتَوَلَّ، أَو ضَيَاعَ الْحَقِّ الْقَبُولُ. والطَّلَبُ. وأُجْبِرَ وإِنْ بِضَرْبٍ، وإِلا فَلَهُ الْهَرَبُ - وإِنْ عُيِّنَ وحَرُمَ لِجَاهِلٍ طالب (3) دُنْيَا [72 / ب]، ونُدِبَ لِيُشْهِرَ عِلْمَهُ.
قوله: (وَحَرُمَ لِجَاهِلٍ، طالب دُنْيَا) كذا قال ابن عرفة فِي الذي تكون توليته ملزومة لما لا يحلّ من تكليفه تقديم من لا يحلّ تقديمه للشهادة. قال: وقد شاهدنا من ذلك مَا الله أعلم بِهِ.
كَوَرِعٍ، غَنِيٍّ، حَلِيمٍ، نَزِهٍ.
قوله: (كَوَرِعٍ، غَنِيٍّ، حَلِيمٍ، نَزِهٍ (4)) الورع: التارك للشبهات، لئلا يقع فِي الحرام، والنزه: الكامل المرؤة.
نَسِيبٍ، مُسْتَشِيرٍ بِلا دَيْنٍ وحَدٍّ.
قوله: (نَسِيبٍ) أي معروف النسب كما عبّر عنه ابن الحاجب (5). قال فِي " التوضيح "
(1) في (ن 1) زيادة: (مع علمه).
(2)
في (ن 3): (طريدها).
(3)
في أصل المختصر والمطبوعة: (أو قاصد).
(4)
في (ن 1): (نزيه).
(5)
عبارة ابن الحاجب: (أن يكون ورعاً غنياً ليس بمديان بلدياً معروف النسب) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:462.
: لأن من لا يعرف أبوه من ولد لعان أَو زنا يطعن فيه، فلا يكون لَهُ فِي نفوس الناس كبير هيبة. انتهى وأصله لابن رشد (1).
فرعان:
الأول: قال ابن عرفة: المعروف أَن كونه معتقاً غير مانع، ومنعه سحنون خوف استحقاقه بملك.
الثاني: قال ابن رشد: من خصاله المستحبة كونه من أهل البلد (2). قال ابن عبد السلام: ليعرف المقبولين والمسخوطين من الشهود ويعرف من حال المحقّ والمبطل مَا لا يعرف غير البلدي، وأمراء عصرنا يقصدون إِلَى ترجيح غير البلدي عَلَى البلدي؛ لأن أكثر الحسدة المتكلمين (3) فِي أعراض الناس إنما هم من [120 / أ] المشاركين فِي البلد، فإذا كَانَ القاضي غير بلدي قلّ حاسدوه فقل (4) كلام الناس فيه، وقال ابن عرفة قضاة بلدنا يجعلون كونه من أهل البلد فِي قضاة الكور موجباً للرغبة عنه، لفساد القضاة بالميل إِلَى قرابتهم ومعارفهم.
وَزَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ.
قوله: (وَزَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ) عطف عَلَى دين أي: وبلا وصف أَو عقل زائد فِي الدهاء، فإذا ضبط زائد (5) بإسكان الياء من غير ألف كَانَ مصدراً معطوفاً عَلَى مصدر فلا يحتاج إِلَى تقدير حذف المنعوت. قال الطرطوشي: الزيادة فِي عقله المفضية إِلَى الدهاء والمكر مذمومة؛ فقد عزل عمر بن الخطاب زياد بن سميّة وقال: كرهت أَن أحمل الناس عَلَى فضل عقلك. وكَانَ من الدهاة. وقال أبو عمر فِي " الاستيعاب ": كَانَ عمر بن الخطاب قد استعمله عَلَى بعض صدقات البصرة أَو بعض أعمال البصرة، وقيل بل كَانَ كاتباً لأبي موسى، فلما شهد
(1) انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 1/ 496، وانظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 10/ 107 ..
(2)
انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 1/ 496.
(3)
في (ن 1)، و (ن 2):(المتكلفين).
(4)
في (ن 1): (قبل).
(5)
في (ن 1)، و (ن 3)، و (ن 4):(زيد).
علي المغيرة مَعَ الثلاثة ولَمْ يقطع الشهادة عزله فقال: يا أمير المؤمنين أخبر الناس أنك لَمْ تعزلني [لخزية](1) قال بعض الأخيار: أنّه قال لَهُ مَا عزلتك [لخزية](2) ولكني كرهت أَن أحمل الناس على فضل عقلك (3)؛ ولهذا أنكر ابن عرفة إنكار ابن عبد السلام لهذه الحكاية.
وَبَطَانَةِ سُوءٍ، ومَنْعُ الرَّاكِبِينَ مَعَهُ، والْمُصَاحِبِينَ لَهُ، وتَخْفِيفُ الأَعْوَانِ، واتِّخَاذُ مَنْ يُخْبِرُهُ بِمَا يُقَالُ فِي سِيرَتِهِ وحُكْمِهِ وشُهُودِهِ، وتَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ، إِلا فِي مِثْلِ اتَّقِ اللهَ فِي أَمْرِي فَلْيَرْفُقْ بِهِ، ولَمْ يَسْتَخْلِفْ، إِلا لِوُسْعِ عَمَلِهِ فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ مَنْ عَلِمَ مَا اسْتَخْلَفَ فِيهِ وانْعَزَلَ بِمَوْتِهِ لا هُوَ بِمَوْتِ الأَمِيرِ، ولَوِ الْخَلِيفَةِ.
قوله: (وَبَطَانَةِ سُوءٍ) كذا ذكر ابن الحاجب فِي الصفات المستحبة كونه سليماً من بطانة السوء (4). فقال ابن عرفة: الذي فِي " المعونة " أخص من هذا وهو أَن يستبطن أهل الدين والأمانة والعدالة والنزاهة، يستعين بهم (5)، وهذا أخصّ من كونه سليماً من بطانة السوء، وأما نفس السلامة من بطانة السوء فمقتضى قول أصبغ أنها من الشروط الواجبة. قال أبو محمد عنه: ينبغي للإمام أَن يعزل من قضاته من يخشى عَلَيْهِ الضعف والوهن أَو بطانة (6) السوء، وإِن أمن عَلَيْهِ الجور.
وَلا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بَعْدَهُ أنّه قَضَى بِكَذَا.
قوله: (وَلا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بَعْدَهُ أنّه قَضَى بِكَذَا) كذا قال ابن الحاجب (7). فقال ابن
(1) مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، و (ن 3).
(2)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).
(3)
زياد بن أبي سفيان، ويقال زياد بن أبيه، وزياد بن أمه، وزياد بن سمية، وكان يقال له قبل الإستلحاق: زياد ابن عبيد الثقفي، وأمه سمية جارية الحارث ابن كلده، توفي سنة:(53) وانظر: مقولة عمر، وترجمة زياد في: الاستيعاب، لابن عبد البر: 2/ 523، والطبقات الكبرى، لابن سعد: 7/ 99، والمقتنى في الأسماء والكنى، للذهبي: 2/ 92، والإصابة، لابن حجر 2/ 639، ولسان الميزان، لابن حجر: 2/ 493، والثلاثة هم: أبو بكرة، ونافع، وشبل بن معبد.
(4)
قال ابن الحاجب: (سليماً من بطانة السوء، غير زائد في الدهاء) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:462.
(5)
انظر: المعونة، للقاضي عبد الوهاب: 3/ 1501.
(6)
في (ن 1): (وبطانة).
(7)
قال ابن الحاجب: (ولو قال بعد العزل قضيت بكذا أو شهد بأنه قضى لم يقبل قوله) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:463.
عرفة: مفهوم قوله: بعد العزل. أنّه قبل (1) العزل يقبل قوله مُطْلَقاً، وليس كَذَلِكَ ففي سماع أصبغ (2) شهادة القاضي بقضاءٍ قضى به (3) وهو معزول أَو غير معزول لا تقبل.
ابن رشد: فِي هذه المسألة معنى خفي وهو أَن قول القاضي قبل عزله قضيت لفلان بكذا لا يقبل إِن كَانَ بمعنى الشهادة كتخاصم رجلين عند قاضٍ فيحتج أَحَدهمَا بأن قاضي بلد كذا قضى لي بكذا أَو ثبت عنده كذا، فيسأله البينة على (4) ذلك، فيأتيه من عنده بكتابه أنّي حكمت لفلان [بكذا أَو أنّه ثبت عندي لفلان كذا فهذا لا يجوز؛ لأنّه شاهد ولَو أتى الرجل](5) ابتداءً للقاضي فقال لَهُ خاطب لي قاضي بلد كذا بما ثبت لي عندك عَلَى فلان أَو بما حكمت لي بِهِ عَلَيْهِ فخاطبه بذلك لقبل ذلك؛ لأنّه مخبر لا شاهد (6).
ابن عبد السلام: وأما (7) بعد العزل فلا يقبل كَانَ عَلَى سبيل الإقرار أَو الشهادة (8).
وَجَازَ تَعَدُّدُ مُسْتَقِلٍّ أَوْ خَاصٍّ بِنَاحِيَةٍ أَوْ نَوْعٍ والْقَوْلُ لِلطَّالِبِ، ثُمَّ مَنْ سَبَقَ رَسُولُهُ.
قوله: (وجَازَ تَعَدُّدُ مُسْتَقِلٍّ أَوْ خَاصٍّ بِنَاحِيَةٍ أَوْ نَوْعٍ) احترز بالمستقل من المشترك الذي لا ينفذ حكمه إِلا بموافقة شريكه. قال المازري: تجوز تولية قاضيين ببلد عَلَى أَن يخص كل منهما بناحية من البلد أَو نوع من المحكوم فيه؛ لأن هذه الولاية يصحّ فيها التخصيص والتحجير (9)، وكَذَلِكَ على عدم التخصيص مَعَ استقلال كلّ منهما بنفوذ حكمه (10)، ومنعه بعض الناس بمقتضى السياسة خوف تنازع الخصوم فيمن يحكم بينهم،
(1) في (ن 1): (قال).
(2)
في (ن 1): (أشهب).
(3)
في (ن 1): (قضائه).
(4)
في (ن 2): (عن).
(5)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(6)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 9/ 287.
(7)
في (ن 1): (وإلا).
(8)
في (ن 1): (والشهادة).
(9)
في (ن 1)، و (ن 3):(والتحجيز).
(10)
في (ن 1): (لحكمه).
ومقتضى أصول الشرع جوازه؛ لأن لذي الحقّ استنابة من شاء عَلَى حقّه، والتنازع مرتفع شغبه باعتبار قول الطالب.
واستدل عَلَى جواز التعدد بالقياس عَلَى تولية الواحد لبقاء حكم الإمام معه، وفرق بيسير رفع التنازع عند اختلاف حكمهما بعزل الإمام قاضيه وتعذر عزل أحد القاضيين الآخر، وأما (1) تعددهما بشرط وقف نفوذ حكمهما عَلَى اتفاقهما (2) فمنعه ابن شعبان وقال: لا يكون الحاكم نصف حاكم وغلا فيه الباجي، فادعى الإجماع عَلَى منعه، وأجاب عن الاعتراض بتعدد حكمي الصيد والنكاح بأنهما إِن اختلفا انتقل لغيرهما والقاضيان هما بولاية لا يصحّ التنقل فيها بعد انعقادها واختلافهما يؤدي لتضييع الأحكام والغالب اختلاف المجتهدين وإِن كانا مقلدين فولاية المقلد ممنوعة (3).
قال المازري: وعندي أنّه لا يقوم دليل عَلَى المنع إِن اقتضت ذلك مصلحة ودعت إليه ضرورة فِي نازلة يرى الإمام أنّه لا ترتفع التهمة والريبة إِلا بقضاء رجلين فيها، [120 / ب] فإن اختلف نظرهما فِي ذلك استظهر بغيرهما. ابن عرفة: منع الباجي وابن شعبان فِي تولية قاضيين ولاية مطلقة لا فِي مسألة جزئية كما فرضه المازري، وذكر الباجي أنّه ولّى فِي بعض بلاد الأندلس ثلاثة قضاة عَلَى هذه الصفة، ولَمْ ينكره من كَانَ بذلك البلد من فقهائه، وقال ابن عرفة قبل هذا: هذا الكلام فِي القضاء وأما فِي نازلة معينة فلا أظنهم يختلفون فيها، وقد فعله علي ومعاوية فِي تحكيمهما أبا موسى وعمرو بن العاصي (4).
(1) في (ن 1): (وإنما).
(2)
في (ن 1): (اتفاق).
(3)
انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي: 7/ 131، ونصّه:(. . وأَمَّا أَنْ يُسْتَقْضَى فِي الْبَلَدِ الْحُكَّامُ والْقُضَاةُ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالنَّظَرِ فِي مَا يُرْفَعُ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَجَائِزٌ، والدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، ولَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أُشْرِكَ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمَانِ ولَا بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ. .).
(4)
وهي قصة التحكيم المشهورة، التي نكبت الأمة بعدها بظهور الفرق، فعلى إثرها ظهرت الخوارج، ثم تطور الأمر إلى ظهور التشيع، ثم الاعتزال، والإرجاء، وتلك رؤوس الفرق الكبرى أعني: الخوارج والشيعة، والمرجئة، والقدرية أو المعتزلة، راجع أفكار هذه الفرق إن شئت في: الفرق بين الفرق، للبغدادي، ومقالات الإسلاميين، للأشعري، والمواقف، للإيجي، ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين، للرازي، وتلبيس إبليس، لابن الجوزي.
وَإِلا أُقْرِعَ، كَالادِّعَاءِ، وتَحْكِيمُ غَيْرِ خَصْمٍ، وجَاهِلٍ، وكَافِرٍ، وغَيْرِ مُمَيَّزٍ فِي مَالٍ، وجَرْحٍ. لا حَدٍّ، ولِعَانٍ، وقَتْلٍ، ووَلاءٍ ونَسَبٍ وطَلاقٍ، وعِتْقٍ. ومَضَى، إِنْ حَكَمَ صَوَاباً، وأُدِّبَ، وفِي صَبِيٍّ، وعَبْدٍ، وامْرَأَةٍ، وفَاسِقٍ. ثَالِثُهَا، إِلا الصَّبِيَّ، ورَابِعُهَا وفَاسِقٌ، وضَرْبُ خَصْمٍ لَدَّ، وعَزْلُهُ لِمَصْلَحَةٍ. ولَمْ يَنْبَغِ. إِنْ شُهِرَ عَدْلاً بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ ولْيُبَرَّأْ عَنْ غَيْرِ سُخْطٍ وخَفِيفُ تَعْزِيرٍ بِمَسْجِدٍ لا حَدٌّ، وجَلَسَ بِهِ بِغَيْرِ عِيدٍ، وقُدُومِ حَاجٍّ، وخُرُوجِهِ، ومَطَرٍ ونَحْوِهِ، واتِّخَاذُ حَاجِبٍ وبَوَّابٍ، وبَدَأَ بِمَحْبُوسٍ، ثُمَّ وَصِيٍّ، ومَالِ طِفْلٍ، ومُقَامٍ ثُمَّ ضَالٍّ، ونَادَى بِمَنْعِ مُعَامَلَةِ يَتِيمٍ وسَفِيهٍ، ورَفْعِ أَمْرِهِمَا، ثُمَّ فِي الْخُصُومِ.
قوله: (وَإِلا أُقْرِعَ، كَالادِّعَاءِ) أي كما يقرع فِي الادعاء، وهو المنبه عَلَيْهِ بقوله بعد:(وإلا فالجالب وإلا أقرع).
وَرَتَّبَ كَاتِباً عَدْلاً [مَرْضِيَّاً](1).
قوله: (وَرَتَّبَ كَاتِباً عَدْلاً مَرْضِيَّاً) كذا فِي بعض النسخ مرضياً. اسم مفعول من الرضا، أشار بِهِ لقول ابن القاسم فِي " المدونة ": ولا يتخذ القاضي كاتباً من أهل الذمة ولا قاسماً ولا عبداً ولا مكاتباً، ولا يتخذ فِي شيءٍ من أمور المسلمين إِلا العدول المرضيين (2). كذا فِي غير نسخة من " التهذيب "، ولما نقله فِي " التوضيح " ذكر بإثره قول مطرف وابن الماجشون وأصبغ: وسواء غاب الكاتب عَلَى كتابته أَو لَمْ يغب فلا يكون إِلا من أهل العدالة والرضا (3). ووقع فِي أكثر نسخ هذا المختصر (شرطاً) عوض (مرضياً)، وأظنّه تصحيفاً إذ لَمْ أر من عبّر هنا بالخلاف فِي الشَرْطية (4)؛ وإنما تَرَدُّدٌ اللخمي فِي وجوب العدالة.
كَمُزَكٍّ، واخْتَارَهُمَا والْمُتَرْجِمُ مُخْبِرٌ كَالْمُحَلِّفِ.
قوله: (كَمُزَكٍّ). أي فِي كونه عدلاً رضي فهو كقوله فِي " الرسالة ": ولا يقبل فِي
(1) في الأصل والمطبوعة: (شرطاً) وأشار في هامش الأصل إِلَى (مرضياً).
(2)
انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 3/ 577، وله بدل:(العدول المرضيين)(العدول المسلمين).
(3)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 10/ 122.
(4)
قال الحطاب رحمه الله بعد أن شرح ما اعتبره المؤلف هنا تصحيفاً: (وفي بعضها مرضياً وهي الأولى؛ لأن العدالة ليست شرطاً). انظر: مواهب الجليل، للحطاب: 6/ 115
التزكية إِلا من يقول عدل رضي أي ليجمع بين الآيتين {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]، {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282] وهذا يدلك عَلَى أَن (شرطا) تصحيف (مرضياً)، ولا شكّ أنهما فِي الخط متشابهان (1).
وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ، أَوْ شَاوَرَهُمْ، وشُهُوداً.
قوله: (وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ، أَوْ شَاوَرَهُمْ). المازري: ينبغي أَن يستشير ولَو كَانَ عالماً، وإِن كَانَ حضورهم يوجب حصره لَمْ يختلف فِي عدمه وإِن كَانَ بليداً بلادة لا يمكنه معها ضبط قولي الخصمين وتصوّر حقيقة دعواهما لَمْ يختلف فِي حضورهم إياه.
وكَانَ عندنا قاض اشتهرت بالأمصار نزاهته، فرفع إليّ محاضر بين خصمين طال فيها النزاع والإثبات والتجريح، فتأملت المحاضر فوجدتها تتضمن أَن الخصمين متفقان فِي المعنى مختلفان فِي العبارة، ولَمْ يتفطن لذلك حتى نبهته لَهُ، فخجل منه وارتفع الخصام. فمثل هذا لابد أَن يحضره أهل العلم أَو كاتب يؤمن معه مثل هذا. ابن عرفة: قبول من هذه صفته القضاء جرحة.
وَلَمْ يُفْتِ فِي خُصُومَةٍ، ولَمْ يَشْتَرِ بِمَجْلِسِ قَضَائِهِ كَسَلَفٍ وقِرَاضٍ، وإِبْضَاعٍ، وحُضُورِ وَلِيمَةٍ، إِلا لِنِكَاحٍ.
قوله: (وَلَمْ يُفْتِ فِي خُصُومَةٍ) ظاهره مُطْلَقاً كقول ابن الحاجب تبعاً لابن شاس: ولا يفتي الحاكم فِي الخصومات، وقال ابن عبد الحكم: لا بأس بِهِ كالخلفاء الأربعة (2).
ابن عرفة وقبله ابن عبد السلام: فحملوا قول ابن عبد الحكم عَلَى الخلاف، وعزى ابن المناصف القول بعدم جوابه فيما يتعلّق بالخصومات لمالك، وعزاه ابن حارث لسحنون، ثم ذكر قول ابن عبد الحكم وقال: النهي فِي الكلام الأول عن فتيا القاضي فِي نفس
(1) اعترض الشراح على المؤلف فيما ذهب إليه هنا، قال الحطاب:(أَوَّلُ كَلَامِهِ وَاضِحٌ، وآخِرُ كَلَامِهِ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِ الْمُؤَلِّفِ). انظر: مواهب الجليل: 6/ 116.، وقال الخرشي: (وَكَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّكْرَارُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت) وسلّم له العدوي بما نحا إليه، وزاده بياناً فانظره في شرح الخرشي، وحاشية العدوي عليه: 7/ 495، 496.
(2)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:464.
الخصومات لأحد الخصمين، وكلام ابن عبد الحكم فِي فتياه فِي جملة الأشياء لَمْ يعن الخصومة بعينها. وفِي " الواضحة " للأخوين: لا ينبغي أَن يدخل عَلَى أحد الخصمين دون صاحبه لا وحده ولا فِي جماعة.
وَقَبُولِ هَدِيَّةٍ ولَوْ كَافَأَ عَلَيْهَا، إِلا مِنْ قَرِيبٍ، وفِي هَدِيَّةِ مَنِ اعْتَادَهَا قَبْلَ الْوِلايَةِ، وكَرَاهَةِ حُكْمِهِ فِي مَشْيِهِ، أَوْ مُتَّكِئاً، وإِلْزَامِ يَهُودِيٍّ حُكْماً بِسَبْتِهِ، وتَحْدِيثِهِ بِمَجْلِسِهِ لِضَجَرٍ، ودَوَامِ الرِّضَا فِي التَّحْكِيمِ لِلْحُكْمِ قَوْلانِ، ولا يَحْكُمُ مَعَ مَا يُدْهِشُ عَنِ الْفِكْرِ، ومَضَى، وعَزَّرَ شَاهِداً بِزُورٍ فِي الْمَلإِ بِنِدَاءٍ، ولا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، ولِحْيَتَهُ، ولا يُسَخِّمُهُ.
قوله: (وَقَبُولِ هَدِيَّةٍ) بعد مَا طوّل فيها. ابن عرفة قال: قد يخفف للمفتي فِي قبولها إِن كَانَ محتاجاً ولا سيما إِن كَانَ اشتغاله بأصولها يقطعه عن التسبب ولا رزق لَهُ عَلَيْهَا من بيت المال، وعَلَيْهِ يحمل مَا أخبرني بِهِ غير واحد عن الشيخ الفقيه أبي علي بن علوان: أنّه كَانَ يقبل الهدية، ويطلبها ممن يفتيه.
ثُمَّ فِي قُبُولِهِ تَرَدُّدٌ، وإِنْ أَدَّبَ التَّائِبَ فَأَهْلٌ، ومَنْ أَسَاءَ عَلَى خِصْمِهِ أَوْ مُفْتٍ، أَوْ شَاهِدٍ، لا بِشَهِدْتَ بِبَاطِلٍ كَلِخَصْمِهِ كَذَبَتْ، ولْيُسَوِّ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، ولَوْ مُسْلِماّ، [وَكَافِراً](1). وقُدِّمَ الْمُسَافِرُ ومَا يُخْشَى فَوَاتُهُ، ثُمَّ السَّابِقَ، قَالَ وإِنْ بِحَقَّيْنِ بِلا طُولٍ، ثُمَّ أُقْرِعَ.
قوله: (ثُمَّ فِي قُبُولِهِ تَرَدُّدٌ). ابن عبد السلام: قال بعض الشيوخ كابن الحاجب: إِن كَانَ ظاهر العدالة لَمْ تقبل توبته بلا خلاف؛ لأنّه لا يكاد تعرف توبته، وإن كَانَ غير ظاهرها فقَوْلانِ (2)، وقال ابن رشد بالعكس: إِن كَانَ ظاهر العدالة فقَوْلانِ وإِن لَمْ يكن ظاهرها لَمْ تقبل اتفاقاً. قال ابن عرفة مَا ذكره عن ابن رشد لا أعرفه لَهُ ولا لغيره، ثم جلب مَا فِي " المقدمات " ومَا فِي أول مسألة من سماع يحيي وهو خلاف مَا نسب لَهُ ابن عبد السلام، فقف عَلَى تمامه فِي أصله (3).
(1) مَا بين المعكوفتين ساقط من الأصل.
(2)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:464.
(3)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 75، وما بعدها، والذي جلبه ابن عرفة في سماع أبي زيد، لا سماع يحيي على حسب ما نقل عنه صاحب التاج والإكليل: 6/ 122، وغيره أيضا، وانظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 9/ 224، وسماع يحيي شديد التعلق بما نحن فيه هنا فانظره في البيان والتحصيل.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْرِدَ وَقْتاً أَوْ يَوْماً لِلنِّسَاءِ كَالْمُفْتِي، والْمُدَرِّسِ.
قوله: (كَالْمُفْتِي، والْمُدَرِّسِ) هذا كقول ابن شاس: وكذا يفعل المفتي والمدرس عند التزاحم (1) وقد قال ابن عرفة: لا أعرف هذا نصاً لأهل المذهب إنما قاله الغزالي فِي " الوجيز "، ولكن [تخريجهما](2)[121 / أ] عَلَى حكم تزاحم الخصوم واضح، وكذا عَلَى سماع عيسى من ابن القاسم أحب إلي فِي الصانع الخياط يدفع الناس إليه ثيابهم واحداً بعد واحد أَن يبدأ بالأول فالأول، ولَمْ أسمع فيه [شيئاً](3)، ولعله أَن يكون واسعاً إِن كَانَ الشيء الخفيف كالرقعة وأشباهها.
ابن رشد: جعل الاختيار تقديم الأول فالأول دون إيجاب عَلَيْهِ إذ لَمْ يجب عَلَيْهِ عمله فِي يومٍ بعينه، وكذا قال الأخوان: لا بأس أَن يقدم الصانع من أحب مَا لَمْ يقصد مطلا، وكذا يقَوْلانِ فِي الرحا. ولسحنون: لا يقدم صاحب الرحا أحداً عَلَى من أتى قبله إِن كانت سنة البلد الطحن عَلَى الدولة، وإِن تحاكموا قضى بينهم بسنتهم، وليس قول سحنون بِخِلاف لقول غيره؛ لأن العرف كالشَرْط.
ابن عرفة: وجرت عادة تدريس تونس فِي الأكثر بتقديم قراءة التفسير عَلَى الحديث، وتقديم الحديث عَلَى الفقه.
وَأُمِرَ مُدَّعٍ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ بِالْكَلامِ [73 / أ]، وإِلا فَالْجَالِبُ، وإِلا أُقْرِعَ.
قوله: (وَأُمِرَ مُدَّعٍ [تَجَرَّدَ] (4) قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ بِالْكَلامِ)، هذا إِذَا عرف المدعي، يدل عَلَيْهِ مَا بعده، وفِي النوادر عن أشهب: إِن جلس الخصمان بين يديه فلا بأس أَن يقول: مَا لكما أَو مَا خصومتكما، أَو يسكت ليبتدياه، فإن تكلّم المدعي أسكت الآخر حتى يسمع حجة المدعي ثم يسكته ويستنطق الآخر ليفهم حجة كل منهما، ولا يبتديء أَحَدهمَا فيقول: مَا تقول أَو مَا لك، إِلا أَن يكون علم أنّه المدعي، ولا بأس أَن يقول: أيكما المدعي، فإن
(1) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1020.
(2)
في (ن 3): (تخريجها).
(3)
في (ن 1)، و (ن 2):(بشيء)، وفي (ن 3):(شييء).
(4)
في (ن 1): (تجري)، وفي (ن 3):(ترد).
قال أَحَدهمَا: أنا وسكت الآخر فلا بأس أَن يسأله عن دعواه، وأحب إليّ أَن لا يسأله حتى يقر خصمه بذلك.
فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ، قَالَ وكَذَا شَيْءٌ، وإِلا لَمْ تُسْمَعْ كَأَظُنُّ، وكَفَاهُ بِعْتُ، وتَزَوَّجْتُ، وحُمِلَ عَلَى الصَّحِيحِ.
قوله: (فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ، قَالَ وكَذَا شَيْءٌ، وإِلا لَمْ تُسْمَعْ كَأَظُنُّ).
ابن عبد السلام: لا يقال إِن العلم والتحقيق مترادفان أَو كالمترادفين، فالإتيان بقوله: معلوماً. يغني عن قوله: محققاً، لأنا نقول: المعلوم راجع إِلَى تصور (1) المُدَّعَى فيه، فلابد أَن يكون متميزاً فِي ذهن المدعي والمدعى عَلَيْهِ، وفِي ذهن القاضي والمحقق راجع إِلَى جزم المدعي لأنّه مالك لما وقع النزاع فيه، فهو من نوع التصديق، فقد رجع كلّ واحدٍ من اللفظين لمعنى غير المعنى الذي رجع إليه [الآخر](2) فلاشتراط العلم، لا يسمع: لي عَلَيْهِ شيء، ولاشتراط التحقيق، لا يسمع: أشكّ أَن لي عَلَيْهِ كذا أَو أظن ومَا أشبهه. انتهى.
وأصل هذه العبارة لابن شاس قال: أولاً والدعوى المسموعة هي الصحيحة، وهي أَن تكون معلومة محققة، فلو قال لي عَلَيْهِ شيء لَمْ تسمع دعواه (3). ابن عرفة هو نقل " النوادر " عن " المجموعة " عن عبد الملك قال: إِذَا لَمْ يعين المدعي دعواه مَا هو وكم هو لَمْ يسأل المدعى عَلَيْهِ عن دعواه حتى يبينه الطالب فِي طلبه فيسأل حينئذ المطلوب عن دعواه. ونقله المازري عن المذهب وقال: وعندي لَو قال الطالب: أتيقن عمارة ذمة المطلوب بشيءٍ أجهل مبلغه وأريد جوابه بذكره مفصلاً أَو إنكاره جملة لزمه الجواب.
ثم قال ابن شاس: وكَذَلِكَ لَو قال أظن إِن لي عَلَيْكَ شيئاً أَو قال: لك علي كذا أَو أظن أني قضيته لَمْ يسمع (4). قال ابن عرفة فاختصره ابن الحاجب بقوله: وشرط المدعي
(1) في (ن 3): (حضور).
(2)
في (ن 1): (والآخر).
(3)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1075.
(4)
السابق نفس الصفحة.
فيه أَن يكون معلوماً محققاً (1). فقبله ابن هارون وابن عبد السلام، ولَمْ يذكرا فيه خلافاً، وفِي رسم الطلاق من سماع أشهب وابن نافع من كتاب النكاح سئل عمن تزوج أمرأة بألف دينار، ودخل بها وأقام معها نحواً من ثمانية أشهر ثم مات، فطلبت صداقها، هل ترى اليمين عَلَى ورثته؟ فقال أرى عَلَى ورثته أَن يحلفوا مَا نعلم بقي لَهَا عَلَيْهِ صداق حتى مات. قال: وليس يدخل النساء عَلَى أزواجهن إِلا بالرضا من مهورهن.
قال ابن رشد: أوجب اليمين عَلَى الورثة فِي هذه الرواية عَلَى العلم وإِن لَمْ تدع ذلك المرأة عليهم خلاف مَا فِي كتاب النكاح الثاني من " المدونة " من أنهم لا يمين عليهم إِلا أَن تدعي عليهم العلم، وخلاف مَا فِي كتاب بيع الغرر منها فِي مسألة التداعي فِي وقت موت الجارية الغائبة المشتراة عَلَى الصفة إِن كَانَ قبل الصفة أَو بعدها، وإنما تجب عليهم اليمين إِذَا كانوا ممن يظن بهم العلم عَلَى مَا قال فِي كتاب العيوب والأقضية من " المدونة " فإن نكلوا عن اليمين حلفت المرأة عَلَى مَا تدعي معرفته من أنها لَمْ تقبض صداقها وتستوجبه لا عَلَى أَن الورثة علموا أنها لَمْ تقبض، فهذه اليمين ترجع [121 / ب] عَلَى غير مَا نكل عنه الورثة، ولَهَا نظائر كثيرة، فيختلف فِي لحوق هذه اليمين للورثة؛ لأنها يمين تهمة إذا (2) لَمْ تحقق الزوجة عليهم الدعوى عَلَى مَا ذكرناه، ولا يختلف فِي رجوعها عَلَى الزوجة لمعرفتها بما تحلف عَلَيْهِ كما يختلف فِي رجوع يمين التهمة (3).
وَإِلا فَلْيَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنِ السَّبَبِ.
قوله: (وَإِلا فَلْيَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنِ السَّبَبِ) هذا تصريح بأن الحاكم هو الذي يسأل [عن السبب، فتأمل هل يعارض قوله فيما يأتي: (وَلمدعى عَلَيْهِ السؤال عن](4) السبب) عَلَى أنّه اعتمد فيما يأتي قوله فِي " النوادر ": قال أشهب فِي " المجموعة ": إِن سأل المدعى عَلَيْهِ طالبه من أي وجه يدعي عَلَيْهِ هذا المال فقال قد تقدمت بيني وبينه مخالطة سئل عن
(1) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:483.
(2)
في (ن 3): (إذ).
(3)
انظر: البيان التحصيل، لابن رشد: 4/ 364.
(4)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
ذلك ولم يقض القاضي بشيءٍ عَلَى المدعى عَلَيْهِ حتى يسمي المدعي السبب الذي كَانَ لَهُ بِهِ الحقّ أَو يقول لا أعلم وجهه ولا أذكره، فلا يكون عَلَيْهِ فِي ذلك يمين أنّه لا يذكره (1)، ويسأله البينة عَلَى دعواه.
[ومثله فِي كتاب ابن سحنون وزاد: إِن أبى الطالب أَن يخبر بالسبب فإن قال: لأني لا أذكر وجه ذلك قُبل منه، وإِن لَمْ يقل (2) ذلك فلا يقضى لَهُ بشيء حتى يذكر سبب دعواه أَو يقول: لا أذكر سببه، ولا يمين عَلَيْهِ أنّه لا يذكر سببه، ويسأله البينة عَلَى دعواه](3) ونقله الباجي بلفظ: إِن لَمْ يبين سبب دعواه أَو ادعى (4) نسيأنّه قبل منه بغير يمين وألزم المطلوب أَن يقرّ أَو ينكر قال الباجي: والقياس عندي أَن لا يوقف المطلوب حتى يحلف الطالب أنّه لا يذكر مَا يدعيه، إذ لعله بذكر السبب يجد مخرجاً، وإِن امتنع من ذكره من غير نسيان لَمْ يسأل المطلوب عن شيء (5). قال ابن عرفة فِي دلالة الرواية عَلَى مَا ذكر الباجي من قوله (6): وألزم المطلوب أَن يقرّ أَو ينكر نظر، فتأمله ونقل المازري كالباجي. انتهى.
وفيه دليل عَلَى أَن السؤال من حق المُدَّعَى عَلَيْهِ كما اقتصر (7) عَلَيْهِ ابن الحاجب إذ قال: وللمدعى عَلَيْهِ أَن يسأل عن السبب وتقبل دعوى نسيانه دون يمين (8). وقال الباجي: القياس بيمين، وقد قبله فِي " التوضيح "(9) كابن عبد السلام، واعتمد المصنف هنا قول المتيطي، قال محمد بن حارث فِي " محاضره " يجب عَلَى القاضي أَن يقول للطالب: من أين وجب (10) لك مَا ادعيت؟، فإن قال: من سلف أَو بيع أَو ضمان أَو تعدٍ وشبهه لَمْ يكلفه
(1) في (ن 2): (يذكر).
(2)
في (ن 1): (يقبل).
(3)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 3)، وانظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 8/ 175، 176.
(4)
في (ن 1): (وادعى).
(5)
انظر: المنتقى، للباجي: 7/ 235.
(6)
في الأصل، و (ن 2):(قول).
(7)
في الأصل، و (ن 2)، و (ن 4):(اختصر).
(8)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:484.
(9)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 10/ 357، 358.
(10)
في (ن 3): (أي وجه).
أكثر من ذلك، وإِذَا ذكر المدعي دعواه ولَمْ يذكر السبب ولَمْ يكشفه القاضي عنه، فذلك غفلة من القاضي وجهل منه بالسنة؛ لأنه (1) إِذَا أبهم ذلك ولم يؤمن أَن يكون من وجه لا يوجب شيئاً إِذَا فسره، فيصير القاضي كالخابط عشواء، وكَذَلِكَ إِن ذكر عدد الدين ولم يذكر الحلول والتأجيل، وكَذَلِكَ إِن لَمْ يذكر قبض المتسلف للمال إِن كَانَ الدين من سلف كَانَ نقصاً فِي المقالة.
ثُمَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ، أَوْ أَصْلٍ بِجَوَابِهِ.
قوله: (ثُمَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ، أَوْ أَصْلٍ بِجَوَابِهِ) أي ثم أمر المدعى عَلَيْهِ بجوابه. ابن عرفة: وإِذَا ذكر المدعي دعواه فمقتضى المذهب أمر القاضي خصمه بجوابه إِن استحقت الدعوى جواباً وإِلا فلا كقول المدعي: هذا أخبرني البارحة أنّه رأى هلال الشهر أَو سمع من يعرف بلفظه (2) ولا يتوقف أمره بالجواب عَلَى طلب المدعي لذلك؛ لوضوح دلالة حال التداعي عَلَيْهِ. وقال المازري إِن لَمْ يكن من المدعي أكثر من الدعوى كَانَ يقول للقاضي: لي عند هذا ألف درهم، فللشافعية فِي أحد الوجهين: أنّه ليس للقاضي طلب المدعى عَلَيْهِ بجواب لعدم تصريح المدعي بذلك.
وذكر أَن أخوين بالبصرة كانا يتوكلان عَلَى أبواب القضاة ولَهُمَا فقه، فلما ولي عيسى بن أبان قضاء البصرة، وهو ممن عاصر الشافعي أراد الأخوان أَن يعلماه مكانهما من العلم، فأتياه فقال لَهُ أَحَدهمَا: لي عند هذا كذا وكذا. فقال عيسى للآخر: أجبه فقال المدعى عَلَيْهِ: ومن أذن لك أَن تستدعي جوابي؟، وقال المدعي لَمْ آذن لك فِي ذلك فوجم عيسى بن أبان، فقالا لَهُ: إنما أردنا أَن نعلمك مكاننا من العلم، وعرّفاه بأنفسهما، وهذه مناقشة لا طائل (3) تحتها؛ لأن الحال شاهدة بذلك، وهو ظاهر مذاهب العلماء.
ابن عرفة فظاهره إيجاب جوابه (4) بمجرد قوله: لي عنده كذا، وليس كَذَلِكَ بل لابد من
(1) في (ن 2): (لا أنه).
(2)
في (ن 1)، و (ن 3):(بلقطة).
(3)
في (ن 3): (باطل).
(4)
في (ن 1): (جواب).
بيان السبب من سلف أَو معاوضة أَو بت عطية، ونحوها؛ لجواز كونها بأمرٍ لا يوجب وجوبها [122 / أ] عَلَيْهِ كعدة أَو عطية من مال أجنبي.
إِنْ خَالَطَهُ بِدَيْنٍ، أَوْ تَكَرُّرِ بَيْعٍ، وإِنْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ.
قوله: (إِنْ خَالَطَهُ) كذا فِي بعض النسخ بأداة الشَرْط، وفِي بعضها: وخالطه (1) بالعطف عَلَى ترجيح (2) ولا يخفاك مَا فيهما معاً من القلق، فإن الخلطة شرط فِي توجه اليمين لا فِي إيجاب الجواب، ولا فِي سماع الدعوى وتكليف البينة كما تعطيه عبارتاه.
فائدة:
قال ابن عرفة: قطع ابن رشد فِي سماع أصبغ أَن مذهب مالك وكافة أصحابه الحكم بالخلطة (3)، ومثله لابن حارث (4) ونقل ابن زرقون عن ابن نافع: لا تعتبر (5) الخلطة. ابن عرفة ومضى عمل القضاة عندنا عليه، ونقل لي شيخنا ابن عبد السلام عن بعض القضاة أنّه لا يحكم بها إِلا إِن طلبها منه المدعى عَلَيْهِ. انتهى.
والعجب من ابن عرفة حيث أغفل تمام كلام ابن رشد فِي السماع المذكور إذ قال مَا
(1) في (ن 3): (وما خالطه).
(2)
في (ن 1)، و (ن 3):(ترجح).
(3)
انظر: البيان والتحصيل في سماع أصبغ، من رسم القضاء: 9/ 288، 289، وبنص المسألة يتضح معنى الخلطة الواردة في كلام المصنف والمؤلف، قال فيها:(قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، وسئل عن المخالطة التي يستوجب بها المدعي على المدعي عليه اليمين ما هي؟ قال: يسالفه فيبيعه ويشتري منه، فقيل أرأيت إن ادعي عليه وجاء شهود يشهدون أنه باع منه أمس، واشتري منه سلعة دينار فقبض هذا المائة وهذا السلعة وتفاصلا؟ قال: لا أرى هذا مخالطة، إلا أن يكون قد باعه مرة ومرة ومراراً، فأرى هذا مخالطة، وإن كانا يتقابضان في ذلك كله الثمن والسلعة ويتفاصلان قبل أن يتفرقا فإن شهد عليه بذلك فأراها مخالطة، وقاله أصيغ، قال: وكان ما خالطه فثبت بتاريخ قديم يمكن المعاملات بينهما ليس بعدهما وإن لم تتصل وانقطعت فهي عندي مخالطة، ويستحلف بها بالله إن شاء الله، وسئل عنها سحنون فقال مثله، قال سحنون: ولا تكون المخالطة إلا في البيع والاشتراء بين الرجلين، ولو ادعى أهل السوق بعضهم على بعض لم تكن مخالطة حتى يقع البيع بينهم، قيل: فمثل أهل منزلك ومسجدك يجتمعون فيه للصلوات، والأنس والحديث فادعى بعضهم على بعض؟ قال: لا تكون هذه مخالطة إلا بمثل ما وصفت لك).
(4)
في (ن 3): (الحارث).
(5)
في (ن 1): (يعتبر).
نصّه: وفِي " المبسوطة " لابن نافع أنّه قال لا أدري مَا الخلطة ولا أراها ولا أقول بها، وأرى الأيمان واجبة عَلَى المسلمين [عامة] (1) بعضهم عَلَى بعض لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " البينة عَلَى المدعي واليمين عَلَى المدعى عَلَيْهِ " (2) [وأغفل أَيْضاً قول المتيطي آخر الحمالة والرهون. وقال محمد بن عبد الحكم تجب اليمين عَلَى المدعى عليه] (3) دون خلطه وبِهِ أخذ ابن لبابة وغيره. وقال ابن الهندي: كَانَ بعض من يقتدى بِهِ يتوسط فِي مثل هذا إِذَا ادّعى قوم عَلَى أشكالهم بما يوجب اليمين أوجبها دون إثبات الخلطة، وإِن ادعى عَلَى الرجل العدل من ليس من شكله لَمْ يوجب عَلَيْهِ اليمين إِلا بإثبات الخلطة.
وقال أبو الحسن الصغير: هذه من المسائل التي خالف فيها الأندلسيون مذهب مالك؛ لأنهم لا يعتبرون خلطة، ويوجبون اليمين بمجرد الدعوى وعَلَيْهِ العمل اليوم. انتهى. وقبله أبو عمران العبدوسي (4).
لا بِبَيِّنَةٍ جُرِّحَتْ.
قوله: (لا بِبَيِّنَةٍ جُرِّحَتْ) هو مثل قول المتيطي: وإن كَانَ الطالب أقام بينة بالدين فسقطت بوجهٍ مما تسقط بِهِ الشهادة أَو جرحها المطلوب فليس ذلك بخلطة توجب اليمين عَلَيْهِ، قاله مالك وابن القاسم وسحنون، وقال بعض العلماء: إِن ذلك خلطة توجب اليمين عَلَيْهِ وكَذَلِكَ إِن ترافعا قبل ذلك إِلَى الحاكم فِي حق آخر فقضى بينهما فليس ذلك بخلطة.
(1) مَا بين المعكوفتين زيادة من: (ن 2)، و (ن 3).
(2)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 9/ 291، وله بدل:(المدعى عليه): (من أنكره)، والحديث أخرجه البيهقي في سننه الكبرى، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: 8/ 123.، والدارقطني في سننه، كتاب الحدود والديات برقم (98).
(3)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(4)
قال الحطاب في شرح المؤلف هنا للمسألة: (مَا قَالَهُ الشَّارِحُ وابْنُ غَازِيٍّ كَافٍ فِي ذَلِكَ)، ويعني بالشارح: بهرام شارح المختصر الخليلي، انظر: مواهب الجليل: 6/ 127.
إِلا الصَّانِعَ، والْمُتَّهَمَ، والضَّيْفَ وفِي مُعَيَّنٍ، والْوَدِيعَةَ عَلَى أَهْلِهَا، والْمُسَافِرَ عَلَى - رُفْقَتِهِ، ودَعْوَى مَرِيضٍ أَوْ بَائِعٍ عَلَى حَاضِرِ الْمُزَايَدَةِ، وإِنْ أَقَرَّ فَلَهُ الإِشْهَادُ عَلَيْهِ، ولِلْحَاكِمِ تَنْبِيهُهُ عَلَيْهِ، وإِنْ أَنْكَرَ قَالَ أَلَكَ بَيِّنَةٌ.
قوله: (إِلا الصَّانِعَ، والْمُتَّهَمَ، والضَّيْفَ وفِي مُعَيَّنٍ، والْوَدِيعَةَ عَلَى أَهْلِهَا، والْمُسَافِرَ عَلَى - رُفْقَتِهِ، ودَعْوَى مَرِيضٍ أَوْ بَائِعٍ عَلَى حَاضِرِ الْمُزَايَدَةِ) هذه ثمانية ذكر المتيطي جميعها فِي الحمالة والرهون إِلا السلعة المعينة فلم يذكرها فِي النظائر، وقد ذكرها عبد الحقّ وابن يونس، وإلا الوديعة عَلَى أهلها فلم يذكرها عَلَى هذا الوجه الأعم وذكرها اللخمي وغيره.
فالأول: الصانع واندرج فيه التاجر والثاني: المتهم بالسرقة والعداء والظلم، والثالث: الغريب ينزل بمدينة فيدعي عَلَى رجلٍ منها أنّه استودعه مالاً، فكأنّه عبّر بالضيف عن الغريب الطاريء عَلَى البلد سواء ضيفه المدعى عَلَيْهِ أَو لَمْ يضيفه (1)، وبهذا يساعد ظاهر نصّ المتيطي، ويُتبادر من لفظ المصنف غير هذا، ولكن لَمْ أر من ذكره.
والرابع: الدعوى فِي شيءٍ معين قال عبد الحقّ عن بعض القرويين: إنما تراعى الخلطة فِي الأشياء المستهلكة وفيما تعلّق بالذمم، وأما الأشياء المعينة فاليمين فِي ذلك واجبة من غير خلطة. وقال بعض شيوخنا من أهل بلدنا لا تجب اليمين إِلا بالخلطة فِي الأشياء المعينة وغيرها؛ إِلا مثل أَن يعرض رجل سلعة فِي السوق للبيع، فيأتي رجل فيقول: قد بعتها مني، فمثل هذا تجب فيه اليمين وإن لَمْ تكن خلطة، وهذا القول أبين عندي ونحوه لابن يونس.
الخامس: دعوى الوديعة عَلَى من هو أهل لأن يودع عنده مثل هذا المال الحالّ (2). قال (3) فِي " توضيحه " وقيّده أصبغ وغيره بأن يكون المودع غريباً، وقيّده اللخمي بثلاثة قيود: أَن يكون المدعي يملك مثل ذلك فِي جنسه وقدره، وأَن يكون المدعى عَلَيْهِ ممن يودع
(1) في الأصل، و (ن 3):(يضفه).
(2)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 4).
(3)
في (ن 3): (فقال).
مثل ذلك، وأَن يكون هناك مَا يوجب الإيداع. انتهى (1). فالثالث مساوٍ لهذا أَو أخص منه فتأمله.
السادس: المسافر يدعي أنّه دفع مالاً لبعض أهل رفقته.
السابع: الرجل يوصي عند الموت أَن لَهُ عَلَى فلان كذا.
الثامن: عبّر عنه المتيطي بما نصّه: " الرجل يحضر المزايدة (2) فيقول البائع: بعتك بكذا ويقول المبتاع: بل بكذا، كذا رأيته فِي نسختين من " المتيطية "، وقد ظهر لك أَن بعض هؤلاء مدعى عَلَيْهِ كالصانع والمتهم وبعضهم [122 / ب] مدعٍ كالضيف والمريض.
فَإِنْ نَفَاهَا واسْتَحْلَفَهُ فَلا بَيِّنَةَ، إِلا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ، أَوْ وَجَدَ ثَانِياً، أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الأَوَّلُ، ولَهُ يَمِينُهُ أنّه لَمْ يُحَلِّفْهُ أَوَّلاً، قَالَ: وكَذَا أنّه عَالِمٌ بِفِسْقِ شُهُودِهِ، وأَعْذَرَ بِأَبَقِيَتْ لَكَ حُجَّةٌ؟.
قوله: (فَإِنْ نَفَاهَا واسْتَحْلَفَهُ فَلا بَيِّنَةَ، إِلا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ، أَوْ وَجَدَ ثَانِياً، أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الأَوَّلُ) لَمْ أفهم آخر هذا التركيب كما أحبّ، فلعلّ الكاتب غيّر فيه شيئاً، والذي فِي آخر أقضية (3) " المدونة ": وإِذَا أدلى الخصمان بحجتهما ففهم القاضي عنهما، وأراد أَن يحكم بينهما فليقل لَهُمَا أبقيت لكما حجة؟ فإن قالا لَهُ: لا، حكم بينهما ثم لا يقبل من المطلوب حجّة إِلا أَن يأتي بما لَهُ وجه مثل بينة لَمْ يعلم بها، أَو يكون أتى بشاهدٍ عند من لا يقضي بشاهد ويمين، ثم وجد شاهداً آخر بعد الحكم وقال: لَمْ أعلم بِهِ فليقض بهذا الآخر (4).
(1) انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 10/ 376، ونص اللخمي:(وأن يكون المودع ممن يودع مثل ذلك) فليس فيه المودع عليه، وقد وثق المحقق كلام اللخمي من التبصرة 4/ 119، وكلام الشارح يناقد كلام اللخمي، وكلام المؤلف هنا والشارح ينفي صحة النقل عن اللخمي، وصحة الكلام كما هنا (وأَن يكون المدعى عَلَيْهِ ممن يودع مثل ذلك) فتأمله.
(2)
في (ن 3): (المزائد).
(3)
في (ن 1): (قضية).
(4)
انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 3/ 581.
قال ابن محرز ضمّ ابن القاسم شهادة الشاهد الذي قام بِهِ الآن إِلَى شهادة الأول صحيح وليس يختلف فيه [كما](1) اختلف فيمن أقام شاهداً بحقٍّ ونكل عن اليمين معه، فردت لَهُ اليمين عَلَى المدعى عَلَيْهِ، ثم أقام شاهداً آخر؛ لأن هذا لَمْ يُمكّن من اليمين مَعَ شاهده فيكون مسقطاً لَهُ بنكوله، وهو كمن قام عَلَيْهِ شاهد بعتقٍ أَو طلاق فحلف عَلَى تكذيبه ثم أقام عَلَيْهِ شاهداً آخر فأنّه يضم إِلَى الشاهد الأول ويقضى عَلَيْهِ بالعتق والطلاق؛ [وذلك لأن الطالب ههنا لَمْ يمكن أَيْضاً من اليمين مَعَ الشاهد فِي العتق والطلاق؛ ولأنّه لا يملك إسقاط الحقّ فيه لَو كان ممكناً من اليمين، فلما لَمْ يكن لَهُ إسقاط الحقّ فيه](2) لَمْ يكن عجزه عن شاهدٍ آخر مانعاً لَهُ من القيام بشهادة شاهد آخر لَمْ يعلم بِهِ أَو علم بِهِ فتركه متعمداً ثم قام بِهِ أَو قام بِهِ غيره.
وأما الذي أقام شاهداً بحق فكان لَهُ أَن يحلف مَعَ شاهده فنكل عن اليمين وردها عَلَى المدعى عَلَيْهِ، ثم أقام شاهداً آخر، فإنما قيل لا تلفق لَهُ شهادة هذا إِلَى شهادة الأول؛ لأنّه لما نكل عن اليمين معه فقد رضي بإسقاطه وترك القيام بشهادته (3)، ثم اختلف: هل يستقل لَهُ الحكم بيمينه مَعَ شهادة هذا الشاهد الآخر أم لا، انتهى مرادنا منه؛ وبِهِ يتضح لك الفرق بين مَا ذكر المصنف هنا ومَا ذكر فِي الشهادات إذ قال:(وَإِن حلف المطلوب ثم أتى بآخر فلا ضم وفِي حلفه معه ويحلف المطلوب إِن لَمْ يحلف قَوْلانِ).
وَنُدِبَ تَوْجِيهُ مُتَعَدِّدٍ فِيهِ، إِلا الشَّاهِدَ بِمَا فِي الْمَجْلِسِ، ومُوَجَّهَهُ، ومُزَكِّيَ السِّرِّ، والْمُبَرِّزِ بِغَيْرِ عَدَاوَةٍ، ومَنْ يُخْشَى مِنْهُ. وأَنْظَرَهُ لَهَا بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ حَكَمَ كَنَفْيِهَا، ولْيُجِبْ عَنِ الْمُجَرِّحِ، ويُعَجِّزُهُ، إِلا فِي دَمٍ، وحُبُسٍ وعِتْقٍ، ونَسَبٍ، وطَلاقٍ.
قوله: (وَنُدِبَ تَوْجِيهُ مُتَعَدِّدٍ) لما ذكر المَتيْطِي نصّ وثيقة الموجهين فِي الحوز قال: ينبغي للقاضي أَن لا ينفذ حكمه عَلَى أحدٍ حتى يعذر إليه برجلٍ أَو رجلين، وإِن أعذر
(1) في (ن 3): (كمن).
(2)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(3)
في (ن 1): (بشهادة).
بواحد أجزأه، عَلَى مَا فعله النبي صلى الله عليه وسلم فِي أنيس إذ قال لَهُ:" يا أنيس أغد عَلَى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها "(1).
وَكَتَبَهُ، وإِنْ لَمْ يُجِبْ حُبِسَ، وأُدِّبَ، ثُمَّ حَكَمَ بِلا يَمِينٍ، ولِمُدَّعًى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنِ السَّبَبِ، وقُبِلَ نِسْيَانه بِلا يَمِينٍ، وإِنْ أَنْكَرَ مَطْلُوبٌ الْمُعَامَلَةَ فَالْبَيِّنَةُ، ثُمَّ لا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ بِالْقَضَاءِ، بِخِلافِ لا حَقَّ لَكَ عَلَيَّ.
قوله: (وَكَتَبَهُ) أي: وكتب القاضي التعجيز. قال فِي " المفيد ": حقّ عَلَى القاضي أَن يكتب التعجيز ويشهد عَلَيْهِ.
وَكُلُّ دَعْوَى لا تَثْبُتُ إِلا بِعَدْلَيْنِ، فَلا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا. ولا تُرَدُّ كَنِكَاحٍ، وأَمَرَ بِالصُّلْحِ ذَوِي الْفَضْلِ والرَّحِمِ كَأَنْ خَشِيَ تَفَاقُمَ الأَمْرِ، ولا يَحْكُمُ لِمَنْ لا يَشْهَدُ لَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ، ونُبِذَ حُكْمُ جَائِرٍ، وجَاهِلٍ لَمْ يُشَاوِرْ، وإِلا تُعُقِّبَ، ومَضَى غَيْرُ الْجَوْرِ، ولا يُتَعَقَّبُ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ.
قوله: (وَكُلُّ دَعْوَى لا تَثْبُتُ إِلا بِعَدْلَيْنِ، فَلا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا. ولا تُرَدُّ) هذه عبارة ابن الحاجب (2). قال ابن عبد السلام: فإن قلت: قوله: (وَلا ترد) زيادة مستغنىً عنها؛ لأن ردّ اليمين فرع عن توجيهها (3)، فإذا لَمْ تتوجه لَمْ تردّ؟ قلت: الردّ الذي يستغني [عن نفيه بنفي](4) التوجه هو الذي يكون فِي جانب المدعى عَلَيْهِ، [وقد يكون الرد من جانب المدعي إِلَى جانب المدعى عليه](5)، كما إِذَا قام للمدعي شاهد فِي بعض هذه المسائل يعني كما قال بعد:(وَحلف بشاهدٍ فِي طلاق أوعتق).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه برقم (2190)، كتاب الوكالة، باب الوكالة في الحدود، ومسلم في صحيحه برقم (1697)، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى.
(2)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:486.
(3)
في (ن 1)، و (ن 3):(توجهها).
(4)
ما بين المعكوفتين في (ن 3): (نفيه عن نفي).
(5)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
وَنَقَضَ، وبَيَّنَ السَّبَبَ مُطْلَقاً مَا خَالَفَ قَاطِعاً، وجَلِيَّ قِيَاسٍ كَاسْتِسْعَاءِ مُعْتَقٍ، وشُفْعَةِ جَارٍ، وحُكْمٍ عَلَى عَدُوٍّ. وشَهَادَةِ كَافِرٍ، ومِيرَاثِ ذِي رَحِمٍ، أَوْ مَوْلًى أَسْفَلَ، أَوْ بِعِلْمٍ سَبَقَ مَجْلِسَهُ، أَوْ جَعْلِ بَتَّةٍ وَاحِدَةً، أَوْ أنّه قَصَدَ كَذَا فَأَخْطَأَ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ ظَهَرَ أنّه قَضَى بِعَبْدَيْنِ، أَوْ فَاسِقَيْنِ، أَوْ صَبِيَّيْنِ، أَوْ كَافِرَيْنِ كَأَحَدِهِمَا، إِلا بِمَالٍ فَلا يُرَدُّ، إِنْ حَلَفَ، وإِلا أُخِذَ مِنْهُ إِنْ حَلَفَ، وحَلَفَ فِي الْقِصَاصِ خَمْسِينَ مَعَ عَاصِبِهِ، وإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ، وغَرِمَ شُهُودٌ عَلِمُوا، وإِلا فَعَلَى عَاقِلَةِ الإِمَامِ، وفِي الْقَطْعِ حَلَفَ الْمَقْطُوعُ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ. ونَقَضَهُ هُوَ فَقَطْ، إِنْ ظَهَرَ أَنَّ غَيْرَهُ الأَصْوَبُ، أَوْ خَرَجَ عَنْ رَأْيِهِ، أَوْ رَأْيِ مُقَلِّدِهِ.
قوله: (وَنَقَضَ، وبَيَّنَ السَّبَبَ مُطْلَقاً) أي سواء كَانَ حكمه أَو حكم غيره بدليل قوله فِي قسيمه (1)(وَنقضه هو فقط).
وَرَفَعَ الْخِلافَ.
قوله: (ورَفَعَ الْخِلافَ) قال القرافي فِي: الفرق السابع والسبعين: الخلاف يتقرر فِي مسائل الاجتهاد قبل حكم الحاكم، ويبطل الخلاف فيها (2) ويتعين قول واحدٍ بعد حكم الحاكم، وهو مَا حكم بِهِ الحاكم قال أبو القاسم بن الشاط السبتي: مَا قاله يوهم أَن الخلاف يبطل مُطْلَقاً فِي المسألة التي تعلّق بها حكم الحاكم، وليس الأمر كَذَلِكَ بل الخلاف يبقى عَلَى حاله، إِلا أنّه إِذَا استفتى المخالف فِي عين تلك المسألة التي وقع الحكم فيها لا تسوغ [له](3) الفتوى فيها بعينها؛ لأنّه قد نفذ فيها الحكم بقولة قائل، ومضى العمل بها، فإذا استفتي فِي مثلها قبل أَن يقع فيها الحكم أفتى بمذهبه عَلَى أصله (4).
ثم قال القرافي: اعلم أَن حكم الحاكم فِي مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم، وتتعين فتياه بعد الحكم عما كانت [عَلَيْهِ عَلَى القول الصحيح من مذاهب العلماء، فمين لا يرى وقف المشاع إِذَا حكم حاكم بصحة وقفه ثم
(1) في (ن 1): (قسمه).
(2)
في (ن 2)، و (ن 3):(فيهما).
(3)
مَا بين المعكوفتين زيادة من: (ن 1)، و (ن 3).
(4)
انظر: أنوار البروق: 2/ 179.
رفعت الواقعة] (1) لمن كَانَ يفتي ببطلانه [123 / أ] نفذه وأمضاه، ولا يحلّ لَهُ بعد ذلك أَن يفتي ببطلانه.
وكَذَلِكَ إِن قال لَهَا: إِن تزوجتك فأنت طالق، فتزوجها وحكم حاكم بصحة هذا النكاح فالذي كَانَ يرى لزوم الطلاق لَهُ ينفذ هذا النكاح، ولا يحلّ لَهُ بعد ذلك أَن يفتي بالطلاق وهذا (2) مذهب الجمهور، وهو مذهب مالك. قال ابن الشاط: مَا قاله من أنّه إِذَا حكم حاكم بصحة وقف المشاع ثم رفعت (3) الواقعة لمن كَانَ يفتي ببطلانه نفذه وأمضاه. لقائلٍ أَن يقول: لا ينفذه ولا يمضيه؛ ولكنه (4) لا يرده ولا ينقضه وفرق بين كونه ينفذه ويمضيه وكونه لا يرده ولا ينقضه. انظر تمام كلامهما وبحث ابن الشاط (5). والثاني أقوى من الأول.
وقد كَانَ شيخنا الأستاذ أبو عبد الله الصغير - رحمه الله تعالى - يحكي عن شيخه [أبي عبد الله العكرمي أنّه قال: قال ليّ الشيخ الصالح الزاهد الورع أبو حفص عمر الرجراجي: عَلَيْكَ بـ: " قواعد "](6) القرافي ولا تقبل منها إِلا مَا قبله ابن الشاط.
لا أَحَلَّ حَرَاماً، ونَقْلُ مِلْكٍ، أَوْ فَسْخُ عَقْدٍ، أَو تَقَرُّرُ نِكَاحٍ بِلا وَلِيٍّ حُكْمٌ.
قوله: (لا أَحَلَّ حَرَاماً) فيه تنبيهان الأول: قال ابن عبد السلام: ولا فرق بين الفروج والأموال، ثم قال: وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وكثير من أهل المذهب فيما حكى عنهم أبو عمر: إنما ذلك فِي الأموال لا فِي الفروج ". انتهى. وهو تصحيف إما فِي نسخة ابن عبدالسلام من " الاستذكار " وإما فِي شرحه هو، والذي رأيته فِي نسخةٍ من " الاستذكار " عتيقة مقروءة مقابلة بأصل المؤلف: وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وكثير من أصحابهما: إنما
(1) مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
(2)
في (ن 1)، و (ن 3):(هذا).
(3)
في الأصل، و (ن 1):(وقعت)، وفي (ن 2):(وقفت).
(4)
في (ن 1): (وكونهم).
(5)
انظر: أنوار البروق: 2/ 181.
(6)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
ذلك فِي الأموال. فلفظ أصحابهما بضمير التثنية العائد عَلَى أبي حنيفة وأبي يوسف ولا يصح غيره (1).
ولا خلاف عند أهل المذهب أنّه لا فرق بين [الأموال والفروج كما قطع بِهِ ابن رشد وابن عرفة وغيرهما، ولَمْ يتعقبه ابن عرفة عَلَى ابن عبد السلام، إما](2) لسلامة نسخته من هذا التصحيف، أَو لكونه (3) لَمْ يكمل كلامه بالقراءة. الثاني قال ابن الحاجب فِي تمثيله: كمن أقام شهود زور عَلَى نكاح امرأة، فحكم لَهُ به، وكَذَلِكَ لَو حكم الحنفي للمالكي بشفعة الجار (4)، أما المثال الأول فظاهر، وأما الثاني فقال ابن عبد السلام يعني فأنّه لا يحلّ للمالكي الأخذ بهذه الشفعة؛ لأنّه يعتقد بطلان مَا حكم لَهُ بِهِ القاضي، فيعود (5) الأمر فيه إِلَى مَا قبله، هكذا قالوا؛ وليس بالبيّن؛ لأن مَا تقدم الظاهر فيه مخالف لما فِي الباطن، ولَو علم القاضي بكذب الشهود لما حكم بهم إجماعاً، وفِي هذه الصورة القاضي والخصمان يعلمون من حال الباطن مَا يعلمون من حال الظاهر، والمسألة مختلف فيها، وحكم القاضي يرفع الخلاف فتنزل ذلك بعد ارتفاع الخلاف منزلة الإجماع، ومَا هذا سبيله يتناول الظاهر والباطن، والذي قلناه هو ظاهر كلام السيوري فِي بعض مسائله.
وعَلَى مَا قاله ابن الحاجب؛ لَو غصب الغاصب شيئاً فنقله لمكان الغصب وكَانَ مما اختلف فيه هل يفوت بنقله أم لا؟ فقضى القاضي لربه بأخذه، وكَانَ مذهب ربه أنّه يفوت وتجب فيه القيمة، فينبغي عَلَى هذا أَن لا يكون لربه التصرف فيه.
ابن عرفة: ظاهر قوله هكذا قالوا مَعَ عزوه مَا ظهر لَهُ من خلاف ذلك للسيوري أَن المذهب هو مَا قاله ابن الحاجب تبعاً لقول ابن شاس: إنما القضاء إظهار لحكم (6) الشرع لا
(1) الذي وقفت عليه من نسخة الاستذكار: (وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وكثير من أصحابنا: إنما ذلك في الأموال)، فيصحّ على هذا ما أشار المؤلف بأنه مصحف، انظر: الاستذكار، لابن عبد البر: 6/ 100.
(2)
ما بين المعكوفتين غير واضح في (ن 3).
(3)
في (ن 3): (ولكونه).
(4)
في (ن 3): (الجدار)، وانظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:462.
(5)
في (ن 1): (فيعوده).
(6)
في (ن 1): (لحاكم).
اختراع لَهُ، فلا يحلّ للمالكي شفعة الجوار إِن قضى لَهُ بها الحنفي (1)، وليس كَذَلِكَ بل مقتضى المذهب خلافه.
قال المازري فِي ائتمام الشافعي بالمالكي وعكسه: الإجماع عَلَى صحته، واعتذر عن قول أشهب:[أن](2) من صلى خلف من لا يرى الوضوء من القُبْلة يعيد، وفِي كتاب الزكاة من " المدونة " إن (3) لَمْ يبلغ حظ كل واحد من الخليطين مَا فيه الزكاة وفِي اجتماعهما مَا فيه الزكاة فلا زكاة عَلَيْهِمَا (4)، فإن تعدى الساعي فأخذ من غنم أَحَدهمَا [شاة](5) فليترادا فيها عَلَى عدد غنمهما، فتحليله لمن أخذت الشاة من غنمه الرجوع عَلَى خليطه بمنابه منها نصّ فِي صحة عمل المحكوم عَلَيْهِ بلازم مَا حكم بِهِ الحاكم المخالف لمذهب المحكوم عَلَيْهِ، فأحرى إِذَا كَانَ نفس مَا حكم بِهِ له (6)، ولا سيما عَلَى القول بأن كلّ مجتهدٍ مصيب.
ولا أعلم لابن شاس فيه مستنداً إِلا اتباع " وجيز " الغزالي، وهذا لا يجوز لَهُ. وأما المصنف فِي " التوضيح " فقال قول ابن الحاجب، وكَذَلِكَ (7) لَو حكم الحنفي
…
إِلَى آخره، نقله ابن محرز عن ابن الماجشون فقال: إِن حكم القاضي باجتهاده بقولٍ شاذٍ، فذهب ابن الماجشون إِلَى فسخ حكمه، وذلك كالحكم بالشفعة للجار، ثم أشار إِلَى أَن [123 / ب] استشكال ابن عبد السلام لما هنا كاستبعاد المازري؛ لقول ابن الماجشون بنقيض (8) الحكم بشفعة الجار ونظائره المذكورة فِي المختصر قبل هذا (9)، وفِي النفس من هذا شيء.
(1) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1017.
(2)
مَا بين المعكوفتين زيادة من: (ن 1)، و (ن 3).
(3)
في (ن 1): (وإن).
(4)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 2/ 332.
(5)
مَا بين المعكوفتين زيادة من: (ن 1)، و (ن 3).
(6)
في (ن 1)، و (ن 3):(لَهُ به).
(7)
في (ن 2): (وكذا).
(8)
في الأصل، و (ن 2):(ينقض).
(9)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 10/ 152.
ومقتضى كلام ابن عرفة أَن التحليل والتحريم لا ينبني عَلَى إمضاء حكم (1) القاضي ونقضه، فأنّه ذكر كل مسألة منهما فِي موضعها عَلَى حدتها، ولا إشارة لملازمة بينهما، فتأمله.
لا أُجِيزُهُ، أَوْ أَفْتَى.
قوله: (لا أُجِيزُهُ، أَوْ أَفْتَى) أصله قول ابن شاس: لَو رفع إليه نكاح امرأة زوجت نفسها بغير وليٍ؟ فقال: أنا لا أجيزه، ولم يحكم بفسخه، فهذا ليس بحكم ولكنه فتوى (2)، فتبعه ابن الحاجب (3)، وقال ابن عبد السلام: أنّه متفق عَلَيْهِ، ونحوه لابن هارون، فقال ابن عرفة: مقتضى جعله فتوى أَن لمن ولي بعده أَن ينقضه ضرورة أنّه لَمْ يحكم بِهِ الأول، والظاهر أنّه لا يجوز للثاني نقضه؛ لأن قول الأول حين رفع إليه: لا أجيزه ولا أفسخه حكم منه بأنّه مكروه، والكراهة أحد أقسام الشرع الخمسة يجب رعي كلّ حكم منها، ولازمه وحكم المكروه عدم نقضه بعد وقوعه؛ ولا سيّما عَلَى قول ابن القاسم فِي حكم الحاكم إِذَا كَانَ متعلقه تركاً. انتهى، فليتأمل.
وَلَمْ يَتَعَدَّ لِمُمَاثِلٍ، بَلْ إِنْ [73 / ب] تَجَدَّدَ، فَالاجْتِهَادُ كَفَسْخٍ بِرِضَاعِ كَبِيرٍ، وتَأْبِيدِ مَنْكُوحَةِ عِدَّةٍ، وهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ولا يَدْعُو لِصُلْحٍ، إِنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ، ولا يَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ، إِلا فِي التَّعْدِيلِ والْجَرْحِ كَالشُّهْرَةِ بِذَلِكَ، أَوْ إِقْرَارِ الْخَصْمِ بِالْعَدَالَةِ، وإِنْ أَنْكَرَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ إِقْرَارَهُ بَعْدَهُ لَمْ يُفِدْهُ، وإِنْ شَهِدَا بِحُكْمٍ نَسِيَهُ أَوْ أَنْكَرَهُ أَمْضَاهُ.
قوله: (وَلَمْ يَتَعَدَّ لِمُمَاثِلٍ، بَلْ إِنْ [73 / ب] تَجَدَّدَ، فَالاجْتِهَادُ كَفَسْخٍ بِرِضَاعِ كَبِيرٍ، وتَأْبِيدِ مَنْكُوحَةِ عِدَّةٍ، وهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ) هذان المثالان ذكرهما ابن شاس فقال: إِذَا رفع إِلَى قاضٍ رضاع كبير فحكم بأن رضاع الكبير يحرم وفسخ النكاح من أجله فالقدر الذي يثبت بحكمه هو فسخ النكاح فحسب وأما تحريمها عَلَيْهِ فِي المستقبل فأنّه لا يثبت بحكمه، بل يبقى ذلك معرضاً (4) للاجتهاد فيه، وكَذَلِكَ لَو رفعت إليه حال امرأة
(1) في (ن 1): (إحكام حاكم).
(2)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1015.
(3)
قال ابن الحاجب: (وفي مثل تقرير نكاح بلا ولي رفع إليه فأقره قال ابن القاسم: حكم، وقال ابن الماجشون ليس بحكم فلو قال: لا أجيزه ولم يفسخه ففتيا) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:462.
(4)
في (ن 1): (معترضاً).
نكحت فِي عدتها ففسخ نكاحها وحرمها عَلَى زوجها لكان القدر الذي ثبت من حكمه فسخ النكاح فحسب، وأما تحريمها فِي المستقبل فمعرّض للاجتهاد، وتبعه ابن الحاجب (1).
قال ابن عرفة: وقد قبلوه وهو صواب فِي مسألة المعتدة، وأما فِي رضاع الكبير فغير صحيح أَو فيه نظر وبيانه أَن علة منع حكم الثاني بِخِلاف حكم الأول، هو كون حكم الثاني رافعاً لمتعلق حكم الأول بالذات، وهذا لأنّه دار معه وجوداً وعدماً، أما وجوداً (2) ففي أمثال حكم الحاكم الثاني بكون المبتاع الأول فيما باعه الآمر والمأمور أحق بالمبيع، ولَو قبضه المبتاع الثاني بعد حكم الحاكم الأول فإن قابضه أحقّ.
وأما عدماً ففي جواز حكم عمر وعلي - رضي الله تعالى - عنهما بِخِلاف مَا حكم بِهِ من قبلهما في (3) قسم الفيء (4) وتقرر فِي أصول الفقه اعتبار الدوران، إِذَا ثبت هذا ونظرنا وجدنا حكم الثاني فِي مسألة الناكح فِي العدة غير رافعٍ لنفس متعلق الحكم الأول؛ لأن متعلق حكمه بالذات الفسخ، والتحريم تابع لَهُ، فلم توجد علة منع حكم الثاني فيها، ووجدنا حكم الثاني فِي مسألة رضاع الكبير رافعاً لنفس متعلق حكم الحاكم الأول بالذات، وهو تحريم رضاع الكبير، وفسخ نكاح الكبير تابع لهذا المتعلق بالذات لا أنه (5) متعلق حكمه بالذات، فيجب منع حكم الثاني عملاً بالعلة الموجبة لمنعه، فتأمله.
(1) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1015، وقال ابن الحاجب:(والحكم بالفسخ لمعارض اجتهادي لا يقتضي الفسخ إذا تجدد السبب ثانياً بل يكون معرضاً للاجتهاد كفسخ النكاح برضاع الكبير ونكاح امرأة في عدتها) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:462.
(2)
في (ن 1): (وجود).
(3)
في (ن 1): (من).
(4)
يعني ما فعله عمر من إبطال سهم المؤلفة قلوبهم لعدم توفر الدواعي، قال الطبري رحمه الله:(قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأتاه عيينة بن حصن: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}، أي، ليس اليوم مؤلفة) انظر: تفسير الطبري: 10/ 163، وانظر ما ساقه الجصاص في أحكام القرآن من فعل عمر رضي الله عنه في هذا الخصوص: 4/ 325، وانظر إرشاد الفحول، للشوكاني: 2/ 373، وقال في الروض المربع، للبهوتي:(الصنف الرابع المؤلفة قلوبهم. . . يعطى ما يحصل به التأليف ثم الحاجة فقط، فترك عمر وعثمان وعلي إعطاءهم لعدم الحاجة إليه في خلافتهم، لا لسقوط سهمهم) انظر: 1/ 401.
(5)
في (ن 1): (لأنه).
وَأَنْهَى لِغَيْرِهِ مُشَافَهَةً، إِنْ كَانَ كُلٌّ بِوِلايَتِهِ، وبِشَاهِدَيْنِ مُطْلَقاً. واعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا، وإِنْ خَالَفَا كِتَابَهُ.
قوله: (وَأَنْهَى لِغَيْرِهِ مُشَافَهَةً، إِنْ كَانَ كُلٌّ بِوِلايَتِهِ) كذا لابن الحاجب تابعاً لابن شاس (1) التابع لـ: " وجيز " الغزالي، وقبله ابن عبد السلام وابن هارون، فقال ابن عرفة: لا أعرف من جزم بِهِ من أهل المذهب؛ وإنما قال المازري: لا شكّ أَن ذكر القاضي ثبوت شهادة عنده عَلَى غائب ليس بقضية محضة، ولا نقل محض، بل هو مشوب (2) بالأمرين، فينظر (3) أولاهما بِهِ، ومما يتفرع عَلَى هذا أَن قاضيين لَو قضيا بمدينة عَلَى أَن كلّ واحد منهما ينفذ مَا ثبت عنده، فأخبر أَحَدهمَا الآخر أنّه ثبت عنده شهادة فلان وفلان لرجلين بالبلد وقضى بثبوتهما فإن قلنا: أنّه كنقل شهادة فلا يكتفي هذا القاضي المخاطب بأنهم شهدوا عند الآخر؛ لأن المنقول عنهم حضور، وإن قلنا: أنّه كقضية (4) فالقاضي الثاني ينفذ مَا قاله الأول، وهذا قد يقال فيه أَيْضاً إِذَا قبلنا قول القاضي وحده، وإن كَانَ كالنقل يكتفى بِهِ لحرمة القضاء، فكذا يصحّ نقله وإن كَانَ من نقل عنه حاضراً فهذا مما ينظر فيه، وذكر ابن عرفة بعده إلزاماً وانفصالاً، فقف عَلَيْهِ.
وَنُدِبَ خَتْمُهُ، ولَمْ يُفِدْ وَحْدَهُ، وأَدَّيَا، وإِنْ عِنْدَ غَيْرِهِ، وأَفَادَ، إِنْ أَشْهَدَهُمَا أَنَّ مَا فِيهِ حُكْمُهُ، أَوْ خَطُّهُ كَالإِقْرَارِ ومَيَّزَ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ مِنَ اسْمٍ وحِرْفَةٍ وغَيْرِهِمَا.
قوله: (وَنُدِبَ خَتْمُهُ، ولَمْ يُفِدْ وَحْدَهُ) أي: ولَمْ يفد الختم أَو الكتاب دون الشاهدين. قال ابن عرفة: ولما كانت نصوص الروايات واضحة بلغوا ثبوت كتاب القاضي بمجرد الشهادة عَلَى خطه (5). قال ابن المناصف: اتفق أهل عصرنا فِي البلاد التي ينتهي إليها أمرنا
(1) قال ابن شاس: (إنهاء الحكم إلى القاضي الآخر، وذلك بالإشهاد والكتاب والمشافهة) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1025، وقال ابن الحاجب:(وإنهاؤه إلى حاكم آخر بالإشهاد والمشافهة) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:466.
(2)
في (ن 1): (مشروب).
(3)
في (ن 1): (فينتظر).
(4)
في (ن 3): (قضية).
(5)
في (ن 3): (بخطه).
عَلَى قبول كتب القضاة فِي الأحكام (1) والحقوق (2) بمجرد معرفة خطّ القاضي دون إشهاده عَلَى ذلك، ولا خاتم معروف، ولا يستطيع أحد فيما أظن صرفهم عنه؛ مَعَ أني لا أعلم خلافاً فِي مذهب مالك أَن كتاب القاضي لا يجوز بمجرد معرفة خطه، بل قولهم فِي القاضي يجد (3) فِي ديوانه حكماً بخطه، وهو لا يذكر أنّه حكم بِهِ أنّه لا يجوز لَهُ إنفاذه إِلا أَن يشهد عنده بذلك الحكم شاهدان، وكذا إِن وجده من ولي بعده، وثبت أنّه خطّ الأول فأنّه لا يعمل بِهِ، ولا يتخرج [124 / أ] القول بعمله بما يتقنه من خطه دون ذكر حكمه بِهِ من الخلاف فِي الشاهد يتيقن (4) خطه بالشهادة بالحقّ، ولا يذكر موطنها لعذر الشاهد، إذ مَا عمله هو مقدور كسبه، والقاضي كَانَ قادراً عَلَى إشهادة عَلَى حكمه ثم وجه عمل الناس بأن الظن الحاصل بأنّه كتاب القاضي الباعث بِهِ حصوله بالشهادة عَلَى خطه منضماً للشهود (5)، وهو القول بجواز الشهادة عَلَى خطّ الغير حسبما تقرر فِي المذهب لوجوب (6) كون هذا الظنّ كالظن الناشيء عن ثبوته ببينة عَلَى أنّه كتابه لضرورة دفع مشقة مجيء البينة مَعَ الكتاب، مَعَ انتشار الخطة وبعد المسافة.
ابن عرفة: فإن قيل: تندفع المشقة بإشهاد القاضي عَلَى كتابه ببينة يشهد عَلَى خطها فِي بلد المكتوب إليه كما يفعله كثير من أهل الزمان لنكتة تذكر بعد؟
قلت: ثبوته بالشهادة عَلَى خط القاضي أقوى من ثبوته بالشهادة عَلَى خطّ البينة بشهادتهما (7) عَلَى القاضي؛ لأن ثبوته بالشهادة عَلَى خطّ القاضي مآله توقفه عَلَى مجرد الشهادة عَلَى الخطّ فقط، وثبوته بالشهادة عَلَى خط البينة مآله توقف الشهادة عَلَى الخطّ مَعَ شهادة البينة عَلَى القاضي، ومَا توقف عَلَى أمر واحد فقط أقوى مما يتوقف عَلَيْهِ مَعَ غيره
(1) في (ن 3): (والأحكام).
(2)
في (ن 2): (وفي الحقوق).
(3)
في (ن 3): (يجب).
(4)
في (ن 2)، و (ن 3):(يتعين).
(5)
في (ن 1)، و (ن 3):(للمشهور).
(6)
في (ن 1)، و (ن 3):(يوجب).
(7)
في (ن 1)، و (ن 2):(بشهادتها).
لتطرق احتمال وهن ذلك الغير، لاحتمال فسق (1) البينة، أَو رقها فِي نفس الأمر قال: وإذا ثبت وجه العمل بذلك فإن ثبت خطّ القاضي ببينة عادلة عارفة بالخطوط وجب العمل بِهِ، وإِن لَمْ تقم بينة بذلك والقاضي المكتوب إليه يعرف خطّ القاضي الكاتب إليه فجائز عندي قبوله بمعرفة خطّه.
وقبول سحنون كتب أمنائه بلا بينة يدل عَلَى ذلك، وليس ذلك من باب قضاء القاضي بعلمه الذي لا يجوز لَهُ القضاء بِهِ؛ لأن ورود كتاب القاضي عَلَيْهِ بذلك الحقّ كقيام بينة [عنده بذلك فقبوله الكتاب بما عرف من خطه كقبوله بينة](2) بما عرف من عدالتهما (3)، ويحتمل أَن يقال: لابد من الشهادة عنده عَلَى خطه.
قال ابن عرفة: ونحوه قول ابن سهل: إِن أثنى بخير عَلَى شهيدي كتاب القاضي، وإِن لَمْ يكن تعديلاً بيّناً، أَو زكى أَحَدهمَا وتوسم (4) فيهما صلاح وخطه وختمه يعرفه المكتوب إليه استحسن إنفاذه لعمل صدر الأمة (5) بإجازة الخاتم.
ومنه خطاب ابن شماخ بكتابٍ أدرج فيه كتاب عيسى بن عتبة فقيه مكناسة، انظر تمامه فِي نوازل ابن سهل. قال ابن المناصف: ويجب عَلَى القاضي الذي ثبت عنده كتاب قاضٍ إليه فِي حقٍ يتأخر الحكم فيه - أَن يشهد عَلَى نفسه بثبوت ذلك الكتاب عنده الذي قبله بمعرفته خطه؛ لأنّه إِن لَمْ يفعل ذلك، واتفق أَن مات أَو عزل، وقد مات الذي كتبه لَهُ أَو عزل وخلف مكان المكتوب إليه قاضٍ آخر ألجأ صاحب الحقّ لإثبات ذلك الكتاب عنده بشهود عَلَى القاضي الذي كتبه فِي حين ولايته أنّه كتابه (6)، إذ لا يكتفى فِي ذلك بمعرفة الخطّ إِن كَانَ الذي كتبه مات أَو عزل؛ لما نبينه، وهو أَن ثبوت كتابه بمجرد الشهادة
(1) في (ن 1): (فسخ).
(2)
مَا بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(3)
في (ن 3): (عدالتها).
(4)
في (ن 1)، و (ن 3):(أَو توسم).
(5)
في (ن 1): (الأيمة).
(6)
في (ن 1): (كاتبه).
عَلَى خطه كمشافهته (1) بسماع نطقه بذلك وسماع ذلك منه، إنما يعتبر فِي ولايته وأما بعد عزله فلا.
لما فِي " المدونة " وَغيرها: أنّه إذا (2) مات القاضي أَو عزل وفِي ديوانه شهادة البينات وعدالتها لَمْ ينظر فيه من ولي بعده، ولَمْ يجزه إِلا أَن تقوم عَلَيْهِ بينة، وإِن قال المعزول: قد شهدت بِهِ البينة عندي لَمْ يقبل قوله (3) ولا يكون نزاع كثير؛ لأنهم حملوا مَا وقع لمالك وغيره فِي قبول كتب القضاة ماتوا أَو عزلوا عَلَى إطلاقه، وتوهموا ذلك فِي مثل مَا عهدوه، ووقع التساهل فيه من ترك إشهاد القضاة عَلَى كتبهم، والاجتزاء بمعرفة الخطّ.
ابن عرفة: ونزلت هذه المسألة عام خمسين وسبعمائة من هذا القرن الثامن، وقت نزول الطاعون الأعظم، أيام أمير المؤمنين أبي الحسن المريني، فِي خطاب ورد من مدينة فاس لتونس، فوصل خطاب قاضي فاس وقد تقرر علم موته بتونس، فطرح خطابه، فشكى من وصل بِهِ إِلَى أمير المؤمنين، فسأل إمامه ومفتيه شيخنا أبا عبد الله السطي - وكان حافظاً - فأفتى بإعمال خطابه، واحتج بنحو مَا ذكر ابن المناصف عن من نازعه، فوقفه أصحابنا عَلَى كلام ابن المناصف هذا، فرجع إليه، فظهر أنّه لَمْ يكن لَهُ بِهِ شعور.
فَنَفَّذَهُ الثَّانِي، وبَنَى كَأَنْ نُقِلَ لِخُطَّةٍ أُخْرَى وإِنْ حَدَّاً، إِنْ كَانَ أَهْلاً أَوْ قَاضِيَ مِصْرٍ، وإِلا فَلا كَأَنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ، وإِنْ مَيِّتاً، وإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ فَفِي إِعْدَائِهِ أَوْ لا حَتَّى يُثْبِتَ أَحَدِيَّتَهُ قَوْلانِ، والْقَرِيبُ كَالْحَاضِرِ، والْبَعِيدُ جِدَّاً كَإِفْرِيقِيَّةَ، يُقْضَى عَلَيْهِ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ، وسَمَّى الشُّهُودَ، وإِلا نُقِضَ.
قوله: (كَأَنْ نُقِلَ لِخُطَّةٍ أُخْرَى) ابن سهل: سألت ابن عات عن حاكمٍ من صاحب شرطة أَو غيره، يرتفع إِلَى [124 / ب] خطة القضاء، هل يستأنف النظر فيما وقع بين يديه من الأحكام ولم يكملها؟ أَو يصل نظره فيها، ويكمل عَلَى مَا مضى لَهُ؟ قال: يبني عَلَى مَا مضى.
(1) في (ن 1): (كمشافعته)، وفي (ن 3):(كمشابهته).
(2)
في (ن 1)، و (ن 2):(إن).
(3)
النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 3/ 576، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 12/ 145.
وَالْعَشَرَةُ أَوِ الْيَوْمَانِ مَعَ الْخَوْفِ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَهَا فِي غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ، وحَكَمَ بِمَا يَتَمَيَّزُ غَائِباً بِالصِّفَةِ كَدَيْنٍ وجَلَبَ الْخَصْمَ، بِخَاتَمٍ، أَوْ رَسُولٍ، إِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى، لا أَكْثَرَ كَسِتِّينَ مِيلاً، إِلا بِشَاهِدٍ، ولا يُزَوِّجُ امْرَأَةً لَيْسَتْ بِوِلايَتِهِ. وهَلْ يُدَّعَى حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وبِهِ عُمِلَ؟ أَوِ الْمُدَّعَى وأُقِيمَ مِنْهَا وفِي تَمْكِينِ الدَّعْوَى لِغَائِبٍ بِلا وَكَالَةٍ؟ تَرَدُّدٌ.
قوله: (وَالْعَشَرَةُ أَوِ الْيَوْمَانِ مَعَ الْخَوْفِ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَهَا)(مَعَ الخوف) قيد فِي (اليومين) لا فِي (الْعَشَرَةُ)، وضمير (مَعَهَا) لليمين. وبالله تعالى التوفيق.