الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب القذف]
قَذْفُ الْمُكَلَّفِ حُرَّاً مُسْلِماً، بِنَفْيِ نَسَبٍ، عَنْ أَبٍ، أَوْ جَدٍّ، لا أُمٍّ، ولا إِنْ نُبِذَ.
قوله: (وَلا إِنْ نُبِذَ) الذي فِي آخر سماع ابن القاسم: سئل مالك عَن منبوذ افتري عَلَيْهِ فقيل له: يا ابن الزانية؟ فقال: أرى أن يعذر بإذايته (1) إياه، ولا حدّ عَلَى من افترى عَلَيْهِ.
قال ابن رشد: إنما لَمْ ير الحدّ عَلَى من قال لمنبوذ: يابن الزانية من أجل أن أمّه لا تعرف، ولا حدّ عَلَى من قذف مجهولاً لا يعرف، وكذلك لَو قال له: يابن الزاني. لَمْ يحدّ إذ لا يعرف أبوه، وكذلك قال ابن حبيب فِي " الواضحة ": أنّه لا حدّ عَلَى من قذف منبوذاً بأمه أَو بأبيه، وهو معنى قوله فِي هذه الرواية: ولا حدّ عَلَى من افترى عَلَيْهِ.
وأما لَو قال له: يا ولد زنا؛ لوجب عَلَيْهِ الحد؛ لاحتمال أن يكون لرِشدة (2)، وإِن كَانَ قد نبذ، وأما اللقيط والمحمول (3) فيحدّ من قذفه بأبيه وأمه، قاله ابن حبيب فِي " الواضحة ". انتهى (4).
وانظر الفرق بين المنبوذ واللقيط فِي آخر العتق الثاني من " التنبيهات ". وقال ابن عبد السلام: فِي قول ابن الحاجب: أَو النفي عَن الأبّ أَو الحدّ لغير المحمول (5): اللام فِي لغير المحمول متعلقة بالنفي، وهو بالحاء المهملة والميم بعدها، وكأنّه زيادة بيان؛ لأن المحمولين لا تعلم صحة أنسابهم إِلَى آبائهم المعينين بدليل أنهم لا يتوارثون بذلك، فإذا لَمْ تعلم آباؤهم، فمن نفى أحداً (6) منهم عَن بنوة فلان مثلاً لَمْ يتحقق أنّه قطعه عَن نسبه فلم يقذفه، فلا يحتاج إِلَى هذه الزيادة. انتهى.
(1) في (ن 1): (بأذاه).
(2)
في (ن 1): (له شدة).
(3)
في (ن 3): (الحميل)، وفي البيان:(المجهول) وشرح المؤلف للمسألة يشي بخطئه.
(4)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 16/ 287.
(5)
الذي عند ابن الحاجب: (المجهول)، ولعل نسخة المؤلف، ونسخة المصنف في شرحه لمختصر ابن الحاجب، فيها:(المحمول) وهذا ما تفيده عبارة المؤلف في شرح المسألة.
(6)
في (ن 1)، و (ن 3):(واحد).
وانتحله ابن عرفة فقال: المحمول لا نسب له يعرف فلا يتصور نفيه انتهى (1)، ثُمَّ قال ابن عبد السلام: والذي قلناه هُوَ المذهب. عَلَى أنّه ينبغي أن يقال: يحدّ من نفى المحمول عَن الأب مُطْلَقاً كما (2) لَو قال لواحد منهم: ليس لك أب، بمعنى: أنّه ابن زنا؛ لأنا إنما منعناهم التوارث بالنسب لجهلنا بآبائهم، لا أنهم أبناء زناً، وقد علم أن [أبناء](3) توأمي المتحملة (4) شقيقان عَلَى المشهور، ويحتمل أن يجاب عَن هذا بأن إذاية المحمولين بالنفي عَن أنسابهم دون إذاية غير المحمولين بذلك، فامتنعت مساواتهم فِي الحكم. انتهى. فتأمله مَعَ كلام ابن رشد.
وعند ابن راشد القفصي (لغير المجهولين) بالجيم والهاء، وعابه ابن عبد السلام، وقال فِي " التوضيح ": احترز بِهِ من المجهول [كالمنبوذ](5)، وأشار للسماع المذكور، فقف عَلَيْهِ وتأمله.
أَوْ زِناً، إِنْ كُلِّفَ، وعَفَّ عَنْ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ بِآلَةٍ.
قوله: (أَوْ زِناً، إِنْ كُلِّفَ، وعَفَّ عَنْ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ بِآلَةٍ) أي: متلبساً بآلةٍ فهو فِي موضع الحال من ضمير (كلف)، فيكون نصّاً على الاحتراز من جبه قبل التكليف.
وَبَلَغَ كَإِنْ بَلَغْتِ الْوَطْءَ.
قوله: (وَبَلَغَ) كرره مَعَ (كلف)(6) توطئة، ولَو أسقطه ما أضره.
(1) قال الحطاب رحمه الله في نقل المؤلف هذا: (مَا نَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْمَحْمُولَيْنِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ ولَا فِي اللَّقِيطِ ولَا غَيْرِهِ فَانْظُرْهُ) انظر مواهب الجليل: 6/ 300، قلت: ولعل كلام ابن عرفة في المجهول لا المحمول، ويؤيده أن السياق هنا كله في المجهولين، سوى كلام ابن عبد السلام الضابط لكلمة المحمول، وقد ناقشه صاحب المختصر في التوضيح بأن التصحيف في المجهول بالمحمول غير ظاهر. (والمحمولون: جماعة يرسلهم السلطان لحراسة محل كذا، قيل والصحيح: أنهم المسبيون فمن قذف واحدا منهم بزنا أو نفي نسب حدّ) انظر: الشرح الكبير، للدردير: 4/ 326.
(2)
في الأصل: (أما).
(3)
ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 2).
(4)
في (ن 1)، و (ن 4):(المحتملة).
(5)
ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 1)، و (ن 2).
(6)
في (ن 1): (تكلف).
أَوْ مَحْمُولاً، وإِنْ مُلاعَنَةً وابْنَهَا، أَوْ عَرَّضَ غَيْرُ أَبٍ، إِنْ أَفْهَمَ يُوجِبُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وإِنْ كَرَّرَ لِوَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ إِلا بَعْدَهُ، ونِصْفَهُ عَلَى الْعَبْدِ. كَلَسْتُ بِزَانٍ، أَوْ زَنَتْ عَيْنُكَ أَوْ مُكْرَهَةً، أَوْ عَفِيفُ الْفَرْجِ، أَوْ لِعَرَبِيٍّ مَا أَنْتَ بِحُرٍّ، أَوْ يَا رُومِيُّ كَأَنْ نَسَبَهُ لِعَمِّهِ، بِخِلافِ جَدِّهِ.
قوله: (أَوْ مَحْمُولاً) كذا فِي النسخ، وفسّر [137 / ب] بأنّه معطوف عَلَى قوله:(إِن نبذ) أي: أَو كَانَ محمولاً، ولا يخفاك ما فيه، والذي عندي أنّه تصحيف، وأن صوابه أَو مفعولاً، كأنه (1) قال: كَإنَ بلغت الصبية الوطء، أَو سمى القاذف الصبي مفعولاً، فهو كقوله فِي " التوضيح ": الظاهر أنّه أنما يشترط البلوغ فِي اللواط إِذَا كَانَ فاعلاً، وأما إِذَا كَانَ مفعولاً فلا، وهذا أولى من الصبية بذلك، وقاله الشيخ أبو محمد صالح وغيره. انتهى. وهُوَ مما تلقاه من تقاييد أئمتنا الفاسيين.
أو كَأَنْ قَالَ، أَنَا نَغِلٌ، أَوْ وَلَدُ زِناً، أَوْ كَيَا قَحْبَةُ، أَوْ يَا قَرْنَانُ، أَوْ يَا ابْنَ مُنَزِّلَةِ الرُّكْبَانِ، أَوْ ذَاتِ الرَّايَةِ، أَوْ فَعَلْتُ بِهَا فِي عُكْنِهَا، لا إِنْ نَسَبَ جِنْساً لِغَيْرِهِ ولَوْ أَبْيَضَ لأَسْوَدَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْعَرَبِ، أَوْ قَالَ مَوْلىَ لِغَيْرِهِ أَنَا خَيْرٌ مِنْكَ، أَوْ مَا لَكَ أَصْلٌ ولا فَصْلٌ أَوْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ أَحَدُكُمْ زَانٍ، وحُدَّ فِي مَأْبُونٍ، إِنْ كَانَ لا يَتَأَنَّثُ، وفِي يَا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ، أَوِ الأَزْرَقِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي آبَائِهِ كَذَلِكَ، وفِي مُخَنَّثٍ، إِنْ لَمْ يَحْلِفْ، وأُدِّبَ فِي يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ، أَوِ الْفَاجِرَةِ، أَوْ يَا حِمَارُ يَا ابْنَ الْحِمَارِ، أَوْ أَنَا عَفِيفٌ، أَوْ إِنَّكِ عَفِيفَةٌ، أَوْ يَا فَاسِقُ، أَوْ يَا فَاجِرُ، وإِنْ قَالَتْ بِكَ جَوَاباً لِزَنَيْتِ حُدَّتْ لِلزِّنَا والْقَذْفِ، ولَهُ، حَدُّ أَبِيهِ وفُسِّقَ، والْقِيَامُ بِهِ وإِنْ عَلِمَهُ مِنْ نَفْسِهِ كَوَارِثِهِ، وإِنْ قُذِفَ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ وَلَدٍ ووَلَدِهِ، وأَبٍ، وأَبِيهِ، ولِكُلٍّ الْقِيَامُ بِهِ. وإِنْ حَصَلَ مَنْ هُو الأَقْرَبُ والْعَفْوُ قَبْلَ الإِمَامِ، [81 / أ]، أَوْ بَعْدَهُ إِنْ أَرَادَ سِتْراً، وإِنْ قُذِفَ فِي الْحَدِّ ابْتُدِئَ لَهُمَا، إِلا أَنْ يَبْقَى يَسِيرٌ، فَيُكَمَّلُ الأَوَّلُ.
قوله: (أو كَأَنْ قَالَ، أَنَا نَغِلٌ، أَوْ وَلَدُ زِناً) ذكر القاضي أبو عبد الله بن هارون المالكي البصري: أن من قال لرجلٍ: يا نغل. فأنّه يحدّ؛ لأنّه قذف، قال ولو قال الرجل لنفسه: أنا نغل فأنّه يحدّ؛ لأنّه قذف أمه، وكذلك لَو نسب نفسه إِلَى بطنٍ أَو نسب أَو عشيرة غير بطنه
(1) في (ن 2): (لأنه).
ونسبه وعشيرته فأنّه يحدّ؛ لأنّه قذف أمه، [هذا نصّ " الجواهر " (1) وعنها نقل ابن عرفة](2)، وزاد: ينبغي ضبط الغين بالكسر عَلَى وزن حذر. انتهى.
وفي " المحكم ": يقال: رجل نِغل ونغل أي: فاسد النسب. قال ابن عبد السلام فِي تعليل وجوب الحدّ: بأنّه قاذف لأمه طرد هذا أن من قال لرجلٍ: يا ولد زنا، ثُمَّ عفى المقول له عنه أن للأم القيام بحقّها فِي الحدّ. قال ابن عرفة هذا اللازم حقّ وهُوَ مقتضى قوله فِي " المدونة ": ومن قال لعبده وأبواه حرّان مسلمان لست لأبيك. ضرب سيّده الحد (3).
(1) في (ن 1): (الجوهري)
وانظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 1154.
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(3)
نص المدونة، لابن القاسم:(رأيت إن قال لعبده لست لأبيك وأبواه حران مسلمان؟ قال: يضرب الحد): 16/ 226، وانظر تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 490.