الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب الإقرار]
يُؤَاخَذُ الْمُكَلَّفُ، بِلا حَجْرٍ بِإِقْرَارِهِ لأُهْلٍ لَمْ يُكَذِّبْهُ، ولَمْ يُتَّهَمْ، كَالْعَبْدِ فِي غَيْرِ الْمَالِ، وأَخْرَسَ (1).
قوله: (بِلا حَجْرٍ) أحاله عَلَى ما تقدّم فِي باب الحجر، ومن جملة ذلك قوله:(وحجر عَلَى الرقيق إِلا بإذن) فيفهم منه أن إقرار المأذون له فِي التجارة والمكاتب لازم، وقد قَالَ فِي " النوادر " عن ابن سحنون قَالَ مالك وأصحابه: إقرار المأذون له من عبد أو مدبر أو أم ولد بدين أو وديعة أو عارية أو غصب لازم. ابن مُيَسِّر: وكذا بقراض لَمْ يستنكر (2). وفِي " الموازية " وكتاب ابن سحنون: إقرار المكاتب جائز ببيعٍ أو دين أو وديعة أو عارية أو بدار فِي يده بكراء المسلم أو كافر حر أو عبد، ولَو أحاط ما أقرّ بِهِ من دين بما فِي يده.
وقَالَ ابن عبد الحكم: مثله فِي إقراره بالدين والبيع قَالَ: وإقراره بوديعة لا يحكم بِهِ عَلَيْهِ فيها إِلا أن يعتق وهي فِي يده، فإن تلفت قبل عتقه فلا شيء عَلَيْهِ فيها، ولا يلزمه إقراره بالعارية إِلا أن يعتق فتؤخذ منه، وإِن عجز أخذها سيده، وإقراره بغصبٍ أو جناية فِي غير بدنه لغو، وقاله محمد فِي الغصب والجناية، ونحوه فِي كتاب ابن سحنون.
ومَرِيضٍ، إِنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ لِلأَبْعَدِ أَوْ لِمُلاطِفِهِ، أَوْ لِمَنْ لَمْ يَرِثْهُ، أَوْ لِمَجْهُولٍ حَالُهُ كَزَوْجٍ عُلِمَ بُغْضُهُ لَهَا أَوْ جُهِلَ، له (3) ابْنٌ أَوْ بَنُونَ، إِلا أَنْ تَنْفَرِدَ بِالصَّغِيرِ، ومَعَ الإِنَاثِ والْعَصَبَةِ، قَوْلانِ كَإِقْرَارِهِ لِلْوَلَدِ الْعَاقِّ.
قوله: (وَمَرِيضٍ، إِنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ لِلأَبْعَدِ أَوْ لِمُلاطِفِهِ، أَوْ لِمَنْ لَمْ يَرِثْهُ، أَوْ لِمَجْهُولٍ حَالُهُ) الشرط كما قيل: راجع لما بعد الأبعد، واحترز بالأبعد من الأقرب والمساوي والمتوسط بينهما، وقد صرّح بأحكامهم فيما بعد، وقصده اختصار تحصيل ابن رشد فِي ثاني مسألة من
(1) في بعض نسخ مطبوعة المختصر: (وأخرص) بالصاد المهملة. انظر: مختصر خليل، ط المكتبة العصرية، ص:167.
(2)
انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 9/ 331.
(3)
في أصل المختصر والمطبوعة: (وَوَرِثَهُ).
رسم ليرفعن من سماع ابن القاسم من كتاب " المديان والتفليس "(1)، وفِي كثيرٍ من النسخ: إِن لَمْ يرثه بالنفي، وليس بشيء.
أَوْ لأُمِّهِ، أَوْ لأَنَّ مَنْ لَمْ يُقَرَّ لَهُ أَبْعَدُ وأَقْرَبُ، لا الْمُسَاوِي والأَقْرَبِ.
قوله: (أَوْ لأُمِّهِ) مقتضاه إجراء القولين فِي إقرار الزوج لزوجته إِذَا كَانَ لها منه ولد عاقّ له، فهو فِي معرض الاستثناء من قوله:(أو جهل وله ابن أو بنون) إِلا أن كون الزوجة المقرّ لها أم العاقّ ليس بشرط، بل لا فرق بين أن يكون منها أو من غيرها. قَالَ فِي
" المقدمات ": فإن كَانَ الولد الكبير فِي الموضع الذي ترتفع التهمة فيه عن الأبّ فِي إقراره لزوجه عاقاً له لَمْ ترتفع عنه التهمة، وبطل الإقرار عَلَى ما فِي سماع أصبغ من " العتبية "، وإحدى الروايتين فِي " المدونة " وإِن كَانَ بعضهم عاقاً له، وبعضهم باراً له تخرج ذلك عَلَى الاختلاف فِي إقراره لبعض العصبة إِذَا ترك ابنة وعصبة. انتهى (2). ومثله فِي آخر مسألة من أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب " المديان والتفليس "(3)، وما نسبه للمدونة وهو فِي كتاب " المديان " منها (4).
(1) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 369، 370، ونص المسألة:(وسئل مالك عن المرأة تقر عند الموت بصداق كان على زوجها أنها قبضته منه أتصدق في ذلك؟ قال: هذه وجوه تختلف، أما كل امرأة يكون لها أولاد قد كبروا وقد يكون بينها وبينه غير الحسن فهذه لا تتهم. أن تكون ولجت ذلك إليه، وأرى أن تصدق في ذلك، وأما المرأة التي لا ولد لها ومثلها يتهم فلا أرى ذلك بجائز، ومثل ذلك الرجل يقر بالدين للرجل، فلو أقر لولد أو لأخ أو لأب أو لمن يتهم أن يصنع ذلك له لانقطاعه إليه من الرجال أو غيرهم لم أر أن يجوز ذلك إليه، ولو كان لمن لا يتهم عليه مثل التجار الذين يعرفوا أنهم لم يكن بينهم من الأمور الذين لا يتهمونه على شيء رأيت ذلك جائزاً، قال سحنون: وقد يتهم أيضاً في صديق ملاطف إذا كان ورثته عصبة).
(2)
انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 2/ 36.
(3)
انظر البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 357.
(4)
قال فيها: (ويجوز إقرار المريض بقبض الدين، إلا من وارث أو ممن يتهم بالتأليج إليه، وكذلك لا يجوز إقرار الزوجة بقبض المهر المؤجل من زوجها في مرضها، ولا يجوز إقرار المريض لبعض ورثته بدين، وأما إن أقرّ لزوجته في مرضه بدين أو مهر، فإن لم يعرف منه إليها انقطاع وناحية محاباة وله ولد من غيرها، فذلك جائز، وإن عرف بانقطاع إليها ومودة، وقد كان بينه وبين ولده من غيرها تفاقم - ولعل لها منه ولداً صغيراً - فلا يجوز إقراره) انظر: تهذيب المدونة، البراذعي: 3/ 625.
كَأَخِّرْنِي لِسَنَةٍ، وأَنَا أُقِرُّ، ورَجَعَ لِخُصُومَتِهِ.
[قوله: (كَأَخِّرْنِي لِسَنَةٍ، وأَنَا أُقِرُّ، ورَجَعَ لِخُصُومَتِهِ) التشبيه راجع للمنفي فِي قوله: (لا المساوي والأقرب) وعلى نفي اللزوم يتفرع قوله: (ورجع لخصومته)](1) والذي فِي " الاستغناء ": فيمن قَالَ لرجلٍ: اقضني المائة التي قبلك فقال: إِن أخرتني بها سنة أقررت لك بها، أو إِن صالحتني عنها صالحتك لَمْ يلزمه ويحلف.
ولَزِمَ لِحَمْلٍ (2)، إِنْ وُطِئَتْ، [لِأَقَلَ مِنْ أَقَلِّهِ](3)، وإِلا فَلأَكْثَرِهِ، وسُوِّيَ بَيْنَ تَوْأَمَيْهِ، إِلا لِبَيَانِ الْفَضْلِ بِعَلَيَّ، أَوْ فِي ذِمَّتِي أَوْ عِنْدِي، أَوْ أَخَذْتُ مِنْكَ، ولَو زَادَ إِنْ شَاءَ اللهُ، أَوْ قَضَى، أَوْ وَهَبْتَهُ لِي، أَوْ بِعْتَهُ، أَوْ وَفَّيْتَهُ.
قوله: (وَلَزِمَ لِحَمْلٍ، إِنْ وُطِئَتْ، لِأَقَلَ مِنْ أَقَلِّهِ) كذا فِي بعض النسخ وهو الصواب.
أَوْ [أَلَيْسَ](4) أَقْرَضْتَنِي، أَوْ مَا أَقْرَضْتَنِي أَوْ أَلَمْ تُقْرِضْنِي.
قوله: (أو أليس أقرضتني) كذا فِي بعض النسخ وهو الموافق لما فِي الرواية عن كتاب ابن سحنون.
أَوْ سَاهِلْنِي.
قوله: (أَوْ سَاهِلْنِي) الذي فِي " النوادر " عن ابن سحنون وابن عبد الحكم فيمن قَالَ لرجلٍ: أعطني كذا [فقال](5) نفسني بِهِ أو أجلني بِهِ شهراً. أنّه إقرار. قَالَ ابن عَرَفَة: ولفظ ابن شاس عنه: ساهلني فيها (6)، دون: نفسني بها. لَمْ أجده فِي " النوادر " ولا فِي نقل المازري. انتهى. وتقدّم أخّرني لسنة وأنا أقرّ، ولم يذكره ابن عَرَفَة هنا.
أَوِ اتَّزِنْهَا مِنِّي.
قوله: (أَوِ اتَّزِنْهَا مِنِّي) الجوهري: يقال وزن المعطي واتزن الآخذ، وهو افتعل قلبوا
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(2)
في أصل المختصر: (للحمل).
(3)
في أصل المختصر، والمطبوعة:(ووُضِعَ لأَقَلِّهِ).
(4)
ساقط من المطبوعة، وفي الأصل:(ليس).
(5)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(6)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 2/ 837
الواو تاءً وأدغموا (1). انتهى. ولفظ (مِنِّي) هنا مقصود فلو قَالَ اتزنها ولم يقل مني لكانت مسألة القولين كما قَالَ بعد: (وَفِي حَتَّى يَأْتِيَ وَكِيلِي وشِبْهِهِ، أَوِ اتَّزِنْ، أَوْ خُذْ قَوْلانِ) واختصرها ابن عَرَفَة. قَالَ المازري: ولَو قَالَ له اجلس فزن أو فاتزنها أو انتقد أو انتقدها ففي كونه إقراراً نقل أبي محمد عن ابن سحنون وابن عبد الحكم قَالَ ابن عبد الحكم: اتزنها مني إقرار، وبإسقاط لفظ مني: لغو.
أَوْ لأَقْضِيَنَّكَ (2) الْيَوْمَ.
قوله: (أَوْ لأَقْضِيَنَّكَ الْيَوْمَ) فِي بعض النسخ: بلا النافية والفعل الماضي، وفِي بعضها باللام، والمضارع المؤكد، وفِي " النوادر " عن ابن سحنون وابن عبد الحكم ما يدل عَلَى صحتهما قَالَ: من قَالَ لرجلٍ أعطني كذا فقال: نعم أو سأعطيكه (3) أو أبعث لك بِهِ أو ليس عندي اليوم أو ابعث من يأخذه مني فهو إقرار. انتهى باختصار. ابن عَرَفَة: ويقوّي الأول اقتصاره عَلَيْهِ فِي " توضيحه " ناقلاً عن ابن عبد الحكم لَو قَالَ: والله لا أقضيكها اليوم أو لا أعطيكها أو لا أزنها لك أو لا تأخذها اليوم مني فإقرار.
أَوْ نَعَمْ، أَوْ بَلَى، أَوْ أَجَلْ جَوَاباً لأَلَيْسَ لِي عِنْدَكَ؟.
قوله: (أَوْ نَعَمْ، أَوْ بَلَى، أَوْ أَجَلْ جَوَاباً لأَلَيْسَ لِي عِنْدَكَ؟) الظاهر أن التقييد بالجواب راجع لهذه الحروف دون ما [95 / ب] قبلها، فهو كقول ابن الحَاجِب: ولو قَالَ أليس لي عندك ألف؟ فقال: بلى أو نعم لزمه (4).
أَوْ لَيْسَ لِي مَيْسَرَةٌ لا أُقِرُّ، أَوْ عَلَيَّ، أَوْ عَلَى فُلانٍ، أَوْ مِنْ أَيِّ ضَرْبٍ تَأْخُذُهَا مَا أَبْعَدَكَ مِنْهَا، وفِي حَتَّى يَأْتِيَ وَكِيلِي وشِبْهِهِ، أَوِ اتَّزِنْ، أَوْ خُذْ قَوْلانِ كَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ فِيمَا أَعْلَمُ، أَوْ أَظُنُّ، أَوْ عِلْمِي، ولَزِمَ إِنْ نُكِرَ فِي أَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ عَبْدٍ، ولَمْ أَقْبِضْهُ كَدَعْوَاهُ الرِّبَا، وأَقَامَ بَيِّنَةً أنّه رَابَاهُ فِي أَلْفٍ، لا إِنْ أَقَامَهَا عَلَى إِقْرَارِ الْمُدَّعِي أنّه لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا إِلا الرِّبَا، أَوِ اشْتَرَيْتُ خَمْراً بِأَلْفٍ، أَوِ اشْتَرَيْتُ عَبْداً بِأَلْفٍ ولَمْ أَقْبِضْهُ.
(1) في (ن 1): (وأدغم).
(2)
في الأصل والمطبوعة: (أو لا قضيتك).
(3)
في (ن 2): (سأعطيك).
(4)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:401.
قوله: (لا أُقِرُّ) لا النافية من كلام المصنف، ومراده: أن من قَالَ أقرّ بصيغة المضارع المثبت لَمْ يلزمه إقرار، ولَمْ أجد هذا الفرع هكذا لأهل المذهب، وإنما رأيت فِي " وجيز " الغزالي: لَو قَالَ أنا أقر بِهِ. فقيل: إنّه إقرار، وقيل: أنّه وعد بالإقرار (1)، والذي فِي " مفيد الحكام " لابن هشام: أن من قَالَ: أقرّ لك بكذا عَلَى أنّي بالخيار ثلاثاً فِي التمادي والرجوع عن هذا الإقرار لزمه [الإقرار](2) دماً كَانَ أو طلاقاً.
أَوْ أَقْرَرْتُ بِكَذَا وأَنَا صَبِيٌّ.
قوله: (أَوْ أَقْرَرْتُ بِكَذَا وأَنَا صَبِيٌّ) هذا خلاف ما فِي نوازل سحنون من الغصب، فيمن قَالَ لرجلٍ: كنت أقررت لك بألف دينار (3) وأنا صبي [أنّ ذلك يلزمه كما لَو قَالَ: كنت غصبتكها وأنا صبي؛ لكن قَالَ ابن رشد: قوله: (غصبتك ألف دينار وأنا صبي](4) لا خلاف فِي لزومه؛ لأن الصبي يلزمه ما أفسد وكسر، وقوله: كنت أقررت لك بألف دينار وأنا صبي. يتخرّج عَلَى قولين أَحَدهمَا: أنّه لا يلزمه ذلك إِذَا كَانَ كلاما نسقاً متتابعاً وهو الأَصَحّ، وعَلَيْهِ يأتي قول ابن القاسم فِي " المدونة ": إِذَا قَالَ لزوجته قد طلقتك وأنا صبي أنّه لا يلزمه شيء، وكذا إِذَا قَالَ: طلّقتك وأنا مجنون؛ إِذَا كَانَ يعرف بالجنون (5).
وإِذَا أقرّ بالخاتم لرجل، وقَالَ الفصّ ليّ، أو بالبقعة وقَالَ: البنيان ليّ، وكان الكلام نسقاً، والثاني أنّه يلزمه وإن كَانَ الكلام نسقاً متتابعاً؛ لأنه يتهم أن يكون استدرك ذلك ووصله بكلامه ليخرج عما أقرّ بِهِ، وعلى ذلك قول ابن القاسم فِي سماع أصبغ فِي تفرقته بين أن يقول: لفلان عليّ ألف دينار، وعَلَى فلان وفلان، وبين أن يقول: لفلان عليّ وعلى فلان وفلان ألف دينار قَالَ: لأن الأول أقرّ عَلَى نفسه بألف دينار فلا يقبل قوله بعد ذلك، وعلى فلان وفلان وإن كَانَ نسقاً.
(1) انظر: شرح الوجيز، للرافعي: 11/ 112.
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
(3)
في ن 1: (ديناراً).
(4)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(5)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 6/ 14.
وعلى قول ابن القاسم فِي هذه المسألة يأتي قول سحنون فِي هذه الرواية، وهو قول ضعيف وما فِي " المدونة " أصحّ وأولى بالصواب، فالمسألتان مفترقتان، وإنما قوله: كنت أقررت لك بألف دينار وأنا صبي مثل قوله: [كنت](1) استسلفتها منك وأنا صبي؛ لأن الوجهين جميعاً يستويان فِي أنهما لا يلزمانه فِي حال الصبا (2) ". انتهى.
فاعتمد المصنف تصحيح ابن رشد و " إِن كَانَ [خلاف الرواية](3)؛ فلذا عطفه عَلَى ما ينتفي فيه اللزوم.
كَأَنَا مُبَرْسَمٌ إِنْ عُلِمَ تَقَدُّمُهُ أَوْ أَقَرَّ اعْتِذَاراً.
قوله: (كَأَنَا مُبَرْسَمٌ إِنْ عُلِمَ تَقَدُّمُهُ) تقدم فوقه كلام ابن رشد، وفي " المفيد " إِذَا قَالَ: أقررت لك بألف درهم ديناً وأنا ذاهب العقل من برسام (4) نظر: فإن كَانَ يعلم أن ذلك أصابه صدّق، وإن لَمْ يعلم منه فلا يصدّق (5).
أَوْ بِقَرْضٍ شُكْراً أَوْ ذَمَّاً عَلَى الأَرْجَحِ (6).
قوله: (أَوْ بِقَرْضٍ شُكْراً أَوْ ذَمَّاً عَلَى الأَرْجَحِ) هكذا فِي بعض النسخ وهو الصواب إِن شاء الله تعالى قال فِي كتاب " الشهادات ": ومن أقرّ أنّه كَانَ تسلّف من فلان الميّت مالاً، وقضاه إياه، فإن كَانَ ما يذكر من ذلك حديثاً لَمْ يطل زمانه لَمْ ينفعه قوله: قضيت، وغرم لورثته إِلا أن يقيم بينة قاطعة عَلَى القضاء، وإن طال زمان ذلك حلف المقرّ، وبريء إِلا أن
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
(2)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 11/ 276، 277، ونص المسألة:(سئل سحنون عن الرجل يقول للرجل: كنتُ غصبتك ألف دينار إذ كنتُ صبياً، قال: تلزمه. قيل له: فإن قال: كنت أقررت لك بألف دينار إذ كنت صبيا فقال يلزمه أيضاً وهو عندي مثل الأول).
(3)
في (ن 1)، (ن 3):(خلافاً لروايه).
(4)
في الأصل: (برصام)،
والبرسام بالكسر: علة يهذى فيها، انظر: تاج العروس، للزبيدي: 31/ 275.
(5)
مثله عند المواق، إلا أنه نسب كلام المفيد للمدونة، ولم أقف عليه في المدونة، وفي نقل صاحب منح الجليل عنه نسبته للمفيد انظر: التاج والإكليل: 5/ 226، وانظر: منح الجليل: 6/ 442.
(6)
في المطبوعة: (أو بقرض شكراً على الأصحّ).
يكون ذلك عَلَى معنى الشكر يقول: جزى الله فلاناً خيراً؛ أسلفني وقضيته، فلا يلزمه فِي هذا شيء مما أقرّ بِهِ، قرب الزمان أو بعد (1).
قال ابن يونس: يريد وكذلك إِذَا كَانَ على (2) معنى الذم، [وقيل إِذَا كَانَ عَلَى معنى الذم] (3) مثل أن يقول: أساء معاملتي، وضيّق عليّ حتى قضيته، فإنه يغرم، ولا وجه للفرق بين المدح والذم، والصواب أنهما سواء ". انتهى، وعَلَيْهِ فالأَرْجَح راجع للذم فقط، ولو قَالَ كالذم عَلَى الأَرْجَح لجرى عَلَى قاعدته الأكثرية، ونسب ابن محرز واللخمي التفريق بين الشكر والذم لسحنون.
وقُبِلَ أَجَلُ مِثْلِهِ فِي بَيْعٍ، لا قَرْضٍ (4).
قوله: (وقُبِلَ أَجَلُ مِثْلِهِ فِي بَيْعٍ، لا قَرْضٍ) أصل هذا قول ابن الحَاجِب، وألف مؤجلة يقبل فِي تأجيل مثلها عَلَى الأَصَحّ بِخِلاف مؤجلة من قرض (5). قَالَ ابن عَرَفَة: فقبل ابن هارون وابن عبد السلام نقله أن حكم القرض الحلول دون ذكر خلاف فيه، ولا أعرف هذا لغير ابن الحَاجِب، وظاهر لفظ " الواضحة " و " الزاهي ": ألا فرق بين القرض وغيره، بل قبول قوله فِي القرض أقرب وأحرى من قبوله فِي المعاوضة؛ لأن غالب المعاوضة النقد وغالب القرض التأجيل.
وتَفْسِيرُ أَلْفٍ فِي كَأَلْفٍ، ودِرْهَمٍ، وخَاتَمٍ فَصَّهُ لِي نَسَقاً، إِلا فِي غَصْبٍ، فَقَوْلانِ، لا بِجِذْعٍ، وبَابٍ فِي لَهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، أَوِ الأَرْضِ كَفِي عَلَى الأَحْسَنِ، ومَالٌ نِصَابٌ والأَحْسَنُ تَفْسِيرُهُ كَشَيْءٍ، وكَذَا.
قوله: (وَتَفْسِيرُ أَلْفٍ فِي كَأَلْفٍ، ودِرْهَمٍ) قطع هنا بقول ابن القصار فِي قبول (6) تفسير المقرّ وإن خالف جنس المعطوف مُطْلَقاً، وهو نقل صحيح بِخِلاف مقابله، فقد قَالَ فيه
(1) انظر: المدونة، لابن القاسم: 13/ 173.
(2)
في (ن 1): (علو).
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، (ن 3)
(4)
استدرك بهامش أصل المختصر قوله: (وفي القرض التأجيل) وهي ساقطة من المطبوعة ومن شروح المختصر.
(5)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:402.
(6)
في (ن 2): (قول).
ابن عَرَفَة: نقل ابن الحَاجِب لزوم كونه من جنس المعطوف مُطْلَقاً، وقبول ابن عبد السلام وابن هارون له لا أعرفه، إِلا للمازري عن أبي ثور (1) ومحمد بن الحسن، وقَالَ سحنون: إِن كَانَ المعطوف غير موزون ولا مكيل ولا معدود كألف وعبد أو ثوب قبل تفسير المقر، وإن كَانَ أحد هذه كألف ودينار أو قفيز أو رطل وجب نوع المعطوف.
وسُجِنَ لَهُ وَكَعَشَرَةٍ ونَيِّفَ.
قوله: (وسُجِنَ لَهُ) أي: للتفسير فِي شيء، وكذا واللام إما للغاية أو للتعليل.
وسَقَطَ فِي مِائَةٍ وشَيْءٍ.
قوله: (وسَقَطَ فِي مِائَةٍ وشَيْءٍ) يشير بِهِ لما جاء عن ابن [96 / أ] الماجشون، أنّ من أقرّ بمائة دينار وشيء، ثم مات ولَمْ يسأل، فالشيء ساقط؛ لأنه مجهول ويلزمه ما سمى، وكذا لَو شهدت بينة بذلك سقط الشيء وثبت العدد ويحلف المطلوب، وقَالَ ابن الحَاجِب بعد أن ذكر من أقرّ بشيءٍ مفرد: أو قَالَ فِي مائة وشيء، لا يلزمه إِلا مائة (2)، فقال ابن عبد السلام: هذا إشارة إِلَى تخريج الخلاف فِي كلّ واحدة من المسألتين فِي الأخرى، لكنه لَمْ يجزم بِهِ؛ لأن الناس كثيراً ما يريدون بقولهم: لك عليّ عشرة وشيء. أنها عشرة كاملة.
قال ابن عَرَفَة: هذا التعليل لسقوط شيء معطوف خلاف تعليل ابن الماجشون بأنه مجهول، والفرق عنده بينه مفرداً ومعطوفاً: أن لغوه مفرداً يؤدي إِلَى إهمال اللفظ المقرّ بِهِ، وإذا كَانَ معطوفاً سلم من الإهمال لإعماله فِي المعطوف عَلَيْهِ ". انتهى، وقال ابن راشد القفصي: قوله: ثم مات ولم يسأل. يقتضي أنّه لَو عاش سئل، ومقتضى ما نقله ابن شاس أنّه لا يسأل (3) وقبله فِي التوضيح، فكأنه هنا اعتمد فِي إطلاقه نقل ابن شاس وابن الحَاجِب.
(1) في (ن 3): (ثوب).
(2)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:401.
(3)
قول ابن شاس الذي يعنيه المؤلف: (وكذلك لو قال: له علي مائة وشيء، اقتصر على المائة، لأن الشيء الزائد لا يمكن رده إلى تقدير كرد الشيء المستثنى فبطل، إذ هو شك لا مخرج له) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 1/ 838.
وفِي كَذَا، دِرْهَماً عِشْرُونَ وكَذَا، وكَذَا أَحَدٌ وعِشْرُونَ وكَذَا، وكَذَا أَحَدَ عَشَرَ وبِضْعٌ أَوْ دَرَاهِمَ ثَلاثَةٌ وكَثِيرَةٌ، أَوْ لا كَثِيرَةٌ ولا قَلِيلَةٌ أَرْبَعَةٌ.
قوله: (وفِي كَذَا دِرْهَماً عِشْرُونَ، وكَذَا وكَذَا أَحَدٌ وعِشْرُونَ، وكَذَا وكَذَا أَحَدَ عَشَرَ) يعني والتمييز مفرد منصوب فِي الجميع قَالَ ابن عبد السلام: وعلى هذا فلو قَالَ: كذا درهم يعني بالإفراد والخفض لزمه مائة درهم؛ لأن ذلك أول عدد يضاف إِلَى المفرد، ولَو قَالَ كذا دراهم يعني بالجمع والإضافة لزمه ثلاثة؛ لأنها أوّل عدد يضاف إِلَى الجمع. هكذا كلام غير واحد من النحويين، ومثله عن ابن عبد الحكم.
وقول سحنون: ما أعرف هذا هو الجاري عَلَى عرف الاستعمال لا مقتضى اللغة، وهو الحقّ، فإن وافق العرف اللغة فذاك، وإِن خالفها، وفسّر المقرّ كلامه بما لا يخالف العرف قبل منه عَلَى ما تقدّم وإِلا لَمْ يقبل ". انتهى. وذكر المازري نحو ما تقدم فِي إعراب التمييز ثم قَالَ: هذا حكم ذكر الدرهم بالنصب والخفض، ولَو قاله بالرفع فلا نصّ [فيه](1)، ويمكن حمله عَلَى درهم واحد عَلَى أنّه خبر مبتدأ، أي هو درهم وقبله ابن عَرَفَة، ثم هذا عَلَى تسليم أن ما قاله ابن عبد الحكم مساعد للغة.
والذي للمرادي أن مذهب البصريين أن تمييز (كذا) لا يكون إِلا مفرداً منصوباً مُطْلَقاً، وذهب الكوفيون إِلَى أنها تعامل معاملة ما يكنى بها عنه ووافقهم عَلَى ذلك ابن الدهان والمبرِّد وابن معطي، ونقله صاحب البسيط عن الأخفش قَالَ فِي " شرح التسهيل ": ومستند (2) هذا التفصيل الرأي لا الرواية، وذهب ابن عصفور إِلَى مذهب ثالث وهو: موافقتهم فِي المركب والعقد والمعطوف، ومخالفتهم فِي المضاف، وهو من الثلاثة إِلَى العشرة فيفسر بجمع معرف بالألف واللام مجرور بمن، وزعم أنّه مذهب البصريين بناءً عَلَى ما نقله ابن السيّد من أنّ البصريين والكوفيين اتفقوا عَلَى أن كذا وكذا كناية عن الأعداد المعطوفة، وأن كذا وكذا كناية عن الأعداد المركبة، وليس كما نقل.
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
(2)
في (ن 1): (مسند).
فإن قلت: لَمْ صرّح المصنف بذكر التمييز مَعَ كذا (1) المفرده وحذفه مَعَ المكرره عطفاً أو تركيبًا؟
قلت: يحتمل أن يكون حذفه (2) بعد المكررة اكتفاءً بما قدم فِي المفردة كما أشرنا إليه أولاً، وبِهِ فسّر ابن عبد السلام كلام ابن الحَاجِب (3)، ويحتمل أن يقال (4):حذفت تمييز المكررة لدلالتها عَلَى المكنى عنه بالعطف والتركيب دون تمييز كما تضمنه كلام ابن السيّد [المتقدم](5)، وأثبت تمييز المفردة إذ لا دلالة لها عَلَى مكنى إِلا بذكر التمييز؛ ولذلك جعلها إِذَا تجرّدت عن التمييز بمثابة شيء الذي هو أنكر النكرات إذ قَالَ [قبل:(كشيء] (6) وكذا).
على أن ابن عبد السلام قد قَالَ: ظاهر قول الفقهاء أنها أخصّ من لفظ شيء؛ [لأن لفظ شيء](7) يصحّ تفسيره بالجزء كنصف درهم وربع ثوب، ولفظ كذا لا يقبل التفسير إِلا بواحد كامل من ذلك فقبله فِي " التوضيح ".
وقَالَ ابن عَرَفَة: في (8) منع تفسير كذا بالنصف وغيره من الأجزاء نظر، وإنما يمتنع ذلك إِذَا ذكر مضافاً، والفرض كونه مفرداً (9)، وفِي " الصحاح " كذا كناية [عن الشيء وتكون كناية](10) عن العدد.
(1) في (ن 1)، (ن 4):(ذكر).
(2)
في الأصل: (حذف).
(3)
قال ابن الحاجب: (فأما كذا درهماً: فعشرون، وكذا كذا درهماً: أحد عشر، وكذا وكذا: أحد وعشرون) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص 401.
(4)
في (ن 3): (يكون).
(5)
ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل.
(6)
في (ن 3): (الشيء).
(7)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(8)
في (ن 1): (و).
(9)
في (ن 1): (مفرضاً).
(10)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
ودِرْهَمٌ، الْمُتَعَارَفُ، وإِلا فَالشَّرْعِيُّ، وقُبِلَ غِشُّهُ [62 / ب] ونَقْصُهُ إِنْ وَصَلَ، ودِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ، أَوْ تَحْتَهُ، أَوْ فَوْقَهُ، أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ فَدِرْهَمٌ، أَوْ ثُمَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمَانِ، وسَقَطَ فِي، لا بَلْ دِينَارَانِ، ودِرْهَمٌ دِرْهَمٌ، أَوْ بِدِرْهَمٍ دِرْهَمٌ، وحَلَفَ مَا أَرَادَهُمَا.
قوله: (ودِرْهَمٌ، الْمُتَعَارَفُ، وإِلا فَالشَّرْعِيُّ) كذا لابن الحَاجِب (1) قَالَ ابن عَرَفَة: هو قول ابن شاس تابعاً لنصّ الغزالي فِي " الوجيز "(2)، ولا أعرفه لأهل المذهب، ومقتضى قول ابن عبد الحكم غيره أن الواجب ما فسّره به المقر مَعَ يمينه.
كَإِشْهَادٍ فِي ذُكْرٍ بِمِائَةٍ وفِي آخَرَ بِمِائَةٍ، وبِمِائَةٍ.
قوله: (كَإِشْهَادٍ فِي ذُكْرٍ بِمِائَةٍ وفِي آخَرَ بِمِائَةٍ) اتبع فِي فرض [الإشهاد](3) فِي وثيقتين قول ابن الحَاجِب: ولَو أشهد فِي ذكرٍ بمائة وفي (4) آخر بمائة فآخر قوليه مائة (5). قَالَ ابن عَرَفَة: قد قبله ابن عبد السلام، وصوّره بأنه أشهد فِي وثيقة بمائة لرجلٍ، ولم يذكر سببها ثم أشهد له فِي وثيقة أخرى بمائة من غير ذكر سبب، وكذلك ابن هارون، وتبعوا فِي ذلك لفظ ابن شاس (6) وهو وهم وغفلة؛ لأن المنصوص فِي عين المسألة خلاف ذلك.
ففي " النوادر " عن كتاب ابن سحنون: من أشهد لرجلٍ فِي موطنٍ بمائة، ثم أشهد له فِي موطن آخر بمائة، فقال الطالب: هي مائتان، وقال المقرّ: هي مائة واحدة، فقال
(1) قال ابن الحاجب: (ومائة درهم على المتعامل به عرفاً ولو مغشوشة، وإلا فزنة سبعة أعشار دينار من الفضة) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:401.
(2)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 2/ 841، ونصه:(لو قال: علي درهم لزمه درهم، عشرة منه تعادل سبعة مثاقيل، وهي درهم الإسلام) ونص الوجيز الذي وقفت عليه: (إذا قال على درهم يلزمه درهم فيه ستة دوانيق عشرة منه تساوى سبعة مثاقيل وهى دراهم الإسلام
…
وإن كان منفصلا لم يقبل إلا إذا كان التعامل به غالباً ففيه وجهان) انظر: شرح الوجيز، للرافعي: 11/ 131.
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
(4)
في (ن 2): (ومن).
(5)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص: 401،402.
(6)
قال ابن شاس: (ولو أشهد له في ذكر حق بمائة وفي آخر بمائة، لزمه مائتان) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 2/ 843.
أصحابنا جميعاً: لا يلزمه [96 / ب] إِلا مائة بِخِلاف إذكار الحقوق ولَو أشهد له (1) فِي صكّ بمائة، وفِي صكٍّ آخر بمائة لزمه مائتان (2).
وفِي رسم حمل صبياً من سماع عيسى من كتاب الشهادات (3) قَالَ ابن القاسم: لَو أشهد رجل عَلَى نفسه قوماً أن عَلَيْهِ لفلان مائة دينار، ثم أشهد من الغد آخرين أنّ له عَلَيْهِ مائة دينار، ثم أشهد من الغد آخرين أن له عَلَيْهِ مائة دينار لزمه ثلاثمائة دينار إِن طلبها وليّ الحقّ. قَالَ أصبغ: يعني إذا (4) أشهدهم مفترقين وادعى أنها مائة واحدة.
قال: وأنا أرى إِن كَانَ له كتْبٌ فِي كل كتاب شهادة فهي أموال مختلفة، وإِن كَانَ كتاباً واحداً فهو حقّ واحد، وإِن كَانَ بغير كتاب فهي مائة واحدة ويحلف، وكذا إِن تقارب ما بين ذلك مثل أن يشهد هنا، ويقوم إِلَى موضعٍ أخر فيشهد آخرين.
ابن رشد: قول ابن القاسم: يلزمه ثلاثمائة إِن طلبها ولي الحق. يأتي عَلَى القول بأن الشهادة لا تلفق، وأنّه إِذَا شهد لرجلٍ شاهدٌ أنّ فلانا أقرّ له بمائة يوم كذا، وآخر أنّه أقرّ له من الغد بمائة، وثالث أنّه أقر له من الغد بمائة فيحلف مَعَ كلّ شاهد ويستحق ثلاثمائة، وإما عَلَى أنها تلفق فيأخذ فِي هذه المسألة مائة واحدة باجتماع الشهود عَلَيْهَا بتلفيق الشهادة [ويحلف المطلوب: ما له] (5) عَلَيْهِ شيئا أو ما له عَلَيْهِ إِلا مائة واحدة [أشهد له بها شاهداً بعد شاهد، ولا يلزمه غيرها، فيأخذ فِي مسألة الكتاب مائة واحدة ويحلف المطلوب أنّه ما له عَلَيْهِ إِلا مائة واحدة](6) أشهد له عَلَيْهَا شهوداً بعد شهود، فإن نكل عن اليَمِين حلف الطالب أنها ثلاث حقوق، وأخذ الثلاث مائة، وإِن أنكر أن يكون له عَلَيْهِ شيء أصلاً أدى الثلاث مائة ولم يكن عَلَى الطالب يمين.
(1) في ن: (أشهده)
(2)
انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 9/ 116، والنص مختصر، وقد يعترض به على ما للمؤلف هنا.
(3)
في (ن 1): (الشهادة).
(4)
في (ن 1): (إذ).
(5)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(6)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
وقوله فِي الكتاب: أنّه يلزمه ثلاثمائة إِن طلبها وليّ الحقّ، يريد بعد يمينه أنها ثلاثة حقوق، فإن نكل عن اليَمِين حلف المطلوب أنّه حقّ واحد وأدى مائة واحدة، وتفرقة أصبغ فِي الحقّ بين أن يكون كتاباً واحداً فِي جميع الشهادات أو كتاب فِي كل شهادة، تفرقة صحيحة، لا اختلاف أن الرجل إِذَا أتى إِلَى القوم بكتاب عَلَيْهِ فيه مائة دينار، وأشهدهم عَلَى نفسه بِهِ، ثم أشهد عَلَى الكتاب بعد مدة (1) قوماً آخرين ثم بعد مدة قوماً آخرين أنّه حقّ واحد، وكذلك لا اختلاف فِي أن الرجل إِذَا أتى بكتاب عَلَيْهِ فيه مائة دينار إِلَى قومٍ، فأشهدهم عَلَى نفسه، ثم أتى بكتاب آخر إِلَى قومٍ آخرين عَلَيْهِ أَيْضاً فيه أيضا مائة دينار، فأشهدهم عَلَى نفسه [بِهِ ثم بكتاب ثالثٍ كذلك] فقام الطالب بالكتب الثلاثة أنّه يقضي له بالثلاثمائة (2)، وإنما مسألة الخلاف إِذَا أشهد شهوداً بعد شهود بغير (3) كتاب، وينهما مدة من الزمان وإن كتب صاحب الحقّ بما أشهد عَلَيْهِ كلّ جماعة كتاباً عَلَى حده لَمْ يخرج بذلك من الخلاف " (4). انتهى.
قال ابن عَرَفَة: وهذا نصّ بِخِلاف نقل ابن شاس عن المذهب فتحققه.
ومِائَتَيْنِ، [الأَكْثَرُ](5)، وَجُلُّ الْمِائَةِ أَوْ قُرْبُهَا، أَوْ نَحْوَهَا الثُّلُثَانِ، فَأَكْثَرُ بِالاجْتِهَادِ.
قوله: (وَمِائَتَيْنِ، الأَكْثَرُ) ظاهره أنّه فِي وثيقتين فيرد عَلَيْهِ ما ورد عَلَى ما قبله، ثم اقتصر ها هنا عَلَى القول الثاني فِي نقل ابن الحَاجِب إذ قَالَ: ومائة ومائتين فِي موطنين ثالثها: إِن كَانَ الأكثر أولا لزمه ثلاثمائة (6) اعتماداً عَلَى قول ابن عبد السلام، والقول الثاني منها أشبه بمذهب " المدونة " فِي تكرار الوصايا من جنسٍ واحد، ولهذه المسألة أَيْضاً مشابهة بمسألة من قام له شاهد واحد عَلَى مائة وشاهدان عَلَى مائتين.
(1) في (ن 3): (مرده).
(2)
في (ن 1): (بالثلاثه مائه).
(3)
في (ن 1): (بغيره).
(4)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 35: 37، وما وضع بين معكوفتين ساقط من نص البيان المطبوع، وقد اختصره المؤلف بما يناسب المقام.
(5)
ساقط من الأصل.
(6)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:402.
وعَلَى هذا القول حمل فِي " التوضيح " قول ابن سحنون اضطرب قول مالك فِي هذا، وآخر قوليه: أن يحلف المقر ما ذلك إِلا مال واحد ثم لا يلزمه إِلا مائتان.
قال: وبِهِ أخذ ابن عبد الحكم وابن سحنون، وأما ابن عَرَفَة فقال: لا أعرف ثبوت الثاني وهو أكثر الإقرارين مُطْلَقاً (1) فِي المذهب نصاً (2) إِلا لابن الحَاجِب، ولَمْ يحكه ابن شاس، ولا يؤخذ من نقل الشيخ أبي محمد قول ابن سحنون فِي كتاب الإقرار: اضطرب قول مالك فِي هذا، وآخر قوليه أنّه لا يلزمه إِلا مائة؛ لأن ذلك إنما هو راجع لإقراره بمائة مرتين " انتهى.
وكذا هو فِي " النوادر " لا يلزمه إِلا مائة بالإفراد، وكذا نقله ابن شاس ففي نقل " التوضيح " نظر، ثم قَالَ ابن عَرَفَة وقد يؤخذ ذلك من قوله فِي " المدونة " فِي كتاب السلم الثاني وكتاب الشهادات: من أقام شاهداً بمائة دينار وشاهداً بخمسين فإن شاء حلف مَعَ شاهد المائة وقُضي له بها وإِلا أخذ خمسين بغير يمين (3). فلم يجعل له حقاً إِلا فِي أكثر الإقرارين أو فِي أقلهما، لا فِي مجموعهما، هذا ظاهر " المدونة ".
وقَالَ ابن يونس: قَالَ بعض أصحابنا القرويين: هذا إِن كَانَ فِي مجلس واحد ولَو كَانَ فِي مجلسين، وادعى الطالب المال: حلف مَعَ كلّ شاهد، وأخذ مائة وخمسين.
وهَلْ يَلْزَمُهُ فِي عَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ، عِشْرُونَ، أَوْ مِائَةٍ، قَوْلانِ وثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ، أَوْ زَيْتٌ فِي جَرَّةٍ وفِي لُزُومِ ظَرْفِهِ، قَوْلانِ.
[قوله](4): (وَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي عَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ، عِشْرُونَ، أَوْ مِائَةٍ؟ قَوْلانِ) فِي القول بعشرين نظر، والذي نقله المازري وأصله فِي " النوادر " أن من قَالَ له: عندي عشرة دراهم فِي عشرة دراهم لزمه عند سحنون مائة درهم، وقَالَ ابن عبد الحكم:[97 / أ] إنما
(1) في (ن 1): (ملغا).
(2)
في (ن 2): (نص).
(3)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 13/ 167.
(4)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
يلزمه العدد الأول ويسقط ما بعده إِن حلف المقر أنّه لَمْ يرد التضعيف، وضرب الحساب بناءً عَلَى حمل اللفظ عَلَى المعنى اللغوي أو العرفي.
وعبارة ابن شاس: ولو قَالَ: عشرة فِي عشرة. سئل المقر، فإن قَالَ: أقرضني عشرة فِي عشرة، أو فِي عشرين، أو باعني عشرة بعشرة، أو بعشرين لزمته عشرة مَعَ يمينه عَلَى ما زعم، وفِي قول سحنون أنّه يؤخذ بمائة درهم من قبل الحساب، ولَو قَالَ علي عشرة دراهم فِي عشرة دنانير لزمته عشرة دراهم إذ له مخرج بقوله: أعطانيها فيها (1). وأما ابن الحَاجِب فاختلفت (2) نسخه ففي بعضها: وعشرة فِي عشرة. قيل: عشرة وقيل مائة، وهذا هو الصواب المساعد للمنصوص.
وفِي بعضها: قيل: عشرون، وقيل: مائة (3) وهو الذي فِي الشروح (4) المتداولة حتى قَالَ ابن عَرَفَة: وأول نقلي ابن الحَاجِب: وعشرة فِي عشرة قيل: عشرون وقيل مائة، وقبول ابن عبد السلام له وابن هارون لا أعرفه ولا لابن شاس إِلا أن يؤخذ مما فِي ترجمة من قَالَ: غصبتك ثوباً فِي ثوب من " النوادر " إذ قَالَ ما نصّه عن ابن عبد الحكم فِي قوله: ثوب فِي عشرة أثواب: " قَوْلانِ، قيل: لا يلزمه إِلا ثوب (5)، وقيل: أحد عشر ثوباً، فجعل (فِي) كحرف العطف.
تحرير:
قال ابن عبد السلام: إِن كَانَ المقرّ من أهل العلم بالعدد فينبغي أن يلزمه مائة، ولا
(1) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 2/ 842.
(2)
في (ن 1)، (ن 3):(فاختلف).
(3)
في (ن 1): (عشرة).
(4)
نص ابن الحاجب الذي بين أيدينا: (عشرة في عشرة قيل عشرون وقيل مئة)، فهو النص المتداول الذي صحح المؤلف غيره.
(5)
الذي وقفت عليه في النوادر: (أنه لا يلزمه الأثواب)، وعبارة المؤلف هنا أوضح وألصق بالمراد لخلوّ عبارة النوادر عن أي ضمان خلافاً للمراد، بل المراد هل يلزمه ثوب أو أحد عشر ثوباً، وهذا لا تفيده عبارة النوادر، والظاهر أن بها تصحيفاً. انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 9/ 219.
يقبل منه غير ذلك إِذَا كَانَ كلامه مَعَ من هو مثله، وفي إلزامه مائة إِذَا [كان] (1) كلامه مَعَ العامّة نظر. وقَالَ ابن عَرَفَة: قول غير واحد من شيوخنا إِذَا كَانَ المقر عالماً بالحساب لزمه. قول سحنون: اتفاقاً. صواب (2) إِن كَانَ المقر [له](3) كذلك وإِلا فلا.
لا دَابَّةٌ فِي اصْطَبْلٍ، وأَلْفٌ، إِنِ اسْتَحَلَّ أَوْ أَعَارَنِي، لَمْ يَلْزَمْ كَأَنْ حَلَفَ فِي غَيْرِ الدَّعْوَى، أَوْ شَهِدَ فُلانٌ غَيْرُ الْعَدْلِ وهَذِهِ الشَّاةُ أَوْ هَذِهِ النَّاقَةُ، لَزِمَتْهُ الشَّاةُ، وحَلَفَ عَلَيْهَا، وغَصَبْتُهُ مِنْ فُلانٍ، لا بِلْ مِنْ آخَرَ، فَهُوَ لِلأَوَّلِ، وقُضِيَ لِلثَّانِي بِقِيمَتِهِ. وَلَكَ أَحَدُ ثَوْبَيْهِ عَيَّنَ وإِلا فَإِنْ عَيَّنَ الْمُقَرُّ لَهُ أَجْوَدَهُمَا حَلَفَ، وإِنْ قَالَ لا أَدْرِي. حَلَفَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ واشْتَرَكَا، والاسْتِثْنَاءُ هُنَا. كَغَيْرِهِ، وصَحَّ لَهُ الدَّارُ والْبَيْتُ لِي، وبِغَيْرِ الْجِنْسِ. كَأَلْفٍ، إِلا عَبْداً، وسَقَطَتْ قِيمَتُهُ.
قوله: (لا دَابَّةٌ فِي اصْطَبْلٍ). أشار بِهِ لقول القرافي: وافقونا عَلَى أنّه إِذَا قَالَ له عندي دابّة فِي اصطبل أو نخلة فِي بستان: أنّ الظرف لا يلزم (4).
وإِنْ أَبْرَأَ فُلاناً مِمَّا لَهُ قَبِلَهُ. أَوْ مِنْ كُلِّ حَقٍّ، أَوْ أَبْرَأَهُ. بَرِئَ مُطْلَقاً، ومِنَ الْقَذْفِ والسَّرِقَةِ.
قوله: (وإِنْ أَبْرَأَ فُلاناً مِمَّا لَهُ قَبِلَهُ. أَوْ مِنْ كُلِّ حَقٍّ، أَوْ أَبْرَأَهُ. بَرِئَ مُطْلَقاً، ومِنَ الْقَذْفِ والسَّرِقَةِ) مقتضاه أنّ من قَالَ: أبرأت فلاناً مما لي قبله، أو من كلّ حقٍّ أو قَالَ: أبرأته ولم يزد؛ فإن فلاناً يبرأ مُطْلَقاً من الأمانات (5) والديون ومن حدّ القذف وغرم السرقة، بِخِلاف ما إِذَا قَالَ: أبرأته مما ليّ معه، فإنه إنما يبرأ مما يرجع إِلَى الأمانة دون الذمة كما ذكر بعد. وسكت عن لفظ (عند) و (على).
وقد قَالَ المازري فِي السؤال الحادي والعشرين من الإقرار من شرح " التلقين ": إِذَا
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(2)
في (ن 1): (صواباً).
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(4)
الذي وقفت عليه في الذخيرة: (ووافقونا على قوله علي عندي دابة في اصطبل أو نخل في بستان أن الظرف يلزمه) فالكلام مخالف لما هنا، قلت: وسياق كلام القرافي يدل على صحة ما عند المؤلف: (أن الظرف لا يلزم). انظر: الذخيرة، للقرافي: 9/ 279.
(5)
في (ن 1): (الأناث).
قَالَ: ما لي قبله حقّ حمل عَلَى أنّه أبرأه من سائر الحقوق كانت ديوناً فِي ذمته أو أمانة عنده، وإِذَا قَالَ: ما لي عنده حقّ. فالأمر عندنا كذلك خلافاً لأبي حنيفة الذي يخصه بالأمانات (1).
وإِن قَالَ ما لي عَلَيْهِ حق فاختلف فيه سحنون وابنه. فرأى سحنون " أنّه يعمّ الديون والأمانات، ورأى ابنه أن ذلك إنما يحمل عَلَى ما كَانَ مضموناً كالديون والعواري المضمونة، وعندي أنّ لفظة عليّ لما كانت تقتضي ما وجب أدخل فيها سحنون المضمونات والوديعة والقراض، إذ يجب ردهما. وصرف ابنه هذا اللفظ لنفس المال لا لردّه، فنفس الوديعة ليست عَلَى المودع، وإِن كَانَ عَلَيْهِ أن يردّها، والحق فِي هذا الالتفات إِلَى المراد بهذه الألفاظ فِي اللغة والاستعمال أو عرف التخاطب. انتهى.
فتأمله مَعَ ما فِي سماع أبي زيد آخر مسألة من كتاب الشهادات قَالَ " لَو أن رجلاً شهد له شاهد أن له عند عبد الله عشرة دنانير، وشهد شاهد آخر أنّ له عَلَى عبد الله عشرين ديناراً، لحلف مَعَ كلّ شاهد يميناً وأخذ الثلاثين.
قَالَ ابن رشد: هذا بين؛ لأن قول أحد الشاهدين: له عنده خلاف قول الآخر عَلَيْهِ؛ لأن لفظة: عنده. تقتضي الأمانة، ولفظة عَلَيْهِ تقتضي الذمة، فكل واحد منهما شهد له عَلَى عبد الله بغير ما شهد له بِهِ عَلَيْهِ الآخر فله أن يحلف مَعَ كلّ واحد منهما ويستحقّ الثلاثين، وإِن شاء أن يحلف مَعَ أَحَدهمَا ويرد اليَمِين عَلَى المطلوب فيما شهد [به](2) الشاهد الآخر، وإِن شاء أن يردّ اليَمِين عَلَى المطلوب فِي الجميع، وليس له أن يأخذ العشرة دون يمين، إذ لَمْ يجتمع له عَلَيْهَا الشاهدان.
بِخِلاف إِذَا شهد أَحَدهمَا أن له عَلَيْهِ عشرة، وشهد الآخر أن له عَلَيْهِ عشرين هذا له أن يأخذ العشرة دون يمين؛ لاجتماع الشاهدين عَلَيْهَا، وإِن شاء أن يحلف مَعَ الشاهد
(1) جاء في المبسوط للسرخسي: (وإن قال هو بريء مما لي عنده فإنما يدخل في هذا اللفظ الأمانة خاصة، فأما الغصوب والودائع التي خالف فيها فقد صار ضمانها مستحقاً في ذمته بمنزلة الديون فلا يدخل في هذا اللفظ) انظر: المبسوط، للسرخسي: 18/ 164، وانظر: حاشية ابن عابدين: 8/ 213.
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
الذي شهد له بالعشرين ويأخذها، وهذا إِذَا كانت الشهادتان فِي مجلسٍ واحد، ولفظٍ واحد اختلفا فيه، فقال أَحَدهمَا أنّه أقرّ له بعشرة، وقَالَ الآخر: بل أقرّ له بعشرين، وإِن كانت الشهادة فِي مجلسين فهما حقان وله أن يحلف مَعَ كل واحد منهما ويستحقّ ما شهد له بِهِ.
ولَو قَالَ الشاهدان اللذان شهد أَحَدهمَا أن له عنده عشرة، وشهد الآخر أن له عَلَيْهِ عشرين إنها شهادة واحدة لبطلت شهادتهما إِن زعم ربّ الحقّ أنهما محقّان، وإِن زعم أن أَحَدهمَا محقّ حلف مَعَ الذي ادعى أنّه محقّ وأخذ ما حلف عليه (1).
فَلا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ، وإِنْ بِصَكٍّ، إِلا بِبَيِّنَةٍ، أنّه بَعْدَهُ، وإِنْ أَبْرَأَهُ مِمَّا مَعَهُ. بَرِئَ مِنَ الأَمَانَةِ لا الدِّينِ.
قوله: [97 / ب](فَلا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ، وإِنْ بِصَكٍّ، إِلا بِبَيِّنَةٍ، أنّه بَعْدَهُ) قَالَ ابن رشد فِي رسم الرطب من سماع ابن القاسم من كتاب المديان: إِذَا كَانَ ذكر الحقّ الذي يقوم بِهِ الطالب قبل البراءة [فالقول قول المطلوب أنّه قد دخل فِي البراءة](2) بلا اختلاف؛ لأن الحقوق إِذَا كانت لرجلٍ عَلَى رجل بتواريخ مختلفة، فالبراءة من شيء منها دليل عَلَى البراءة مما قبله، وهذا نحو قولهم فيمن أكرى داره مشاهرة أو مسانهة: إِن دفع كراء سنة أو شهر براءة للدافع مما قبل ذلك (3).
ومثل ذلك ما فِي رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب: " التخيير والتمليك ": فِي الذي يباري (4) امرأته وهي حامل عَلَى أن تكفية مؤنة رضاع ولدها، ثم تطلبه بنفقة الحمل قَالَ: أنّه لا شيء عَلَيْهِ من ذلك؛ لأنه يعرف (5) أنّه لَمْ يكن يمنعها الرضاع ويعطيها
(1) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 237. انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 10/ 237، 238.
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(3)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 10/ 355، وله بدل مسانهة، مساناة، والكلمتان صحيحتان، والمراد إلى سنة.
(4)
في (ن 1): (يبان في).
(5)
في (ن 2): (تعرف).
هذا (1). وإنما الاختلاف إِذَا قام بذكر حقّ فادعى أنّه بعد البراءة وزعم المطلوب أنّه قبل البراءة، وأنّه قد دخل فيها ففي ذلك ثلاثة أَقْوَال مضى تحصيلها فِي سماع أبي زيد من كتاب الشهادات (2).
وقَالَ فِي سماع يحيي من كتاب " الدعوى والصلح ": فابن نافع يرى القول قول الطالب، وابن القاسم وابن وهب وغيرهما يرون القول قول المطلوب " (3). انتهى وعَلَى هذا الثاني اقتصر المصنف هنا، وإِن كَانَ ابن رشد استظهر قول ابن نافع فِي سماع أبي زيد من كتاب " الشهادات " كما استضعف فيه تفريق سحنون بين أن يأتي المطلوب ببراءة واحدة تستغرق العدد أن يأتي ببراءات مفترقات. والله تعالى أعلم.
(1) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 5/ 251.
(2)
انظر: كلامه في المسألة السابقة، وانظر: نفس ما أحلنا عليه.
(3)
انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 14/ 200.