الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب المزارعة]
لِكُلٍّ، فَسْخُ الْمُزَارَعَةِ [60 / أ]، إِنْ لَمْ يُبْذَرْ، وصَحَّتْ، إِنْ سَلِمَا مِنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِمَمْنُوعٍ، وقَابَلَهَا مُسَاوٍ، وتَسَاوَيَا.
قوله: (وَتَسَاوَيَا) كأنّه أعمّ من قوله قبل: (وقابلها مساوٍ) فيغني عنه.
إِلا لِتَبَرُّعٍ بَعْدَ الْعَقْدِ، وخَلْطُ بَذْرٍ إِنْ كَانَ، ولَو بِإِخْرَاجِهِمَا.
قوله: (إِلا لِتَبَرُّعٍ بَعْدَ الْعَقْدِ)[أي بعد العقد](1) الحاصل بالبذر فـ (أل) عهدية.
فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بِذْرُ أَحَدِهِمَا وعُلِمَ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ، إِنْ غَرَّ. وعَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ النَّابِتِ. وإِلا فَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ بَذْرِ الآخَرِ، والزَّرْعُ لَهُمَا.
قوله: (فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بِذْرُ أَحَدِهِمَا وعُلِمَ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ، إِنْ غَرَّ. وعَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ النَّابِتِ، وإِلا فَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ بَذْرِ الآخَرِ، والزَّرْعُ لَهُمَا) أصل هذا ما نقله ابن يونس عن بعض القرويين وهو أبو اسحاق ونصّه: " قال بعض القرويين: وعند ابن القاسم خلطا أو لَمْ يخلطا الشركة جائزة، وإِذَا صحّت الشركة فِي هذا فنبت زرع أَحَدهمَا ولم ينبت الآخر، فإن غرّ (2) منه صاحبه وقد علم أنّه لا ينبت فعَلَيْهِ مثل [نصف](3) بذر صاحبه [لصاحبه](4)، والزرع بينهما ولا عوض له فِي بذره.
وإِن لَمْ يعلم أنّه لا ينبت، ولم يغره فإن علم الذي نبت بذره أن يغرم لصاحبه مثل نصف بذره، عَلَى أنّه لا ينبت ويأخذ منه نصف بذره الذي نبت والزرع بينهما عَلَى الشركة غرّه أو لَمْ يغره، ولو (5) علم ذلك فِي إبان الزراعة، وقد غرّ هذا صاحبه، فأخرج زريعة يعلم أنها لا تنبت فلم تنبت فضمانها منه، وعَلَيْهِ أن يخرج مكيلتها من زريعة تنبت فيزرعها فِي ذلك القليب وهما عَلَى شركتهما ولا غرم عَلَى الآخر للغارّ، [93 / أ] وإن لَمْ يكن غرّ ولا
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(2)
في (ن 1): (أغرّ).
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(4)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، (ن 4).
(5)
في (ن 3): (لم).
علما فليخرجا جميعاً قفيزاً آخر فيزرعاه فِي القليب [إن أحبّا](1) وهما عَلَى شركتهما.
قال ابن عبد السلام: سكت فِي الرواية عن رجوع المغرور [على الغارّ بنصف قيمة العمل فيما لَمْ ينبت إِن كَانَ العمل عَلَى المغرور](2)، وينبغي أن يكون له الرجوع عَلَيْهِ بذلك؛ لأنه غرور بالفعل، وقبله فِي " التوضيح "، وزاد وينبغي أن يرجع عَلَيْهِ بنصف قيمة كراء الأرض التي غرّه فيها (3).
وأما ابن عَرَفَة فقال: هو كما قال فِي الرواية هنا؛ ولكن ذكر ابن يونس فِي الردّ بالعيب ما يدل عَلَى الخلاف فِي ذلك قال ما نصّه: " قال ابن حبيب: لَو زارع بما لا ينبت فنبت شعير صاحبه دون شعيره، فإن دلّس رجع عَلَيْهِ صاحبه بنصف مكيلته من شعيرٍ صحيح ونصف كراء الأرض الذي أبطل عَلَيْهِ، وقاله أصبغ: وقال ابن سحنون مثله إِلا الكراء لَمْ يذكره ".
قال ابن عَرَفَة: فظاهر قول ابن سحنون سقوط الكراء، وهو ظاهر قول ابن القاسم فِي " المدونة " فيمن غرّ فِي إنكاح غيره أمة أنّه يغرم للزوج الصداق، ولا يغرم له ما يغرمه الزوج من قيمة الولد (4)، ونحوه قوله فِي كتاب:" الجنايات ": من باع عبداً سارقاً دلّس فيه، فسرق من المبتاع فردّه عَلَى سيّده بالعيب، فذلك فِي ذمته إِن عتق يوماً ما (5)، وأظن فِي " نوازل " الشعبي: من باع مطمورة دلّس فيها بعيب التسويس، فخزّن فيها المبتاع؛ فاستاس ما فيها أنّه لا رجوع له عَلَى البائع بما استاس فيها، قال: ولَو إكراها لرجع عَلَيْهِ.
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(3)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 9/ 520، 521.
(4)
النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي:، ونصها:(ومن قال لرجل: فلانة حرة، ثم زوجها إياه غيره فلا رجوع للزوج على المخبر، علم أنها أمة أم لا، وكذلك إن ولي المخبر العقد ولم يعلم أنها أمة، فإن كان وليها عالماً رجع الزوج عليه بما أدى من الصداق، ولا يرجع عليه بما يغرم من قيمة الولد إذ لم يغره) وانظر: المدونة، لابن القاسم: 4/ 210.
(5)
النّص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 532، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 16/ 372.
كَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْجَمِيعِ، أَوْ قَابَلَ بَذْرَ أَحَدِهِمَا عَمَلٌ أَوْ أَرْضُهُ وبَذْرُهُ، أَوْ بَعْضُهُ، إِنْ لَمْ يَنْقُصْ مَا لِلْعَامِلِ عَنْ نِسْبَةِ بَذْرِهِ.
قوله: (كَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْجَمِيعِ
…
[إِلَىآخره](1)) تمثيل لما تصحّ فيه الشركة.
أَوْ لأَحَدِهِمَا الْجَمِيعُ، إِلا الْعَمَلَ، إِنْ عَقَدَا بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ، لا الإِجَارَةِ، أَوْ أَطْلَقَا.
قوله: (أَوْ لأَحَدِهِمَا الْجَمِيعُ، إِلا الْعَمَلَ، إِنْ عَقَدَا بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ، لا الإِجَارَةِ، أَوْ أَطْلَقَا) أشار بِهِ لما فِي " أجوبة " ابن رشد حيث سئل عن رجلين اشتركا فِي الزرع عَلَى أن جعل أَحَدهمَا الأرض والبذر والبقر، والثاني العمل، ويكون الربع للعامل بيده والثلاثة الأرباع لصاحبه هل يجوز ذلك أم لا.
فأجاب: " لا يخلو الأمر فيها من ثلاثة أوجه أحدها: أن يعقداها بلفظ الشركة، والثاني: أن يعقداها بلفظ الإجارة، والثالث: أن لا يسميا فِي عقدهما شركةً ولا إجارة؛ [فإن عقداها بلفظ الشركة جازت، وإن عقداها بلفظ الإجارة لَمْ تجز، وإن لَمْ يسميا فِي عقدهما شركة ولا إجارة] (2)، وإنما قال له: أدفع إليك أرضي وبذري وبقري، وأنت تتولى العمل، ويكون لك ربع الزرع أو خمسه أو جزء من أجزائه، يسميانه فحمله ابن القاسم عَلَى الإجارة فلم يجزه، وإليه ذهب ابن حبيب، وحمله سحنون عَلَى الشركة فأجازها، هذا تحصيل القول عندي فِي هذه المسألة، وقد كَانَ من أدركنا من الشيوخ لا يحصلونها هذا التحصيل، ويذهبون إِلَى أنها مسألة اختلاف جملة من غير تفصيل، وليس ذلك عندي بصحيح "(3). انتهى.
وقد قال اللخمي: اختلف إِذَا كَانَ البذر من عند صاحب الأرض والعمل (4)، وكانت البقر من عند الآخر، فأجازه سحنون، ومنعه محمد وابن حبيب فقال سحنون إِذَا
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(3)
انظر: فتاوى ابن رشد: 2/ 896، 897.
(4)
في (ن 3): (والبقر).
اشتركا عَلَى ذلك، عَلَى أن ما أخرج الله تعالى من شيء فلصاحب الأرض [والبذر](1) ثلثه، ولصاحب العمل ثلثه، وحقّ البقر الثلث، وكانت القيم كذلك جَازَ.
اللخمي: ومثله إِذَا كانت البقر من عند صاحب الأرض والبذر ومن عند الآخر العمل، عَلَى أن له الثلث والقيم في ذلك أثلاثاً فهو جائز.
وقال محمد فِي مثل هذا هو فاسد، وقد كَانَ يكون عَلَى أصله جائز إِلا أنه (2) قال: إِذَا سلم المتزارعان (3) من أن تكون الأرض لواحدٍ والبذر لواحد جازت الشركة إِذَا تساويا، وقال ابن حبيب: إِن نزل ذلك كَانَ الزرع لصاحب الأرض والبذر وللآخر أجرة عمله إِلا أن يقول، تعالى نتزارع عَلَى أن يكون نصف أرضي ونصف بذري ونصف بقري كراءً لنصف عملك، فيكون الزرع بينهما؛ لأن هذا قبض نصف البذر فِي أجرته وضمنه، والصواب فِي جميع هذا الجواز -[كما] (4) قال سحنون: إِذَا دخلا عَلَى وجه الشركة، وأن يعمل البذر عَلَى أملاكهما، وإِن كَانَ عَلَى أنّه يعمل عَلَى ملك صاحب البذر وللآخر ثلث ما يخرج كَانَ فاسداً قولاً واحداً؛ لأنه أجر نفسه بمجهول ما يكون بعد الخروج.
قال ابن عَرَفَة: قوله: فسدت قولاً واحداً. نصٌّ فِي أن إجازة سحنون إنما هي إِذَا كَانَ عَلَى أن يعمل البذر عَلَى أملاكهما. قال ابن عبد السلام: هذه مسألة الخماس ببلدنا، وقد قال فيها ابن رشد: إِن عقداها بلفظ الشركة جاز اتفاقاً، وإِن كَانَ بلفظ الإجارة لَمْ يجز اتفاقاً، فإن عرى العقد من اللفظين فمحلّ الخلاف. ورأي ابن رشد أن هذا تحقيق المذهب، قال ابن عَرَفَة: زعمه أن مسألة عرفنا هي مسألة سحنون ومحمد، فيه نظر من وجوه:
الأول: أن مسألتيهما ليس فيها اختصاص ربّ الأرض والبذر بشيء من غلة الحرث، ومسألة عرفنا بإفريقية فِي زمانه وقبله وبعده إنما هي عَلَى أنّ كلّ التبن لربّ الأرض والبذر.
(1) ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 1)، (ن 2)، و (ن 3).
(2)
في (ن 2): (جائز).
(3)
في (ن 1)، الأصل:(المتنازعان).
(4)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، الأصل.
الثاني: أن مسألة سحنون ومحمد أن المنفرد بالعمل أخرج معه البقر، ومسألة عرفنا لا يأتي العامل [93 / ب] فيها إِلا بعمل يد هـ فقط، [وفي](1) كونه كذلك يصيره أجيراً ويمنع كونه شريكاً، ودلالة كلام ابن رشد فِي المسألة التي سئل عنها عَلَى خلاف ما قلناه، وكذلك قول اللخمي ومثله إِن كَانَ من [عند أَحَدهمَا](2) العمل فقط يردّ بمخالفته لأَقْوَال أهل المذهب، وقول ابن يونس: أراهم أنهم جعلوا إِذَا لَمْ يخرج العامل إِلا عمل يده فقط أنّه أجيراً وإِن كافأ عمله ما أخرج صاحبه، وإِن أخرج العامل شيئاً من المال إما بقراً أو بعض الزريعة وإِن قلّ وكافأ ذلك عمل يده ما أخرج الآخر فإنهما شريكان، وهم أهدى للصواب. ابن عَرَفَة: فحقيقة الشركة عدم انفراد أَحَدهمَا بإخراج المال والآخر بإخراج العمل، والإجارة بعكس ذلك.
الثالث: ظاهر أَقْوَال أهل المذهب أن شرط الشركة كون العمل فيها مضموناً لا فِي عمل عامل معين، ومسألة عرفنا إنما يدخلون فيها عَلَى أن العمل معين بنفس العامل والحامل عَلَى هذا خوف الاغترار بقوله: فيعتقد فِي مسألة عرفنا قول بالصّحة وليس كذلك. فتأمله منصفاً.
ولقد أجاد ونصح شيخ شيوخنا الفقيه أبو عبد الله محمد بن شعيب بن عمر الهنتاتي الهسكوري حيث سئل عن مسألة الخماس فِي الزرع بجزءٍ معين هل يجوز أم لا؟، وهل ينتهض عذر فِي إباحته بتعذر من يدخل عَلَى غير هذا (3)؟
فأجاب: بأنها إجارة فاسدة وليست شركة؛ لأن الشركة تستدعي الاشتراك فِي الأصول (4) التي هي مستند الأرباح وعدم المساعد عَلَى ما يجوز من ذلك لا ينهض عذراً؛ لأن علة الفساد فِي ذلك وأمثاله إنما هي من إهمال حملة الشريعة، ولَو تعرضوا لفسخ عقود ذوي الفساد لما استمروا عَلَى فسادهم، فإن حاجة الضعيف للقوي أشدّ قال الله العظيم
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، (ن 2)، الأصل.
(2)
في (ن 1): (عندهما).
(3)
في (ن 1): (غيرها).
(4)
في (ن 1)، الأصل:(الأموال).
{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} [الأعراف: 6 - 8]. انتهى [مختصراً](1)، ونقلناه فِي:" تكميل التقييد وتحليل التعقيد " أشبع من هذا.
تفريع:
قال المتيطي: وإِن شرط (2) ربّ الأرض هدايا فِي العيدين والنيروز والمهرجان وساوى ذلك مَعَ عمل العامل كراء الأرض فهو جائز، ولا يجوز أن يشترط عَلَى العامل جزوراً مذبوحة ولا تيساً خصياً ولا بيضاً ولا حيواناً لا يراد إِلا للحم، ويدخل ذلك كلّه في كراء الأرض بالطعام. ومن الموثقين من يعقد هذه الهدايا عَلَى الطوع بعد الصفقة، ومنهم من يعقدها فِي صفقة أخرى، ويجعل ذلك عوضاً من كراء الدار التي يسكنها لعمارة (3) الملك، ومنهم من يعقدها شرطاً فِي الصفقة عَلَى ما قدمناه. قال بعض الموثقين: وهو أولى إِذَا كَانَ ذلك كلّه مَعَ عمل العامل مساوياً لكراء الأرض أو يفضل عَلَيْهِ بقليل، وأما الدار إِن سكتا عنها فِي صفقة المزارعة فهما يحملان فيها عَلَى عرف المكان إِذَا طلب ربها كراءها.
تكميل:
إذا فرعنا عَلَى جواز شركة الخماس فما حكم ما يعطي من جلّابيّه ومأكله؟ ذُكر أن فقهاء فاس سئلوا عنها، فأفتى أبو العباس القباب بالمنع وهو الظاهر فتفسد العقدة باشتراطه، وأفتى أبو عمران العبدوسي بالجواز، وزعموا أنّه وجده لابن العطار، وأفتى أبو موسى عيسى بن علال بأنه يمكن إجراؤها عَلَى إعانة المغارسة، كما أفتى بمنع المزارعة فِي القطن لأعوام لأنها مساقاة ومزارعة.
كَإِلْغَاءِ أَرْضٍ، وتَسَاوَيَا غَيْرَهَا.
قوله: (كَإِلْغَاءِ أَرْضٍ، وتَسَاوَيَا غَيْرَهَا) التشبيه راجع لقوله: (لا الإجارة) قال
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(2)
في (ن 2): (اشترط).
(3)
في (ن 1): (العمارة).
فِي " المدونة " فِي المتزارعين يشتركان فيخرج أَحَدهمَا أرضاً لها قدر من الكراء فيلغيها [لصاحبه](1) ويعتدلان فيما بعد ذلك من العمل والبذر فلا يجوز إِلا أن يخرج صاحبه نصف كراء الأرض، ويكون جميع العمل والبذر بينهما بالسوية أو تكون أرضاً لا خطب لها فِي الكراء كأرض المغرب وشبهها فيجوز أن يلغى كراؤها لصاحبه، ويخرجا ما بعد ذلك بينهما بالسوية (2).
أبو الحسن الصغير: لعلّ أرض المغرب كانت فِي وقته لا خطب لها؛ لقلّة عمارتها، أو أراد أرض برقة، ولم يسثن هنا ما لا خطب له من الأرض لاعتقاده أن استثناء التافه لا يختصّ بالأرض لقوله فِي " توضيحه ": لعلّ ابن الحَاجِب خصص الأرض تبعاً للمدونة، وإِلا فينبغي أن التطوع بالتافه مُطْلَقاً كذلك، وعَلَيْهِ تدل " الرسالة "؛ لأن فيها:" ولَو كانا اكتريا الأرض والبذر من عند واحد وعَلَى الآخر العمل جَازَ إِذَا تقاربت قيمة ذلك "(3). انتهى؛ مَعَ أنّه لَمْ ينبه هنا عَلَى استثناء التافه جملة.
أَوْ لأَحَدِهِمَا أَرْضٌ رَخِيصَةٌ وعَمَلٌ عَلَى الأَصَحِّ.
قوله: (أَوْ لأَحَدِهِمَا [94 / أ] أَرْضٌ رَخِيصَةٌ وعَمَلٌ عَلَى الأَصَحِّ) الظاهر أنّه معطوف عَلَى قوله: (كإلغاء الأرض) فهو أَيْضاً مشبه بقوله: (لا الإجارة) وعن (4) هذا عبّر فِي " توضيحه " بقوله: " إِذَا أخرج أَحَدهمَا البذر والآخر العمل والأرض، فإن كانت الأرض لها خطب لَمْ يجز، وإِن لَمْ يكن لها خطب فقَوْلانِ، الجواز لسحنون، وهو مبني عَلَى جواز التطوع بالتافه فِي العقد، والمنع لابن عبدوس، ورأى أنّه يدخله كراء الأرض بما يخرج منها. ابن يونس: وهو الصواب ". انتهى (5).
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل.
(2)
انظر: المدونة، لابن القاسم: 12/ 44.
(3)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 9/ 515، وانظر نقله عن الرسالة، لابن أبي زيد، ص:112.
(4)
في (ن 1): (وعلى)
(5)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 9/ 510، 511.
فلعلّ قوله: (عَلَى الأَصَحّ) مصحّف من الأَرْجَح (1).
وإِنْ فَسَدَتْ وتَكَافَآ عَملاً، فَبَيْنَهُمَا، وتَرَادَّا غَيْرَهُ، وإِلا فَلِلْعَامِلِ، وعَلَيْهِ الأُجْرَةُ، كَانَ لَهُ بَذْرٌ مَعَ عَمَلٍ، أَوْ أَرْضٌ، أَوْ كُلٌّ لِكُلٍّ.
قوله: (وَإِنْ فَسَدَتْ وتَكَافَآ عَملاً، فَبَيْنَهُمَا، وتَرَادَّا غَيْرَهُ، وإِلا فَلِلْعَامِلِ، وعَلَيْهِ الأُجْرَةُ، كَانَ لَهُ بَذْرٌ مَعَ عَمَلٍ، أَوْ أَرْضٌ، أَوْ كُلٌّ لِكُلٍّ) تصوّر أوله ظاهر، واشتمل آخره عَلَى ثلاث صور:
الأولى: أن يضيف العامل البذر إِلَى عمله، وإليها أشار بقوله:(كَانَ له بذر مَعَ عمل) وفرض الكلام فِي العامل مغنٍ عن قوله: (مَعَ عمل).
الثانية: أن يضيف الأرض إِلَى عمله، وإليه أشار بقوله:(أو أرض) وهو مرفوع عطفاً عَلَى بذر.
الثالثة: أن يكون الكلّ من عندهما إِلا العمل، فمن أَحَدهمَا وإليها أشار بقوله:(أو كل لكل) وفهم منه أنّ العامل إِذَا لَمْ يضف لعمله شيئاً كالخماس عندنا لا يكون له الزرع، وإنما له أجرة المثل فِي عمله، وهذا الذي اقتصر عَلَيْهِ هنا عقد فيه قول ابن يونس. قال ابن المواز من قول مالك وابن القاسم: إِن الزرع كلّه فِي فساد الشركه لمن تولى القيام بِهِ كَانَ مخرج البذر صاحب الأرض أو غيره، وعَلَيْهِ إِن كَانَ هو مخرج [البذر كراء أرض صاحبه، وإِن كَانَ صاحبه مخرج](2) البذر فعَلَيْهِ له مثل بذره.
وإِن وليا العمل جميعاً غرم هذا لهذا مثل نصف بذره، وهذا لهذا مثل كراء نصف
(1) يشير المؤلف هنا إلى اصطلاح المصنف الوارد في أول المختصر من قوله: (وبِالتَّرْجِيحِ لاِبْنِ يُونُسَ) ولابن يونس هنا ترجيح في المسألة، وما دام كذلك فقوله (عَلَى الأَصَحّ) في كلامه ليس موضعها هنا، والأصح في مصطلحه يعني به:(أَنَّ شَيْخاً غَيْرَ الَّذِينَ قَدَّمْتُهُمْ - وهم اللخمي وابن يونس وابن رشد والمازري - صَحَّحَ هَذَا أَوْ اسْتَظْهَرَهُ)، وقد نقل صاحب منح الجليل ما يفيد صحة ما عند المصنف خلافاً لما استدركه المؤلف عليه بعد أن نقل كلام المؤلف بنصه قال: (
…
الْبُنَانِيُّ: أَبُو عَلِيٍّ: كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصَحِّحَ هُوَ ابْنُ عَبْدُوسٍ لَا ابْنُ يُونُسَ، فَلَفْظُ الْأَصَحِّ فِي مَحَلِّهِ) انظر: منح الجليل للشيخ عليش: 6/ 353.
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
أرضه، وكَانَ الزرع بينهما. قال ابن عَرَفَة فِي نقل ابن يونس: هذا يدلّ عَلَى أن من ولي القيام بِهِ إنما وليه بعمل يده مَعَ شيءٍ آخر، بقر أو بذر، ثم نقل ابن يونس فِي باب بعد هذا عن أبي محمد بن أبي زيد أنّه قال: الذي ذكر محمد عَلَى أصل ابن القاسم أن الزرع لصاحب العمل إِذَا أسلمت الأرض إليه ويغرم مثل البذر لمخرجه، وكراء الأرض لربها، وإِن بعض القرويين اعترضه بأنه لَمْ يوجد لابن القاسم أن من انفرد بالعمل وحده بدون شيء آخر معه يكون له الزرع إنما جعل له الزرع إِذَا انضاف إِلَى ذلك أرض أو بذر ". انتهى. وقد أشار إليه فِي " توضيحه " (1) فدلّ أنّه قصده هنا.
(1) انظر تفصيل الصور في التوضيح، لخليل بن إسحاق: 9/ 521، وما بعدها.