الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب الاستحقاق]
وإِنْ زَرَعَ فَاسْتُحِقَّتْ فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزَّرْعِ أُخِذَ بِلا شَيْءٍ، وإِلا فَلَهُ قَلْعُهُ، إِنْ لَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ.
قوله: (وإِلا فَلَهُ قَلْعُهُ، إِنْ لَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ) شمل ما تراد له الزرع والمقاثي والبقل وغيرها من جنس ما زرع فيها الغاصب ومن غير جنسه، وهذا خلاف ما لأصبغ فِي " نوازله " من كتاب: كراء الأرضين، وخلاف ما حمل عَلَيْهِ عبد الحقّ وغيره لفظ " المدونة " من أن المراد بالإبان إبان ما زرع فيها الغاصب خصوصاً؛ مَعَ أنّه اقتصر عَلَى ذلك فِي " التوضيح "(1)، ولعله اعتمد هنا عَلَى قول ابن رشد فِي " نوازل " أصبغ المشار إليها: القياس أن يكون له قلعه بعد خروج إبان الزرع إِذَا كانت الأرض مما تصلح للمقاثي والبقل، وتبين أن رب الأرض لَمْ يقصد الإضرار بالغاصب بقلع زرعه، وإنما رغب فِي الانتفاع بأرضه للمقاتي أو البقل، إذ قد تكون المنفعة بذلك أكثر من المنفعة بالزرع.
وقد يدلّ عَلَى ذلك قول ابن الماجشون فِي " المجموعة " عن مالك، وقول المغيرة: إِذَا أسبل الزرع فلا يقلع؛ لأنه من الفساد العامّ للناس، ويمنع من قلعه ذلك كما يمنع من ذبح الفتايا مما فيه الحمولة من الإبل والحرث من البقر وذوات الدر من الغنم؛ لأن الزرع إِذَا كَانَ يقلع عندهما ما لَمْ يسبل، ولا شكّ فِي أن إبان حرث الزرع ينقضي قبل أن يسبل الزرع بكثير فقد أوجبا قلع الزرع بعد خروج الإبان، وذلك لا يكون إِلا لمنفعة تكون لصاحب الأرض فِي أرضه بقية العام من مقثاة يضعها فيها أو بقل
…
وما أشبه ذلك.
وقد روى ابن عبد الحكم عن مالك: أن له أن يقلع الزرع، سواءً قدر أن يزرع أم لا، والأول أحبّ إلينا، وظاهر قوله: أن له أن يقلع الزرع وإِن لَمْ يقدر أن يزرع فِي الأرض شيئاً أصلاً، ومعنى ذلك عندي إِذَا كَانَ ينتفع بذلك بحمام أرضه [102 / ب] أو لوجهٍ من وجوه المنافع غير الزرع؛ لأنه إِذَا لَمْ يكن له بذلك منفعة بحال فهو بقلعه قاصد للإضرار،
(1) انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 9/ 265 وما بعدها.
وقد قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار "(1).
ولَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ، [64 / أ] وإِلا فَكِرَاءُ السَّنَةِ كَذِي شُبْهَةٍ.
قوله: (كَذِي شُبْهَةٍ) يريد إِن لَمْ يفت الإبَّان، وأشار بِهِ لقول ابن القاسم فِي " المدونة ": وإن كانت الأرض تزرع فِي السنة مرة، فاستحقها وهي مزروعة قبل فوات إبان الزرع، فكراء تلك السنة للمستحق، وليس له قلع الزرع؛ لأن المكتري زرع بوجه شبهة (2).
أَوْ جُهِلَ حَالُهُ.
قوله: (أَوْ جُهِلَ حَالُهُ) قَالَ فِي " المدونة ": وإِذَا كَانَ مكري الأرض لا يعلم أغاصب هو أم مبتاع، فزرعها مكتريها منه، ثم استحقت فمكريها كالمشتري حتى يعلم أنّه غاصب (3).
وفَاتَتْ بِحَرْثِهَا فِيمَا بَيْنَ مُكْرٍ ومُكْتَرٍ، ولِلْمُسْتَحِقِّ أَخْذُهَا، ودَفْعُ كِرَاءِ الْحَرْثِ فَإِنْ أَبَى قِيلَ لَهُ أَعْطِ كِرَاءَ سَنَةٍ، وإِلا أَسْلِمْهَا بِلا شَيْءٍ، وفِي سِنِينَ يُفْسَخُ أَوْ يُمْضِي، إِنْ عَرَفَ النِّسْبَةَ، ولا خِيَارَ لِلْمُكْتَرِي لِلْعُهْدَةِ، وانْتَقَدَ إِنِ انْتَقَدَ الأَوَّلُ، وأَمِنَ هُو والْغَلَّةُ لِذِي الشُّبْهَةِ أَوِ الْمَجْهُولِ لِلْحُكْمِ كَوَارِثٍ ومَوْهُوبٍ.
قوله: (وفَاتَتْ بِحَرْثِهَا فِيمَا بَيْنَ مُكْرٍ ومُكْتَرٍ) السياق يعطي أن هذا فِي استحقاق الأرض، كالذي قبله والذي بعده؛ وإنما فرضه فِي " المدونة " فِي استحقاق ما أكريت بِهِ فقال: ومن اكترى أرضاً بعبدٍ أو بثوب، ثم استحق أو بما يوزن من نحاس أو حديد بعينه يعرفان وزنه، ثم استحق ذلك، فإن كَانَ استحق قبل أن يزرع أو يحرث انفسخ الكراء، وإِن كَانَ [بعد](4) ما زرع أو أحرث فيها عملاً فعَلَيْهِ قيمة كراء الأرض (5).
عياض: هو بين أن نفس الحراثة وإن لَمْ يزرع فوت، وللمكري كراء (6) المثل كما لَو زرعت،
(1) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 9/ 51: 53، والحديث أخرجه مالك في الموطأ برقم (1429) كتاب الأقضية، باب القضاء في المرفق، وابن ماجه في السنن برقم:(2340) كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره، والحاكم في المستدرك برقم (2345) كتاب البيوع.
(2)
انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 104.
(3)
النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 104، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 14/ 374.
(4)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(5)
انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 106.
(6)
في (ن 1): (كراء الأرض).
ولا يختلف أن ذلك كله فوت بين المكري والمكتري، فأنت ترى المصنف قد استعمل هنا عبارة عياض بعينها.
ومُشْتَرٍ [مِنْهُ](1)، إِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِخِلافِ ذِي دَيْنٍ عَلَى وَارِثٍ كَوَارِثٍ طَرَأَ عَلَى مِثْلِهِ، إِلا أَنْ يَنْتَفِعَ. وإِنْ غَرَسَ، أَوْ بَنَى قِيلَ لِلْمَالِكِ أَعْطِهِ قِيمَتَهُ قَائِماً، فَإِنْ أَبَى فَلَهُ دَفْعُ قِيمَةِ الأَرْضِ، فَإِنْ أَبَى فَشَرِيكَانِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْحُكْمِ، إِلا الْمُحَبَّسَةَ فَالنَّقْضُ.
قوله: (بِخِلافِ ذِي دَيْنٍ عَلَى وَارِثٍ كَوَارِثٍ طَرَأَ عَلَى مِثْلِهِ) لَو قدم طرأ فقال: بِخِلاف ذي دين طرأ عَلَى وارث كوارثٍ عَلَى مثله؛ لاتّضح مراده وظهر تصوّره.
وضَمِنَ قِيمَةَ الْمُسْتَحِقَّةِ، ووَلَدَهَا يَوْمَ الْحُكْمِ، وإلا أقَلَّ (2)، إِن أَخَذَ دِيَّةً لا صَدَاقَ حُرَّةٍ أَوْ غَلَّتَهَا، وإِنْ هَدَمَ مُكْتَرٍ تَعَدِّياً فَلِلْمُسْتَحِقِّ النَّقْضُ وقِيمَةُ الْهَدْمِ، وإِنْ أَبْرَأَهُ مُكْريهِ كَسَارِقِ عَبْدٍ، ثُمَّ اسْتُحِقَّ.
قوله: (وضَمِنَ قِيمَةَ الْمُسْتَحِقَّةِ، ووَلَدَهَا يَوْمَ الْحُكْمِ) لا يخفى أن هذه مستحقة بملك لا بحرية. قَالَ ابن الحَاجِب: وكَانَ مالك يقول لمستحقها أخذها إِن شاء مَعَ قيمة ولدها، ثم رجع فقال قيمتها يوم استحقاقها، ثم رجع فقال: قيمتها وحدها يوم وطئها. قَالَ أشهب: ثم رجع إِلَى القول الأول (3). قَالَ ابن عبد السلام: والقول الثالث هو الذي أفتى بِهِ مالك لما استحقت أم ولده [إبراهيم
قال فِي " التوضيح ": كذا سماه اللخمي والمازري، والذي نقله ابن رشد وعياض أم ولده] (4) محمد، قيل: وهو الصواب " انتهى (5)؛ إنما صوّب؛ لأنه لا يعرف له ولد اسمه إبراهيم، وإنما قَالَ فِي " المدارك ": [كان لمالك] (6) ابنان يحيي ومحمد؛ ولهذا قَالَ أبو الحسن الصغير: لعلّ إبراهيم تصحيف؛ وعَلَى هذا فلا يصحّ قول الشارح فِي " الكبير ": لعلها أمهما معاً.
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من أصل المختصر.
(2)
في المطبوعة: (الأقل).
(3)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:414.
(4)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(5)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 9/ 276.
(6)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).
بِخِلافِ مُسْتَحِقِّ مُدَّعِي حُرِّيَّةٍ، إِلا الْقَلِيلَ، ولَهُ هَدْمُ مَسْجِدٍ.
قوله: (بِخِلافِ مُسْتَحِقِّ مُدَّعِي حُرِّيَّةٍ، إِلا الْقَلِيلَ) هذا فِي مقابلة قوله: (لا صداق حرة أو غلتها) فلو وصله بِهِ لكان أولى
وإِنِ اسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْعَيْبِ (1).
قوله: (وَإِنِ اسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْعَيْبِ) كذا فِي بعض النسخ، وفِي بعضها فكالبيع، والأول أنصّ عَلَى المقصود.
ورُجِعَ لِلتَّقْوِيمِ.
قوله: (ورُجِعَ لِلتَّقْوِيمِ) أي لا للتسمية، وكذا فِي " المدونة "(2).
ولَهُ رَدُّ أَحَدِ عَبْدَيْنِ اسْتُحِقَّ أَفْضَلُهُمَا بِحُرِّيَّةٍ.
قوله: (وَلَهُ رَدُّ أَحَدِ عَبْدَيْنِ [اسْتُحِقَّ أَفْضَلُهُمَا] (3) بِحُرِّيَّةٍ) كذا فرض الاستحقاق فِي " المدونة ": بحرية (4). قَالَ أبو الحسن الصغير: ولم يره من باب صفقة جمعت حلالاً وحراماً؛ لأنهما لَمْ يدخلا عَلَى ذلك، فجعل ذلك من قبيل العيوب، وكذلك من اشترى
(1) في (ن 3): (فكالبيع) وكذا في أصل المختصر لدينا وفي مطبوعة المختصر التي اعتمدناها: (فكالمبيع) وللشراح هنا توقف يحسن سوق بعض كلامهم. قال المواق: (. .فالكعيب) لا شك أن هذا تصحيف وإنما هو فكالمبيع؛ لأن باب البيع وباب الاستحقاق في هذا واحد) انظر: التاج والإكليل، للمواق: 5/ 304، وقال الخرشي:(نسخة كالعيب أنصّ على المقصود كما هو للمؤلف هنا، وشرحها الحطاب على نسخة (المبيع) 5/ 304، وجمع الدسوقي القول بقوله:(كل من النسختين مفسرة للمراد من الأخرى): 3/ 469، فكلام الدسوقي كالملخص لكلام المؤلف هنا، الذي استعمل أفعل التفضيل.
(2)
نصّ تهذيب المدونة: (ومن ابتاع سلعاً كثيرة في صفقة واحدة، فإنما يقع لكل سلعة منها حصتها من الثمن يوم وقعت الصفقة، ومن ابتاع صبرة قمح وصبرة شعير جزافاً في صفقة بمائة دينار، على أن لكل صبرة خمسين ديناراً، أو ثياباً أو رقيقاً، على أن لكل عبد أو ثوب من الثمن كذا وكذا، فاستحقت إحدى الصبرتين أو أحد العبيد أو الثياب، فإن الثمن ينقسم على جميع الصفقة، فما أصاب الذي استحق من الثمن وضع عن المبتاع، ولا ينظر إلى ما سميا من الثمن. ولو اشترى صبرة القمح وصبرة الشعير على الكيل، على أن كل قفيز بدينار لم يجز البيع) انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 115.
(3)
في (ن 2): (استحقا أحدهما).
(4)
قال في تهذيب المدونة: (ومن ابتاع عبدين في صفقة، فاستحق أحدهما بحرية بعد أن قبضه أو قبل، فإن كان وجه الصفقة، فله رد الباقي، وإن لم يكن وجهها لزمه الباقي بحصته من الثمن، وإنما يقوّم المستحق قيمته أن لو كان عبداً، وكذلك لو كان المستحق مكاتباً أو مدبراً أو أم ولد) انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 115.
شاتين مذبوحتين، فوجد إحداهما غير ذكية أو قلّتا خل فوجد إحداهما خمراً أو داراً فوجد بعضها حبساً مقبرة أو غيرها ". انتهى.
فكأنه قصد الوجه المشكل.
كَأَنْ صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ بِآخَرَ، وهَلْ يُقَوَّمُ الأَوَّلُ يَوْمَ الصُّلْحِ أَوْ يَوْمَ الْبَيْعِ؟ تَأْوِيلانِ.
قوله: (كَأَنْ صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ بِآخَرَ) هذا هو الصواب بكاف التشبيه، فلا يخالف ما فِي " المدونة (1) ".
وإِنْ صَالَحَ فَاسْتُحِقَّ مَا بِيَدِ مُدَّعِيهِ رَجَعَ فِي مُقِرٍّ بِهِ لَمْ يِفُتْ، وإِلا فَفِي عِوَضِهِ كَإِنْكَارٍ عَلَى الأَرْجَحِ، لا إِلَى الْخُصُومَةِ.
قوله: (وإِنْ صَالَحَ فَاسْتُحِقَّ مَا بِيَدِ مُدَّعِيهِ رَجَعَ فِي مُقِرٍّ بِهِ لَمْ يِفُتْ، وإِلا فَفِي عِوَضِهِ كَإِنْكَارٍ عَلَى الأَرْجَحِ) لا يخلو هذا الكلام من نظر؛ لأنه [إن](2) أراد بعوضه قيمة المقرّ بِهِ الفائت إِن كَانَ من ذوات القيم، ومثله إِن كَانَ من ذوات الأمثال فهذا صحيح فِي نفسه، ولكن لا يصحّ تشبيه مسألة الإنكار بِهِ، وإِن أراد بعوضه عوض المستحق فليس بصحيح فِي نفسه، ولكن تشبيه مسألة الإنكار بِهِ صحيح.
ومَا بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَفِي الإِنْكَارِ يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ [إن لم يفت](3)، وإِلا فَبِقِيمَتِهِ، وفِي الإِقْرَارِ لا يَرْجِعُ كَعِلْمِهِ صِحَّةَ مِلْكِ بَائِعِهِ، لا إِنْ قَالَ دَارُهُ، وفِي عَرْضٍ بِعَرْضٍ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ، إِلا نِكَاحاً وخُلْعاً، وصُلْحَ عَمْدٍ، ومُقَاطَعاً بِهِ عَنْ عَبْدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ عُمْرَى، وإِنْ أُنْفِذَتْ وَصِيَّةُ مُسْتَحِقٍّ بِرِقٍّ لَمْ يَضْمَنْ وَصِيٌّ وحَاجٌّ إِنْ عُرِفَ بِالْحُرِّيَّةِ، وأَخَذَ السَّيِّدُ مَا بِيعَ، ولَمْ يَفُتْ بِالثَّمَنِ كَمَشْهُودٍ بِمَوْتِهِ، إِنْ عُذِرَتْ بَيِّنَتُهُ، وإِلا فَكَالْغَاصِبِ.
قوله: (وَمَا بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَفِي الإِنْكَارِ يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ إن لم يفت) كذا ثبت هذا الشرط فِي بعض النسخ، وهو صواب؛ ولذا قَالَ بعده:(وَإِلا فقيمته).
(1) انظر النص السابق.
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من المطبوعة وفي أصل المختصر لدينا: (إِنْ كَانَ قَائِماً) وما هو مثبت لم أقف عليه في شروح المختصر إلا في التاج والإكليل، للمواق: 5/ 305.