الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب العارية]
صَحَّ ونُدِبَ إِعَارَةُ مَالِكِ مَنْفَعَةٍ بِلا حَجْرٍ وإِنْ مُسْتَعِيراً.
قوله: [98 / ب](وإِنْ مُسْتَعِيراً) هو كقول ابن الجلاب (1): ومن استعار شيئاً إِلَى [مدة](2) فلا بأس أن يكريه من مثله فِي المدة، ولا بأس أن يعيره أَيْضاً من مثله (3). وعَلَيْهِ اقتصر ابن شاس وابن الحَاجِب (4) وقبله ابن هارون وابن عبد السلام، وزاد وقد منع بعض الأئمة عارية المستعير، ولبعض شيوخ المذهب ركون (5) إِلَى ذلك قَالَ: لأن المستعير لَمْ يحصل له ملك (6) المنفعة حقيقة، وإنما حصل له الإذن فِي التصرف [على وجه ما، ورأى أن الإذن فِي التصرف أعمّ من ملك المنفعة الذي هو شرط صحة العارية، والأعمّ لا يستلزم الأخصّ](7) بعينه وفيه نظر. ثم خرج الخلاف فِي العارية عَلَى الخلاف فِي الإجارة.
[وقَالَ فِي " التوضيح ": مبنى الخلاف: هل المستعير مالك المنفعة أو الانتفاع؟ (8)، وأما ابن عَرَفَة فأغفل نصّ ابن الجلاب (9) وقال: يؤيد نقل ابن شاس وابن الحَاجِب قوله فِي الوصايا الثاني من " المدونة ": وللرجل أن يؤاجر ما أوصى له بِهِ من سكنى دار أو خدمة عبد. قَالَ فِي الوصايا الأول: إِلا أن يريد بالعبد ناحية الكفالة والحضانة؛ لكن قَالَ فِي الجعل والإجارة من " المدونة ": وإِن استأجرت ثوباً تلبسه يوماً إِلَى الليل فلا تعطه غيرك
(1) في (ن 3): (الحاجب).
(2)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).
(3)
انظر: التفريع، لابن الجلاب: 2/ 289.
(4)
انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 3/ 857، ونصه:(العارية تبرع بالمنافع، فتصح من المستعير والمستأجر) وقال ابن الحاجب: (المعير مالك المنفعة غير محجور عليه، فتصح من المستعير والمستأجر) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:407.
(5)
في (ن 1): (وكون).
(6)
في الأصل، (ن 1)، و (ن 3):(مالك).
(7)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).
(8)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 9/ 181.
(9)
في الأصل، و (ن 1):(الحاجب).
ليلبسه لاختلاف اللبس والأمانة.
وكره مالك لمكتري الدابّة لركوبها كراءها من غيره ولو كَانَ أخفّ منه (1)، وتمام هذا فِي الإجارة، وما منع فيها فأحرى فِي العارية، وفِي " الزاهي " لابن شعبان: من استعار دابّة فلا يركبها غيره وإِن كَانَ مثله فِي الخفة والحال.
لا مَالِكِ انْتِفَاعٍ.
قوله: (لا مَالِكِ انْتِفَاعٍ) أصل هذا التحرير فِي الفرق الثلاثين من قواعد القرافي، وقد صححه ابن الشاط، وفِي الإجارات من " قواعد " المقري: من ملك المنفعة فله المعاوضة عَلَيْهَا وأخذ عوضها، ومن ملك أن ينتفع فليس له المعاوضة كسكنى المدرسة والرباط والجلوس فِي المسجد والطريق، وانظر المكان فِي الحمام. قَالَ القرافي: ومن ثم لَمْ تجز قبالة المدارس إِذَا عدم الساكن، لأنها إنما جعلت للسكنى لا للغلة كالمسجد للصلاة.
مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ عَيْناً لِمَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ، لا كَذِمِّيٍّ مُسْلِماً وجَارِيَةٍ لِلْوَطْئِ، أَوْ خِدْمَةٍ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ، أَوْ لِمَنْ تَعْتِقُ (2) عَلَيْهِ، وهِيَ لَهُ، والأَطْعِمَةُ والنُّقُودُ قَرْضٌ بِمَا يَدُلُّ، وجَازَ أَعِنِّي بِغُلامِكَ لأُعِينَكَ إِجَارَةً وضَمِنَ الْمَغِيبَ عَلَيْهِ، إِلا لِبَيِّنَةٍ. وهَلْ، وإِنْ شَرَطَ نَفْيَهُ؟ تَرَدُّدٌ لا غَيْرُهُ ولَوْ بِشَرْطٍ، وحَلَفَ فِيمَا عُلِمَ أنّه بِلا سَبَبِهِ. كَسُوسٍ أنّه مَا فَرَّطَ وبَرئَ فِي كَسْرِ كَسَيْفٍ، إِنْ شُهِدَ لَهُ أنّه مَعَهُ فِي اللِّقَاءِ، أَوْ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَ مِثْلِهِ، وفَعَلَ الْمَأْذُونَ، ومِثْلَهُ ودُونَهُ، لا أَضَرَّ وإِنْ زَادَ مَا تَعْطَبُ [63 / أ] بِهِ، فَلَهُ قِيمَتُهَا، أَوْ كِرَاؤُهُ كَرَدِيفٍ.
قوله: (مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ) اختصره من قول ابن الحَاجِب: " المستعير أهل للتبرع عَلَيْهِ فلا يعار ذمي مسلماً (3). قَالَ ابن عبد السلام: يريد أنّه يشترط فِي المستعير أن يكون أهلاً لأن يتبرع بالمستعار (4) بخصوصيته، وقبله فِي " التوضيح " (5)، وقَالَ ابن عَرَفَة:
(1) انظر النقول على التوالي في تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 280، و4/ 250، و3/ 353، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 11/ 477.
(2)
في المطبوعة: (لا تعتق).
(3)
انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:407.
(4)
في (ن 1): (المستعير).
(5)
انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 9/ 183.
المستعير قابل ملك المنفعة، فلا يعار كافر عبداً مسلماً ولا ولد والده، وقول ابن الحَاجِب: والمستعير أهل للتبرع عَلَيْهِ. قاصرٌ؛ لأن الكافرَ والولدَ أهلٌ للتبرع عَلَيْهِ، وجواب (1) ابن عبد السلام بأن مراده زيادة بالمستعار بخصوصيته، يردّ بأن كل كلام لا يصح كذلك لصحة تقييده بما بِهِ يصح.
واتُّبِعَ إِنْ أَعْدَمَ ولَمْ يَعْلَمْ بِالإِعَارَةِ، وإِلا فَكِرَاؤُهُ (2).
قوله: (وإِلا فَكِرَاؤُهُ) كذا فِي بعض النسخ، وقد علمت معناه، وفِي بعضها: وإِلا (فكمردفه) ومعناه: وإِن كَانَ الرديف عالماً بالإعارة فهو كمردفه، فلربها أن يضمن من شاء منهما إما القيمة وإما الكراء.
ولَزِمَتِ الْمُقَيَّدَةُ بِعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ لانْقِضَائِهِ، وإِلا فَالْمُعْتَادُ، ولَهُ الإِخْرَاجُ فِي كَبِنَاءٍ، إِنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ، وفِيهَا أَيْضاً قِيمَتُهُ، وهَلْ خِلافٌ، أَوْ قِيمَتُهُ إِن لَمْ يَشْتَرِهِ، أَوْ إِنْ طَالَ أَوِ اشْتَرَاهُ بِغَبْنٍ كَثِيرٍ؟ تَأْوِيلاتٌ. وإِنِ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْبِنَاءِ أَوِ الْغَرْسِ فَكَالْغَصْبِ، وإِنِ ادَّعَاهَا الآخِذُ والْمَالِكُ الْكِرَاءَ فَالْقَوْلُ لَهُ [بِيَمِينٍ](3)، إِلا أَنْ يَأْنَفَ مِثْلُهُ، كَزَائِدِ الْمَسَافَةِ إِنْ لَمْ يَزِدْ، وإِلا فَلِلْمُسْتَعِيرِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ والْكِرَاءِ، وإِنْ بِرَسُولٍ مُخَالِفٍ كَدَعْوَاهُ رَدَّ مَا لَمْ يَضْمَنْ.
قوله: (وإِلا فَالْمُعْتَادُ) هو خلاف ما فِي " المدونة "(4) إِلا أن ابن يونس صوّبه، وقوله:" وله الإخراج " وفاق لما فِي " المدونة "، فكلامه متناقض، وعدّها ابن الحَاجِب قولين (5)،
(1) في (ن 1): (وجوب).
(2)
في أصل المختصر: (فكمردفه).
(3)
ما بين المعكوفتين: ساقط من المطبوعة.
(4)
نص تهذيب المدونة: (ومَنْ أَذِنْت لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي أَرْضِكَ أَوْ يَغْرِسَ، فَلَمَّا فَعَلَ أَرَدْت إخْرَاجَهُ، فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ مِمَّا يَرَى أَنَّهُ لَا يُشْبِهُ أَنْ يُعِيرَ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَلَيْسَ لَكَ إخْرَاجُهُ إلَّا أَنْ تُعْطِيَهُ مَا أَنْفَقَ) انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 310.
(5)
نص ابن الحاجب المقصود على طوله: (ولا يتعدى المأذون فيه فلا يزرع ما ضرره أكثر فإن أطلق فاستعمال مثلها وهي لازمة فإن أجّلها بمدة أو عمل لزمت إلى انقضائه، وإلا فالمعتاد في مثلها، وفي اللزوم قبل القبض قولان) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:406.
وقبله ابن عبد السلام وابن عَرَفَة والمصنف، فلو قَالَ وإِلا فالمعتاد عَلَى الأَرْجَح وفيها وله الإخراج فِي كبناء
…
إِلَى آخره لأجاد (1).
وإِنْ زَعَمَ أنّه مُرْسَلٌ لاسْتِعَارَةِ حُلِيٍّ وتَلِفَ ضَمِنَهُ مُرْسِلُهُ، إِنْ صَدَّقَهُ، وإِلا حَلَفَ وبَرِئَ، ثُمَّ حَلَفَ الرَّسُولُ وبَرِئَ وإِنِ اعْتَرَفَ بِالْعَدَاءِ وضَمِنَ الْحُرُّ والْعَبْدُ فِي ذِمَّتِهِ، إِنْ عَتَقَ، وإِنْ قَالَ أَوْصَلْتُهُ لَهُمْ فعَلَيْهِ وعَلَيْهِمُ اليَمِين.
قوله: (وَإِنْ زَعَمَ أنّه مُرْسَلٌ لاسْتِعَارَةِ حُلِيٍّ وتَلِفَ
…
إِلَى قوله: فعَلَيْهِ وعليهم اليَمِين) اختصار عجيب مستوفٍ لما فِي رسم البراءة من سماع عيسى من كتاب العارية (2).
ومُؤْنَةُ أَخْذِهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَرَدِّهَا عَلَى الأَظْهَرِ.
قوله: (وَمُؤْنَةُ أَخْذِهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَرَدِّهَا عَلَى الأَظْهَرِ) كذا فِي " المقدمات "(3).
وفِي عَلَفِ الدَّابَّةِ قَوْلانِ.
قوله: (وفِي عَلَفِ الدَّابَّةِ قَوْلانِ) من " الاستغناء " قَالَ بعض أصحابنا: من [استعار](4) دابّة أو شيئاً له نفقة فذلك عَلَى المعير [(5) وليس عَلَى المستعير منه شيء؛ لأنه لَو
(1) نقل الحطّاب كلام المؤلف وعقّب بقوله: (ومَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ)، انظر: مواهب الجليل: 5/ 271، وصوب العدوي أيضا ما للمؤلف هنا من دعوى التناقض، ونقل كلام المؤلف أيضا، انظر: حاشية العدوي على الخرشي: 6/ 504.
(2)
نص ما جاء في كتاب البراءة من سماع عيسى: (وسألته عن الخادم أو الحرة تأتي قوماً فتستعير منهم حلياً، وتزعم أن أهلها بعثوها فيُعيرونها فيهلك الحلي منها فيجحد أهلها، ويقرون أنهم بعثوها وقد هلك منها المتاعُ قبل أن تخلص إليهم، أو يأتي الرجلُ الرجل فيقول إن فلاناً بعثني إليك لتُعيره شيئاً من متاعك أو تبتاع له بدين، قال: إن صدقوه الذين بعثوه فهم ضامنون والرسول بريء، وإن حجدوا وحلفوا ما بعثوه حلف الرسول بالله لقد بعثوه، ولا شيء على كل واحد منهم؛ لأن الذين بعثوه لم يُقروا له بشيء وأن الرسول قد صدقه الذين أعطوه بما جاء به من الرسالة، فليس عليهم أكثر من يمينهم بالله ما بعثوه، وإن أقر الرسول بأنه تعدى وكان حراً ضمن، وإن كان عبداً كان في ذمته إن أعتق يوماً ما أو أفاد مالاً ولم يكن في رفقته شيء، قال: ولو زعم الرسول أنه قد أوصله إلى الذين بعثوه وجحدوه لم يكن عليهم ولا عليه إلا اليمين ويبروا). انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 15/ 328.
(3)
انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 2/ 163.
(4)
في ن 1: (الاستعارة).
(5)
من هنا سقط من: (ن 1) إلى قوله بعد: (وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال).
كَانَ عَلَى المستعير لكان كراءً، وقد يكون العلف فِي الغلاء أكثر من الكراء، فيخرج من عارية إِلَى كراء.
ولبعض المفتين: إِلا فِي الليلة والليلتين فذلك عَلَى المستعير، وقيل أَيْضاً فِي الليلة والليلتين على ربّها، وأما فِي المدة الطويلة والسفر البعيد فعلى المستعير كنفقة العبد المخدم، وكأنه أقيس ". انتهى.
وفِي كتاب " الوصايا الأول من " المدونة ": ونفقة الموصي بخدمته فِي الخدمة عَلَى المخدم (1). عياض: عَلَى الذي أُخدِم بضم الهمزة وكسر الدال، كذا ضبطناه (2) في الكتاب، وعَلَيْهِ اختصرها أكثرهم، قالوا وعَلَى الذي له الخدمة، وكذا جاءت مبينة فِي كتاب محمد وغيره، ثم قَالَ: وقد اختلف فِي زكاة الفطر عن العبد المخدم ففي " المدونة " فِي الزكاة: ذلك عَلَى ربه، وكذلك إِذَا جعل رقبته لآخر فعلى صاحب الرقبة (3)، وقَالَ أشهب فِي كتاب محمد عَلَى من له الرقبة (4) فيهما، وعَلَى الخلاف فِي ذلك يتصور الخلاف فِي نفقة المخدم، وقد ضبطه بعض الرواة هنا عَلَى الذي أخدم بالفتح فيهما أي عَلَى ربه.
(1) النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 4/ 250، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 15/ 32.
(2)
في ن 4: (أصبناه).
(3)
نص المدونة، لابن القاسم:(والفطرة على الموصى بخدمته لرجل، ثم برقبته لآخر على صاحب الرقبة، إن قبل الوصية كمن أخدم عبده رجلاً أمداً فصدقة الفطر عنه على سيده الذي أخدمه) انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 1/ 182.
(4)
في (ن 4): الخدمة.