الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: في أثر الزهري في المغازي
المبحث الأول: هل له كتاب في المغازي
…
الفصل الثاني: في أثر الإمام الزهري في المغازي
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: هل له كتاب في المغازي؟
المبحث الثاني: في منهجه في رواية المغازي.
المبحث الثالث: في القيمة العلمية لمغازي الزهري.
المبحث الأول: هل له كتاب في المغازي؟
وردت بعض النصوص تدل على أن الزهري كان لديه كتاب أو صحيفة.
فقد ذكر يعقوب الفسوي أنه سأل أبا سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم
…
قلت له: فعبد الرحمن بن يزيد بن تميم أين هو من أخيه عبد الله؟ قال: كان عبد الله يتهم بالقدر، وكان عبد الرحمن عنده كتاب كتبه الزهري، وكان عند ابنه، لم يقض لنا أن نكتب عنه ذلك الكتاب1.
والنص الثاني: ذكره أبو زرعة عن الأوزاعي قال: “دفع إليّ يحيى بن أبي كثير صحيفة فقال: أروها عني، ودفع إلىّ الزهري صحيفة فقال: اروها عني"2.
النص الثالث: ذكر ابن الأثير في أسد الغابة تحت ترجمة سعد بن المنذر الأنصاري أن أبا نعيم ذكر أن بعض المتأخرين يعني ابن منده أنهم
1 المعرفة والتاريخ 2/394-395.
2 تاريخ أبي زرعة رقم (375) و (2313) .
ذكروا أن سعد بن المنذر الأنصاري شهد العقبة وبدراً، قال أبو نعيم:"ولم أرَ له ذكراً في كتاب الزهري، ولا ابن إسحاق في العقبة"1.
هذه النصوص التي اطلعت عليها، وهي ربما تشير إلى أن الزهري كانت لديه صحيفة أو كتاب، ولكن لم تشر تلك النصوص إلى أن هذه الصحيفة أو ذلك الكتاب كان مؤلفاً في الحديث أو المغازي أو في كليهما، مما يجعلنا لا نجزم بشيء من ذلك، ولكن يمكن القول حمل تلك النصوص على أن المراد بتلك الصحيفة أو الكتاب، الكتاب الذي كتبه الزهري في النسب كما سيأتي.
وقد ذكر السهيلي في قصة نكاح النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة أن الزهري ذكر ذلك في سيره، وهي أول سيرة ألفت في الإسلام2.
كما أن ابن كثير ذكر أن للزهري كتاباً في المغازي أو السير3، وكذلك قال حاجي خليفة4.
وربما كان مستندهم تلك الروايات التي ذكرتها آنفاً، أو أنهم استندوا إلى روايات تدل على أن الزهري كان يكتب كل شيء وهي:
1- ما روي عن صالح بن كيسان قال: اجتمعت أنا والزهري ونحن
1 أسد الغابة 2/377، ترجمة رقم (2046) .
2 الروض الأنف 1/214.
3 السيرة النبوية 1/249، 267.
4 كشف الظنون 2/1747.
نطلب العلم، فقلنا نكتب السنن قال: وكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ثم قال: تعالَ نكتب ما جاء عن الصحابة فإنه سنة، قال: قلت: إنه ليس بسنة فلا نكتبه، ولم أكتب فأنجح وضيعت1.
2-
ما روي عن أبي الزناد قال: كنت أطوف أنا وابن شهاب، ومع ابن شهاب الألواح والصحف فكنا نضحك به2.
3-
ما روي عن مالك بن أنس أنه كان يقول: سمعت الزهري يقول: حضور المجلس بلا نسخة ذلٌّ3.
وحتى هذه النصوص لا تذكر أن للزهري كتاباً في السيرة أو المغازي، ولكنها روايات عامة.
وهناك نصوص أخرى تدل دلالة واضحة أن الزهري لم يكن لديه كتاب في المغازي وكل ما عنده كتاب فيه نسب قومه وشيء من الشعر.
فقد روي عن يونس بن يزيد الأيلي أنه قال للزهري: "أَخرج إليّ كتبك، فقال: يا جارية هات ذلك السفط، قال: فجاءت بسفط، فإذا فيه شيء من نسب قومه وشعر، قال: ليس عندي مكتوب أو نحو هذا"4.
ولا يتصور أن يخفي الزهري شيئاً عن تلميذه يونس وهو من
1 سبق تخريجه ص 99
2 سبق تخريجه ص 99
3 الحلية 3/366.
4 المعرفة والتاريخ 1/641.
خواصه، وكيف يكون ذلك وهو القائل ليونس:"إياك وغلول الكتب، قلت: وما غلولها؟ قال: حبسها عن أهلها"1.
وقال قرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل: "لم يكن للزهري كتاب إلا كتاب فيه نسب قومه"2.
وقال مالك: "ولقد هلك ابن المسيب ولم يترك كتاباً، ولا القاسم بن محمد، ولا عروة بن الزبير ولا ابن شهاب"3.
فهذا مالك وهو من خواص تلاميذ الزهري ينفي وجود كتاب للزهري لا في المغازي ولا في غيره.
وقال مالك أيضاً: "حدثنا ابن شهاب بحديث فيه طول، قلت: أعد أما كنت تحب أن يعاد عليك؟ قال: لا، فقلت: أكنت تكتب؟ قال: لا"4.
وقال أيضاً: "قلت لابن شهاب – وأنا أريد أن أخصمه – ما كنت تكتب؟ قال: لا، قلت: ولا تسأل أن يعاد عليك الحديث؟ قال: لا"5.
1 الحلية 3/366.
2 المعرفة والتاريخ 1/641، وتاريخ أبي زرعة رقم (953) .
3 تاريخ أبي زرعة رقم (1380) .
4 التاريخ الكبير للبخاري 1/221 ترجمة رقم (693) ، وتاريخ دمشق رقم (81، 82، 83، 85، 89،) ترجمة الزهري.
5 تاريخ أبي زرعة رقم (1281) ، وتاريخ دمشق (86و87) ترجمة الزهري.
وقال عبد العزيز بن أبي سلمة بن الماجشون: "سمعت ابن شهاب يقول: ما كتبت شيئاً قط، ولقد وليت الصدقة، فأتيت سالم بن عبد الله، فأخرج إليّ كتاب الصدقة فقرأه علي فحفظته"1.
ويمكن حمل تلك النصوص العامة التي تدل على أن الزهري كان يكتب، يمكن حملها على أن ذلك كان أيام الطلب، وأن ذلك كان من أجل مذاكرتها وحفظها، ثم محاها بعد ذلك، يدل ذلك ذكر ما رواه إبراهيم بن سعد عن عكرمة قال:"كنا نأتي الأعرج، ويأتيه ابن شهاب، قال: فنكتب، ولا يكتب ابن شهاب، قال: فربما كان الحديث فيه طول، قال: فيأخذ ابن شهاب ورقة من ورق الأعرج، قال: وكان الأعرج يكتب المصاحف، ثم يكتب، ثم يقرأ، ثم يمحوه مكانه، وربما قام بما معه فيقرؤها ثم يمحوها"2.
وأما ما ذكره الفسوي وأبو زرعة من أن الزهري كان له كتاب أو صحيفة، فبالرغم من عدم ذكر ما في تلك الصحيفة إلا أننا لا نستطيع الجزم بحملها على أنها تشتمل على مغازي الزهري، وربما كانت تلك الصحيفة من إملاء بعض تلاميذه، وأين تلك الصحيفة من علم الزهري؟
أما ما ذكره المتأخرون من أن للزهري كتاباً في المغازي أو السير، فإن أقوالهم تُحمل على أن المراد بسيرة الزهري تلك الروايات التي دونها
1 التمهيد 5/108-109.
2 المعرفة والتاريخ 1/633، وتاريخ دمشق رقم (62و63) ، ترجمة الزهري.
تلامذته عنه، فنسبة تدوينها له من قبيل المجاز وكذلك يحمل كلام الدكتور: محمد مصطفى الأعظمي1.
وأن الذي ترجح لدي عدم وجود كتاب للزهري لا في المغازي ولا في السيرة، وأن ما نسب إليه هو مما أملاه على تلاميذه في مجلس الرواية، سواء كان أحاديث في الأحكام أم المغازي أو غيره من غير تحديد بفن معين، والله أعلم.
1 دراسات في الحديث النبوي 1/204، فقد ذكر نصاً عن إسحاق بن راشد الجزري يحدث عن الزهري فقيل له: أين لقيته؟ قال: مررت ببيت المقدس، فوجدت له كتاباً، ونص آخر عن جعفر بن برقان الكلابي أنه روى عن الزهري نسخة.