الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: في تخذيل نعيم بن مسعود الأحزاب
84-
قال الزهري1 في حديثه عن ابن المسيب: فبينا هم كذلك إذ جاءهم نعيم بن مسعود الأشجعي، وكان يأمنه الفريقان، كان موادعاً لهما، فقال: إني كنت عند عيينة وأبي سفيان إذ جاءهم رسول بني قريظة: أن اثبتوا فإنا سنخالف المسلمين إلى بيضتهم2، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلعلنا أمرناهم بذلك، وكان نعيم رجلاً لا يكتم الحديث، فقام بكلمة النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه عمر، فقال: يا رسول الله إن كان هذا الأمر من الله فامضه، وإن كان رأياً منك فإن شأن قريش وبني قريظة أهون من أن يكون لأحد عليك فيه مقال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"عليّ الرجل ردوه"، فردوه فقال: "انظر
1 مصنف عبد الرزاق 5/368، رقم (9737) ، هذه الرواية علقها عبد الرزاق عن الزهري فهي ضعيفة، لكن يشهد لبعض ما جاء فيها ما أخرجه البخاري ومسلم كما سيأتي.
2 بيضتهم: أي مجتمعهم وموضع سلطانهم، ومستقر دعوتهم، بيضة الدار: وسطها ومعظمها. النهاية 1/ 172.
الذي ذكرنا لك، فلا تذكره لأحد" فإنما أغراه، فانطلق حتى أتى عيينة وأبا سفيان، فقال: هل سمعتم من محمد يقول قولاً إلا كان حقاً؟
قالا: لا، قال: فإني لما ذكرت له شأن قريظة، قال: فلعلنا أمرناهم بذلك، قال: أبو سفيان: سنعلم ذلك إن كان مكراً، فأرسل إلى بني قريظة، أنكم قد أمرتمونا أن نكتب وأنكم ستخالفون المسلمين إلى بيضتهم فأعطونا بذلك رهينة، فقالوا: إنها دخلت ليلة السبت، وإنا لا نقضي في السبت شيئاً1، فقال أبو سفيان: إنكم في مكر من بني قريظة، فارتحلوا، وأرسل الله عليهم الريح وقذف في قلوبهم الرعب، فأطفأت نيرانهم وقطعت أرسان2 خيولهم، وانطلقوا منهزمين من غير قتال، قال: فذلك حين يقول: {وكفى اللهُ المؤمنين القِتَالَ وكانَ اللهُ قَوِيّاً عَزِيْزَاً} 3.
قال: فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلبهم، فطلبوهم حتى بلغوا حمراء
1 السبت: الراحة والسكون، أو أصله من القطع ترك الأعمال، وسَبَتَتْ اليهود تسبت إذا أقاموا عمل يوم السبت، وقيل: سمي يوم السبت، لأن الله خلق العالم في ستة أيام آخرها يوم الجمعة، وانقطع العمل فسمي اليوم السابع يوم السبت. النهاية 2/ 331.
2 أرسان: جمع رَسَن وهو الحبل الذي يقاد به البعير وغيره، يقال: رسنت الدابة وأرسنتها، النهاية 2/ 224.
3 سورة الأحزاب، آية (25) .
الأسد، قال: فرجعوا، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته1، واغتسل واستجمر2، فنادى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل: عذيرك3 من محارب، ألا أراك قد وضعت اللأمة؟ ولم نضعها نحن بعد، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً؛ فقال لأصحابه:"عزمت عليكم ألا تصلوا العصر4 حتى تأتوا بني قريظة"، فغربت الشمس قبل أن يأتوها، فقالت طائفة من المسلمين: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن تدعوا الصلاة، فصلوا، وقالت طائفة: إنا لفي عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علينا من بأس، فصلت طائفة إيماناً واحتساباً، وتركت طائفة إيماناً واحتساباً، قال: فلم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم واحداً من الفريقين5، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم
1 تقدم التعريف بها في غزوة أحد.
2 استجمر: بالجمر، إذا تبخر بالعود. اللسان (جمر) . وانظر ما يشهد لذلك في صحيح البخاري مع الفتح 7/ 407.
3 عذيرك: هو فعيل. بمعنى فاعل: أي هات من يعذرك فيه. النهاية 3/ 197.
4 يشهد له ما رواه البخاري في صحيحه. الفتح 7/ 407 رقم (4119) ، ومسلم (1770) إلا أنه ذكر الظهر بدلاً من العصر، وقد نقل ابن حجر جمع بعض العلماء بين الروايتين أي الرواية التي تذكر العصر والأخرى التي تذكر الظهر، والتي ذكرها مسلم في صحيحه فقال: "وقد جمع بعض العلماء بين الروايتين باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلى الظهر، وبعضهم لم يصلها، فقيل لمن لم يصلها لا يصلين أحد الظهر، ولمن صلاها، لا يصلين أحد العصر. الفتح 7/ 409.
5 يشهد له ما رواه البخاري ومسلم. انظر: البخاري مع الفتح 7/ 407- 408 رقم (4119) ومسلم رقم (1770) .
فمر بمجالس بينه1 وبين بني قريظة، فقال:"هل مر بكم من أحد؟ "
فقالوا: نعم، مر علينا دحية الكلبي2 على بغلة شهباء3 تحته قطيفة4 ديباج5، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس ذلك ولكنه جبريل، أُرسل إلى بني قريظة ليزلزل حصونهم ويقذف في قلوبهم الرعب"، فحاصرهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يستروه بِحُجُفِهم6 ليقوه الحجارة حتى يسمع كلامهم، ففعلوا، فناداهم:"يا إخوة القردة والخنازير"، فقالوا: يا أبا القاسم ما كنت فاحشاً7، فدعاهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم، فأبوا أن يجيبوه إلى الإسلام فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، وأبوا
1 هذه المجالس مجالس بني (غَنْم) . انظر: الرواية رقم [86] ص 408، وانظر: البخاري رقم (4118) .
2 هو: دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج الكلبي صحابي مشهور، أول مشاهده الخندق، وقيل أحد، ولم يشهد بدراً، وكان يضرب به المثل في حسن الصورة، وكان جبريل عليه السلام ينزل على صورته، عاش إلى خلافة معاوية. الإصابة 1/ 473- 474.
3 شهباء: الشهب: بياض بصدغه سواد. القاموس، مادة (شهب) .
4 القطيفة: كساء له خَمْل
…
، القاموس، مادة (قطف) .
5 الديباج: الثياب المتخذة من الإبريسم. فارسي معرب. النهاية 2/ 97.
6 الحجف: التروس من جلود بلا خشب ولا عقب، واحدتها حجفة. القاموس، مادة (حجف) .
7 الفحش: القول القبيح. القاموس، مادة (فحش) .
أن ينزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم فنزلوا على داء1، فأقبلوا بهم وسعد ابن معاذ أسيراً2 على أتان3، حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستأمراً ينتظره فيما يريد أن يحكم به فيجيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد أن يقول: انفر بما أنا حاكم وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بقول نعم، قال سعد: فإني أحكم بأن يقتل مقاتلتهم وتقسم أموالهم وتسبى ذراريهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أصاب الحكم"4، قال: وكان حيي بن أخطب استجاش5 المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء لبني قريظة، فاستفتح عليهم ليلاً فقال سيدهم6: إن هذا رجل مشؤوم فلا يشأمنكم حيي، فناداهم يا بني قريظة ألا تستجيبون؟ ألا تلحقوني؟ ألا تضيفوني؟ فإني جامع مغرور.
فقالت بنو قريظة: والله لنفتحن له فلم يزالوا حتى فتحوا له، فلما دخل عليهم أُطُمَهم7 قال: يا بني قريظة: جئتكم
1 هكا في المطبوع من المصنف.
2 أسيراً: أي مُعْتَلاًّ. القاموس (أسر) .
3 الأتان: أنثى الحمير. النهاية 1/ 21.
4 يشهد له ما رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رصي الله عنه وفيه: (
…
فقال: تُقْتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، قال: قضيت بحكم الله، وربما قال: بحكم الملك) . البخاري مع الفتح 7/ 411 رقم 4121، ومسلم رقم (1768) .
5 استجاش: أي طلب لهم الجيش وجمعه عليهم. لسان العرب (جيش) .
6 هو: كعب بن أسد. كما في رواية البيهقي الماضية. الدلائل 3/ 398- 407.
7 الأطم: بالضم؛ الأبنية المرتفعة كالحصون. النهاية 1/ 54.
في عز الدهر، جئتكم في عارض برد لا يقوم لسبيله شيء، فقال له سيدهم: أتعدنا عارضاً برداً؟ ينكشف عنا وتدعنا عند بحر دائم لا يفارقنا، إنما تعدنا الغرور، قال: فواثقهم وعاهدهم لئن انفضت جموع الأحزاب أن يجيء حتى يدخل معهم أطمهم، فأطاعوه بالغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فلما فض الله جموع الأحزاب انطلق حتى إذا كان بالروحاء1 ذكر العهد والميثاق الذي أعطاهم، فرجع حتى دخل معهم فلما أقبلت بنو قريظة أتى به مكتوفاً بِقَدٍّ2، فقال حيي للنبي صلى الله عليه وسلم: أما والله ما لمتُ نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يخذل، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فضربت عنقه3.
1 الروحاء: - بفتح الراء وسكون الواو والحاء المهملة -: اسم موضع من أعمال الفُرُع وتبعد عن المدينة (75) كيلاً. معجم المعالم الجغرافية 143 و164.
2 القد: قطعة من الجلد. اللسان 3/ 28، مادة (قدد) .
3 وانظر: تفسير عبد الرزاق 1/84، وابن هشام 2/ 241، ومغازي الواقدي 2/ 516.