المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: في مقتل كعب بن الأشرف - مرويات الإمام الزهري في المغازي - جـ ١

[محمد بن محمد العواجي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: في ترجمة الإمام الزهري

- ‌الفصل الأول: في حياة الإمام الزهري ومنزلته العلمية

- ‌المبحث الأول: في اسمه ونسبه وكنيته وصفته ومولده

- ‌المبحث الثاني: نشأته وطلبه للعلم، ومنزلته العلمية

- ‌المطلب الأول: نشأته وطلبه للعلم

- ‌المطلب الثاني: منزلته العلمية

- ‌المبحث الثالث: في ذكر شيوخه الذين روى عنهم المغازي

- ‌المطلب الأول: في ذكر شيوخه الذين روى عنهم روايات قليلة في المغازي

- ‌المطلب الثاني: في ذكر شيوخه الذين أكثر عنهم، وكان لهم تأثير عليه

- ‌المبحث الرابع: في ذكر تلاميذه الذين رووا عنه المغازي وأبرزهم

- ‌المطلب الأول: في ذكر تلاميذه الذين رووا عنه روايات قليلة في المغازي، مرتبين على حروف المعجم

- ‌المطلب الثاني: في أبرز تلاميذه وأوثقهم

- ‌المطلب الثالث: في تلاميذه الذين ألّفوا في المغازي:

- ‌المبحث الخامس: في مروياته المرسلة ونسبة التدليس إليه

- ‌المطلب الأول: في مراسيله

- ‌المطلب الثاني: في نسبة التدليس

- ‌المبحث السادس: في بعض الشبهات التي أثيرت حوله

- ‌المبحث السابع: في عقيدته

- ‌المبحث الثامن: في وفاته وسنِّه

- ‌الفصل الثاني: في أثر الزهري في المغازي

- ‌المبحث الأول: هل له كتاب في المغازي

- ‌المبحث الثاني: في منهجه في روايات المغازي

- ‌المبحث الثالث: في القيمة العلمية لمغازي الزهري

- ‌الباب الثاني: في سرايا النبي صلى الله عليه وسلم وغزواته

- ‌الفصل الأول: في الأحداث التي سبقت غزوة بدر الكبرى

- ‌المبحث الأول: في بعث حمزة إلى سيف البحر

- ‌المبحث الثاني: في بعث عبد الله بن جحش

- ‌الفصل الثاني: في غزوة بدر الكبرى والأحداث التي أعقبتها

- ‌المبحث الأول: في تاريخ الغزوة وعدد جيش المسلمين والمشركين

- ‌المبحث الثاني: في ذكر أحداث الغزوة إجمالاً

- ‌المبحث الثالث: في استفتاح أبي جهل

- ‌المبحث الرابع: في رمي النبي صلى الله عليه وسلم حصيات في وجوه المشركين

- ‌المبحث الخامس: في عدد أسرى المشرك

- ‌المبحث السادس: في نزول الملائكة بدراً

- ‌المبحث السابع: في منِّ الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض كفار قريش

- ‌المبحث الثامن: في مجيء وفد قريش بفداء أسراهم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان المطعم حياً

- ‌المبحث التاسع: مطالبة الأنصار الرسول صلى الله عليه وسلم بترك فداء العباس

- ‌المبحث العاشر: مقدار فداء العباس بن عبد المطلب

- ‌المبحث الحادي عشر: في أسر أبي العاص بن الربيع يوم بدر وردّ النبي صلى الله عليه وسلم ابنته عليه

- ‌المبجث الثاني عشر: فيمن لم يحضر بدراً لعذر، وأُعطي سهماً:

- ‌المبحث الثالث عشر: في اصطفاء الرسول صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر

- ‌المبحث الرابع عشر: في وقع هزيمة بدر على المشركين

- ‌المبحث الخامس عشر: في محاولة عمير بن وهب قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السادس عشر: فيمن شهد بدراً من المهاجرين والأنصار وحلفائهم رضي الله عنهم

- ‌المبحث السابع عشر: في غزوة السَّوِيْق

- ‌المبحث الثامن عشر: في غزوة بني قينقاع

- ‌المبحث العشرون: في تاريخ غزوة بني النضير

- ‌المبحث الحادي والعشرون: في مصير أموال بني النضير

- ‌الفصل الثالث: في غزوة أحد والأحداث التي أعقبتها

- ‌المبحث الأول: في سبب وقعة أحد

- ‌المبحث الثاني: في تاريخ الغزوة

- ‌المبحث الثالث: في عدد جيش المسلمين والمشركين يوم أحد

- ‌المبحث الرابع: في ذكر أحداث غزوة أحد إجمالاً

- ‌المبحث الخامس: في ردِّ النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة لصغرهم

- ‌المبحث السادس: طلب الأنصار من النبي صلى الله عليه وسلم الاستعانة بحلفائهم من اليهود

- ‌المبحث السابع: في قتل النبي صلى الله عليه وسلم أبيّ بن خلف يوم أحد

- ‌المبحث الثامن: في إلقاء النوم على المسلمين يوم أحد

- ‌المبحث التاسع: في شهود النساء الغزوات

- ‌المبحث العاشر: في ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد

- ‌المبحث الحادي عشر: في مقتل حمزة رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني عشر: في تسمية من استشهد بأحد من طريق الزهري

- ‌المبحث الثالث عشر: في كيفية دفن شهداء أحد وعدم الصلاة عليهم

- ‌المبحث الرابع عشر: غزوة بدر الآخرة

- ‌الفصل الرابع: في الأحداث التي وقعت بعد غزوة أحد حتى بداية غزوة بني المصطلق

- ‌المبحث الأول: في غزوة بن سليم ببحران بناحية الفرع

- ‌المبحث الثاني: في مقتل كعب بن الأشرف

- ‌المبحث الثالث: في سرية مقتل ابن أبي الحُقيق

- ‌المبحث الرابع: في سرية عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن عبد الله بن نبيح الهذلي

- ‌المبحث السابع: في أَثَرِ وقعة بئر معونة على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين

- ‌المبحث الثامن: في غزوة ذات الرقاع

- ‌الفصل الخامس: في غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع

- ‌المبحث الأول: في تايخ الغزوة

- ‌المبحث الثاني: في مقولة ابن أبيّ في غزوة بني المصطلق

- ‌المبحث الثالث: في حديث الإفك وبراءة عائشة رضي الله عنها

- ‌المبحث الرابع: في الذي تولى كبر الإفك

- ‌المبحث الخامس: في جلد أهل الإفك

- ‌المبحث السادس: في سبي جويرية بنت الحارث

- ‌المبحث السابع: في ضرب صفوان لحسان بالسيف

- ‌المبحث الثامن: في مقدار سبي غزوة بني المصطلق

- ‌الفصل السادس: في غزوة الخندق والأحداث التي أعقبتها

- ‌المبحث الأول: في سبب غزوة الخندق

- ‌المبحث الثاني: في تايخ الغزوة

- ‌المبحث الثالث: في أحداث غزوة الخندق إجمالاً

- ‌المبحث الرابع: في هَمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد الصلح بينه وبين غطفان وعدوله عن ذلك

- ‌المبحث الخامس: في شهداء المسلمين وقتلى المشركين يوم الخندق

- ‌المبحث السادس: في غزوة بني قريظة

- ‌المطلب الأول: في تحديد خروجه إليهم

- ‌المطلب الثاني: في تخذيل نعيم بن مسعود الأحزاب

- ‌المطلب الثالث: في أحداث غزوة بني قريظة إجمالاً

- ‌المبحث السابع: في غزوة بني لحيان

- ‌المبحث الثامن: في سرية زيد بن حارثة إلى بني سُليم بالجَمُوم

- ‌المبحث التاسع: في سرية زيد بن حارثة إلى بني فزارة لقتل أم قِرْفة

- ‌المبحث العاشر: في سرية عبد الله بن رواحة إلى اليُسير بن رزام اليهودي بخيبر

الفصل: ‌المبحث الثاني: في مقتل كعب بن الأشرف

‌المبحث الثاني: في مقتل كعب بن الأشرف

52-

قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس1، أن الحكم ابن نافع2 حدثهم قال: أخبرنا شعيب3، عن الزهري، عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه، وكان أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، وكان كعب بن الأشرف4 يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون ومنهم المشركون؛ يعبدون الأوثان، واليهود؛ وكانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم

1 قد ذكر ابن إسحاق أن مقتل كعب بن الأشرف كان قبل أحد. انظر: ابن هشام 2/ 273، وذكر الواقدي أن قتله كان على رأس خمسة وعشرين شهراً في ربيع الأول، المغازي 1/ 184، وذكر ابن سعد في الطبقات 2/ 31، أن مقتله كان لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2 هو: الحكم بن نافع البهراني بفتح الموحدة، أبو اليمان الحمصي، مشهور بكنيته، ثقة ثبت، يقال: إن أكثر حديثه عن شعيب

، من العاشرة، توفي سنة اثنتين وعشرين، ع، التقريب 176 رقم (1464) .

3 شعيب بن أبي حمزة الأموي مولاهم، واسم أبيه دينار، أبو بشر الحمصي، ثقة عابد، قال ابن معين: من أثبت الناس في الزهري، من السابعة، توفي سنة اثنتين وستين أو بعدها، ع، التقريب 267 رقم (2798) .

4 هو: كعب بن الأشرف، من بني طيء، ثم أحد بني نبهان، ولكن أمه من بني النضير، البداية 4/ 5.

ص: 394

وأصحابه: فأمر الله عزوجل نبيه بالصبر والعفو، ففيهم أنزل الله:{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} 1 الآية، فلما أبى كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطاً يقتلونه، فبعث محمد بن مسلمة 2، وذكر قصة قتله3، فلما قتلوه فزعت اليهود والمشركون فغدوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: طُرِق4 صاحبنا فقتل، فذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول، ودعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينه وبينهم كتاباً ينتهون إلى ما فيه، فكتب النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفة5.

1 سورة البقرة آية (33) .

2 محمد بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الحارثي، أبو عبد الرحمن المدني حليف بني عبد الأشهل، ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة في قول الواقدي وهو ممن سمي في الجاهلية محمداً، شهد بدراً وما بعدها إلا تبوك. الإصابة 3/ 383.

3 ستأتي قصة قتله في الرواية الآتية رقم (53) .

4 طرق: أي جاؤوه ليلاً، وكل آت بالليل طارق. النهاية 3/ 121.

5 سنن أبي داود 3/ 154 رقم (300) وقد قال عنه الألباني في صحيح أبي داود 2/581- 582، صحيح الإسناد، ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 198، وأخرجه أيضاً من طريق عبد الكريم بن الهيثم قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري فذكره بلفظ أتم مما عند أبي داود، ولكنه مرسل وسيأتي. انظر: دلائل النبوة 3/ 196- 198، والسنن الكبرى 9/ 183،

ص: 395

_________

وتاريخ الإسلام للذهبي، قسم المغازي 161، قال الحافظ ابن حجر في الفتح 7/ 337، وروى أبو داود والترمذي من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن كعب بن مالك عن أبيه: (أن كعب بن الأشرف

) فذكر طرفاً منه.

يرجح الدكتور أكرم العمري في السيرة النبوية الصحيحة (1/ 276- 277) أن الوثيقة في الأصل وثيقتان، ثم جمع المؤرخون بينهما، إحداهما تتناول موادعة الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود، والثانية توضح التزامات المسلمين من مهاجرين وأنصار، وحقوقهم وواجباتهم، ثم ذكر ان الراجح عنده أن وثيقة اليهود كتبت قبل موقعة بدر الكبرى، وقد استند في ترجيحه هذا إلى روايات ذكرها أبو عبيد في الأموال (رقم 518) والبلاذري في أنساب الأشراف (1/ 286) ، أما طلب اليهود من النبي صلى الله عليه وسلم بعد مقتل ابن الأشرف أن يكتب لهم صحيفة كما في رواية أبي داود الصحيحة فإنه لا مانع بعد مقتل كعب أن تعاد كتابة الصحيفة تأكيداً أو تجديداً لتعود الطمأنينة إلى النفوس بعد هذه الحادثة التي أرعبت يهود والمشركين. ويذكر الدكتور العمري أن الوثيقة بين المهاجرين والأنصار قد كتبت بعد وثيقة موادعة يهود. المصدر السابق.

ورواية أبي داود هذه أصح من تلك الروايات التي تدل على أن وثيقة موادعة يهود كانت قبل بدر، لكن لا بد من التوفيق الذي ذكره العمري؛ لأن بني قينقاع قد أجلوا قبل حادثة مقتل كعب بن الأشرف، وقد كان سبب إجلائهم كما ذكر ابن إسحاق أنهم أول يهود نقضوا ما بينهم ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا فيما بين بدر وأُحد.

انظر: ابن هشام (2/ 47) .

ص: 396

53-

وقال ابن شبة1: قال الحزامي2، حدثنا ابن وهب، عن حيوة بن شريح3 وابن لهيعة4، عن عُقيل بن خالد، عن ابن شهاب قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً، وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه،

1 تاريخ المدينة لابن شبة 2/459، بسند صحيح إلى عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 19/ 76 رقم (154) .

وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله تعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً} قال: هو كعب بن الأشرف، ثم ذكر قصة مقتله بألفاظ مقاربة لما عند ابن شبة، انظر: تفسير عبد الرزاق 1/ 142، وأخرج الواقدي عن الزهري، عن كعب بن مالك، فذكر نحوه، المغازي (1/ 184) ، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 33، من طريق الزهري مختصراً، ومن طريق ابن سعد ذكره ابن سيد الناس في عيون الأثر 1/ 452.

2 هو إبراهيم بن المنذر، تقدم في الرواية رقم (1) .

3 حيوة بن شريح، بفتح أوله وسكون التحتانية، وفتح الواو، بن صفوان التجيبي، أبو زرعة المصري، ثقة ثبت فقيه زاهد، من السابعة، مات سنة ثمان وقيل تسع وخمسين، ع، التقريب 185، رقم (1600) .

4 هو عبد الله بن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء ابن عقبة الحضرمي، أبو عبد الرحمن المصري القاضي، صدوق من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون، مات سنة أربع وسبعين، وقد ناف على الثمانين، م د ت ق، التقريب 319 رقم (3563) .

ص: 397

ويحرض عليهم كفار قريش في شعره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهي أخلاط: منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم المشركون الذين يعبدون الأوثان، ومنهم اليهود أهل الحلقة، والحصون، وهم حلفاء الحيّين الأوس والخزرج، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم استصلاحهم وموادعتهم، وكان الرجل يكون مسلماً وأبوه مشركاً، والرجل يكون مسلماً وأخوه مشركاً، وكان المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذونه أشد الأذى، فأمر الله نبيه والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم، وفيهم أنزل تبارك وتعالى:{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} 1 وفيهم أنزل الله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 2 فلما أبى كعب أن ينزع عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذى المسلمين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ في خمسة3 رهط، فأتوه عشية في مجلسه

1 سورة آل عمران آية (186) .

2 سورة البقرة آية (109) .

3 ذكر الطبراني في روايته أربعة هم: 1- سعد بن معاذ، 2- محمد بن مسلمة، 3- وأبو عيسى بن حبر الأنصاري، 4- والحارث بن أخي سعد بن معاذ. معجم الطبراني الكبير 19/ 77 رقم (154) .

ص: 398

بالعوالي1، فلما رآهم كعب أنكر شأنهم، وكاد يذعر منهم، فقال لهم: ما جاء بكم؟

قالوا: بنا حاجة إليك.

قال: فليدن إلي بعضكم فليحدثني بها، فدنا إليه بعضهم، فقال: جئناك لنبيعك أدراعاً لنا نستعين بأثمانها.

فقال لهم: والله لئن فعلتم ذلك لقد جهدتم ثم جهدتم منذ نزل بكم هذا الرجل، ثم واعدهم أن يأتوه عشاءً حين يهدأ عنه الناس، فجاؤوه فناداه رجل منهم، فقام ليخرج إليهم، فقالت له امرأته: ما طرقوك ساعتهم هذه لشيء مما تحب.

قال: بلى، إنهم قد حدثوني حديثهم، فخرج إليهم، فاعتنقه محمد بن مسلمة2، وقال لأصحابه: لا تستنكروا إن قتلتموني وإياه جميعاً، قال: وطعنه بعضهم بالسيف في خاصرته، فلما قتلوه فزعت اليهود ومن كان

1 المقصود بالعوالي: عالية المدينة، وهي ما كان في الجهة الجنوبية من المدينة وأدناها إلى المسجد النبوي يبعد ميلاً، انظر: وفاء الوفاء للسمهودي 4/ 1260- 1262، ويطلق على تلك الجهات (العوالي) إلى يومنا هذا، انظر: معجم المعالم الجغرافية 197.

2 محمد بن مسلمة، تقدم التعريف به في الرواية رقم (50)

ص: 399

معهم من المشركين، فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحوا، فقالوا: قد طُرق صاحبنا الليلة، وهو سيد من ساداتنا فقتل غيلة1، فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقوله في أشعاره ويؤذيهم به، ودعاهم إلى أن تكتب بينهم وبين المسلمين صحيفة فيها جماع أمر الناس، فكتبها صلى الله عليه وسلم.

54-

وأخرج ابن شبّ َة من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: كان كعب ابن الأشرف اليهودي أحد بني النضير قد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء، وفد على قريش فاستعان بهم عليه، فقال أبو سفيان بن حرب: أناشدك، أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه، وأننا أهدى في رأيك وأقرب إلى الحق فإنا نطعم الجزور الكوماء2، ونسقي اللبن ونطعم ما هبت الشمال.

قال: أنتم أهدى سبيلاً، ثم خرج مقبلاً قد أجمع رأي المشركين على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم معلناً بعداوته وهجائه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لنا من ابن الأشرف؟ قد استعلن بعداوتنا وهجائنا وقد خرج إلى قريش فأجمعهم على قتالنا، وقد أخبرني الله بذلك، ثم قدم على أخبث ما كان ينتظر قريشاً أن تقدم فينا طبائعهم3، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين ما

1 غيلة: أي خفية واغتيال: وهو أن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد، النهاية 3/ 403.

2 الجزور الكوماء: أي مشرفة السنام عاليته. النهاية 4/ 211.

3 هكذا في المطبوع من تاريخ ابن شبة 2/ 455، والصواب:[أن يقدم فيقاتلنا معهم] . كما في مغازي موسى بن عقبة، جمع ودراسة وتخريج: محمد باقشيش أبو مالك، ص:181.

ص: 400

1 سورة النساء آية (51) .

2 تاريخ المدينة 2/ 454- 455، وهو مرسل.

وقصة مقتل كعب بن الأشرف ذكرها البخاري في صحيحه، انظر: الفتح 7/ 336 رقم (4037) ، ومسلم رقم (1801) ، وأبو داود كما مر رقم (3000) ، وابن هشام في السيرة 2/ 51، والواقدي في مغازيه 1/ 184، وابن سعد 2/ 33، والمعجم الكبير للطبراني 19/ 76 رقم (154) ، والبيهقي في الدلائل 3/ 187، وفي السنن له 9/ 81- 82 كما مر، وتفسير عبد الرزاق 1/ 142، وتفسير الطبري 8/ 466 الأثر رقم (9786) فما بعده، وتاريخه 2/ 495، وعيون الأثر لابن سيد الناس 1/ 142، وتاريخ الإسلام للذهبي قسم المغازي 161.

ص: 401