المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: في حديث الإفك وبراءة عائشة رضي الله عنها - مرويات الإمام الزهري في المغازي - جـ ١

[محمد بن محمد العواجي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: في ترجمة الإمام الزهري

- ‌الفصل الأول: في حياة الإمام الزهري ومنزلته العلمية

- ‌المبحث الأول: في اسمه ونسبه وكنيته وصفته ومولده

- ‌المبحث الثاني: نشأته وطلبه للعلم، ومنزلته العلمية

- ‌المطلب الأول: نشأته وطلبه للعلم

- ‌المطلب الثاني: منزلته العلمية

- ‌المبحث الثالث: في ذكر شيوخه الذين روى عنهم المغازي

- ‌المطلب الأول: في ذكر شيوخه الذين روى عنهم روايات قليلة في المغازي

- ‌المطلب الثاني: في ذكر شيوخه الذين أكثر عنهم، وكان لهم تأثير عليه

- ‌المبحث الرابع: في ذكر تلاميذه الذين رووا عنه المغازي وأبرزهم

- ‌المطلب الأول: في ذكر تلاميذه الذين رووا عنه روايات قليلة في المغازي، مرتبين على حروف المعجم

- ‌المطلب الثاني: في أبرز تلاميذه وأوثقهم

- ‌المطلب الثالث: في تلاميذه الذين ألّفوا في المغازي:

- ‌المبحث الخامس: في مروياته المرسلة ونسبة التدليس إليه

- ‌المطلب الأول: في مراسيله

- ‌المطلب الثاني: في نسبة التدليس

- ‌المبحث السادس: في بعض الشبهات التي أثيرت حوله

- ‌المبحث السابع: في عقيدته

- ‌المبحث الثامن: في وفاته وسنِّه

- ‌الفصل الثاني: في أثر الزهري في المغازي

- ‌المبحث الأول: هل له كتاب في المغازي

- ‌المبحث الثاني: في منهجه في روايات المغازي

- ‌المبحث الثالث: في القيمة العلمية لمغازي الزهري

- ‌الباب الثاني: في سرايا النبي صلى الله عليه وسلم وغزواته

- ‌الفصل الأول: في الأحداث التي سبقت غزوة بدر الكبرى

- ‌المبحث الأول: في بعث حمزة إلى سيف البحر

- ‌المبحث الثاني: في بعث عبد الله بن جحش

- ‌الفصل الثاني: في غزوة بدر الكبرى والأحداث التي أعقبتها

- ‌المبحث الأول: في تاريخ الغزوة وعدد جيش المسلمين والمشركين

- ‌المبحث الثاني: في ذكر أحداث الغزوة إجمالاً

- ‌المبحث الثالث: في استفتاح أبي جهل

- ‌المبحث الرابع: في رمي النبي صلى الله عليه وسلم حصيات في وجوه المشركين

- ‌المبحث الخامس: في عدد أسرى المشرك

- ‌المبحث السادس: في نزول الملائكة بدراً

- ‌المبحث السابع: في منِّ الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض كفار قريش

- ‌المبحث الثامن: في مجيء وفد قريش بفداء أسراهم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان المطعم حياً

- ‌المبحث التاسع: مطالبة الأنصار الرسول صلى الله عليه وسلم بترك فداء العباس

- ‌المبحث العاشر: مقدار فداء العباس بن عبد المطلب

- ‌المبحث الحادي عشر: في أسر أبي العاص بن الربيع يوم بدر وردّ النبي صلى الله عليه وسلم ابنته عليه

- ‌المبجث الثاني عشر: فيمن لم يحضر بدراً لعذر، وأُعطي سهماً:

- ‌المبحث الثالث عشر: في اصطفاء الرسول صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر

- ‌المبحث الرابع عشر: في وقع هزيمة بدر على المشركين

- ‌المبحث الخامس عشر: في محاولة عمير بن وهب قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السادس عشر: فيمن شهد بدراً من المهاجرين والأنصار وحلفائهم رضي الله عنهم

- ‌المبحث السابع عشر: في غزوة السَّوِيْق

- ‌المبحث الثامن عشر: في غزوة بني قينقاع

- ‌المبحث العشرون: في تاريخ غزوة بني النضير

- ‌المبحث الحادي والعشرون: في مصير أموال بني النضير

- ‌الفصل الثالث: في غزوة أحد والأحداث التي أعقبتها

- ‌المبحث الأول: في سبب وقعة أحد

- ‌المبحث الثاني: في تاريخ الغزوة

- ‌المبحث الثالث: في عدد جيش المسلمين والمشركين يوم أحد

- ‌المبحث الرابع: في ذكر أحداث غزوة أحد إجمالاً

- ‌المبحث الخامس: في ردِّ النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة لصغرهم

- ‌المبحث السادس: طلب الأنصار من النبي صلى الله عليه وسلم الاستعانة بحلفائهم من اليهود

- ‌المبحث السابع: في قتل النبي صلى الله عليه وسلم أبيّ بن خلف يوم أحد

- ‌المبحث الثامن: في إلقاء النوم على المسلمين يوم أحد

- ‌المبحث التاسع: في شهود النساء الغزوات

- ‌المبحث العاشر: في ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد

- ‌المبحث الحادي عشر: في مقتل حمزة رضي الله عنه

- ‌المبحث الثاني عشر: في تسمية من استشهد بأحد من طريق الزهري

- ‌المبحث الثالث عشر: في كيفية دفن شهداء أحد وعدم الصلاة عليهم

- ‌المبحث الرابع عشر: غزوة بدر الآخرة

- ‌الفصل الرابع: في الأحداث التي وقعت بعد غزوة أحد حتى بداية غزوة بني المصطلق

- ‌المبحث الأول: في غزوة بن سليم ببحران بناحية الفرع

- ‌المبحث الثاني: في مقتل كعب بن الأشرف

- ‌المبحث الثالث: في سرية مقتل ابن أبي الحُقيق

- ‌المبحث الرابع: في سرية عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن عبد الله بن نبيح الهذلي

- ‌المبحث السابع: في أَثَرِ وقعة بئر معونة على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين

- ‌المبحث الثامن: في غزوة ذات الرقاع

- ‌الفصل الخامس: في غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع

- ‌المبحث الأول: في تايخ الغزوة

- ‌المبحث الثاني: في مقولة ابن أبيّ في غزوة بني المصطلق

- ‌المبحث الثالث: في حديث الإفك وبراءة عائشة رضي الله عنها

- ‌المبحث الرابع: في الذي تولى كبر الإفك

- ‌المبحث الخامس: في جلد أهل الإفك

- ‌المبحث السادس: في سبي جويرية بنت الحارث

- ‌المبحث السابع: في ضرب صفوان لحسان بالسيف

- ‌المبحث الثامن: في مقدار سبي غزوة بني المصطلق

- ‌الفصل السادس: في غزوة الخندق والأحداث التي أعقبتها

- ‌المبحث الأول: في سبب غزوة الخندق

- ‌المبحث الثاني: في تايخ الغزوة

- ‌المبحث الثالث: في أحداث غزوة الخندق إجمالاً

- ‌المبحث الرابع: في هَمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد الصلح بينه وبين غطفان وعدوله عن ذلك

- ‌المبحث الخامس: في شهداء المسلمين وقتلى المشركين يوم الخندق

- ‌المبحث السادس: في غزوة بني قريظة

- ‌المطلب الأول: في تحديد خروجه إليهم

- ‌المطلب الثاني: في تخذيل نعيم بن مسعود الأحزاب

- ‌المطلب الثالث: في أحداث غزوة بني قريظة إجمالاً

- ‌المبحث السابع: في غزوة بني لحيان

- ‌المبحث الثامن: في سرية زيد بن حارثة إلى بني سُليم بالجَمُوم

- ‌المبحث التاسع: في سرية زيد بن حارثة إلى بني فزارة لقتل أم قِرْفة

- ‌المبحث العاشر: في سرية عبد الله بن رواحة إلى اليُسير بن رزام اليهودي بخيبر

الفصل: ‌المبحث الثالث: في حديث الإفك وبراءة عائشة رضي الله عنها

‌المبحث الثالث: في حديث الإفك وبراءة عائشة رضي الله عنها

67-

قال البخاري رحمه الله1: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب، قال: حدثني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقّاص وعبيد الله بن عتبة بن مسعود عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها2 من

1 صحيح البخاري مع الفتح 7/431 رقم (4141) .

2 يُعد الزهري أول من استخدم جمع الإسانيد ليكتمل السياق وتتصل الأحداث دون أن تقطعها الأسانيد. أكرم العمري: السيرة الصحيحة 1/55.

وقد انتقد على الزهري في هذا حيث لم يذكر حديث كلٍّ منهم على جهته، كما حكى ذلك القاضي عياض، ونقله الحافظ العراقي في طرح التثريب 8/47.

ولكن هذا الانتقاد ليس في محله، فقدقال الإمام النووي رحمه الله:"هذا الذي ذكره الزهري من جمعه الحديث عنهم جائز لا منع منه، ولا كراهة فيه، لأنه قد بيّن أن بعض الحديث عن بعضهم، وبعضه عن بعضهم، وهؤلاء الأربعة أئمة حفاظ ثقات من أجلِّ التابعين، فإذا ترددت اللفظة من هذا الحديث بين كونها عن هذا أو ذاك لم يضرّ، وجاز الاحتجاج بها لأنهما ثقتان، وقد اتفق العلماء على أنه لو قال حدثني زيد أو عمرو وهما ثقتان معروفان بالثقة عند المخاطب جاز الاحتجاج به" النووي على مسلم 17/ 102- 103.

وقال في موضع آخر أثناء تعداده لفوائد الحديث: "إحداها جواز رواية الحديث الواحد عن جماعة عن كل واحد قطعة مبهمة منه وهذا وإن كان فعل الزهري وحده فقد أجمع المسلمون على قبوله والاحتجاج به" النووي على شرح مسلم 17/ 116.

وقال ابن رجب في شرح العلل (359) بعد أن ذكر أقوال بعض العلماء فيمن يفعل ذلك: "ومعنى هذا أن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة وساق الحديث سياقة واحدة فالظاهر أن لفظهم لم يتفق، فلا يقبل هذا الجمع إلا من حافظ متقن لحديث، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإفك وغيره".

قال الحافظ ابن حجر: "وحاصله أن جميع الحديث عن مجموعهم لا أن مجموعه عن كل واحد منهم". الفتح 8/ 457.

ص: 452

بعض وأثبت له اقتصاصاً وقد وعيتُ عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضاً وإن كان بعضهم أوعى له من بعض، قالوا: قالت عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة1 غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مع

1 هي: غزوة بني المصطلق - المريسيع - كما جاء ذلك مصرحاً في بعض الروايات، انظر: ابن هشام 2/ 297، وأبا يعلى في مسنده 8/ 322 رقم (4927) ، وتاريخ الطبري 2/ 611، والطبراني في الكبير 23/ 97- 97 رقم (145) ، ودلائل النبوة للبيهقي 4/ 63، إلا أنه قال: المريسيع، و4/ 73، وقال البخاري:"وقال النعمان بن راشد عن الزهري: "كان حديث الإفك في غزوة المريسيع"، البخاري مع الفتح 7/ 428، وقد وصل هذه الرواية البيهقي في الدلائل 4/ 63، والجوزقي كما ذكر الحافظ ابن حجر في التغليق 4/ 123.

ص: 453

رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أنزل الحجاب1، فكنت أحمل في هودجي2 وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع3 ظَفَار4 قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه، قالت: وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم

1 تقدم الكلام على الحجاب ونزوله وأنه كان سنة أربع على المشهور، انظر: الرواية رقم [65] من هذا البحث.

2 الهودج: - بفتح الهاء والدال بينهما واو ساكنة آخره جيم - محمل له قبة تستر بالثياب ونحوه يوضع على ظهر البعير، يركب عليه النساء ليكون أستر لهن. الفتح 8/ 458.

3 الجزع: - بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها مهملة -، وهو خرز يماني، النووي على مسلم 17/ 104.

وانظر: فتح الباري 8/ 458- 459.

4 ظفار: بوزن قطام، - وهي مبنية على الكسر -، اسم مدينة لحمير باليمن، النهاية 3/ 158، وانظر الفتح 8/ 459.

ص: 454

يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يُهَبَّلْن1 ولم يغشهن اللحم وإنما يأكلن العُلقة2 من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل فساروا، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب، فتيممت3 منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليّ فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطَّل السلمي4 ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني، وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه5 حين عرفني، فخمرت6 وجهي

1 يُهبَّلن: - بضم التحتانية وتشديد الموحدة - أي: لم يكثر عليهن اللحم، يقال: هبّله اللحم إذا كثر عليه وركب بعضه بعضاً. النهاية 5/ 240.

2 العُلقة: - بضم المهملة وسكون اللام - من الطعام: أي البلغة منه/ النهاية 3/ 289، والنووي على مسلم 17/ 104.

3 تيممت منزلي: أي قصدته. النووي على مسلم 17/ 104.

4 هو: صفوان بن المعطل بن ربيعة - بالتصغير -، ابن خزاعي السلمي ثم الذكواني، الإصابة 2/ 190، والمعطّل: - بفتح الطاء المهملة المشددة -. الفتح 8/ 461.

5 أي: قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، كما جاء مصرحاً بذلك عند ابن إسحاق. انظر: ابن هشام 2/ 298.

6 خمرت وجهي: أي غطيتنه، والتخمير: التغطية، النهاية 2/ 77، والنووي على مسلم 17/ 105.

ص: 455

بجلبابي ووالله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فقمت إليها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين1 في نحر الظهيرة2، وهم نزول، قال: فهلك من هلك، وكان الذي تولى كبر الإفك3 عبد الله بن أبيّ بن سلول، قال عروة: أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقره ويستمعه ويستوشيه4، وقال عروة أيضاً: لم يسم من أهل الإفك أيضاً إلا حسان بن ثابت5، ومسطح ابن أثاثة6، وحمنة بنت

1 موغرين: - بضم الميم وسكون الغين المعجمة والراء المهملة -، أي: نازلين في وقت الوغرة - بفتح الواو وسكون الغين -: وهي شدة الحر لما تكون الشمس في كبد السماء. شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 105.

2 في نحر الظهيرة: أي أولها، ونحر النهار والشهر: أوله. القاموس 617، مادة (نحر) .

3 كبر الإفك: كبر الشيء معظمه أي إثمه، النووي مع مسلم 17/ 105، والفتح 8/ 464، والإفك: أسوأ الكذب وأقبحه، وهو مأخوذ من أفك الشيء إذا قلبه على وجهه، فالإفك هو الحديث المقلوب، وقيل هو: البهتان. فتح القدير للشوكاني 4/ 12.

4 يستوشيه: أي يستخرجه بالبحث عنه والتفتيش، ثم يفشيه ويشيعه ويحركه ولا يدعه يخمد. فتح الباري 8/ 464.

5 هو: حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن سعد: عاش في الجاهلية ستين وفي الإسلام ستين. ومات وهو ابن عشرين ومائة. الإصابة 1/ 326.

6 هو: مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي المطلبي، كان اسمه عوفاً وأما مسطح فلقبه، وأمه بنت خالة أبي بكر الصديق، توفي سنة أربع وثلاثين في خلافة عثمان، ويقال عاش إلى خلافة علي وشهد معه صفين ومات في تلك السنة سنة سبع وثلاثين. الإصابة 3/ 408- 409.

ص: 456

جحش1 في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة كما قال الله تعالى، وإن كبر ذلك يقال عبد الله بن أبيّ بن سلول، قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال: فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وِقاء2

قالت عائشة: فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهراً والناس يفيضون3 في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني4 في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: "كيف تيكم5؟ "

1 هي: حمنة بنت جحش الأسدية أخت أم المؤمنين زينب، كانت زوج مصعب ابن عمير فقتل عنها يوم أحد، فتزوجها طلحة بن عبيد الله، كانت من المبايعات وشهدت أحداً فكانت تسقي العطشى، وتحمل الجرحى وتداويهم. الإصابة 4/ 275.

2 ديوانه رضي الله عنه (62) .

3 يُفيضون: - بضم أوله - أي يخوضون، من أفاض إذا أكثر منه. الفتح 8/ 465

4 يَريبني: - بفتح أوله - من الريب، ويجوز الضم من الرباعي، يقال: رابه وأرابه. الفتح 8/ 465. ورابه: شككه وأوهمه، شرح النووي على مسلم 17/ 106.

5 تيكم: - بالمثناة المكسورة - وهي للمؤنث مثل ذاكم للمذكر، الفتح 8/ 465، قال الحافظ: واستدلت عائشة بهذه الحالة على أنها استشعرت منه بعض جفاء ولكنها لما لم تكن تدري السبب لم تبالغ في التنقيب عن ذلك حتى عرفته. الفتح 8/ 465.

ص: 457

ثم ينصرف فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت حين نقهت1، فخرجت مع أم مسطح2 قِبَل المناصع3، وكان متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكُنُف4 قريباً من بيوتنا، قالت: وأمرنا أمر العرب الأُول5 في البرية6 قبل الغائط، وكنا

1 نقهت: - بفتح القاف وقد تكسر -، والأول أشهر، والناقِه: - بكسر القاف - الذي أفاق من مرضه ولم تتكامل صحته. الفتح 8/ 465.

2 أم مسطح: - بكسر الميم وسكون السين، وفتح الطاء بعدها حاء مهملة - قيل: اسمها سلمى، الفتح 8/ 465، قال الحافظ: وفيه نظر لأن سلمى اسم أم أبي بكر، ثم ظهر لي أن لا وهم فيه فإن أم أبي بكر خالتها. فسميت باسمها. الفتح 8/ 465.

3 قبل المناصع: أي جهتها، والمناصع: صعيد أفيح خارج المدينة، كان أهل المدينة يتبرزون فيها، الفتح 8/ 465، وشرح النووي على مسلم 17/ 106.

4 الكنف: - بضمتين - جمع كنيف وهو الساتر، والمراد به هنا المكان المتخذ لقضاء الحاجة، الفتح 8/ 465.

5 وأمرنا أمر العرب الأُول: - بضم الهمزة وتخفيف الواو -: صفة العرب، وبفتح الهمزة وتشديد الواو: صفة الأمر، قال النووي:"كلاهما صحيح تريد أنهم لم يتخلقوا بأخلاق العجم" الفتح 8/ 456، وانظر: شرح النووي على مسلم 17/ 107.

6 في البرية: - بفتح الموحدة وتشديد الراء ثم التحتانية -، والمراد البعد عن البيوت. الفتح 8/ 465.

ص: 458

نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، قالت: فانطلقت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رُهم بن المطلب1 بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعَثَرَت2 أم مسطح في مِرْطها3، فقالت: تَعِسَ مسطح4، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين

1 ابنة أبي رُهم: - بضم الراء وسكون الهاء -، وفي رواية صالح: بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وهو الصواب، واسم أبي رهم: أنيس. الفتح 8/ 465.

2 عثرت: عثر: كبا، والعثرة: الزلة، وعثر به فرسه: سقط، اللسان 2/ 684، مادة (عثر) .

3 المرط: - بكسر الميم - كساء من صوف، وربما كان من خز أو غيره. النهاية 4/ 319.

قال الحافظ: "وهذه ظاهره أنها عثرت بعد أن قضت عائشة حاجتها ثم أخبرتها الخبر بعد ذلك، لكن في رواية هشام بن عروة - حديث رقم [4757]- أنها عثرت قبل أن تقضي عائشة حاجتها، وأنها لما أخبرتها الخبر رجعت كأن الذي خرجت له لا تجد منه لا قليلاً ولا كثيراً، وكذا وقع في رواية ابن إسحاق (2/ 299) ، قالت: "فوالله ما قدرت أن أقضي حاجتي" وفي رواية ابن أويس: (فذهب عني ما كنت أجد من الغائط، ورجعت عودي على بدئي) وفي حديث ابن عمر: (فأخذتني الحمى وتقلص ما كان مني) ، ويجمع بينهما بأن معنى قولها: "وقد فرغنا من شأننا) أي من شأن المسير، لا قضاء الحاجة". اهـ. كلام الحافظ. الفتح 8/ 466.

4 تَعِسَ: - بفتح المثناة وكسر العين المهملة وبفتحها أيضاً بعد سين مهملة - أي كب بوجهه، أو هلك ولزمه الشر. الفتح 8/ 466.

ص: 459

رجلاً شهد بدراً؟

قالت: أي هُنْتاه1، ولم تسمعي ما قال؟

قالت: وقلت: ما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك قالت: فازددت مرضاً على مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال: (كيف تيكم؟)

فقلت له: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأريد أن أستيقن الخبر من قبلهما. قالت: فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي: يا أماه ماذا يتحدث الناس، قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما امرأة قط وضيئة2 عند رجل يحبها لها ضرائر3 إلا أكثرن عليها4، قالت: فقلت: سبحان الله أو لقد تحدث الناس بهذا5؟

1 هنتاه: أي حرف نداء للبعيد، وقد يستعمل للقريب حيث ينزل منزلة البعيد، والنكتة فيه هنا أن أم مسطح نسبت عائشة إلى الغفلة عما قيل فيها ولإنكارها سبّ مسطح فخاطبتها خطاب البعيد، وهي بضم الهاء وسكون النون، وقد تفتح، بعدها مثناة وآخرها هاء ساكنة، الفتح 8/ 466.

2 وضيئة: بوزن عظيمة من الوضاءة أي حسنة جميلة، وعند مسلم من رواية ابن ماهان (حظية) بمهملة ثم معجمة من الحظوة أي رفيعة المنزلة. الفتح 8/ 467.

3 ضرائر: جمع ضرة، وقيل للزوجات ضرائر لأن كل واحدة يحصل لها الضرر من الأخرى بالغيرة. الفتح 8/ 467.

4 أكثرن عليها: أي القول في عيبها. الفتح 8/ 467.

5 زاد الطبري (التفسير 18/ 91) من طريق معمر عن الزهري: "وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم"، وفي رواية ابن هشام (عند البخاري رقم 4757) :"فقلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم، قلت: ورسول الله؟ قالت: نعم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم". الفتح 8/ 467.

ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "طرق الحديث مجتمعة على أن عائشة بلغها الخبر من أم مسطح، لكن وقع في حديث أم رومان ما يخالف ذلك ولفظه: "بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت علينا امرأة من الأنصار، فقالت: فعل الله بفلان وفعل، فقلت: وما ذاك؟ قالت: ابني ومن حدث الحديث، قالت: وما ذاك؟ قالت: كذا وكذا" هذا لفظ المصنف في المغازي، ولفظه في قصة يوسف: "قالت: إنه نمى الحديث، قالت عائشة: أي حديث؟ فأخبرتها، قالت: فسمعه أبو بكر؟ قالت: نعم، قالت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، فخرت مغشياً عليها".

وطريق الجمع بينهما: أنها سمعت ذلك أولاً من أم مسطح ثم ذهبت لبيت أمها لتستيقن الخبر منها، فأخبرتها أمها بالأمر مجملاً كما مضى من قولها هوني عليك وما أشبه ذلك، ثم دخلت عليها الأنصارية، فأخبرتها بمثل ذلك بحضرة أمها، فقوي عندها القطع بوقوع ذلك، فسألت هل سمعه أبوها وزوجها؟ ترجياً منها أن لا يكونا سمعا ذلك ليكون أسهل عليها، فلما قالت لها إنهما سمعاه غشي عليها". الفتح 8/ 467- 468.

ص: 460

قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ1 لي دمع ولا أكتحل بنوم2، ثم أصبحت أبكي، قال: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين اسْتَلْبَثَ3 الوحي يسألهما ويستشيرهما في

1 لا يرقأ لي دمع: بالقاف بعدها همز: أي لا ينقطع. الفتح 8/ 467.

2 أكتحل بنوم: استعارة للسهر. الفتح 8/ 467.

3 استلبث الوحي: بالرفع أي طال لبث نزوله، وبالنصب أي: استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم نزوله، الفتح 8/ 468

ص: 461

فراق أهله.

قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه، فقال أسامة: أهلك ولا نعلم إلا خيراً، وأما علي فقال: يا رسول الله لم يضيق عليك والنساء سواها كثير1 وسل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة2، فقال: أي بريرة:

1 كذا بصيغة التذكير كأنه أراد الجنس. الفتح 8/ 468.

قال الحافظ: "وهذا الكلام الذي قاله علي حمله عليه ترجيح جانب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى عنده من القلق والغم بسبب القول الذي قيل، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الغيرة، فرأى علي أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن يتحقق براءتها فيمكن رجعتها، ويستفاد منه ارتكاب أخف الضررين. الفتح 8/ 468.

وقال النووي: "هذا الذي قاله علي رضي الله عنه هو الصواب في حقه لأنه رآه مصلحة ونصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم في اعتقاده ولم يكن ذلك في نفس الأمر، لأنه رأى انزعاج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وتقلقه فأراد راحة خاطره، وكان ذلك أهم من غيره" شرح النووي على مسلم 17/ 108.

وقال الحافظ ابن حجر: "وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: "لم يجزم علي بالإشارة بفراقها لأنه عقب ذلك بقوله: "وسل الجارية تصدقك" ففوض الأمر في ذلك إلى نظر النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه قال: إن أردت تعجيل الراحة ففارقها، وإن أردت خلاف ذلك فابحث عن حقيقة الأمر إلى أن تطلع على براءتها، لأنه كان يتحقق أن بريرة لا تخبره إلا بما علمته، وهي لم تعلم من عائشة إلا البراءة المحضة". الفتح 8/ 468.

2 بريرة هي: مولاة عائشة رضي الله عنها، - وهي بفتح الموحدة وكسر الراء - الفتح 8/ 469، انظر ترجمتها في الإصابة 4/ 251- 252.

ص: 462

هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً قط أغمصه1، غير أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن2 فتأكله، قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبيّ وهو على المنبر فقال: "يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما يدخل على أهلي إلا معي"، قالت: فقام سعد بن معاذ3 أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا يا رسول الله أعذرك، فإن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان4 ابنة عمه من فخذه، وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، قالت: وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية5،

1 أغمصه: - بغين معجمة وصاد مهملة - أي: أعيبه. الفتح 8/ 470.

2 الداجن: - هي بدال مهملة ثم جيم -: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج إلى المرعى، وقيل هي كل ما يألف البيوت مطلقاً شاة أو طيراً. الفتح 8/ 470.

3 هو سعد بن معاذ الأوسي الأنصاري. تقدمت ترجمته.

4 أم حسان اسمها: الفُريعة بنت خالد بن خنيس بن لوذان بن عبدود زيد بن ثعلبة. الفتح 8/ 472.

5 احتملته الحمية: - بمهملة ثم مثناة ثم ميم -: أي أغضبته. الفتح 8/ 472.

ص: 463

فقال لسعد: كذبت لعمر الله1 لا تقتله ولا تقدر على قتله، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد2 فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين3، قالت: فثاور4 الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، قالت: فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت5، قالت: فبكيت يومي ذلك كله لا يرقأ لي دمع

1 كذبت لعمرو الله: العمر - بفتح العين المهملة - هو البقاء، والعُمر بضمها، لكن لا يستعمل في القسم إلا بالفتح. الفتح 8/ 472.

2 قوله: وهو ابن عم سعد: أي من رهطه، ولم يكن ابن عمه لحاًّ، لأنه سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، وأسيد بن حضير بن سماك بن عقيل بن امرئ القيس، إنما يجتمعان في امرئ القيس، وهما في التعدد إليه سواء. الفتح 8/ 474.

وقوله: "لحاًّ" أي لاصق القرابة. القاموس (لحح) .

3 تجادل عن المنافقين: أطلق أسيد ذلك مبالغة في زجره عن القول الذي قاله، وأراد بقوله: فإنك منافق، أي تصنع صنيع المنافقين. الفتح 8/ 474.

4 فثاور: هكذا في هذه الرواية، وفي الرواية الأخرى رقم [4750] : فتثاور الحيان: - بمثناة ثم مثلثة -: تفاعل من الثورة، والحيان بمهملة ثم تحتانية تثنية حي، والحي كالقبيلة، أي نهض بعضهم إلى بعض من الغضب. الفتح 8/ 474.

5 حتى سكتوا وسكت: وفي رواية ابن حاطب (فلم يزل يومئ بيده إلى الناس ها هنا حتى هدأ الصوت) وفي رواية فليح: فنزل فخفضهم حتى سكتوا) ، ويحمل على أنه سكتهم وهو على المنبر ثم نزل إليهم أيضاً ليكمل تسكيتهم، ووقع في رواية عطاء الخراساني في المعجم الكبير للطبراني 23/ 77 عن الزهري (فحجز بينهم) الفتح 8/ 474.

ص: 464

ولا أكتحل بنوم، قالت وأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوماً لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي1، فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت علي امرأة2 من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي.

قالت: فبينا نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، ولقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "أما بعد يا عائشة إنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله، وإن كنت ألممت3 بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف ثم تاب، تاب الله عليه"، قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص4 دمعي حتى ما أحسُّ منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول

1 الفلق بالسكون: الشق. النهاية 3/ 471- 472.

2 قال الحافظ في الفتح 8/ 474: "لم أقف على اسمها".

3 ألممت بذنب: أي وقع منك على خلاف العادة، وهذه حقيقة الإلمام ومنه "ألمت بنا والليل مرخ ستوره" الفتح 8/ 475.

4 قَلَصَ دمعي: - بفتح القاف واللام ثم المهملة -: أي: استمسك نزوله فانقطع، ومنه قلص الظل، وتقلص إذا شمر.

قال القرطبي: "سببه أن الحزن والغضب إذا أخذ أحدهما فقد الدمع لفرط حرارة المصيبة" الفتح 8/ 475.

ص: 465

الله صلى الله عليه وسلم عني فيما قال، فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قالت أمي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقلت - وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيراً1 - إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقونني، ولئن اعترفت لكم بأمر - والله يعلم أني منه بريئة - لتُصَدِّقنِّي، فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف2 حين قال:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون} 3، ثم تحولت فاضطجعت على فراشي4، والله يعلم أني حينئذ بريئة5، وأن الله

1 قال ابن حجر: "قالت هذا توطئة لعذرها لكونها لم تستحضر اسم يعقوب عليه السلام كما سيأتي". الفتح 8/ 475.

2 إلا قول أبي يوسف: زاد ابن جريج في روايته "واختلس مني اسمه"، وفي رواية هشام بن عروة:(والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه)، وفي رواية أبي أويس:"نسيت اسم يعقوب لما بي من البكاء واحتراق الجوف" ووقع في حديث أم رومان رقم (4143)"مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه" وهي بالمعنى للتصريح في حديث هشام وغيره بأنها لم تستحضر اسمه. فتح الباري 8/ 474.

3 سورة يوسف، آية رقم (18) .

4 في رواية صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عند الطبراني في الكبير 23/ 105: "ثم وليت وجهي إلى الجدار" وصالح بن أبي الأخضر ضعيف لا يعتبر به، كما في التقريب، 271 رقم (2844) .

5 في رواية معمر عن الزهري "أنا والله حينئذ أعلم أني بريئة" صحيح مسلم بشرح النووي 17/ 112.

ص: 466

مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله تعالى مُنزلٌ في شأني وحياً يتلى، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرؤني الله بها، فوالله ما رام1 رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء2 حتى إنه ليتحدر منه العرق مثل الجُمان3 - وهو في يوم شات - من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فسُرِّي4 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: "يا عائشة أما الله فقد برَّأَكِ"، قالت: فقالت لي أمي قومي إليه،

1 رام: أي فارق، ومصدره الريم بالتحتانية، بخلاف معنى طلب فمصدره الروم، ويفترقان في المضارع يقال: رام يروم روماً، ورام يريم ريماً. الفتح 8/ 476.

2 البُرَحاء: - بضم الموحدة وفتح الراء ثم مهملة ثم مد - هي شدة الحمى، وقيل شدة الكرب، وقيل: شدة الحر، ومنه: برح بي الهم إذا بلغ مني غاية. الفتح 8/ 476.

3 مثل الجُمان: الجمان - بضم الجيم وتخفيف الميم -: اللؤلؤ، وقيل: حب يعمل من الفضة كاللؤلؤ، وقال الداوودي:"خرز أبيض، والأول أولى، فشبهت قطرات عرقه صلى الله عليه وسلم بالجمان لمشابهتها في الصفاء والحسن". الفتح 8/ 476.

4 فسري: - بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة -: أي كشف. الفتح 8/ 477

ص: 467

فقلت: لا والله لا أقوم إليه، فإني لا أحمد إلا الله عزوجل1، قالت: وأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} 2 العشر الآيات، ثم أنزل الله تعالى هذا في براءتي.

قال أبو بكر الصديق - وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته وفقره - والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزل الله تعالى:{ولا يَأْتَلِ أُولُوْ الفَضْلِ} إلى قوله: {واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 3 قال أبو بكر الصديق: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً، قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش4 عن

1 قال الحافظ ابن حجر: وعذرها في إطلاق ذلك ما ذكرته من الذي خامرها من الغضب من كونهم لم يبادروا بتكذيب من قال فيها ما قال، مع تحققهم حسن طريقتها، قال ابن الجوزي: إنما قالت ذلك إدلالاً كما يدل الحبيب على حبيبه. الفتح 8/ 477.

2 سورة النور، من آية رقم (11)، ووقع في رواية عطاء الخراساني عن الزهري عند الطبراني في الكبير 23/ 78: فأنزل الله عزوجل: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} إلى قوله: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .

3 سورة النور، آية (22) .

4 هي: زينب بنت جحش الأسدية أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأمها أميمة عمة النبي صلى الله عليه وسلم، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث وقيل: سنة خمس، ونزلت بسببها آية الحجاب، وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة، وفيها نزلت:{فلمّا قَضَى زَيدٌ منها وَطَرَاً زَوَّجْنَاكَهَا} ماتت سنة عشرين وهي بنت خمسين. الإصابة 4/ 313- 314.

ص: 468

أمري فقال لزينب: ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري1 والله ما علمت إلا خيراً، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني2 من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع3، قالت: وطفقت4 أختها حمنة تحارب لها5، فهلكت فيمن هلك"6.

قال ابن شهاب: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل، ليقول: سبحان الله، فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنَفِ7 أنثى قط، قالت: ثم قتل

1 أحمي سمعي وبصري: أي من الحماية، فلا أنسب إليهما ما لم أسمع وأبصر. الفتح 8/ 478.

2 تساميني: أي تعاليني من السمو، وهو العلو والارتفاع، أي تطلب من العلو والرفعة والحظوة عند النبي صلى الله عليه وسلم ما أطلب، أو تعتقد أن الذي بها عنده مثل الذي لي عنده. الفتح 8/478.

3 فعصمها الله بالورع: أي حفظها ومنعها بالمحافظة على دينها ومجانبة ما تخشى سوء عاقبته. الفتح 8/478.

4 طفِقت: - بكسر الفاء،،حكي فتحها - أي جعلت وشرعت. الفتح 8/478.

5 تحارب لها: أي تجادل لها وتتعصب وتحكي ما قال أهل الإفك لتنخفض منزلة عائشة وتعلو مرتبة أختها زينب. الفتح 8/ 478.

6 أي حدَّثت فيمن حدّث، أو أثمت مع من أثم. الفتح 8/ 478.

7 أي: ما جامعها، والكَنَف - بفتحتين - الثوب الساتر، ومنه قولهم: أنت في كنف الله أي: في ستره. الفتح 8/ 462.

ص: 469

بعد ذلك في سبيل الله"1.

1 اختلف في سنة استشهاده على أقوال عدة: فقد ذكر ابن إسحاق أنه استشهد في غزوة أرمينية في خلافة عمر سنة تسع عشرة. الفتح 8/ 461.

وقيل: كان استشهاده بأرض الروم في خلافة معاوية رضي الله عنه، سنة أربع وخمسين. الفتح 8/ 461.

وقيل سنة 58 هـ كما في الاستيعاب 2/ 280- 281. وقيل سنة 59 كما في الاستيعاب 2/ 280- 281، وقيل: سنة 60 كما جزم به الطبري والواقدي، وانظر: سير أعلام النبلاء 2/ 550، والإصابة 2/ 190.

ولكن لا يستقيم قول من قال بأن وفاته كانت سنة 58 أو 59 أو 60، لكون عائشة رضي الله عنها توفيت سنة 57هـ أو 58هـ. انظر: الإصابة 4/ 361.

والحديث أخرجه البخاري أيضاً في عدة مواضع من كتابه ففي كتاب التفسير رقم (4750) من طريق يونس بن يزيد الأيلي، وفي كتاب الشهادات رقم (2661) من طريق فليح بن سليمان كلاهما عن الزهري بإسناده بألفاظ متقاربة، وأخرجه من طريق يونس وصالح عن الزهري في مواضع متفرقة من صحيحه.

انظر: ج5 رقم (2637) و6 رقم (2879) ، وج7 رقم (4025) ، وج8 رقم (4690) ، وج 11 رقم (6662) و (6676) وج 13 رقم (7500 و7545) .

وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه من طريق يونس ومعمر كلاهما عن الزهري بإسناده، وهو قريب من لفظ يونس وفليح عند البخاري، انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 102- 114، و17/ 114 من طريق صالح بن كيسان وفليح كلاهما عن الزهري بإسناده، قال مسلم: بمثل حديث يونس ومعمر بإسنادهما.

وأخرجه أيضاً عبد الرزاق في المصنف (5/ 410) وأحمد في المسند 42/ 404- 412 رقم [25623] أرناؤوط.

وإسحاق بن راهويه في مسنده رقم (186، 187 و560 و561) من مسند عائشة، وابن شبة في تاريخ المدينة 1/ 311- 318، وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد 1/ 24 رقم (114) ، والطبراني في الكبير 23/ 50- 56 رقم (133 ورقم 134 و138 و144 و145 و147) ، وصحيح ابن حبان 10/ 13 رقم (4212) ومسند أبي يعلى رقم (4927 و4933) ، والطبري في تاريخه 2/ 610- 618، وفي تفسيره 18/ 88- 92، والبيهقي في السنن 7/ 74 و302، وفي الدلائل له 4/ 64 من طرق عن الزهري عن شيوخه، وبعضهم اقتصر على أجزاء من حديثه، وبعضهم في سياقه مخالفة لما في الصحيح ولكن المعنى واحد.

ص: 470