الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم والاعتقاد بنزاهتهم (1)، لكن كما يرى الإمام أبو زرعة (2) أن للذين ينتقصون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غاية معينة فيقول:(إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندنا حق والقرآن حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنّة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة)(3) .
4- اعتقاد أهل السنّة في أهل البيت:
وقبل بيان منزلة أهل البيت عند أهل السنة نبين المراد بأهل البيت:
= ببغداد سنة 463هـ، من مؤلفاته:«تاريخ بغداد» ، «الكفاية في معرفة علم الرواية» . انظر ترجمته: ابن العماد: «شذرات الذهب» : (3/311 - 312)، اليافعي:«مرآة الجنان» : (3/87 - 88)، «معجم المؤلفين» :(2/3) .
(1)
«الكفاية» : ص 96، وانظر في مثل هذا المعنى: الايجي: «المواقف» : ص 413.
(2)
عبد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ المخزومي بالولاء أبو زرعة الرازي، من حفاظ الحديث وكبار الأئمة، جالس أحمد بن حنبل وكان يحفظ مائة ألف حديث، ويقال: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل، توفي سنة 264هـ وكانت ولادته سنة 200هـ، «تهذيب التهذيب» :(7/30 - 34)، «الأعلام» :(4/350) .
(3)
«الكفاية» : ص 97، وانظر في موضوع (حكم من سب الصحابة أو كفّرهم) «الصارم المسلول» لابن تيمية: ص 567 وما بعدها و «فتح الباري» : (7/36) ، (12/300)، «رسائل ابن عابدين» :(11/314)، «تفسير ابن كثير» :(1/516) .
روى الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطيباً - وذكر الحديث وفيه: أذكركم الله في أهل بيتي - ثلاثاً - فقال حصين بن سبرة: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: إن نساءه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده (1) قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس، قال: أكُلّ هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.. (2) .
وهذا يدل على دخول "أقاربه وزوجاته" في مفهوم أهل البيت. وروى مسلم من حديث ابن شهاب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي أن عبد المطلب بن ربيعة أخبره أن أباه ربيعة بن الحارث قال لعبد المطلب بن ربيعة وللفضل بن العباس رضي الله عنهما: ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولا له: استعملنا يا رسول الله على الصدقات - فذكر الحديث - وفيه فقال لنا: (إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد (3)) .
وهذا يدل على دخول قرابته في مدلول "الآل".
وفي حديث كعب بن عجرة قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟.. قال: «قولوا: اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد» (4) وفي حديث أبي
(1) أي إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحق بهذه التسمية.
(2)
«صحيح مسلم» : (7/122 - 123) .
(3)
انظر: الحديث بتمامه في مسلم: (3/118 -119) .
(4)
«صحيح البخاري» مع شرحه «فتح الباري» : (6/408) .
حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا: «اللهم صَلِّ على محمد وأزواجه وذريته..» (1) فهذا الحديث يفسر الذي قبله ويبين أن آل محمد يشمل "أزواجه وذريته"(2) .
ومما يدل على دخول أزواجه في "أهل بيته" عليه السلام قوله تعالى في خطاب نساء نبيه صلى الله عليه وسلم (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)(3) فهذه الآية ظاهرة الدلالة على أن زوجاته صلى الله عليه وسلم من أهل بيته، ولهذا قال ابن كثير:(الذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) فإن سياق الكلام معهن، ولهذا قال تعالى بعد هذا كله (4)(واذكرن ما يتلى في بيوتكن منءَايت الله والحكمة)(5) .
وقال بدخولهن في ذلك جمع كبير من المفسرين (6)
(1) المصدر السابق: (6/407) .
(2)
انظر: «جلاء الأفهام» لابن القيم: ص 119 - 120.
(3)
الأحزاب: آية 33.
(4)
«تفسير ابن كثير» : (3/506) .
(5)
الأحزاب: آية 34.
(6)
انظر: القرطبي: (14/182 - 184)، «البحر المحيط» لابن حيان:(7/232) وانظر: «الكشاف» للزمخشري: (3/260)، «تفسير أبي السعود» :(4/417)، «مفاتيح الغيب» :(25/209) .
وغيرهم (1) .
وفي صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها قالت: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحّل (2) من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً (» (3) .
قال القرطبي: (فهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم لهم بعد نزول الآية، أحب أن يدخلهم في الآية التي خوطب بها الأزواج)(4) .
فعلى هذا تشمل الآية الزوجات وأصحاب الكساء (5)(فمن جعل الآية خاصة بأحد الفريقين فقد أعمل بعض ما يجب إعماله، وأهمل ما لا يجوز إهماله)(6) .
(1) انظر: «منهاج السنة» : (4/21)، «المنتقى» : ص 168 - 169، «الدين الخالص» :(3/395)، وانظر: د. علي السالوس: «آية التطهير بين أمهات المؤمنين وأصحاب الكساء» .
(2)
المرط: هو الكساء، والمرحل هو الموشي المنقوش عليه صور رحال الإبل «شرح النووي على صحيح مسلم» :(15/194) .
(3)
«صحيح مسلم» بشرح النووي: (15/194 - 195) .
(4)
«تفسير القرطبي» : (14/184) .
(5)
روى البيهقي بسنده عن أم سلمة قالت: «في بيتي أُنزلت: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت.. (قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال: هؤلاء أهلي قالت: فقلت: يا رسول الله أما أنا من أهل البيت؟ قال: بلى إن شاء الله» قال البيهقي: هذا حديث صحيح سنده، ثقات رواته. «الاعتقاد» : ص 164، وانظر: البغوي: «معالم التنزيل» : (6/551 - 552)(المطبوع مع تفسير ابن كثير) .
(6)
«فتح القدير» : (4/280) .
وبهذا قال جماعة من المحققين كالقرطبي (1) ، وابن كثير (2) ، وابن حجر (3) وغيرهم.
فعلى هذا يشمل مفهوم أهل البيت ذريته صلى الله عليه وسلم وأقاربه (4) ممن تحرم عليهم الصدقة (5) وكذلك أزواجه صلى الله عليه وسلم.
بهذا المفهوم الواسع الرحب لأهل البيت يأخذ أهل السنّة. ويفترقون عمن يحصر أهل البيت بسبعة "الإسماعيلية" أو اثني عشر "الاثنا عشرية" ويتناول بعض الصلحاء من أهل البيت بالسب والذم واللعن بحجة أنهم تطاولوا على منصب الإمامة.. ويعطي من يسميهم بـ "الأئمة" أوصافاً تتجاوز بهم منزلة البشر إلى منزلة خالق البشر (كما سيأتي) .
وأما معتقد أهل السنّة في أهل البيت: فهم (يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «أذكركم الله في أهل
(1)«تفسير القرطبي» : (14/182 - 184) .
(2)
«تفسير ابن كثير» : (3/506) .
(3)
قال ابن حجر عن هذا التفسير لأهل البيت: «فبذلك يجمع بين الأحاديث» (فتح الباري) : (11/160)، وانظر:«التسهيل» لابن جزي: (3/299) .
(4)
وقد ذهب بعض أهل العلم بأن المراد.. بآله (هم أتباعه عليه الصلاة والسلام أو الأتقياء من أمته. انظر: أبو يعلى: «المعتمد» : ص 257، ابن القيم:«جلاء الأفهام» : ص 120. وقد رد هذا ابن القيم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدد أهل البيت بأوصاف كحرمة الصدقة عليهم وغيرها، وهذا لا يجوز أن يراد به عموم الأمة «جلاء الأفهام» : ص 126.
(5)
اختلف أهل العلم فيمن تحرم عليهم الصدقة. انظر: «جلاء الأفهام» : ص 119.
بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» (1)(2) وما صح في هذا من الأحاديث.
يقول الصديق رضي الله عنه: «والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ أن أصل من قرابتي» (3) ويقول: «ارقبوا محمداً في أهل بيته» (4) .
ويشرح الإمام عبد القاهر البغدادي نظرة أهل السنّة إلى آحاد أهل البيت فيقول: (وقالوا - يعني أهل السنّة - بموالاة الحسن والحسين والمشهورين من أسباط رسول الله صلى الله عليه وسلم كالحسن بن الحسن وعبد الله بن الحسن وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر.. وجعفر بن محمد المعروف بالصادق، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى الرضا، وكذلك قولهم في سائر أولاد علي من صلبه كالعباس، وعمر، ومحمد بن الحنفية، سائر من درج على سنن آبائه الطاهرين دون من مال منهم إلى الاعتزال أو الرفض ودون من انتسب إليهم وأسرف في عدوانه وظلمه)(5) .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية مبيناً مذهب أهل السنّة نحو أهل بيته صلى الله عليه وسلم فيقول: (آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) هذا جزء من حديث رواه مسلم عن زيد بن أرقم في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب فضائل علي رضي الله عنه: (7/122 - 123) .
(2)
ابن تيمية: «الفتاوى» : (3/154)، وانظر «الإنصاف فيما يجب اعتقاده» للباقلاني: ص 68.
(3)
رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:(4/110) .
(4)
رواه البخاري (في الموضع السابق) .
(5)
«الفرق بين الفرق» : ص 360.
لهم من الحقوق ما يجب رعايتها، فإن الله جعل لهم حقاً في الخمس والفيء وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لنا:«قولوا: اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» ) (1) .
وأهل السنة يتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ويترضون عنهن ويعرفون لهن حقوقهن ويؤمنون بأنهن رضي الله عنهن أزواجه في الآخرة، قال ابن قدامة:(ومن السنّة الترضي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرّآت من كل سوء، أفضلهن خديجة بنت خويلد وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فمن قذفها بما برّأها الله منه فقد كفر)(2) .
وصلة المحبة والإخاء بين الآل والأصحاب ثابتة في اعتقاد أهل السنّة، وقد نقلوا في دواوينهم الحديثية ثناء بعضهم على بعض ومحبة بعضهم لبعض، وخص بعضهم هذا الموضوع بتأليف خاص كالدارقطني (3) والشوكاني (4) وذلك لمواجهة دسائس التفرقة بين الأمة التي حاولت افتعال فجوة وقطيعة بين الآل والأصحاب من أجل أن تبقى الفرقة والعداوة بين المسلمين.
(1)«مجموعة الرسائل الكبرى» ، الرسالة السابعة «الوصية الكبرى» :(1/297 - 298) .
(2)
«لمعة الاعتقاد» : ص 29.
(3)
انظر: الدارقطني: «فضائل الصحابة ومناقبهم وقول بعضهم في بعض» (مخطوط) .
(4)
انظر: الشوكاني: «إرشاد الغبي لمذهب أهل البيت في صحب النبي» (مخطوط) .
وأهل السنّة في موقفهم السامي من القرابة والصحابة لا يخرجون في وصفهم للآل والصحب عن المشروع، فلا يغالون في أوصافهم، ولا يعتقدون عصمتهم، والأحاديث الصحيحة في دواوين السنّة شاهدة على هذا ذلك بأن الرعيل الأول كانوا بشراً وليسوا ملائكة فهم لم يتخلوا عن طبيعة البشر بما فيها من قوة وضعف وأن منشأ امتيازهم أنهم بلغوا في بشريتهم هذه أعلى قمة مهيأة لبني الإنسان في الاحتفاظ بخصائص البشر في الأرض مع الاستمساك بعروة السماء) (1) .
وأهل السنّة وهم يحبون آل البيت ويتولونهم، ويحبون الصحابة ويتولونهم لا يعتقدون أن هذا الحب يسقط عنهم التكاليف الشرعية، أو يكون هو السبب الوحيد المنجي في الآخرة، فالقرآن لم يربط النجاة والهلاك بحب فلان أو بغضه بل بطاعة الله ورسوله، قال تعالى:(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)(2) وقال سبحانه: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)(3) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة والسنّة زاخرة بما يؤكد هذا ويحتمه.
وقد عُلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الشرك يضر صاحبه ولو أحب من أحب من أهل البيت أو الصحابة.
قال ابن تيمية - في رده للحديث الموضوع «حبُّ عليّ حسنة