الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللكنوي «ضربة حيدرية» وغيرها (1) . والكيد المجوسي لا ينتهي ولكن سيكفيكهم الله وهو السميع العليم، ولن يضروا الله شيئاً والله يحفظ كتابه ودينه، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، فها هي مؤامراتهم ومكائدهم تندحر وترتد على أعقابها، وتصبح فضيحة كبرى لهم يحاولون التستر عليها الآن بكل وسيلة، ويبقى كتاب الله في حفظ الله وكنفه فوق كيد الكائدين، ويرجع أصحاب الكيد بالخزي والذل والصغار، وفي هذا آيات للمؤمنين. فلا قرآن يوجد إلا هذا القرآن العظيم، وتبقى هذه الدعاوى فضيحة لأصحابها، وعلى مر الزمن واستفحال الكيد تتجدد معجزة الوعد الإلهي في حفظ هذا القرآن العظيم (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (.
2- النصوص الواردة في كتبهم:
النصوص المجوسية التي تطعن في كتاب الله عز وجل قد كثرت في كتب "الشيعة" ومصادرها في الحديث كثرة عجيبة، حتى إن عالمهم المجلسي صاحب «بحار الأنوار» جعلها في الكثرة والتواتر تساوي أخبار الإمامة التي هي لب التشيع وجوهره، ورأى أن ترك الاعتماد على أخبار التحريف يستلزم عندهم رفع الاعتماد على أخبارهم - رأساً -.
يقول: (وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنىً، وطرْح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة)(2) . وقال شيخهم المفيد:
(1)«الشيعة والسنّة» : ص 150.
(2)
«مرآة العقول» : (2/536) .
(إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان)(1)، ويقول عالمهم الطبرسي عن أخبارهم في الطعن في القرآن:(وهي كثيرة جداً حتى قال السيد نعمة الله الجزائري في بعض مؤلفاته كما حكي عنه أن الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث)(2)، وقال ثقتهم محمد صالح المازندراني (ت 1081) :(.. وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنىً، كما يظهر لمن تأمل في كتب الأحاديث من أولها إلى آخرها)(3) .
وقال شيخهم نعمة الله الجزائري: إن القول بصيانة القرآن وحفظه: (يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن.. مع أن أصحابنا - رضوان الله عليهم - قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها)(4) .
ويرى عالمهم الطبرسي أنه لا ينبغي عندهم النظر في أسانيدها لتواترها من طرقهم، يقول:(إن ملاحظة السند في تلك الأخبار الكثيرة توجب سد باب التواتر المعنوي فيها، بل هو أشبه بالوسواس الذي ينبغي الاستعاذة منه)(5) .
والخوئي مرجع الشيعة في العراق وغيره - اليوم - يقول: (إن كثرة الروايات - على وقوع التحريف في القرآن - تورث القطع
(1) المفيد: «أوائل المقالات» : ص 98.
(2)
الطبرسي: «فصل الخطاب» : ص 125 (مخطوط) .
(3)
محمد المازندراني: شرج جامع «الكافي» : (11/76) .
(4)
نعمة الله الجزائري: «الأنوار النعمانية» : (2/357، 358) .
(5)
«فصل الخطاب» : الورقة 124 (مخطوط) .
بصدور بعضها عن المعصومين ولا أقل من الاطمئنان بذلك، وفيها ما روي بطريق معتبر..) (1) .
ويقول شيخهم محسن الكاشاني: (المستفاد من الروايات من طريق أهل البيت أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أُنزل على محمد، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها: اسم علي في كثير من المواضع ومنها لفظة آل محمد غير مرة، ومنها أسماء المنافقين في مواضعها، ومنها غير ذلك، وأنه ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله)(2) .
وبعد هذه "الاعترافات" من علمائهم وأساطينهم أجدني غير محتاج إلى الإكثار من الأمثلة والشواهد (3) من كتبهم، ففي هذه الشهادات كفاية وعبرة لتورط القوم. وسنذكر فيما يلي بعض الأمثلة والشواهد التي تصور هذه العقيدة عندهم.
روى الكليني في «الكافي» عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ((أن القرآن الذي جاء به جبرائيل (إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية)(4) . وآيات القرآن - كما هو معروف - لا تتجاوز ستة آلاف آية إلا قليلاً.
(1) الخوئي: «البيان» : 226، ولم يستطع الخوئي رد هذه الروايات وحاول تأويلها بما سيأتي ذكره ومناقشته في باب (آراء دعاة التقريب) .
(2)
محسن الكاشاني: «تفسير الصافي» - المقدمة السادسة.
(3)
وقد جمعت منها "مادة كبيرة" يعلم الله كم تألمت وأنا أقرأها وأجمعها، وكم أشفقت على قوم اعتمدوا في دينهم على كتب حوت هذا "الغثاء".
(4)
الكليني: «أصول الكافي» كتاب فضل القرآن، باب النوادر:(2/134) .
وقد حكم علماء الشيعة بصحة هذه "الأسطورة"؛ قال المجلسي: (فالخبر صحيح)(1) وقال صاحب الشافي: (إنه موثق كالصحيح)(2)، وأماطوا اللثام عن معناه الساقط؛ قال المازندراني:(إن آي القرآن ستة آلاف وخمسمائة.. (3) والزائد على ذلك مما سقط بالتحريف..) (4) وقال المجلسي: (إن هذا الخبر وكثيراً من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره)(5) .
وهذه "الأسطورة" رويت بلفظ (عشرة آلاف آية) كما في الوافي (6) ، ثم تطور العدد إلى (سبعة عشر ألف آية) كما في الكافي (7) ، ثم تطور الأمر إلى (ثمانية عشر ألف آية) كما في كتاب سليم بن قيس (8) .
وقد وضع صاحب الوافي احتمالاً مقبولاً لتفسير الرواية السالفة بعد ذكره لبعض الاحتمالات الساقطة - حيث ذكر روايته لأسطورته بلفظ (عشرة آلاف آية)، قال:(أو يكون - أي العدد الزائد عما في القرآن - مما نسخ تلاوته)(9) ، ولكن شيخ الشيعة ومرجعها اليوم
(1)«مرآة العقول شرح الأصول والفروع» : (2/536) .
(2)
«الشافي شرح أصول الكافي» : (7/227) .
(3)
هذا العدد الذي ذكره لآيات القرآن لم أجد له ذكراً ضمن الأقوال المأثورة في عدد الآي: انظر «تفسير القرطبي» : (1/64، 65)، «الإتقان» :(1/89)، الفيروزآبادي:«بصائر ذوي التمييز» : (1/559، 560) .
(4)
شرح جامع على «الكافي» : (11/76) .
(5)
«مرآة العقول» : (2/536) .
(6)
محسن الكاشاني: «الوافي» المجلد الثاني: (جـ1/ص274) .
(7)
الكليني: «أصول الكافي» : (2/134) .
(8)
انظر: المازندراني: «شرح جامع» : (11/76) .
(9)
«الوافي» المجلد الثاني: (جـ1/ص274) .
«الخوئي» (1) وهو يتظاهر بالدفاع عن القرآن يرى أن القول بنسخ التلاوة هو قول بالتحريف (2) ، وكأنه أراد أن يوصد هذا الباب ويرد هذه القاعدة الثابتة ليثبت عقيدة في نفسه يخفيها.. وهو كيد باطني مستتر.
وترد روايات كثيرة عندهم تتحدث عن مصحف لعلي يغاير المصحف الموجود جمعه بنفسه، ويعقد الكليني باباً في هذا يسميه (باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام ، ويذكر فيه ست روايات من رواياتهم، منها ما يرويه جابر الجعفي أنه سمع أبا جعفر يقول: (ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه، كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده)(3) .
وشيخ الشيعة اليوم «الخوئي» - وهو يزعم أنه يدافع عن القرآن - يرى: أن وجود مصحف لعلي يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور، وفي اشتماله على زيادات ليست في القرآن مما لا ينبغي الشك فيه (4) .
وترد عن الطبرسي في كتابه «الاحتجاج» رواية تتحدث عن جمع علي للقرآن وعرضه هذا المجموع على الصحابة وموقفهم من ذلك وهي أسطورة ـ مضحكة ـ ما كان لنا أن نأتي بها لولا أن الكتاب والمؤلف
(1) هو إمامهم الأكبر زعيم الحوزة العلمية عندهم، سيدهم أبو القاسم الموسوي الخوئي، يعيش حالياً في العراق، من مؤلفاته:«البيان في تفسير القرآن» .
(2)
الخوئي: «البيان» : ص 201.
(3)
الكليني: «الكافي» : (1/238) .
(4)
ثم يحاول أن ينجو بنفسه وشيعته من دخولهم في دائرة هذه العقيدة الملحدة في القرآن فيقول: (إن تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد)«البيان» : ص 223. ولاحظ قوله (من الله) لتدرك أن الرجل لا يريد أن يردَّ هذه الأسطورة، بل يريد إثباتها بطائفته بطرق ملتوية، ذلك أن هذه الزيادات إذا كانت من الله فلا يختلف الأمر بين النص والتأويل، ومن يغير ويبدل في أحدها ويبدل في الآخر، بل يبدل في النص من باب أولى (كبرت كلمة تخرج من أفواههم أو تسطرها أقلامهم إن يقولون إلا كذباً وبهتاناً) .
محل ثقة الشيعة (1)، حتى قبلوا مراسيله عن الأئمة في القرن الأول ـ مع أنه من القرن السادس ـ يقول المؤلف في مقدمة كتابه:(ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناد إما لوجود الإجماع عليه، أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف)(2) وعلى هذا اعتمدوا على الكتاب، يقول عالمهم المعاصر.. أغابزرك الطهراني (3) :(فهو من الكتب المعتبرة التي اعتمد عليها العلماء الأعلام كالعلامة المجلسي والمحدث الحر وأضرابهما)(4) كما وثقه غيره من علمائهم (5)، تقول "الأسطورة": (وفي رواية أبي ذر الغفاري أنه قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله، جمع علي رضي الله عنه القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم، لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر وقال: يا علي أردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه (وانصرف، ثم أحضروا زيد بن ثابت - وكان قارئاً للقرآن - فقال له عمر: إن علياً جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا
(1) ولهذا بالغوا في الثناء على المؤلف؛ قال الحر العاملي عنه: (عالم فقيه فاضل محدث ثقة)، وقال الخوانساري أنه:(من أجلاء أصحابنا المتقدمين) . انظر: مقدمة الكتاب لمحمد بحر العلوم ص. ب.
(2)
مقدمة المؤلف: ص4.
(3)
وهو مؤلف «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» ، «وطبقات أعلام الشيعة» وغيرهما، توفي سنة 1389هـ.
(4)
«الذريعة» : (1/281) .
(5)
كالخوانساري الذي قال: كتاب الاحتجاج معتبر معروف بين الطائفة. «روضات الجنات» : (1/19)، ووثقه المجلسي في «البحار» :(1/28) وغيرهما.
فرغت من القرآن على ما سألتهم وأظهر عليٌّ القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر: ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك، فلما استخلف عمر سأل عليّاً (أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن، إن جئت بالقرآن الذي قد كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه، فقال: (هيهات، ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، قال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم؟ فقال (: نعم، إذا قام القائم من ولدي يظهره، ويحمل الناس عليه فتجرى السنّة به صلوات الله عليه)(1) .
وهذه الرواية التي تطعن في كتاب الله ليست هي الرواية الوحيدة في الكتاب، بل هي واحدة من أكثر من عشر روايات، قال عالمهم الطبرسي - وهو يعدد من قال بالتحريف من علمائهم -:(والشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب «الاحتجاج» ، وقد ضمن ألاّ ينقل فيه إلا ما وافق الإجماع واشتهر بين المخالف والمؤالف ودلت عليه العقول، وقد روى فيه - أي في التحريف - أزيد من عشرة أحاديث صريحة في ذلك (2) .
(1) الطبرسي: «الاحتجاج» : (1/225 - 228)، والمجلسي نقل هذه "الأسطورة" في «بحار الأنوار» من «الاحتجاج» . «البحار» :(8/463) ، وذكر أن "صدوقهم" ابن بابويه القمي رواها باختصار (المصدر السابق) .
(2)
«فصل الخطاب» : الورقة 32 (المخطوط) .
وفي النص السالف الذكر تظهر بعض الدوافع والأسباب وراء وضع هذه النصوص التي تنال من كتاب الله؛ يظهر هذا من قوله: (فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم..) وقوله: (وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار..) .
فالحقد الذي أكل قلوب المجوسية إزاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين فتحوا بلادهم ونشروا الإسلام بينهم جعلهم ينفثون هذه الأحقاد والضغائن في سب أولئك الصحب والطعن فيهم، ولكن آيات الله التي تتلى على مر الزمن وهي تثني على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلي من شأنهم وتنشر فضائلهم قد كشفت كيدهم وردته في نحورهم، فلم يكن أمامهم إلا القول بأن الصحابة قد أسقطوا من الكتاب فضائح المهاجرين والأنصار.. وأرادوا بهذه القولة التستر على مذهبهم فكانت من أسباب انكشافهم وهتك أستارهم ورفع القناع عن وجوههم الحقيقية المعادية للإسلام والمسلمين، فها هم يحاولون التستر عليها بكل وسيلة.
كما تدل هذه الرواية على أن القرآن الكامل في اعتقادهم إنما هو عند إمامهم المنتظر، وأن الذي قام بتحريف القرآن الموجود هو أبو بكر، وعمر، وزيد بن ثابت. وعالمهم الطبرسي يزيد آخرين فيقول:(والذين باشروا هذا الأمر الجسيم هم أصحاب الصحيفة: أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف واستعانوا بزيد بن ثابت)(1) .
(1)«فصل الخطاب» : الورقة 73.
وهذه الأسطورة من وضع من لا يُحسن الوضع، فهي تقول إن الصحابة حين أرادوا تحريف القرآن تخوفوا من أن ينكشف أمرهم بإخراج علي للقرآن الكامل، لهذا دبروا لقتله على يد خالد، ولكن هذه الأسطورة تقول إنه لم يستطع قتله إذن لماذا لم يُخرج علي القرآن ما دامت مؤامرتهم في قتله قد فشلت؟، وإذا كان يخشى منهم لأن السلطة بأيديهم فلماذا لم يخرجه أثناء خلافته؟، هذا ما ينسف كل ما بنوه وشيدوه من "أساطير"(1) .
ويروون عن أبي عبد الله (جعفر الصادق) أنه قال: (لو قرئ القرآن كما أُنزل لألفينا مسمين)(2) . وعن ميسرة عن أبي جعفر (قال: (لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقنا على ذي حجي)(3) .
ومن هذين النصين ينكشف سبب آخر وراء قولهم بهذه "الفرية"، فالإمامة التي جعلوها صنو النبوة، والأئمة الذين ملئوا الدنيا حديثاً عنهم، وأن الإيمان بهم هو كالإيمان بالصلاة والزكاة وأن من جحد إمامة أحدهم فكأنما جحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء - كما سيأتي - هذا الأمر لم يرد له ذكر في كتاب
(1) إن الواقف المتأمل أمام النصوص لتحليلها والكشف عن مرامي الفئات الباطنية والمجوسية من خلالها تتجلى له أهداف الباطنية الملحدة، لأن تلك النصوص ناطقة بنفسها، وفي ظني أن الدراسة المتأملة لنصوص القوم ستميط اللئام عن كثير من أساليبهم ومؤامراتهم في حرب الإسلام والمسلمين.
(2)
«تفسير العياشي» : (1/13)، وانظر: هاشم البحراني «البرهان» : (1/22)، المجلسي:«البحار» : (19/30)، الخوئي:«البيان» : ص 230.
(3)
«تفسير العياشي» : (1/13)، هاشم البحراني:«البرهان» : (1/22)، المجلسي:«البحار» : (19/30) .
الله. وفي النصين السابقين شهادة من الشيعة نفسها على أنه ليس لأمر أئمتهم ذكر في كتاب الله. وهذه "الظاهرة" تنسف بنيانهم من القواعد، وتهدد جمعهم بالفشل، ومساعيهم بالبوار، فلم يكن أمامهم من مسلك إلا القول بالتحريف، ولهذا شهد إمامهم المجلسي - كما مر - أن أخبار التحريف عندهم لا تقل عن أخبار الإمامة وأنه إذا لم يثبت التحريف فلا تثبت الإمامة وغيرها من عقائد الشيعة. وقد أصاب المجلسي، فالتحريف لم يقع، ومسألة الإمامة لم تثبت، والرجعة كذلك وغيرها مما شذت به الشيعة.
وفي سبيل (إثبات دعوى إمامة الأئمة) يدّعون أن هناك كلمات وآيات محذوفة من كتاب الله.
روى الكليني في الكافي بإسناده عن أبي جعفر - (- قال: نزل جبرائيل بهذه الآية على محمد ? هكذا: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا - في علي - فأْتوا بسورة من مثله)(1) .
وعن جابر الجعفي عن أبي جعفر (قال: هكذا نزلت هذه الآية: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به - في علي - لكان خيراً لهم)(2) .
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله في قول الله (: (ومن يطع الله ورسوله - في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده - فقد فاز فوزاً عظيماً) هكذا نزلت (3) .
(1)«الكافي» : باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية: (1/417) .
(2)
المصدر السابق: (1/424) .
(3)
المصدر السابق: (1/414) .
وعن أبي عبد الله (ع) في قوله الله (: (فستعلمون من هو في ضلال مبين أيا معشر المكذبين حيث أنبأتكم رسالة ربي في ولاية علي رضي الله عنه والأئمة من بعده من هو في ضلال مبين) هكذا نزلت (1) .
ويروي الكليني بإسناده عن أبي الحسن (ع) قال: (ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ولن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله ووصية علي رضي الله عنه)(2) .
ويقول عالمهم - الطبرسي -: (روى الشيخ الفقيه شاذان بن جبرائيل القمي في كتاب الروضة والفضائل قال ـ وبالإسناد يرفعه إلى الثقات الذين كتبوا الأخبار ـ أنهم أوضحوا ما وجدوا وبأن لهم من أسماء أمير المؤمنين ثلثمائة اسم "300" في القرآن، منها ما رواه بالإسناد الصحيح عن ابن مسعود في قوله: إن عليّاً جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، وقوله: إن عليّاً للهدي)(3) . وافتراءاتهم في هذا كثيرة لا مجال للمزيد منها.
وفي سبيل تأييد عقيدتهم الفاسدة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تتحدث أساطيرهم عن كلمات وآيات مزعومة تنال من الصحابة - رضوان الله عليهم.
ومن ذلك ما رواه الكليني بإسناده إلى أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: دفع إليّ أبو الحسن (مصحفاً وقال: لا تنظر فيه،
(1) المصدر السابق: (1/421) .
(2)
المصدر السابق: (1/437) .
(3)
الطبرسي: «فصل الخطاب» : ص 116.
ففتحته وقرأت فيه: (لم يكن الذين كفروا) فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، قال: فبعث إليّ: ابعث إليّ بالمصحف (1) .
وفي تفسير العياشي في قوله سبحانه: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) يقول العياشي فيما يرويه عن جابر الجعفي عن محمد بن علي رضي الله عنه..: (وإنما نزلت: ألم تر إلى فلان وفلان - يعنون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لقوا عليّاً وعماراً فقالا إن أبا سفيان وعبد الله بن عامر وأهل مكة قد جمعوا لكم فاخشوهم وزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)(2) .
السياق غير منسجم وهذا دليل إفك الشيعة، فالضمائر غير متطابقة مع مراجعها، والصواب يقتضي (لقيا) - (لكما) - (فاخشياهم) - (وزادهما) - (وقالا) .
وتمضي افتراءاتهم فتخترع سوراً تزعم أنها محذوفة من كتاب الله، قال شيخهم الطبرسي:(نقصان السورة وهو جائز كسورة الحفد، وسورة الخلع وسورة الولاية)(3)، ثم في موضع آخر نقل سورة الولاية وقال: (إن الشيخ محمد بن علي بن شهراشوب المازندراني ذكر في كتاب المثالب على ما حكي عنه أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية، ونقل نصها في كتابه فصل الخطاب عن كتاب دبستان مذاهب وهي كما نقلها:
(1) الكليني: «الكافي» كتاب فضل القرآن، باب النوادر:(2/631) .
(2)
«تفسير العياشي» : (1/206)، وانظر: هاشم البحراني «البرهان» : (1/325)، ومحسن الكاشاني:«الصافي» : (1/313)، والمجلسي:«البحار» : (21/95) .
(3)
«فصل الخطاب» : النوري الطبرسي: ص 24.
بسم الله الرحمن الرحيم "يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم، نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم. إن الذين يوفون ورسوله في آيات (كذا) لهم جنات نعيم، والذين كفروا من بعدما آمنوا بنقضهم ميثاقهم، وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم، ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول أولئك يسقون من حميم.."(1) .
وتمضي "سورتهم" الموضوعة على هذا النمط - كما ستراها بكاملها في ملحق الوثائق - وكلماتها تذكرك بأساطير مسيلمة؛ ركاكة لفظ، وسقوط معنى واضطراب سياق.. ويبدو أن واضعها - هي وغيرها من كثير من تلك الزيادات على آيات الله - أعجمي، فهي لا تستقيم قراءة ومعنى، وفي كلماتها ومعانيها هبوط عن مستوى أداء الإنسان العادي.
وتطاول افتراءاتهم على كتاب الله إلى أكثر من دعوى سقوط بعض الآيات والسور، حتى إنهم ليزعمون أن القرآن قد أُسقط منه في موضع واحد من سورة النساء أكثر من ثلثه فيزعم صاحب الاحتجاج أن علياً - برأه الله مما يفترون - قال لأحد الزنادقة - في محاورة طويلة -: (.. وأما ظهورك على تناكر قوله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء (وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء أيتام فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن، وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن
…
ولو شرحت لك ما أُسقط وحرف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال وظهر ما تحظر
(1) المصدر السابق: ص 180.
التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء) (1) .
يقول الشيخ موسى جار الله عن هذه المحاورة: (لم أعلم من هو هذا البعض من الزنادقة الذي يناظر عليّاً ويهديه إلى الحق علي، وهل يمكن أن يكون أحد أشد زندقة ممن يقول في القرآن وفي جميع الصحابة مثل هذا القول؟ وهل يجد أشد عدو مساغاً أهدم للقرآن وأهدم للدين من مثل هذا القول الذي يسنده أئمة الشيعة إلى أمير المؤمنين علي؟)(2) .
والرواية السالفة تزعم سقوط أكثر من ثلث القرآن، وما تقدم من روايتهم في أن القرآن نزل سبعة عشر ألف آية يقتضي سقوط حوالي الثلثين، وهناك روايات لهم تصف هذا "المحذوف" - الذي يزعمونه - بأنه كثير. روى العياشي بإسناده عن أبي جعفر - يعنون محمد الباقر - أن القرآن قد طرح منه آي كثير ولم يزد فيه إلا حروف أخطأ بها الكتاب وتوهمها الرجال (3) .
وتدعو "أساطيرهم" إلى إهمال حفظ القرآن لأنه محرف في زعمهم، ومن حفظه على تحريفه يصعب عليه حفظه إذا جاء به "منتظرهم" غير محرف. روى مفيدهم بإسناده إلى جابر الجعفي عن أبي جعفر أنه قال:(إذا قام قائم آل محمد صلى الله عليه وآله ضرب فساطيط ويعلم الناس القرآن على ما أنزل الله (فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف)(4) وهذه
(1) الطبرسي: «الاحتجاج» : (1/387) .
(2)
موسى جار الله: «الوشيعة» : ص 46.
(3)
عن الطبرسي: «فصل الخطاب» : ص 79.
(4)
المفيد: «الإرشاد» : ص 413.
الرواية تدعو إلى ترك القرآن وإهمال حفظه، وهي لمفيدهم الذي يقدسونه ويعظمونه، حتى زعموا أنه فوق مستوى البشر لأن إمامهم المنتظر خاطبه بالأخ السديد والمولى الرشيد.. (1) وهذه الرواية وردت في كتابه «الإرشاد» وهو من كتبهم المعتمدة حتى قال عالمهم المجلسي:(وكتاب الإرشاد أشهر من مؤلفه)(2) .
وكذلك روى النعماني في «الغيبة» ما يشبه الرواية السالفة، روى بإسناده إلى أمير المؤمنين علي - برأه الله مما يفترون - قال:(كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أُنزل، قلت: يا أمير المؤمنين، أو ليس هو كما أُنزل؟ فقال: لا، محي منه سبعون من قريش، بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلا إزراء على رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه عمه)(3) .
وهذه الدعوة إلى إهمال حفظ القرآن، كان لها آثارها في مجتمعات الشيعة، يقول الشيخ موسى جار الله (4) ـ وقد عاش بين الشيعة فترة من الزمن ـ:(لم أر بين علماء الشيعة ولا بين أولاد الشيعة لا في العراق ولا في إيران من يحفظ القرآن ولا من يقيم القرآن بعض الإقامة بلسانه ولا من يعرف وجوه القرآن الأدائية، ما السبب في ذلك؟ هل هذا أثر من آثار عقيدة الشيعة في القرآن الكريم، إثر انتظار الشيعة مصحف علي الذي غاب بيد قائم آل محمد)(5) .
(1) مقدمة الكتاب التي أحالت نصوص مخاطبة المهدي لمفيدهم للاحتجاج: ص 277.
(2)
المجلسي: «البحار» : (1/27) .
(3)
النعماني: «الغيبة» : ص 171، 172، وانظر:«فصل الخطاب» : ص 7.
(4)
ستأتي ترجمته في محاولات التقريب.
(5)
موسى جار الله: «الوشيعة» : ص 37.
وتلك "الدعاوى" حول وجود آيات محذوفة من القرآن لم تصل إلى (وجود مصحف شيعي متداول) واكتفوا بانتظار ظهوره مع إمامهم المنتظر، مع وجود تلك الآيات والسور المفتراة في كتبهم المتفرقة يخدعون بها الأغرار. وفي عام 398هـ أخرج الشيعة مصحفاً قالوا إنه مصحف ابن مسعود، وهو يخالف المصاحف كلها فحكمت المحكمة الإسلامية التي تألفت من جمع من العلماء والقضاة برئاسة الشيخ أبو حامد الإسفراييني (1) ؛ حكمت بتحريفه، وتم ذلك (2) .
وجاءت روايات في كتب الشيعة تأمرهم بالعمل بالمصحف الموجود ريثما يخرج قرآنهم مع إمامهم المنتظر. فيروي الكليني بإسناده إلى محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن (قال: قلت له: جعلت فداك: إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأْثم؟ فقال: لا، اقرؤوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم (3) . ويعنون بالذي سيأتي ليعلمهم مهديهم المنتظر (4) .
قال عالمهم نعمة الله الجزائري: (قد روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها،
(1) أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني أبو حامد، إمام وقته، كان يحضر درسه ستمائة متفقه.. ومن مؤلفاته:«شرح المزني» في خمسين مجلداً وغيره. توفي ببغداد عام 406هـ وكان مولده سنة 334هـ. انظر: «البداية والنهاية» : (12/2، 3)، «شذرات الذهب» :(3/178) .
(2)
السبكي: «طبقات الشافعية الكبرى» : (4/63)، وانظر: ابن الجوزي: «المنتظم» : (7/237) .
(3)
الكليني: «الكافي» ، كتاب فضائل القرآن، باب أن القرآن يرفع كما أُنزل:(2/619) .
(4)
هامش «الكافي» : (2/219) .