المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النتيجة للباب الأول والثاني - مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة - جـ ١

[ناصر القفاري]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: أهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة

- ‌(أ) التعريف بالسنّة:

- ‌ سبب تسمية أهل السنّة بالجماعة

- ‌(ج) نشأة اسم أهل السنة والجماعة:

- ‌الفصل الثاني: مصادر أهل السنة في تلقي العقيدة

- ‌الفصل الثالث: مجمل لأهم عقائد أهل السنة التي خالفتها الشيعة

- ‌1- حفظ الله سبحانه لكتابه العظيم:

- ‌4- اعتقاد أهل السنّة في أهل البيت:

- ‌5- لا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثاني: الشيعة

- ‌الفصل الأول:‌‌ تعريف الشيعةونشأتهم وفرقهم

- ‌ تعريف الشيعة

- ‌التعريف المختار للشيعة:

- ‌الرأي المختار:

- ‌فرق الشيعة

- ‌الإسماعيلية

- ‌الزيدية

- ‌فرق الزيدية

- ‌الرافضة

- ‌الفصل الثاني: اعتقادهم في مصادر التلقي أو في أصول الأحكام المتفق عليها بين المسلمين

- ‌1- اعتقادهم في كتاب الله:

- ‌(أ) قولهم بتحريفه

- ‌1- كتب الشيعة التي روت أَخبار التحريف:

- ‌2- النصوص الواردة في كتبهم:

- ‌3- معتقدهم في هذه الروايات:

- ‌4- بداية هذا (الافتراء عند الشيعة) :

- ‌(ب) انحرافهم في تأويل القرآن:

- ‌ تأويلهم للآيات الواردة في الكفار والمنافقين

- ‌(ج) دعواهم تنزل كتب إلهية على الأئمة

- ‌1- مصحف فاطمة:

- ‌2- لوح فاطمة:

- ‌3- دعواهم نزول اثني عشر صحيفة من السماء تتضمن صفات الأئمة:

- ‌أولاً: أقوال "أئمتهم الإثني عشر" هي عندهم كأقوال الله ورسوله

- ‌ثانياً: إيداع الشريعة عند الأئمة المعصومين - بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثاً: ردهم لمرويات الصحابة:

- ‌رابعاً: تلقيهم السنّة عن «حكايات الرقاع» وما يسمونه بالتوقيعات الصادرة عن الإمام:

- ‌عمدة الروافض في "أحاديثهم

- ‌1- «بحار الأنوار الجامعة لدر أخبار الأئمة الأطهار» :

- ‌2- «وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة» :

- ‌3- «مستدرك الوسائل» :

- ‌أسانيد الشيعة في كتبهم:

- ‌الفصل الثالث: عقائدهم الأخرى التي انفصلوا بها عن أهل السنة

- ‌1 - الإمامة

- ‌(أ) معنى الإمامة عند الشيعة:

- ‌(ب) فضائل الأئمة وصفاتهم:

- ‌2 - عصمة الإمام

- ‌3- التقية

- ‌4- الرجعة

- ‌5- البداء:

- ‌6- الغَيْبة:

- ‌7- معتقدهم في الصحابة:

- ‌النتيجة للباب الأول والثاني

الفصل: ‌النتيجة للباب الأول والثاني

‌النتيجة للباب الأول والثاني

وبعد هذه الدراسة والتعريف والبيان لما ينفرد به أَهل السنّة حقيقة ومصدراً وعقيدة، وما ينفرد به الشيعة عن المسلمين في ذلك - بعد هذا كله هل نستطيع أَن نحكم على مسأَلة التقريب من خلال ما سبق؟

لقد رأَينا كيف وضع الشيعة مذهبهم على أسس تنأَى بهم عن الجماعة الإِسلامية، وتبتعد عن العودة إِلى المسلمين.

ولم يكن هذا البعد وليد يوم وليلة، بل هو مخاض سنين طويلة، كان أُولئك المتسترون بالتشيع يعملون عملهم في البعد بالشيعة عن أُمة الإِسلام كما كانوا دائبين على خلق الفرقة بين المسلمين.

فكان من الشيعة، من خرج عن دائرة الإِسلام كفرق الباطنية.

وكان منهم من ظل في هذه الدائرة على انحراف كمعتدلة الزيدية.

وكانت منهم طائفة في يوم من الأَيام وسطاً ولكنها اليوم استقرت عقائدها على مركب الغلو، وانمحت السدود العازلة بينهم وبين الغلاة، وإِليك البيان لذلك في ضوء ما سبق.

إِن الشيعة التي تسمى بالإِثنا عشرية، وبالإِمامية، وبالرافضة، وبالجعفرية، تلك التي تشكل أَكثرية الشيعة اليوم، حتى قالوا: إِن لفظ

ص: 375

الشيعة إِذا أُطلق - اليوم - فلا ينصرف إِلا إليها، وغيرها إِما زيدية وإما إسماعيلية - كما مر - هذه الطائفة قد عزلت نفسها عن جماعة المسلمين بمصادر لها خاصة تأخذ منها دينها وعقائدها.

وهذه المصادر والدواوين التي اعتمدتها في التلقي هي - كما مر النقل عنها ومن خلال القراءة الطويلة فيها أثناء هذا البحث - قد استوعبت آراء فرق الشيعة من خلال القرون، ذلك أنه بالمقارنة بين ما في كتب الاثني عشرية وبين آراء فرق الشيعة في كتب الفرق وغيرها؛ نجد أنه ما من رأي أو فكرة نادت بها طائفة من فرق الشيعية في حقب التاريخ المختلفة إلا ونجد لها شاهداً ودليلاً في كتب الاثني عشرية، حتى يكاد القارئ لذلك يحكم بأن ذلك التقسيم الكثير للشيعة وذكر طوائفها المتعددة قد أصبح اليوم لا داعي له، لأن هذه الطائفة الاثني عشرية قد استوعبت تلك الآراء والعقائد.

وهذه حقيقة مهمة وكبيرة ولم تكن واضحة قديماً كما هي اليوم بعد انتشار كتب الاثني عشرية.

وإن دراسة مقارنة لآراء تلك الفرق، وما جاء في كتب الاثني عشرية لهي دراسة جديدة نافعة تكشف حقائق هامة، والمجال لا يتسع لذلك، فلنأخذ أمثلة على ما نقول لنرى كيف استقر مركب الاثني عشرية على الغلو.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:

(وكذلك - أي في الحكم بالتكفير - من زعم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت..) ثم بيّن أن هذا مذهب القرامطة والباطنية (1) .

(1)«الصارم المسلول» : ص 586.

ص: 376

هذا القول الذي نسبه ابن تيمية للباطنية نجد في دواوين الشيعة الاثني عشرية ما يشهد له ويؤيده.

وقد رأينا اشتمال الكتب الأساسية عند الاثني عشرية على أحاديث تقول بنقص القرآن. وزعم علماء الشيعة كالمفيد في «أوائل المقالات» ، والمجلسي في «مرآة العقول» ، والمازندراني في «شرحه للكافي» وغيرهم أن الأحاديث التي تقول بنقص القرآن وتحريفه متواترة من طرقهم.

وشهد عالمهم نعمة الله الجزائري أنها بلغت أكثر من ألفي حديث، وأقر علماء الشيعة بأنه مذهب لكبار علمائهم كالكليني، وشيخه القمي، والطبرسي صاحب «الاحتجاج» ، والمجلسي صاحب «البحار» وغيرهم كما مر بيانه وتفصيله.

أفلا يحق لنا القول بأن آراء القرامطة قد تضمنتها كتب الاثني عشرية وأصبح التقسيم بينهما اسمياً لا حقيقياً في هذا؟.

والغريب أن كتب الاثني عشرية التي تضمنت القول بنقص القرآن وتحريفه، كان منها ما هو قبل ابن تيمية بقرون مثل «الكافي» للكليني (ت 329) وتفسير إبراهيم القمي شيخ الكليني وغيرهما، فهل كانت هذه الكتب سرية التداول بين الشيعة أو أن تلك الآراء الشاذة أُضيفت إليها فيما بعد؟، أو أن علماء السنّة لم يهتموا بالاطلاع على كتبهم لكذبهم؟!!! على أية حال إن ما ينسبه ابن تيمية للقرامطة هو متواتر في كتب الاثني عشرية.

ص: 377

ومثلاً "عقيدة البداء"(اعتبرها أصحاب الفرق من عقائد الغلاة)(1) ونسبوها للمختارية (2) وهي من الغلاة، ومع ذلك - كما مر - قد ورد في صحيحهم «الكافي» ستة عشر حديثاً في البداء، وفي «البحار» في باب البداء، والنسخ أكثر من سبعين حديثاً، وصار البداء من عقائد الاثني عشرية، وإن حاول علماؤهم أن يلتمسوا مخلصاً له لينجوا من تكفير المسلمين لهم لقولهم بهذه العقيدة الضالة.

وكذلك "عقيدة الرجعة"(اعتبروها من عقائد الغلاة)(3) ، وقد ذكرت كتب الشيعة (4) والسنّة (5) أنها من أصول عقائد ابن سبأ اليهودي، ومع ذلك فهي من أصول عقائد الإمامية.

ومسألة "تفضيل الأئمة على الأنبياء" هي مذهب غلاة الروافض كما قال ذلك الإمام عبد القاهر البغدادي (6)(ت 429هـ) والقاضي عياض (7)(ت 544هـ) وشيخ الإسلام ابن تيمية (8)(ت 728هـ) ، ونقل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب (إجماع المسلمين على كفر من ذهب إلى هذا القول)(9) .

(1) انظر: الشهرستاني: «الملل والنحل» : (1/173) .

(2)

المختارية: أتباع المختار بن أبي عبيد الثقفي، ومن مذهبه أنه يقول بالبداء على الله تعالى.. «الملل والنحل» :(1/147- 148) .

(3)

«الملل والنحل» : (1/173)، «هدي الساري مقدمة فتح الباري» : ص 459.

(4)

سعد القمي: ص 20- 21، النوبختي:«فرق الشيعة» : ص 19.

(5)

البغدادي: «الفرق بين الفرق» : ص 233- 234.

(6)

«أصول الدين» : ص 298.

(7)

ورأى أن هذا من أسباب كفرهم فقال: (ونقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم أن الأئمة أفضل من الأنبياء)«الشفاء» : ص 290.

(8)

«منهاج السنّة» : (1/177) الطبعة الأولى.

(9)

«الرد على الرافضة» : ص 29.

ص: 378

ومع ذلك فهي من عقائد الاثني عشرية، وفي كتب حديثهم، وقد عقدوا لها باباً خاصاً - كما سبق - (1) كما ألف شيوخهم في إثباتها مؤلفات مستقلة (2) .

والأمثلة على قضية استيعاب مدونات الاثني عشرية لعقائد الفرق الغالية كثيرة وبسط هذا الموضوع يحتاج لبحث مستقل.

وقد رأيت بعض علماء الشيعة المعاصرين أشار إلى هذا الرأي فقال: (ولكن يجب أن نشير قبل أن نضع القلم بأن ما مر بنا من أفكار الشيعة مما كان خاصاً بفرقة بعينها لم يلبث أن دخل كله في التشيع الاثني عشري ودعم بالحجج العقلية وبالنصوص. والتشيع الحالي إنما هو زبدة الحركات الشيعية كلها من عمار (3) إلى حجر ابن عدي إلى المختار وكيسان إلى محمد بن الحنفية وأبي هاشم إلى بيان بن سمعان، والغلاة الكوفيين إلى الغلاة من أنصار عبد الله بن الحارث إلى الزيديين

(1) انظر: ص 293 من هذا البحث.

(2)

مثال كتاب: «تفضيل علي رضي الله عنه على أولي العزم من الرسل» لشيخهم هاشم بن إسماعيل البحراني (ت 1107هـ) ، و «تفضيل الأئمة عليهم السلام على الأنبياء عدا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم» للمؤلف السابق ذكره، و «تفضيل أمير المؤمنين على من عدا خاتم النبيين» لشيخهم محمد باقر المجلسي (ت 1111هـ)، و «تفضيل أمير المؤمنين (على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم..» لسيدهم محمد النقوي اللكهنوي (ت 1284هـ) وغيرها. انظر:«الذريعة إلى تصانيف الشيعة» : (4/358- 360)، «لؤلؤة البحرين» : ص 64، ويقول شيخهم نعمة الله الجزائري (ت 1112هـ) :(هذا مذهب أكثر متأخري الإمامية، وهو الصواب) . انظر: «الأنوار النعمانية» : (1/20- 21)، وهذا المذهب هو الذي اعتمده شيخ الشيعة المعاصرين: الخميني. انظر: «الحكومة الإسلامية» : ص 52.

(3)

هذا بناء على اعتقاده أن عماراً وبعض الصحابة كانوا نواة للتشيع، وهذا "رأي" قد أشرنا إلى فساده في مبحث نشأة الشيعة.

ص: 379

والاسماعيليين، ثم الإمامية التي صارت اثنا عشرية، وقام بعملية المزج متكلمو الشيعة ومصنفوها) (1) .

إذن كتب الاثني عشرية الأساسية هي الدن الذي امتزجت فيه كل التهريفات الشيعية، واستقر بنيان التشيع الاثني عشري على الأصول العامة للتشيع.

من هنا رأى البعض أن (أصول مذهب الغلاة والمفوضة والباطنية من الإسماعيلية والإمامية الاثني عشرية مختلطة بعضها ببعض في كثير من المسائل، ولذلك قيل: الإمامية دهليز الباطنية)(2) .

ولقد رأينا كيف أن النزعة السبئية التي تضفي صفات الإله على الأئمة قد بدت واضحة من خلال أحاديث الاثني عشرية، فالأئمة يعلمون ما كان وما يكون ولا يخفى عليهم شيء، ولا يسهون ولا ينسون ولا يخطئون مطلقاً، إلى آخر قائمة الأوصاف التي يجعلونها للأئمة التي هي من خصائص الجبار جل علاه..

كما أن النزعة الباطنية واضحة في كتب الاثني عشرية في تأويلهم لآيات القرآن، وأركان الإسلام، ودعواهم نقص القرآن وغيرها.

ومن يطالع بعض الكتب الإسماعيلية يرى وفاقاً في كثير من أحاديث الطائفتين حول العقيدة (3) ، ويشير بعض علماء الاثني عشرية إلى

(1) مصطفى الشيبي: «الصلة بين التصوف والتشيع» : ص 235.

(2)

محمد بن الحسن الديلمي (من علماء القرن الثامن الهجري)«قواعد آل محمد» : ص 11.

(3)

من الأمثلة لذلك أنه يرد حديثهم: (من لم يؤمن برجعتنا فليس منا) في كتب الإسماعيلية. انظر: ص9 من «مسائل مجموعة» ضمن كتاب «أربعة كتب إسماعيلية» ، كما ورد في كتب الاثني عشرية.

ص: 380

وحدة الأصل في التلقي بين الإسماعيلية والاثني عشرية فيقول: (وإذا لم يكن الفاطميون على المذهب الاثني عشري فإن هذا المذهب قد اشتد أزره ووجد منطلقاً في عهدهم، فقد عظم نفوذه ونشط دعاته.. ذلك أن الاثني عشرية والإسماعيلية - وإن اختلفوا من جهات - فإنهم يلتقون في هذه الشعائر، وبخاصة في تدريس علوم آل البيت والتفقه فيها وحمل الناس عليها)(1) .

ولهذا نرى بعض كتب الإسماعيلية من المراجع المعتبرة عند الاثني عشرية ويرجع إليها كبار علمائهم العاصرين في بحوثهم (2) ، مثل كتاب (دعائم الإسلام) للقاضي النعمان بن محمد بن منصور بن حيان (ت 363) وهو إسماعيلي، كما تؤكد ذلك بعض مصادر الشيعة الاثني عشرية نفسها (3) .

وقد جاء في دائرة المعارف عن انفتاح الاثني عشرية على الغلاة هذا القول: (على أن الحدود لم تقفل تماماً أمام الغلاة، يدل على ذلك التقدير الذي دام طويلاً للكتاب الأكبر للإسماعيلية وهو كتاب «دعائم الإسلام» )(4) .

وغير الإسماعيلية من سائر الفرق التي بقيت أو اندرست؛ دخلت أفكارها في مدونات الاثني عشرية.

وقد رأينا فيما سبق أن الطوسي قد ذكر أن معظم رجالهم في الحديث من أصحاب المذاهب الفاسدة، ومع ذلك قال: إن كتبهم

(1) محمد جواد مغنية: «الشيعة في الميزان» : ص 163.

(2)

مثل الخميني في كتابه «الحكومة الإسلامية» . انظر: ص 67.

(3)

قال الشيعي الاثنا عشري ابن شهراشوب (ت 588هـ) : (القاضي النعمان بن محمد ليس بإمامي)«معالم العلماء» : ص 139.

(4)

«دائرة المعارف الإسلامية» : (14/72) .

ص: 381

معتمدة، ولعل هذا من أسباب دخول أفكارهم إلى التشيع الاثني عشري.

وقد لاحظنا أن بعض شيوخ الاثني عشرية وآياتها إذا تحدثوا عن طائفتهم ورجالها ودولها ـ نسبوا لها كل الفرق والدول والرجال المنتمين للتشيع، وإن كانوا من الإسماعيلية والباطنية أو من الزنادقة الدهرية أو من المجسمة الغلاة.

فهم إذا تحدثوا - مثلاً - عن دول الشيعة ذكروا الدولة الفاطمية في صدر دولهم مع أنها غير اثني عشرية (1) .

وإذا جاء ذكر رجالهم رأيت منهم كثيراً من رؤوس الضلال والزندقة ممن تنسب إليهم فرق ليست من الاثني عشرية.

ولكن هذه الطائفة تتبنى هذه الفرق ورجالها لأنها احتوت أفكارها وبدعها.

لهذا نرى - مثلاً - شيخ الشيعة محسن الأمين يقول عن الهشامية (2) أتباع هشام بن الحكم..، واليونسية أتباع يونس بن عبد الرحمن القمي (3) ، والشيطانية أتباع محمد بن النعمان "شيطان

(1) انظر: «الشيعة في الميزان» مبحث دول الشيعة: ص 127وما بعدها، وانظر:«أعيان الشيعة» : (1/44، 45)، وانظر:«دول الشيعة» لمحمد جواد مغنية.

(2)

وهذه الطائفة جمعت بين ضلالها في الإمامة ضلالة التشبيه والتجسيم حتى قال الإسفراييني: (أنهم أفصحوا في التشبيه بما هو كفر محض باتفاق المسلمين)«التبصير» : ص 43- 44. وانظر: الأشعري: «مقالات الإسلاميين» : (1/106- 107) ، عبد القاهر البغدادي: «الفرق بين الفرق» : جـ 65.

(3)

وكان في الإمامة على مذهب القطعية الذين قطعوا بموت موسى بن جعفر، وكان مفرطاً في باب التشبيه. انظر: الأشعري: «مقالات الإسلاميين» : (1/106)، البغدادي:«الفرق بين الفرق» : 70.

ص: 382

الطاق» (1) وغيرهم (أنهم عند الشيعة الإمامية كلهم ثقات صحيحو العقيدة، فكلهم إمامية واثنا عشرية)(2) .

ويلاحظ أنه من منطلق استيعاب الاثني عشرية لآراء الفرق الأخرى ـ رأينا بعض علماء الشيعة الاثني عشرية قد أضفى صفة الشرعية على بعض الغلاة الكفرة كالنصيرية (3) .

وهذا التطور العقدي عند الاثني عشرية يؤكده بعض علماء الشيعة المعاصرين بصراحة وهو عبد الله الممقاني (4) - الذي يعدونه

(1) والشيعة تسميه مؤمن الطاق وله وطائفته ضلال شنيع في الإمامة، والقدر والتشبيه، وكان في الإمامة على مذهب القطعية، أي ليس باثني عشري. البغدادي:«الفرق بين الفرق» : ص 71، الشهرستاني، «الملل والنحل» :(1/186- 187)، الإسفراييني:«التبصير» : ص 43.

(2)

«أعيان الشيعة» : (1/21) .

(3)

كتب أحد علماء الشيعة الاثني عشرية المعاصرين وهو المدعو "حسن الشيرازي" رسالة سماها: «العلويون شيعة أهل البيت» (والعلويون لقب للنصيرية) وذكر في رسالته هذه أنه التقى بالنصيريين في سوريا ولبنان وذلك بأمر من مرجعهم الديني "محمد الشيرازي"(أخي حسن)، وقال بأنه وجدهم كما يظن من شيعة أهل البيت الذين يتمتعون بصفاء الإخلاص وبراءة الالتزام بالحق وينتمون إلى علي بن أبي طالب بالولاية وبعضهم ينتمي إليه بالولاية والنسب.. وقال: إن العلويين والشيعة كلمتان مترادفتان مثل كلمتي الإمامية والجعفرية. حسن الشيرازي: «العلويون شيعة أهل البيت» : ص 2- 3. هذا ولم ينكر على هذا الشيرازي أحد من علماء الاثني عشرية مع أنه قد عرف واشتهر عن النصيرية الكفر والزندقة. انظر: ابن تيمية: «الفتاوى» : (35/145) وما بعدها، بل هم يكفرون في كتب الشيعة القديمة نفسها، انظر مثلاً:«البحار» : (25/285، 286) .

(4)

عبد الله بن محمد الممقاني من كبار شيوخ الشيعة، ولد بالنجف سنة 1290هـ. وتوفي بها سنة 1351هـ ومن كتبه:«تنقيح المقال في علم الرجال» في ثلاث مجلدات. «معجم المؤلفين» : (6/116) .

ص: 383

من كبار علمائهم المعاصرين في علم الرجال - يقول في معرض دفاعه عن المفضل بن عمرو الجعفي فيما رمي به من الغلو من قبل بعض علماء الشيعة القدماء: (إنا قد بينا غير مرة أن رمي القدماء الرجل بالغلو لا يعتمد عليه ولا يركن إليه، لوضوح كون القول بأدنى مراتب فضائلهم - يعني الأئمة - غلوّاً عند القدماء، وكون ما نعده اليوم من ضروريات مذهب التشيع غلوّاً عند هؤلاء، وكفاك في ذلك عد الصدوق نفي السهو عنهم غلوّاً مع أنه اليوم من ضروريات المذهب، وكذلك إثبات قدرتهم على العلم بما يأتي - أي علم الغيب - بتوسط جبرائيل والنبي غلوّاً عندهم ومن ضروريات المذهب اليوم)(1) .

فهذا الممقاني يعترف بالتطور العقدي عندهم، ويحكم بأن ما كان يعد غلوّاً في عرف الشيعة المتقدمين ـ مثل أن الأئمة يعلمون الغيب، ولا يسهون ـ هو اليوم من ضروريات مذهب التشيع.

ومن هذا المنطلق نرى شيخ الشيعة المعاصر: محمد حسين آل كاشف الغطا يحكم على جميع فرق الشيعة الموجودة اليوم بعدم الغلو ويزعم أن جميع الفرق الغالية قد بادت ولا يوجد منها اليوم نافخ ضرمة (2)(3) .

والواقع أن أسماء معظم تلك الفرق قد اختفت وبقيت آراؤها وأفكارها في كتب الاثني عشرية.

(1)«تنقيح المقال» : جـ3 ص 240.

(2)

انظر: «أصل الشيعة وأصولها» : ص 38، «دعوة التقريب» : ص 75.

(3)

وقال الدكتور سليمان دنيا - معلقاً على قول آل كاشف الغطا هذا - قال: (فما يكون الأغاخانية؟ أليسوا قائلين بالحلو؟! أوَ ليسوا مع قولهم بالحلول ملاحدة؟! أوَ ليسوا منتسبين إلى الشيعة؟ وأخيراً أو ليسوا على رقعة الأرض اليوم؟) : «بين السنّة والشيعة» : ص 37.

ص: 384

وقد تنبه لهذه الحقيقة - وهي تطور معتقدهم نحو الغلو - الشيخ: ملا علي القاري (1) وذلك حينما نقل قول الإمام النووي (2) وهو: إن (المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون والمحققون أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع)(3) فقال القاري معقباً على ذلك (قلت: وهذا في غير حق الرافضة الخارجة في زماننا، فإنهم يعتقدون كفر أكثر الصحابة فضلاً عن سائر أهل السنّة والجماعة، فهم كفرة بالإجماع بلا نزاع)(4) .

ولعل هذه الظواهر هي التي دعت محب الدين الخطيب إلى أن يحكم بأن مدلول الدين عند الشيعة يتطور، ثم استدل على ذلك بقول الممقاني السالف الذكر، ثم قال: (هذا تقرير علمي في أكبر كتاب وأحدثه لهم في الجرح والتعديل يعترفون فيه بأن مذهبهم الآن غير مذهبهم قديماً، فما كان يعدونه قديماً من الغلو وينبذونه وينبذون أهله بسبب ذلك، صار الآن - أي الغلو - من ضروريات المذهب. فمذهبهم اليوم غير مذهبهم قبل الصفويين ومذهبهم قبل الصفويين غير مذهبهم قبل ابن المطهر ومذهبهم قبل ابن المطهر غير مذهبهم قبل آل بويه، ومذهبهم

(1) علي بن محمد سلطان الهروي المعروف بالقاري الحنفي، نزيل مكة، وأحد صدور العلم، ألف التآليف الكثيرة النافعة منها شرحه على المشكاة في مجلدات وهو أكبرها، وشرح الشفا، وشرح النخبة وغيرها توفي بمكة سنة 1014هـ. انظر:«خلاصة الأثر» : (3/185، 186) .

(2)

شيخ الإسلام محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مزي الخزامي، النووي صنف التصانيف النافعة في الحديث والفقه وغيرهما كـ «شرح مسلم» ، و «الروضة» ، و «شرح المهذب» وغيرها. توفي سنة 676هـ. السيوطي:«تذكرة الحفاظ» : ص 510.

(3)

انظر: شرح النووي على صحيح مسلم: (2/50) .

(4)

«مرقاة المفاتيح» : (9/137) .

ص: 385

قبل آل بويه غير مذهبهم قبل شيطان الطاق ومذهبهم قبل شيطان الطاق غير مذهبهم في حياة علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين) (1) .

ولعل من أكبر العوامل لاستقرار هذا المذهب على الغلو هو استيعاب مدونات الروافض لآراء تلك الفرق الشاذة، وقبولهم لروايات أصحاب تلك الفرق لأنهم «شيعة» ، فهم مقبولون بغض النظر عن معتقدهم فمع التشيع لا يضر انتحال أي نحلة!

ولهذا انبثق من الروافض كثير من الفرق الخارجة عن الإسلام (2) .

هذا وقبل أن نرفع القلم عن هذا الموضوع نضيف حقيقة مهمة في هذا المجال وهي أنه يوجد للاتجاه الشيعي المعتدل أثر في مدونات الروافض في أحاديث تثني على الصحابة وترفض التقية، وتوافق المسلمين في معتقدهم، لكن علماء الروافض رفضوا العمل بها بحجة أنها وردت مورد التقية، في حين أنهم لا يملكون دليلاً يؤكدون به ذلك سوى أنها موافقة لجمهور المسلمين، وهذا دليل عليهم لا لهم.

وإننا نعتقد أنه بالإمكان استخلاص هذا الأثر الشيعي المعتدل من كتب الشيعة ليكون شمعة ضوء تهدي المخلصين في البحث عن الحق، وعلى ضوئه يمكن التقارب، وسيأتي تفصيل هذا في مبحث "هل من طريق إلى التقريب؟ ".

(1) هامش «المنتقى» : ص 193.

(2)

فالنصيرية والإسماعيلية والباطنية من بابهم دخلوا. «المتقى» : ص9. وكذلك الشيخية والكشفية والبهائية من صميمهم خرجوا، هامش «المنتقى» : ص 9. وأصبح التشيع مأوى لكل من أراد الكيد للإسلام والمسلمين.

ص: 386

لكن ذلك الغثاء الذي حوته كتب الشيعة هو الذي يمثل القسم الأكبر، وقد وضع الشيعة قاعدة تقديم الأكثر على الأقل (1) فبقي هذا الأكثر يشكل العقبة الكؤود بينهم وبين المسلمين.

لقد كان الأحرى بالشيعة - وهم اليوم ينشطون في الدعوة إلى التقارب مع أهل السنّة - أن يبدأوا بإزالة تلك العوائق الكامنة في أصول مذهبهم ما دامت لهم رغبة في الالتقاء مع الأمة.

إن مجرد إطلاق القول بأنه لا خلاف بين الطائفتين لا يؤدي الغرض المنشود في التقارب وتحقيق ما يؤمله المسلمون من الألفة والوحدة.

ما القيمة العملية - مثلاً - للأصل الذي وضعه الروافض وجعلوه من أسس مذهبهم وهو أن مخالفة العامة - أي أهل السنّة - فيها الرشاد؟ وهل هذا منطق علمي للوصول إلى الحق، أم هو تعصب مذهبي أعمي؟ وهل هذا إلا من وضع زنديق لتفريق الأمة، والخروج عن إجماع المسلمين؟

ولماذا يردُّ علماء الشيعة ما في كتبهم من أحاديث توافق أهل السنّة، ويزعمون أنها تقية لأنها توافق مذهب الأمة؟! وهل هذا صنيع من يريد التقارب واللقاء؟.

حتى إن هذه التقية كانت سبباً في ضياع مذهب أهل البيت الحقيقي في كتب الشيعة، وكانت من عوامل تفريق شمل الأمة، والكذب على الأئمة.

(1) وذلك باعتبار أن هذا الأقل ورد مورد التقية، قال المفيد:(وما خرج للتقية لا تكثر روايته عنهم كما تكثر رواية المعمول به)«شرح عقائد الصدوق» : ص 267، ملحق (ب)«أوائل المقالات» .

ص: 387

إن الشيعة اليوم وهي تتنادى بالتقارب، وتزعم أنه لا خلاف بينها وبين المسلمين، وتدعو أن يرجع المسلمون إلى كتبها في الحديث - إن هذه الشيعة إذا كانت جادة بهذه الدعوة فلا بد لها من أن تزيل العقبات التي تحول دون ذلك.

فكيف يحتج ويثق المسلمون بكتب تواتر فيها الطعن في كتاب الله، ودعوى أنه ناقص ومحرف؟!

وكيف يتلقى المسلمون دينهم من رجال هذه عقيدتهم؟ فهل نتلقى ديننا عمن يسعى لهدمه وتغييره؟!

وكيف نجتمع على كتاب الله وهم بتأويلهم المنحرف وتفسيرهم الباطني قد جعلوا منه كتاباً آخر غير ما في أيدي المسلمين؟!

ثم كيف يؤمن المسلمون بتلك الدعاوى الغريبة التي تتضمن الزعم بنزول كتب إلهية بعد كتاب الله (؟!

هل بهذه المزاعم والمفتريات تستطيع الشيعة أن تقترب من الأمة؟

أما السنّة المطهرة فالبون بيننا وبينهم فيها كبير كما رأينا؛ فهم يزعمون أن أقوال أئمتهم الاثني عشر كأقوال الله ورسوله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كتم جزءاً من الشريعة وأودعه الأئمة، ويؤمنون بحكايات الرقاع ويبنون عليها دينهم ويقبلون مرويات رجال هم عند المسلمين من الكذبة والدجالين، ويطعنون في خيار الخلق بعد النبيين والرسل ويردون أحاديثهم..

فهل نلتقي معهم في "السنة" وهذا معتقدهم فيها؟!

وكيف يمكن أن نزيل أسباب النزاع والخلاف بالرجوع إلى

ص: 388

الكتاب والسنّة ما دمنا فيهما مختلفين؟! وكيف نطبق قوله سبحانه: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ((1) وذلك برد النزاع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟!

ثم هم يرفضون الإجماع ويتعمدون مخالفة المسلمين، لأن خلاف العامة - عندهم - فيه الرشاد.

ثم كيف يدعون المسلمين إلى التقارب وهم يكفرونهم في كتبهم الأساسية؟!

وهل الطعن والسب والتكفير لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلك من يريد التآلف؟!

ثم هم يعتقدون أنهم "شعب الله المختار"؛ فاسمهم الخاصة، وهم أهل الأجر والمثوبة في الآخرة.. إلخ.

وهم يشذون عن الأمة بعقائدهم في الإمامة، والعصمة والتقية والرجعة والمهدية، والبداء.

فكيف السبيل إلى التقريب، مع هذا الشذوذ كله؟!

وإننا نعتقد أنه ما دامت كل هاتيك البلايا موجودة في كتب الشيعة فإنها ستبقى في منأى عن جماعة المسلمين.

إن أهل السنّة يحبون أهل البيت، بينما الشيعة - وهي تزعم التشيع لهم - تقدح في معظمهم، وترد بعض مروياتهم، فأي الفريقين ضد التقريب ومن هو الأحوج إلى دعوة التقريب؟!

(1) النساء: آية 59.

ص: 389

ولا نحكم هنا الحكم النهائي بل نستمع لآراء دعاة التقريب فيما سبق حسبما نجده لهم من آراء ونناقشها على ضوء ما مر، وكذلك نعرض بعض محاولات التقارب ونقيمها، ثم نرسم الطريق الذي نراه للتقريب فيما يلي من صفحات.

ص: 390

دليل الموضوعات

«القسم الأول»

[التعليق]

انظر النسخة المصورة

ص: 393