المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تأويلهم للآيات الواردة في الكفار والمنافقين - مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة - جـ ١

[ناصر القفاري]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: أهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة

- ‌(أ) التعريف بالسنّة:

- ‌ سبب تسمية أهل السنّة بالجماعة

- ‌(ج) نشأة اسم أهل السنة والجماعة:

- ‌الفصل الثاني: مصادر أهل السنة في تلقي العقيدة

- ‌الفصل الثالث: مجمل لأهم عقائد أهل السنة التي خالفتها الشيعة

- ‌1- حفظ الله سبحانه لكتابه العظيم:

- ‌4- اعتقاد أهل السنّة في أهل البيت:

- ‌5- لا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثاني: الشيعة

- ‌الفصل الأول:‌‌ تعريف الشيعةونشأتهم وفرقهم

- ‌ تعريف الشيعة

- ‌التعريف المختار للشيعة:

- ‌الرأي المختار:

- ‌فرق الشيعة

- ‌الإسماعيلية

- ‌الزيدية

- ‌فرق الزيدية

- ‌الرافضة

- ‌الفصل الثاني: اعتقادهم في مصادر التلقي أو في أصول الأحكام المتفق عليها بين المسلمين

- ‌1- اعتقادهم في كتاب الله:

- ‌(أ) قولهم بتحريفه

- ‌1- كتب الشيعة التي روت أَخبار التحريف:

- ‌2- النصوص الواردة في كتبهم:

- ‌3- معتقدهم في هذه الروايات:

- ‌4- بداية هذا (الافتراء عند الشيعة) :

- ‌(ب) انحرافهم في تأويل القرآن:

- ‌ تأويلهم للآيات الواردة في الكفار والمنافقين

- ‌(ج) دعواهم تنزل كتب إلهية على الأئمة

- ‌1- مصحف فاطمة:

- ‌2- لوح فاطمة:

- ‌3- دعواهم نزول اثني عشر صحيفة من السماء تتضمن صفات الأئمة:

- ‌أولاً: أقوال "أئمتهم الإثني عشر" هي عندهم كأقوال الله ورسوله

- ‌ثانياً: إيداع الشريعة عند الأئمة المعصومين - بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثاً: ردهم لمرويات الصحابة:

- ‌رابعاً: تلقيهم السنّة عن «حكايات الرقاع» وما يسمونه بالتوقيعات الصادرة عن الإمام:

- ‌عمدة الروافض في "أحاديثهم

- ‌1- «بحار الأنوار الجامعة لدر أخبار الأئمة الأطهار» :

- ‌2- «وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة» :

- ‌3- «مستدرك الوسائل» :

- ‌أسانيد الشيعة في كتبهم:

- ‌الفصل الثالث: عقائدهم الأخرى التي انفصلوا بها عن أهل السنة

- ‌1 - الإمامة

- ‌(أ) معنى الإمامة عند الشيعة:

- ‌(ب) فضائل الأئمة وصفاتهم:

- ‌2 - عصمة الإمام

- ‌3- التقية

- ‌4- الرجعة

- ‌5- البداء:

- ‌6- الغَيْبة:

- ‌7- معتقدهم في الصحابة:

- ‌النتيجة للباب الأول والثاني

الفصل: ‌ تأويلهم للآيات الواردة في الكفار والمنافقين

الظاهرة بعلمهم وبركاتهم، ثم أورد طائفة من نصوصهم في ذلك (1) .

وهكذا تمضي تأويلاتهم على هذا النحو الذي يكشف عوراتهم ويفضح إلحادهم.

ثانياً:‌

‌ تأويلهم للآيات الواردة في الكفار والمنافقين

؛ تأويلهم لها بخيار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم خليفتاه ووزيراه وصهراه وحبيباه أبو بكر وعمر، ويثلثون أحياناً بصاحب الجود والحياء ومن وضع ماله في سبيل الله وجهز جيش العسرة وغيره صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنتيه؛ عثمان (، وغيرهم من صحابة رسول الله الأخيار ومن تبعهم بإحسان. ومن ذلك ما يلي:

روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله في قوله تعالى: (.. ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين ((2) قال: هما، ثم قال: وكان فلان شيطاناً (3) .

قال المجلسي - في شرحه للكافي في بيان مراد صاحب الكافي بـ «هما» - قال: هما أي أبو بكر وعمر، والمراد بفلان عمر، أي الجن المذكور في الآية عمر، وإنما سمي به لأنه كان شيطاناً إما لأنه كان شرك شيطان لكونه ولد زناً أو لأنه في المكر والخديعة كالشيطان، وعلى الأخير يحتمل العكس بأن يكون المراد بفلان أبا بكر (4) .

(1)«البحار» : (24/100 - 110) .

(2)

فصلت: آية 29.

(3)

«فروع الكافي» (الذي بهامش «مرآة العقول» ) : المجلد الرابع ص 416.

(4)

«مرآة العقول» : (4/416) .

ص: 231

وعن حريز عمن ذكره عن أبي جعفر في قول الله: (وقال الشيطان لما قضي الأمر

) (1) قال: هو الثاني وليس في القرآن (وقال الشيطان) إلا هو الثاني (2) - يعنون بالثاني عمر رضي الله عنه -. وعن زرارة عن أبي جعفر في قوله تعالى: (لتركبن طبقاً عن طبق ((3) قال: يا زرارة، أو لم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقاً عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان؟ (4) - يعنون أبا بكر وعمر وعثمان (- قال عالمهم الفيض الكاشاني:(ركوب طبقاتهم كناية عن نصبهم إياهم للخلافة واحداً بعد واحد)(5) .

وعند قوله سبحانه: (.. فقاتلوا أئمة الكفر)(6) يروي العياشي عن حنان بن سدير أبي عبد الله (قال: سمعته يقول: دخل علي أناس من البصرة فسألوني عن طلحة وزبير فقلت لهم: كانا إمامين من أئمة الكفر (7) .

ويفسرون الجبت والطاغوت الوارد في قوله سبحانه: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت

((8) ،

(1) إبراهيم: آية 22.

(2)

«تفسير العياشي» : (2/223)، «البرهان» :(2/309)، «الصافي» :(1/885)، «البحار» :(3/378)، و «تفسير القمي» (عن الصافي) :(1/885) .

(3)

الانشقاق: آية 19.

(4)

و (5)«الوافي» ، كتاب الحجة، باب ما نزل فيهم عليهم السلام وفي أعدائهم:(1/314) .

(5)

(6)

التوبة: آية 12.

(7)

«تفسير العياشي» : (2/77 - 78)، «تفسير البرهان» :(2/107)، «تفسير الصافي» :(1/685) .

(8)

النساء: آية 51.

ص: 232

يفسرونهما بصاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وصهريه وخليفتيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (1) .

ويروون عن أبي جعفر - (وبرأه الله مما يفترون - في قوله: (.. وما كنت متخذ المضلين عضداً ((2) . قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل ابن هشام) فأنزل الله وما كنت متخذ المضلين عضداً (3) .

وهذا النص يناقض اعتقادهم بعصمة الأنبياء، لأنه يقتضي صدور الدعوة لعمر من الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل الخطأ، أو يثبت عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وينسف ما قالوه في سب عمر وتكفيره وأنه غصب الخلافة من علي، وهذا يؤدي إلى هدم مبدأ الإمامة عندهم، وما ندري أي الأمرين يطوح بهم أكثر من الآخر؟.

ويروون عن أبي عبد الله أنه قال في قوله: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان ((4) قال: (وخطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان)(5) - أبو بكر وعمر -.

وعند قوله سبحانه: (لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ((6) روى العياشي عن أبي بصير عن جعفر بن محمد عليه

(1) انظر: «تفسير العياشي» : (1/246)، و «الصافي» :(1/362)، «البرهان» :(1/377) .

(2)

الكهف: آية 51.

(3)

«تفسير العياشي» : (2/328 - 329)، «البرهان» :(2/471)، «البحار» :(8/22)، «الصافي» :(2/17) .

(4)

البقرة: الآيتان 168، 208 - الأنعام: آية 142.

(5)

«تفسير العياشي» : (1/102)، «البرهان» :(1/208)، «الصافي» :(1/208) .

(6)

الحجر: آية 44.

ص: 233

السلام قال: (يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب، بابها الأول للظالم وهو زريق، وبابها الثاني لحبتر، والباب الثالث للثالث، والرابع لمعاوية، والباب الخامس لعبد الملك، والباب السادس لعسكر بن هوسر، والباب السابع لأبي سلامة، فهم أبواب لمن اتبعهم)(1) .

قال المجلسي في تفسير هذا النص: (زريق كناية عن الأول لأن العرب يتشأم بزرقة العين، والحبتر هو الثعلب ولعله إنما كني عنه لحيلته ومكره، وفي غيره من الأخبار وقع بالعكس وهو أظهر؛ إذ الحبتر بالأول أنسب ويمكن أن يكون هنا أيضاً المراد ذلك، وإنما قدم الثاني لأنه أشقى وأفظ وأغلظ، وعسكر بن هوسر كناية عن بعض خلفاء بني أمية أو بني العباس، وكذا أبو سلامة كناية عن أبي جعفر الدوانيقي، ويحتمل أن يكون عسكر كناية عن عائشة وسائر أهل الجمل؛ إذ كان اسم جمل عائشة عسكراً وروي أن كان شيطاناً)(2) .

وفي قوله تعالى: (.. إذ يبيتون ما لا يرضى من القول)(3) يفترون على أبي جعفر أنه قال فيها: فلان وفلان - أي أبو بكر وعمر - وأبو عبيدة بن الجراح (4)، وفي رواية أخرى لهم افتروها على أبي الحسن تقول: هما وأبو عبيدة بن الجراح (5) - هما: أي أبو بكر وعمر - وفي رواية ثالثة: الأول والثاني وأبو عبيدة بن الجراح (6)(الأول والثاني أي أبو بكر وعمر) .

وقوله سبحانه: (إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا

(1)«تفسير العياشي» : (2/243)، «البرهان» :(2/345) .

(2)

«البحار» : (4/378) ، (8/220) .

(3)

النساء: آية 108.

(4)

و (5) و (6)، «تفسير العياشي» :(1/275)، «البرهان» :(1/414) .

ص: 234

شيطاناً مريداً ((1) يفسرونها بالرواية التالية:

عن محمد بن إسماعيل عن رجل سماه عن أبي عبد الله (قال: دخل رجل على أبي عبد الله فقال: السلام عليكم يا أمير المؤمنين، فقام على قدميه فقال: مه هذا اسم لا يصلح إلا لأمير المؤمنين (سماه به، ولم يُسمّ - بالبناء المفعول - به أحد غيره فرضي به إلا كان منكوحاً وإن لم يكن به ابتلي به وهو قول الله في كتابه: (إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً (قال قلت: فماذا يدعى به قائمكم؟ قال: يقال له السلام عليك يا بقية الله، السلام عليكم يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) .

فهذا قذف شنيع لكل أمراء المؤمنين.

ويفترون على أبي عبد الله أنه قال في قول الله: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً.. ((3) قال: نزلت في فلان وفلان - أبو بكر وعمر - آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وآله في أول الأمر ثم كفروا حين عرضت عليهم الولاية، حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين (حيث قالوا له بأمر الله وأمر رسوله فبايعوه، ثم كفروا حيث مضى رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقروا بالبيعة، ثم ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعوه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق منهم من الإيمان شيء (4) .

(1) النساء: آية 117.

(2)

«تفسير العياشي» : (1/276)، «البرهان» :(1/415)، «البحار» :(9/637) .

(3)

النساء: آية 137.

(4)

«تفسير العياشي» : (1/281)، «الصافي» :(1/404)، «البرهان» :(1/422)، «البحار» :(8/218) .

ص: 235

وفي قوله سبحانه عن المنافقين: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا.. ((1) .

يروي القمي في تفسيره عن الصادق (لما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم كان بحذائه سبعة نفر من المنافقين وهم أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة، قال عمر: ألا ترون عينيه كأنها عينا مجنون - يعني النبي - الساعة يقوم ويقول: قال لي ربي، فلما قام قال: يا أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله قال: اللهم فاشهد ثم قال: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه وسلموا عليه بإمرة المؤمنين فنزل جبرائيل وأعلم رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله (يحلفون بالله ما قالوا ((2) .

ويفسرون الفحشاء والمنكر، في قوله:(.. وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي..)(3) بولاية أبي بكر وعمر وعثمان، فيروون عن أبي جعفر (بالإسناد الكاذب أنه قال: وينهى عن الفحشاء: الأول. والمنكر: الثاني. والبغي: الثالث (4) .

ثالثاً: وعلى ضوء عقيدتهم في المهدي يتعسفون في تأويل الآيات فيروي شيخهم الصدوق - عندهم - بسنده عن أبي عبد الله في قول الله: ((..هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب.. ((5) .

(1) التوبة: آية 74.

(2)

عن «الصافي» : (1/715) .

(3)

النحل: آية 90.

(4)

«تفسير العياشي» : (4/268)، «البرهان» :(2/381)، «البحار» :(7/130) .

(5)

البقرة: الآيتان 2، 3.

ص: 236

قال: (من أقر بقيام القائم (أنه حق) وفي رواية: ((يؤمنون بالغيب (يعني بالقائم (وغيبته)(1) .

وعن جابر.. عن أبي جعفر في قول الله: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر.. ((2) قال: خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه (3) .

وعن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله سبحانه: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ((4) قال: إذا خرج القائم لم يبق مشرك بالله العظيم ولا كافر إلا كره خروجه (5) .

وعن صالح بن سعد عن أبي عبد الله في قول الله: (قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ((6) قال: قوة القائم والركن الشديد الثلثمائة وثلاثة عشر أصحابه (7)(مع أن الآية في لوط (مع قومه فجعلوها في قائمهم المنتظر) .

والأمثلة على تعسفهم في تفسير آيات من كتاب الله بمهديهم المنتظر كثيرة، حتى ألفوا في هذا كتباً مستقلة مثل «ما نزل من القرآن

(1) ابن بابويه القمي (الصدوق) : «إكمال الدين» : ص 17.

(2)

التوبة: آية 3.

(3)

«تفسير العياشي» : (2/76)، «تفسير البرهان» :(2/102) .

(4)

التوبة: آية 33.

(5)

«تفسير العياشي» : (2/87)، «الصافي» :(1/697)، «البرهان» :(2/121) .

(6)

هود: آية 80.

(7)

«تفسير العياشي» : (2/157)، وانظر:«البرهان» : (2/230)، «البحار» :(5/158) .

ص: 237

في صاحب الزمان» لعبد العزيز الجلودي (1) ، و «المحجة فيما نزل في القائم الحجة» للسيد هاشم البحراني (2) .

رابعاً: ويمضي القوم في تأويلهم لآيات الله على ضوء عقائدهم وأصول دينهم ويتعسفون في ذلك أيما تعسف، فيحاولون البحث عن آيات يفسرون على ضوئها معتقدهم في التقية ففي تفسير العياشي عن الصادق في قوله سبحانه:(.. أجعل بينكم وبينهم ردماً ((3) قال: التقية (4) ؛ {فما استطاعوا أن يظهروا وما استطاعوا له نقباً} (5) قال: هو التقية (6) .

وعن المفضل عن الصادق: (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً (قال: ما استطاعوا له نقباً إذا عمل بالتقية لم يقدروا في ذلك على حيلة وهو الحصن، وصار بينك وبين أعداء الله سدّاً لا يستطيعون له نقباً، قال: وسألته عن قوله: (.. فإذا جاء وعد ربي جعله.. ((7) قال: رفع التقية عند الكشف فينتقم من أعداء الله (8) .

وعن الحسين عن زيد بن علي بن جعفر بن محمد عن أبيه (قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لا إيمان لمن

(1) أغابزرك الطهراني: «الذريعة» : (19/30) .

(2)

«فهرس مكتبة آية الله المرعشي» بقم: (3/286)، إعداد:(أحمد الحسيني) .

(3)

«الكهف: آية 95.

(4)

«تفسير العياشي» : (2/351)، «البرهان» :(2/486)، «البحار» :(5/168) .

(5)

الكهف: آية 97.

(6)

«تفسير العياشي» : (2/351)، «البرهان» :(2/486)، «البحار» :(5/168) .

(7)

الكهف: آية 98.

(8)

«تفسير العياشي» : (2/351)، «البرهان» :(2/486)، «البحار» :(5/168) .

ص: 238

لا تقية له ويقول: قال الله: (.. إلا أن تتقوا منهم تقاة..)(1)) (2) .

وعن أبي إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (وتلا هذه الآية: (.. ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ((3) قال: والله ما ضربوهم بأيديهم ولا قتلوهم بأسيافهم، ولكن سمعوا أحاديثهم وأسرارهم فأذاعوها، فأخذوا عليها فقتلوا فصار قتلاً واعتداء ومعصية (4) .

وعن يزيد عن أبي جعفر (في قوله: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا.. ((5) اصبروا.. يعني بذلك عن المعاصي، وصابروا يعني التقية، ورابطوا يعني الأئمة (6) .

خامساً: ولتأييد اعتقادهم في "الرجعة" يؤولون الآيات ويصرفونها عن معانيها؛ فقوله سبحانه: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً ((7) قالوا: الرجعة (8) ، فالآخرة يفسرونها في هذه الآية بالرجعة، وهذا التفسير وأمثاله هو عين منطق الباطنيين في القول بإبطال المعاد.

(1) آل عمران: آية 28.

(2)

«تفسير العياشي» : (1/166- 167)، «البرهان» :(1/275)، «الصافي» :(1/253)، «الوسائل» : جـ2 أبواب الأمر بالمعروف باب 23.

(3)

آل عمران: آية 112.

(4)

«تفسير العياشي» : (1/196)، «البرهان» :(1/309)، «الصافي» :(1/290) .

(5)

آل عمران: آية 200.

(6)

«تفسير العياشي» : (1/214)، «البرهان» :(1/335)، «البحار» :(7/135) .

(7)

الإسراء: آية 72.

(8)

«تفسير العياشي» : (2/306)، «البحار» للمجلسي:(13/116) .

ص: 239

ويفسرون قوله سبحانه: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت.. ((1) بأن هذه الآية ليست في كفار قريش المنكرين للبعث، إنما هي في أعداء الشيعة المنكرين للرجعة!! وإليك النص:

عن بصير عن أبي عبد الله في قوله: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت (قال: ما يقولون فيها؟ - أي ما يقول أئمة السنّة في تفسيرها - قلت: يزعمون أن المشركين كانوا يحلفون لرسول الله أن الله لا يبعث الموتى قال: تبّاً لمن قال هذا، ويلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات والعزى؟ قلت: جعلت فداك فأوجدنيه أعرفه قال: لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوماً من شيعتنا قبابع (2) سيوفهم على عواتقهم فيبلغ ذلك قوم من شيعتنا لم يموتوا فيقولون: بعث فلان وفلان من قبورهم مع القائم فيبلغ ذلك قوماً من أعدائنا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم، هذه دولتكم وأنتم تكذبون فيها فحكى الله قولهم (3) فقال:(وأقسموا بالله جهد أيمانكم) .

هذه أمثلة لتأويلاتهم للقرآن، وتعسفهم في فهم آياته، وهو كما يرى القارئ تفسير باطني لا تربطه بالآية أدنى صلة، وكأن القرآن لم ينزل بلسان عربي مبين، ولم يجعله الله سبحانه هداية ودستوراً لخلقه أجمعين.

وهذه التمحلات والتكلفات ليست من قبيل الأخطاء في الرأي والزلل في فهم الآيات، ولكنها مؤامرة مدبرة ضد الإسلام، وخطة محبوكة لإلغاء هداية القرآن للناس، وكأنها قد جاءت تالية لإخفاق

(1) النحل: الآية 38.

(2)

قبعة السيف: ما كان على طرف مقبضه من فضة أو حديد، «القاموس» : مادة قبع.

(3)

«تفسير العياشي» : (2/259)، «البرهان» :(2/368)، «البحار» :(13/223) .

ص: 240

مؤامرة التحريف التي ادعوها في كتاب الله ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون.

وخطورة هذا الاتجاه الباطني في تفسير القرآن كبيرة، لأنه يقتضي بطلان الثقة بالألفاظ، ويسقط الانتفاع بكلام الله وكلام رسوله، فإن ما يسبق إلى الفهم لا يوثق به، والباطن لا ضابط له، بل تتعارض فيه الخواطر ويمكن تنزيله على وجوه شتى، وبهذا الطريق يحاول "الباطنية" التوصل إلى هدم جميع الشريعة بتأويل ظواهرها وتنزيلها على رأيهم (1) .

ولا شك أن تلك التأويلات إلحاد في كتاب الله: قال تعالى: (إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ((2) قال ابن عباس: «هو أن يوضع الكلام في غير موضعه» (3) ، وذلك بالانحراف في تأويله (4) .

قال في الإكليل: (ففيها الرد على من تعاطى تفسير القرآن بما لا يدل عليه جوهر اللفظ كما يفعله الباطنية، والاتحادية والملاحدة..)(5) .

وهؤلاء الذين يلحدون في آيات الله ويحرفونها عن معانيها وإن كتموا كفرهم وتستروا بالتأويل الباطل وأرادوا الإخفاء لكنهم لا يخفون على الله (6) . كما قال تعالى: (لا يخفون علينا) .

(1)«إحياء علوم الدين» : (1/37) .

(2)

فصلت: آية 40.

(3)

«تفسير الطبري» : (24/123)، «فتح القدير» الشوكاني:(4/520) .

(4)

انظر: القاسمي: «محاسن التأويل» : (14/5211)، الألوسي:«روح المعاني» : (24/126) .

(5)

«الإكليل» السيوطي: ص 354، على هامش «جامع البيان في تفسير القرآن» .

(6)

«إكفار الملحدين» محمد أنور شاه الكشميري: ص2.

ص: 241

ولمحاولة تمرير هذه الجريمة، وإنجاح تلك المؤامرة ربطوا هذا التفسير بأهل البيت، فضلاً عن أنهم جعلوا التفسير والتأويل من خصوصيات الأئمة الإثني عشر، وفي هذا عقد شيخهم الحر العاملي في كتابه «الفصول المهمة» باباً بعنوان:(باب أنه لا يعرف تفسير القرآن إلا الأئمة)(1) .

ولا اعتبار لأي تفسير لا يرد من طريقهم؛ قال عالمهم محمد رضا النجفي - من علمائهم المعاصرين ويلقبونه بآية الله -: (إن جميع التفاسير الواردة عن غير أهل البيت لا قيمة لها ولا يعتد بها)(2) .. ثم ذكر رواية لهم عن المجلسي في البحار وهي: (قال أبو جعفر لسلمة بن كهيل والحكم بن عنبسة شرقاً وغرباً لن تجد علماً صحيحاً إلا شيئاً يخرج من عندنا أهل البيت)(3) .

وقد جاء في أحاديثهم ورواياتهم ما يسوغون به هذا المسلك الغريب، جاء في أحاديثهم أن السياق القرآني غير منسجم مع النظر العقلي فهو أبعد ما يكون عن العقل فأول الآية في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء آخر، يقولون: عن جابر قال أبو عبد الله (: (يا جابر إن للقرآن بطناً وللبطن ظهراً، ثم قال: يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه أن الآية لتنزل أولها في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل يتصرف على وجوه)(4) .

(1)«الفصول المهمة» : ص 57.

(2)

«الشيعة والرجعة» : ص 19.

(3)

المصدر السابق: ص 29.

(4)

انظر: «تفسير العياشي» : (1/11)، «البحار» :(19/30، 93- 94)، «البرهان» :(1/20- 21)، «الصافي» :(1/14- 17) .

ص: 242

وهذا القول يصدق تماماً على التفسير المأثور عندهم للقرآن ولا يتصل من قريب أو بعيد بكتاب الله وتفسيره الصحيح، وإذا كان الأمر في تفسير القرآن كما يصورون فلِمَ نزل للناس كافة؟، وإذا كان الأئمة يفسرون القرآن للناس فأين الأئمة منذ أكثر من ألف عام؟.

وبقي أن نشير إلى ملاحظة هامة وهي: أن للتفسير عندهم وجوهاً ظاهرة وباطنة، والجميع معتبر. فمن أمثلة ذلك أنهم فسروا قوله سبحانه:(ثم ليقضوا تفثهم (بأنه لقاء الإمام كما فسروها بأنها أخذ الشارب، وقص الأظافر. ولما استشكل أحد رواتهم هذا التناقض وسأل - كما يزعمون - الإمام جعفر أي التفسيرين أصح؟ وأي الرواة أصدق في النقل عنه؟ قال بصواب التفسيرين، ولكن التفسير الباطني لا يحتمله - كما يزعمون - إلا خُلَّص مؤمنيهم، ولهذا يخاطب كل سائل بما يحتمله من وجوه التفسير (1) .. أي أن التفسير الباطني لا يقال إلا عند ارتفاع التقية مع ثقاتهم.

وقد يقول قائل إنك عممت الحكم على كل التفاسير الشيعية، في حين يوجد تفاسير لهم تحمل طابع الاعتدال، والبعد عن الغلو، أفما كان الأولى أن يكون هناك استثناءات في هذا المجال؟، أو يقسم التفسير عندهم إلى قسمين معتدل ومغالي، بدلاً من أن يجعل ما عرض من تأويلات هو الوجه للشيعة "الرافضة"؟

والجواب أنني مع ما في السؤال من أن هناك بعض التفاسير الشيعية كـ «التبيان» للطوسي، و «مجمع البيان» للطبرسي قد نأت عن ذلك الغلو الجانح الذي ركنت إليه تلك التفاسير التي مثلنا بها، وإن كانت قد

(1) انظر: «تفسير نور الثقلين» : (2/492) .

ص: 243

التزمت الدفاع عن أصول العقيدة الشيعية في بعض الآيات ولكنها لا تقارب بحال ما في تفسير العياشي أو البرهان أو الصافي أو أصول الكافي وغيرها. وكنت قد عزمت الإشارة إلى هذا النوع من التفسير، والإشادة بهذه الخطوة نحو "الاعتدال" ولا سيما أن بعض من يدافع عن التشيع قد احتج بهذين التفسيرين على أن الشيعة كلهم (لا بعضهم!) ليس لديهم تأويلات منحرفة (1) وكنا سنأخذ الأمر بحسن الظن.

ولكن عالم الشيعة ومحدثها وخبير رجالها وصاحب آخر مجموع من مجاميعهم الحديثية وأُستاذ كثير من علمائهم الأقطاب كمحمد حسين آل كاشف الغطا، وأغابزرك الطهراني وغيرهم عالم الشيعة حسين النوري الطبرسي قد كشف لنا سرّاً عندهم بقي دفيناً، وأماط اللثام عن حقيقة كانت مجهولة لدينا.

وهي أن كتاب «التبيان» للطوسي إنما وضع على أسلوب "التقية" والمداراة للخصوم، وإليك نص كلامه: (ثم لا يخفى على المتأمل في كتاب «التبيان» أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين، فإنك تراه اقتصر في تفسير الآيات على نقل كلام الحسن، وقتادة، والضحاك، والسدي، وابن جريج، والجبائي، والزجاج، وابن زيد، وأمثالهم، ولم ينقل عن أحد من مفسري الإمامية ولم يذكر خبراً عن أحد من الأئمة عليهم السلام إلا قليلاً في بعض المواضع، لعله وافقه في نقله المخالفون، بل عدَّ الأولين في الطبقة الأولى من المفسرين الذين حمدت طرائقهم، ومدحت مذاهبهم، وهو بمكان من الغرابة لو لم يكن على وجه المماشاة فمن المحتمل أن يكون هذا القول منه

فيه على نحو

(1) محسن الأمين: «الشيعة» : ص 178.

ص: 244

ذلك، ومما يؤيد كون وضع الكتاب على التقية ما ذكره السيد الجليل علي بن طاوس في سعد السعود وهذا لفظه: ونحن نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب «التبيان» وحملته التقية على الاقتصار عليه من تفصيل المكي من المدني والخلاف في أوقاته إلخ - هكذا لم يكمل الطبرسي العبارة - وقال الطبرسي معقباً: وهو أعرف - يعني ابن طاوس - بما قال - أي الطوسي - من وجوه لا يخفى على من اطلع على مقامه فتأمل) (1) .

فمن هذا الكلام يتبين أن «التبيان» للطوسي قد وضع على أسلوب التقية كما هو رأي عالم الشيعة المعاصر.

أو أن يكون تفسير التبيان قد صدر من الطوسي نتيجة اقتناع فكري بإسفاف ما عليه القوم من تفسير وبتأثير نزعة معتدلة لاختلاطه ببعض علماء السنّة في بغداد، ومعنى هذا أن شيعة اليوم هم أشد غلوّاً وتطرفاً، ولذا تراهم يعتبرون تفسير الطوسي وأمثاله من التفاسير إنما أُلفت للخصوم والتزمت بروح التقية لتبشر بالعقيدة الشيعية بين غير الشيعة.

وقد سار على نهج الطوسي عالمهم أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي - من أكابر علمائهم في القرن السادس - وقد أشار الطبرسي في مقدمة تفسيره إلى اتباعه لمنهج الطوسي حيث قال: (.. إلا ما جمعه الشيخ الأجل السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه من كتاب «التبيان» ، فإنه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحق ويلوح عليه رواء الصدق.. وهو القدوة استضيء بأنواره، وأطأ مواقع

(1)«فصل الخطاب» : الورقة 17 (النسخة المخطوطة) .

ص: 245