المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: مصادر أهل السنة في تلقي العقيدة - مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة - جـ ١

[ناصر القفاري]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: أهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة

- ‌(أ) التعريف بالسنّة:

- ‌ سبب تسمية أهل السنّة بالجماعة

- ‌(ج) نشأة اسم أهل السنة والجماعة:

- ‌الفصل الثاني: مصادر أهل السنة في تلقي العقيدة

- ‌الفصل الثالث: مجمل لأهم عقائد أهل السنة التي خالفتها الشيعة

- ‌1- حفظ الله سبحانه لكتابه العظيم:

- ‌4- اعتقاد أهل السنّة في أهل البيت:

- ‌5- لا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثاني: الشيعة

- ‌الفصل الأول:‌‌ تعريف الشيعةونشأتهم وفرقهم

- ‌ تعريف الشيعة

- ‌التعريف المختار للشيعة:

- ‌الرأي المختار:

- ‌فرق الشيعة

- ‌الإسماعيلية

- ‌الزيدية

- ‌فرق الزيدية

- ‌الرافضة

- ‌الفصل الثاني: اعتقادهم في مصادر التلقي أو في أصول الأحكام المتفق عليها بين المسلمين

- ‌1- اعتقادهم في كتاب الله:

- ‌(أ) قولهم بتحريفه

- ‌1- كتب الشيعة التي روت أَخبار التحريف:

- ‌2- النصوص الواردة في كتبهم:

- ‌3- معتقدهم في هذه الروايات:

- ‌4- بداية هذا (الافتراء عند الشيعة) :

- ‌(ب) انحرافهم في تأويل القرآن:

- ‌ تأويلهم للآيات الواردة في الكفار والمنافقين

- ‌(ج) دعواهم تنزل كتب إلهية على الأئمة

- ‌1- مصحف فاطمة:

- ‌2- لوح فاطمة:

- ‌3- دعواهم نزول اثني عشر صحيفة من السماء تتضمن صفات الأئمة:

- ‌أولاً: أقوال "أئمتهم الإثني عشر" هي عندهم كأقوال الله ورسوله

- ‌ثانياً: إيداع الشريعة عند الأئمة المعصومين - بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثاً: ردهم لمرويات الصحابة:

- ‌رابعاً: تلقيهم السنّة عن «حكايات الرقاع» وما يسمونه بالتوقيعات الصادرة عن الإمام:

- ‌عمدة الروافض في "أحاديثهم

- ‌1- «بحار الأنوار الجامعة لدر أخبار الأئمة الأطهار» :

- ‌2- «وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة» :

- ‌3- «مستدرك الوسائل» :

- ‌أسانيد الشيعة في كتبهم:

- ‌الفصل الثالث: عقائدهم الأخرى التي انفصلوا بها عن أهل السنة

- ‌1 - الإمامة

- ‌(أ) معنى الإمامة عند الشيعة:

- ‌(ب) فضائل الأئمة وصفاتهم:

- ‌2 - عصمة الإمام

- ‌3- التقية

- ‌4- الرجعة

- ‌5- البداء:

- ‌6- الغَيْبة:

- ‌7- معتقدهم في الصحابة:

- ‌النتيجة للباب الأول والثاني

الفصل: ‌الفصل الثاني: مصادر أهل السنة في تلقي العقيدة

‌الفصل الثاني: مصادر أهل السنة في تلقي العقيدة

سنتناول في هذا المبحث جانبين:

الأول: الإشارة إلى مصادر أهل السنة في اعتقادهم (1) .

الثاني: كشف المصادر المنسوبة لأهل السنّة وهي ليست كذلك، وتعرية مسالك الروافض في استدلالهم من طريق السنّة (2) .

(1) غرضنا من عقد هذا المبحث مع شهرته وذيوعه فضلاً عن بدهيته ما يلي:

أولاً: أننا - كما بينا في المقدمة - نرى ضرورة التعريف بكل اتجاه على حدة ومعرفة أسس الخلاف بينهما، ولا شك أن الاتفاق في أصول التلقي هو الأصل الجامع للأمة، وعكسه في النتيجة الافتراق.

(2)

ثانياً: أن من يطالع ما يكتبه كثير من الشيعة في القديم والحديث يرى أن كتاباتهم قد تضمنت طائفة كثيرة من الأحاديث والأقوال التي يزعمون أنهم أخذوها من طريق السنّة الصحيح ومن كتب السنّة المعتبرة في زعمهم. وبنوا على ذلك أن في "مصادر أهل السنة" ما يؤيد مذهب الشيعة ويؤكد أحقيته، ومن هنا زعموا أنه لا خلاف بين الاتجاهين، فهل هذه المصادر معتبرة لدى أهل السنّة؟ وهل ما يزعمه الشيعة في هذا الباب صحيح؟ هذا ما سندرسه في هذا "المبحث".

ص: 49

أولاً: مصادر أهل السنة:

قال الإمام البيهقي: (1)(فأما أهل السنّة فمعولهم فيما يعتقدون الكتاب والسنّة) وقدوتهم العملية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام أحمد:(أصول السنّة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم وترك البدع)(2) .

وكثير من طوائف البدع يدعون الرجوع إلى الكتاب والسنّة لكن الادعاء غير الواقع ذلك أنهم اختلقوا كثيراً من الأحاديث فسَّروا في ضوئها كتاب الله.. وتأولوا كثيراً من آيات الله على غير وجهها، فنتج عن تفسيرهم المنحرف وتأويلهم المتعسف قرآن آخر غير الذي في أيدي المسلمين.

وبعض أهل البدع يركن في تلقي عقيدته إلى العقل ولا يعول على النصوص أو يلتفت إليها (3) .

وتنفرد طائفة الشيعة بأنها تتلقى السنّة من أئمة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فالسنّة عندهم هي قول "المعصوم"، والمعصوم ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب - كما هو اعتقاد أهل السنّة - بل ادعوا العصمة لآخرين تختلف أعدادهم وأعيانهم باختلاف الفرق الشيعية.

(1) البيهقي: «مناقب الشافعي» : ص 462.

(2)

«كاشف الغمة في اعتقاد أهل السنّة» : ص 20 (مخطوط) .

انظر: «طبقات الحنابلة» : (1/241، 246)، «المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» : ص 19.

(3)

وإذا انحرف بعض المنتسبين لأهل السنّة وسلك هذا المسلك فلا يحتج بذلك على أهل السنّة، فليس الانتماء لأهل السنّة بالوراثة والنسب أو الادعاء والتسمي ولكنه ما صدقه الواقع وحققه العمل. والقدوة في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورصيد التجربة المثلى في هذا مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم.

ص: 50

أما أهل السنّة فالمصدر الأول في التلقي عندهم هو كتاب الله، وقد أجمعوا على حفظ الله له من النقص والزيادة والتحريف على ما هو صريح قول الله تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(1) - وسيأتي لهذا تفصيل - وسلكوا في تفسير كتاب الله المسلك الشرعي وابتعدوا عن التأويلات البعيدة.. والتكلفات الغريبة على ما لا تسيغه بلاغة القرآن وأسرار الشريعة ولغة العرب.

وقالوا: (وأحسن الطرق في التفسير تفسير القرآن بالقرآن، وإلا فبالسنّة، وإلا فبالصحيح من أقوال الصحابة، وإلا فبما أجمع التابعون عليه)(2) .

وحذروا من قبول المرويات الضعيفة في التفسير فقالوا: (يجب الحذر من الضعيف والموضوع فإنه كثير)(3) . (والمنقولات التي يحتاج إليها في الدين قد نصب الله الأدلة على بيان ما فيها من صحيح وغيره)(4) .

والمصدر الثاني «السنّة» ، وهي المبينة للكتاب؛ إذ هي سنّة المعصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد عصمة بعده صلى الله عليه وسلم.

وقد تلقى الصحابة رضوان الله عليهم ما جاء به صلى الله عليه وسلم ونقلوه إلى الأمة.

ويتمثل وجود السنّة في دواوين الإسلام المعروفة والمشهورة مثل صحيح البخاري ومسلم وكتب السنن كسنن أبي داود والترمذي

(1) الحجر: آية 9.

(2)

راجع في هذا الموضوع مقدمة التفسير لابن تيمية في «الفتاوى» : (13/363) وما بعدها.

(3)

انظر الزركشي، «البرهان» :(2/156) .

(4)

ابن تيمية «الفتاوى» : (13/346) .

ص: 51

والنسائي وابن ماجه، وسنن الدارمي، وموطأ مالك، ومثل المسانيد المعروفة كمسند الإمام أحمد وغيره، إلى غير ذلك من مدونات الحديث النبوي والتي هي أشهر من أن يعرف بها.

وهناك مدونات خاصة بالعقيدة اقتصر جامعوا أحاديثها على مسائل الاعتقاد.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقد جمع طوائف من العلماء الأحاديث والآثار المروية في عقائد أهل السنّة مثل حماد بن سلمة (1) ، وعبد الرحمن بن مهدي (2) ، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (3) ، وعثمان بن سعيد الدارمي (4) وغيرهم في طبقتهم.

(1) الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار البصري، قال الذهبي: هو أول من صنف التصانيف مع ابن أبي عروبة. وقال البيهقي: هو أحد أئمة المسلمين إلا أنه لما كبر ساء حفظه فلذا تركه البخاري، وأما مسلم فاجتهد وأخرج من حديثه عن ثابت ما سمع منه قبل تغيره. توفي سنة سبع وستين ومائة وقد قارب الثمانين. انظر:«تذكرة الحفاظ» : (1/202 - 203)، و «تهذيب التهذيب» :(3/14) .

(2)

عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن العنبري البصري اللؤلؤي الحافظ الإمام العلم، قال علي بن المديني: أعلم الناس بالحديث عبد الرحمن بن مهدي، وقال الشافعي: لا أعرف له نظيراً في الدنيا، وقال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين وأهل الورع في الدين ممن حفظ وجمع وتفقه وصنف وحدث وأبى الرواية إلا عن الثقات، ولد سنة 135هـ وتوفي سنة 198هـ. انظر:«تهذيب التهذيب» : (6/279)، «حلية الأولياء» : ص 379 وما بعدها.

(3)

الإمام الحافظ شيخ الإسلام بسمرقند أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمي الدارمي السمرقندي صاحب المسند العالي الذي في طبقة مسند عبد بن حميد، حدث عنه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم، صنف «المسند» و «التفسير» وكتاب «الجامع» ، وتوفي سنة 255هـ وكان مولده سنة 181هـ. انظر:«تذكرة الحفاظ» : (2/354) وما بعدها، «تهذهيب التهذيب» :(5/294 - 296)، وانظر: فؤاد سيزكين: (1/172) .

(4)

عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد السجستاني الدارمي، أبو سعيد الحافظ محدث هراة =

ص: 52

ومثل ما بوب عليه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم في كتبهم مما يتعلق بالعقيدة.

ومثل مصنفات الأثرم (1) وعبد الله بن أحمد (2) ، وأبي بكر الخلال (3) وأبي القاسم الطبراني (4) ، وأبي الشيخ الأصبهاني (5) ، وأبي بكر

= وأحد الأعلام الثقات، ومن مصنفاته «كتاب في الرد على الجهمية» و «كتاب في الرد على بشر المريسي» و «مسند كبير» وتوفي سنة 280هـ، وكان مولده سنة 200هـ. وانظر:«طبقات الشافعية» : (2/302) وما بعدها، «مرآة الجنان» :(2/193)، وانظر:«تاريخ التراث» : (2/370 - 371) .

(1)

الحافظ الكبير العلامة أبو بكر أحمد بن محمد بن هاني الإسكافي صاحب الإمام أحمد، حدث عنه النسائي في السنن وغيره، قال الذهبي: صنف التصانيف.. له كتاب في العلل وله كتاب نفيس في السنن يدل على إمامته وسعة حفظه، وله كتاب «التاريخ» .. وتوفي بعد الستين ومائتين. انظر:«تذكرة الحفاظ» : (2/570، 571)، «تاريخ بغداد» :(110 - 112)، «شذرات الذهب» :(2/141، 142)، وانظر:«تاريخ التراث» : (2/209) .

(2)

أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي الإمام الحافظ الحجة.. من تصانيفه كتاب «السنة» ، و «فضائل عثمان بن عفان» وغيرهما، توفي سنة 290هـ وكان مولده سنة 213هـ. انظر:«طبقات الحنابلة» : (1/180) وما بعدها، «تهذيب التهذيب» :(5/141 - 143)، «تاريخ التراث» :(2/200) .

(3)

الفقيه العلامة المحدث أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الحنبلي المشهور بالخلال، صنف كتاب «السنة» في ثلاثة مجلدات وكتاب «العلل» في عدة مجلدات وكتاب «الجامع» وهو كبير جدّاً.. توفي سنة 311هـ وكانت ولادته سنة 234 أو 235هـ، انظر:«تذكرة الحفاظ» : (3/786)، «البداية والنهاية» :(11/148)، «تاريخ بغداد» :(5/312، 313)، «تاريخ التراث» :(2/212 - 213) .

(4)

الحافظ الإمام الحجة أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير الطبراني، صنف «المعجم الكبير» ، و «المعجم الأوسط» ، و «المعجم الصغير» ، وله كتاب «السنة» ، وكتاب «دلائل النبوة» ، وكتاب «الرد على الجهمية» وله تفسير كبير وآثار كثيرة. توفي سنة 360هـ، وكان مولده سنة 260هـ. انظر:«تذكرة الحفاظ» : (3/912) وما بعدها، «وفيات الأعيان» :(2/407)، «النجوم الزاهرة» :(4/59، 60)، «تاريخ التراث» :(1/218) .

(5)

حافظ أصبهان الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان الأنصاري يعرف بأبي الشيخ كان مفسراً مشهوراً ومحدثاً ثقة.. من مؤلفاته كتاب «العظمة» أو «عظمة الله =

ص: 53

الآجري (1) ، وأبي الحسن الدارقطني (2) وأبي عبد الله بن منده (3) ، وأبي القاسم اللالكائي (4) ، وأبي عبد الله بن بطه (5) ، وأبي عمر

= ومخلوقاته» ، وكتاب «النوادر والنتف» ، و «أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم» ، و «عوالي حديث أبي الشيخ» ، و «أحاديث أبي الزبير» وغيرها. توفي سنة 369هـ، وكان مولده سنة 274هـ، انظر:«طبقات الحفاظ» : (3/945)، «النجوم الزاهرة» :(4/136)، «شذرات الذهب» :(3/68)، «تاريخ التراث» :(1/326) .

(1)

الإمام المحدث القدوة أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله البغدادي مصنف كتاب «الشريعة» ، و «التصديق بالنظر إلى الله في الآخرة» وغيرهما، توفي سنة 360هـ. انظر:«تذكرة الحفاظ» : (3/396)، «تاريخ بغداد» :(2/243)، «البداية والنهاية» :(11/270)، «تاريخ التراث» :(1/314) .

(2)

الإمام شيخ الإسلام أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الحافظ الشهير صاحب السنن، قال القاضي أبو الطيب الطبري: الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث، ومن آثاره:«كتاب الصفات» أو «أحاديث الصفات» ، و «أحاديث النزول» ، «فضائل الصحابة ومناقبهم» ، «كتاب فيه ما ورد من النصوص المتعلقة برؤية الباري» وغيرها، توفي سنة 385، وكان مولده سنة 306هـ أو 305هـ. «تاريخ بغداد» :(12/34) وما بعدها، وانظر:«تذكرة الحفاظ» : (3/991)، «غاية النهاية» : ص 558، 559، «تاريخ التراث» :(1/509) .

(3)

الإمام الحافظ محدث العصر أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي يعقوب إسحاق بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن أبي زكريا يحيى بن منده الأصفهاني، تلقى العلم عن 1700 شيخ في أقطار العالم الإسلامي، ومن آثاره:«الرد على الجهمية» ، و «كتاب التوحيد ومعرف أسماء الله وصفاته» ، و «معرفة الصحابة» وغيرها، ولد سنة 310هـ وقيل غير ذلك، توفي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. انظر:«تذكرة الحفاظ» : (3/1031)، و «تاريخ التراث» :(1/353) وما بعدها، «الوافي بالوفيات» :(2/190 - 191)، «لسان الميزان» :(5/70 - 72) .

(4)

ومضت ترجمته ص 41.

(5)

عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن عمر بن عيسى بن إبراهيم بن سعد بن عتبة بن فرقد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عبد الله العكبري المعروف بابن بطة، ومن آثاره:«الإبانة الكبيرة» ، و «الإبانة الصغيرة» ، «السنن والمناسك» وغيرها، توفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وكان مولده سنة 304، انظر:«طبقات الحنابلة» : (2/134 - 153)، وانظر:«المنهج الأحمد» : ص 69 - 73 (وسماه فيه عبد الله) .

ص: 54

الطلمنكي (1) وأبي نعيم الأصبهاني (2) ، وأبي ذر الهروي (3) ، وأبي بكر البيهقي (4)(5) وغيرهم.

وقد سمى كثير منهم "مدوناتهم" في هذا الباب باسم السنّة أي كتاب «السنّة» (6) .

(1) الحافظ الإمام المقرئ أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى المعافري الأندلسي الطلمنكي نسبة إلى "طلمنكة" من ثغر الأندلس الشرقي.. وهو عالم أهل قرطبة، روى عنه أبو عمر بن عبد البر وأبو محمد بن حزم وغيرهما، قال ابن بشكوال:.. وكان سيفاً مجرداً على أهل الأهواء والبدع. ومن آثاره: «الدليل إلى معرفة الأصول» ، و «فضائل مالك» ، و «رجال الموطأ» وغيرها، توفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة وكان مولده سنة 339هـ انظر:«الديباج المذهب» : ص 39 - 40، و «طبقات الحفاظ» :(3/1098)، و «بغية الملتمس» : ص 151، و «شذرات الذهب» :(3/243 - 244) .

(2)

الحافظ الكبير محدث العصر أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى الأصبهاني، من آثاره:«حلية الأولياء» ، وكتاب «المعتقد» ، و «فضائل الصحابة» ، وكتاب «دلائل النبوة» وغيرها، توفي 430هـ وكانت ولادته سنة 336هـ أو 334هـ. انظر:«تذكرة الحفاظ» : (3/1092)، «لسان الميزان» :(1/201 - 202)، «البداية والنهاية» :(12/45) .

(3)

الإمام العلامة الحافظ أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري الهروي، ومن آثاره: كتاب «السنة والصفات» ، وكتاب «الجامع» ، وكتاب «فضائل القرآن» ، و «دلائل النبوة» وغيرها، توفي في سنة 434هـ، انظر:«تذكرة الحفاظ» : (3/1103)، «تاريخ التراث» :(1/388) .

(4)

الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي، قال الذهبي: عمل كتباً لم يسبق إلى تحريرها منها: «الأسماء والصفات» وهو مجلدان، و «السنن الكبير» عشر مجلدات، و «السنن والآثار» ، و «شعب الإيمان» ، و «دلائل النبوة» ، و «السنن الكبير» عشر مجلدات، و «السنن والآثار» ، و «شعب الإيمان» ، و «دلائل النبوة» ، و «السنن الصغيرة» ، و «البعث والمعتقد» .. وغيرها، توفي سنة 458هـ، وكان مولده في سنة 384. انظر:«تذكرة الحفاظ» : (3/1132)، وانظر:«طبقات الشافعية» : (4/8 - 16)، «مرآة الجنان» :(3/81 - 82)، «شذرات الذهب» :(3/304، 305) .

(5)

ابن تيمية: «عقيدة أهل السنّة» تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي: ص 19 - 20.

(6)

وممن سمى كتابه باسم السنّة: ابن شيبة أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن =

ص: 55

ومما تنبغي الإشارة إليه والتنبيه عليه أنه - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -: (قد يقع في هذه المصنفات من الأحاديث الضعيفة ما يعرفه أهل المعرفة. وقد يروي كثير من الناس في الصفات وسار أبواب الاعتقادات وعامة أبواب الدين أحاديث كثيرة تكون موضوعة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم)(1) .

وقد أقام الله سبحانه من يحفظ سنّة نبيه ويعنى بتمييز صحيحها من غيره ويضع المقاييس والضوابط لذلك، وقامت دراسات دقيقة ومحكمة لمتون الأحاديث وأسانيدها حتى أصبحت هناك إمكانية لمعرفة الأحاديث

= عثمان العبسي، توفي سنة 225هـ، وأبو بكر الأثرم (المتقدم ذكره) وأبو داود السجستاني (صاحب السنن) ، وأبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم البصري توفي سنة 275هـ، وأبو بكر أحمد بن علي سعيد المروزي توفي سنة 292هـ، وأبو بكر الخلال (المتقدم ذكره) ، وأبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني العسال توفي سنة 349هـ، وأبو القاسم الطبراني (السابق ذكره) ، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان ويقال ابن حبان توفي سنة 434هـ، وأبو ذر الهروي (السابق ذكره) وغيرهم، وقد يسمون تلك المصنفات بأسماء أخرى

انظر: ابن تيمية، «الفتوى الحموية الكبرى» ، بتحقيق محمد عبد الرزاق حمزة: ص 17 - 20، «منهاج السنّة» ، بتحقيق محمد رشاد سالم:(2/283)، السفاريني:«لوامع الأنوار البهية» : (1/21، 22)، «الرسالة المستطرفة» :(ص 29- 30)، وانظر: علي سامي النشار مقدمة «عقائد السلف» : (ص 5- 7) .

وأقول - مع بالغ الأسف - إن هذه المدونات المهمة لم تأخذ العناية من المؤسسات التعليمية والباحثين في مجال العقائد الإسلامية، وأصبح اعتماد كثير من المؤسسات الثقافية في العالم الإسلامي على كتب المتأخرين المشوبة بكثير من الأفكار الغريبة والآراء الدخيلة، مع أن الواجب الشرعي والمنهج العلمي يقتضي أن نرجع إلى الأصول قبل كل شيء، وإنه لمن الضروري العناية بهذه الأصول وإخراج هذه الكنوز وتحقيقها، تلك التي قد ضاع بعضها وبعضها قابع في مراكز المخطوطات في العالم وقليل منها بين أيدي الناس

(1)

ابن تيمية: «عقيدة أهل السنّة» بتعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي: ص 20.

ص: 56

الصحيحة من غيرها، واطمأن المسلمون على سنّة نبيهم حتى إن الخليفة هارون الرشيد رد على الزنادقة حين تحداه بقوله:(فأين أنت عن ألف حديث وضعتها ونسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فيها حرف نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) فكان جواب الرشيد لهذا الزنديق: (فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الغزاري، وعبد الله بن المبارك ينخلانها نخلاً فيخرجانها حرفاً حرفاً)(1) .

ولقد كان الأئمة في الحديث يعرفون الأحاديث بطرقها وأسانيدها بحيث لو روي حديث بغير سنده وطريقه لعرفوا أنه قد حرف عن موضعه، كما وقع مثل ذلك للإمام محمد ابن إسماعيل البخاري حين ورد إلى بغداد وقصد المحدثون امتحانه فسألوه عن أحاديث قلبوا أسانيدها فقال: لا أعرف هذه ولكن حدثني فلان، ثم أتى بجميع تلك الأحاديث على الوضع الصحيح وردّ كل متن إلى سنده (2) .

ولقد اعترف "الشيعة" بتثبيت أئمة السنّة في رواية الحديث، جاء في كتاب «السرائر» - وهو من كتبهم المعتبرة (قال صاحب البحار:«كتاب السرائر لا يخفي الوثوق عليه وعلى مؤلفه على أصحاب السرائر» (3)) - جاء في هذا الكتاب حديثهم التالي عن بعض أصحابنا

(1) ياقوت الحموي «معجم الأدباء» : (جـ1/ 212 - 213) .

(2)

انظر ابن حجر: «هدي الساري» : ص 486، ابن خلدون، «المقدمة» :(3/9، 10) قال الصنعاني في «توضيح الأفكار» عن قصة البخاري مع علماء الحديث في بغداد، (وهي مشهورة أخرجها ابن عدي عن مشائخ البخاري، وأخرجها أبو بكر الخطيب في «التاريخ» في غير موضع وساقها الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح بإسناده) . «توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار» (ص 103 - 104) .

(3)

«البحار» : (جـ1/ص 33) ، ووصفوا مؤلف السرائر بـ "الإمامة العلامة حبر العلماء والفقهاء وفخر الملة والحق والدين شيخ الفقهاء رئيس المذهب الفاضل الكامل عين =

ص: 57

يرفعه إلى أبي عبد الله - يعنون: جعفر الصادق - وفيه قال - أي راوي الحديث يسأل أبا عبد الله -: «هؤلاء - يعني بهم أئمة السنّة - يأتون بالحديث مستوياً كما يسمعونه، وإنا ربما قدّمنا وأخرنا وزدنا ونقصنا» (1) .

فهذا إقرار منهم بخيانتهم في نقل النصوص، وأمانة أهل السنّة ودقتهم في ذلك.

وجهود أئمة السنّة لا تحتاج لهذا الاعتراف، ولكن أوردنا هذا الاعتراف لأنه صادر من "المخالف" وإنصاف المخالف أشد وقعاً في النفس من إنصاف الموافق.. ولأن في هذا وأمثاله ما "يلجم" محاربي السنّة من الروافض المعاصرين من "كتبهم".

2-

الجانب الثاني: ويتضمن كشف حقيقة ما ينسبه "الروافض" من أحاديث وروايات إلى مصادر أهل السنّة.

ذلك بأن المطالع لكتب الشيعة ورسائلهم قديمها وحديثها يرى ذلك "الحشد" الكبير من النصوص التي يزعمون أنهم أخذوها من مصادر أهل السنّة، وهي تؤيد مذهب الشيعة وتطعن في مذهب أهل السنّة، ويحتجون بها لصحة مذهبهم على أهل السنّة ويقنعون بواسطتها المتشككين والحائرين من بني مذهبهم.

وقد أشار ابن خلدون (2) إلى هذه الظاهرة بقوله: (إنهم يستدلون

= الأعيان ونادرة الزمان.." انظر: «منتهى المقال» : ص 26، «المقابس» : ص 15، عن مقدمة «البحار» :(جـ1/ص 163) .

(1)

ابن إدريس: «السرائر» : ص 476.

(2)

عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الحضرمي الإشبتلي الأصل المعروف =

ص: 58

على مذهبهم بنصوص ينقلونها ويؤولونها على مقتضى مذهبهم لا يعرفها جهابذة السنّة ولا نقلة الشريعة، بل أكثرها موضوع أو مطعون في طريقه أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة) (1) .

ولهم في ذلك وسائل وطرق متعددة حتى وصفها صاحب «مختصر التحفة الاثني عشرية» بأنها كثيرة جدّاً لا تدري اليهود بعشرها (2) .

ولقد قام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بكشف كثير من النصوص التي ينسبها الروافض لمصادر أهل السنّة، وأماط اللثام عن صحة تلك النسبة أو خطئها وعن سلامة التأويل لها من فساده، وذلك في كتابه منهاج السنّة ولا سيما في المجلد الأخير منه (3) .

أما عملية كشف الوسائل التي يتخذها الروافض في الاحتجاج لمذهبهم من طريق السنّة فقد تولى شرحها علامة الهند شاه عبد العزيز الدهلوي (4) في كتابه «التحفة الاثني عشرية» الذي ألفه بالفارسية، ونقله إلى العربية الشيخ الحافظ غلام محمد بن محيي الدين بن عمر الأسلمي

= بابن خلدون (ولي الدين أبو زيد) ، عالم، أديب، مؤرخ، اجتماعي حكيم، ولد بتونس سنة 732هـ وتوفي بالقاهرة سنة 808 هـ، من مصنفاته «العبر» ، «تاريخ ابن خلدون» ، و «لباب المحصل» وغيرها. انظر: السخاوي: «الضوء اللامع» : (4/145، 149)، ابن العماد:«شذرات الذهب» : (7/76 - 77)، وانظر:«معجم المؤلفين» : (5/188 - 189) .

(1)

ابن خلدون: «المقدمة» : (2/527) بتحقيق د. علي عبد الواحد وافي.

(2)

«مختصر التحفة الاثني عشرية» : ص 25.

(3)

من الطبعة الأميرية سنة 1322هـ، ويقوم أستاذنا محمد رشاد سالم بتحقيقه، وخرج منه حتى الآن جزءان.

(4)

هو: عبد العزيز بن أحمد (ولي الله) بن عبد الرحيم العمري الفاروقي الملقب سراج الهند، توفي عام 1239هـ ومن مؤلفاته، «فتح العزيز» في التفسير ولم يتمه و «بستان المحدثين» و «التحفة الاثني عشرية» ، انظر:«الأعلام» : (جـ4/ ص 138) .

ص: 59

والكتاب المعرب لا يزال مخطوطاً (1) ولكن مختصره للشيخ الألوسي مطبوع ومشهور، وقد حوى جزءاً من تلك الوسائل.

وكذلك فعل - شيخ العلماء الأعلام فريد دهره ووحيد عصره - كما يصفه الألوسي (2) الشيخ محمد الشهير بخواجة نصر الله الهندي المكي (3) ، فأماط اللثام عن كثير من تلك الوسائل والمعابر التي يتقنع بها الروافض لتمرير الأفكار الأجنبية تحت ستار الاحتجاج من مصادر أهل السنّة، وذلك في كتابه «الصواقع المحرقة» ، وقد اختصره الشيخ محمود الألوسي وسماه «السيوف المشرقة في مختصر الصواقع المحرقة» ، والشيخ السويدي (4) رحمه الله قد كشف أيضاً مجموعة من تلك المحاولات الرافضية في رسالة له بعنوان «نقض عقائد الشيعة» لا تزال مخطوطة لم تطبع (5) .

والموضوع بحاجة إلى دراسة وعناية ولا يكفي هذا الحيز له، وحسبنا أن نشير إلى شيء من وسائلهم ونؤكد في البداية على أهمية الدراسة الواعية المستوفية لهذه المسألة وإبراز هذه الوسائل بالأرقام والوقائع.. وذلك لمواجهة مسيرة الافتراء والتفريق وإثارة الأحقاد والفتن التي كنا نظن أنها قد ولت، فإذا بنا نفاجأ بها مستمرة.. على صورة أشد وأنكى مما كانت..

(1) يوجد منه نسخة في مكتبة "الأوقاف" ببغداد برقم (5035) ، وأخرى برقم (6812) ، انظر فهرس مكتبة الأوقاف ببغداد.

(2)

مقدمة «السيوف المشرقة» (مخطوط) .

(3)

لم أجد له ترجمة فيما اطلعت عليه من المصادر العربية.

(4)

ستأتي ترجمته في محاولات التقريب.

(5)

يوجد منها نسخة في مكتبة الأوقاف ببغداد برقم (1/13785) مجاميع.

ص: 60

ومطابع الروافض تقذف سنوياً مجموعة كبيرة من الكتب والرسائل التي تحوي فيما تحوي ذلك اللون؛ وهو: الاحتجاج لمذهب الشيعة من طريق السنة، وبهذه الوسيلة يضلون قومهم عن سواء السبيل.

أما وسائلهم وطرقهم الخفية في الاحتجاج من طريق السنّة وتلك نبه إليها العلماء الأعلام - كما أسلفنا - فهذا ما سنشير إلى بعضه فيما يلي:

1-

يقول الشيخ عبد الله السويدي رحمه الله:

إن بعض علمائهم اشتغلوا بعلم الحديث وسمعوا الأحاديث من ثقات المحدثين من أهل السنّة وحفظوا أسانيد أهل السنّة الصحيحة، وتحلّوا في الظاهر بحلي التقوى والورع، بحيث كانوا يعدون من محدثي أهل السنّة، فكانوا يروون الأحاديث صحاحاً وحساناً، ثم أدرجوا في تلك الأحاديث موضوعات مطابقة لمذهبهم، وقد ضل بذلك كثير من خواص أهل السنّة فضلاً عن العوام، ولكن قيض الله بفضله أئمة أهل الحديث فأدركوا الموضوعات فنصوا على وضعها فتبين حالها حينئذ والحمد لله على ذلك.

وقد أقرت طائفة منهم بالوضع بعدما انكشف حالهم.. وتلك الأحاديث الموضوعة موجودة إلى الآن في المعاجم والمصنفات وقد تمسك بها أكثر التفضيلية (1) والمتشيعة (2) .

ويذكر الألوسي في حديثه عن هذه الوسيلة في كتابه «السيوف

(1) التفضيلية أو المفضلة هم الذين يفضلون عليّاً على أبي بكر وعمر من الزيدية وغيرهم انظر التسعينية: لابن تيمية: ص 40.

(2)

عبد الله السويدي «نقض عقائد الشيعة» وهو مخطوط غير مرقم الصفحات وبالعد ينظر ص 25 - 26 وانظر: «مختصر الصواعق» : ص 50 (مخطوط) و «مختصر التحفة» : ص 32.

ص: 61

المشرقة» أن ممن استخدم هذه الوسيلة "جابر الجعفي"(1) ، وأنه قد روى عنه في بعض كتب السنّة كسنن الترمذي وأبي داود والنسائي (2) روايات لم ينفرد هو بها (3) .

2-

ويقول الألوسي في «مختصر التحفة الاثني عشرية» :

(ومن مكايدهم أنهم ينظرون في أسماء المعتبرين عند أهل السنّة، فمن وجدوه موافقاً لأحد منهم في الاسم واللقب أسندوا رواية حديث ذلك الشيعيّ إليه، فمن لا وقوف له من أهل السنّة يعتقد أنه إمام من أئمتهم فيعتبر قوله ويعتد بروايته، كالسدي: فإنهما رجلان: أحدهما السدي الكبير، والثاني السدي الصغير، فالكبير (4) من ثقات أهل السنّة، والصغير من الوضاعين الكذابين وهو رافضي غال (5) ، وكابن قتيبة

(1) جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي أحد علماء الشيعة، توفي سنة سبع وستين ومائة، قال ابن حبان: كان سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ، كان يقول إن عليّاً يرجع إلى الدنيا، وروى العقيلي بسنده عن زائدة أنه قال: جابر الجعفي رافضي يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال يحيى: لا يكتب حديثه ولا كرامة. انظر: «ميزان الاعتدال» : (جـ1/ ص 379) وما بعدها.

(2)

وفي «ميزان الاعتدال» أشار إلى أنه روى له (أبو داود والترمذي وابن ماجه، ولم يذكر النسائي، كما ذكر أن أبا داود لم يخرج له إلا حديثاً واحداً في باب سجود السهو)، «ميزان الاعتدال» :(جـ1/ص 379، 383) ترجمة جابر الجعفي، الذهبي:«الكاشف» : (1/77)، ابن حجر:«تقريب التهذيب» : (1/123) .

(3)

الألوسي: «السيوف المشرقة» : ص 50 (مخطوط) .

(4)

إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، تابعي، حجازي، سكن الكوفة أخرج له مسلم وأصحاب السنن، توفي سنة 127هـ. انظر: الخلاصة: ص 35، «الكاشف» :(1/127) .

(5)

محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي، وهو كذاب وضاع عند أهل السنّة. انظر:«الجرح والتعديل» : (8/86)، «تقريب التهذيب» :(2/206)، الخلاصة: ص 358، وانظر ترجمته في كتب الروافض مثل:«الكنى والألقاب» ، للقمي:(2/284، 285) .

ص: 62

رجلان: أحدهما: عبد الله بن قتيبة رافضي غال، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة (1) من ثقات أهل السنّة، وقد صنف كتاباً سماه بـ «المعارف» فصنف ذلك الرافضي كتاباً وسماه بـ «المعارف» أيضاً قصداً للإضلال) (2) .

ومن ذلك محمد بن جرير الطبري رجلان أحدهما الإمام السنّي المشهور صاحب التفسير والتاريخ (3) والآخر محمد بن جرير بن رستم الطبري من أئمة الروافض (4) ، وهناك رافضي آخر يسمى بأبي

(1) هو: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، توفي ببغداد عام 276هـ وكان مولده سنة 213هـ، له مؤلفات كثيرة منها، «تأويل مختلف الحديث» و «المعارف» ، و «الرد على الشعوبية» ، و «مشكل القرآن» وغيرها. انظر:«تاريخ بغداد» : (10/170 - 171)، «إنباه الرواة» :(2/143 - 147)، «الأعلام» :(4/280) .

(2)

«مختصر التحفة الاثني عشرية» : ص 32 (بتصرف يسير)، وانظر:«مختصر الصواقع» : ص 51 (مخطوط)، والسويدي «نقض عقائد الشيعة» : ص 25 (مخطوط) .

(3)

محمد بن جرير زيد الطبري أبو جعفر، المؤرخ المفسر الإمام، ولد في آمل طبرستان في 224هـ واستوطن ببغداد وتوفي بها في 310هـ، ومن مؤلفاته «جامع البيان في تفسير القرآن» والمشهور «بتفسير الطبري» ، و «أخبار الرسل والملوك» والمعروف بـ «تاريخ الطبري» ، و «اختلاف الفقهاء» وغيرها، انظر ترجمته في «تاريخ بغداد» :(2/162)، «البداية والنهاية» :(11/145)، «الأعلام» :(6/294) .

(4)

محمد بن جرير بن رستم بن جرير الطبري الآملي - أبو جعفر من علماء الإمامية توفي ببغداد عام 310هـ ومن آثاره: «المسترشد في الإمامة» ، «نور المعجزات في مناقب الأئمة الاثني عشر» وغيرها:«معجم المؤلفين» : (9/146)، وانظر: مقدمة «البحار» : (جـ1/ص 177)، «تنقيح المقال» :(2/91)، «لسان الميزان» :(5/103) ، وانظر في التفرقة بين الرجلين مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد التاسع 1381هـ ص 345 مطبعة المجمع.

ولقد ألحق هذا التشابه الاسمي بابن جرير رحمه الله بعض الإساءة؛ فيذكر ابن كثير أن بعض العوام اتهمه بالرفض وطعن عليه بالإلحاد، وأشار إليه أنه نسب إليه كتاب عن حديث "غدير خم" يقع في مجلدين، ونسب إليه القول =

ص: 63

جعفر الطبري وهو أبو جعفر محمد بن أبي القاسم بن علي الطبري من علماء الإمامية في القرن السادس (1) .

وهناك ابن بطة اثنان: ابن بطة السنّي وينطق بفتح الباء (2) وابن بطة الشيعي وهو بضم الباء (3) .

= بجواز (مسح القدمين في الوضوء)، ثم قال ابن كثير:(ومن العلماء من يزعم أن ابن جرير، اثنان أحدهما شيعي وإليه ينسب ذلك وينزهون أبا جعفر عن هذه الصفات)«البداية والنهاية» : (جـ1/ص 147) . وهذا الرأي الذي نقله ابن كثير عن بعض العلماء هو الحقيقة عينها كما دلت على ذلك الدراسات في الرجال، وما تبين من خلال كتب الشيعة التي ظهرت في هذا العصر ويكفي ما تركه الإمام السني صاحب التفسير والتاريخ من آثار لتنفي عنه ما نسب إليه. انظر: مثلاً: «جزء في الاعتقاد» لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري: ص 6 - 7.

(1)

وقد خلط فؤاد سيزكين في «تاريخ التراث» بين هذا الرافضي والذي قبله، فنسب كتاب «بشارة المصطفى» وهو لهذا (ابن أبي القاسم) نسبه للأول (ابن رستم)، في حين أن بين الرجلين أكثر من قرنين.. «تاريخ التراث» :(2/260)، وهذا الطبري قد نشرت له جريدة "المدينة" حكاية موضوعة بعنوان (عقد الزهراء) وما كانت هذه القصة لتأخذ طريقها للنشر لولا الاشتباه في الاسم (جريدة المدينة عدد 4621 - الثلاثاء 24 رجب 1399هـ ص 7 - اختيار: محمد سالم محمد نقلاً عن كتاب بشارة المصطفى) ، وقد اطلعت على كتاب «بشارة المصطفى» فوجدته قد جمع من الكذب والضلال فأوعى.. ففيه تأويل الجبت والطاغوت بأبي بكر وعمر ص 238 وأن زيارة علي تعادل ألف ألف حجة.. ص 27، وفيه زعمه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(ولا تفضلوا عليه - أي علي- أحداً فترتدوا) ص 52. ويغلو المؤلف أكثر من هذا فيقول: (من شك في تقديمه وتفضيله ووجوب طاعته وولايته محكوم بكفره وإن أظهر الإسلام وجرت عليه أحكامه) ص 51

إلخ.

(2)

مضت ترجمته ص 46.

(3)

محسن الأمين، «أعيان الشيعة» :(6/56)، عباس القمي:«الكنى والألقاب» : (1/22) .

ص: 64

وطَبَعِيٌّ أن تتشابه الأسماء والكنى والألقاب، ولكن من غير الطَّبَعِيِّ أن يستغل هذا التشابه في القيام بدس فكري رخيص.. يفرق الأمة.. ويبعث النزاع.. ويضلل الباحثين المخلصين عن الحق..

وهذا المسلك وما قبله يحاول أن يضع بالسند الصحيح أو بالإسناد الذي يوافق الإسناد الصحيح في أسماء الرجال؛ يحاول أن يضع متناً موضوعاً يخدم به فكرة معينة.

ولكن هذا المسلك سرعان ما ينكشف وتتبين حقيقته بظهور القرائن على كذبه، إما لمخالفته لصريح القرآن أو لمناقضته لما جاءت به السنّة الصحيحة مناقضة بيّنة أو لما سوى ذلك من قرائن وبراهين.

فإن أئمة الحديث كما اعتنوا بإسناد الحديث اعتنوا بمتنه ووضعوا علامات لمعرفة الحديث الموضوع بدون نظر لإسناده، وعامة كتب علوم الحديث تعرضت لذلك؛ قال ابن الجوزي (1) :(ما أحسن قول القائل إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأُصول فاعلم أنه موضوع)(2) .

وقال ابن الصلاح (3) : (وإنما يعرف كون الحديث موضوعاً

(1) هو: عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي رضي الله عنه أبو الفرج) التيمي البكري البغدادي المعروف بابن الجوزي، محدث، حافظ، مفسر، فقيه، واعظ، أديب، مؤرخ.. ولد ببغداد سنة 510هـ تقريباً وتوفي بها عام 597، من مؤلفاته:«جامع المسانيد» في سبع مجلدات، «المنتظم في تاريخ الأمم» وغيرها. انظر: اليافعي: «مرآة الجنان» : (3/489 - 492)، ابن العماد:«شذرات الذهب» : (329 - 331)، «معجم المؤلفين» :(5/157) .

(2)

ابن الجوزي: «الموضوعات» : (1/106)، «تدريب الراوي» :(1/277) .

(3)

عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الموصلي المعروف بابن الصلاح =

ص: 65

بإقرار واضعه أو ما يتنزل منزلة إقراره، وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي، فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها) (1) .

وقال ابن دقيق العيد (2) : (وأهل الحديث كثيراً ما يحكمون بالوضع باعتبار أمور ترجع إلى المروي وألفاظ الحديث. وحاصله يرجع إلى أنه حصلت لهم لكثرة محاولة ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم هيأة نفسانية أو ملكة يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظ من النبي صلى الله عليه وسلم وما لا يجوز أن يكون من ألفاظه)(3) .

وقال أبو الحسن علي بن عروة الحنبلي (4) : (القلب إذا كان تقيّاً نظيفاً زاكياً كان له تمييز بين الحق والباطل، والصدق والكذب،

= (تقي الدين أبو عمرو) ، محدث، مفسر، فقيه، أصولي، ولد في 577هـ - وتوفي بدمشق في 643هـ، من مؤلفاته:«علوم الحديث» ، «معرفة المؤتلف والمختلف» وغيرهما. «شذرات الذهب» :(5/221 - 222)، «تذكرة الحفاظ» :(4/1430)، «معجم المؤلفين» :(6/257) .

(1)

«علوم الحديث» لابن الصلاح: ص 89.

(2)

محمد بن علي بن وهب بن مطيع أبو الفتح تقي الدين القشيري المعروف بابن دقيق العيد (كأبيه وجده) شيخ الإسلام الحافظ المجتهد.. ولد في ينبع (على ساحل البحر الأحمر) عام 625 وتوفي بالقاهرة سنة 702هـ، ومن آثاره:«أحكام الأحكام» ، و «الاقتراح في بيان الاصطلاح» ، و «الإلمام في أحاديث الأحكام» وغيرها. «طبقات الشافعية» :(9/207 - 249)، «الدر الكامنة» :(4/210 - 214) .

(3)

ابن دقيق العيد: «الاقتراح» : ص 11 (مخطوط) .

(4)

علي بن حسين بن عروة العلاء أبو الحسن المشرقي ثم الدمشقي الحنبلي ويعرف بابن زكنون (بفتح أوله) ، محدث فقيه، ولد قبل سنة 760هـ وتوفي في دمشق سنة 837هـ، ومن تصانيفه، «الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري» في 120 مجلداً. انظر: السخاوي: «الضوء اللامع» : (5/214 - 215) .

ص: 66

والهدى والضلال، ولا سيما إذا كان قد حصل له إضاءة وذوق من النور النبوي، فإنه حينئذ تظهر له خبايا الأمور، ودسائس الأشياء، والصحيح من السقيم، ولو ركّب على متن ألفاظ موضوعة على الرسول إسناد صحيح أو على متن صحيح إسناد ضعيف لميز ذلك وعرفه.. فإن ألفاظ الرسول لا تخفى على عاقل ذاقها..) (1) .

وقال الربيع بن خثيم (2) - التابعي الجليل: (إن من الحديث حديثاً له ضوء كضوء النهار يعرف، وإن من الحديث حديثاً له ظلمة كظلمة الليل ننكره)(3) .

وقد سئل الإمام ابن القيم (4) رحمه الله هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده؟ فقال: (هذا سؤال عظيم القدر، وإنما يعلم ذلك من تضلّع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول (وهديه،

(1) جمال الدين القاسمي: «قواعد التحديث» : ص 165 (وقد نقل ذلك عن كتاب «الكواكب الدراري» لابن عروة) .

(2)

الربيع بن خثيم (بضم المعجمة وفتح المثلثة) بن عائذ بن عبد الله الثوري أبو يزيد الكوفي، ثقة عابد، قال ابن مسعود: لو رآك رسول (لأحبك، مات سنة إحدى وقيل ثلاث وستين، أخرج له البخاري ومسلم وغيرهما «تقريب التهذيب» : (1/244) .

(3)

رواه الخطيب البغدادي في «الكفاية» : ص 605.

(4)

محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن جرير الزرعي المعروف بابن قيّم الجوزية الإمام العلامة.. من أركان الإصلاح الإسلامي وأحد كبار العلماء، ألف تصانيف كثيرة منها:«أعلام الموقعين» ، «زاد المعاد» ، «هداية الحيارى» وغيرها توفي سنة 751هـ، وكانت ولادته سنة 691هـ. انظر:«الوافي بالوفيات» : (2/270-272)، «جلاء العينين» : ص 30، «الأعلام» :(280 - 281) .

ص: 67

فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر عنه، ويدعو إليه، ويحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة بحيث كأنه مخالط للرسول (كواحد من أصحابه.

فمثل هذا يعرف من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه وكلامه، وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز، ما لا يعرفه غيره..) (1) .

وقد أورد رحمه الله عدة قواعد في هذا الشأن بلغت (44) قاعدة، ومثل لها بـ (273) حديثاً وبين وجه وضعها من خلال نقد المتن فقط بغير نظر إلى السند وذلك في كتابه «المنار المنيف» .

3-

يذكر شاه عبد العزيز الدهلوي أن من وسائلهم أيضاً:

(أنهم ينسبون بعض الكتب لكبار علماء السنّة مشتملة على مطاعن في الصحابة، وبطلان مذهب أهل السنّة، ويمثل لذلك بكتاب «سر العالمين» ويقول: إنهم نسبوه إلى الإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله وشحنوه بالهذيان، وذكروا في خطبته عن لسان الإمام وصيته بكتمان هذا السر وحفظ هذه الأمانة، ما ذكر في هذا الكتاب فهو عقيدتي وما ذكر في غيره فهو للمداهنة)(2) .

وقد رأيتهم في بعض مؤلفاتهم المعاصرة يرجعون لهذا الكتاب ويحتجون ببعض ما فيه على أهل السنّة (3) .

(1)«المنار المنيف» : ص 44.

(2)

«مختصر التحفة الاثني عشرية» : ص 33، وانظر: السويدي: «نقض عقائد الشيعة» : ص 25 (مخطوط) .

(3)

انظر مثلاً (مصادر كتاب كشف الاشتباه) للرافضي عبد الحسين الرشتي والمطبوع في المطبعة العسكرية بطهران في 1368هـ.

ص: 68

وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات في بومباي سنة 1314هـ، القاهرة سنة 1324هـ، وسنة 1327هـ، طهران بغير تاريخ (1) .

ويشير د. عبد الرحمن بدوي إلى أن ثلاثة من المستشرقين ذهبوا إلى القول بأن الكتاب منحول: (جولد تسيهر)(بويج)(مكرونالد)(2)، ويذهب عبد الرحمن بدوي إلى هذا الرأي ويقطع به ويحتج لذلك فيقول:«والأمر الذي يقطع بأن الكتاب ليس للغزالي هو ما ورد في ص 82 من قوله: (أنشدني المعري لنفسه وأنا شاب في صحبته يوسف بن علي شيخ الإسلام) (3) فإن المعري توفي سنة 448 بينما ولد الغزالي سنة 450 فكيف ينشده لنفسه» (4) .

وهذا الأسلوب في الوضع له خطورته.. ويذكر السويدي أنه على هذه الطريقة نسبت كتب كثيرة، ولا يعرفها إلا من كان عارفاً بمذاق كلام أهل السنة (5) .

وقد عقد الشوكاني (6) في كتابه «الفوائد المجموعة» مبحثاً بعنوان

(1) عبد الرحمن البدوي: «مؤلفات الغزالي» : ص 225.

(2)

المصدر السابق: ص 271.

(3)

والغريب أني رأيت الذهبي رحمه الله ينسب هذا الكتاب إلى أبي حامد الغزالي «ميزان الاعتدال» : (جـ1/ص 500) ترجمة الحسن بن الصباح الإسماعيلي. فإما أن يكون هذا الأمر قد فات على الإمام الذهبي.. وإما أن يكون للإمام الغزالي كتاب بهذا العنوان قد فُقد، فألف الروافض كتاباً يحمل اسم ذلك الكتاب المفقود ونسبوه للغزالي.

(4)

«مؤلفات الغزالي» د. عبد الرحمن بدوي: ص 271.

(5)

«نقض عقائد الشيعة» (مخطوط) : ص 25.

(6)

محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن الحسن الشوكاني الخولاني ثم الصنعاني، مفسر، محدث، فقيه، أصولي، مؤرخ، من تصانيفه:«فتح القدير» ، «نيل الأوطار» =

ص: 69

"النسخ الموضوعة" وبعد عرضه إياها ذكر أن أكثرها من وضع الرافضة، وهي موجودة عند أتباعهم (1) .

4-

ومن أساليبهم في طريقة احتجاجهم من كتب أهل السنّة: ما ذكره صاحب مختصر الصواقع:

من (أنهم ينقلون ما يدل على مطاعن الصحابة وما يستدل به على بطلان مذهب غير الرافضة عن كتاب يعزون تأليفه إلى بعض كبراء أهل السنّة، وذلك الكتاب لا يوجد تحت أديم السماء)(2) ..

أو أنهم ينقلون أخباراً دالة على مطاعن الصحابة عن كتب عزيزة الوجود لأهل السنّة ليس في تلك الكتب منها أثر.. والأردبيلي أكثر ما ينقل في «كشف الغمة» من هذا القبيل وكذا الحلي في الألفين وابن طاوس وغيرهم (3) .

هذا ما ذكره صاحب «مختصر الصواقع» ولم يتيسر لي الاطلاع على هذه الكتب التي مثل بها، ولكني اطلعت على كتب أخرى تحمل هذا المعنى الذي ذكره، ومن أحقها بهذا الوصف كتاب «غاية المرام في حجة الخصام عن طريق الخاص والعام» لمؤلفه: هاشم بن سليمان بن إسماعيل البحراني (ت 1107 أو 1109) .

والكتاب في مجلد ضخم رتبه مؤلفه على مجموعة مقاصد، كل

= وغيرهما، توفي سنة 1250هـ وكانت ولادته سنة 1173هـ: انظر: «البدر الطالع» : (2/214 - 225)، «نيل الوطر» : ص 297، «معجم المؤلفين» :(11/53) .

(1)

«الفوائد المجموعة» : ص 425.

(2)

و (3)«مختصر الصواعق» : ص 51 (مخطوط) . وانظر: السويدي: «نقض عقائد الشيعة» : ص 25 (مخطوط) .

ص: 70

مقصد يضم عدداً كبيراً من الأبواب، وكل باب يحوي طائفة ضخمة من الأحاديث من طريق ما يسميهم بالعامة، ويعني بهم أهل السنّة، ومن طريق ما يسميهم بالخاصة وهم الشيعة - في زعمه - ويعني بهم الإمامية، لأن المؤلف إمامي اثنا عشري كما يظهر من كتابه، والمقصود أن كثيراً من الأحاديث التي ينسبها لأهل السنّة ليس لها وجود ولا أثر في مصادر السنّة المعتبرة.

ويرى الأستاذ موسى جار الله (1) - بحق - أن هذا الكتاب يعتبر (عاراً وسبة للشيعة الإمامية)(2) .

ولكننا مع الأسف نجد بعض مراجع الشيعة اليوم ترى أن هذا الكتاب موضع الفخر (3) ويأخذون منه ويحتجون به على أهل السنّة (4) على الرغم من أن عنصر الكذب في هذا الكتاب لا يخفى على صغار المتعلمين.

وأجدني لست بحاجة إلى النقل من أحاديثه الكاذبة فهي لا حدَّ لها، وأكتفي بأن أشير إلى طائفة من أبوابه الخاصة بالأحاديث التي جاءت عن طريق من يسميهم بالعامة ليرى القارئ إلى أي مدى وصل الكذب والافتراء على السنّة ومصادرها.

الباب السادس والأربعون: في أن الأئمة الاثني عشر أركان الإيمان ولا يقبل الله (الأعمال من العباد إلا بولايتهم عليهم السلام، من طريق العامة وفيه ستة عشر حديثاً.

(1) ستأتي ترجمته في (مبحث محاولات التقريب) .

(2)

«الوشيعة» ص (م ط) .

(3)

«الشيعة بين الحقائق والأوهام» : محسن الأمين: ص 124.

(4)

انظر مثلاً: عبد الحسين الموسوي «المراجعات» : ص 67 هامش رقم (1) .

ص: 71

يقول البحراني: الباب الرابع والعشرون: في أن الأئمة بعد رسول الله اثنا عشر بالنص من رسول الله إجمالاً وتفصيلاً، وهم علي وبنوه الأحد عشر وهم الأئمة الاثنا عشر من طريق العامة وفيه ثمانية وخمسون حديثاً.

الباب الأول: في أنه لولا الخمسة الأشباح (كذا) محمد رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين ما خلق الله عز وجل آدم ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن. وأن رسول الله وعليّاً أمير المؤمنين خلقا من نور واحد، وخل ملائكته من نور وجه علي. من طريق العامة وفيه تسعة عشر حديثاً.

الباب الحادي عشر: في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة الاثني عشر حجج الله تعالى على خلقه. من طريق العامة وفيه تسعة أحاديث (1) .

وعلى هذا المنوال تسير قافلة الكذب، وتستمر مؤامرة الافتراء والتزوير في أبواب كثيرة بلغت أكثر من خمسين وأربعمائة بابٍ تعج بالفضائح وتمتلئ بالكذب والبهتان، ولو تفرغ متفرغ لدراسة هذا الكتاب وأمثاله لاستخرج صفحات سوداء تنضح بالخزي والعار وتكشف أولئك "السبأيين" الذين كانوا وراء هدم مبدأ التشيع الحقيقي لآل البيت ومحبتهم لِـ "الرفض" و"الغلو" لإبعاد الشيعة عن حظيرة الجماعة والعمل على تفرقة الأمة وتفتيت وحدتها.

(1) انظر: فهرس الكتاب المذكور.

ص: 72

والذي يتبدَّى لي أن هذا الكتاب وأمثاله إنما هو مؤامرة مدبرة من مشايخ السوء الذين يدعون التشيع لآل البيت وليس لهم منه نصيب والذين استغلوا التشيع لهدم الإسلام، هو مؤامرة الهدف منها حماية أتباعهم من التطلع لمذهب أهل السنّة، والبحث عن الحق فيه، فيتوهم "الأتباع الأغرار" أن ما عند الجميع واحد، وأن هذا هو الإسلام لاتفاق الفريقين عليه، وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله أن هذا الوهم والتصور كان من أسباب إلحاد الزنادقة لأنهم ظنوا أن ما هم عليه من "باطل" هو الإسلام "فشكوا في الإسلام".

إن هدف مؤلف الكتاب الآنف الذكر إثبات أن تلك العقائد التي تدعيها الشيعة وتخالف بها جمهور المسلمين متفق عليها في كتب الفريقين، فهو يقول مثلاً في تعليقه على بعض الأحاديث المفتراة على أهل السنّة:(انظر أيها الأخ إلى ما يرويه المخالفون النواصب ما هو عين مذهب الإمامية الاثني عشرية، وهذا يعطيك أن المخالفين العامة على ضلال مبين وخسران عظيم بعد العلم منهم والمعرفة بصحة معتقد الإمامية الاثني عشرية..)(1) .

ولا بد لتحقيق هذا الهدف من ركوب "مطايا" الكذب.

وإنني أرى أن هذا الكتاب وأمثاله سيعطي من يقرأه بعقل وإنصاف عكس ما يراد منه، فالقارئ حينما يقرأ ذلك الحشد من

(1)«غاية المرام» : ص 36.

يقول علماؤهم المعاصرون - كما سيأتي - (أنه ليس بيننا وبين السنّة خلاف إلا في الفروع) يقولون ذلك بناء على هذا "الوهم" الذي بنوه في كتبهم وصدقهم بعض مغفلي السنّة وأخذوا يرددون هذه الكلمة، ولم يعلموا أن وراء الأكمه ما وراءها.

ص: 73

النصوص التي زعم المؤلف أنه جاء بها عن طريق السنّة ويبحث عنها في كتب السنّة المعتبرة فلا يرى لها وجوداً ولا أثراً ـ سيخرج من ذلك بالشك في كل ما يأتي به القوم.

ولا أظن أن عاقلاً سينخدع بهذه الوسيلة إلا من أعمى الله قلبه بالتعصب والهوى، وما كنا سنعير هذا الكتاب أي اهتمام لولا أن بعض مجتهدي الشيعة المعاصرين اعتبره موضع الفخر (1) .

وقد رأيت من مؤلفاتهم "المعاصرة" كتاباً يسمى «الغدير» ، ويقع في أحد عشر مجلداً لعبد الحسين الأميني النجفي من علمائهم المعاصرين، ويصفونه بـ "الحبر العلم الحجة المجاهد"، والكتاب متوج بالثناء والمديح من عدد من آياتهم المعاصرين (محسن الحكيم (2) عبد الحسين شرف الدين الموسوي (3) ، السيد حسن الموسوي (4)) .

وهذا الكتاب يشبه إلى حد بعيد الكتاب الآنف الذكر، فهو يروي أخباراً عن نكرات تفوح منها رائحة الكذب ويجعلها هي الأصل ويخطِّئ على ضوئها علماء الأمة، فابن كثير عنده يحرف الكلم عن مواضعه ويقذف الراوي بالضعف بغير دليل (5) .

(1) وإذا أراد القارئ أن يرى مثالاً للأحاديث التي ينقلها عن طريق السنّة كما يدعي.. فلينظر ذلك في ملحق «الوثائق والنصوص» .

(2)

انظر تقريظه في جـ7 ص ز.

(3)

انظر تقريظه في جـ7 ص هـ و.

(4)

انظر تقريظه في جـ9 ص ب.

(5)

انظر «الغدير» : (1/209) .

ص: 74

ويقول عن الإمام الطبري: إنه (يروي الأخبار محرفة في تفسيره)(1) .

ويقول عن الإمام البخاري: إنه يخرم الحديث (ويعني بذلك حديثاً أورده هذا الرافضي يتضمن الطعن في عمر رضي الله عنه صوناً لمقام عمر (2) .

ويقول عن الإمام البيهقي: (وذكره ـ أي الحديث ـ البيهقي محرفاً)(3) .

وعن البغوي يقول: (وأخرجه البغوي في المصابيح.. غير أنه حذف صدر الحديث)(4) .

وعن الذهبي يقول: (وذكره الذهبي في تذكرته.. محرفاً)(5) وهكذا..

ثم يحكم على البخاري رحمه الله لأن صحيحه كشف كذبه ـ بقوله: (وكم وكم في صحيح البخاري من أحاديث لعبت بها يد تحريفه)(6) .

هؤلاء أعلام الأمة هذا وزنهم عند هذا المتجني ومن شايعه، لأنهم لم يوافقوا جهلة الروافض على كذبهم، وتحريفهم للأحاديث..

(1) انظر المصدر السابق: (1/ 207) .

(2)

انظر المصدر السابق: (جـ6/ص 84) .

(3)

المصدر السابق: (جـ6/ص 84) .

(4)

المصدر السابق: (جـ6/ص 84) .

(5)

المصدر السابق: (جـ6/ص 84) .

(6)

المصدر السابق: (جـ6/ص 101) .

ص: 75

هذا "مثال معاصر"(1) اكتفينا بالإشارة إليه.. ولا مجال للاسترسال.

5-

ومن أساليبهم:

أنهم يعمدون إلى (نص متداول ومشهور فيزيدون عليه ما لا أصل له، كما زادوا على النص في استخلاف علي على المدينة في غزوة تبوك زيادة موضوعة وهي «ولا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي في المدينة» (2) .

وهذه الزيادة علاوة على أنها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي من كذب الجهال، ووضع من لا يحسن الوضع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب غير مرة وخليفته على المدينة غير علي، كما اعتمر عمرة الحديبية وعلي معه وخليفته غيره، وغزا بعد ذلك خيبر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره، وغزا غزوة الفتح وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره، وغزا حنيناً والطائف وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره، وحج حجة الوداع وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره

(1) قد (صدر المؤلف) الجزء السابع من كتابه "بتقريظ" من أحد الكفار يؤيد هذا الكافر حملة المؤلف المسعورة ضد الصحابة، ولا سيما الخليفة الراشد عمر - والمؤلف يبادله الثناء والشكر ويتوج كتابه بتقريظه، يقول المؤلف:(أتانا من بحاثة المسيحيين القاضي الحر والشاعر النبيل الأستاذ بولس سلامة.. الخالد الذكر فشكراً له ثم شكراً) ويقول بولس: (وقد شرفتموني بإدراج رسالتي في المقدمة. وقد اطلعت على هذا السفر النفيس فحسبت أن لآلئ البحار قد اجتمعت في غديركم.. ولقد لفت نظري على الأخص ما ذكرتموه بشأن الخليفة الثاني فلله درّكم، ما أقوى حجتكم..)«الغدير» : جـ7 ص ح!!!.

(2)

«منهاج الكرامة» لابن المطهر الحلي: ص 123، المطبوع مع «منهاج السنّة» : جـ1 تحقيق محمد رشاد سالم.

ص: 76

وغزا غزوة بدر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره، وكل هذا معلوم بالأسانيد الصحيحة وباتفاق أهل العلم بالحديث (1) . وأمثلة هذا الأسلوب كثيرة جداً.

كما أن من أساليبهم أنهم يوردون الحديث من كتب السنّة بجميع طرقه ورواياته ويذكرون في الأخير من أخرجه من المحدثين بلا تحديد للألفاظ التي وردت عند كل محدث، ليوهموا القارئ أن هذا النص الذي جمّعوه من كتب أهل السنّة قد ورد بهذه الصيغة التي أخرجوها عند كل محدث من محدثي أهل السنّة، وأنه صحيح لاتفاق محدثي أهل السنّة على إخراجه بهذه الألفاظ والروايات.

ومن أمثلة هذا الأسلوب كتاب «حديث الثقلين» الذي أصدرته دار التقريب بالقاهرة، وسلكت فيه ذلك المسلك الذي أشرنا إليه (2) ، حيث ذكرت الأحاديث الواردة بكل طرقها وروايتها وفي الأخير ذكرت من أخرجه من المحدثين بلا تحديد للألفاظ الواردة عند كل محدث، وهو لا يصح في كل رواياته (3) .

(1)«منهاج السنة» : (3/908) وانظر من نفس المصدر السابق: (جـ3/ص 16) ، (جـ4/ص 94) .

(2)

محمد قوام الدين القمي: «حديث الثقلين» ، نشر: دار التقريب بين المذاهب.

(3)

والذي جاء في صحيح مسلم منه هو قوله (كما رواه زيد بن أرقم: «

أما بعد، ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين؛ أولهما كتاب الله فيه الهدي والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي..» رواه مسلم في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب فضائل علي رضي الله عنه:(7/122 - 123) ، هذه رواية مسلم للحديث، وقد أجاب ابن تيمية على احتجاج الرافضة بهذا الحديث وأجاب عما يحتجون به من بعض الروايات الضعيفة التي جاءت من طريق الجمهور، انظر «منهاج السنّة» :(4/104)، و «المنتقى» : ص 475.

ص: 77

6-

ومن طرقهم ما يذكره صاحب مختصر التحفة:

من (أنهم يذكرون أحد علماء المعتزلة أو الزيدية أو نحو ذلك ويقولون أنه من متعصبي أهل السنّة، ثم ينقلون عنه ما يدل على بطلان مذهب أهل السنّة وتأييد مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية ترويجاً لضلالهم، كالزمخشري صاحب «الكشاف» الذي كان معتزليّاً تفضيليّاً (1) ، والأخطب الخوارزمي، فإنه زيدي غال، وابن قتيبة صاحب المعارف الذي هو رافضي عنيد، وابن أبي الحديد شارح «نهج البلاغة» الذي هو من الغلاة، على قول، ومن المعتزلة على قول آخر، وهشام الكلبي الذي هو من الغلاة وكذلك المسعودي صاحب «مروج الذهب» ، وأبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني وغيرهم. وقصدوا بذلك إلزام أهل السنّة بما لهم من الأقوال مع أن حالهم لا تخفى) (2) .

وكذا بعض المتصوفة أو غيرهم الذين دخلوا في سلك الروافض في الاعتقاد وإن كانوا يحملون لقب الانتساب لأحد المذاهب الأربعة، فإنه (قد يوجد في بعض المنتسبين إلى مذاهب الأئمة الأربعة من هو في الباطن رافضي)(3) .

ومن أمثلة ذلك "سليمان الحنفي النقشبندي" الذي يؤول حديث مسلم أن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر

(1) انظر: ص 61 من هذه الرسالة هامش رقم (1) .

(2)

«مختصر التحفة» : ص 33.

(3)

«منهاج السنّة» : (2/179) ، الطبعة الأميرية.

ص: 78

خليفة "كلهم من قريش"(1) ، يؤول هذا بالأئمة الاثني عشر.

ويستشهد "الشيعي: محمد حسين الزين" في كتابه «الشيعة في التاريخ» بهذا الرأي ليسند عقيدته برأي سنّي حنفي (2) .

والواقع أنه كما يعترف الشيعي د. مصطفى كامل الشيبي: (لا دخل لأهل السنّة بهذا التوثيق وإنما هي الصوفية المتشيعة التي ينتمي إليها النقشبندي)(3) .

7-

ومن طرقهم كما يذكر صاحب التحفة:

أنهم يؤلفون كتاباً في فضائل الخلفاء الأربعة ويضمنونه أحاديث صحاحاً من طرق أهل السنّة تبين فضائلهم ومناقبهم، ويضعون في "فضائل علي" ما يوجب القدح في الخلفاء الثلاثة وضعاً أو نقلاً من كتبهم، فإذا قرأ القارئ فضائل الخلفاء الثلاثة ظن أن مؤلفه سنّي حسن العقيدة ثم إذا وصل إلى فضائل الخليفة الرابع ورأى فيها ما يطعن في الخلفاء الثلاثة ظن أن في تصانيف أهل السنّة ما يوجد من الأحاديث القادحة في الخلفاء الثلاثة (4) .

8-

ومن أساليبهم الشائعة:

أنهم يستقون مادة احتجاجهم من المصادر التي تحوي الضعيف والموضوع ويدعون أنهم أخذوها من مصادر أهل السنّة المعتبرة، فضلاً عن

(1)«صحيح مسلم» ، كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش جـ6 ص3.

(2)

«الشيعة في التاريخ» : ص 118.

(3)

«الصلة بين التصوف والتشيع» : ص 110.

(4)

انظر: «التحفة الاثني عشرية» : ص 46 (مخطوط) .

ص: 79

أنهم يزعمون في بعض الأحاديث الموضوعة أنها مما اتفقت عليه مصادر السنّة والواقع خلاف ذلك.

وأقرب مثال على هذا كتاب «منهاج الكرامة» لابن المطهر الحلي؛ حيث نجده يدعي في كتابه أنه لا يأخذ إلا من المصادر المعتبرة، ومن الصحيح منها. يقول:(ونحن نذكر هنا شيئاً يسيراً مما هو صحيح عندهم ونقلوه في المعتمد من كتبهم)(1) .

ومع هذا "الادعاء" فهو يورد كثيراً من الأحاديث الموضوعة ومن مصادر غير معتمدة.

فهو يستقي أحاديثه من تفسير الثعلبي (2) والحلية لأبي نعيم (3) ومما رواه أخطب خوارزم (4) وصاحب الفردوس (5) والفقيه المغازلي الشافعي (6) وغيرهم.

ويروي أحاديث موضوعة من الحلية لأبي نعيم ونحوه ويدعي أنها مما (أجمع المفسرون عليه)(7) .

(1)«منهاج الكرامة» : ص 119 المطبوع مع كتاب «منهاج السنّة» بتحقيق د. رشاد سالم.

(2)

انظر: «منهاج الكرامة» : في عدة مواضع ص 149، 158، 161، 162.

(3)

المصدر السابق: في عدة مواضع ص 150، 155، 156، 157، 160، 161، 163، 164، 165.

(4)

المصدر السابق في عدة مواضع ص 124، 173.

(5)

انظر: «منهاج الكرامة» : وفي أكثر من موضع ص 155، 166.

(6)

انظر: «منهاج الكرامة» : وفي أكثر من موضع ص 154، 155.

(7)

انظر مثلاً: ص 166 حيث ذكر تفسير (صالح المؤمنين (في قوله سبحانه وتعالى: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين (ذكر أن المراد به "علي" وقال: (أجمع المفسرون على أن صالح المؤمنين هو علي) ، ثم أورد رواية في تفسيرها بذلك عزاها لأبي نعيم. ورد على ذلك ابن تيمية في (جـ4/ص 79) من «منهاج السنة» وكذبه في دعوى الإجماع، وبيّن أن هذه الرواية موضوعة

ص: 80

وينسب لبعض السنن والمسانيد أخباراً ضعيفة أو موضوعة ويزعم إجماع الجمهور على صحتها، وقد ينسب إليها ما ليس فيها، وهذه طريقة الروافض (1) .

وقد كشف شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك في منهاجه ولا سيما في المجلد الأخير. وأورد تقويم أهل السنة لهذه الكتب التي ينقل منها الرافضي وأمثاله (2) ولا شك أن المرجع في تمحيص وتحقيقه "المنقول" إنما يكون إلى (أُمناء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن المرجع في النحو إلى أربابه، وفي القراءات إلى حذاقها، وفي اللغة إلى أئمتها، وفي الطب إلى علمائه. فلكل فن رجال. وعلماء الحديث أجل وأعظم تحرياً للصدق من كل أحد علم ذلك من علمه، فما اتفقوا على صحته فهو الحق، وما أجمعوا على تزييفه وتوهينه فهو ساقط، وما اختلفوا فيه نُظر فيه بإنصاف وعدل فهم العمدة: كمالك وشعبة والأوزاعي والليث

(1) قال ابن تيمية: (ورأيت كثيراً من ذلك المعزو عزاه أولئك - يعني بهم شيوخ الروافض الذين اطلع على كتبهم - إلى المسند والصحيحين وغيرهما باطلاً لا حقيقة له..) انظر: «منهاج السنّة» : (جـ4/ 27) .

(2)

من أمثلة ذلك ما يلي:

قال ابن تيمية عن الثعلبي: (علماء الجمهور متفقون على أن ما يرويه الثعلبي وأمثاله لا يحتجون به.. إلا أن يعلم ثبوته بطريقة)«منهاج السنة» : (4/ 25) . وقد تكرر الكلام من ابن تيمية عن الثعلبي وتفسيره في عدة مواضع، انظر:«منهاج السنة» : (جـ4/ص 18 و28 و31 و46، 48 و84 و95، 105 و115 وغيرها) وقال ابن تيمية: (وإذا كان الحديث في بعض كتب التفسير التي ينقل فيها الصحيح والضعيف مثل تفسير الثعلبي، والواحدي، والبغوي، بل وابن جرير، وابن أبي حاتم لم يكن مجرد رواية واحد من هؤلاء دليلاً على صحته باتفاق أهل العلم)«منهاج السنة» : (جـ4/ص 80)، وقال: =

ص: 81

والسّفيانيْن والحمّادين وابن المبارك ويحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع وابن علية والشافعي وعبد الرزاق والفريابي وأبي نعيم والقعنبي والحميدي وأبي عبيد وابن المديني وأحمد وإسحاق وابن معين وأبي بكر بن أبي شيبة والذهلي والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم وأبي

= (وما يرويه أبو نعيم في الحلية أو في فضائل الخلفاء والنقاش والثعلبي والواحدي ونحوهم في التفسير قد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن فيما يروونه كثيراً من الكذب الموضوع)«المصدر السابق» : (4/10) . وقال عن ابن المغازلي الواسطي: (..قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعة ما لا يخفى أنه كذب على من له أدنى معرفة بالحديث) : (3/4، 5)، وقال:(كتاب الفردوس للديلمي فيه موضوعات كثيرة..) : (4/ 38)، وقال عن رزين بن معاوية وكتابه «التجريد للصحاح الستة» :(ورزين قد ذكر في كتابه أشياء ليست في الصحاح) : (4/43) وقال - عن زيادات القطيعي على مسند أحمد -: (زيادات القطيعي التي فيها من الكذب الموضوع ما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع) : (4/75) .

وقال: (وأما رواية ابن خالويه فلا تدل على أن هذا الحديث صحيح باتفاق أهل العلم، وكذلك رواية أخطب خوارزم، فإن في روايته من الأكاذيب المختلفة ما هو أقبح من الموضوعات باتفاق أهل العلم) : (4/106) .

وقال: (النسائي في خصائص علي ذر فيها عدة أحاديث ضعيفة.. والترمذي في جامعه روى أحاديث كثيرة في فضائل علي كثير منها ضعيف.. وأصحاب السير كابن إسحاق وغيره يذكرون من فضائله أشياء ضعيفة) : (4/48) .

وقال: (ومن الناس من يكون قصده رواية كل ما روى في الباب من غير تمييز بين صحيح وضعيف كما فعله أبو نعيم في فضائل الخلفاء، وكذلك غيره ممن صنف في الفضائل، ومثل ما جمعه أبو الفتح بن أبي الفوارس وأبو علي الأهوازي وغيرهما في فضائل معاوية، ومثل ما جمعه النسائي في فضائل علي وكذلك ما جمعه أبو القاسم بن عساكر في فضائل علي وغيره..) : (4/84) .

ص: 82

داود ومسلم وموسى بن هارون والنسائي وابن خزيمة وأبي أحمد بن عدي وابن حبّان والدارقطني وأمثالهم من أهل العلم بالنقل والرجال والجرح والتعديل) (1) .

من هنا نقول أنه لا يمكن الاعتماد على نقل الروافض من كتب أهل السنّة ما لم يكن هذا النقل صحيح النسبة للمنقول منه وموثق من رجاله المختصين به.

(1)«المنتقى» : ص 427.

ص: 83