الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمجال لا يتسع لدراسة هذه المجاميع دراسة وصفية نقدية تكشف ما فيها.. فهذا بحث مستقل بذاته.
أسانيد الشيعة في كتبهم:
يزعم الشيعة أنهم يروون أحاديثهم عن آل البيت، لكن بأي سند؟ تجيب كتب الشيعة بالاعتراف بانقطاع أسانيدها فتقول:
(إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم تُرو عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا. قال أحد أئمتهم: حدثوا بها فإنها حق)(1) .
قال الشيخ موسى جار الله في تعليقه على هذا النص: (نرى أن التقية جعلت وسيلة إلى وضع الكتب)(2) .
وقد اعترف بعض علمائهم بأن هناك كتباً كثيرة عندهم هي موضوعة، حيث قال ـ وهو يتحدث عن كتاب "سليم بن قيس" ـ:(والحق أن هذا الكتاب موضوع لغرض صحيح نظير كتاب الحسنية، وطرائف ابن طاووس والرحلة المدرسية للبلاغي وأمثاله)(3) .
أما رواتهم ومصنفو كتبهم فيعترف شيخهم الطوسي بفساد أكثرهم حيث يقول: (إن كثيراً من مصنفي أصحابنا ينتحلون المذاهب الفاسدة - ومع هذا يقول - إن كتبهم معتمدة)(4) ، وقد
(1) الكليني: «الكافي» كتاب فضل العلم، باب رواية الكتب والحديث:(1/53) .
(2)
«الوشيعة» : ص 47.
(3)
أبو الحسن الشعراني في تعليقه على «الكافي» مع شرحه للمازندراني: (جـ2/ص 373- 374) .
(4)
«الفهرست» : ص 24، 25، وانظر:«مختصر التحفة» : ص 69.
عملت الطائفة "الإمامية" بأخبار الفطحية (1) مثل عبد الله بن بكير وغيره وأخبار الواقفية (2) مثل سماعة بن مهران.. وغيره. والواقفية والفطحية في عداد الكفار عند الإمامية الإثني عشرية ولكنهم يعملون برواياتهم!! فمع التشيع لا يضر انتحال أي نحلة.
ولم يكن للشيعة أي عناية بدراسة الإسناد والتمييز بين صحيح الحديث وضعيفه، وقد أكد شيخ الإسلام ابن تيمية في «منهاج السنّة» في الرد على ابن المطهر على هذا المعنى وفضح الشيعة في هذا الباب (3) .
ثم بدأ الشيعة في عصر ابن المطهر يحاولون وضع مقاييس لنقد الحديث عندهم وتقسيمه إلى صحيح وغيره.
وفي ظني أن من أسباب هذا الاتجاه هو النقد الموجه لهم من ابن تيمية وغيره في هذا، ومما يشعر بهذا هو التوافق الزمني بين رد ابن تيمية ووضعهم لهذا الاصطلاح، وهذه مسألة مهمة لم أر من نبه عليها.
فالشيعة يعترفون بـ (أن هذا الاصطلاح - وهو تقسيم الحديث عندهم إلى صحيح وموثق وضعيف - مستحدث في زمن
(1) الحر العاملي: «الوسائل» : (20/80) .
الفطحية: فرقة من فرق الشيعة قالت بأن الإمام بعد جعفر بن محمد هو ابنه عبد الله، وسموا بالفطحية لأن عبد الله كان أفطح الرأس وقيل نسبة إلى رئيس لهم يقال له عبد الله بن فطيح. القمي:«المقالات والفرق» : ص 87.
(2)
هم الذين وقفوا على موسى بن جعفر وقالوا أنه حي ينتظر، وربما يطلق الواقفي على من وقف على غير موسى بن جعفر كمن وقف على علي أو الصادق أو الحسن العسكري. القمي:«المقالات والفرق» : ص 93.
(3)
انظر مثلاً: «منهاج السنّة» : (4/110) .
العلامة) (1) والعلامة إذا أطلق في كتب الشيعة يقصد به ابن المطهر الحلي (2) الذي رد عليه ابن تيمية، بل إن ابن المطهر الحلي هذا هو - كما يقول صاحب الوافي -:(أول من اصطلح على ذلك وسلك هذا المسلك)(3) .
إذن ألا يدل هذا على أن لابن تيمية و «منهاج السنّة» أثراً في ذلك، وقد اعترف "الحر العاملي" بأن سبب وضع الشيعة لهذا الاصطلاح واتجاههم للعناية بذكر الإسناد هو نقد أهل السنّة، فقال:(والفائدة في ذكره - أي السند - دفع تعيير العامة - يعني أهل السنّة - الشيعة بأن أحاديثهم غير معنعنة بل منقولة من أصول قدمائهم)(4) .
وهذا النص يفيد - أيضاً - أن الإسناد عندهم غير موجود إلا بعد مواجهتهم للنقد من قبل أهل السنّة.
كما يكشف الحر العاملي أن دراسة الإسناد عند الشيعة هي محاولة لتقليد أهل السنّة فيقول: (والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد
(1)«الوسائل» : (20/102)، وانظر: محسن الكاشاني: «الوافي» ، المقدمة الثانية.
(2)
الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي: (648 - 726) يعرف عند الشيعة بالعلامة، وهو من تلامذة نصير الكفر ووزير الملاحدة النصير الطوسي. وهو الذي رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه «منهاج السنة» .
وبالغ الشيعة في الثناء عليه - كعادتهم - حتى قال بعضهم: (لم تكتحل حدقة الزمان له بمثيل ولا نظير..) !! وهذا تفضيل له على الرسل والأئمة!! له مصنفات منها: «قواعد الأحكام» ، و «كشف المراد في تجريد الاعتقاد» وغيرهما. انظر:«لؤلؤة البحرين» : (ص 210- 227) .
(3)
«الوافي» ، المقدمة الثانية:(1/11) .
(4)
«وسائل الشيعة» : (20/100) .
العامة واصطلاحهم، بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع) (1) .
وهذا يفيد تأخر دراسة الشيعة واهتمامها بهذه القضية إلى حوالي القرن السابع. وإن كانت كتابة تراجم الرجال بدأت عندهم مع "الكشي" في القرن الرابع لكن كما يقول عالمهم "الحر العالمي": (وأما البحث عن أحوال الرجال فلا يدل على الاصطلاح الجديد)(2) ، وقد يوهم كلام صاحب «مختصر التحفة الإثني عشرية" أن البحث في أحوال الرجال عندهم هو بداية الاصطلاح الجديد، وذلك حين قال:(ثم اعلم أن أكثر علماء الشيعة كانوا يعملون سابقاً بروايات أصحابهم بدون تحقيق وتفتيش، ولم يكن فيهم من يميز رجال الإسناد ولا من ألف كتاباً في الجرح والتعديل حتى صنف الكشي سنة أربعمائة تقريباً كتاباً في أسماء الرجال)(3) .
ولكن هذه التراجم لا تدل على بداية تقسيم الحديث عندهم إلى صحيح وغيره كما شهد بذلك صاحب «الوافي» ، وصاحب «الوسائل» - كما مر -.
ثم إن الدافع لهذه الدراسة الحديثية - عندهم - ليس هو الوصول إلى صحة الحديث بقدر ما هو توقي نقد المذهب من قبل الخصوم، والدفاع عنه. كما يفيده كلام الحر العاملي.
ويقول شيخ الشيعة.. الفيض الكاشاني.. صاحب الوافي عن علم الجرح والتعديل عندهم: (في الجرح والتعديل وشرائطهما
(1) المصدر السابق: نفس الموضع.
(2)
الحر العاملي: «وسائل الشيعة» : (جـ20/ ص 112) .
(3)
«مختصر التحفة الإثني عشرية» : ص 49.
اختلافات وتناقضات واشتباهات لا تكاد ترتفع بما تطمئن إليه النفوس، كما لا يخفى على الخبير بها) (1) .
ومن يقرأ تراجم رجالهم يجد صورة واضحة لهذا التناقض؛ فلا يوجد راوٍ من رواتهم ـ غالباً ـ في الحديث إلا وفيه قولان: قول يوثقه وقول يضعفه، فضلاً عن أنه يلعنه ويخرجه من الإسلام. فمثلاً محدثهم الشهير "زرارة بن أعين" صاحب أئمتهم الثلاثة - كما يزعمون - "الباقر"، و"الصادق"، و"الكاظم"(2) تجده في تراجمهم يمدح تارة ويذم أُخرى، يجعل من أهل الجنة مرة، ومن أهل النار مرة أُخرى، فيروي الكشي أن أبا عبد الله قال:(يا زرارة إن اسمك في أسامي أهل الجنة)(3) وقال: (رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة لاندست أحاديث أبي)(4) .
ويروي الكشي نفسه عن أبي عبد الله أيضاً أنه قال في هذا "الزرارة": (لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، ثلاث مرات)(5) وقال: (.. هذا زرارة بن أعين هذا من الذين وصفهم الله (في كتابه فقال: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه
(1)«الوافي» ، المقدمة الثانية:(1/11- 12) .
(2)
«زرارة بن أعين بن سنسن. قال الحر العاملي: (شيخ من أصحابنا. في زمانه كان قارئاً فقيهاً ثقة قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين) «وسائل الشيعة» : (20/196) . تنسب له فرقة من الشيعة تسمى الزرارية «مختصر التحفة» : ص 15. كان حفيد لقسيس نصراني اسمه سنسن. محب الدين الخطيب: «هامش مختصر التحفة» : ص 63. توفي سنة 150هـ. «معجم المؤلفين» : (4/181) .
(3)
«رجال الكشي» : ص 133.
(4)
المصدر السابق: ص 136.
(5)
«رجال الكشي» : (ص 149- 150) .
هباءاً منثوراً (( (1) وقال: (.. زرارة شر من اليهود والنصارى ومن قال إن مع الله ثالث ثلاثة - كذا-)(2) .
وهذا "التناقض" هو "دأبهم" في تراجم رواتهم (3) ، كما هو واقع في رواياتهم وأحاديثهم، ولا يجدون مخرجاً لهم من هذا إلا القول بأن أحدها تقية، ثم هم لا يملكون قرينة معقولة على تحديد القول الذي هو تقية والقول الذي ليس بتقية!!
وفي كتاب «مرآة العقول» للمجلسي بيان للصحيح من أحاديث الكافي وخلافه في ضوء الاصطلاح الجديد، وإذا تأملت الأحاديث التي يصححها المجلسي وجدتها في الغالب تطعن في كتاب الله ودينه وتصادم الإسلام والقرآن (4) .
ويكفي في الحكم على أحاديثهم النظر في متونها، (وكل متن يباين المعقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع)(5) .
(ج) عقيدتهم في «الإجماع» :
الإجماع ليس حجة عند الشيعة بدون وجود المعصوم، فمدار حجية الإجماع على قول المعصوم وليس على نفس الإجماع،
(1) المصدر السابق: ص 151.
(2)
المصدر السابق: ص 160.
(3)
كجابر الجعفي، ومحمد بن مسلم، وأبي بصير وحمران بن أعين وغيرهم.
(4)
وسنرى أمثلة لذلك في مواضعها المتفرقة من هذا البحث، وانظر علي السالوس وتجربته في محاولة التمييز بين الصحيح وغيره في أحاديث الشيعة عن طريق كتب رجالهم وانتهاؤه إلى صحة أحاديث - بمقياسهم - تطعن في الإسلام والقرآن. «فقه الشيعة» :(ص 63- 64) .
(5)
ابن الجوزي: «الموضوعات» : (1/106) .
فهم لم يقولوا بالإجماع وإنما قالوا بحجية قول المعصوم، ودعواهم الاحتجاج بالإجماع تسمية لا مسمى لها.
يقول ابن المطهر الحلي: (الإجماع إنما هو حجة عندنا لاشتماله على قول المعصوم، فكل جماعة كثرت أو قلّت كان قول الإمام في جملة أقوالها فإجماعها حجة لأجله لا لأجل الإجماع)(1) .
وما أدري ما قيمة الإجماع إذن ما داموا يعتبرون الإمام معصوماً، فقوله وحده كاف.
وتؤكد "نصوص الشيعة" على ضرورة مخالفة إجماع أهل السنّة، وإن خلافهم فيه الرشاد. ففي الكافي سؤال لأحد أئمتهم يقول: (إذا وجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة - يعني أهل السنّة - والآخر مخالفاً لهم بأي الخبرين يؤخذ؟
فأجاب إمامهم: ما خالف العامة ففيه الرشاد.
قال السائل: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعاً؟
قال - إمامهم -: ينظر إلى ما هم إليه أميل - يعني أهل السنّة - بأحكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر.
قال السائل: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعاً؟
قال: إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات) (2) .
(1)«تهذيب الوصول» : ص 70، وانظر:«أوائل المقالات» : ص 153، وانظر: حسين معتوق: «المرجعية الدينية العليا» : ص 16.
(2)
«الكافي» للكليني، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث:(1/68) . وراجع في هذا الباب «وسائل الشيعة» : (جـ 18/ص 75) ، باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة.
والذي دعا الشيعة لرد "الإجماع" هو ردهم لإجماع الصدر الأول على خلافة الخلفاء الثلاثة.
ويظهر الفارق جليّاً بين مذهب أهل السنّة في القول بحجية الإجماع، وبين مذهب الشيعة في ذلك، في أنه لو فرضنا - مثلاً - أن إمامهم محمد بن علي "الجواد" الذي قالوا بإمامته وهو ابن سبع سنوات (1) أو إمامهم المنتظر الذي قال التاريخ إنه لا وجود له - لو فرضنا - أنه قال برأي أو نسب له رأي وخالفته الأمة الإسلامية جميعاً؛ فإن الحجة في رأيه لا في إجماع الأمة. وهذا مذهب في غاية البطلان لا يحتاج لمناقشة!!
(1) سعد القمي: «المقالات» : ص 95.