الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين، وقد أشار شيخهم «المجلسي» - كما مر - إلى أنهم يجب أن يسلكوا هذا المسلك، إذ يترتب - في رأيه - على إنكار أخبار التحريف التي تواترت من طرقهم بالكذب والافتراء؛ يترتب على ذلك رفع الثقة والاعتماد عن سائر أخبارهم.. وهذا حق، فإن تواتر هذا الكذب في كتبهم من أكبر الأدلة على وضعها، وفشّو الكذب فيها.
4- بداية هذا (الافتراء عند الشيعة) :
اعترفت كتب الشيعة أن ابن سبأ أول من أحدث القول بـ "الإمامة"(النص على إمامة علي) والقول بالرجعة، وغيرها - كما مر - ولكنها لم تشر إلى أنه قد صدر منه قول بأن الصحابة حرفوا القرآن. فمن هو ابن سبأ الآخر الذي وضع هذه الفرية؟، متى بدأ القول بهذا الافتراء بين الشيعة؟
لم أر من تعرض لهذا، والإجابة المحددة الجازمة ليست ميسرة، لكن نستطيع أن نقول إن بداية هذه الفرية مرتبطة ببدء احتجاج الشيعة على عقائدهم من الكتاب والسنّة. فالشيعة يرون - كما سيأتي - أن الإمامة من أصول الدين كالصلاة والزكاة أو أهم، ومن أنكر الإمامة كمن أنكر النبوة أو أشد.. ومع ذلك لا ذكر لإمامتهم وأئمتهم في كتاب الله وكذا سائر عقائدهم في الصحابة والرجعة والبداء، فلم يكن لهم بُدّ إذا أرادوا أن يقيموا مذهبهم إلا القول بهذه الفرية.
ولهذا رأينا أن هذه الفرية قد سجلت في أول كتاب ظهر للشيعة (1) - حسب تقديرهم لأسبقية كتبهم - وهو "كتاب
(1) ابن النديم: «الفهرست» : (ص 307- 308)، وفي «روضات الجنات» :(4/67) زعم: أنه (أول ما صنف ودون في الإسلام) .
سليم بن قيس" والذي يروون عن أبي عبد الله أنه قال فيه: (من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم بن قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شيء ولا يعلم من أسبابنا شيئاً، وهو أبجد الشيعة وهو سر من أسرار آل محمد صلى الله عليه وآله)(1)، وقال المجلسي:(وهو أصل من أصول الشيعة وأقدم كتاب صنف في الإسلام)(2) ، ثم أورد المجلسي أربع روايات لهم تفيد أن علي بن الحسين - برأه الله مما يفترون - قُرأ عليه الكتاب وقال صدق سليم (3) .
(والكليني يعتمد عليه، وأخرج له في عدة أبواب كباب ما جاء في الإثني عشر، وباب دعائم الكفر وغيرها) وكذا الشيخ الصدوق وغيرهما (4) . وهو أيضاً موضع ثناء المعاصرين (5) . وهذا الكتاب الذي خلعوا عليه هذا الثناء والتوثيق لم يصلهم إلا عن طريق رجل واحد فقط، يقول ابن النديم:(كتاب سليم بن قيس رواه عنه أبان بن أبي عياش لم يروه غيره)(6) .
والكتاب طرقه مضطربة ولكنهم يقولون: (ما يترائى من
(1) أغابزرك الطهراني: «الذريعة» : (2/152)، وانظر: هامش «وسائل الشيعة» : (20/42) رقم 40.
(2)
المجلسي: «البحار» : (1/158) .
(3)
المجلسي: «البحار» : (1/156- 158) .
(4)
الخوانساري: «روضات الجنات» : (4/68)، وانظر: أغابزرك الطهراني: «الذريعة» : (2/154) .
(5)
حسن الصدر: «الشيعة وفنون الإسلام» : ص 29، وانظر: أغابزرك الطهراني: «الذريعة» : (2/152) وما بعدها.
(6)
ابن النديم: «الفهرست» : (ص 307- 308)، وانظر: تعليق محمد صادق بحر العلوم على «رجال الطوسي» : هامش ص 74، وانظر: الخوانساري: «روضات الجنات» : (4/67) .
الاضطراب في الطريق غير قادح وهو واقع في أكثر طرق كتب أصحابنا) (1) . و"سليم بن قيس" الذي ينسبون إليه الكتاب لم أجد له ذكراً في المراجع التي رجعت إليها (2) إلا في المراجع الشيعية، مع أنهم يزعمون أنه مصنِّف أول كتاب في الإسلام، وأنه أدرك علياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين والباقر وتوفي أيام علي بن الحسين مستتراً عن الحجاج أيام ولايته (ت 90هـ)(3) ، وهذا لو كان حقاً لكان هذا الرجل شيئاً مذكوراً ولكننا لم نجد له ذكراً.
أما أبان بن أبي عياش الذي روى عنه الكتاب فهو عند محدثي السنة (متروك)(4) .
وأما نصوص الكتاب فهي تضعه في المقام الأول من كتب الباطنيين التي تحارب الإسلام والمسلمين، فهي تطعن في كتاب الله وتزعم أن عليّاً ألف القرآن كما أُنزل وأنَّ أبا بكر وعمر رداه وقالا: لا حاجة لنا فيه، وأنهما حرفا القرآن (5) .
(1) الخوانساري: «روضت الجنات» : (4/68) .
(2)
لم أجد في «تاريخ الطبري» كما يظهر ذلك من خلال فهرس الأعلام الذي وضعه أبو الفضل إبراهيم، وكذلك تاريخ ابن الأثير كما يبدو من فهارسه التي وضعها إحسان عباس، وليس له ذكر في «شذرات الذهب» لابن العماد الحنبلي، و «البداية والنهاية» لابن كثير، ولا في كتاب «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم، و «طبقات ابن سعد» ، ولا في «تهذيب التهذيب» ، ولا في «المغني» للذهبي، أو «التاريخ الكبير والصغير» للبخاري ولا في «تهذيب الكمال» للمزي (مخطوط)
…
إلخ.
(3)
أبو جعفر البرقي: «الرجال» : ص 3- 4، الطوسي:«الفهرست» : ص 107.
(4)
«المغني في الضعفاء» : ص 7، «ديوان الضعفاء والمتروكين» : ص 7، «تقريب التهذيب» :(1/31) .
(5)
انظر: «كتاب سليم بن قيس» : ص 66، وذكر صاحب «فصل الخطاب» بعض النصوص التي تطعن في كتاب الله عن كتاب سليم هذا. انظر:«فصل الخطاب» (ص 117- 118)(مخطوط) .
وتصف عليّاً بأوصاف الإله (يا أول، يا آخر، يا ظاهر، يا باطن، يا من هو بكل شيء عليم) وتقول إن هذا الوصف صدر من الشمس لعلي وإنه سمعه أبو بكر وعمر والمهاجرون والأنصار (فصعقوا ثم أفاقوا بعد ساعات)(1) إلى أمثال هذه النصوص الباطنية.
وكل أمارات الكذب في سنده ومتنه لم تحد من مبالغات الشيعة في مدح الكتاب وتوثيقه، ولكن بعض علماء الشيعة رابهم شيء في الكتاب فرأوا من الواجب كشف حقيقته قبل أن يقوض أساس التشيع نفسه، ولا يظن القارئ أن هذا الأمر الذي رابهم هو الطعن في القرآن أوتأليه علي أو غير ذلك من المطاعن في الإسلام نفسه، إنما الأمر الذي أُشكل عليهم في الكتاب هو أنه جعل الأئمة ثلاثة عشر وأنه تضمن نصّاً يكشف وضعه لمخالفته لحقائق التاريخ؛ وهو النص القائل أن محمد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت لأنه غصب الإمامة من علي، مع أن محمد بن أبي بكر ولد في سنة حجة الوداع فكيف يعظ أباه وعمره ثلاث سنوات (2) .
فاختلف علماء الشيعة فمن قائل: (والوجه عندي الحكم بتعديل المشار إليه، والتوقف في الفاسد من كتابه)(3) ومن قائل: إن الكتاب موضوع (4) وضعه أبان بن أبي عياش (5) ، ومنهم من قام بتعديل
(1)«كتاب سليم بن قيس» : (ص 31- 32) .
(2)
الخوانساري: «روضات الجنات» : (4/67)، وانظر: ابن داود «الرجال» : (ص 413- 414) . ولم أجد هذا النص في كتاب سليم - المطبوع، وهذا دليل أنهم يغيرون في كتبهم..!!
(3)
ابن داود: «الرجال» : ص 83.
(4)
ابن داود: «الرجال» : (ص 413- 414)، وانظر: الخوانساري: «روضات الجنات» : (4/67) .
(5)
ابن داود: «الرجال» : (ص 413- 414) ، وأبان بن أبي عياش ضعيف عندهم. «المصدر السابق» .
الكتاب ليتلاءم والمنطق الشيعي، وأشار الخوانساري إلى التغير في الكتاب فقال:(إن ما وصل إلينا من نسخ الكتاب هو أن عبد الله بن عمرو وعظ أباه عند الموت)(1) .
وحكم بعض المعاصرين من شيوخهم أنه موضوع في آخر الدولة الأُموية لغرض صحيح (2) - كذا -.
هذه الوقفة عند كتاب سليم بن قيس أرى أنها ضرورية لمحاولة اكتشاف الأيدي السبئية، فالآراء التي نقلت منسوبة لابن سبأ في كتب الشيعة لم تذكر أن من آراء ابن سبأ فرية القول بأن الصحابة حرفوا القرآن، لم يتجرأ ابن سبأ على إشاعة هذه الفرية ـ وإن كانت بعض "الوثائق" من كتب السنّة حملت إلينا أن من آرائه زعمه بأن (القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي)(3) ـ لكنه لم يقل أن الصحابة حرفوا القرآن، لأنها وسيلة سريعة لانكشافه، فعدل عنها إلى القول بأن هذا القرآن جزء من تسعة أجزاء، وكذلك ورد في رسالة الحسن بن محمد بن الحنفية (4) (ت 95هـ) قوله: (ومن خصومة هذه السبئية التي أدركنا يقولوا - كذا -: هدينا لوحي ضل عنه الناس وعلم خفي، ويزعمون أن نبي الله كتم تسعة أعشار القرآن، ولو كان
(1)«روضات الجنات» : (4/69) .
(2)
أبو الحسن الشعراني في تعليقه على «الكافي» مع شرحه للمازندراني: (2/373، 374) .
(3)
الجوزجاني: «الضعفاء» : الورقة 3 (مخطوط) .
(4)
الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي (أبو محمد المدني) ، وأبوه يعرف بابن الحنفية، له رسالة في الإرجاء، (وهي التي نقلنا منها النص المذكور) قال ابن حجر:(إني وقفت على كتاب الحسن بن محمد، أخرجه ابن أبي عمر العدني في كتاب الإيمان ت 95هـ)«تهذيب التهذيب» : (2/320) .