الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرافضة
وهم الذين يُسمَّوْن بالجعفرية، وبـ «الإمامية الإثني عشرية» ، كما يسمون بالرافضة. ويرى بعض الباحثين أن مصطلح "الشيعة" إذا أُطلق فلا ينصرف إلا إليهم، وغيرهم إما إسماعيلية أو زيدية.
وأقول بهذا الرأي لأن مصادر الشيعة الإثني عشرية في التلقي قد استوعبت كثيراً من الآراء والأصول التي قالت بها الفرق الشيعية الأخرى، فأصبحت بذلك الوجه للشيعة. والعبرة بالمعتقد لا بالاسم، وسيأتي توضيح هذه المسألة (1) .
وهم يسمون بالإمامية؛ لأنهم قالوا بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان (2) ، فالإمامية علم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان، وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام، ثم حصر الإمامة في ولد الحسين بن علي، وساقها إلى الرضا علي بن موسى (3) . ويسمون بالاثني عشرية، لأنهم يقولون بأن الأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم اثنا عشر إماماً (4) وهم: علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والمهدي المنتظر (5) .
(1) في موضوع "النتيجة".
(2)
و (3)«أوائل المقالات» المفيد: ص 44.
(4)
المصدر السابق: ص 45.
(5)
«الشيعة في الميزان» محمد جواد مغنية: ص 34.
ويسمون بـ "الجعفرية" نسبة إلى جعفر الصادق - إمامهم السادس كما يقولون - وهو من باب التسمية للعام باسم الخاص. روى الكشي أن شيعة الصادق في الكوفة سموا بالجعفرية (1) .
وأما تسميتهم بـ «الرافضة» ، فقد ورد في (البحار) للمجلسي - وهو أحد مراجعهم الحديثية المتأخرة - أربعة أحاديث في مدح التسمية بـ "الرافضة"(2) ، وكأنهم أرادوا تطييب نفوس أتباعهم بتحسين هذا الاسم لهم. ولكن في هذه الأحاديث ما يفيد أن الناس بدأوا يسمونهم بالرافضة من باب الذم لا المدح. ولا تجيب هذه المصادر الشيعية عن سبب تسمية الناس لهم بهذا الاسم على سبيل الذم والسب لهم (3) ، ولكن كتب الفرق غير الشيعية تذكر أن ذلك
(1)«الرجال» : ص 65 طبعة بمببي 1317هـ.
(2)
وهذه الأحاديث المزعومة موجودة في باب سموه (باب فضل الرافضة ومدح التسمية بها) في كتابهم «البحار» ومنها: عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (: جعلت فداك، اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا، قال: وما هو؟ قال: الرافضة، فقال جعفر: (إن سبعين رجلاً من عسكر موسى عليه السلام، لم يكن في قوم موسى أشد اجتهاداً وأشد حباً لهارون منهم فسماهم قوم موسى الرافضة، فأوحى الله إلى موسى أن أثبتُّ لهم هذا الاسم في التوراة فإني نحلتهم، وذلك اسم قد نحلكموه الله)«البحار» المجلسي: (68/96- 97) .
(3)
هناك رواية شيعية تفيد أن اسم الرافضة أطلقته فرقة شيعية غالية على فرقة شيعية معتدلة، قال سعد القمي:(لما توفي أبو جعفر الباقر افترقت فرقته فرقتين: فرقة منها قالت بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن بن حسين بن علي بن أبي طالب.. وكان المغيرة بن سعيد قال بهذا القول لما توفي أبو جعفر محمد بن علي وأظهر المقالة بذلك، فتبرئت منه الشيعة ـ شيعة جعفر بن محمد ـ ورفضوه ولعنوه، فزعم أنهم رافضة وأنه هو الذي سماهم بهذا الاسم)«المقالات والفرق» : (ص 76- 77)، وقد قال أحد الشيعة المعاصرين عن هذه الرواية:(إنها ضعيفة لا تصمد للنقد لأن رفض الشيعة المعتدلين للمغيرة أمر طبعي لأنه من الغلاة، فلا موجب لحنق الشيعة من تسمية أطلقها عليهم أحد الغلاة، ولا موجب أيضاً لأن يستحل السلطان دماء الشيعة..) عبد الله فياض: «تاريخ الإمامية» : ص 75.
لأسباب تتعلق بموقفهم من خلافة الشيخين ورفضهم لها. يقول أبو الحسن الأشعري: وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر (1) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد نقله لرأي الأشعري هذا: (قلت: الصحيح أنهم سموا رافضة لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما خرج بالكوفة أيام هشام بن عبد الملك)(2) . وهذا الرأي لابن تيمية يعود لرأي الأشعري لأنهم ما رفضوا زيداً إلا لما أظهر مقالته في الشيخين ومذهبه في خلافتهما، فالقول بأنهم سموا رافضة لرفضهم زيداً أو لرفضهم مذهبه ومقالته مؤداه - في نظري - واحد.
ولكن شيخ الإسلام راعى في التصويب والتفريق المسألة التاريخية لظهور لقب الرافضة وارتباطه بتلك الحقبة.
وهذه الفرقة تسلك مسلك المعتزلة في عقائدها وتنفرد بعقائد وآراء في الإمامة، والصحابة، والقول بالرجعة، والغيبة وغيرها، وبمصادر خاصة بها تتلقى منها عقائدها ودينها - كما سيأتي -. وهذه الطائفة هي الفرقة الشيعية الكبرى في عالمنا اليوم ولها أتباعها وأنصارها في إيران ولهم في الدولة وفي العراق، والقطيف ولبنان والكويت وباكستان والهند (3) وليس في مصر ولا في شمال أفريقية شيعة (4) .
(1)«مقالات الإسلاميين» : (1/89) وانظر في سبب التسمية بالرافضة أيضاً: الشهرستاني «الملل والنحل» : (1/155)، «اعتقادات فرق المسلمين والمشركين» : ص 77، الإسفراييني:«التبصير في الدين» : ص 34، وهناك رأي يقول:(إنما سموا الروافض لكونهم رفضوا الدين) هامش «مقالات الإسلاميين» : (1/89) .
(2)
«منهاج السنّة» : (2/130) الطبعة الأميرية.
(3)
محمد جواد مغنية: «أهل البيت» : ص 101.
(4)
علي النشار: «نشأة الفكر الفلسفي» : (2/28) .
أما بالنسبة لعددهم فلم أجد إحصائية رسمية لهم، وهناك دعاوى من الشيعة مختلفة حول عددهم فمن قائل: إنهم يقربون من سبعين مليوناً (1) ومن قائل: إنهم مائة مليون (2) ومن زاعم: أنهم يقدرون بمائتي مليون (3) . والواقع أن الشيعة يحاولون المبالغة في أعدادهم كنوع من الدعاية لمذهبهم، كما يحاولون نسبة الشخصيات الإسلامية البارزة إليهم.
وهذه الطائفة هي التي نشطت في الدعوة إلى التقريب، وأنشأت بعض المراكز في ديار السنة لهذا الغرض، وأرسلت بعوثها ورسلها إلى ديار السنّة للمناداة بهذه "الفكرة".
وهذه هي الفرقة التي ادعى علماؤها أنه لا يفصلهم عن أهل السنّة كبير شيء، وإنما خلافهم معهم في مسائل الفروع. يقول محمد حسين آل كاشف الغطا (4) :(الشيعة ما هم إلا طائفة من طوائف المسلمين ومذهب من مذاهب الإسلام، يتفقون مع سائر المسلمين في الأصول وإن اختلفوا معهم في بعض الفروع)(5) وردد هذا الكلام بعض أهل السنّة (6) ، بناء على كلام الشيعة، وأصدر شلتوت فتواه
(1) محمد جواد مغنية: «أهل البيت» : ص 101.
(2)
محمد المهدي الشيرازي: «هكذا الشيعة» : ص 4، عبد الواحد الأنصاري:«أضواء على خطوط محب الدين الخطيب» : ص 13.
(3)
الخميني: «الحكومة الإسلامية» : ص 132.
(4)
محمد حسين كاشف الغطا، من كبار شيوخ الشيعة ومراجعهم المعاصرين، ولد بالنجف سنة 1294 هـ وتلقى علومه فيها، ومن تصانيفه:«أصل الشيعة وأصولها» ، «الدين والإسلام» وغيرها. توفي سنة 1373هـ. انظر:«معجم المؤلفين» : (9/250) ، ومقدمة كتاب «أصل الشيعة وأصولها» .
(5)
«رسالة الإسلام» ، السنة الأولى، العدد الأول:(ص 22- 23) .
(6)
انظر مثلاً: محمد الغزالي في عدة من كتبه: «ظلام من الغرب» : (ص 193- 195) ، =
بجواز التعبد بمذهبهم الجعفري (1) ، لأن الخلاف معهم إنما هو في بعض المسائل الكلامية كما يقول.
فهل هذه الدعوى حقيقية؟ إن الإجابة على ذلك هي في الدراسة التالية لمصادر القوم في التلقي وعقائدهم وآرائهم من واقع كتبهم الأصيلة والموثقة عندهم، لنتعرف على أسس الخلاف وأوجهه بينهم وبين أهل السنّة من كتبهم نفسها، وتخصيصنا لهذه الطائفة بالدراسة التفصيلية لا لأنها هي الفرقة التي نشطت في الدعوة للتقريب بينهم وبين أهل السنّة فحسب، ولا لأنها الطائفة الشيعية الكبرى فحسب، بل فضلاً عن ذلك فإن بحث أوجه الخلاف بين الشيعة والسنة، ودراسة فكرة التقريب على ضوء ذلك لا بد وأن يعتمد على دراسة لمصادر التلقي عند كل فريق، وإننا نجد طوائف الشيعة: إما طائفة قد تقنعت واستترت بباطنيتها كالإسماعيلية، والدروز، والنصيرية وغيرها من طوائف الباطنية، وهي وإن تكشَّف للأمة كفرها وإلحادها على مرور الزمن، لكنها لا تزال تعيش في سراديب الكتمان والتخفي، فتلك الفئة لا سبيل إلى معرفة مصادرها وكتبها فكيف يمكن أن ندرس فكرة التقارب معها؟.
وأما الزيدية المعتدلة فقد قال الإمام ابن حزم: (إنهم من أقرب فرق الشيعة لأهل السنة)(2) والاعتقادات الخطرة في المذهب الزيدي
= و «ليس من الإسلام» : (ص 76- 87)، أنور الجندي:«الإسلام وحركة التاريخ» : (ص 430- 431)، بل ذهب البعض من المنتمين لأهل السنّة إلى أبعد من ذلك ودعا إلى أن يأخذ أهل السنّة بما في كتاب «الكافي» للكليني وغيره من كتب الروافض. انظر: سالم البهنساوي: «السنة المفترى عليها» : (ص 58، 59) .
(1)
انظر: صورة الفتوى في «ملحق الوثائق» في هذا البحث.
(2)
انظر: ص 155 من هذا البحث.
إنما تعزى إلى الجارودية وهم يدخلون في "الروافض"، لأن العبرة بالمسمى لا بالاسم، والزيدية المعتدلة ترجع لمصادر الأمة في التلقي ويمكن أن يحل الخلاف على ضوئها - كما رأينا في مبحث الزيدية - فلم يبق أمامنا سوى الإثني عشرية "الرافضة"، وهي اليوم أصبحت معروفة بكتبها ومصادرها ويمكن التعرف عليها من خلال تلك المصادر.
وذهب جمع من العلماء إلى أن مصطلح الشيعة إذا أُطلق اليوم فلا ينصرف إلا إلى هذه الطائفة - كما سبق - أَمثال كاشف الغطا (1)، وشتروتمان (2) وأمير علي (3) وغيرهم. يقول أمير علي - مثلاً -:(أصبحت الإثني عشرية مرادفة للشيعة)(4) ولهذا يقول د. عرفان عبد الحميد: (إِن البحث في عقائد الشيعة من غير تحديد وحصر للمصطلح لا بد أن يعتمد على كتب الإثني عشرية الإمامية باعتبار أنها تمثل الغالبية من الشيعة)(5) . فلنبدأ دراستنا لهذه الطائفة وعقائدها من مراجعها الأصيلة (6) .
(1) آل كاشف الغطاء: «أصل الشيعة وأصولها» : ص 92 حيث قال: (يختص اسم الشيعة اليوم على إطلاقه بالإمامية) .
(2)
«دائرة المعارف الإسلامية» : (14/68) .
(3)
و (4) أمير علي «روح الإسلام» : (2/238) .
(5)
«مجلة كلية الدراسات الإسلامية» : العدد الأول 1387هـ ص 35.
(6)
وبناءً على ما سبق ذكره فإنني فيما يأتي من صفحات سأستخدم أحياناً "مصطلح الشيعة" بإطلاق كدلالة على طائفة الإثني عشرية.