الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشكل جداً) (1) . ثم قال: (ولا نعرف جهة اتصافهم بالنبوة إلا رعاية خاتم الأنبياء ولا يصل عقولنا فرق بين النبوة والإمامية)(2) .
ومنزلة الإمامة والإمام تجاوزت في كتبهم أحياناً منزلة النبوة والنبي إلى منزلة أُخرى تتبين من حديثهم عن فضائل الأئمة وصفاتهم وهو ما سنذكره فيما يلي:
(ب) فضائل الأئمة وصفاتهم:
حديث الشيعة عن فضائل أئمتهم وصفاتهم حديث كثير وخطير، وسنذكر فيما يلي أهم الأبواب في كل من الكافي والبحار التي حوت أحاديثهم عن فضائل الأئمة.
وهذه الأبواب خلاصة موجزة لأحاديثهم تبين حجم الغلو واتساعه، فهي ليست روايات شاذة في كتبهم بل هي أبواب تحمل عناوين أشبه ما يكون بقواعد وأصول أساسية في معتقدهم، وهي أمكن القارئ من أخذ فكرة متكاملة عن منزلة الأئمة عندهم بصورة سريعة حيث تم بعد العرض لهذه الأبواب الإتيان من كل باب بمثال لتتضح الحقيقة في ذهن القارئ وسأذكر عناوين الأبواب أولاً وعدد أحاديث كل باب ثم أمثلة لهذه الأبواب على الترتيب نفسه.
فلنستمع للعناوين ثم للأحاديث بعدها.
1-
باب (أنهم أعلم من الأنبياء عليهم السلام وفيه ثلاثة عشر حديثاً (3) .
2-
باب (تفضيلهم «ع» على الأنبياء وعلى جميع الخلق وأخذ
(1)، (2) «البحار» :(26/28) .
(2)
(3)
المجلسي: «البحار» : (26/ 194- 200) .
ميثاقهم عنهم وعن الملائكة وعن سائر الخلق، وأن أُولي العزم إنما صاروا أُولي العزم بحبهم صلوات الله عليهم) وفيه 88 حديثاً (1) .
3-
باب (أن دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل والاستشفاع بهم "ع") وفيه 16 حديثاً (2) .
4-
باب (أنهم يقدرون على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وجميع معجزات الأنبياء) وفيه 4 أحاديث (3) .
5-
باب (أنهم لا يحجب عنهم علم السماء والأرض والجنة والنار، وأنه عرض عليهم ملكوت السموات والأرض ويعلمون علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة) وفيه 22 حديثاً (4) ، وهذا الباب جاء في الكافي بعنوان باب (أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم) وفيه ستة أحاديث (5) .
6-
باب (أنهم يعرفون الناس بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق، وعندهم كتاب فيه أسماء أهل الجنة وأسماء شيعتهم وأعدائهم، وأنه لا يزيلهم خبر مخبر عما يعلمون من أحوالهم) وفيه أربعون حديثاً (6) . وفي الكافي باب (أن الأئمة لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وعليه) وفيه حديثان (7) .
(1) المصدر السابق: (26/ 267- 318) .
(2)
المصدر السابق: (26/ 319 - 332) .
(3)
المصدر السابق: (27/ 29 - 31) .
(4)
المصدر السابق: (26/ 109- 117) .
(5)
الكليني: «الكافي» : (1/260- 363) .
(6)
«البحار» : (26/117- 132) .
(7)
«الكافي» : (1/264 - 268) .
7-
باب (أن الأئمة إذا شاؤوا أن يعلموا علموا) وفيه ثلاثة أحاديث (1) .
8-
باب (أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم) وفيه خمسة أحاديث (2) .
9-
باب (أنه لا يحجب عنهم شيء من أحوال شيعتهم وما تحتاج إليه الأمة من جميع العلوم، وأنهم يعلمون ما يصيبهم من البلايا ويصبرون عليها ولو دعوا الله في دفعها لأجيبوا، وأنهم يعلمون ما في الضمائر وعلم المنايا والبلايا وفصل الخطاب والمواليد) وفيه ثلاثة وأربعون حديثاً (3) .
10-
باب (أن عندهم الاسم الأعظم وبه يظهر منهم الغرائب) وفيه عشرة أحاديث (4) ، وغيرها من أبواب (5) ، وإليك أمثلة لما سبق على الترتيب السالف.
(1) المصدر السابق: (1/258) .
(2)
المصدر السابق: (1/258- 260) .
(3)
«البحار» : (26/137- 153) .
(4)
«البحار» : (27/25- 28) .
(5)
مثل:
باب (أنهم يظهرون بعد موتهم ويظهر منهم الغرائب وتأتيهم أرواح الأنبياء "ع" وتظهر لهم الأموات من أوليائهم وأعدائهم) وفيه 13 حديثاً. «البحار» : (27/302- 308) .
باب (أنهم أمان لأهل الأرض من العذاب) وفيه 6 أحاديث. «البحار» : (27/308- 310) .
باب (أن الله تعالى يرفع للإمام عموداً ينظر فيه إلى أعمال العباد) وفيه 16 حديثاً. «البحار» : (2/1- 11) .
باب (أنهم عليهم السلام يعلمون جميع الألسن واللغات ويتكلمون بها) وفيه 7 أحاديث. «البحار» : (26/190- 193) .
باب (
…
أنهم يعلمون منطق الطيور والبهائم) وفيه 26 حديثاً. «البحار» : (27/261- 279) .
باب (أن الجن خدامهم ويظهرون لهم ويسألونهم عن معالم دينهم) وفيه 16 حديثاً. «البحار» : (17/13- 24) إلخ.
مثال للباب رقم -1-: وهو (أنهم أعلم من الأنبياء) :
عن عبد الله التمار قال: كنا مع أبي عبد الله "ع" في الحجر فقال: علينا عين؟ فالتفتنا يمنة ويسرة وقلنا: ليس علينا عين. فقال: ورب الكعبة - ثلاث مرات - أن لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما (1) .
مثال للباب رقم -2-: وهو (تفضيلهم على الأنبياء
…
) :
في البحار قال أبو عبد الله: (والله ما استوجب آدم أن يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه إلا بولاية علي "ع"، وما كلم الله موسى تكليماً إلا بولاية علي "ع"، ولا أقام الله عيسى ابن مريم آية للعالمين إلا بالخضوع لعلي، ثم قال: أجُمل الأمر؟: ما استأهل خلق من الله النظر إليه إلا بالعبودية لنا (2) وقال أمير المؤمنين: إن الله عرض ولايتي على أهل السموات وعلى أهل الأرض أقر بها من أقر وأنكرها من أنكر، وأنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها (3) وكذلك أيوب لما شك في ملك علي قال له الله: فوعزتي لأُذيقنك من عذابي أو تتوب إلي بالطاعة لأمير المؤمنين) (4) .
(1) المجلسي: «البحار» : (ص26- 196)، وانظر:«بصائر الدرجات» : ص 250، وانظر: الكليني: «الكافي» : (1/260- 261) .
(2)
المجلسي: «البحار» : (26/ 294)، وانظر: المفيد: «الاختصاص» : ص 250.
(3)
المجلسي: «البحار» : (26/ 282)، عن:«بصائر الدرجات» : (ص 25- 26) .
(4)
«البحار» : (26/ 293)، عن «كنز الفوائد» :(ص 264- 265) .
وعن سدير قال: سألت أبا عبد الله عن قول أمير المؤمنين «إن أمرنا صعب مستصعب لا يقر به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان» فقال: إن في الملائكة مقربين وغير مقربين ومن الأنبياء مرسلين وغير مرسلين ومن المؤمنين ممتحنين، وغير ممتحنين فعرض أمركم هذا على الملائكة فلم يقر به إلا المقربون، وعرض على الأنبياء فلم يقر به إلا المرسلون وعرض على المؤمنين فلم يقر به إلا الممتحنون، قال: ثم قال لي: مر في حديثك (1) .
مثال للباب رقم -3-: وهو (استشفاع الأنبياء بهم) :
عن علي بن الحسن عن فضال عن أبيه عن الرضا "ع" قال:
(لما أشرف نوح "ع" على الغرق دعا الله بحقنا فدفع الله عنه الغرق، ولما رمي إبراهيم في النار دعا الله بحقنا فجعل الله النار عليه برداً وسلاماً، وإن موسى لما ضرب طريقاً في البحر دعا الله بحقنا فجعله يبساً، وإن عيسى "ع" لما أراد اليهود قتله دعا الله بحقنا فنجي من القتل فرفعه إليه)(2) .
مثال للباب رقم -4-: وهو (أنهم يقدرون على إحياء الموتى) :
قال أبو عبد الله: إن أمير المؤمنين كانت له خؤولة في بني مخزوم وإن شاباً منهم أتاه فقال: يا خال، إن أخي وتِرْبي مات وقد حزنت عليه حزناً شديداً فقال له: تشتهي أن تراه؟ قال: نعم. قال: فأرني قبره.. فلما انتهى إلى القبر تكلم - أي علي - بشفتيه ثم ركضه
(1)«البحار» : (26/274)، انظر:«معاني الأخبار» : ص 115.
(2)
«البحار» : (26/325) .
برجله فخرج من قبره وهو يقول: "وميكا" بلسان الفرس فقال له علي "ع": ألم تمت وأنت رجل من العرب؟ فقال: بلى ولكنا متنا على سنّة فلان وفلان - أبو بكر وعمر - فانقلبت ألسنتنا) (1) .
مثال للباب رقم -5-: وهو (أنهم لا يحجب عنهم علم
…
) :
قال أبو عبد الله: (أني لأعلم ما في السموات وأعلم ما في الأرضين وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون)(2) .
مثال للباب رقم -6-: (أنهم يعرفون الناس بحقيقة الإيمان) :
قال أبو الحسن الرضا: (إنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق)(3) .
مثال للباب رقم -7-: (أن الأئمة إذا شاؤوا أن يعلموا علموا) :
عن أبي عبد الله قال: (إن الإمام إذا شاء أن يعلم علم)(4) .
مثال للباب رقم -8-: (أن الأئمة يعلمون متى يموتون) :
ويروي الكليني عن الحسن بن الجهم قال: (قلت للرضا "ع"
(1) المجلسي: «البحار» : (27/30- 31)، عن «مناقب آل أبي طالب» :(2/164) .
(2)
المجلسي: «البحار» : (26/111)، عن «بصائر الدرجات» : ص 35، وانظر: الكليني: «الكافي» : (1/261) .
(3)
المجلسي: «البحار» : (26/118، 127)، وانظر:«عيون الأخبار» : ص 343، «الاختصاص» : ص 278.
(4)
الكليني: «الكافي» : (1/ 258) .
أن أمير المؤمنين "ع" قد عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها، والموضع الذي يقتل فيه، وقوله: لما سمع صياح الأوز (1) في الدار: صوائح تتبعها نوائح، وقول أُم كلثوم: لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي بالناس فأبى عليها وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح، وقد عرف (أن ابن ملجم لعنه الله قاتله بالسيف..) (2) وعن أبي الحسن موسى "ع" "الكاظم" قال:(إن الله (غضب على الشيعة فخيرني نفسي أو هم فوقيتهم والله بنفسي (3) - أي منطق النصارى نفسه بأن عيسى صلب لتخليصهم من ذنوبهم) .
مثال للباب رقم -9-: (أنهم لا يحجب عنهم شيء) :
في البحار: (أن عليّاً قال على منبر الكوفة: والله إني لديان الناس يوم الدين، قسيم الله بين الجنة والنار لا يدخلها داخل إلا على أحد قسّمي، وأنا الفارق الأكبر، وقرن من حديد وباب الإيمان وصاحب الميسم وصاحب السنين، وأنا صاحب النشر الأول والنشر الآخر وصاحب القضاء وصاحب الكرات ودولة الدول وأنا إمام لمن بعدي والمؤدي من كان قلبي، ما يتقدمني إلا أحمد صلى الله عليه وآله وسلم وإن جميع الملائكة والرسل والروح خلفنا، وإن رسول الله ليدعى فينطق، وأُدعى فأنطق على حد منطقه.
ولقد أُعطيت السبع التي لم يسبق إليها أحد قبلي: بصُرت سبل الكتاب، وفُتحت لي الأسباب، وعلمت الأنساب، ومجرى الحساب،
(1) الأوز: البط.
(2)
الكليني: «الكافي» : (1/259) .
(3)
وعلمت المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب، ونظرت في الملكوت فلم يعزب عني شيء غاب عني، ولم يفتني ما سبقني، ولم يشركني أحد فيما أشهدني يوم شهادة الأشهاد، وأنا الشاهد عليهم، وعلى يدي يتم موعد الله وتكمل كلمته، وبي يكمل الدين، وأنا النعمة التي أنعمها الله على خلقه، وأنا الإسلام الذي ارتضاه لنفسه، كل ذلك منٌّ من الله) (1) .
مثال للباب رقم -10-: (عندهم الاسم الأعظم
…
) :
عن جابر الجعفي عن أبي جعفر "ع" قال: (إن اسم الله الأعظم علي ثلاثة وسبعين حرفاً، وإنما عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس ثم تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون حرفاً، وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)(2) .
هذه أمثلة لما يصفون به أئمتهم وهي "دعاوى" في غاية الغرابة تخرج الأئمة من "منزلة الإمامة" إلى "منزلة النبوة" أحياناً، وأحياناً أخرى إلى "مرتبة الألوهية".
ووجود عشرات الروايات فضلاً عن مئاتها تصف الأئمة بهذه الأوصاف الخيالية هي عملية إفراغ فكري ونفسي لحقيقة الألوهية، وحقيقة النبوة من نفس "الشيعي" الذي يؤمن بهذه الروايات لتحل محلها حقيقة الأئمة.
(1)«البحار» : (26/153- 154) .
(2)
المجلسي: «البحار» : (27/25)، عن «بصائر الدرجات» : ص 53.
وإذا وجد من ينفي صفة النبوة والربوبية عن الأئمة، فإن هذا النفي أشبه ما يكون بصرخة في واد إزاء هذا "الزخم" وهذا "الركام" الهائل من الفضائل المزعومة.
وهذه الروايات هي في الحقيقة؛ الأرضية، والقاعدة، والمنطلق، للأفكار الباطنية المنتشرة اليوم والتي تؤلّه الأئمة وتلوذ بجحور التقية عند مواجهتها للملأ.
ولولا خشية الإطالة لوقفنا عند كل نص نحلله ونرسم أبعاده.
إن هذه "الدعاوى" التي امتلأت بها كتب القوم التي يعدونها مصادر أساسية في التلقي والتشريع؛ هي محادة لله ولرسوله. فماذا أبقوا لله عز وجل من خصائص الألوهية حين يوردون عشرات من رواياتهم تقول (أن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون وأنهم لا يخفى عليهم الشيء) ؟ أي أن الأئمة عندهم علم الله. وكيف يتجرأون على القول بأن الأئمة عندهم 72 حرفاً من الاسم الأعظم والله عنده حرف واحد، أهم أعلم أم الله؟!! سبحانك هذا بهتان عظيم.
وهذه "الدعاوى" باب للزندقة والإلحاد.. لم يقلها نبي مرسل، ولا ملك مقرب. هي محاربة لدين الله (، وكتابه.
وهذه المزاعم انتقلت بشكل عملي واضح إلى جانبين خطيرين:
أحدهما: أنها انتقلت من حديث نظري عن فضائل الأئمة إلى غلو في قبورهم وأضرحتهم، وانتشر الشرك في بلاد الشيعة بلا نكير.
وثانيها: ظاهرة غلوهم في مجتهديهم باعتبار أنهم نواب الإمام المعصوم، (وهذان الجانبان يشكلان مفهوم الإمامة بصورة واقعية فلنتحدث عنهما) .
ثالثاً: غلوهم في قبور أئمتهم واتخاذها مزارات ومشاهد:
إن للمسلمين كعبة واحدة يتوجهون إليها في صلاتهم ودعائهم ويحجون إليها، أما الشيعة فلهم مزارات ومشاهد وكعبات تنافس بيت الله (ويقام فيها الشرك ويهدم التوحيد.
وقد يقال: إن الشرك والمشاهد منتشرة في بلاد السنة؟
والجواب: أن هذا واقع. ولكن الفرق بين الشيعة وأهل السنة أن ما عند أهل السنة هو انحراف في واقعهم تنكره أصولهم، وما عند الشيعة هو ما يتفق مع أصولهم، بل هو ما تدعو إليه وتحث عليه أحاديثهم ورواياتهم، فهو معروف في أصول الشيعة منكر في أصول السنة.
ونتيجة هذا الفرق أن ما عند أهل السنة قابل للإصلاح وما عند الشيعة غير قابل حتى تغير أصولهم أولاً.
وهذه النتيجة ليست نظرية أو خيالية، بل ظهرت بشكل واقعي في تأثير دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العالم الإسلامي في محاربة الشرك واستعصاء الشيعة على هذا الإصلاح.
يقول العالم الإيراني - الشيعي الأصل - أحمد الكسروي (1) :
(ومما يرى "من" لجاج الشيعة أنه قد انقضى منذ ظهور الوهابيين أكثر من مائة وخمسين عاماً، وجرت في تلك المدة مباحثات ومجادلات كثيرة بينهم وبين الطوائف الأخرى من المسلمين، وانتشرت رسالات وطبعت كتب وظهر جلياً أن ليست
(1) ستأتي ترجمته في محاولات التقريب.
زيارة القبب والتوسل بالموتى ونذر النذور للقبور وأمثالها إلا الشرك، ولا فرق بين هذه وبين عبادة الأوثان التي كانت جارية بين المشركين من العرب فقام الإسلام يجادلها ويبغ - كذا - قلع جذورها، يبين ذلك آيات كثيرة من القرآن.
فأثرت الوهابية في سائر طوائف المسلمين غير الروافض أو الشيعة الإمامية، فإن هؤلاء لم يكترثوا بما كان ولم يعنوا بالكتب المنتشرة والدلائل المذكورة أدنى عناية ولم يكن نصيب الوهابيين منهم إلا اللعن والسب كالآخرين) (1) .
إن الشرك قد ألبس في كتب الحديث عند الشيعة ثوب الحق وهذا هو الخطر الأكبر، والداء الأعظم، وقد عقدت أمهات كتبهم "كتباً وأبواباً" في المزارات والمشاهدات، ضمنتها مئات من الروايات تجسد الشرك، وترسي قواعده.
ففي «البحار» للمجلسي "كتاب المزار" وقد استغرق ثلاثة مجلدات من «البحار» (2) ، وفي «وسائل الشيعة» ، للحر العاملي "أبواب المزار" وبلغت هذه الأبواب (106) أبواب (3)، وفي «الوافي» الجامع لأصولهم الأربعة:
"أبواب المزارات والمشاهد" وتضمنت (33) باباً (4) .
(1)«التشيع والشيعة» : ص 89، وقد رأيت في فهارس مكتبات الشيعة كمكتبة الكاظمية في بغداد كتباً كثيرة وضعت من قبل الشيعة لمحاربة دعوة التوحيد التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
(2)
هي المجلدات: 100، 101، 102.
(3)
انظرها في جـ10 ص 251 وما بعدها.
(4)
انظرها في المجلد الثاني جـ8 ص 193 وما بعدها.
وفي «فقيه من لا يحضره الفقه» وهو أحد أصولهم المعتبرة عدة أبواب حول المشاهد وتعظيمها، كباب "تربة الحسين وحريم قبره" و"أبواب في زيارة الأئمة وفضلها". وغيرها (1) .
وفي «تهذيب الأحكام» - أحد الأصول الأربعة المعتبرة - طائفة كثيرة من الأبواب تتعلق بتعظيم المشاهد والقبور، ومناجاة الأئمة بأدعية تتضمن تأليههم.. (2) .
وألف في الزيارات ومناسكها كتب مستقلة مثل «مناسك الزيارات للمفيد» (3) وغيره (4) .
والموضوع يستحق دراسة خاصة لخطورته وحسبنا في هذا المقام ذكر بعض "الأمثلة" لغلوهم في قبور أئمتهم.
لقد اعتبر الشيعة أماكن قبور أئمتهم المزعومة أو الحقيقة "حرماً" مقدساً: فالكوفة حرم، وكربلاء حرم، وقم حرم - عندهم - وغيرها. في «الوافي» (أن الكوفة حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم وحرم أمير المؤمنين، وأن الصلاة فيها بألف صلاة والدرهم بألف درهم)(5) . ويروون عن الصادق: (إن لله حرماً هو مكة ولرسوله حرماً وهو المدينة ولأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ولنا
(1) ابن بابويه القمي: «من لا يحضره الفقيه» : (2/338) وما بعدها.
(2)
الطوسي: «تهذيب الأحكام» : (6/3 - 116) .
(3)
ذكره الحر العاملي في «وسائل الشيعة» : (20/49) ، ونقل عنه.
(4)
مثل كتاب «المزار» لمحمد بن علي الفضل، و «المزار» لمحمد بن المشهدي و «المزار» لمحمد بن همام، و «المزار» لمحمد بن أحمد بن داود وغيرها. انظر:«وسائل الشيعة» : (20/48 - 49) .
(5)
«الوافي» ، باب فضل الكوفة ومساجدها. المجلد الثاني جـ8 ص 215.
حرماً وهو قم (1) ، ستدفن فيه امرأة من ولدي تسمى فاطمة من زارها وجبت له الجنة) (2) .
وكربلاء عندهم أفضل من الكعبة، ففي حديث لهم عن أبي عبد الله أنه قال:(..إن الله أوحى إلى الكعبة لولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا من تضمنه أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي به افتخرت، فقرِّي واستقري وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء وإلا سخت بك وهويت بك نار جهنم)(3) .
وزيارة قبور الأئمة والدعاء والصلاة عندها والتوسل والاستشفاع بهم ذلك عندهم أفضل من الحج إلى بيت الله.
في «الكافي» : أتى رجل أبا عبد الله فقال له: (إني قد حججت تسع عشرة حجة فادع الله أن يرزقني تمام العشرين، قال: هل زرت قبر الحسين «ع» ؟ قال: لا. قال: لزيارته خير من عشرين حجة)(4) .
وعن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (والله لو أني حدثتكم بفضل زيارته وبفضل قبره لتركتم الحج رأساً وما حج منكم أحد، ويحك أما علمت أن الله اتخذ كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن
(1) قم: بالضم والتشديد كلمة فارسية، وهي مدينة مقدسة عند الشيعة مشهورة في إيران وأهلها كلهم شيعة إمامية. انظر:«معجم البلدان» : (4/397) . ومن أسباب تقديسهم لقم وجود قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر إمامهم السابع فيها. انظر: عبد الرزاق الحسيني: «مشاهد العترة» : ص 162 وما بعدها.
(2)
«البحار» : جـ102 ص 267.
(3)
«البحار» : جـ101 ص 107.
(4)
«الوافي» : المجلد الثاني: جـ 8 ص 219.
يتخذ مكة حرماً. قال ابن أبي يعفور: فقلت له: قد فرض الله على الناس حج البيت ولم يذكر زيارة قبر الحسين "ع" فقال: إن كان كذلك فإن هذا شيء جعله الله هكذا) (1) .
وعن أبي عبد الله: (إن الله يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين بن علي "ع" عشية عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف، قال "الراوي": وكيف ذلك؟ قال أبو عبد الله - كما يزعمون -: لأن في أولئك أولاد زنا وليس في هؤلاء أولاد زنا)(2) .
وفي «الوافي» قال الصادق: (من عرَّف عند قبر الحسين فقد شهد عرفة)(3) .
وعن الصادق: (من زار قبر الحسين يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجة مع القائم "ع"، وألف ألف عمرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وعتق ألف ألف نسمة، وحمل ألف ألف فرس في سبيل
(1) المجلسي «البحار» : جـ 101 ص 33.
(2)
الفيض الكاشاني: «الوافي» : المجلد جـ8 ص 222.
مفهوم أولاد الزنا عند الشيعة: هم غير الشيعة من المسلمين. يدل على ذلك ما جاء في «الكافي» عن أبي جعفر قال: والله إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا. الكليني: الفروع من الكافي كتاب الروضة: ص 135 طبعة لكنوء 1886م، وانظر:«البحار» : (24/311) . وعن أبي ميثم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد قال: ما من مولود يولد إلا وإبليس من الأبالسة بحضرته، فإن علم الله أن المولود من شيعتنا حجبه من ذك الشيطان، وإن لم يكن المولود من شيعتنا أثبت الشيطان أصبعه في دبر الغلام فكان مأبوناً وفي فرج الجارية فكانت فاجرة. «تفسير العياشي» : جـ2 ص 218، وانظر:«الوافي» : (13: 17) عن «الوشيعة» : ص 40، وعقد المجلسي في «البحار» باباً لهذا الاعتقاد بعنوان (باب أنه يدعى الناس بأسماء أُمهاتهم إلا الشيعة) وذكر فيه 12 حديثاً. «البحار» : جـ7 ص 237.
(3)
الفيض الكاشاني: «الوافي» : المجلد الثاني جـ8 ص 222.
الله، وسماه الله عز وجل عبدي الصديق آمن بوعدي، وقالت الملائكة: فلان الصديق وزكاه الله من فوق عرشه..) (1) .
والصلاة عند القبور التي هي وسيلة للشرك بالله تعد عندهم من القربات المضاعفة في «الوافي» يقول حديث لهم: (الصلاة في حرم الحسين: لك بكل ركعة تركعها عنده كثواب من حج ألف حجة، واعتمر ألف عمرة وأعتق ألف رقبة، وكأنما وقف في سبيل الله ألف ألف مرة مع نبي مرسل)(2) .
وهذه دعوة إلى الشرك بالله لا شك في ذلك.
وليس هذا خاصاً بحرم الحسين بل كل أئمتهم كذلك؛ ففي «البحار» للمجلسي: (من زار الرضا (3) أو واحداً من الأئمة فصلى عنده.. فإنه يكتب له - ثم ذكر ما جاء في النص السابق وزاد - وله بكل خطوة مائة حجة ومائة عمرة وعتق مائة رقبة في سبيل الله وكتب له مائة حسنة وحط عنه مائة سيئة) (4) .
ويزور قبور أئمتهم الأنبياء والملائكة، ولم يكتفوا بذلك كعادتهم في الغلو والمبالغة بل قالوا - كبرت كلمة تخرج من أفواههم - إن الله تعالى يزور قبور أئمتهم. تعالى عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً. ففي «البحار» للمجلسي:(أن قبر أمير المؤمنين يزوره المؤمنون)(5) .
(1) المصدر السابق: ص 223.
(2)
المصر السابق: ص 234.
(3)
يعد مرقد إمامهم الرضا أهم الأماكن المقدسة في إيران ومن أضخم الأماكن المقدسة لدى الشيعة، ويقع الضريح تحت قبة ضخمة مكسوة بالذهب. عبد الله فياض:«مشاهداتي في إيران» : ص 102.
(4)
المجلسي: «البحار» : (100/137- 138) .
(5)
المجلسي: «البحار» : (100/258) .
وللزيارة عندهم مناسك معينة، وألفوا في ذلك مؤلفات كـ «مفاتيح الجنان» لشيخهم عباس القمي (1) و «مناسك الزيارات» للمفيد - كما مر (2) - وغيرها، ومن مناسك مشاهدهم يذكر المجلسي:
1-
الغسل قبل دخول المشهد.
2-
الوقوف على بابه والدعاء والاستئذان بالمأثور.
3-
الوقوف على الضريح، فقد نص على الاتكاء على الضريح وتقبيله.
4-
استقبال وجه المزور واستدبار القبلة حال الزيارة..
5-
صلاة ركعتين.
ورويت رخصة في صلاتها إلى القبر، ولو استدبر القبلة وصلى جاز، وإن كان غير مستحسن إلا مع البعد (3) ، أي مع البعد يستحسن أن يجعل قبر الإمام كعبة يتوجه المصلي إليها.
أليست هذه النصوص هي دعوة إلى الشرك بالله عز وجل وتغيير شرع الله ودينه؟، واختيار نحلة المشركين على ملة المرسلين، واستبدال الوثنية بالحنيفية؟..
وجاء في بعض نصوصهم المقدسة أن الحجر الأسود سينزع من مكانه ويوضع في حرمهم الكوفة، ففي «الوافي» أن علي بن أبي طالب قال لأهل الكوفة:(يا أهل الكوفة لقد حباكم الله (بما لم يحبُ أحداً من فضل، مصلاكم بين آدم وبيت نوح وبيت إدريس، ومصلى إبراهيم - إلى أن قال فيما زعموا - ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه..)(4) .
(1) منشورات دار الحياة.
(2)
انظر: ص 278 من هذا الكتاب.
(3)
المجلسي: «البحار» كتاب المزار: جـ 100 ص 134- 135.
(4)
الفيض الكاشاني: «الوافي» : باب فضل الكوفة ومساجدها. المجلد الثاني جـ8 ص 215.
ألا يكون هذا النص وأمثاله هو من الدوافع للقرامطة في فعلتهم وجريمتهم المشهورة في بيت الله الحرام وانتزاعهم الحجر الأسود من الكعبة المشرفة (1) ، ولكنهم لم يضعوه في الكوفة. وقد توجد حركة تحاول ذلك فمصادر الشيعة مزرعة لأمثال هذه الحركات.
هذه منزلة مشاهدهم ومزاراتهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(حدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى البيت العتيق، فيرون الإشراك بالله أعظم من عبادة الله، وهذا من أعظم الإيمان بالطاغوت)(2) وأقول كيف لو اطلع ابن تيمية رحمه الله على ما في البحار والوسائل والوافي؟!
رابعاً: غلوهم في مجتهديهم:
بعد اختفاء إمام الشيعة ادعى أربعة منهم على التوالي أنهم نواب الإمام - كما مر - وأعلن آخرهم انتهاء البابية. بمعنى الصلة المباشرة والدائمة بالإمام الغائب.
ثم قام مجتهدوهم بعد ذلك وادعوا النيابة عن الإمام الغائب وقالوا: (إن كانت النيابة الخاصة أو البابية قد انتهت فالنيابة العامة لم تنته، فنحن نواب الإمام) . والمهدي يقول: (أما الوقائع الحادثة
(1) انظر خبر ذلك في حوادث سنة 317 في المنتظم لابن الجوزي: (6/222) وما بعدها، و «البداية والنهاية» لابن كثير:(11/160)، وتاريخ ابن خلدون «العبر» :(3/191) .
(2)
«منهاج السنّة» : (2/124) الطبعة الأميرية.
فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) (1) . ولهذا يقول عالمهم المعاصر محمد رضا المظفر:(عقيدتنا في المجتهد أنه نائب للإمام (في حال غيبته وهو الحاكم والرئيس المطلق.. والراد عليه راد على الإمام والراد على الإمام راد على الله تعالى، وهو على حد الشرك بالله)(2) .
فأنت تلاحظ هنا أن الإمام الذي أضفوا عليه تلك الصفات الأسطورية قد ناب عنه المجتهدون وهذا في واقع الأمر ادعاء للمهدية بشكل ذكي وبطريقة مقنعة، إذ لا فرق بين ادعاء المهدية أو ادعاء النيابة عن المهدي في كل شيء، قد يكون هناك فارق واحد وهو أن كل مجتهد من مجتهديهم أعطوه لقب النائب عن الإمام فنحن أمام عدد من الأئمة المهديين لا مهدي واحد يقول الخميني:(إن معظم فقهائنا في هذا العصر تتوفر فيهم الخصائص التي تؤهلهم للنيابة عن الإمامة المعصوم)(3) .
وبدعوى النيابة عن الإمام امتصوا عرق الكادحين من الشيعة وأكلوا أموالهم باسم "خمس الإمام"، وبدعوى النيابة جعلوا لفتاويهم صفة القداسة، فالراد على المجتهد راد على الله.
وكما يؤكد الشيعة على أن كل إمامة غير إمامة الاثني عشر باطلة، فلا يعترفون بأي حكومة إسلامية غير حكم علي بن أبي طالب
(1)«الكافي» على هامش «مرآة العقول» : (4/55) . وانظر: «الاحتجاج» : (2/283) . وقد استدل الخميني بهذا (التوقيع) المزعوم عن المهدي في دعواه نيابة الفقيه عن المعصوم في كل شيء في كتابه «الحكومة الإسلامية» : ص 77.
(2)
محمد رضا المظفر: «عقائد الإمامية» : ص 34.
(3)
«الحكومة الإسلامية» : ص 113.
- كما سيأتي - فكذلك كل ولاية - أي سلطة - غير ولاية المجتهد الشيعي باطلة لأنه هو نائب الإمام المعصوم.
ومن علماء الشيعة من يرى أن ولاية الفقيه الشيعي عن الإمام المعصوم ليست في كل شيء بل هي محدودة في ولاية أمور الفتوى وولاية القضاء والأوقاف العامة وأموال الغائب وارث من لا وارث له وما شابه ذلك (1) ، لكن الخميني وطائفته يرون النيابة المطلقة عن الإمام الغائب ماعدا البدء بالجهاد (2) ، ومن أجل تأييد مذهبه هذا كتب كتابه «ولاية الفقيه» أو «الحكومة الإسلامية» ، وهذا الغلو من الخميني في دعوى النيابة المطلقة أصبح موضع اعتراض بعض الشيعة، يقول محمد جواد مغنية في كتاب صدر له حديثاً بعنوان «الخميني والدولة الإسلامية» :(قول المعصوم وأمره تماماً كالتنزيل من الله العزيز العليم (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى (، ومعنى هذا أن للمعصوم حق الطاعة والولاية على الراشد والقاصر والعالم والجاهل وأن السلطة الروحية والزمنية - مع وجوده - تنحصر به وحده لا شريك له، وإلا كانت الولاية عليه وليست له، علماً بأنه لا أحد فوق المعصوم عن الخطأ والخطيئة إلا من له الخلق والأمر عز وجل. أبعد هذا يقال إذا غاب المعصوم انتقلت ولايته بالكامل إلى الفقيه؟.. فما دامت هذه منزلة المعصوم فكيف يدعي النيابة الكاملة عنه؟)(3) .
(1) انظر: «الخميني والدولة الإسلامية» : ص 62 - 64.
(2)
أي أن الجهاد لا يبدأ به إلا مع الإمام المعصوم بخلاف الدفاع. انظر: «تحرير الوسيلة» : (1/482) .
(3)
محمد جواد مغنية: «الخميني والدولة الإسلامية» : ص 59.
أي كيف يدعي الخميني النيابة المطلقة عن الإمام الغائب، والإمام الغائب بمنزلة النبي أو الإله عندهم؟. وأقول أليس هذا تقمصاً لشخصية الإمام أو ادعاء للمهدية، ولذا فهو يسمى اليوم بالإمام وهو مصطلح له مفهوم الخاص عندهم كما ترى، فدعوى النيابة المطلقة عن الإمام هي بعث للإمامة والمهدية والتشيع من جديد.
ولا يرى الخميني من يتولى النيابة عن الإمام إلا الفقيه الشيعي يقول: (والفقيه هو وصي النبي وفي عصر الغيبة يكون إماماً للمسلمين وقائدهم)(1)، ويريد بالفقيه: الفقيه الرافضي لأن عقيدة الغيبة لا يؤمن بها إلا فقهاء الروافض.
ومن مظاهر الغلو في المجتهد ما مر بنا (2) من زعمهم أن مجتهديهم يلتقون بالإمام الغائب الذي هو في الواقع لم يولد، كما أن من مظاهر غلوهم في مجتهديهم أنهم قالوا بأن من لم يصل رتبة الاجتهاد يجب عليه أن يقلد مجتهداً حياً معيناً، وإلا فجميع عباداته باطلة لا تقبل منه (3) وإن صلى وصام وتعبد طول عمره إلا إذا وافق عمله رأي من يقلده بعد ذلك (4) .
وهذه المنزلة للمجتهدين عند الشيعة تذكرك بمنزلة الباباوات والقسس عند النصارى.
(1)«الحكومة الإسلامية» : ص 67.
(2)
انظر: ص 267 من هذا البحث.
(3)
ومن الطرائف لاعتقادهم هذا (أنه عندما مرض مجتهد في النجف استمر صيام مقلديه على الرغم من إفطار الآخرين من الشيعة من أجل أن مرض ذلك المجتهد حال دون سماع شهادة شهود الرؤية) . جلال الحنفي: «نقاش مع الخالصي» : ص 56.
(4)
محمد رضا المظفر: «عقائد الإمامية» : ص 55.
خامساً: كل حكومة غير حكومة الاثني عشر باطلة:
هذا من أصول الإيمان بإمام الاثني عشر وبهذا، جاءت رواياتهم، عن أبي جعفر قال:(كل راية ترفع قبل راية القائم (1)"ع" صاحبها طاغوت) (2)، قال شارح «الكافي» :(وإن كان رافعها يدعو إلى الحق)(3) ، وصحح المجلسي هذه الرواية (4) - عندهم -.
ولا تجوز الطاعة لحاكم ليس من عند الله - إلا على سبيل التقية - عن أبي جعفر "ع" قال: (قال الله تبارك وتعالى: لأعذبنَّ كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية، ولأعفونَّ عن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مسيئة)(5) .
ورواياتهم في هذا المعنى كثيرة، فمن أبواب صحيحهم «الكافي» باب (فيمن دان الله (بغير إمام من الله جل جلاله، وذكر فيه خمسة أحاديث في معصوميهم)(6) و (باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ومن جحد الأئمة أو بعضهم ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل، وذكر فيه اثني عشر حديثاً)(7) ، وفي البحار للمجلسي
(1) القائم من ألقاب مهديهم المنتظر.
(2)
«الكافي بشرحه» للمازندراني: (12/371)، وانظر:«البحار» : (25/113)، وانظر: النعماني: «الغيبة» : ص 56 - 57.
(3)
شرح المازاندراني على «الكافي» : (12/371) .
(4)
«مرآة العقول» : (4/378) .
(5)
الكليني: «الكافي» : (1/376)، وانظر:«البحار» : (25/110) .
(6)
الكليني: «الكافي» : (1/374 - 376) .
(7)
الكليني: «الكافي» : (1/372 - 374) .
(باب عقاب من ادعى الإمامة بغير حق أو رفع راية جور أو أطاع إماماً جائراً، وذكر فيه ثمانية عشر حديثاً)(1) .
والإمام الجائر، والظالم، والذي ليس أهل للإمامة، والإمام الذي ليس من عند الله، وما شابه ذلك من أوصاف، كل ذلك يطلقونه على حكام المسلمين من غير أئمتهم الاثني عشر وعلى رأس هؤلاء الحكام - الخلفاء الثلاثة الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان (- قال عالم الشيعة المجلسي صاحب «بحار الأنوار» عن الخلفاء الثلاثة الراشدين:(إنهم لم يكونوا إلا غاصبين جائرين مرتدين عن الدين، لعنة الله عليهم وعلى من اتبعهم في ظلم أهل البيت من الأولين والآخرين)(2) .
هذا ما يقوله إمامهم المجلسي - الذي يعدون كتابه «بحار الأنوار» من مصادرهم الأساسية في الحديث - هذا ما يقوله في أفضل الأمة بعد رسل الله وأنبيائه، فيمن أقاموا دولة الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كانت هذه نظرتهم لحكومة الخلفاء الثلاثة فكيف بمن بعدها.
وبناءً على اعتقادهم هذا في الحكومات الإسلامية تعمدوا الدس والتشويه للتاريخ الإسلامي، وافتعال الصراع بين الآل والأصحاب ومناصرة الأعداء ضد الدولة الإسلامية، لأنها غير شرعية في زعمهم وحكامها طواغيت في اعتقادهم.
وبناءً على مبدئهم في خلفاء المسلمين اعتبروا كل من يتعاون معهم طاغوتاً وجائراً وعلى رأسهم قضاة المسلمين وعلماؤهم، فيروي محدثهم
(1) المجلسي: «البحار» : (25/110) وما بعدها.
(2)
المجلسي: «البحار» : (4/385) .
الكليني بسنده عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث وتحاكما إلى السلطان وإلى القضاء أيحل ذلك؟؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما له يأخذ سحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً له لأنه أخذه بحكم الطاغوت.. (1) .
ويقول الخميني - معقباً على حديثهم هذا: (الإمام (نفسه ينهى عن الرجوع إلى السلاطين وقضاتهم، ويعتبر الرجوع إليهم رجوعاً إلى الطاغوت)(2) .
سادساً: الإمامة ركن من أركان الدين:
الإيمان بإمامة الأئمة الاثني عشر - بالمعنى السالف ذكره - ركن من أركان الدين عندهم وكتبهم مليئة بما يثبت هذا الشذوذ، من ذلك ما يرويه الكليني بسنده عن أبي جعفر قال:(بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه - يعني الولاية -)(3) .
فالولاية - أي إمامة الاثني عشر - يعتبرونها الركن الخامس للإسلام، ويزعمون أنها محل الاهتمام والعناية من الشارع كما يدل
(1) الكليني: «الكافي» : (1/67)، و «التهذيب» :(6/301)، «من لا يحضره الفقيه» :(3/5) ، «الوسائل» المجلد الثامن عشر، أبواب صفات القاضي الباب 11 ص 98.
(2)
«الحكومة الإسلامية» : ص 74.
(3)
الكليني: «الكافي» ، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام:(2/18) ، رقم 3 وانظر أيضاً ص 21 رقم 7، 8، قال في شرح الكافي في بيان درجة هذا الحديث عندهم:(موثق كالصحيح) أي هو صحيح عندهم. «الشافي شرح الكافي» : (5/28 رقم 1487) .
على ذلك قوله: (ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية..) ، وما ندري أين هذا الاهتمام المزعوم وكتاب الإسلام العظيم كتاب الله تذكر فيه وتكرر أركان الإسلام من الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة والحج ولا ذكر فيه لشأن ولاية أئمتهم الاثني عشر..
وأحياناً يجعلون أركان الإسلام ثلاثة الولاية أحدها. يروي الكليني بسنده عن الصادق "ع" قال: (أثافي الإسلام ثلاثة: الصلاة والزكاة والولاية، ولا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتيها)(1) .
ويقولون إن الولاية أفضل أركان الإسلام، فعن زرارة عن أبي جعفر قال:(بني الإسلام على خمسة أشياء؛ على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة: قلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل..)(2) .
ويقولون إن الولاية لا رخصة فيها، فعن أبي عبد الله قال:(إن الله افترض على أمة محمد خمس فرائض: الصلاة والزكاة والصيام والحج وولايتنا، فرخص لهم في أشياء من الفرائض الأربعة (3) ، ولم يرخص لأحد من المسلمين في ترك ولايتنا لا والله ما فيها رخصة) (4) .
(1)«الكافي» ، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام:(2/18 رقم 3) .
(2)
المصدر السابق: (2/18)، وقد قال في «الشافي» في بيان درجة الحديث عندهم:(صحيح) . «الشافي» : (5/59)، وقد ورد حديثهم هذا في:«تفسير العياشي» : (1/191)، «تفسير البرهان» :(1/303)، «البحار» :(1/394) .
(3)
قال المجلسي: (قوله: فرخص لهم في أشياء، أي كقصر الصلاة في السفر وترك الصيام في السفر والمرض والحج والزكاة مع عدم الاستطاعة)«مرآة العقول» : (4/369) .
(4)
«الكافي» على هامش «مرآة العقول» : (4/369)، وانظر:«الكافي» طبعة طهران: (2/22) .
قال شيخهم المجلسي عن حديثهم هذا: (صحيح)(1) . وكفى في تصحيح أمثال هذه الروايات عار وسبّة.
سابعاً: تكفيرهم لمن أنكر إمامة الأئمة الاثني عشر:
وردت روايات كثيرة عندهم تكفر من أنكر إمامة الأئمة الاثني عشر، وهذا التكفير يشمل خلفاء المسلمين من أبي بكر (إلى أن تقوم الساعة - ما عدا حكم علي والحسن رضي الله عنهما لأنهم ادعوا الإمامة بغير حق، كما يشمل الشعوب الإسلامية التي بايعت خلفاء المسلمين من عهد أبي بكر إلى أن تقوم الساعة، لأنها بايعت إماماً ليس من عند الله. ومن رواياتهم في ذلك:
عن أبي عبد الله "ع" قال: (من ادعى الإمامة وليس من أهلها فهو كافر)(2) وأهلها هم الأئمة الاثني عشر أو من ينوب عنهم من فقهاء الشيعة.
وعن أبي عبد الله قال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم من ادعى إمامة من الله ليست له، ومن جحد إماماً من الله، ومن زعم أن لهما (3) في الإسلام نصيباً) (4) .
فهذا تكفير للأمة شنيع لم يبلغ الخوارج مبلغه تكفير للأحياء
(1)«مرآة العقول» : (4/369) .
(2)
«الكافي» ، كتاب الحجة، باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل:(1/372) .
(3)
يعنون بهما اللذين أقاما دولة الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم ونشرا دينه، الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر.
(4)
«الكافي» ، كتاب الحجة، باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل إلخ:(1/373)، وانظر:«تفسير العياشي» : (1/178)، «تفسير البرهان» :(1/293)، «البحار» :(8/218) .
والأموات، حقد عظيم على أمة الإسلام وخلفاء المسلمين.
والعبادة عندهم لا قبول لها إلا بالإيمان بولاية الاثني عشر، ففي «البحار» للمجلسي:(.. لو أن عبداً عبد الله ألف سنة وجاء بعمل 72 نبيّاً ما تقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت، وإلا أكبه الله على منخريه في نار جهنم)(1) .
وعن الصادق - كما يفترون - قال: (الجاحد لولاية علي كعابد الوثن)(2) .
وعقد المجلسي في «البحار» عدة أبواب في هذا المعنى منها:
(باب أنه لا تقبل الأعمال إلا بالولاية) وذكر فيه واحداً وسبعين حديثاً لهم (3) .
(باب ثواب حبهم ونصرهم وولايتهم صلوات الله عليهم وأنهم أمان من النار) وذكر فيه 150 حديثاً (4) .
(باب
…
أنه يسأل عن ولايتهم في القبر) وفيه 22 حديثاً (5) .
(باب ذم مبغضهم وأنه كافر حلال الدم وثواب اللعن على أعدائهم) وذكر فيه 62 حديثاً (6) .
(باب أنهم شفعاء الخلق، وأن إياب الخلق إليهم وحسابهم عليهم،
(1)«البحار» : (27/197) .
(2)
المصدر السابق: (27/181) .
(3)
«البحار» : (27/166) وما بعدها.
(4)
«البحار» : (27/73- 144) .
(5)
«البحار» : (27/157- 165) .
(6)
«البحار» : جـ 27، ص 218- 239.
وأنه يسأل عن حبهم وولايتهم في يوم القيامة) وفيه 15 حديثاً (1) .
وجاء كلام علمائهم مؤكداً لهذا الضلال.
قال ابن بابويه القمي في رسالته في الاعتقادات:
(واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من بعده "ع" أنه بمنزلة من جحد نبوة الأنبياء.
واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من آمن بجميع الأنبياء ثم أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. وقال النبي - صلى الله عليه وآله - كما يفتري هذا القمي - (الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي فمن أنكر واحداً منهم فقد أنكرني)(2) .
وقال القمي: (فمن ادعى الإمامة وليس بإمام فهو الظالم الملعون، ومن وضع الإمامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون وقال النبي - صلى الله عليه وآله - من جحد عليّاً إمامته من بعدي فإنما جحد نبوتي، ومن جحد نبوتي فقد جحد ربوبيته، وقال الصادق: من شك في كفر أعدائنا والظالمين لنا فهو كافر)(3) .
وابن المطهر الحلي يعد من لم يؤمن بأئمتهم أشد شرّاً من اليهود والنصارى؛ يقول: (الإمامة لطف عام (4) والنبوة لطف خاص لإمكان
(1)«البحار» : جـ27، ص 311- 317.
(2)
و (3)«اعتقادات» ابن بابويه: ص 111 - 114 عن «البحار» ، المجلسي: جـ 27 ص 62.
(4)
يقولون: (كل ما يقرب المكلفين إلى الطاعة ويبعدهم عن المعاصي يسمى لطفاً اصطلاحاً)«الألفين» : ص5.
خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام، وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص) (1) .
وقال عالمهم نعمة الله الجزائري: (لم نجتمع معهم - الأشاعرة ومتابعوهم - على إله ولا على نبي ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون أن ربهم هو الذي كان محمد (نبيه وخليفته بعده أبو بكر ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا)(2) .
وقال مفيدهم: (اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار)(3) .
وقال: (اتفقت الإمامية على أن أصحاب البدع كلهم كفار، وأن على الإمام أن يستتيبهم عند التمكن بعد الدعوة لهم وإقامة البينات عليهم، فإن تابوا من بدعهم وصاروا إلى الصواب وإلا قتلهم لردتهم عن الإيمان، وإن من مات منهم على ذلك فهو من أهل النار)(4) .
وقال شيخهم الطوسي: (ودفع الإمامة كفر كما أن دفع النبوة كفر لأن الجهل بهما على حد واحد)(5) .
وقال المجلسي: (وقد وردت أخبار متواترة أنه لا يقبل عمل من الأعمال إلا بالولاية)(6) .
(1) ابن المطهر الحلي: «الألفين» : ص3.
(2)
«الأنوار النعمانية» : (2/279) .
(3)
«المسائل» عن «البحار» : (8/366) .
(4)
«أوائل المقالات» : ص 53، وانظر:«البحار» : (8/366) .
(5)
«تلخيص الشافي» : (4/131)، وانظر: المجلسي: «البحار» : (8/368) .
(6)
«البحار» : (8/369) .
هذا تكفير عام لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وضع قواعده أعداؤها
…
ومن علماء الشيعة من قال إن منكر الإمامة لا يكفر بل يفسق، ولكن قال إنه إذا مات فهو في النار، ولا يخالف في هذا أحد من الشيعة، ولكن هل يخلد في النار؟ اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:
1-
أنهم مخلدون.
2-
أنهم يخرجون من النار إلى الجنة.
3-
أنهم يخرجون من النار لعدم الكفر الموجب للخلود ولا يدخلون الجنة لعدم الإيمان المقتضي لاستحقاق الثواب (1) .
ورجح شيخهم المجلسي القول بالخلود، ورد على المنكرين من قومه فقال:
(القول بعدم خلودهم في النار نشأ من عدم تتبعهم للأخبار، والأحاديث الدالة على خلودهم متواترة أو قريبة منها، نعم الاحتمالان الأخيران - رقم 2 - 3 من الأقوال - آتيان في المستضعفين منهم (2) ، والقول بخروج غير المستضعفين من النار قول مجهول القائل نشأ بين المتأخرين الذين لا معرفة لهم بالأخبار ولا بأقوال القدماء الأخيار) (3) .
هذا رأي الشيعة فيمن أنكر إمامة أئمتهم الاثني عشر وهو تكفير شنيع للمسلمين، وجرأة على الله في الحكم على عباده المؤمنين بالنار، وهكذا تجعل الشيعة «الجنة» وقفاً على من يؤمن بأئمتهم، والنار هي مصير من ينكرهم.
(1) انظر ابن المطهر الحلي «كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد» : ص423 -424، «البحار» :(8/364، 465) .
(2)
وهم - كما يقول المجلسي: (الضعفاء العقول مثل النساء العاجزات والبله وأمثالهم ومن لم يتم عليه الحجة ممن يموت في زمان الفترة أو كان في موضع لم يأت إليه خبر الحجة، فهم المرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، فيرجى لهم النجاة من النار)، المجلسي:«البحار» : (8/363) .
(3)
«البحار» : (8/365) .
ثامناً: منزلة من آمن بهؤلاء الأئمة الاثني عشر (وهم الشيعة) :
كما يغالي الشيعة في تكفير المسلمين لأنهم لا يؤمنون بأئمتهم يغالون في بيان منزلة الشيعي الذي يؤمن بهؤلاء الأئمة، ورواياتهم في هذا الباب كثيرة جدّاً، فمن أبواب (البحار) في هذا الموضوع:
(باب أن الشيعة هم أهل دين الله وهم على دين أنبيائه وهم على الحق ولا يغفر إلا لهم ولا يقبل إلا منهم)(1) .
(باب فضل الرافضة ومدح التسمية بها)(2) .
(باب الصفح عن الشيعة وشفاعة أئمتهم فيهم)(3) وغيرها من أبواب.
ومن رواياتهم في هذا المعنى عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر يقول: (ما أحد من هذه الأمة يدين بدين إبراهيم إلا نحن وشيعتنا، ولا هدى من هُدِي من هذه الأمة إلا بنا ولا ضلّ من ضل من هذه الأمة إلا بنا)(4) .
وقال أبو عبد الله: (شيعتنا أقرب الخلق من عرش الله (يوم القيامة)(5) . وقال - كما يفترون - مخاطباً الشيعة: (أنتم للجنة والجنة لكم، أسماؤكم عندنا الصالحون والمصلحون، وأنتم البرية، دياركم لكم جنة، وقبوركم لكم جنة، للجنة خلقتم، وفي الجنة
(1) المجلسي: «البحار» : (68/83- 96) .
(2)
المصدر السابق: (68/96- 98) .
(3)
المصدر السابق: (68/149- 198) .
(4)
«الكافي» بشرحه للمازندراني: (12/331- 332) .
(5)
المصدر السابق: (12/305) .
نعيمكم، وإلى الجنة تصيرون) (1) .
وعن عبد الله بن ميمون عن أبي جعفر قال: (يا ابن ميمون كم أنتم بمكة؟ قال: نحن أربعة - أي من الشيعة - قال: إنكم نور في ظلمات الأرض)(2) .
وقال علي - كما يزعمون -: (لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على أمته ساخط إلا الشيعة، ألا وإن لكل شيء عزّاً وعز الإسلام الشيعة، ألا وإن لكل شيء دعامة ودعامة الإسلام الشيعة، ألا وإن لكل شيء شرفاً وشرف الإسلام الشيعة، ألا وإن لكل شيء سيداً وسيد المجالس مجالس الشيعة، ألا وإن لكل شيء إماماً وإمام الأرض أرض تسلكها الشيعة، والله لولا ما في الأرض منكم ما رأيت بعين (عشباً) أبداً، والله لولا ما في الأرض منكم ما أنعم الله على أهل خلافكم ولا أصابوا الطيبات، ما لهم في الدنيا ولا لهم في الآخرة من نصيب) (3) .
وفي «البحار» أن سماعة بن مهران قال لجعفر الصادق: (نحن شر الناس عند الناس لأنهم سمونا كفاراً ورافضة.. قال جعفر: كيف بكم إذا سيق بكم إلى الجنة وسيق بهم إلى النار؟.. إن من أساء منكم إساءة مشينا إلى الله تعالى يوم القيامة بأقدامنا فنشفع له فنشفّع، والله لا يدخل النار منكم ثلاثة رجال، والله لا يدخل النار منكم رجل واحد..)(4) .
(1)«الكافي» بشرحه للمازندراني، كتاب الروضة:(12/305) .
(2)
المجلسي: «البحار» : جـ 68 ص 39، وانظر:«رجال الكشي» : ص 212.
(3)
«الكافي» مع شرحه للمازندراني: (12/270- 271) .
(4)
المجلسي: «البحار» : (68/117)، وانظر:«أمالي الطوسي» : (1/301) .
وقد مضى ذكر بعض رواياتهم التي تعتبر غير الشيعة أولاد زنا (1) .
وجاءت بعض رواياتهم تقول إن غير الشيعة قردة وخنازير (2) .
ويسمون أنفسهم الخاصة وغيرهم بالعامة (3) .
هذه بعض مزاعمهم في "أنفسهم" وهي تشبه مزاعم اليهود والنصارى الذين قالوا - فيما حكى الله عنهم - (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى)، وقال سبحانه رداً عليهم:(تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)(4) .
وتلك المزاعم من مثل زعم اليهود والنصارى، كما قال سبحانه عنهم:(وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)(5) .
وهذه الدعاوى في أخبار الشيعة كانت ترتد بواقع الشيعة السّيء بالمقارنة بواقع المسلمين الآخرين حتى شكوا ذلك لأئمتهم. قال عبد الله بن يعفور لأبي عبد الله "ع": (إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتلون فلاناً وفلاناً - أي أبو بكر
(1) انظر: ص 303، هامش رقم 2.
(2)
المجلسي: «البحار» : (68/118) .
(3)
وهذا شائع في كتبهم القديمة والمعاصرة.
(4)
البقرة: الآيتان 111، 112.
(5)
المائدة: آية 18.